فصل: ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


الجزء الثامن عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

 ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها أنه بدأ بهروز يعمل سكر النهروانات فبناه دفعتين وهو يتفجر ثم استحكم في الثالثة وما زال يعمـل عليـه إلـى أن مـات فـي سنـة أربعيـن‏.‏

وولـدت فـي هـذه السنة ابنة قاور من السلطان مسعود ولـدأ ذكرأَ فعلقـت بغـداد وظهرت المنكرات فبقيت ثمانية أيام فمضى ابن الكواز الزاهد إلى باب ابـن قـاور وقـال‏:‏ إن أزلتـم هـذا وإلا بتنـا فـي الحوامـع وشكونـا إلى الله تعالى فحطوا التعاليق فمات الولد وعلقت البلد لأجل دخول خاتون بنت محمد زوجة المقتفي وكانت قد وصلت مع أخيها مسعود وأقامت عنده بدار المملكة ثم دخلت إلى الخليفة في زي عجيب وبين يديها زوجة السلطان مسعود بنت دبيس وبنت قاور ويحجبها الوزير شرف الدين والمهد ومركب الخليفة

ثـم وقـع في رجب إملاك السيدة بنت أمير المؤمنين المسعود وحضر وزير الخليفة وزير السلطان والوجوه ونثر عليهم رتمكن الوزير أبو القاسم بن طراد من الدولتين‏.‏

ونفذ الخليفة خدمًا وعمالًا على البلاد من غير مشاورة الوزير وجرت بينهما وحشة وانقطع الوزير عن الخدمة ثم وقع الصلح في خامس عشر من شعبان وخلع على الوزير واختصم أصحاب ترشك و أصحاب الوزير فبعث الوزير إلى السلطـان مسعـود فقبـض عليـه فأشـار الوزير بأن يكون في خدمة السلطان تحت ركابه فأخذه مسعود في صحبته فثقل ذلك على الخليفة لكونه من خاصته ثم أشير على السلطان باعادته فأعاده ثم منع الوزير ثقة الدولة ابن الابري من الدخول إلى الخليفة وكان وكيله قديمًا فثقل ذلك على الخليفة فقبض على حاجب الوزير فاستشعر الوزير من ذلك فقصد دار السلطان مسعود في سميرية وسط النهار واقام بها وذلك في ذي القعدة من هذه السنة فروسل في العود إلى منصبه فامتنع وكانت الكتـب تعنـون باسمـه إلـى أن ورد جـواب مكتوبـات الخليفـة إلى السلطان من المعسكر يقول له‏:‏ كلنا بحكمك فول من تريده واعزل من تريد فبعث إليه على يدي صاحب المخزن وابن الأنباري ونجاح الخادم فعزله من الوزارة وهو مقيم بدار المملكة وذلك في ذي الحجة واستناب قاضي القضـاة الزينبـي وتقـدم بفتـح الديـوان وجـرت الأمورعلـى العادة ثم إن قاضي القضاة مرض فاستنيـب ابـن الأنبـاري‏.‏

وتوفـي رجـل خيـر مـن بـاب الـأزج ونـودي عليـه واجتمـع النـاس فـي مدرسة عبد القادر للصلاة عليه فلما أريد غسله عطس وعاش وأحضرت جنازة رجل غيره أخرى فدخل عليه فصلى ذلك الخلق عليها وتكاثرت كبسات العيارين وصاروا يأخذون مجاهرة‏.‏

وولـي أبـو الحسيـن الدامغانـي قضـاء الجانـب الغربـي وجلـس ابـن السهـروردي للوعـظ في النظامية في شعبـان وحضـر أربـاب الدولـة وفـي رمضـان عـزل ابـن الصاحب من باب النوبي وولي مكانه ابن مسافر ثم عزل في ذي الحجة وولي أبو غالب بن المعوج وغارت المياه من أقطار الأرض ونقص ماء دجلة نقصًا لم ير مثله ورفعت كراسي الوعاظ من جامع القصر‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن جعفر بن الفرج أبو العباس الحربي كان شيخًا صالحًا حسن السمت قليل الكلام مشغولًا بالعبادة سمع أبا عبد الله الحسين بن أحمـد النعالـي وغيـره وكـان يقـال انـه رئي بعرفات في بعض السنين التي لم يحج فيها ودخل عليه بعض أهل الحربية قبل موته بيوم فقال له‏:‏ إذا كان غدًا واتفق ما يكون يعني موته فاخرج من المحلة فانك ترى عند العقد شيخًا فقل له مات أحمد بن جعفر‏.‏

فلما مات خرج الرجل فرأى رجلًا قائمًا على يمين الطريق قال فقال لي قبل أن أكلمه مات الشيخ أحمد فقلت‏:‏ نعم فمشى فاتبعته فلم ألحقه وغاب عني في الحال توفي فـي هـذه السنـة وصلـي عليـه فـي تربـة القزوينـي ودفـن بالحربيـة ثـم نقـل بعـد ذلـك إلـى مقبـرة بـاب حرب أحمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني أبو القاسم توفي في شوال‏.‏

أحمد بن محمد بن الحسين بن علي أبو الحسن الياباني من أهل واسط ولد بها وسمع بها من المشايخ وانتقل إلى بغداد فسكنها وسمع بها من أبي الخطاب نصر بن النظر وأبي القاسم بن فهد وكان حافظًا لكتاب الله دينًا خيرًا يبين آثار الصلاح على وجهه توفي في شعبان هذه السنة ببغداد‏.‏

أبو المعالي الغزال سمع أبا الحسين بـن النقـور وأبـا نصـر الزينبـي وغيرهمـا وحـدث وكـان خيـرًا يسقـى الأدويـة بالمارستان العضدي وكان يعبر الرؤيا أتاه رجل يوم الجمعة الثامن والعشرين من ربيع الآخر من هـذه السنـة فقـال‏:‏ رأيـت البارحـة فـي النـوم كأنـك قدمـت في هذا الموضع وأشار إلى خربة مقترنة بالمارستان ففكر ساعة ثم قال‏:‏ ترحموا علي ثم مضى فصلى الجمعة في جامـع المنصـور ورجع الى المارستان فوصل قريبًا من الموضع الذي عينه صاحب المنام فسقط ومات فجأة ودفن بمقبرة باب حرب‏.‏

ابراهيم بن سليمان بن رزق الله أبو الفرج الورديسي الضرير وورديـس قريـة عنـد اسكـاف سمـع أبـا محمـد التميمـي وغيـره وكـان فهمـًا للحديـث حافظًا لأسماء الرجال ثقة سمع الحديث الكثير وحدث بشيء يسير وتوفي يوم الجمعة سابع ربيع الأول ودفن بباب حرب ثابت بن حميد المستوفي قبض عليه الوزير البروجردي فحبسه في سرداب بهمذان في الشتاء بطاق قميص فمات من جوهر الخادم الحبشي خادم سنجر المعروف بالمقرب كان مستوليًا على مملكته متحكمًا فيها فجاءه باطنية في زي النساء فاستغاثوا إليه فقتلوه بالري في هذه السنة‏.‏

عبد السلام بن الفضل أبو القاسم الجيلي سمع الحديث وتفقه على إلكيا الهراسي وبرع في الفقه والأصول وولي القضاء بالبصرة وكان وقـورًا ذا هيئـة وجـرت حكوماته على السداد وكان أبو العباس بن المعتي الواعظ البصري يقول‏:‏ ما بالبصرة ما يستحسن غير القاضي عبد السلام والجامع توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة فضل اللّه بن محمد بن عبد العزيز أبو محمد قاضي العراق ولد في رجب سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة وتوفي في محرم هذه السنة‏.‏فاطمة بنت عبد اللّه الخيري الفرضي ولـدت فـي جمـادى الاولـى سنـة احدى وخمسين وسمعت من ابن المسلمة وابن النقور والصريفيني وغيرهم وحدثت عنهم وتوفيت ليلة الاثنين خامس رجب هذه السنة ودفنت بباب ابرز المهدي بن محمد أبو البركات نشأ ببغداد وكان واعظًا حسن العبارة وسمع أبا الخطاب بن النظر والحسين بن طلحة النعالي وثابت بن بندار وأبا الحسين بن الطيوري وغيرهم فخسف بجنزة في هذه السنة فهلك فيها عالم عظيم لا يحصى من المسلمين منهم المهدي‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه استوزر أبو نصر المظفر بن محمد بن جهير نقل من استاذية الدار إلى الوزارة ووصل إلى بغداد رجل أظهر الزهد والنسك واقام في قرية السلطان بباب بغداد فقصده النـاس مـن كـل جانـب واتفـق أن بعـض أهل السواد دفن ولدًا له قريبًا من قبر السبتي فمضى ذلك المتزهـد فنبشـه ودفنـه فـي موضـع ثم قال للناس في بعض الأيام‏:‏ اعلموا أنني قد رأيت عمر بن الخطـاب فـي المنـام ومعـه علـي بـن أبـي طالـب فسلمـت عليهمـا وسلمـوا علي وقالا لي‏:‏ ان في هذا الموضع صبي من أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وخطا لي المكان وأشار إلى ذلك الموضع فحفروه فرأوا الصبي وهو أمرد فمن وصل إلى قطعة من أكفانه فكأنه قد ملك الملك وخرج أرباب الدولة وأهل بغداد وانقلب البلد وطرح في الموضع دساتيج الماء الورد والبخور وأخـذ التـراب للتبـرك وازدحـم النـاس على القبر حتى لم يصل أحد من كثرة الزحام وجعل الناس يقبلون يد الزاهد وهو يظهر التمنع والبكاء والخشوع والناس تارة يزدحمون عليه وتارة يزدحمون علـى الميـت وبقـي الناس على هذا أيامًا والميت مكشوف يبصره الناس ثم ظهرت رائحته وجاء جماعـة مـن أذكيـاء بغداد فتفقدوا كفنه فوجدوه خامًا ووجحوا تحته حصيرًا جديدًا فقالوا‏:‏ هذا لا يمكن أن يكون علىهذه الصفة منذ أربعمائة سنة فما زالوا ينقبون عن ذلك حتـى جـاء السـوادي فأبصـره وقـال‏:‏ هذا والله ولدي وكنت دفنته عند السبتي فمضى معه قوم إلى المكان فرأوا القبر قد نبش وليس فيه ميت فلما سمع الزاهد ذلك هرب فطلبوه ووقعوا به فأخذوه فقرروه فأقر أنه فعل ذلك حيلة فأخذ وأركب حمارًا وشهر وذلك في ربيع الآخر من هذه السنة وفي يوم الإثنين تاسع ربيع الآخر‏:‏ نفذ السلطان مسعود كاسًا لبهروز ليشربه فشربه وعلقت بغداد وعمل سماعآ عظيمًا في دار البرسقي فحضر عنده أرباب الدولة وحضر جميع القيان وأظهـر النـاس الطبـول والزمـور والفسـاد والخمـور واعتـرض علـى شيخ الشيوخ إسماعيل وقيل له لا تدخل ولا تخرج ولا يقربك أحد من أبناء الدنيا لأجل قربه من الوزير الزينبي وفـي ربيـع الآخـر‏:‏ أخـذ المغربـي الواعـظ مكشـوف الـرأس إلـى بـاب النوبـي لأنـه وجـد فـي داره خابية نبيذ مدفونة وآلات اللهو من عود وغيره فحبس وانهال عليه الناس يسبونه وكان ينكر ذلـك ويقول‏:‏ إن امرأته مغنية والآلات لها وما علمت‏.‏

وفي جمالي الآخرة عزل جماعة من المعدلين ابن غالب وأحمد بن الشارسوكي وابن جابر وابن شافع وابن الحداد وابن الصباغ وابن جوانوه ثم عزل آخرون فقارب عدد الكل ثلاثين‏.‏وفي شوال‏:‏ فتحت المدرسة التي بناها صاحب المخزن بباب العامة وجلسى للتدريس فيها أبـو الحسـن ابن الخل وحضر قاضي القضاة الزينبي وأرباب الدولة والفقهاء وحضرت مع الجماعة ووصل في ذي القعدة رسول من عند سنجر ومعه البردة والقضيب فسلمه إلى المقتفي‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي بن أحمد من أهـل أصبهـان ولـد سنـة تسـع وخمسيـن سافـر البلـاد وسمـع الكثيـر ونسـخ وأملـى بجامـع أصبهان قريبًا من ثلاثة آلاف مجلس وهو إمام في الحديث والتفسير واللغة حافظ متقن دين توفي في ليلة عيد الاضحى من هذه السنة بأصبهان‏.‏

أنبأنا شيخنا أبو الفضل بن ناصر قال حدثني أبو جعفر محمد بن أبي المرجي الأصبهان ي وهو ابن أخي إسماعيل الحافظ قال‏:‏ حدثني أحمد الاسواري و كان ثقة وهو تولى غسل إسماعيل بن محمد الحافظ أنه أراد أن ينحي الخرقة عن سوأته وقت الغسل فجذبها الشيخ إسماعيل من يده وغطى بها فرجه فقال الغاسل‏:‏ أحياة بعد مرت‏.‏

عبد الرحمن بن محمد أبو منصور القزاز ابن زريق عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد بن الحسن بن مبارك أبو منصور القزاز المعروف بابن زريق‏:‏ كـان مـن أولـاد المحدثيـن سمعـه أبـوه وعمـه الكثيـر وكـان صحيـح السمـاع وسمـع شيخنـا أبـو منصور من ابن المهتدي وابن وشاح وأبي الغنائم ابن الدجاجي وجابر بن ياسين والخطيب وأبي جعفر ابن المسلمة وأبي محمد الصريفيني وأبي بكر الخياط وأبـي الحسيـن بـن النقـور وتوفي في شوال هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار أبو منصور ابن توبة أخي المقدم ولد سنة اثنتين وستين وسمع أبا الحسين ابن النقور وأبا محمد الصريفيني وأبا منصور ابن العكبرى وأبا نصر الزينبي وصحب أبا اسحاق الشيرازي وكان ثقة دينًا صدوقًا مليح الشيبة قيمًا بكتاب الله توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب ابرز‏.‏

عطاء بن أبي سعد بن عطاء بن أبي عياض أبو محمد الفقاعي الثعلبي من أهل هراة ولد سنة اربع وأربعين وأربعمائة وسمع ببغداد من أبي القاسم ابن البسـري وأبي نصر الزينبي وطراد وغيرهم وكان من المريدين لعبد الله بن محمد الأنصاري فضرب المثل به في ارادته له وخدمته إياه ولما خرج عبد الله الانصاري إلى بلخ جرت لعطاء مع النظام العجائـب وكـان النظام يحتمله وخرج النظام إلى غزو الروم فكان يعدو معه فوقع أحد نعليه فما التفت إليه وخلع الآخر وعدا فأمسك النظام الدابة وقال‏:‏ أين نعلاك قال‏:‏ وقع أحدهما فما وقفت خشية أن تفوتني فقال‏:‏ فلم خلعت الآخر قاد‏:‏ لأن شيخي الأنصاري أخبرني أن النبي فأعجب النظام ذلك وقال‏:‏ اكتب ان شاء اللة حتى يرجع شيخك إلى هراة اركـب بعـض الجنائب فقال‏:‏ شيخي في المحنة وأنا أركب بعض الجنائب لا أفعل ذلك فعرض عليه مالًا فلم يقبل‏.‏

وتحرك نعل فرس النظام فنزل الركابي ليقلعه فوقف النظام الفرس فقعد عطاء قريبًا منه وجعل يقشر جلد رجله ويرمي بها وقال للنظام‏:‏ ارم أنت نعل الخيل ونرمي نحن جلد الرجل ونبصر ما يعمل القضاء ولمن تكون العاقبة وقال له النظام‏:‏ إلى كم تقيم ها هنا أما لك أم تبرها فقال‏:‏ نحن نحسن نقرأ قال‏:‏ وأي شيء مقصودك فأخرج كتابًا من أمه وفيه‏:‏ يا بني إن أردت رضا الله ورضا أمك فلا ترجع إلى هراة ما لم يرجع شيخك الأنصاري‏.‏

وآل الأمـر إلـى أن حبـس ثـم أخـرج فقـدم إلـى خشبـة ليصلب فوصل في الحال من السلطان من أمر بتركه فلما أطلق رجع إلى التظلم والتشنيع وتوفي في هذه السنة‏.‏

محمد بن أحمد بن توبة أبو الحسين الأسدي العكبري محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة أبو الحسين الأسدي العكبري‏:‏ ولد سنة خمس وخمسين وأربعمائة وقرأ القرآن بروايات وكـان حسـن التلـاوة وسمـع الحديـث من أبي الغنائم ابن المامون وأبي جعفر ابن المسلمة وأبي محمد الصريفيني وأبي الحسين ابن النقور وأبي بكر الخطيب وغيرهم وقرأ شيئًا من الفقه على أبي اسحاق وكان لـه سمـت ووقار وبهاء توفي يوم الثلاثاء سابع عشر صفر من هذه السنة ودفن بمقبرة باب أبرز‏.‏

محمد بن عبد الباقي بن كعب بن مالك الأنصاري محمـد بـن عبـد الباقـي بـن محمـد بـن عبـد اللـه بـن محمـد بـن عبـد الرحمـن بـن الربيـع بـن ثابـت بن وهب بـن مشجعـة بـن الحـارث بـن عبـد اللـه بـن كعـب بـن مالـك الأنصـاري‏.‏

أحد الثلاثة الذي تيب عليهم فـي قولـه تعالـى‏:‏ ‏{‏وعلـى الثلاثـة الذيـن خلفـوا‏}‏ أبـو بكـر بـن أبـي طاهر ويعرف أبوه بصهر هبة الله البزار‏.‏

ولد بالبصرة ونشأ بها وكنا نسأله عن مولده فقال‏:‏ أقبلوا على شأنكم فاني سألت القاضي أبا المظفر هناد بن ابراهيم النسفي عن سنه فقال‏:‏ أقبل على شأنك فاني سألت أبا الفضل محمد بن أحمد الجارودي عن سنه فقال لي‏:‏ أقبل على شأنك فاني سألت أبا بكر محمد بن علي بن زحر المنقري عن سنه فقال‏:‏ أقبل على شأنك فاني سألت أبا أيوب الهاشمي عن سنـه فقـال لـي‏:‏ أقبـل علـى شأنـك فانـي سألـت أبا اسمعيل الترمذي عن سنه فقال لي‏:‏ أقبل على شأنك فاني سألت البويطي عن سنه فقال لي‏:‏ أقبل على شأنك فاني سألت الشافعي عن سنـه فقـال لـي‏:‏ أقبـل علـى شأنـك فانـي سألـت مالـك بـن أنـس عـن سنـه فقال لي‏:‏ أقبل على شأنك ثم قال لي‏:‏ ليس من المروءة أن يخبر الرجل عن سنه‏.‏

قـال لنـا شيخنـا محمـد بـن عبـد الباقـي ووجدت في طريق آخر قيل له‏:‏ قال‏:‏ لأنه إن كان صغيرًا استحقـروه وإن كـان كبيرًا استهرموه ثم قال لنا‏:‏ مولدي في يوم الثلائاء عاشر صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وذكر لنا أن منجمين حضرا حين ولدت فأجمعا أن العمر اثنتان وخمسون سنة قال‏:‏ وها أنا قد جاوزت التسعين وأنشدني‏:‏ احفظ لسانك لاتبح بثلاثة سن ومال ما استطعت ومذهب فعلى الثلاثة تبتلـى بثلاثـة بمموه ومكفر ومكـذب وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وأول سماعه الحديث من أبي اسحاق البرمكي في رجب سنـة خمـس وأربعيـن حضـورًا وسمع من أبي الحسن الباقلاني سنة ست وأربعين وكان آخر من حدث في الدنيا عن أبي اسحاق البرمكي وأخيه أبي الحسن علي بن عمر والقاضي أبي الطيب الطبري وأبي طالب العشاري وأبي الحسن علـي بـن ابراهيـم الباقلـاوي وأبـي محمـد الجوهـري وأبـي القاسم عمر بن الحسين الخفاف وأبي الحسين محمد بن أحمد بن حسنون وأبي علي الحسن بن غالب المنقري وأبي الحسين بن الآبنوسي وأبي طالب بن أبي طالب المكي وأبي الفضل هبة الله ابن المأمون فهؤلاء تفرد بالرواية عنهم وقد سمع خلقًا كثيرًا يطول ذكرهم وكانـت لـه إجـازة من أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي وأبي الفتح بن شيطا وأبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي وتفقه على القاضي أبي يعلى بن الفراء وشهد عند قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني وعمر حتى ألحق الصغار بالكبار وكان حسن الصورة حلو المنطق مليح المعاشرة وكـان يصلـي بجامـع المنصورفيجـيء فـي بعـض الأيـام فيقـف وراء مجلسـي وأنـا علـى منبـر الوعـظ فيسلـم علـي وأملـى الحديث في جامع القصر فاستملى شيخنا أبو الفضـل بـن ناصـر وقـرأت عليـه الكثير وكان فهمًا ثبتًا حجة متقنًا في علوم كثيرة متفردًا في علم الفرائض وقال يومًا‏:‏ صليت الجمعة بنهر معلى ثم جلست أنظر الناس يخرجون من الجامع فما رأيـت أحـدًا أشتهـي أن أكـون مثله وكان يقول‏:‏ ما أعلم أني ضيعت من عمري ساعة في لهو أو لعـب ومـا مـن علـم الأ وقد حصلت بعضه أوكله وكان قد سافر فوقع في أيدي الروم فبقي في أسرهم سنة ونصفًا وقيدوه وجعلوا الغل في عنقه وأرادو أن ينطق بكلمـة الكفـر فلـم يفعـل وتعلـم بينهـم الخط الرومي وسمعته يقول يجب على المعلم أن لا يعنف وعلى المتعلم أن لا يأنف‏.‏

وسمعته يقول‏:‏ كن على حذر من الكريم إذا أهنته ومن اللئيم إذا أكرمته ومن العالم إذا أحرجته ومن الأحمق إذا مازحته ومن الفاجر إذا عاشرته وسمعته يقول‏:‏ من خدم المحابر وأنشدني لنفسه‏:‏ بغـداد دار لأهل المال طيبة وللمفاليس دار الضنك والضيق ظللت حيران أمشي في أزقتها كأنني مصحف في بيت زنديق وأنشدني لنفسه‏:‏ لي مدة لا بد أبلغهـا فاذا انقضـت وتصرمـت مـت لو عاندتني الأسد ضارية ما ضرني مـا لـم يجـي الوقـت ورأيته بعد ثلاث وتسعين صحيح الحواس لم يتغيرمنها شيء ثابت العقل يقرأ الخط الدتيق من بعد ودخلنا عليه قبل موته بمديدة فقال‏:‏ قد نزلت في أذني مادة وما أسمع فقرأ علينا من حديثه وبقي على هذا نحوًا من شهرين ثم زال ذلك وعاد إلى الصحة ثم مرض فأوصى أن يعمق قبره زيادة على ما جرت به العادة وقال‏:‏ لأنه إذا حفر زيادة على ما جرت به العادة لم يصلـوا الـي وأن يكتـب علـى قبـره‏:‏ ‏{‏قـل هـو نبـأ عظيـم أنتـم عنه معرضـون‏}‏ ولـم يفترعن قراءة القرآن إلى أن توفي‏.‏

وتوفي يوم الاربعاء قبل الظهر ثاني رجب هذه السنة وصلي عليه بجامع المنصور وحضـر قاضي القضاة الزينبي ووجوه الناس وشيعناه إِلى مقبرة باب حرب ودفن إلى جانب أبيه قريبًا

يوسف بن أيوب بن يوسف بن الحسن بن وهرة أبو يعقوب الهمداني من أهل بوزنجرد قرية من قرى همذان مما يلي الري نزيل مرو جاء إلى بغداد بعد الستين وأربعمائـة فتفقـه علـى الشيـخ أبـي اسحاق حتى برع في الفقه وعلم النظر وسمع أبا الحسين ابن المهتدي وأبا الغنائم وأبا جعفر ابن المسلمة وأبا بكر الخطيب والصريفيني وأبا بكر ابن النقور وغيرهم ورجع إلى بلده وتشاغل بعلم المعاملة وتربية المريدين فاجتمع في رباطه بمرو جماعة كثيرة من المنقطعين وقال‏:‏ دخلت جبل زر لزيارة الشيخ عبد الله الجوشني وكان شيخه قال‏:‏ فوجـدت ذلـك الجبـل معمورًا بأولياء الله تعالى كثير المياه كثير الأشجار وكل عين رأسها واحد من الرجال مشتغل بنفسه صاحب مجاهدة فكنت أدور عليهم وأزورهم ولا أعلم في ذلـك حجـرًا لـم تصبـه دمعتـي وقـدم إلـى بغـداد سنـة سـت وخمسمائـة فوعـظ بها فظهر له قبول تام وقام إليه رجل يعرف بابن السقاء فآذاه وجرت له في ذلك المجلس قصة قد ذكرتها فـي سنـة سـت ثـم عـاد إلـى مـرو ثـم خـرج إلـى هـراة ثـم رجـع إلـى مـرو ثـم عاد إلى هراة فلما رجع إلى مر وتوفي بقرية قريبة من هراة يوم الاثنين الثاني والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وثلاثين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه مات ابراهيم السهولي رئيس الباطنية فأحرقه ولد عباس شحنة الري في تابوته وفيها‏:‏ دخل خوارز مشاه مرو وفتك فيها مراغمة لسنجر حين تمت عليه الهزيمة وقبض على أبي الفضل الكرماني متقدم الحنفيين وعلى جماعة من الفقهاء وفيهـا‏:‏ عمـل بثق النهروان وخلع بهروز على الصناع جميعهم جباب ديباج رومي وعمائم قصب مذهبـة وبنى عليه قرية سماها المجاهدية وبنى لنفسه تربة هناك ووصل السلطان عقيب فراغه وجريان الماء في النهر فقعد هو والسلطان في سفينة وسارا في النهر المحفرر وفرح السلطان بذلـك وقيل انه عاتبه في تضييع المال فقال له‏:‏ قد أنفقت عليه سبعين ألف دينار أنا اعطيك إياها من ثمن التبن وحده ثم انه عزله من الشحنكية وولى قزل‏:‏ فظهر من العيارين ما حير الناس وذاك أن كل قوم منهم احتمـوا بأميـر فأخـذوا الأمـوال وظهـروا مكشوفيـن وكانـوا يكبسـون الـدور بالشمـوع ويدخلون الحمامات وقت السحر فيأخذون الأثواب وكان ابن الدجاجي جالسًا ليلة بالحربية فكبسوها وأخذوا عمامته ودخلوا إلى خان بسوق الثلاثاء بالنهار وقالوا‏:‏ ان لم تعطونا أحرقنا الخـان ولبـس النـاس السلـاح لمـا زاد النهـب وأعانهـم وزيـر السلطـان فظهـروا وقتلوا المصالحة وزادت الكبسات حتى صار الناس لا يظهرون من المغرب ثم أن السلطان أطلق الناس في العيارين فتتبعوا ودخل مسعود إلى داره ومضى إليه الوزير ابن جهيريوم الثلاثاء خامس عشرين ربيع الأول من هذه السنة ودخل الوزير ابن طراد إلى السلطان مسعود وسأله أن يسأل أمير المؤمنين أن يرضى عنه ويعيده إلى داره فسلمه إلى وزيره وقال له‏:‏ تمضي إِلي أوتسأل أمير المؤمنين بشفاعتـي وأخـذه صحبتـه إلـى داره التـي فـي الاجمـة واقـام عنـده ايامـًا والرسل تردد بينه وبين امير المؤمنيـن والساعـي في ذلك صاحب المخزن وامير المؤمنين يعد ذنوبه ومكاتباته وإساآته ومضى الوزيـر فـي الشفاعـة وجعـل يقـول‏:‏ يا مولانا ما زالت العبيد تجني والموالي تعفو وقد اتصل السؤال من جانبي سنجر ومسعود فأجاب وعفا عنه‏.‏فلما كان يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الاول ركب الوزيران في الماء وجميع الامراء والخدم والخواص ويرنقش الزكوي ودخلوا من باب الشط فقعدوا في بيت النوبة واستأذنوا فأذن لوزير السلطان وحده فدخل وقبل الأرض ووقف بين يدي أمير المؤمنين وقال‏:‏ يا مولانا السلطان سنجـر يسـأل ويتضـرع الـى اميرالمؤمنيـن في قبول الشفاعة في الزينبي وكذلك مسعود يقبل الأرض ويقـول لـه حـق خدمـة وان كـان بـدًا منـه سيئـة فقـد قـال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الحسنات يذهبن السيئات‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏وليعفوا وليصفحوا‏}‏ ورأي أمير المؤمنين فـي ذلـك أعلـى فأخـذ أميـر المؤمنيـن يعـدد سيئاتـه ثـم قال‏:‏ ‏{‏عفـا اللّـه عمـا سلـف ومـن عـاد فينتقـم اللـه منـه‏}‏ وقـد أجبـت السلطانيـن إلـى سؤالهمـا وعفـوت عنـه ثـم اذن له فدخل هو والأمراء فوقفوا وراء الشباك وكشفت الستارة فقبلوا الأرض بين يديه ثم مضى الى داره وعاد الوزير الى مسعود فأخبره بما جرى‏.‏

وفي جمادى الاولى في كانون الأول‏:‏ أوقدت النيران على السطوح ببغداد ثلاث ليال وضربت الدبادب والبوقات حتى خشي على البلد من الحريق فنودي في الليلة الرابعة بازالته‏.‏

وفـي جمـادى الآخـرة‏:‏ ورد الخبـر بالوقعـة التـي جـرت بيـن سنجـر وبين كافر ترك وكانت الوقعة فيما وراء النهـر وبلغـت الهزيمة إلى ترمذ وأفلت سنجر في نفر قليل فدخل إلى بلخ في ستة أنفس وأخذت زوجته وبنت بنته زوجة محمود وقتل من أصحاب سنجر مائة ألف أو كثر وقيل انهـم احصـوا مـن القتلـى أحد عشر ألفًا كلهم صاحب عمامة واربعة آلاف امرأة وكان سنجر قد قتل أخا خوارزم شاه فبعث خوارزم إلى كافر ترك وكان بينهما هدنة وقد تزوج إليه فسار إليـه فـي ثلثمائـة ألـف فـارس وكـان معه مائة ألف فارس فضربوا على سنجر فلم تر وقعة اعظم منها وكانت في محرم هذه السنة وقيل في صفر‏.‏

أحمد بن محمد أبو جعفر العدل أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عمر بن الحسن بن حمدي أبو جعفر العدل‏:‏ سمع الحديث من أبي محمد بن أيوب وغيره وشهد عند أبي القاسم الزينبي وكان له سمت حسـن وديـن وافـر وطريقـة مرضية ومذهب في النظافة شديد وكان واصلًا لرحمه كثير التصدق على الفقراء وكان يسرد الصوم ولا يفطر إلا الأيام المحرم صومها‏.‏

وتوفي ليلة الخميس حالي عشر ذي القعدة وصلي عليه بجامع القصر ودفن في داره بخرابة الهراس ثم نقل بعد مدة إِلى مقبرة باب حرب‏.‏

أحمد بن محمد بن علي بن محمود بن ابراهيم بن ماخرة أبو سعد الزوزني ولد في ذي الحجة سنة تسع وأربعين وسمع القاضي أبا يعلى وابـن المسلمـة وابـن المهتـدي وحدثنا عنهم وهو آخر من حدث عن القاضي أبي يعلى وكان قد مضى إلى صريفين فسمع الجعديات كلها من أبي محمد الصريفيني وسمع من أبىِ علي بن وشاح وجابر بن ياسين وأبي الحسين ابن النقور وأبي منصور ابن العكبري وأبي بكر الخطيب وغيرهم وكانوا ينسبون إلى التسمـح فـي دينـه وحكـى أبـو سعد السمعاني أنه كان منهمكًا في الشراب ولا أدري من أين علم ذلك ومرض فبقي خمسة وثلاثين يومًا بعلة النصب لم يضطجع‏.‏

وتوفي يوم الخميس تاسع عشر شعبان من هذه السنة ودفن يوم الجمعة عند رباط جده أبي الحسن الزوزني حذاء جامع المنصور‏.‏

قال شيخنا أبو الفضل ابن ناصر‏:‏ رأيته في المنام وعليه ثياب حسنة فقلت له‏:‏ ما فعل الله بك فقال‏:‏ غفر لي فقلت له‏:‏ وأين انت قال‏:‏ أنا وأبي في الجنة‏.‏

إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث أبو القاسم السمرقندي ولـد بدمشق في رمضان سنة أربع وخمسين وسمع شيوخ لمحمشق ثم بغداد فسمع ابن النقور وكـان يلازمـه حتـى قـال‏:‏ سمعـت منـه جزء يحيى بن معين اثني عشرة مرة وسمع الصريفيني وابن المسلمة وابن البسري وغيرهم ثم انفرد باشياخ لم يبق من يروي عنهم غيره وكان مكثرًا فيه وكان دلالًا في بيع الكتب فدار على يده حديث بغـداد بأشيـاخ فادخـر الاصول وسمع منه الشيوخ والحفاظ وكان له يقظة ومعرفة بالحديث وأملى بجامع المنصور زيادة على ثلثمائة مجلس وسمعـت منـه الكثيـر بقـراءة شيخنـا أيـي الفضـل بـن ناصـر وأبـي العـلاء

الهمذاني وغيرهما وبقراءتي وكان أبو العلاء يقول ما أعدل به أحدًا من شيوخ خراسان ولا العراق وكان شيخنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن يقـول‏:‏ أبـو القاسـم السمرقنـدي استـاذ خراسان والعراق أنبأنـا أبـو القاسم السمرقندي قال‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه مريض وقد مد رجله فدخلت فجعلت أقبل أخمص رجليه وأمر وجهي عليهما فحكيت هذا المنام لآبي بكر ابـن الخاضبة فقال‏:‏ أبشر يا أبا القاسم بطول البقاء وبانتشار الرواية عنك الأحاديث رسول الله صلـى اللـه عليـه وسلـم فـان تقبيـل رجليـه اتبـاع أثره وأما مرض النبي صلى الله عليه وسلم فوهن يحـدث فـي الاسلـام فمـا أتى علي هذا إِلا قليل حتى وصل الخبر أن الافرنج استولت على بيت المقدس وتوفي شيخنا إسماعيل ليلة الثلاثاء سادس عشرين ذي القعدة عن اثنتين وثمانين سنة وثلاثة أشهـر ودفـن ببـاب حرب في المقابر المنسوبة إلى الشهداء وهذه المقبرة قريبة من قبر أحمد ولا نعرف لهذا الذي يقال لها أصلًا وقد أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الخطيـب قـال‏:‏ لـم أزل اسمـع العامـة تذكر أنهـا قبور من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كانـوا شهـدوا معـه قتـل الخـوارج بالنهـروان وارتثـوا في الوقعة ثم لما رجعوا أدركهم الموت في ذلك الموضـع فدفنهم علي عليه السلام هنالك وقيل‏:‏ ان فيهم من له صحبة قال‏:‏ وقد كان حمزة بن محمـد بـن طاهـر وكـان مـن أهل الفهم وله قدم في العلم ينكر ما قد استمر عند العامة من ذلك ويقول لا أصل له أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ عن أبي محمد ابن السراج قال‏:‏ رأيت منذ خمسين سنة مقابر الشهداء عند الوهلة وقد انقلبت الجبانة وبرزت جمجمة عند طاقة ريحان طرية إسماعيل بن عبد الوهاب بن إسماعيل أبو سعد البوشنجي نزيل هراة ولد سنة احدى وستين وسمع أبا صالح المؤذن وأبا بكر بن خلف وحمد بن أحمد وورد بغداد فسمع من ابن نبهان وابن بيان وغيرهما وتفقه وكان دائم الذكر متعبدًا ثم مضى الى هراة فسكنها إلى أن توفي بها في هذه السنة وكان يفتيهم أدم بن أحمد بن أسد أبو سعد الأسدي الهروي من أهل هراة سكن بلخ وكان أديبًا فاضلًا عالمًا باللغة ودخل بغداد وحدث بها وقرىء عليه بهـا الـأدب وروى عبـد الكريـم بـن محمـد أنـه جـرى بيـن هـذا الاسدي وبين شيخنا أبي منصور ابن الجواليقـي نـوع منافـرة فـي شـيء اختلفـا فيـه فقـال له الأسدي‏:‏ أنت لا تحسن ان تنسب نفسك فان الجواليقي نسبة الى الجمع والنسبة إلى الجمع لا تصح توفي الأسدي في شوال هذه السنة ببلخ أحمد بن منصور بن أحمد أبو نصر الصوفي الهمذاني كـان حسـن الصورة مليح الشيبة لطيف الخلقة مائلًا إلى أهل الحديث والسنة كثير التهجد لتلاوة القرآن سمعت عليه الحديث في رباط بهروز الخادم وكان شيخ الربـاط فأوصـى أن يحضـر شيخنـا أبو محمد المقرىء غسله ويصلي عليه فشق ذلك على أصحاب الشافعي وكانت وفاته يـوم الجمعـة ثامـن عشر رمضان عن سبع وتسعين سنة ممتعًا بسمعه وبصره ودفن بالشونيزية في صفة الجنيد خاتون امرأة المستظهر بالله قد ذكرنا حالها في تزويج المستظهر بها وفي تزويج ملك كرمان بها وكانت دارها حمى ولها الهيبة والاصحاب وورد الخبر بموتها فقعد لها في العزاء يومين في الديوان‏.‏

محمد بن جعفر بن محمد بن أحمد من أهل أصبهان من بيت الحديث والعدالة ولد سنة سبع وستين وأربعمائة بأصبهان وسمع من عبد الوهاب بن مندة وغيره وكان ثقة كثير التعبد وقم بغداد للحج فخرج معهم وهو مريض فتوفي يوم الاثنين ثامن عشر ذي القعدة ودفن بزبالة محمد بن الحسين بن محمد أبو الخير التكريتي اليترك سمع أبا محمد السراج وكان شيخًا صالحًا متشاغلًا بما ينفعه سافر الكثير وسكن في آخر عمره برباط الزوزني المقابل لجامع المنصور قال المصنف‏:‏ ورأيته إنا وتوفي في هذه السنة ودفن على باب الرباط‏.‏

محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر أبو محمد السهلوكي الخطيب خطيب بسطام مدينة بقومس وقاضيها سمع بها من أبي الفضل السهلوكي وببغداد من أبي محمد التميمي ونظام الملك وغيرهم وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة ببسطام محمود بن أحمد بن عبد المنعم بن احمد بن محمد بن ماساده أبو منصور الواعظ من أهل أصبهان سمع الحديث الكثير وتفقه على أبي بكـر الخجنـدي وارتفـع أمـره وعـرض جاهه فصار المرجـع إِليـه وكـان يفسـر ويعـظ بفصاحـة وورد بغـداد بعـد العشريـن وخمسمائـة فوعظ بجامع القصر وعاد إِلى أصبهان فتوفي بها في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

نصر بن أححد بن محمد بن مخلد أبو الكرم الأزلي ابن الجلخت من أهل واسط آخر من روى عن أبي تمام علي بن محمد القاضي وقد سمع من جماعة وكان ثقة صالحًا من بيت الحديث‏.‏

وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن علي بن طاوس أبو محمد المقرىء البغدادي انتقـل والـده إلـى دمشـق فسكنهـا فولـد هـو بها في سنة اثنتين وستين واربعماثة ونشأ وكان مقرئًا فاضلًا حسن التلاوة وختم القرآن عليه خلق من الناس وأملى الحديث وكان ثقة صدوقًا‏.‏

وتوفي في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة باب الفراديس بظاهر دمشق وحضره خلق عظيم‏.‏

يحيى بن علي بن محمد بن علي الطراح ولـد بنهـر القلائيـن فـي سنة تسع وخمسين وأربعمائة ونشأ بها ثم انتقل الى الجانب الشرقي سمع ابا الحسين بن المهتدي وابا جعفر بن المسلمة وابا محمد الصريفيني وابا الغنائم بن المأمون وابا الحسين ابن النقور وابا بكر الخياط وابا القاسم بن البسري والمهرواني وغيرهم وكان سماعه صحيحـًا وكـان مـن أهـل السنـة شهـد لـه بذلـك شيخنـا ابن ناصر وكان له سمت المشائخ ووقارهم وسكونهـم مشغولًا بما يعنيه وكان كثير الرغبة في الخير وزيارة القبور وسمعنا عليه كثيرًا وكان مديرًا لقاضى القضاة أبي القاسم الزينبي وتوفي ليلة الجمعة رابع عشرين رمضان هذه السنة ودفن بالشونيزية يحيى بن علي أبوعلي الباجرائي تفقه وتقدم وبرع وناظر وهو صغير السن واختطف في زمن الشبيبة ودفن في مقبرة جامع المنصور‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وخمسمائة

أن ابن طلحة صاحب المخزن عاد من الحج منصرفًا تاركًا للعمل فنظر أبو القاسم علي بن صدقـة فـي المخـزن مـن غيـر وكالـة ووصلـت سفـن فيهـا خمـر فربطت مما يلي باب المدرسة فأنكر الفقهاء ذلك فضربوا وجاء الأعاجم فكبسوا المدرسة وضربوا الفقهاء ولزم ابن الرزاز المدرس بيته وكان جميع المعيدين يحتمون بالأعاجم وأرسـل السلطـان سنجـر الـى السلطـان مسعـود يـأذن لـه فـي التصـرف فـي الـري ومـا يجري معها على عادة السلطان محمد ويجمع العساكر ويكون مقيمًا بالري بحيث ان دعته حاجة استدعاه لأجل ما كان نكب به سنجر من الكفار ووصل إلى بغداد عباس شحنة الري بعسكر كثير وخدمه الخدمة الوافرة ووصل إليه جماعة من الأمراء فأشار عباس بقصد الري وأشار الوزير عز الملك بقصد ساوة فقبل قول عباس وفـي جمـادى الآولـى‏:‏ وصـل الخبر بان زنكي ملك قلعة الحديثة ونقل من كان فيها من آل مهارش إلى الموصل ورتب أصحابه فيها وفـي جمـادى الآخـرة‏:‏ استدعـى أبـو القاسـم علـي بـن صدقـة بـن علـي بـن صدقة وخلع عليه ورتب في المخزن وفي حادي عشر شعبان‏:‏ جرت للشيخ أبي محمد المقرىء وهلة وخرج من مسجـده وسبـب ذلـك أن ضريـرًا يقـال لـه علـي المشتركـي خاصـم غلامـأ كـان يخدم الشيخ وخرج عن المسجد وصلى في مسجد الشافعية ثم سكن مسجد يانس وصار له جمع من العميـان وكانـت الفتـن تجـري بينهـم وبيـن أصحـاب الشيخ ويبلغون إلىِ حاجب الباب وكان يتعصب للمشتركي الركاب سلار فنفذ الى الشيخ كلامًا صعباَ فغضب الشيخ وعبر إلى الحربية فأقام ثلاثة أيام ثم عاد فنفذ إليه حاجب الباب فاحضره فاذا المشتركي جالس عنده على الدكة فقـال لـه‏:‏ قـد بـرز توقيـع شريف بمصالحتكم فأبى ذلك وعاد إلى المسجد ومعه الغوغاء فصعب ذلـك علـى حاجب الباب فكتب وأطنب ثم نفذ إليه أنه قد تقدم باخراجك من المسجد ونفد معه الرجالة الى الشرط وختموا داره ومسجده فاقام بالحربية ثم برزتوقيع بعوده فعاد وفي غرة في القعدة‏:‏ صرد الخبر بان بنت دبيس ولدت للسلطان مسعود ولدًا ذكرًا فعلقت بغداد وأخذ الناس في اللعب سبعة أيام ثم ظهر المفسدون وقتلت المصالحة واخذت أموال الناس وعزل أبو الكرم الوالي ورتب مكانه رجل يقال له ابن صبـاح فكـان يطـوف ولا ينفـع حمايته وتقدم المقتفي أن لا يخاطب أحد بمولانا سوى الوزير ولا يحمل لأحـد غاشيـة علـى الكتف سوى قاضي القضاة الزينبي وفـي يـوم الاربعـاء تاسـع ذي القعـدة‏:‏ استدعـى القاضـي أبـو يعلـى محمد بن محمد بن الفراء الى دار قاضي القضاة الزينبي وفـوض إليِـه قضـاء واسـط فوصـل إِليهـا يـوم الأحـد حـادي عشـر ذي‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن سالم بن علوي بن جحاف أبو منصور الهيتي ولد بهيت في سنة ستين وسمع أبا نصر النرسي وأبا الغنائم بن أبي عثمان وأبـا طاهـر الباقلاوي وتفقه محلى أبي عبد الله الدامغاني وبرع في المناظرة وسمع شهادته قاضي القضاة الزينبي واستنابه في القضاء وتوفي يوم الخميس حادي عشر شوال هذه السنة ودفن بمقبرة الخيزران‏.‏

ابراهيم بن هبة اللّه بن علي بن عبد اللهّ أبوطالب من أهل ديار بكر سمع الحديث من جماعة روى عنهم وكان دائم التلاوة للقرآن كثيـر الذكر فقيها مناظرًا توفي في هذه السنة‏.‏

أحمد بن أبي الحسين بن أحمد بن ربعة أبو الحارث الهاشمي ولد قبل الستين وأربعمائة وسمع أبا الحسين ابن الطيورى وكان يؤم في جامع المنصور في الصلـوات الخمـس وكـان فيـه خيـر وكان يحضر مجلسي كثيرًا وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن في مقبرة بين جامع المنصور وشارع دار الدقيق‏.‏

الحسين بن علي بن أحمد بن عبد الله المقرىء أبو عبد الله الخياط ولـد فـي رمضـان سنـة ثمـان وخمسيـن سمـع ابـن المأمـون والصريفينـي وابن النقور وغيرهم وحدثنـا عنهـم وقـرأت عليـه القرآن والحديث وكان صالحًا يأكل من كد يده من الخياطة توفي في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

سليمان بن محمد بن الحسين أبو سعد القصار الكافي الكرجي مـن بلـد الكـرج سمـع الحديـث وتفقـه وبرع في الفقه والاصول وتكلم مع الأئمة الكبار وكان أعرفهم بأصول الفقه توفي بالكرج في هذه السنة عبد اللّه بن محمد بن محمد البيضاوي أبو الفتح سمع الحديث من ابن النقور وغيره وشهد وصار حاكمًا فسمعت عليه الكثير وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة وصلى عليه بجامع المنصور أخوه لأمه قاضي القَضاة أبو القاسم الزينبي ودفن بمقبرة باب حرب محمد بن الحسين بن عمر أبو بكر الأرموي تفقه على أبي اسحاق الشيرازي وسمع من ابن النقور وغيره وكان ببغداد رجل يقال له‏:‏ أبو بكر محمد بن الحسين الأرموي فاشتبه الاسمان فتـرك هـو الروايـة تحرجـًا توفـي فـي ليلـة السبـت سابـع محرم هذه السنة ودفن عند ابن سريج محمد بن عبد اللّه الأسدي أبو الفضل الخطيب محمد بن عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد الأسدي أبو الفضل الخطيب‏:‏ ولـد فـي عشـر ذي الحجـة الـاول مـن سنة تسع وأربعين وسمع أبا الحسين ابن المهتدي وأبا الغنائم ابـن المأمون وأبا الحسين ابن النقور وطرادًا وأبا الوفاء طاهر بن الحسين القواس وهو جده لأمه وغيرهم وحدث وقرأ بالقراآت وشهد عند أبي الحسن الدامغاني وردت إليـه الخطابـة بجامـع المنصـور ثـم في جامع القصر وسرد الصوم نيفًا وخمسين سنة وكان رجلًا صالحًا‏.‏

وتوفي في يـوم الجمعـة ثامـن عشريـن جمـادى الاولـى ودفـن فـي دكـة قبر الإمام أحمد عند جده لأمه أبي الوفاء ابن القواص بعد فتنة تلوفيت فان المقتفي وقع بذلك ومنعت العامة‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين و خمسمائة

فمن الحوادث فيها أن السلطان جمع العساكر لقصد الموصل والشام وترددت رسل زنكي حتى تم الصلح على مائـة الف دينار تحمل في ثوب فحمل ثلائين ألفآ ثم تقلبت الاحوال فاحتيج إلى مداراة زنكي وسقط المال وقيل بل خرج ابن الأنبارى فقبض المال‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ قبض السلطان على ترشك المقتفوي وحمل إلى قلعة خلخال وقدم السلطان مسعـود فـي ربيع الأخر فنزل اصحابه في دور الناس وتضاعف فساد العيارين بدخوله وكثرت الكبسات والاستقفاء نهارا ونقل الناس رحالهم الى دار الخلافة وباب المراتب وكان اللصوص يمشون بثياب التجار في النهار فلا يعرفهم الانسان حتى يأخذوه فأخذت خرق الصيارف وضاقت المعايش وأعيد إلى الولاية أبو الكرم الهاشمي في جمادى الأولى فطاف البلد وأخذ ثلاثة فلم ينفع وكان للعيارين عيون على الناس من النساء والرجال يطوفون الخانات والرحبة والصيارف والجوهريين فاذا عاينوا من قد باع شيئأ تبعوه واخذوا ما معه وكانوا يجتمعون في دور الذين يحمونهم في دار وزير السلطـان ودار يرنقـش واخـذوا خـرق الصيـارف وجرحوهـم ولقوا رجلًا قد باع دابة بخمسة وعشرين دينارًا فضربوه بالسيف وأخذوها فنفر الناس وغلقوا دكاكينهـم وغلقـوا بـاب الجامـع وتلقـوا السلطان في الميدان ومعهم ابن الكواز الزاهد فاستغاثوا إليه فلم يجبهم فعادوا مرارًا وهو لا يلتفت وكان قي العيارين ابن قاور وهو ابـن عـم السلطـان مسعود فأخذ بعملات فتقمم السلطان بصلبه فصلب بباب درب صالح الذي فيه بيته وصلب معـه ثلاثـة مـن أصحابـه ثـم أبـاح السلطـان دماءهـم فصلـب منهـم جماعة فسكن الناس وفي رجب‏:‏ خرج ملك البطائح إلى تل علم فشاهده فكان طوله نحو ثمانمائة ذراع وعرضه نحو أربعمائة ذراع‏.‏

وفـي هـذه السنـة‏:‏ قـدم مـع السلطـان فقيه كبير القدر اسمه الحسن بن أبي بكر النيسابوري وكان من أصحاب أبي حنيفة وكانت له معرفة حسنة باللغة وفهم جيد في المناظرة وجالسته مدة وسمعت مجالسه كثيرًا فجلس بجامع القصر وجامع المنصور وأظهر السنة وكان يلعن الأشعري جهرًا علـى المنبـر ويقـول‏:‏ كـن شافعيـًا ولا تكـن أشعريـًا وكنـت حنفيـًا ولا تكـن معتزليـًا وكـن حنبليًا ولاتكن مشبهًا ولكن مارأيت أعجب من أصحاب الشافعي يتركـون الأصـل ويتعلقـون بالفـرع‏.‏

ومـدح الأئمـة الأربعة وذم الأشعري ثم قال‏:‏ زاد في الشطرنج بغل والبغل مختلط النسب ليـس لـه أصـل صحيـح فقام في الإسبوع الثاني أبو محمد ابن الباطريخ فأنشده قصيدة فيها هذا المعنى وهي‏:‏

صرف العيون إليـك يحلـو ** وكثير لفظـك لايمـل

والنـاس لـو متعتهـم ** بـك ألـف عـام لـم يولوا

من أين وجه ملالهم ** وغرامهم بك لا يقل

لـو رمت بذل نفوسهم ** بذلوا رضا لك واستقلوا

وافيت فابتسم الهـدى ** وأنار دين مضمحل

ونهضت في نصرالكتا ** ب بحد عضب لايفل

لمعانه يـوم التنـا ** ضل بالأدلة يستهل

أنعشـت خامـل معشـر ** من بعد أن ضعفوا وقلـوا

وعقدت حين نصرتهم ** فـي الديـن عقـدا لا يحل

وقطعـت شملهم فلي ** س لهـم بحمـد اللـه شمل

كم ذا التحدي بالدلـي ** ل لهم وكم عجزوا وكلـوا

إأنذرهم فإن انتهوا ** عن كفرهم أو لا فقتـل

ما ثم غير أبـي حنـي ** فـة والمديـح لـه يجـل

وفقيـه طيبـة مالـك ** طود له زهد وفضل

وفتى ابن حنبـل والحـدي ** ث عـن ابـن حنبـل ما يمل

والشافعي ومـن لـه ** من بعد من قدمت مثل

فهم أدلتنا ومن ** يهدى بغيرهم يضل

كنـا نعد خلافهم ** صلحًا وندرسه ونتلـو

حتـى بلينا بالخلا ** ف وزاد في الشطرنج بغل

والجنس يضبط في البهـا ** ئم أصلها والبغل بغل

وجلـس يـوم الجمعة العشرين من رجب في دار السلطان فحضر السلطان مسعود مجلسه فوعظه الأشعري فتجري الخصومات فمضى أبو الحسن الغزنوي الواعظ إلى السلطان فأخبـره بالفتـن وقـال لـه‏:‏ إن أبـا الفتـوح صاحـب فتنة وقد رجم ببغداد مرارًا والصواب إخراجه من البلد فتقدم السلطـان بإخراجـه وخـرج الحسـن بـن أبـي بكـر إلـى بلـده فأقـام بعـد ذلـك وأخرج في رمضان وخرج أبـو عبـد اللـه ابـن الأنبـاري إلـى الموصـل لإقـرار زنكني على إقطاعه واستثنى من إقطاعه صريفين وأذن في إقامة الجمعة بجامع ابن بهليقا فصار أحد الجوامع المذكورة‏.‏

وأخذ رجل يقال أنه فسق بصبي فترك في جب ورقي إلى رأس منارة مدرسة سعادة ثم رمي به إلى الأرض فهلك وفي شوال‏:‏ برز السلطان مسعود طالبًا همذان‏.‏

وزلزلت الأرض ليلة الثلاثاء رابع عشرين ذي القعـدة فكانـت رجـة عجيبـة كنـت مضطجعـًا على الفراش فارتج جسدي منها‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن عبد العزيز بن أبي يعلى الشيرازي أبو نصر بن القاص هو أبو يعلى كان أحمد مليح الهيئة حسن الشيبة كثير البكاء يحضر مجلس شيخنا أبي إلحسن الزاغواني فيبكي كثيرًا‏.‏

توفي يوم الإثنين تاسع ذي القعدة ودفن بمقبرة باب حرب‏.‏

عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي أبو البركات الحافظ ولـد فـي رجـب سنـة اثنتيـن وستيـن وأربعمائة وسمع أبا محمد الصريفيني وأبا الحسين ابن النقور وأبا القاسم ابن البسري وأبا نصر الزينبي وطرادًا‏.‏

وكان ذا دين ورع وكان قد نصب نفسه للحديث طول النهار وسمع الكثير من خلق كثير وكتب بيده الكثير وكان صحيح السماع ثقة ثبتًا وكنت أقرأعليه الحديث وهو يبكي فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايتـه وكـان علـى طريقـة السلـف وانتفعـت بـه مـا لـم أنتفـع بغيـره ودخلت عليه وقد بلي وذهب لحمه فقال لي‏:‏ إن الله لا يتهم في قضائه‏.‏

وتوفي يوم الخميس حادي عشر محرم هذه السنة وصلى عليه أبو الحسن الغزنوي ودفن بالشونيزية‏.‏

عبد الخالق بن عبد الصمد الشيباني أبو المعالي ابن البدن عبد الخالق بن عبد الصمد بن علي بن الحسين بن عثمان الشيباني أبو المعالي ويعرف بابن ولد سنة اثنتين وخمسين وسمع أبا الحسين ابن المهتدي وأبا جعفر ابن المسلمة وابن النقور والزينبي وغيرهم وحدثنا عنهم وكان سماعه صحيحًا وكان عبدًا صالحًا سريع الدمعة وتوفي ليلة الخميس لليلة بقيت من جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

علي بن طراد بن محمد بن علي بن أبي تمام الزينبي ويكنـى أبـا القاسـم ولد سنة اثنتين وستين وأربعمائة سمع أباه وعمه أبا نصر وأبا طالب وأبا محمد التميمي وأبا القاسم بن بشران وابن السراج وابن النظر وولي نقابة النقباء ولاه المستظهر وخلع عليه ولقبه الرضا ذا الفخرين وهي ولاية أبيه وركب معه ثم وزر للمسترشد والمقتفي وأبوه طراد ولي نقابة النقباء وأبوه أبو الحسن محمد ولي نقابة النقباء وأبوه أبوالقاسم علي ولي نقابة النقباء وأبوه أبوتمام كان قاضيًا‏.‏

وتقلبـت بعلـي بـن طـراد أحـوال عجيبـة مـن ولايـة وعـزل إلـى أن خرج مع المسترشد وهو وزيره لقتال الأعاجم فأسر هو وأرباب الدولة ثم أطلقوا ووصل إلى بغداد وأشار بعد قتل المسترشد بالمقتفي ووزر له ثم تغير المقتفي عليه فاستجار بذلك السلطان إلى أن سئل فيه وأعيد إِلى بيته‏.‏

وتوفـي بكـرة الأربعـاء غـرة رمضـان هـذه السنـة عـن ست وسبعين سنة وكان قد أوصى إلى ابن عمـه قاضـي القضـاة علـي بـن الحسيـن فأمضـى المقتفـي تلـك الوصيـة وبعـث له الأكفان والطيب ودفن بـداره الشاطئيـة بباب المراتب ثم نقل إلى تربته بالحربية ليلة الثلاثاء سادس عشر رجب سنة أربـع وأربعيـن وجمع على نقله الوعاظ فوعظوا في داره إلى وقت السحر ثم أخرج والقراء معه والعلماء والشموع الزائدة في الحد‏.‏

محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الدقاق أبو الحسن ابن صرما وهو ابن عمة شيخنا أبي الفضل بن ناصر ولد يوم الخميس النصف من شعبان سنة ستين وأربعمائة وسمع من أبي محمد الصريفيني وأبي الحسين ابن النقور وأبي القاسم ابن البسري وغيرهم وحدثنا عنهم وكان شيخًا صالحًا ستيرًا توفي يوم الثلاثاء منتصف شعبان ودفن بمقبرة باب حرب محمد بن الخضر بن إبراهيم أبو بكر المحولي خطيبها وإمامها سمع الحديث ورواه وقرأ بالقرا آت على أبي الطاهر بـن سـوار وأبـي محمـد التميمي وكان يقول قرأت على أبي طاهر بن سوار الروايات في خمس عشرة سنة وما كنت أجمـع بيـن الروايتيـن والثلاث كنت اختم لكل رواية ختمة وما آخذ إلا هكذا وكان فصيحًا وكان مشتهرًا بالتجويد وحسن الأداء وأعطي فصاحة وخشوعًا وكان الناس يقصدون صلاة الجمعة وراءه لذلك وكان صالحًا دينًا‏.‏

توفي يوم السبت ثامن عشر ذي القعدة ودفن بالمحول محمد بن الفضل بن محمد أبو الفتوح الاسفرائيني ابن المعتمد ولـد سنـة أربـع وسبعيـن باسفرائيـن دخل بغداد فأقام بها مدة يتكلم بمذهب الأشعري ويبالغ في التعصـب وكانت الفتن قائمة في أيامه واللعنات في الأسواق وكان بينه وبين الغزنوي معارضات حسـد فكـان كـل منهـم يذكر الآخـر علـى المنبر بالقبيح فلما قتل المسترشد وولي الراشد ثم خرج مـن بغـداد خـرج أبـو الفتـوح مـع الراشـد إلـى الموصـل فلمـا توفـي الراشد سئل في حقه المقتفي فأذن لـه فـي العـود إلـى بغـداد فدخل وتكلم واتفق أن جاء الحسن بن أبي بكر النيسابوري إلى بغداد فوعـظ وذم الأشعريـة وساعـده الخـدم ووجد الغزنوي فرصة فكلم السلطان مسعودًا في حق أبي الفتـوح فأمر بإخراجه من البلد وبلغني أن السلطان قال للحسن النيسابوري‏:‏ تقلد دم أبي الفتوح

حتى أقتله فقال‏:‏ لا أتقلد فوكل بأبي الفتوح يوم الجمعة ويوم السبت وأخرج يوم الأحد ووقف له عند السور خمسة عشر تركيًا وجاء منهم واحد أو اثنان إليه فقال‏:‏ تقوم للمناظرة فخرج غيرمتأهب ولا مزود لسفر وذلك في شعبان فلما خرج من رباطه تبعه خلق كثير فلما وصلوا إلى السور ضربوا الأتراك فرجعوا وكان قد سلم إلى قيمـاز الحرامـي فتبعـه جماعـة ليحمـل إلـى همـذان ثـم سلـم إلـى عبـاس فبعثـه إلى اسفرائين واشترط عليه متى خرج من بلده أهلك فأخذ بلجام فرسه وسيربه ناحية النهروان وحده وخرج أهله وأولاوده فمضوا إلى رباط حموه وهو أبو القاسم شيخ فخرج هو وأبو منصور ابـن البـزار ويوسف الدمشقي وأبو النجيب إلى السلطان يسألون فيه فلم يلتفت إليهم ونودي في البلد لا يذكرأحد مذهبًا ولا يثير فتنة فانخزلت الأشاعرة وحمل أبو الفتوح إلى ناحية خراسان فلمـا وصل إلى نيسابور توفي بها في ذي الحجة من هذه السنة فدفن هناك ووصـل الخبـر بموتـه فقعـدوا في رباطه للعزاء به فحضر الغزنوي عزاءه وقد كان يذكر كل واحد الآخر على المنبر بالقبائح فكلمه قوم من العامة بكلام فظيع وهو ساكت وقالوا‏:‏ إنما حضرت شماتة به وهو ساكت فقام رجل فقيه فأنشد‏:‏

خلا لك يا عدو الجـو فاصفـر ** ونجس في صعـودك كـل عـود

فبكى الغزنوي‏.‏

وقال لي علي بن المبارك لما عاد الغزنوي إلى رباطه قلت له‏:‏ أنت كنت تذكرهـذا الرجل بما لا يحسن وكنت مهاجرًا له فكيف حضرت عزاه وأظهرت الحزن عليه حتى قال الناس ما قالوا فقال‏:‏ أنا إنما بكيت على نفسي كان يقال فلان وفلان فعدم النظير مقرب للرحيل وأنشدني‏:‏ ذهـب المبـرد وانقضت أيامه وسينقضـي بعـد المبـرد ثعلـب بيت من الآداب أصبـح نصفـه خربا وباقي النصف منه سيخرب فتـزودوا مـن ثعلـب فبمثـل ما شرب المبرد عـن قليـل يشـرب أوصيكم أن تكتبوا أنفاسه إان كانـت الأنفـاس ممـا يكتـب محمد بن القاسم بن المظفر بن علي الشهرزوري أبو بكر بن أبي أحمد مـن أهـل الموصـل ولـد سنـة أربـع وخمسيـن وسافـر البلـاد وصحـب العلماء وسمع الحديث الكثير ومن شعره‏:‏ همتي دونها السها والثريا قد علت جهدها فما تتدانـى فأنا متعب معنى إلـى أن تتفانـى الأيـام اواتفانـى محمود بن عمر بن محمد بن عمر أبوالقاسم الزمخشري مـن أهـل خـوارزم وزمخشـر إحـدى قراهـا ولـد سنـة سبـع وستيـن وأربعمائـة ولقي العلماء الأفاضل وكان له حظ في علم الأدب واللغة وصثف التفسير الكبير وغريب الحديث أقام بخوارزم مدة وبالحجاز مدة وورد بغداد غير مرة كان يتظاهر با لإعتزال تو في بخوارزم ليلة عرفة من هذه السنة‏.‏