فصل: ثم دخلت سنة تسع وسبعين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


وفي هذه السنة‏:‏

 دخل شبيب الكوفة

وذلك أنه لما قتل صالح كان قتله يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقين من جمادى الآخرة - فقال شبيب لأصحابه‏:‏ بايعوني أو بايعوا من شئتم فبايعوه فخرج فقتل من قدر عليه وبعث الحجاج جندًا في طلبه فهزمهم فبعث إليهم سورة بن الأبجر فذهب شبيب إلى المدائن فأصاب منها وقتل من ظهر له ثم خرج فأتى النهروان فتوضأ هو وأصحابه وصلوا وأتوا مصارع إخوانهم الذين قتلهم علي بن أبي طالب فاستغفروا لإخوانهم وتبرأوا من علي وأصحابه وبكوا فأطالوا البكاء ثم خرجوا فقطعوا جسر النهروان ونزلوا في جانبه الشرقي ثم التقوا فهزموا سورة فمضى فله إلى الحجاج فقال‏:‏ قبح الله سورة ثم دعا عثمان بن سعيد فقال‏:‏ تيسر للخروج إلى هذه المارقة فإذا لقيتهم فلا تعجل عجلة الخرق النزق ولا تحجم إحجام الواني الفرق‏:‏ فقال‏:‏ لا تبعث معي أحدًا من أهل هذا الفل قال‏:‏ لك ذاك ثم أخرج مع أربعة آلاف فجعل كلما مضى إلى مكان رحل شبيب إلى مكان أراده أن يتعجل إليه في فل من أصحابه فما زالوا يتراوغون ويذهبون من مكان إلى مكان ويقتتلون إذا التقوا وينهزمون‏.‏

فطال ذلك على الحجاج فولى سعيد بن المجالد على ذلك الجيش وقال له‏:‏ اطلبهم طلب السبع ولا تفعل فعل عثمان‏.‏

فلقوهم فانهزم أصحاب سعيد وثبت هو فضربه شبيب فقتله ورجع الناس إلى أميرهم الأول عثمان فبعث الحجاج سويد بن عبد الرحمن في ألفي فارس وقال‏:‏ اخرج إلى شبيب فالقه فخرج فلقيه فحمل عليه شبيب حملة منكرة ثم أخذ نحو الحيرة فتبعه سويد وخرج الحجاج نحو الكوفة فبادره شبيب إليها فنزل الحجاج الكوفة صلاة العصر ونزل شبيب السبخة صلاة المغرب ثم دخل الكوفة وجاء حتى ضرب باب القصر بعموده ثم خرج من الكوفة فنادى الحجاج وهو فوق القصر‏:‏ يا خيل الله اركبي‏.‏

وبعث بسر بن غالب في ألفين وزائدة بن قدامة في ألفين وأبا الضريس في ألف من الموالي‏.‏

وخرج شبيب من الكوفة فأتى المردمة ثم مضى نحو القادسية ووجه الحجاج زحر بن قيس في جريدة خيل نقاوة ألف وثمانمائة فارس فالتقيا فنزل زحر فقاتل حتى صرع وانهزم أصحابه‏.‏

وانعطف شبيب على الأمراء المبعوثين إليه فالتقوا فاقتتلوا قتالًا شديدًا وكانت الكرة لشبيب فقال الناس‏:‏ ارفعوا السيف وادعوا الناس إلى البعة ثم إنه ارتحل وكان الحجاج تقول‏:‏ أعياني شبيب‏.‏

ثم دعا عبد الرحمن بن محمد الأشعث فقال‏:‏ انتخب ستة آلاف واخرج في طلب هذا العدو فلما اجتمع العسكر كتب إليهم الحجاج‏:‏ أما بعد فإنكم قد اعتدتم عادة الأذلاء وقد صفحت لكم مرة بعد مرة وإني أقسم بالله عز وجل قسمًا صادقًا إن عدتم لذلك لأوقعن بكم إيقاعًا يكون أشد عليكم من هذا العدو الذي تهربون منه في بطون الأودية والشعاب‏.‏

وبعث إلى عبد الرحمن عند طلوع الشمس فقال‏:‏ ارتحل الساعة وناد في الناس‏:‏ برئت الذمة من هذا البعث وجدناه متخلفًا فخرج حتى مر بالمدائن فنزل بها يومًا وليلة واشترى أصحابه حوائجهم ثم نادى بالرحيل ودخل على عثمان بن قطن فقال له عثمان‏:‏ إنك تسير إلى فرسان العرب وأبناء الحرب وأحلاس الخيل والله لكأنهم خلقوا من ضلوعها الفارس منهم أشد من مائة فلا تلقهم إلا في تعبية أو في خندق فخرج في طلب شبيب فارتفع شبيب إلى دقوقاء‏.‏

وكتب الحجاج إلى عبد الرحمن‏:‏ أن اطلب شبيبًا أين سلك حتى تدركه فتقتله أو تنفيه‏.‏

وكان شبيب يدنو من عبد الرحمن فيجده قد خندق على نفسه وحذر فيمضي عنه فإذا بلغه أنه قد سار انتهى إليه فوجده قد صف الخيل فلا يصيب له غرة فإذا دنا منه عبد الرحمن ارتحل خمسة عشر فرسخًا أو عشرين فنزل منزلًا غليظًا خشنًا‏.‏

ثم إن الحجاج عزل عبد الرحمن وولى عثمان بن قطن وعلى أصحابه فخرج شبيب في مائة وواحد و ثمانين رجلًا فحمل عليهم فانهزموا ودخل شبيب عسكرهم وقتل نحوًا من ألفين من ذلك العسكر وقيل لابن الأشعث‏:‏ قد ذهب الناس وتفرقوا وقتل خيارهم فرجع إلى الكوفة فاختبأ من الحجاج حتى أخذ له الأمان بعد ذلك‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 ولى عبد الملك أبان بن عثمان المدينة

في رجب‏.‏ وأقام أبان الحج للناس في هذه السنة واستقضى أبان نوفل بن مساحق‏.‏

وكان على خراسان أمية بن عبد الله بن خالد وعلى قضاء الكوفة شريح وكان قد استعفى من القضاء قديمًا فولى مكانه أبو بردة وعلى البصرة زرارة بن أوفى‏.‏

وفيها‏:‏ ولد مروان بن محمد بن مروان‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

حبة بن جوين

ابن علي أبو قدامة العرني الكوفي‏:‏ ورد المدائن في حياة حذيفة‏.‏

وحدث عن ابن مسعود وعن علي رضي الله عنه‏.‏وشهد وقعة النهروان‏.‏

وكان ثقة عند القوم وضعفه الأكثرون‏.‏ وتوفي في هذه السنة‏.‏

يقال‏:‏ إن له صحبة شهد الفتح بمصر وقتله الروم ببرقة في هذه السنة‏.‏

وكان سبب قتله أن الصريخ أتى بنزول الروم على برقة فأمره عبد العزيز بالنهوض إليهم فنهض فقتل‏.‏

شريح بن الحارث بن قيس

أبو أمية القاضي‏:‏ ولاه عمر الكوفة وأسند الحديث عن عمر وعلي‏.‏

أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر عن أبي محمد الجوهري عن ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا موسى بن إسماعيل قال‏:‏ حدثنا وهيب عن داود عن عامر‏:‏ أن ابنًا لشريح قال لأبيه‏:‏ إن بيني وبين قوم خصومة فانظر فإن كان الحق لي خاصمتهم وإن لم يكن لي الحق أخاصم‏.‏

فقص قصته عليه فقال‏:‏ انطلق فخاصمهم‏.‏

فانطلق إليهم فتخاصموا إليه فقضى على ابنه فقال له لما رجع داره‏:‏ والله لو لم أتقدم إليك لم ألمك فضحتني‏.‏

فقال‏:‏ يا بني والله لأنت أحب إلي من ملء الأرض مثلهم ولكن الله هو أعز علي منك خشيت أن أخبرك أن القضاء عليك فتصالحهم فيذهب ببعض حقهم‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن أحمد بن عبد الله الملطي قال‏:‏ أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم قال‏:‏ حدثني جدي محمد بن عبد الكريم قال‏:‏ حدثنا الهيثم بن عدي قال‏:‏ حدثنا مجالد عن الشعبي قال‏:‏ شهدت شريحًا وجاءته امرأة تخاصم رجلًا فأرسلت عينيها فبكت فقلت‏:‏ أبا أمية ما أظن هذه البائسة إلا مظلومة فقال‏:‏ يا شعبي إن أخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي القاسم قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال‏:‏ حدثنا أبو حامد بن جبلة قال‏:‏ حدثنا محمد بن إسحاق قال‏:‏ حدثنا محمد بن مسعود قال‏:‏ حدثنا عبد الرزاق قال‏:‏ أخبرنا معمر عن ابن عون عن إبراهيم عن شريح‏:‏ أنه قضى على رجل باعترافه فقال‏:‏ يا أبا أمية قضيت علي بغير بينة فقال‏:‏ أخبرني ابن أخت خالتك‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن علي التميمي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن مالك قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي حيان التيمي قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ كان شريح إذا مات لأهله سنور أمر بها فألقيت في جوف داره ولم يكن له مثعب شارع إلا توفي شريح في هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ سنة ثمان وسبعين‏.‏

وقد بلغ مائة وثماني سنين‏.‏

وذكر ابن عبد البر أنه توفي سنة سبع وثمانين وأنه بلغ من العمر مائة سنة‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وسبعين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 قتل شبيب عتاب بن ورقاء الرياحي

وزهرة بن حيوية وذلك أن شبيبًا لما هزم الجيش الذي بعثه الحجاج مع ابن الأشعث وقتل عثمان بن قطن أوى من الحر إلى بلده يصيف بها ثم خرج في نحو من ثمانمائة رجل فأقبل نحو المدائن فندب الحجاج الناس فقام إليه زهرة بن حيوية وهو شيخ كبير فقال‏:‏ إنك إنما تبعث الناس متقطعين فاستنفر الناس كافة وابعث إليهم رجلًا شجاعًا ممن يرى الفرار عارًا‏.‏

فقال له الحجاج‏:‏ فأنت لها فقال‏:‏ إني قد ضعفت ولكن أخرجني مع الأمير أشير عليه برأيي‏.‏

فكتب الحجاج إلى عبد الملك‏:‏ إن شبيبًا قد شارف المدائن وإنما يريد الكوفة وقد عجز أهل الكوفة عن قتاله في مواطن كثيرة في كلها يقتل أمراءهم ويفل جنودهم فإن رأى أمير المؤمنين أن يبعث إلى أهل الشام فيقاتلون عدوهم ويأكلون فيئهم فليفعل‏.‏

فلما قرأ الكتاب بعث إليه سفيان بن الأبرد في أربعة آلاف وبعث حبيب بن عبد الرحمن في ألفين وتجهز أهل الكوفة أيضًا وقد بعث الحجاج إلى عتاب بن ورقاء وهو مع المهلب فبعثه على ذلك الجيش فاجتمعوا خمسين ألفًا ومع شبيب ألف رجل فخرج في ستمائة وتخلف عنه أربعمائة فقال‏:‏ قد تخلف عنا من لا يحب أن يرى فينا‏.‏

ثم عبى أصحابه وحمل على الميمنة ففضها وانهزمت الميسرة وكان عتاب في القلب وزهرة جالسًا معه فغشيهم فطعن عتاب بن ورقاء ووطئت الخيل زهرة وجاءه الفضل بن عامر الشيباني فقتله وتمكن شبيب من العسكر وحوى ما فيه فقال‏:‏ ارفعوا عنهم السيف ثم دعا إلى البيعة فبايعه الناس من ساعتهم وهربوا تحت اليل فأقام شبيب يومين وبعث إلى أخيه فأتاه من المدائن ثم أقبل إلى الكوفة وبعث الحجاج إليه جيشًا فهزمهم وجاء شبيب حتى ابتنى مسجدًا في أقصى السبخة فلما كان في اليوم الثالث أخرج الحجاج مولاه أبو الورد عليه تجفاف وأخرج مجففة كثيرة جعلهم على هيئة الغلمان له وقالوا‏:‏ هذا الحجاج فحمل عليه شبيب فقتله وقال‏:‏ إن كان هذا الحجاج فقد أرحتكم منه ثم أخرج إليه غلامًا آخر فقتله‏.‏

ثم خرج الحجاج وقت ارتفاع النهار من القصر فقال‏:‏ ائتوني ببغل أركبه إلى السبخة فأتوه فلما نظر إلى السبخة وإلى شبيب وأصحابه نزل وكان شبيب في ستمائة فارس فقعد الحجاج على كرسي وأخذ يمدح أهل الشام ويقول‏:‏ أنتم أهل السمع والطاعة فلا يغلبن باطل هؤلاء الأرجاس حقكم غضوا الأبصار واجثوا على الركب واستقبلوا القوم بأطراف الأسنة‏.‏

فاقتتلوا قتالًا شديدًا ثم حمل شبيب بجميع أصحابه ونادى الحجاج بجماعة الناس فوثبوا في وجهه فما زالوا يطعنون ويضربون فنادى شبيب‏:‏ يا أولياء الله الأرض ثم نزل وأمر أصحابه فنزل بعضهم فقال خالد بن عتاب‏:‏ ائذن لي في قتالهم فإني موتور وأنا ممن لا يتهم في نصيحته فقال‏:‏ قد أذنت فأتاهم من ورائهم فقتل مصادًا أخا شبيب وغزالة امرأة شبيب‏.‏

وجاء الخبر إلى الحجاج فقال لأهل الشام‏:‏ شدوا عليهم فقد أتاهم ما أرعب قلوبهم فشدوا عليهم فهزموهم وتخلف شبيب في حامية الناس ثم عبر على الجسر وقطعه‏.‏

وفي رواية‏:‏ أن غزالة امرأة شبيب نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة وآل عمران فدخل بها شبيب الكوفة فوفت بنذرها‏.‏

ولما رحل شبيب بعث الحجاج حبيب بن عبد الرحمن الحكمي في أثره في ثلاثة آلاف من أهل الشام وقال له‏:‏ حيث ما لقيته فنازله وبعث الحجاج إلى العمال أن دسوا إلى أصحاب شبيب أن من جاءنا منهم فهو آمن فكان كل من ليست له تلك البصيرة ممن قد هده القتال يجيء فيؤمن فتفرق عنه ناس كثير من أصحابه وبلغ شبيب أن عبد الرحمن بالأنبار فأقبل بأصحابه فبيتهم فما قدر عليهم بشيء لأنهم قد احترزوا وجرت مقتلة وسقطت أيد وفقئت أعين فقتل من أصحاب شبيب نحو من ثلاثين ومن الآخرين نحو من مائة فمل الفريقان بعضهم بعضًا من طول القتال ثم انصرف عنهم شبيب وهو يقول لأصحابه‏:‏ ما أشد هذا الذي بنا لو كنا إنما نطلب الدنيا وما أيسر هذا في جانب ثواب الله عز وجل ثم حدث أصحابه فقال‏:‏ قتلت أمس منهم رجلين أحدهما أشجع الناس والآخر أجبن الناس خرجت عشية أمس طليعة لكم فلقيت منهم ثلاثة نفر دخلوا القرية يشترون منها حوائجهم فاشترى أحدهم حاجته ثم خرج قبل أصحابه وخرجت معه فقال لي‏:‏ أتشتري علفًا فقلت‏:‏ إن لي رفقاء قد كفوني ذلك أين ترى عدونا هذا فقال‏:‏ قد بلغني أنه نزل قريبًا منا وأيم الله لوددت أني قد لقيت شبيبهم هذا قلت فتحب ذلك قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ فخذ حذرك فأنا والله شبيب فانتضيت سيفي فخر والله ميتًا وانصرفت فلقيت الآخر خارجًا من القرية فقال لي‏:‏ أين تذهب الساعة وإنما يرجع الناس إلى عسكرهم فلم أكلمه ومضيت فتبعني حتى لحقني فعطفت عليه فقلت له‏:‏ مالك فقال‏:‏ أنت والله عدونا فقلت‏:‏ أجل والله فقال‏:‏ والله لا تبرح حتى تقتلني أو أقتلك فحملت عليه وحمل علي فاضطربنا بسيفينا ساعة فوالله ما فضلته في شدة نفس ولا إقدام إلا أن سيفي كان أقطع من سيفه فقتلته‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ هلك شبيب الخارجي في قول هشام بن محمد‏.‏

وقال غيره‏:‏ كان هلاكه في سنة ثمان وسبعين‏.‏

والسبب في هلاكه أن الحجاج أمر سفيان بن الأبرد أن يسير إلى شبيب وكان شبيب قد أقام بكرمان حتى انجبر واستراش هو وأصحابه ثم أقبل راجعًا فاستقبله سفيان بجسر دجيل الأهواز وكان الحجاج قد كتب إلى الحكم بن أيوب وهو زوج بنت الحجاج وعامله على البصرة في أربعة آلاف إلى شبيب ومره فليلحق بسفيان بن الأبرد وليسمع له وليطع‏.‏

فبعث إليه زياد بن عمرو العتكي في أربعة آلاف فلم ينته إلى سفيان حتى التقى سفيان بشبيب بجسر دجيل فعبر شبيب إلى سفيان فاقتتلوا وكر شبيب عليهم أكثر من ثلاثين كرة فجالدهم أصحاب سفيان حتى اضطروهم إلى الجسر فنزل شبيب ونزل معه نحو من مائة فاقتتلوا حتى المساء فدعا سفيان الرماة فقال‏:‏ ارشقوهم بالنبل فركب شبيب وأصحابه وكروا على أصحاب النبل كرة صرعوا منهم أكثر من ثلاثين ثم عطف خيله على الناس فطاعنوه حتى اختلط الظلام ثم انصرف عنهم‏.‏

وقد أحب الناس انصرافه لما يلقون منه فلما أراد العبور نزل حافر فرسه عن جنب السفينة فسقط في الماء فقال‏:‏ ‏{‏ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا‏}‏‏.‏

فارتمس في الماء ثم ارتفع فقال‏:‏ ‏{‏ذلك تقدير العزيز العليم‏}‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ أنه كان معه قوم لم يكن لهم تلك البصيرة النافذة وقد كان قد قتل من عشائرهم خلقًا كثيرًا فأوجع بذلك قلوبهم فلما تخلف في أواخر أصحابه حين العبور قال بعضهم لبعض‏:‏ هل لكم أن نقطع به الجسر فندرك ثأرنا الساعة فقطعوا الجسر فمالت السفن ففزع الفرس ونفر فوقع في الماء‏.‏

والحديث الأول هو المشهور وجاء صاحب الجسر إلى سفيان فقال‏:‏ إن رجلًا منهم وقع في الماء فتنادوا بينهم‏:‏ غرق أمير المؤمنين وانصرفوا وتركوا عسكرهم ليس فيه أحد فكبر سفيان ثم أقبل حتى انتهى إلى الجسر وبعث مهاجر بن صيفي فعبر إلى عسكرهم فإذا ليس فيه منهم صافر ولا آثر فنزل فيه فإذا أكثر خلق الله خيرًا‏.‏

فاستخرجوا شبيبًا وعليه الدرع فزعموا أنه شق عن بطنه فأخرج قلبه فكان مجتمعًا صلبًا كأنه صخرة وإنه كان يضرب به الأرض فيثب قامة الإنسان‏.‏

وكان لما نعي إلى أمه وقيل قتل لم تصدق فلما قيل لها‏:‏ إنه غرق صدقت وقالت‏:‏ إني رأيت حين ولدته أنه خرج مني شهاب نار فعلمت أنه لا يطفئه إلا الماء‏.‏

وقد روى أبو مخنف عن فروة بن لقيط‏:‏ أن يزيد بن نعيم أبا شبيب كان ممن دخل في جيش سلمان بن ربيعة إذ بعث به الوليد بن عقبة على أمر عثمان بن عفان إياه بذلك مددًا لأهل الشام إلى أرض الروم فلما قفل المسلمون أقيم السبي للبيع فرأى يزيد بن نعيم جارية حمراء لا شهلاء ولا زرقاء طويلة جميلة تأخذها العين فابتاعها وذلك سنة خمس وعشرين أول السنة فلما أدخلها الكوفة قال‏:‏ أسلمي فأبت فضربها فلم تزدد إلا عصيانًا فأمر بها فأصلحت له ثم أدخلت عليه فلما تغشاها حملت فولدت له شبيبًا في ذي الحجة يوم النحر وكان يوم السبت وأسلمت قبل أن تلده وقالت‏:‏ إني قد رأيت في النوم أنه خرج من قبلي شهاب نار فسطع حتى بلغ السماء والآفاق كلها فبينا هو كذلك إذ وقع في ماء كثير جار فخبا وقد ولدته في يومكم هذا الذي تهريقون فيه الدماء وإني قد أولت رؤياي هذه أني أرى ولدي سيكون صاحب دماء يهريقها وإني أرى أمره سيعلو ويعظم‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ خرج مطرف بن المغيرة بن شعبة على الحجاج وخلع عبد الملك بن مروان ولحق بالجبل فقتل‏.‏

وسبب ذلك أن الحجاج ولى أولاد المغيرة فاستعمل عروة بن المغيرة على الكوفة ومطرف على المدائن وحمزة على همدان‏.‏

وأقبل شبيب الخارجي إلى المدائن فكتب مطرف إلى الحجاج بخبره فأمده بالرجال فلما نزل شبيب بهرسيس قطع مطرف الجسر فيما بينه وبينه وبعث إلى شبيب‏:‏ ابعث رجالًا من صلحاء أصحابك أدارسهم القرآن فأنظر ما تدعون إليه فبعث إليه‏:‏ ابعث إلي رجالًا يكونون عندي حتى ترد أصحابي فقال له‏:‏ كيف آمنك على أصحابي وأنت لا تأمنني على أصحابك فقال‏:‏ إنك قد علمت أننا لا نستحل في ديننا الغدر وأنتم تفعلونه فبعث إليهم رجالًا وبعثوا إليه رجالًا فقال لأصحابهم‏:‏ إلى ما تدعون فقالوا‏:‏ إلى كتاب الله وسنة نبيه والذي نقمنا على قومنا الاستئثار بالفيء وتعطيل الحدود والتسلط بالجبرية وما زالوا يترددون إليه حتى وقع في نفسه خلع عبد الملك والحجاج فقيل له‏:‏ إن هذا الخبر يبلغ القوم فلا تقم في مقامك فخرج وجمع رؤوس أصحابه وقال لهم‏:‏ إني أشهدكم أني قد خلعت عبد الملك والحجاج فمن أحب فليصحبني ومن أبى فليذهب حيث شاء فإني لا أحب أن يتبعني من ليست له نية في جهاد أهل الجور‏.‏

ثم بايعه أصحابه ثم بعث إلى أخيه حمزة‏:‏ أمددني بما قدرت عليه من مال أو سلاح فقال للرسول‏:‏ ثكلتك أمك أنت قتلت مطرفًا فقال‏:‏ لا ولكن مطرفًا قتل نفسه وقتلني وليته لا يقتلك قال‏:‏ ويحك من سول له هذا الأمر قال‏:‏ نفسه‏.‏

ثم قوي أمر مطرف فأخبر الحجاج فبعث الجيوش لقتاله وبعث إلى أخيه حمزة من أوثقه بالحديد وحبسه فالتقت الجيوش بمطرف فاقتتلوا فخرج من عسكر مطرف بكير بن هارون فصاح‏:‏ يا أهل ملتنا نسألكم بالله عز وجل الذي لا إله إلا هو لما أنصفتمونا خبرونا عن عبد الملك وعن الحجاج ألستم تعلمونهما جائرين مستأثرين يتبعان الهوى ويأخذان على الظنة ويقتلان على الغضب‏.‏

فنادوه‏:‏ كذبت‏.‏

فقال‏:‏ ‏{‏ويلكم لا تفتروا على الله كذبًا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى‏}‏‏.‏

فخرج إليه رجل فاقتتلا فقتل الرجل ثم اشتد القتال فانكشفت خيل مطرف فوصلوا إليه واحتز رأسه عمرو بن هبيرة ثم طلب الأمان لبكير بن هارون من أمير الجيش فأمنه‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 وقع الاختلاف بين الأزارقة

أصحاب قطري بن الفجاءة فخالفه بعضهم واعتزله وبايع عبد رب الكبير‏.‏

وسبب اختلافهم أن المهلب أقام يقاتل قطريًا وأصحابه من الأزارقة نحوًا من سنة وكانت كرمان في أيدي الخوارج وفارس في يد المهلب فضاق على الخوارج مكانهم إذ لا يأتيهم من فارس مادة فخرجوا إلى كرمان وتبعهم المهلب فقاتلهم وأبعدهم عن فارس كلها فصارت في يده فبعث الحجاج عليها عماله وأخذها من المهلب‏.‏

فبلغ ذلك عبد الملك فكتب إلى الحجاج‏:‏ دع بيد المهلب خراج جبال فارس فإنه لا بد للجيش وكتب له الحجاج‏:‏ أما بعد فإنك لو شئت فيما أرى اصطلمت هذه الخارجة المارقة ولكنك تحب طول بقائهم لتأكل الأرض حولك وقد بعثت إليك البراء بن قبيصة لينهضك إليهم إذا قدم عليك بجميع المسلمين ثم جاهدهم أشد الجهاد وإياك والعلل‏.‏

فأخرج المهلب الكتائب وأقام البراء على تل وقاتل الخوارج من بكرة إلى نصف النهار فقال له البراء‏:‏ والله ما رأيت كتائب ككتائبك ولا فرسانًا كفرسانك ولا رأيت مثل قوم يقاتلونك أصبر منهم أنت والله المعذور‏.‏

ثم عاد وقت العصر فقاتل حتى حجز الليل بينهم‏.‏

وكتب المهلب إلى الحجاج‏:‏ أتاني كتاب الأمير واتهامه إياي في هذه المارقة وقد رأى الرسول ما فعلت فوالله لو قدرت على استئصالهم ثم أمسكت عن ذلك لقد غششت المسلمين‏.‏

ثم قاتلهم المهلب ثمانية عشر شهرًا ثم إن رجلًا منهم كان عاملًا لقطري على ناحية من كرمان قتل رجلًا كان ذا بأس من الخوارج فوثب الخوارج إلى قطري وقالوا‏:‏ أمكنا منه لنقتله بصاحبنا فقال‏:‏ ما أرى أن أقتل رجلًا تأول فأخطأ في التأويل قالوا‏:‏ بلى قال‏:‏ لا فوقع الاختلاف بينهم فولوا عبد رب الكبير وخلعوا قطريًا فلم يبق معه إلا ربعهم أو خمسهم فجعلوا يقتتلون فيما بينهم نحوًا من شهر غدوة وعشية فكتب بذلك المهلب إلى الحجاج وقال‏:‏ إني أرجو أن يكون اختلافهم سببًا لهلاكهم‏.‏

فكتب إليه الحجاج‏:‏ ناهضهم على اختلافهم قبل أن يجتمعوا‏.‏

فكتب إليه المهلب‏.‏

لست أرى أن أقاتلهم ما دام يقتل بعضهم بعضًا فإن أتموا على ذلك فهو الذي نريد وإن اجتمعوا لم يجتمعوا إلا وقد رقق بعضهم بعضًا فيكونون أهون شوكة‏.‏

فسكت عنه الحجاج - ثم إن قطريًا خرج بمن اتبعه نحو طبرستان وبايع عامتهم عبد رب الكبير فنهض المهلب فقاتلوه قتالًا شديدًا ثم إن الله تعالى قتلهم فلم ينج منهم إلا القليل وأخذ عسكرهم وما فيه‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ هلك قطري وعبد رب الكبير وعبيدة بن هلال ومن كان معهم من الأزارقة‏.‏

وقيل‏:‏ بل كان هلاكهم في سنة ثمان وسبعين‏.‏

وسبب هلاكهم أنهم لما اختلفوا وتوجه قطري إلى طبرستان ووجه الحجاج جيشًا مع سفيان بن الأبرد فاتبعهم فلحق قطريًا في شعاب طبرستان فقاتلوه فتفرق عنه أصحابه ووقع عن دابته في أسفل الشعب فتدهدى إلى أسفله‏.‏

فأتاه علج من أهل البلد فقال له قطري‏:‏ أسقني ماء فقال‏:‏ أعطني شيئًا حتى أسقيك قال‏:‏ ويحك والله ما معي إلا ما ترى من سلاحي فأشرف العلج عليه وحدر عليه حجرًا عظيمًا فأصاب إحدى وركيه فأوهنه وصاح بالناس فأقبلوا فقتلوه‏.‏

فبعث سفيان برأسه مع أبي جهم بن كنانة الكلبي إلى الحجاج ثم أتى به عبد الملك ثم إن سفيان أقبل إلى عسكر عبيدة بن هلال وقد تحصن في قصر بقومس فأحاط به وبأصحابه فجهدوا حتى أكلوا دوابهم ثو خرجوا فقاتلوه فقتلهم وبعث برؤوسهم إلى الحجاج‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ عبر أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد النهر نهر بلخ فحوصر حتى جهد هو وأصحابه ثم نجوا بعد أن أشرفوا على الهلاك فانصرفوا إلى مرو‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ غزا الصائفة الوليد بن عبد الملك‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس أبان بن عثمان بن عفان وهو أمير على المدينة وكان على خراسان أمية بن عبد الله وعلى الكوفة والبصرة الحجاج‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

زر بن حبيش

أبو مريم الأسدي‏:‏ روى عن عمر وعلي وابن عوف وابن مسعود وأبي بن كعب‏.‏

أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا محمد بن علي بن الفتح قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله الدقاق قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن صفوان قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد قال‏:‏ حدثنا خلف بن هشام قال‏:‏ حدثنا حماد عن عاصم بن أبي النجود قال‏:‏ أدركت أقوامًا كانوا يتخذون هذا الليل جملًا منهم زر وأبو وائل‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا ثابت بن بندار قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر البرقاني قال‏:‏ حدثنا عمر بن نوح قال‏:‏ حدثنا عبيد الله بن سليمان قال‏:‏ حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري قال‏:‏ حدثنا نعيم بن حماد عن عبد الله بن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد قال‏:‏ افتض زر بن حبيش جارية وهو ابن مائة وعشرين سنة وتوفي وهو ابن اثنين وعشرين ومائة سنة‏.‏

شبيب بن يزيد الخارجي

مات في هذه السنة وقد ذكرنا قتله في الحوادث‏.‏

عبيد بن عمير بن قتادة

أبو عاصم الليثي الواعظ‏:‏ أسند عن أبي كعب وأبي ذر وأبي قتادة وابن عمرو وأبي هريرة وابن عباس وعائشة‏.‏

وروى عنه من كبار التابعين‏:‏ مجاهد وعطاء وأبو حازم‏.‏

وكان مجاهد يقول‏:‏ كنا نفخر بفقيهنا وبقاضينا‏:‏ فأما فقيهنا فابن عباس وأما قاضينا فعبيد بن عمير‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي القاسم البغدادي قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد الحداد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن محمد قال‏:‏ حدثنا محمد بن أبي سهل قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال‏:‏ حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد العزيز بن رفيع عن قيس بن سعيد عن عبيد بن عمير قال‏:‏ إن أهل القبور ليتلقون الموتى كما يتلقى الراكب يسألونه فإذا سألوه‏:‏ ما فعل فلان فمن كان قد مات يقول‏:‏ ألم يأتكم فيقولون‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية‏.‏

أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار قال‏:‏ أخبرنا أبي قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر السلماسي قال‏:‏ أخبرنا أبو العباس الوليد بن بكر الأندلسي قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي قال‏:‏ حدثنا صالح بن أحمد بن عبد الله بن مسلم العجلي قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثني عبد الله قال‏:‏ كانت امرأة جميلة بمكة وكان لها زوج فنظرت يومًا إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها‏:‏ أترى أحدًا يرى هذا الوجه لا يفتتن به قال‏:‏ نعم قالت‏:‏ ومن قال‏:‏ عبيد بن عمير قالت‏:‏ فأذن لي قال‏:‏ فأتته كالمستفتية فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام‏.‏

قال‏:‏ فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر فقال لها‏:‏ استتري يا أمة الله قالت‏:‏ إني قد فتنت بك فانظر في أمري قال‏:‏ إني سائلك عن شيء فإن أنت صدقت نظرت في أمرك قالت‏:‏ لا تسألني عن شيء إلا صدقتك‏.‏

قال‏:‏ أخبريني لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك كان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة قالت‏:‏ اللهم لا‏.‏

قال‏:‏ صدقت فلو أدخلت قبرك فأجلست للمساءلة أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة

قالت‏:‏ اللهم لا ‏.‏

قال‏:‏ صدقت فلو أن الناس أعطوا كتبهم فلا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أو بشمالك أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ‏.‏

قالت‏:‏ اللهم لا ‏.‏

قال‏:‏ صدقت فلو أردت الممر على الصراط فلا تدرين تنجين أم لا تنجين أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة

قالت‏:‏ اللهم لا‏.‏

قال‏:‏ صدقت فلو جيء بالموازين وجيء بك لا تدرين تخفين أم تثقلين أيسرك أني قضيت لك هذه الحاجة‏.‏

قالت‏:‏ اللهم لا قال‏:‏ صدقت‏.‏

قال‏:‏ فلو وقفت بين يدي الله تعالى للمساءلة كان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ‏.‏

قالت‏:‏ اللهم لا

قال‏:‏ صدقت فاتق الله يا أمة الله فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك‏.‏

قال‏:‏ فرجعت إلى زوجها قال‏:‏ ما صنعت قالت‏:‏ أنت بطال ونحن بطالون‏.‏

فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة‏.‏

قال‏:‏ فكان زوجها يقول‏:‏ مالي ولعبيد بن عمير أفسد علي امرأتي كانت لي في كل ليلة عروسًا فصيرها راهبة‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وسبعين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 عزل عبد الملك بن مروان أمية بن عبد الله عن خراسان

وضمه خراسان إلى سجستان إلى الحجاج واكن السبب أن الحجاج لما فرغ من أمر مشيب ومطرف شخص من الكوفة إلى البصرة واستخلف على الكوفة المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل فقدم عليه المهلب وقد فرغ من الأزارقة فأجلسه معه وأحسن أعطيات أصحابه وزادهم وكان الحجاج قد ولى المهلب سجستان مع خراسان فقال له المهلب‏:‏ ألا أدلك على رجل هو أعلم مني بسجستان قال‏:‏ بلى قال‏:‏ عبد الله بن أبي بكرة فبعثه على سجستان وكان العامل هناك أمية بن عبد الله‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 فرغ الحجاج من بناء واسط

وسبب تسميتها أن الحجاج قال‏:‏ هذا وسط ما بين المصرين‏:‏ الكوفة والبصرة وكان كتب إلى عبد الملك يستأذنه في بناء مدينة بين المصرين فأذن له فابتدأ في البناء من سنة خمس وسبعين فبنى القصر والمسجد والسورين وحفر الخندق في ثلاث سنين وفرغ في هذه السنة فأنفق عليها خراج العراق كله خمس سنين ثم نقل إليها من وجوه أهل الكوفة وأمرهم أن يصلوا عن يمين المقصورة ونقل من وجوه أهل البصرة وأمرهم أن يصلوا عن يسار المقصورة وأمر من كان معه من أهل الشام أن يصلوا بحياله مما يلي المقصورة وأنزل أصحاب الطعام والبزازين والصيارف والعطارين عن يمين السور وأنزل البقالين وأصحاب السقط وأصحاب الفاكهة في قبلة السور وأنزل الروزجارية والصناع عن يسار السور إلى دجلة وجعل لأهل كل تجارة قطعة لا يخالطهم غيرهم وأمر أن يكون مع أهل كل قطعة صيرفي وجعل لقصره أربعة أبواب واتخذ لهم مقبرة من الجانب الشرقي وعقد الجسر وضرب الدراهم وولاها لابن أخيه‏.‏

وقد جرت لابن أخيه في توليته البلد قصة طريفة‏:‏ أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة قالت‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن فارس قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزينبي قال‏:‏ حدثنا محمد بن خلف قال‏:‏ حدثنا أبو بكر العامري قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن عمر قال‏:‏ أدركت الخادم الذي كان يقوم على رأس الحجاج فقلت له‏:‏ أخبرني بأعجب شيء رأيته من الحجاج قال‏:‏ كان ابن أخيه أميرًا على واسط وكانت بواسط امرأة يقال إنه لم يكن بواسط في ذلك الوقت أجمل منها فأرسل ابن أخيه إليها يريدها عن نفسها مع خادم له فأبت عليه وقالت‏:‏ إن أردتني فاخطبني إلى إخوتي‏.‏

قال‏:‏ وكانت لها أخوة أربعة فأبى وقال‏:‏ لا إلا كذا وعاودها فأبت عليه إلا أن يخطبها فأما حرام فلا وأبى هو إلا الحرام فأرسل إليها بهدية فأخذتها فعزلتها‏.‏

قال‏:‏ فأرسل إليها عشية جمعة‏:‏ إني آتيك الليلة فقالت لأمها‏:‏ إن الأمير بعث إلي بكذا وكذا‏.‏

قال‏:‏ فأنكرت أمها ذلك وقالت أمها لإخوتها‏:‏ إن أختكم قد زعمت كذا وكذا فأنكروا ذلك وكذبوها فقالت‏:‏ إنه قد وعدني أن يأتيني الليلة وسترونه قال‏:‏ فقعد إخوتها في بيت حيال البيت الذي هي فيه وفيه سراج وهم يرون من يدخل إليها وجويرية لها على باب الدار قاعدة حتى جاء فنزل عن دابته وقال لغلامه‏:‏ إذا أذن المؤذن في الغلس فاتني بدابتي‏.‏

ودخل فمشت الجارية بين يديه وقالت له‏:‏ ادخل وهي على سرير مستلقية فاستلقى إلى جانبها ثم وضع يده عليها وقال‏:‏ إلى كم ذا المطل فقالت له‏:‏ كف يدك يا فاسق‏.‏

قال‏:‏ ودخل إخوتها ومعهم سيوف فقطعوه ثم لفوه في نطع وجاءوا به إلى سكة من سكك واسط فألقوه فيها‏.‏

وجاء الغلام بالدابة فجعل يدق الباب رفيقًا فلم يكلمه أحد فلما غشي الصبح وخشي أن تعرف الدابة انصرف‏.‏

وأصبحوا فإذا هم به فأتوا به الحجاج فأخذ أهل تلك السكة فقال‏:‏ أخبروني ماهذا وما قصته قالوا‏:‏ لا نعلم حاله غير أنا وجدناه ملقى ففطن الحجاج فقال‏:‏ علي بمن كان يخدمه فأتي بذلك الخصي الذي كان الرسول فقيل‏:‏ هذا كان صاحب سره فقال له الحجاج‏:‏ ما كان حاله وما كانت قصته فأبى فقال‏:‏ إن صدقتني لم أضرب عنقك وإن لم تصدقني فعلت بك وفعلت‏.‏

قال‏:‏ فأخبره بالأمر على جهته فأمر بالمرأة وأمها وإخوتها فجيء بهم فعزلت المرأة عنهم فسألها فأخبرته بمثل ما أخبره الخصي ثم عزلها وسأل الأخوة فأخبروه بمثل ذلك وقالوا‏:‏ نحن الذي صنعنا به الذي ترى قال‏:‏ فعزلهم وأمر برقيقه ودوابه وماله للمرأة فقالت المرأة‏:‏ عندي هديته فقال‏:‏ بارك الله لك فيها وأكثر في النساء مثلك هي لك وكل ما ترك من شيء فهو لك وقال‏:‏ مثل هذا لا يدفن فألقوه للكلاب‏.‏

ودعا بالخصي وقال‏:‏ أما أنت فقد قلت لا أضرب عنقك فأمر بضرب وسطه‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 حج بالناس الوليد بن عبد الملك

وكان أمير المدينة أبان وأمير الكوفة والبصرة وخراسان وسجستان الحجاج وعلى قضاء الكوفة شريح وفي رواية‏:‏ وعلى قضاء البصرة موسى بن أنس‏.‏

وأغزى عبد الملك في هذه السنة يحيى بن الحكم‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

جابر بن عبد الله

ابن عمرو بن حرام بن ثعلبة أبو عبد الله‏:‏ شهد العقبة مع السبعين وكان أصغرهم وأراد شهود بدر فخلفه أبوه على أخواته وكن تسعة وخلفه أيضًا حين خرج إلى أحد وشهد ما بعد ذلك‏.‏

وتوفي في هذه السنة وهو ابن أربع وتسعين سنة وكان قد ذهب بصره وصلى عليه أبان بن عثمان وهو والي المدينة يومئذ‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وسبعين

فمن الحوادث فيها‏:‏ وقوع الطاعون بالشام وفيها‏:‏ أصابت الروم أهل أنطاكية‏.‏

وفيها‏:‏

 غزا عبيد الله رثبيل

وذلك أن الحجاج كتب إليه‏:‏ لا ترجع حتى تستبيح أرضه وتهدم قلاعه وتقتل مقاتلته وتسبي ذريته فخرج بمن معه من المسلمين وأهل الكوفة والبصرة‏.‏

وكان من أهل الكوفة شريح بن هانئ الحارثي وكان من أصحاب علي رضي الله عنه فمضى حتى أوغل في بلاد رثبيل فأصاب من الغنم والبقر والأموال ما شاء وهدم قلاعها وحصونها ودنوا من مدينة الترك فأخذوا على المسلمين بالعقاب والشعاب وخلوهم والرساتيق فسقط في يد المسلمين فظنوا أن قد هلكوا فبعث ابن أبي بكرة إلى شريح بن هاني‏:‏ إني مصالح القوم على أن أعطيهم مالًا ويخلوا بيني وبين الخروج فأرسل إليهم فصالحهم على سبعمائة ألف درهم فقال له شريح‏:‏ إنك لا تصالح على شيء إلا حسبه السلطان عليكم في أعطياتكم فقالوا‏:‏ منعنا العطاء أهون من هلاكنا فقال شريح‏:‏ والله لقد بلغت سنًا وما أظن ساعة تأتي علي فتمضي حتى أموت ولقد كنت أطلب الشهادة منذ زمان فأتتني اليوم يا أهل الشام تعاونوا على عدوكم‏.‏

فقال له ابن أبي بكرة‏:‏ إنك شيخ قد خرفت فقال له شريح‏:‏ إنما حسبك أن يقال‏:‏ بستان ابن أبي بكرة أو حمام ابن أبي بكرة يا أهل الشام من أراد الشهادة فليأت فتبعه ناس من المتطوعة فقاتل حتى قتل‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ قدم المهلب خراسان أميرًا عليها وانصرف أمية بن عبد الله‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس أبان بن عثمان وكان أميرًا على المدينة من قبل عبد الملك وكان على العراق والمشرق كله الحجاج وعلى خراسان المهلب من قبل الحجاج‏.‏

وقيل‏:‏ إن المهلب كان على حربها وابنه المغيرة كان على خراجها وكان على قضاء الكوفة أبو بردة وعلى قضاء البصرة موسى بن أنس‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحارث المتنبي الكذاب

روى عبد الوهاب بن نجدة الحوطي قال‏:‏ حدثنا محمد بن المبارك قال‏:‏ حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن حسان قال‏:‏ كان الحارث الكذاب من أهل دمشق وكان مولى لأبي الجلاس وكان له أب بالحولة فعرض له إبليس وكان متعبدًا زاهدًا لو لبس جبة من ذهب لرؤيت عليه زهادة وكان إذا أخذ في التحميد لم يسمع السامعون بأحسن من كلامه‏.‏

قال‏:‏ فكتب إلى أبيه‏:‏ يا أبتاه أعجل علي فإني قد رأيت شيئًا أتخوف أن يكون من الشيطان‏.‏

قال‏:‏ فزاده أبوه غيًا فكتب إليه‏:‏ يا بني أقبل على ما أمرت به إن الله يقول‏:‏ ‏{‏هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم‏}‏ ولست بأفاك ولا أثيم فامض لما أمرت به وكان يجيء إلى أهل المسجد رجلًا رجلًا فيذاكرهم أمره‏.‏

ويأخذ عليهم العهد والميثاق إن هو رأى ما يرضي قبل وإلا كتم عليه وكان يريهم الأعاجيب كان يأتي إلى رخامة في المسجد فينقرها بيده فتسبح‏.‏

وكان يطعمهم فاكهة الصيف في الشتاء ويقول‏:‏ اخرجوا حتى أريكم الملائكة فيخرجهم إلى دير المران فيريهم رجالًا على خيل‏.‏

فتبعه بشر كثير وفشا الأمر وكثر أصحابه حتى وصل الأمر إلى القاسم بن مخيمرة فعرض على القاسم وأخذ عليه العهد والميثاق إن رضي أمرًا قبله وإن كره كتم عليه فقال له‏:‏ إني نبي فقال القاسم‏:‏ كذبت يا عدو الله فقال له أبو إدريس‏:‏ بئس ما صنعت إذ لم تلين له حتى نأخذه الآن يفر وقام القاسم من مجلسه حتى دخل على عبد الملك فأعلمه بأمره فبعث عبد الملك في طلبه فلم يقدر عليه وخرج عبد الملك حتى نزل الصبيرة واتهم عامة عسكره بالحارث أن يكونوا يرون رأيه وخرج الحارث حتى أتى بيت المقدس فاختفى فيه وكان أصحابه يخرجون فيلتمسون الرجال فيدخلونهم عليه وكان رجل من أهل البصرة قد أتى بيت المقدس فدخل على الحارث فأخذ في التحميد ثم أخبره بأمره وأنه نبي مبعوث مرسل فقال له‏:‏ إن كلامك لحسن ولكن في هذا نظر‏.‏ قال‏:‏ فانظر‏.‏

فخرج البصري ثم عاد إليه فرد عليه كلامه فقال‏:‏ إن كلامك لحسن قد وقع في قلبي وقد آمنت بك وهذا الدين المستقيم فأمر أن لا يحجب فأقبل البصري يتردد إليه ويعرف مداخله ومخارجه وأين يهرب حتى إذا صار أخص الناس به‏.‏

ثم قال له‏:‏ ائذن لي قال‏:‏ إلى أين قال‏:‏ إلى البصرة أكون أول داعية لك بها فأذن له‏.‏

فخرج مسرعًا إلى عبد الملك وهو بالصبيرة فلما دنا من سرادقه صاح‏:‏ النصيحة النصيحة فقال أهل المعسكر‏:‏ وما نصيحتك قال‏:‏ نصيحة لأمير المؤمنين قالوا‏:‏ قل قال‏:‏ حتى أدنو من أمير المؤمنين فأمر عبد الملك أن يأذنوا له فدخل وعنده أصحابه‏.‏

قال‏:‏ فصاح‏:‏ النصيحة النصيحة النصيحة قال‏:‏ اخلني لا يكن عندك أحد فأخرج من في البيت ثم قال له‏:‏ أدنني قال‏:‏ ادن فدنا من عبد الملك على السرير قال‏:‏ ما عندك قال‏:‏ الحارث فلما ذكر الحارث رمى بنفسه عن السرير ثم قال‏:‏ وأين هو قال‏:‏ يا أمير المؤمنين هو ببيت المقدس عرفت مداخله ومخارجه فقص عليه قصته وكيف صنع به فقال‏:‏ أنت صاحبه وأنت أمير بيت المقدس وأمير ها هنا فمرني بما شئت فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين ابعث معي قومًا لا يفهمون الكلام فأمر أربعين رجلًا من فرغانة فقال‏:‏ انطلقوا مع هذا فما أمركم من شيء فأطيعوه‏.‏

وكتب إلى صاحب بيت المقدس‏:‏ إن فلانًا الأمير عليك حتى تخرج فأطعه فيما أمرك به‏.‏

فلما قدم بيت المقدس أعطاه الكتاب فقال‏:‏ مرني بما شئت فقال‏:‏ اجمع لي كل شمعة تقدر عليها ببيت المقدس وادفع كل شمعة إلى رجل ورتبهم على أزقة بيت المقدس وزواياها بالشمع وتقدم البصري وحده إلى منزل الحارث فأتى الباب فقال للحاجب‏:‏ استأذن لي على نبي الله قال‏:‏ في هذه السنة ما يقدرون عليه وما يؤذن عليه حتى يصبح قال‏:‏ أعلمه أني إنما رجعت شغفًا إليه قبل أن أصل فدخل عليه فأعلمه بكلامه فأمره ففتح قال‏:‏ ثم صاح البصري‏:‏ أسرجوا فأسرجت الشموع حتى كانت كأنها النهار‏.‏

ثم قال‏:‏ من مر بكم فاضبطوه ودخل هو إلى الموضع الذي يعرفه فطلبه فلم يجده فقال أصحابه‏:‏ هيهات تريدون أن تقتلوا نبي الله إنه قد رفع إلى السماء قال‏:‏ فطلبه في شق كان قد هيأه سربًا فأدخل البصري يده في ذلك السرب فإذا هو بثوبه فاجتره فأخرجه إلى الخارج ثم قال للفرغانيين‏:‏ اربطوه فربطوه‏.‏

فبينا هم يسيرون على البريد إذ قال‏:‏ أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله فقال أهل فرغانة أولئك العجم‏:‏ هذا كراننا فهات كرانك أنت فساروا به حتى أتي به عبد الملك فلما سمع به أمر بخشبة فنصبت فصلبه وأمر بحربة وأمر رجلًا فطعنه فأصاب ضلعًا من أضلاعه فكفت الحربة فجعل الناس يصيحون‏:‏ الأنبياء لا يجوز فيهم السلاح فلما رأى ذلك رجل من المسلمين تناول الحربة ثم مشى إليه ثم أقبل يتحسس حتى وافى بين ضلعين فطعنه بها فأنفذه فقتله‏.‏

وروى أبو الربيع عن شيخ أدرك القدماء قال‏:‏ لما حمل الحارث على البريد وجعلت في عنقه جامعة من حديد فجمعت يده إلى عنقه فأشرف على عقبة بيت المقدس تلى هذه الآية‏:‏ ‏{‏قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي‏}‏‏.‏

فتقلقلت الجامعة ثم سقطت من يده ورقبته إلى الأرض فوثب الحرس فأعادوها ثم ساروا به فأشرف على عقبة أخرى فقرأ آية فسقطت من رقبته فأعادوها فلما قدموا على عبد الملك حبسه وأمر رجالًا من أهل الفقه والعلم أن يعظوه ويخوفوه ويعلموه أن هذا من الشيطان فأبى أن يقبل منهم‏.‏

فصلب وجاء رجل بحربة فطعنه فانثنت فتكلم الناس وقالوا‏:‏ ما ينبغي لمثل هذا أن يقتل‏.‏

ثم أتاه حرسي برمح دقيق فطعنه بين ضلعين من أضلاعه فأنفده‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وسمعت من قال‏:‏ قال عبد الملك للذي ضربه بالحربة فانثنت‏:‏ أذكرت الله حين طعنته قال‏:‏ نسيت قال‏:‏ فاذكر الله‏.‏

ثم اطعنه وطعنه فأنفدها‏.‏

قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة

أبو ليلى‏:‏ وهو النابغة نابغة بني جعدة وقيل‏:‏ اسمه عبد الله بن قيس والأول أصح‏.‏

كان جاهليًا وأدرك الإسلام ووفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشده‏.‏

وقال له عمر‏:‏ أنشدنا مما عفا الله عنه‏.‏

فأنشده قصيدة وعمر في الإسلام حتى أدرك الأخطل النصراني ونازعه الشعر‏.‏

قال ابن قتيبة‏:‏ فغلبه الأخطل ومات بأصبهان وهو ابن عشرين ومائة سنة‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ عاش مائة وستين‏.‏

أخبرنا أبو منصور الطوسي وأبو القاسم السمرقندي وأبو عبد الله بن البنا وأبو الفضل المقري وأبو الحسن الخياط قالوا‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله الدقاق قال‏:‏ حدثنا البغوي قال‏:‏ حدثنا داود بن رشيد قال‏:‏ حدثنا يعلى بن الأشدق قال‏:‏ سمعت النابغة يقول‏:‏ أنشدت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ بلغنا السماء مجدنا وجدودنا وإنا لنرجو بعد ذلك مظهرا فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ فأين المظهر يا أبا ليلى ‏"‏ فقلت‏:‏ الجنة فقال‏:‏ ‏"‏ أجل إن شاء الله ‏"‏ ثم قلت‏:‏ ولا خير في حلم إذا لم تكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أجدت لا يفضض الله فاك ‏"‏ مرتين‏.‏

أنبأنا علي بن عبيد الله قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور قال‏:‏ أخبرنا علي بن عيسى الوزير قال‏:‏ حدثنا البغوي قال‏:‏ حدثني الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني أخي هارون بن أبي بكر عن يحيى بن إبراهيم عن سليمان بن محمد بن يحيى بن عروة عن أبيه عن عمه عبد الله بن عمرو قال‏:‏ أقحمت السنة النابغة - نابغة بني جعدة - فدخل على الزبير المسجد الحرام فأنشده‏:‏ حكيت لنا الصديق لما وليتنا وعثمان والفاروق فارتاح معدم وسويت بين الناس بالحق فاستووا فعاد صباحًا حالك اللون مظلم أتاك أبو ليلى يجوب به الدجى دجى الليل جواب الفلاة عشمشم لتجبر منه جانبًا دغدغدت به صروف الليالي والزمان المصمم فقال ابن الزبير‏:‏ هون عليك أبا ليلى فإن الشعر أهون وسائلك عندنا أما صفوة ما لنا فلآل الزبير وأما عفوة فإن بني أسد تشغلنا عنك وتيماء ولكن لك في مال الله حقان‏:‏ حق برؤيتك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق بشركتك أهل الإسلام في فيئهم‏.‏

ثم أخذ بيده فدخل به دار النعم فأعطاه قلائص سبعًا وجملًا رجيلًا وأوقر له الركاب برًا وتمرًا وثيابًا فجعل النابغة يستعجل فيأكل الحب صرفًا فقال ابن الزبير‏:‏ ويح أبي ليلى لقد بلغ منه الجهد فقال النابغة أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ ما وليت قريش فعدلت فرحمت واسترحمت فرحمت وحدثت فصدقت ووعدت خيرًا فأنجزت فأنا والنبيون فراط القاصفين ‏"‏‏.‏

رواه محمد بن العباس الزبيري عن الزبير بن بكار وإسناد الحديث ومتنه له قال الزبيري‏:‏ والفارط الذي يتقدم فيسقي الماء للإبل التي للقوم‏.‏

وأنشد القطامي‏:‏ واستعجلونا وكانوا من صحابتنا كما تعجل فراط لوراد والقاصفون‏:‏ المسرعون بعضهم إثر بعض ومنه الرعد القاصف الريح يتبع بعضها بعضًا‏.‏

والرجيل القوي الشديد‏.‏

أنبأنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحاكم قال‏:‏ سمعت أبا زكريا العنبري يقول‏:‏ سمعت محمد بن داود الخطيب يقول‏:‏ سمعت أحمد بن أبي سريج يقول‏:‏ سمعت النضر بن شميل يقول وسئل من أكبر من لقيت قال‏:‏ المنتجع الأعرابي‏.‏

قال‏:‏ وقلت للمنتجع‏:‏ من أكبر من لقيت قال‏:‏ النابغة الجعدي فقلت للنابغة‏:‏ كم عشت في الجاهلية قال‏:‏ عشت دارين ثم أدركت محمدًا صلى الله عليه وسلم فأسلمت‏.‏

قال النضر‏:‏ الداران مائتا سنة‏.‏

قال النابغة‏:‏ فكنت أجيب عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله عز وجل‏.‏