فصل: ثم دخلت سنة ثمانين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة سبعة وسبعين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن الرشيد عزل جعفر بن يحيى عن مصر وولأَها إسحاق بن سليمان ‏.‏

وعزل حمزة بن مالك عن خراسان وولِّاها الفضل بن يحيى إلى ما كان إليه من الأعمال ‏.‏

وفيها‏:‏ غزا الصائفة عبد وكان في ليلة الأحد لأربع بقين من المحرم ظلمة وحمرة وريح ثم كانت ظلمة ليلة الأربعاء لليلتين بقيتا من المحرم ثم كانت ريح وظلمة شديدة يوم الجمعة لليلة خلت من صفر ‏.‏

وفيها‏:‏ حج الرشيد بالناس ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

شريك بن عبد اللّه أبو عبد اللّه النخعي الكوفي القاضي أدرك عمر بن عبد الرحمن وسمع أبا إسحاق السبيعي ومنصور بن المعتمر وعبد الملك بن عمير وسماك بن حرب وسلمة بن كهيل وحبيب بن أبي ثابت والأعمش وخلقًاكثيرًا ‏.‏

روى عنه‏:‏ ابن المبارك ووكيع وابن مهدي وغيرهم ‏.‏

وهومن كبار العلماء الثقات إلا أن قومًا قدحوا في حفظه ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن جعفر التميمي قال‏:‏ أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا وكيع قال‏:‏ أخبرني إبراهيم بن عثمان قال‏:‏ حدَّثنا أبوخالد يزيد بن يحيى بن يزيد قال‏:‏ حدَثني أبي قال‏:‏ مر شريك القاضي بالمستنير بن عمرو النخعي فجلس إليه فقال‏:‏ أبا عبد اللّه منْ أدَبَك ‏.‏

قال‏:‏ أدبتني نفسي واللهّ ولدت ببخارى فحملني ابن عم لنا حتى طرحني عند بني عمٍّ لي فكنت أجلس إلى معلم لهم فعلق بقلبي تعلم القرآن فجئت إلى شيخهم فقلت‏:‏ يا عمَّاه الذي كنت تجريه علي هنا أجره علي بالكوفةأعرف بها السنَّة وقومي ففعل فكنت بالكوفة أضرب اللبن وأبيعه وأشتري دفاتر وطروسًا فاكتب فيها العلم والحديث ثم طلبت الفقه فبلغت ما ترى فقال المستنير لولده‏:‏ سمعتم قول ابن عمكم وقد أكثرت عليكم في الأدب ولا اراكم تفلحون فيه فليؤدب كل رجل منكم نفسه فمن أحسن فلها ومن أساء فعليها ‏.‏

لما ولي القضاء اضطرب حفظه ‏.‏

أخبرنا أبو منصور قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قالى‏:‏ أخبرنا أبو الفرج محمد بن عمر الجصاص قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف قال‏:‏ وجدت في كتابناعن أبي العباس بن مسروق ما يدل حاله على السماع ‏.‏

قال‏:‏ سمعت أبا كريب يقول‏:‏ سمعت يحيى بن يمان يقول‏:‏ لما ولي شريك القضاء أكره على ذلك وأقعد معه جماعةمن الشرطة يحفظونه ثم طاب للشيخ فقعد من نفسه فبلغ الثوري أنه قعد من نفسه ‏.‏

فجاء فتراءى له فلما رأى الثوري قام إليه فعظمه وأكرمه ثم قال‏:‏ يا أباعبدالله هل من حاجة ‏.‏

قال‏:‏ نعم مسألة ‏.‏

قال‏:‏ أو ليس عندك من العلم ما يجزيك قال‏:‏ أحببت أن أذاكرك بها ‏.‏

قال‏:‏ قل ‏.‏

قال‏:‏ ما تقول في امرأة جاءت فجلست على باب رجل ففتح الرجل الباب واحتملها ففجر بها لمن تحد منهما فقال له‏:‏ دونها لأنها مغصوبة قال‏:‏ فإنه لما كان من الغد جاءت فتزينت وتبخرت وجلست على ذلك الباب ففتح الرجل الباب فرأها فاحتملها ففجر بها لمن تحدّ منهما قال‏:‏ أحدهماجميعًا لأنها جاءت من نفسها وقد عرفت الخبر بالأمس ‏.‏

قال‏:‏ أنت كان عذرك حيث كان الشرط يحفظونك اليوم أي عذر لك قال‏:‏ يا أبا عبد اللّه أكلمك ‏.‏

قال‏:‏ ما كان اللّه ليراني أكلمك أوتتوب ‏.‏

قال‏:‏ فوثب فلم يكلمه حتى مات وكان إذا ذكره قال‏:‏ أي رجل كان لولم يفسدوه أخبرنا أبومنصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أ أبو بكر بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرناحمزة بن محمد بن طاهرقال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال‏:‏ حذَثنا البغوي قال‏:‏ حذَثنا أحمد بن زهيرقال‏:‏ حدَثنا سليمان بن شيخ قال‏:‏ حدَّثني عبد الله بن صالح بن‏!‏ مسلم قال‏:‏ كان شريك على قضاء الكوفة فخرج يلقى الخيزران فبلغ شاهي وأبطأت الخيزران فأقام ينتظرها ثلاثَاَ ويبس خبزه فجعل يبله بالماء ويأكله فقال العلاء بن المنهال‏:‏ فإن كان الني قدقلت حقا بأنْ قد أكرهوك علىالقضاء فمالك موضعًا في كل يوم تلقَى من يحج من النساء مقيم في قرى شاهي ثلاثآ بلا زاد سوى كسر وماء أخبرنا أبومنصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبوالطيب الطبري قال‏:‏ أخبرنا المعافى بن زكريا قال‏:‏ حدًثنا محمد بن مزيد الخزاعي قال‏:‏ حدَّثنا الزبير قال‏:‏ حذَثني عمي عن عمربن الهياج بن سعيد قال‏:‏ أتته امرأة يومًا - يعنىِ شريكًا - وهو في مجلس الحكم فقالت‏:‏ إنا باللة ثم بالقاضي امرأة من ولدجرير بن عبد اللة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وردَدت الكلام فقال‏:‏ إيها عنك الأن من ظلمك فقالت‏:‏ الأمير موسى بن عيسى كان لي بستان على شاطىء الفرات لىِ فيه نخل ورثته عن آبائي فقاسمت أخوتي وبنيت بيني وبينهم حائطًا وجعلت فيه فارسيًا في بيت يحفظ النخل ويقوم ببستاني فاشترى الأمير موسى بن عيسى من أخوتي جميعًا وساومنىِ وأرغبني فلم أبعه فلما كان في هذه الليلة بعث بخمسمائة فاعل فاقتلعواالحائط فاصبحت لا أعرف من نخلي شيئا واختلط بنخل أخوتي فقال‏:‏ يا كلام طينه بختم ثم قال لها‏:‏ امضىِ إلى بابه حتى يحضر معك ‏.‏

فجاءت المرأة بالطينهَ فأخذهاالحاجب ودخل بها إلى موسى فقال‏:‏ أعدى شريك عليك فقال‏:‏ ادع لي صاحب الشرط ‏.‏

فدعا به فقال‏:‏ امض إلى شريك فقل يا سبحان الله ما رأيت أعجب من أمرك امرأة ادعت دعوى لم تصح أعديتها علي قال‏:‏ يقول له صاحب الشرط إن رأى الأمير أن يعفيني فليفعل فقال‏:‏ امض ويلك ‏.‏

فخرج فأمرغلمانه أن يتقدموا إلىالحبس بفراش وغيره من آلة الحبس فلما جاء وقف بين يدي شريك فأدىالرسالة قال‏:‏ خذ بيده فضعه في الحبس ‏.‏

قال‏:‏ قد عرفت والله إنك تفعل بي هذا فقدمت ما يصلحني إلى الحبس وبلغ موسى بن عيسى الخبر فوجَّه الحاجب إليه فقال‏:‏ هذا رسول أي شيء عليه فلما وقف بين يديه وأدىالرسالة قال‏:‏ ألحقه بصاحبه فحبس ‏.‏

فلما صلى الأمير العصر بعث إلى إسحاق بن الصباح الأشعثي وجماعة من وجوه الكوفة من أصدقاء شريك ‏.‏

فقال‏:‏ امضوا إليه وأبلغوه سلامي وأعلموه أنه قد استخف بي وإني لست كالعامة فمضوا وهوجالس في مسجده بعد العصر فدخلوا عليه فأبلغوه الرسالة فلما انقضى كلامهم قال لهم‏:‏ ما لي لا أراكم جئتم في غيره من الناس فكلمتموني من هاهنا من فتيان الحي فليأخذكل واحد منكم بيد رجل فيذهب به إلى الحبس لا ينم والله إلا فيه‏.‏

قالوا‏:‏ أجاد أنت قال‏:‏ حقأ حتى لا تعودوابرسالة ظالمِ ‏.‏

فحبسهم فركب موسى بن عيسى في الليل إلى باب الحبس فأطلقهم جميعاَ ‏.‏

فلما كان من الغد وجلس شريك للقضاء جاء السجان فأخبره فدعا بالقمطر فختمه ووجه به إلى منزله ثم قال لغلامه ألحقني بثقلي إلى بغداد فواللّه ما طلبنا هذاالأمر منهم ولكن أكرهونا عليه ولقد ضمنوا لنا الاعزاز فيه إذ أقد تقلدناه لهم ومضى نحو قنطرة الكوفة إلى بغداد ‏.‏

وبلغ موسى بن عيسى الخبر فركب في موكبه فلحقه وجعل يناشده الله ويقول‏:‏ يا أبا عبد الله تثبت انظر اخوانك تحبسهم دع أعواني ‏.‏

قال‏:‏ نعم لأنهم مشوا لك في أمر لم يجب عليهم المشي فيه ولست ببارح أو يردوا جميعًا إلى الحبس وإلا مضيت إلى أمير المؤمنين فاستعفيته مما قلَّدني ‏.‏

فأمر بردّهم جميعًا إلى الحبس وهو والله واقف مكانه حتى جاءه السجان فقال له‏:‏ قد رجعوا إلى الحبس ‏.‏

فقال لأعوانه‏:‏ خذوا بلجامه فردوه بين يدي إلى مجلس الحكم فمروا به بين يديه حتى أدخل المسجد وجلس مجلس القضاء ثم قال‏:‏ علي بالجويرية المتظلمة من هذا فجاءت فقال‏:‏ هذا خصمك قد حِضر وهوجالس معها بين يديه فقال‏:‏ أولئك يخرجون من الحبس قبل كل شيء ‏.‏

قال‏:‏ أما الآن فنعم أخرجوهم ‏.‏

ثم قال له‏:‏ ما تقول فيما تدعيه هذه المرأة قال‏:‏ صدقت ‏.‏

قال‏:‏ فرد جميع ما أخذ منها وتبني حائطها في وقت واحد سريعًا كما هدم ‏.‏

قال‏:‏ أفعل ‏.‏

قال‏:‏ بقي لك شيء ‏.‏

قال‏:‏ تقول المرأة بيت الفارسي ومتاعه ‏.‏

قال‏:‏ يقول موسى بن عيسى‏:‏ ونرد ذلك جميعه بقي لك شيء تدعينه قالت‏:‏ لا وجزاك الله خيرًا ‏.‏

قال‏:‏ قومي ثم وثب من مجلسه فأخذ بيد موسى بن عيسى فأجلسه في مجلسه ثم قال‏:‏ السلام عليك أيها الأمير تأمر بشيء قال‏:‏ أي شيءآمر وضحك ‏.‏

أخبرنا القزاز قال أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا العتيقي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن العباس قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن خلف قال‏:‏ أخبرني أحمد بن عثمان بن حكيم قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ كان شريك القاضي لا يجلس حتى يتغدى ثم يأتي المسجد فيصلي ركعتين ثم يخرج رقعة من قمطرة فينظر فيها ثم يدعو بالخصوم وإنما كان يقدمهم الأول فالأول فقيل لابن شريك‏:‏ نحب أن نعلم ما في هذه الرقعة فنظر فيها ثم أخرجها إلينا فإذا فيها‏:‏ يا شريك بن عبد الله أذكر الصراط وحدته يا شريك بن عبد الله اذكر الموقف بين يدي الله تعالى ‏.‏

توفي شريك بالكوفة يوم السبت غرة ذي القعدة من هذه السنة رحمه الله تعالى ‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمانية وسبعين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ وثوب الحوْفيَّة بمصر بعامل الرشيد عليهم إسحاق بن سليمان وقتالهم إيَّاه وتوجيه الرشيد إليه هرثمة بن أعين في عدة من القوَّاد مددًا له حتى أذعن أهل الحَوْف ودخلوا في الطاعة وأدوْا ما كان عليهم من وظائف السلطان وكان هرثمة إذ ذاك والي فلسطين فلما انقضى أمر الحَوْفية صرف هارون إسحاق عن مصر وولاها هرثمة نحوًا من شهر ثم صرفه عنها ولاها عبد الملك بن صالح

وفيها‏:‏ كان وثوب أهل إفريقية بعبدويه الأنباريّ ومَنْ معه من الجند هنالك فقتلوا الفضل بن روح بن حاتم وأخرج مَنْ كان بها من آل المهلب فوجه الرشيد إليهم هرثمة فرجعوا إلى الطاعة وكان عبدويه قد غلب على إفريقية وخلع السلطان فتلطف الأمير يحيى بن خالد وكاتبه بالترغيب في الطاعة والترهيب والتجريد للمعصية فقبل الأمان وعاد إلى الطاعة فولي له يحيى ‏.‏

وفيها‏:‏ فوض الرشيد أمورَه إلى يحيى بن خالد بن برمك ‏.‏

وفيها‏:‏ خرج الوليد بن طريق الشاري بالجزيرة فقتل إبراهيم بن خازم بن خزيمة بنصيبين ثم مضى إلى إرمينية ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ شخص الفضل بن يحيى إلى خُراسان واليًا عليها فأحسن السِّيرة بها وبنى المساجد والرّباطات وغزا ما وراء النهر واتخذ بخُراسان جندًا من العجم يبلغ عددهم خمس مائة ألف وسماهم العباسيّة وقدم بغداد منهم عشرون ألفًا فسمُّوا ببغداد الكرَنبية ‏.‏

وفيها‏:‏ غزا الصائفة معاوية بن زُفر بن عاصم وغزا الشَّاتية سليمان بن راشد ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي وهو إذ ذاك العامل على مكة ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أبو طاهر الأنصاري المدني قدم بغداد فحدَّث بها وروى عنه‏:‏ سريج بن النعمان وكان ثقة جليلًا من أهل العلم والسنَة والحديث وولاه الرشيد القضاء بالجانب الشرقي من بغداد فمكث أيامًا ثم مات فصلى عليه هارون ودفنه في مقبرة العباسة بنت المهدي وقيل‏:‏ توفي في سنة ست وسبعين ومائة ‏.‏

عبثر بن القاسم أبو زبيد الكوفي ‏.‏

سمع أبا إسحاق الشيباني وسليمان التيمي والأعمش والثوري روى عن قتيبة وكان ثقة صدوقًا  ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ انصراف الفضل بن يحيى عن خراسان واستخلافُه عليها عمرو بن شُرَحبيل ‏.‏

وفيها‏:‏ ولى الرشيد خُراسان منصور بن يزيد بن منصور الحميري وعزل محمد بن خالد بن برمك عن الحجبة وولاها الفضل بن الربيع ‏.‏

وفيها‏:‏ خرج بخُراسان حمزة بن أترك السجستاني ‏.‏

وفيها‏:‏ رجع الوليد بن طريف الشاري إلى الجزيرة واشتدت شوكته وكثر تبعه فوجه الرشيد إليه يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني فراوغه يزيد ولقيه على غرة فقتله وجماعة ممن معه وتفرَّق الباقون ‏.‏

واعتمر الرشيد في هذه السنة في رمضان شكرًا لله تعالى على ما أنعم به عليه في الوليد بن طريف فلما قضى عمرته انصرف إلى المدينة فأقام بها إلى وقت الحج ثم حج بالناس فمضى من مكة إلى منى ثم إلى عرفات وشهد مشاهدها والمشاعر ماشيًا ثم انصرف على طريق

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة أبو هاشم الحميري يُلَقب‏:‏ السيد كان شاعرًا مجيدًا لكنه أفرط في سب الصحابة وقذف أزواج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان يقول بإمامة محمد بن الحنفية ويقول‏:‏ إنه مقيم بجبل رضوى وإنه لم يمت ‏.‏

ومن شعره في ذلك‏:‏

ألا قل للوصي فدتك نفسي ** أطلت بذلك الجبل المقاما

أضر بمعشرٍ والوك منّا ** وسموك الخليفة والإماما

وعادوا فيك أهل الأرض طرًا ** مقامك فيهم ستين عاما

وما ذَاقَ ابن خولة طعم موت ** ولا وارت لنا أرض عظاما

لقد أمسى بمُورَقِ شعبَِرضْوَى ** تراجعه الملائكة الكلاما

هدانا اللّه إذ حرتم لأمرٍ به ** وارثه يلتمس التماما

تمام مَودَةِ المهدي حتى تروا ** آياتنا تترى نظاما

وكان الحميري يشرب الخمر ويقول بالرجعة فقال لرجل‏:‏ تعطيني دينارًا بمائة دينار إلى الرجعة فقال‏:‏ نعم إن وثقت لي بمن يضمن لي أنك ترجع إنسانًا وإنما أخشى أن ترجع كلبًا أو خنزيرًا فيذهب مالي قال‏:‏ الأصمعي لما سمع شعره‏:‏ قاتله الله ما أطبعه وأسلكه طريق الشعراء والله لولا ما في شعره من سب السلف ما قدمت عليه من طبقته أحدًا ‏.‏

وذكر القاضي أبو بكر محمد بن الطيب قال‏:‏ كان السيد الحميري يزعم أن جهنم بحضرَموْتَ وبوادي بَرْهَوت ‏.‏

وقال في أبي بكر وعمر رضي اللهّ عنهما يصف عداءهما عنده‏:‏ أمست عظامهما بطيبة للبلَى وبحضرموت شرها روحاهما وقال في ذم سيدتنا عائشة رضي الله عنها‏:‏ أعائشَ إنك في المحدثات وفي المحدثين بوادي اليمن بِبرهُوت تسقين من مائها شرابًا كريهًا شديد الأسَنْ قال‏:‏ وكان شديد اللهج بسب سيدتنا عائشة وسيدتنا حفصة رضي الله عنهما وقال في ذلك‏:‏ جاءَت مع الأشقين في هودج تُزْجي إلى البصرة أجنادها قال‏:‏ وكان يقصد قذف حُرَم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالعظائم ‏.‏

ذكر أبو الفرج الأصفهاني أنه قال يعني في عائشة وحفصة‏:‏ أحداهما نمَت عليه حديثه وبغت عليه بغية إحداهما فهما اللتان سمعت رب محمد في الذكر قصّ على العباد نباهما قال المصنف‏:‏ وإنما يذكر العلماء ذلك لتعرف هذا اللعين وغَورَهُ في الكفر ‏.‏

واختلفوا أين مات لعنه اللّه فقيل‏:‏ بواسط أخذه كرب فجلس قبل موته فقال‏:‏ اللهم هذا كان جزائي لحُب آل محمد فمات فلم يدفنوه لكفره وسبّه الصحابة رضي الله عنهم ‏.‏

وقيل‏:‏ بل توفي ببغداد واسود وجهه قبل موته فأفاق من سكرته وفتح عينيه وقال‏:‏ يا أمير المؤمنين تفعل هذا لوليك قالها ثلاث مرات ومات فدفن بالحديثة ببغداد وذلك في خلافة الرشيد ‏.‏

حماد بن زيد بن إبراهيم أبو إسماعيل ‏.‏

كان من كبار العلماء وسادات الفقهاء أسند عن خلق كثير من التابعين ‏.‏

وتوفي في رمضان هذه السنة وهو ابن إحدى وثمانين سنة ‏.‏

قال ابن مهدي‏:‏ ما رأيت أعرف بالسنة منه ‏.‏

خالد بن عبد اللّه بن عبد الرحمن أبو الهيثم ‏.‏

وقيل‏:‏ أبو أحمد الطحان مولى مزينة ‏.‏

من أهل واسط ولد سنة عشر ومائة وسمع يونس بن عبيد وابن عون وغيرهما. ‏

روى عنه‏:‏ وكيع وابن مهدي وعفان بن مسدد وكان ثقة صالحًا ‏.‏

قال إسحاق الأزرق‏:‏ ما أدركت أفضل من خالد ‏.‏

قيل‏:‏ قد رأيت سفيان فقال‏:‏ كان سفيان رجل نفسه وكان خالد رجل عامة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدَّثنا أبو نعيم الحافظ قال‏:‏ سمعت الطبراني يقول‏:‏ سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول‏:‏ قال أبي‏:‏ كان خالد بن عبد الله الواسطي من أفاضل المسلمين اشترى نفسه من اللّه أربع مرات فتصدق بوزن نفسه فضة أربع مرات ‏.‏

توفي في رجب هذه السنة وقيل‏:‏ في سنة اثنتين وثمانينن رحمه الله تعالى ‏.‏

الإمام مالك بن أنس بن مالك بن عامر بن الحارث بن غَيْمان بالغين المعجمة بعدها ياء مثناة من تحتها - بن جُثَيل - بالجيم بعدها ثاء مثلثة - بن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح ‏.‏

حُمِل بمالك ثلاث سنين وكان طوالًا عظيم الهامة أصلع شديد البياض إلى الشقرة أبيض الرأس واللحية ‏.‏

رأى خلقًا من التابعين وروى عنهم وكان ثقة حجة يلبس الثياب العدنية الجياد وكان نقش خاتمه حسبي الله ونعم الوكيل فقيل له‏:‏ لِم نقشت هذا فقال‏:‏ سمعت الله يقول عقب هذه الآية ‏{‏فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سُوْء‏}‏ وكان إذا دخل بيته فأدخل رجله قال‏:‏ ما شاء الله وقال‏:‏ سمعت الله يقول‏:‏ ‏{‏ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء اللّه‏}‏ أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو سهل بن سعدويه قال‏:‏ أخبرنا أبو الفضل محمد بن الفضل القرشي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن مردويه قال‏:‏ حدَّثنا سليمان بن أحمد قال‏:‏ حدثنا مسعدة بن أسعد العطار قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن المنذر قال‏:‏ سمعت معن بن عيسى يقول‏:‏ كان مالك بن أنس إذا أراد أن يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل وتَبخر وتطيب فإذا رفع أحد صوتَه عنده قال‏:‏ اغضض من صوتك فإن اللهّ عز وجل يقول‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‏}‏ فمن رفع صوته عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي القاسم أخبرنا حمد بن أحمد الحداد أخبرنا أبو نعيم الحافظ حدثنا محمد بن علي بن عاصم قال‏:‏ سمعت الفضل بن محمد الجندي يقول‏:‏ سمعت أبا مصعب يقول‏:‏ سمعت مالك بن أنس يقول‏:‏ ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك ‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي ابن سليمان قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني الحافظ قال‏:‏ حدثنا أبو محمد بن حيان قال‏:‏ حدَّثنا أبو محمد بن أحمد بن عمرو قال‏:‏ حدثنا أحمد بن عبد الله بن كليب قال‏:‏ حدثني أبو طالب عن أبي عبيدة قال‏:‏ سمعت ابن مهدي يقول‏:‏ سأل رجل مالكًا عن مسألة فقال‏:‏ لا أحسنها ‏.‏

فقال الرجل‏:‏ إني ضربت إليك من كذا وكذا لأسألك عنها ‏.‏

فقال له مالك ابن أنس‏:‏ إذا رجعت إلى مكانك وموضعك فأخبرهم إني قد قلت لك لا أحسنها ‏.‏

أخبرنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قال‏:‏ حدثنا أبو الحسين محمد بن يحيى العلوي قال‏:‏ حدَثنا أبو علي الغطريف قال‏:‏ حدَّثنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا نعيم بن حماد قال‏:‏ سمعت ابن المبارك يقول‏:‏ ما رأيت رجلًا ارتفع مثل مالك بن أنس من رجل ليس له كثير صلاة ولا صيام إلا أن تكون له سريرة عند الله ‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أبو أيوب الجلاب أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن عمر قال‏:‏ لما دُعي مالك وسُور وسُمع منه شَنِف الناس له وحسدوه فلما ولي جعفر بن سليمان المدينة سعوا به إليه وقالوا‏:‏ إنه لا يرى أيمان بيعتكم بشيء وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت عن الأحنف في طلاق المكره أنه لا يجوز فغضب جعفر بن سليمان فدعا بمالك فاحتج عليه بما رُقي إليه ثم جرده ومدَّه وضربه بالسياط ومُدت يده حتى انخلع كتفاه وارتُكب منه أمر عظيم فو الله ما زال بمالك بعد ذلك من رفعة عند الناس وكأنما كانت تلك السياط حُليًا حُليَ بها‏.‏

وكان يشهد الصلوات والجنائز والجمعة ويعود المرضى ويجلس في المسجد ويجتمع إليه أصحابه ثم ترك الجلوس في المسجد وكان يصلىِ ثم ينصرف وترك شهود الجنائز وكان يأتي أهلها فيعزيهم ثم ترك ذلك كله فلم يكن يشهد الصلوات في مسجد ولا الجمعة ولا يأتي أحدًا يُعزيه واحتمل الناس له ذلك ومات على ذلك وربما كُلم في ذلك فيقول‏:‏ ليس كل الناس يقدر يتكلم بعذره ‏.‏

ومنذ خرج محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة لزم مالك بيته فلم يخرج حتى قتل محمد وكان يجلس في منزله على ضجاع له ونمارق مطروحة يمنة ويسرة في سائر البيت لمن يأتيه من قريش والأنصار وكان مجلسه مجلس وقار وحلم وكان نبيَلًا مهيبًا لايستفهم هيبة ‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وحدثنا ابن أبي أويس قال اشتكى مالك أيامًا يسيرة فسألت بعض أهلنا وتوفي في صبيحة أربعة عشر من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة في خلافة هارون وصلى عليه والي المدينة عبد الله بن محمد بن إبراهيم ودفن بالبقيع وهو ابن خمس وثمانين سنة وقيل‏:‏ توفي في صفر من هذه السنة رضي الله عنه ‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمانين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ عود الفتنة بالشام فاقتتل أهلها وتفاقم الأمر فاغتم بذلك الرشيد وعقد لجعفر بن يحيى على الشام وقال له‏:‏ إما أن تخرج أنت أو أنا ‏.‏

فقال له جعفر‏:‏ بل أقيك بنفسي فشخص في جلة القَواد والكراعِ والسلاح وأتاهم فأصلح بينهم وقتل المناصفية منهم ولم يدع بها رمحًا ولا فرسًا فعادوا إلى الأمن والطمأنينة وانطفأت تلك الثائرة وولى جعفر بن يحيى صالح بن سليمان البلقاء وما يليها واستخلف على الشام عيسى بن العتكيّ وانصرف فازداد الرشيد له إكرامًا فلما قدم دخل على الرشيد فقبل يديه ورجليه وقال‏:‏ الحمد لله الذي آنس وحشتي وأنسأ في أجلي حتى أراني وجه سيدي وأكرمني بقربه وردني إلى خدمته فو الله إن كنت لأذكر غيبتي والمقادير التي أزعجتني فأعلم أنها كانت بمعاصٍ لحقتني ولو طال مقامي لخفت أن يذهب عقلي إشفاقًا على قربك وأسفًا على فراقك ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ كانتَ زلزلة بمصر ونواحيها وسقطت رأس منارة الإسكندرية فيها‏.‏

وفيها‏:‏ أخذ الرشيد من جعفر بن يحيى الخاتم فدفعه إلى أبيه يحيى بن خالد ‏.‏

وفيها‏:‏ ولى جعفر بن يحيى خُراسان وسجستان فاستعمل جعفر عليها محمد بن الحسن بن عطية ‏.‏

وفيها‏:‏ شخص الرشيد من مدينة السلام يريد الرّقة على طريق الموصل فلما نزل البَردان ولّى عيسى بن جعفر خراسان وعزل عنها جعفر بن يحيى وكانت ولاية جعفر إياها عشرين ليلة ‏.‏

وفيها‏:‏ ولى جعفر بن يحيى الحرس ‏.‏

وفيها‏:‏ هدم الرشيد سور الموصل بسبب الخوارج الذين خرجوا منها ثم مضى إلى الرّقة فنزلها فاتخذها وطنًا ‏.‏

وفيها‏:‏ عزل هَرْثمة بن أعين عن إفريقية وأقفله إلى مدينة السلام فاستخلف جعفر بن يحيى على الحرَس ‏.‏

وفيها‏:‏ خرجت المحمرة بجرحان وكتب طي بن موسى بن هامان أن الذي يهيج ذلك عليه عمرو بن محمد العمركي وأنَه زنديق فأمر الرشيد بقتله فقُتل بمَرْو ‏.‏

وفيها‏:‏ عَزَل الرشيد الفضل بن يحيى عن طبرستان والرّويان وولَّى ذلك عبد الله بن حازم ‏.‏

وعزلَ الفضل أيضًا عن الري ووليَها محمد بن يحيى بن الحارث وولى سعيد بن مسلم الجزيرة ‏.‏

وفيها‏:‏ غزا الصائفة معاوية بن زفر بن عاصم ‏.‏

وفيها‏:‏ قدم الرشيد من مكة إلى البصرة في المحرَم فنزل المحمدية أيامًا ثم تحوّل منها إلى قصر عيسى بالحربية وشخص عن البصرة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم فقدم بغداد ثم شخص منها إلى الحيرة فسكنها وابتنى بها المنازل وأقطع مَنْ معه الخطط وأقام بها نحوًا من أربعين يومًا فوثب أهل الكوفة وأساءوا مجاورته فارتحل إلى مدينة السلام ثم شخص إلى الرقة فاستخلف ببغداد الأمين وولاه العراق ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة‏:‏ موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير أبو إبراهيم الأنصاري

مولى بني زريق قارىء مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعِ عبد الله بن دينار وشريك بن عبد الله ومالك بن أنس وغيرهم وكان ثقة مأمونًا ‏.‏

فأقام ببغداد يؤدب علي بن المهدي إلى أن توفي في هذه السنة ‏.‏

علي بن المهدي أبو محمد الهاشمي وأمه ريطة بنت أبي العباس ‏.‏

تولى أمور الحج وإمارة الموسم غير مرة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي أنبأنا إبراهيم بن مخلد قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي قال‏:‏ توفي أبو محمد علي ابن أمير المؤمنين المهدي في المحرم من سنة ثمانين ومائة في بستانه بعيساباذ وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة لأن مولده بالري سنة سبع وأربعين ومائة وهو أسن من أخيه الرشيد بشهور ‏.‏

حَسَان بن سنان بن أوفى بن عوف أبو العلاء التنوخي الأنباري ‏.‏

ولد سنة ستين من الهجرة على النصرانية وكانت دينه ودين آبائه ثم أسلم وحسن إسلامه وكان يكتب بالعربية والفارسية والسريانية ولحق الدولتين فلما قلده السفاح ربيعة الرأي القضاء بالأنبار أتى مكتوب بالفارسية فلم يحسن أن يقرأه فطلب رجلًا ثقة دينًا يحسن قراءته فدلَ على حسان فجاء به فكان يقرأ له الكتب بالفارسية فلما اختبره ورضي مذاهبه استكتبه وكان جد إسحاق البهلول وسمع أنس بن مالك ودعا له فخرج من أولاده جماعة‏:‏ فقهاء وقضاة ورؤساء وصلحاء وكتاب وزهاد ‏.‏

وروى عنه‏:‏ ابن أبي إسحاق ‏.‏

وتوفي في هذه السنة وهو ابن مائة وعشرين سنة سلمة بن صالح أبو إسحاق الجعفي الأحمر الكوفي حدَث عن أبي إسحاق وحماد بن أبي سليمان ‏.‏

روى عنه‏:‏ أحمد بن منيع وكان قد ولي القضاء بواسط في زمن الرشيد ثم عزل وقدم بغداد فأقام بها إلى أن مات وكان سبب عزله عن واسط‏:‏ أن هشيم بن بشير تقدم مع خصم له إليه فكلّم الخصم هشيمًا بكلمة فرفع هشيم يده فلطم الخصم فأمر سلمة بهشيم فضرب عشر درر وقال‏:‏ تتعدى على خصمك بحضرتي فأغضب ذلك مشيخة واسط فخرجوا إلى الرشيد فلقوه بمكة يطوف فكلموه في سلمة وقالوا‏:‏ لسنا نطعن عليه ولكن رجل موضع رجل فأمر بعزله وتقليد سواه ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر بن ثابت أخبرنا محمد بن عمر بن روح أخبرنا المعافى بن زكريا حدَّثنا طاهر بن مسلم العبدي قال‏:‏ حدثني محمد بن عمران الضبي حدثنا محمد بن خلاس قال‏:‏ لما عزل شريك عن القضاء تعلق به رجل ببغداد فقال‏:‏ ِيا أبا عبد الله لي عليك ثلاثمائة درهم فأعطنيها ‏.‏

قال‏:‏ ومن أنا قال‏:‏ أنت شريك بن عبد الله القاضي ‏.‏

قال‏:‏ ومن أين هي لك قال‏:‏ ثمن هذا البغل الذي تحتك ‏.‏

قال‏:‏ نعم تعال ‏.‏

فجاء يمشي معه حتى إذا بلغ الجسر قال‏:‏ مَنْ ها هنا فقام إليه أولئك الشرط فقال‏:‏ خذوا هذا فاحبسوه لئن أطلقتموه لأخبرن أبا العباس عبد الله بن مالك ‏.‏

فقالوا‏:‏ إن هذا الرجل يتعلق بالقاضي إذا عزل فيدعي عليه فيفتدي منه قد تعلق بسلمة الأحمر حين عُزل عن واسط فأخذ منه أربعمائة درهم فقال‏:‏ هكذا فكلم فيه فأبى أن يطلقه فقال له عبد الله بن مالك‏:‏ إلى كم يحبس قال‏:‏ إلى أن يرد على سلمة الأحمر أربعمائة درهم ‏.‏

قال‏:‏ فرد على سلمة الأحمر أربعمائة درهم فجاء سلمة إلى شُريك فشكر له فقال له‏:‏ يا ضعيف كل مَنْ سألك مالك أعطيته إياه ‏.‏

اضطرب على سلمة حفظه فضغَفه أصحاب الحديث وتوفي ببغداد في هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة ست وثمانين ‏.‏

وقيِل‏:‏ سنة ثمان وثمانين ‏.‏

الضحاك بن عثمان بن عبد اللّه بن خالد بن حزام ‏.‏

كان علامة قريش بالمدينة بأخبارها وأشعارها وأيامها وكان من أكبر أصحاب مالك بن أنس هو وأبوه ولما استعمل عبد الله بن مصعب بن ثابت على اليمن وجَّه الضحاك خليفة له عليها وفرض له كل سنة ألف دينار وكلم له الخليفة فأعطاه أربعين ألف درهم وكان محمود السيرة ‏.‏

عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أي صفرة أبو معاوية البصري ‏.‏

سمع هشام بن عروة ‏.‏

وروى عنه‏:‏ أحمد بن حنبل وأبو عبيد وكان ثقة صدوقًا غزير العقل ذا هيْئَةٍ حسنة‏.‏

وتوفي في هذه السنة ‏.‏

وقيل‏:‏ سنة إحدى وثمانين ‏.‏

عبد الوارث بن سعيد أبو عبيدة التميمي مولى بني العنبر شهد له شعبة بالإتقان‏.‏

وتوفي في هذه السنة ‏.‏

عافية بن يزيد بن قيس القاضي ‏.‏

ولاه المهدي القضاء ببغداد في الجانب الشرقي وحدث عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والأعمش وغيرهما وكان من أصحاب أبي حنيفة الذين يجالسونه فكان أصحابه يخوضون في مسألة فإن لم يحضر عافية قال أبو حنيفة‏:‏ لا ترفعوا المسألة حتى يحضر عافية فإذا حضر فإن وافقهم قال أبو حنيفة‏:‏ أثبتوها وإن لم يوافقهم قال أبو حنيفة‏:‏ لا تثبتوها‏"‏‏.‏

وكان عافية هو وابن علاثة فكانا يقضيان في عسكر المهدي في جامع الرصافة هذا في أدناه وهذا في أعلاه ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن المحسن القاضي قال‏:‏ أخبرنا أبي قال‏:‏ حدَّثنا أبو الحسين علي بن هشام الكاتب قال‏:‏ حدثنا أبو عبد الله أحمد بن سعد مولى بني هاشم قال‏:‏ حدَّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي عن أشياخه قال‏:‏ كان عافية القاضي يتقلد للمهدي القضاء وكان عافية عالمًا زاهدًا فصار إلى المهدي في وقت الظهر في يوم من الأيام وهو خال فاستأذن عليه فأدخله فإذا معه قمطرة فاستعفاه من القضاء واستأذنه في تسليم القمطر إلى من يأمر بذلك فظن أن بعض الولاة قد غض منه أو أضعف يده في الحكم فقال له في ذلك فقال له‏:‏ ما جرى من هذا شيء قال‏:‏ فما كان سبب استعفائك قال‏:‏ كان يتقدم إلي خصمان موسران وجيهان منذ شهرين في قضية معضلة مشكلة وكل يدعى بينة وشهودًا ويدلي بحجج تحتاج إلى تأمل وتثبت فرددت الخصوم رجاء أن يصطلحوا أو يتبين لي وجه فصل ما بينهما ‏.‏

قال‏:‏ فوقف أحدهما من خبري على أني أحب الرطب السكر فعمد في وقتنا وهو أول أوقات الرطب إلى أن جمع لي رطبًا سكرًا لا يتهيأ في وقتنا جمع مثله إلا لأمير المؤمنين وما رأيت أحسن منه ورشا بوابي جملة دراهم على أن يدخل الطبق إلي ولا يبالىِ أن يرد فلما دخل إلي أنكرت ذلك وطردت بوابي وأمرت برد الطبق فلما كان اليوم تقدم إلي مع خصمه فما تساويا في قلبي ولا في عيني وهذا يا أمير المؤمنين ولم أقبل فكيف يكون حالي لو قبلت ولا آمن أن تقع علي حيلة في ديني فأهلك وقد فسد الناس ‏.‏

فأقلني أقالك الله وأعفني أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب‏.‏

قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسين القطان أخبرنا محمد بن الحسن بن زياد المقرىء إن داود بن وسيم البوشنجي أخبرهم قال‏:‏ أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه عبد الملك بن قريب الأصمعي‏:‏ أنه قال‏:‏ كنت عند الرشيد يومًا فرفع إليه في قاض يقال له‏:‏ عافية فكبر عليه فأمر بإحضاره فاحضر وكان في المجلس جمع كبير فجعل أمير المؤمنين يخاطبه ويوقفه على ما رفع إليه وطال المجلس ثم إن أمير المؤمنين عطس فشمته مَن كان بالحضرة ممن قرب منه سواه فإنه لم يشمته فقال له الرشيد‏:‏ ما بالك لم تشمتني كما فعل القوم فقال له عافية لأنك يا أمير المؤمنين لم تحمد الله فلذلك لم أشمتك هذا النبي صلى الله عليه وسلم عطس عنده رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال يا رسول الله ما بك شمت ذلك ولم تشمتني ‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ لأن هذا حمد الله فشمتناه وأنت لم تحمده فلم أشمتك‏"‏‏.‏

فقال له الرشيد‏:‏ ارجع إلى عملك فأنت لم تسامح في عطسة تسامح في غيرها وصرفه منصرفًا جميلًا وزبر القوم الذين كانوا رفعوا عليه ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي بن يعقوب قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن إبراهيم الرياحي قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال‏:‏ أخبرنا أبو العباس المنصور عن ابن الأعرابي قال‏:‏ خاصم أبو دلامة رجلًا إلى لقد خاصمتني غواةُ الرجا ل وخاصمتهم سنة وافيه فما دَحَض الله لي حجةً وماخيب الله لي قافيه فمن كنتُ من جوره خائفًا فلست أخافك يا عافيه فقال له عافية‏:‏ لأشكونَّك إلى أمير المؤمنين ‏.‏

قال‏:‏ لِمَ تشكوني قال‏:‏ لأنك هجوتني قال‏:‏ والله لئن شكوتني ليعزلنك ‏.‏

قال‏:‏ ولم قال‏:‏ لأنك لم تعرف الهجاء من المديح ‏.‏

عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر المعروف بسيبويه النحوي مولى بني الحارث بن كعب ‏.‏

وقيل‏:‏ مولى آل الربيع بن زياد ‏.‏

وتفسير سيبويه‏:‏ رائحة التفاح وكانت والدته ترقصه في الصغر بذلك ‏.‏

قال إبراهيم الحربي‏:‏ سُمي سيبويه لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاحة ‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وكان سيبويه يصحب المحدثين والفقهاء ويطلب الآثار وكان يستملي على حماد بن سلمة فلحن في حرف فعابه حماد فأنف من ذلك ولزم الخليل فبرع في النحو وقدم بغداد وناظر الكسائي ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أنبأني القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي قال‏:‏ أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن إسماعيل النجيرمي قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المهلبي قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الرحمن الروذباري قال‏:‏ حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الملك التاريخي قال‏:‏ حدثنا إبراهيم الحربي قال‏:‏ سمعت ابن عائشة يقول‏:‏ كنا نجلس مع سيبوبه النحوي في المسجد وكان شابًا جميلًا نظيفًا قد تعلق من كل علم بسبب وضرب فيِ كل أدب بسهم مع حداثة سنه وبراعته في النحوْ ‏.‏

قال التاريخي‏:‏ وحدثني ابن الأعلم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سلام قال‏:‏ كان سيبويه جالسًا في حلقة بالبصرة فتذاكرنا شيئًا من حديث قتادة فذكر حديثًا غريبًا وقال‏:‏ لم يرو هذا غير سعيد بن أبي العروبة ‏.‏

فقال له بعض مَنْ حضر‏:‏ ما هاتان الزيادتان يا أبا بشر ‏.‏

قال‏:‏ هكذا يقال لأن العروبة يوم الجمعة فمن قال عروبة فقد أخطأ قال ابن سلام‏:‏ فذكرت ذلك ليونس فقال‏:‏ أصاب لله دره ‏.‏

قال أبو سعيد السيرافي‏:‏ أخذ سيبويه اللغات عن أبي الخطاب الأخفش وغيره وعمل كتابه الذي لم يسبقه أحد إلى مثله ولا لحق به من بعده وكان كتابه لشهرته عند النحويين علمًا فكان يقال بالبصرة قرأ فلان للكتاب فيعلم أنه كتاب سيبويه وكان المراد إذا أراد مريد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه يقول له‏:‏ هل ركبت البحر

تعظيمًا له واستصعابًا لما فيه ‏.‏

وقال السيرافي‏:‏ لم نعلم أحدًا قرأ كتاب سيبويه عليه إنما قرىء بعده على أبي الحسن الأخفش ورأيت في تعاليق أبي عبد الله المرزباني‏:‏ قال ثعلب‏:‏ اجتمع أربعون نفسًا حتى عملوا كتاب سيبويه هو أحدهم وهو أول الخليل ونكته فادعاه سيبويه وأنا أستبعد هذا لأن مثله لا يخفى والكل قد سلموا للرجل ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد أبن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا هلال بن المحسن قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد بن الجراح قال‏:‏ حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال‏:‏ أخبرنا ابن المتوكل قال‏:‏ حدثنا أبو بكر العبدي قال‏:‏ لما قدم سيبويه بغداد فناظر سيبويه الكسائي وأصحابه فلم يظهر عليهم فسأل من يبذل من الملوك ويرغب في النحو فقيل له‏:‏ طلحة بن طاهر ‏.‏

فشخص إلى خراسان فلما انتهى إلى ساوة مرض مرضه الذي مات فيه فتمثل عند الموت‏:‏ يؤمل دنيا لتبقى له فمات المؤمل قبل الأمل حثيثًا يروي أصول الفسيل فعاش الفسيل ومات الرجل أخبرنا عبد الرحمن أبن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب أخبرنا عبد الله بن يحيى السكري قال‏:‏ أخبرنا جعفر بن محمد بن أحمد بن الحكم قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي المتوكل قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن المدائني قال‏:‏ قال أبو عمرو بن يزيد‏:‏ احتضر سيبويه فوضع فكنا جميعًا فرق الدهر بيننا إلى الأمد الأقصى فمن يأمن الدهرا توفي سيبويه في هذه السنة وقيل‏:‏ في التي قبلها ‏.‏

قال أبو بكر الخطيب‏:‏ ويقال أن سنه كانت اثنتين وثلاثين سنة عفيرة العابدة ‏.‏

كانت طويلة الحزن كثيرة البكاء قدم أخ لها فبُشرت بقدومه فبكت فقيل لها هذا وقت بكاء فقالت‏:‏ ما أجد للسرور فيِ قلبي مسكنًا مع ذكر الآخرة ولقد أذكرني قدومه يوم القدوم على الله فمن بين مسرور ومثبور ‏.‏

أخبرنا ابن ناصر بإسناد له عن محمد بن عبيد قال‏:‏ دخلنا على امرأة بالبصرة يقال لها‏:‏ عفيرة فقيل لها‏:‏ أيا عفيرة ادعي الله لنا ‏.‏

فقالت‏:‏ لو خرس الخاطبون ما تكلمت عجوزكم ولكن المحسن أمن المسيء بالدعاءِ جعل الله قراكم من بيتي في الجنة وجعل الموت مني ومنكم على بال ‏.‏

مسلم بن خالد بن سعيد بن خرجة أبو خالد ويلقب‏:‏ الزنجي كان فقيهًا عابدًا يصوم الدهر توفي بمكة في هذه السنة لكنه كان كثير الخلط والخطأ في حديثه ‏.‏