فصل: ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


الجزء الرابع عشر

 ثم دخلت سنة ثلاثين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه ظهر في المحرم كوكب مذنب رأسه إلى الغرب وذنبه إلى الشرق وكان عظيمًا جدًا منتشر الذنب وبقي ثلاثة عشر يومًا إلى أن اضمحل‏.‏

وفي نصف ربيع الأول‏:‏ بلغ الكر الحنطة مائتين وعشرة دنانير والكر الشعير مائة وعشرين دينارًا وأكل الضعفاء الميتة ودام الغلاء وكثر الموت وشغل الناس بالمرض والفقر وتقطعت السبل وترك التدافن للموتى واشتغل الناس عن الملاهي واللعب‏.‏

وفي يوم الجمعة لأربع خلون من شهر ربيع الآخر‏:‏ قام رجل من العامة في جامع الرصافة والإمام يخطب فلما دعا للمتقي لله قال له العامي‏:‏ كذبت ما هو بالمتقي فأخذ وحمل إلى دار السلطان وخرج المتقي فلقي ناصر الدولة أبا محمد بن حمدان حين دخل بغداد وجاء مطر كأفواه القرب وامتلأت البلاليع وفاضت ودخل دور الناس وبلغت زيادة دجلة عشرين ذراعًا ووقعت حرب بين الأتراك والقرامطة بناحية باب حرب وقتل فيها جماعة فانهزم القرامطة وخرجوا عن بغداد وزاد البلاء على الناس ببغداد وكبست منازلهم ليلًا ونهارًا وافتقر أهل اليسار واستتر أكثر العمال لأجل ما طولبوا به مما ليس في السواد‏.‏

وخرج أصحاب السلطان إلى ما قرب من بغداد فأغاروا على ما استحصد من الزرع حتى اضطر أصحاب الضياع إلى حمل ما حصدوه بسنبله ووقع بين توزون و كورتكين التركيين فأصعد توزون إلى الموصل وأنفذ في طلبه فلم يلحق‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسحاق بن محمد أبو يعقوب النهرجوري صحب الجنيد وغيره وجاور بالحرم سنين وبه مات في هذه السنة‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن خلف قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال‏:‏ سمعت أبا الحسن الفارسي يقول‏:‏ سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول‏:‏ مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب‏.‏

بن محمد بن سعيد بن أبان أبو عبد الله الضبي القاضي المحاملي ولد في محرم سنة خمس وثلاثين ومائتين وسمع الحديث وله عشر سنين وشهد عند الحكام وله عشرون سنة وسمع يوسف بن موسى القطان ويعقوب الدورقي والبخاري وروى له وخلقًا كثيرًا وكان عنده سبعون رجلًا من أصحاب ابن عيينة‏.‏

روى عنه دعلج وابن المظفر والدار قطني وكان يحضر مجلسه عشرة آلاف وكان صدوقًا أديبًا فقيهًا مقدمًا في الفقه والحديث ولي قضاء الكوفة ستين سنة وأضيف إليه قضاء فارس وأعمالها ثم استعفى فأعفي وعقد في داره مجلسًا للنظر في الفقه في سنة سبعين ومائتين فلم تزل تتردد إليه الفقهاء إلى أن توفي في هذه السنة‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي قال‏:‏ أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري قال‏:‏ حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل قال‏:‏ كنت عند أبي الحسن بن عبدون وهو يكتب لبدر وعنده جمع فيهم أبو بكر الداوودي وأحمد بن خالد المادرائي فذكر قصة مناظرته مع الداوودي في التفضيل إلى أن قال‏:‏ فقال الداوودي‏:‏ والله ما تقدر تذكر مقامات علي مع هذه العامة‏.‏

قلت‏:‏ أنا والله أعرفها مقامه ببدر وأحد والخندق ويوم خيبر‏.‏

قال‏:‏ فإن عرفتها فينبغي أن تقدمه على أبي بكر وعمر‏.‏

قلت‏:‏ قد عرفتها ومنه قدمت أبا بكر وعمر عليه قال‏:‏ من أين قلت‏:‏ أبو بكر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم على العريش يوم بدر مقامه مقام الرئيس ينهزم به الجيش وعلي مقامه مقام مبارز والمبارز لا ينهزم به الجيش وجعل يذكر فضائله وأذكر فضائل أبي بكر‏.‏

فقلت‏:‏ لا تنكر لهما حقًا ولكن الذين أخذنا عنهم القرآن والسنن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدموا أبا بكر فقدمناه لتقديمهم فالتفت أحمد بن خالد فقال‏:‏ ما أدري لم فعلوا هذا قلت‏:‏ إن لم تدر فأنا أدري‏.‏

قال‏:‏ لم فعلوا فقلت إن السؤدد والرياسة في الجاهلية كانت لا تعدو منزلتين إما رجل كانت له عشيرة تحميه وإما رجل كان له فضل مال يفضل به ثم جاء الإسلام فجاء باب الدين فمات النبي صلى الله عليه وسلم وليس لأبي بكر مال ولم تكن تيم لها مع عبد مناف ومخزوم تلك الحال فإذا بطل اليسار والذي كانت ترأس به قريش أهل الجاهلية فلم يبق إلا باب الدين فقدموه له فأفحم توفي المحاملي في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

علي بن محمد بن عبيد بن حسان أبو الحسن البزاز ولد سنة اثنتين وخمسين ومائتين وسمع عباس الدوري وأبا قلابة روى عنه الدارقطني وكان علي بن محمد بن سهل أبو الحسن الصائغ الدينوري أخبرنا أبو بكر العامري قال‏:‏ أخبرنا أبو سعد بن أبي صادق قال‏:‏ أخبرنا ابن باكويه قال‏:‏ سمعت الحسين بن أحمد الدينوري يقول‏:‏ سمعت ممشاذ يقول‏:‏ خرجت ذات يوم إلى الصحراء فبينا أنا مار إذا أنا بنسر قد فتح جناحيه فتعجبت منه فاطلعت فإذا بأبي الحسن الدينوري الصائغ قائم يصلي والنسر يظلله توفي الصائغ بمصر في هذه السنة‏.‏

عبد الغافر بن سلامة بن أحمد بن عبد الغافر بن سلامة بن هاشم الحضرمي من أهل حمص‏.‏

كان جوالًا فقدم بغداد فحدث بها عن جماعة فروى عنه الدارقطني وابن شاهين وابن الصلت الأهوازي وهو آخر من روى عنه من البغداديين والقاضي أبو عمر الهاشمي البصري‏.‏

وهو آخر من روى عنه في الدنيا كلها وكان ثقة توفي بالبصرة في هذه السنة‏.‏

محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل حدث عن أبيه وعن عمه زهير بن صالح روى عنه الدارقطني وغيره وتوفي في هذه السنة‏.‏

محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر إمام مسجد الجامع العتيق بمصر حدث عن إبراهيم بن مرزوق وبكار بن قتيبة وغيرهما وكان نحويًا يعلم أولاد الملوك النحو توفي في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

نصر بن أحمد أبو القاسم البصري المعروف‏:‏ بالخبز أرزي الشاعر روى عنه المعافى بن زكريا وغيره‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أنا أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد بن الحسين بن عبد العزيز العكبري حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد المالكي أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الأكفاني قال‏:‏ خرجت مع عمي أبي عبد الله الأكفاني الشاعر وأبي الحسين بن لنكك وأبي عبد الله المفجع وأبي الحسن السباك في بطالة عيد وأنا يومئذ صبي أصحبهم فمشوا حتى انتهوا إلى نصر بن أحمد الخبز أرزي وهو يخبر على طابقه فجلست الجماعة عنده يهيئونه بالعيد ويتعرفون خبره وهو يوقد السعف تحت الطابق فزاد في الوقود فدخنهم فنهضت الجماعة عند تزايد الدخان فقال نصر بن أحمد لأبي الحسين بن لنكك‏:‏ متى أراك يا أبا الحسين فقال له أبو الحسين‏:‏ إذا اتسخت ثيابي‏.‏

وكانت ثيابه يومئذ جددًا على أنقى ما يكون من البياض فمشينا فقال أبو الحسين بن لنكك‏:‏ يا أصحابنا إن نصرًا لا يخلي هذا المجلس الذي مضى لنا معه من شيء يقوله ويجب أن نبدأه فجلس واستدعى دواة وكتب‏:‏ لنصر في فؤادي فرط حب أنيف به على كل الصحاب أتيناه فبخرنا بخورًا من السعف المدخن للثياب فقمت مبادرًا فظننت نصرًا وأراد بذاك طردي أو ذهابي فقال متى أراك أبا حسين فقلت له إذا اتسخت ثيابي وأنفذ الأبيات إلى نصر فأملى جوابها فقرأناها فإذا هو قد أجاب‏:‏ منحت أبا الحسين صميم ودي فداعبني بالفاظ عذاب أتى وثيابه كقتير شيب فعدن له كريعان الشباب ظننت جلوسه عندي كعرس فجدت له بتمسيك الثياب فقلت متى أراك أبا حسين فجاوبني إذا اتسخت ثيابي قال مؤلف الكتاب‏:‏ وكان فصيحًا أديبًا وكان أميًا لا يعرف الخط وكان يصنع خبز الأرز فنسب إليه توفي في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها أنه أول المحرم وهو النصف من أيلول قوي الحر أخذ بالأنفاس وخرج أيلول كله عن حر شديد ودخل تشرين بمثل ذلك وكان في اليوم الثامن منه حر لم يكن مثله في آب وتموز‏.‏

وفي صفر‏:‏ ورد الخبر بورود الروم إلى أرزن وميافارقين وأنهم سبوا وأحرقوا‏.‏

وفي ربيع الآخر‏:‏ عقد نكاح لأبي منصور إسحاق بن المتقي بالله على علوية بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان على مائة ألف دينار وخمسمائة درهم وجرى العقد بحضرة الخليفة وولي العقد على الجارية أبو عبد الله محمد بن أبي موسى الهاشمي ولم يحضر ناصر الدولة وضرب ناصر الدولة سكة فزاد فيها عند ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وضيق ناصر الدولة على المتقي بالله في نفقاته وانتزع ضياعه وضياع والدته‏.‏

وفي آذار من هذه السنة‏:‏ غلت الأسعار حتى أكلوا الكلاب ووقع الوباء ووافى من الجراد الأعرابي الأسود أمر عظيم حتى بيع كل خمسين رطلًا بدرهم فكان في ذلك معونة للفقراء لشدة غلاء الخبز‏.‏

وفي ذي القعدة‏:‏ خرج المتقي إلى الشماسية لصيد السباع‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ خرج خلق كثير من التجار من بغداد مع الحاج للانتقال إلى الشام ومصر لاتصال الفتن ببغداد وتواتر المحن عليهم من السلطان‏.‏

وفيها‏:‏ ورد كتاب من ملك الروم يلتمس منديلًا كان لعيسى عليه السلام مسح به وجهه فصارت صورة وجهه فيه وذلك المنديل في بيعة الرها وأنه إن أنفذ إليه أطلق من أسارى المسلمين عددًا كثيرًا فاستؤمر المتقي بالله فأمر بإحضار الفقهاء والقضاة فقال بعض من حضر‏:‏ هذا المنديل منذ زمان طويل في هذه البيعة لم يلتمسه ملك من ملوك الروم وفي دفعه إلى هذا غضاضة على الإسلام والمسلمون أحق بمنديل عيسى عليه السلام‏.‏

فقال علي بن عيسى‏:‏ خلاص المسلمين من الأسر أحق بمنديل عيسى عليه السلام فأمر المتقي بتسليم المنديل وتخليص الأسارى‏.‏

قال الصولي‏:‏ ووصل الخبر بأن القرمطي ولد له مولود فأهدى إليه أبو عبد الله البريدي هدايا عظيمة فيها مهد ذهب مرصع بالجواهر وكثر الرفض فنودي ببراءة الذمة ممن ذكر أحدًا من الصحابة بسوء‏.‏

وورد الرد الخبر بقبول علي بن بويه خلع السلطان بفارس ولبسه إياها وحضره حينئذ الشهود والقضاة‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إبراهيم بن أحمد بن سهل بن أحمد بن سهل بن الربيع بن سليمان أبو إسحاق مولى جهينة‏.‏

سمع بكار بن قتيبة وغيره وتوفي في رجب هذه السنة‏.‏

حبشون بن موسى بن أيوب أبو نصر الخلال ولد سنة أربع وثلاثين ومائتين وسمع الحسن بن عرفة وغيره روى عنه الدارقطني وابن شاهين وكان ثقة يسكن باب البصرة توفي في رمضان هذه السنة‏.‏

أبو سعيد الطبيب أسلم على يد القاهر بالله ولم يسلم ولده ولا أحد من أهل بيته وكان مقدامًا في الطب وفي علوم كثيرة ودخل على الخلفاء توفي في غرة ذي القعدة من هذه السنة‏.‏

عبد الله بن محمد بن المبارك أبو محمد النيسابوري صحب حمدون القصار وكان له علم بالشريعة وكتب الحديث ورواه توفي في ربيع الأول من هذه السنة‏.‏

علي بن إسماعيل بن أبي بشر واسمه‏:‏ إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي الحسن الأشعري المتكلم‏.‏

ولد سنة ستين ومائتين وتشاغل بالكلام وكان على مذهب المعتزلة زمانًا طويلًا ثم عنّ له مخالفتهم وأظهر مقالة خبطت عقائد الناس وأوجبت الفتن المتصلة وكان الناس لا يختلفون في أن هذا المسموع كلام الله وأنه نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم فالأئمة المعتمد عليهم قالوا إنه قديم والمعتزلة قالوا هو مخلوق فوافق الأشعري المعتزلة في أن هذا مخلوق وقال‏:‏ ليس هذا كلام الله إنما كلام الله صفة قائمة بذاته ما نزل ولا هو مما يسمع وما زال منذ أظهر هذا خائفًا على نفسه لخلافه أهل السنة حتى أنه استجار بدار أبي الحسن التميمي حذرًا من القتل ثم تبع أقوام من السلاطين مذهبه فتعصبوا له وكثر أتباعه حتى تركت الشافعية معتقد الشافعي رضي الله عنه ودانوا بقول الأشعري‏.‏

أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ قال‏:‏ أنبأنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أنبأنا أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد المقرئ الأهوازي الدمشقي قال‏:‏ ولد علي بن أبي بشر الأشعري بالبصرة ونشأ بها فأقام بها أكثر عمره فسمعت أبا الحسن محمد بن محمد الوزان بالبصرة يقول‏:‏ ولد ابن أبي بشر سنة ستين ومائتين ومات سنة نيف وثلاثين وثلثمائة ولم يزل معتزليًا أربعين سنة يناضل عن الاعتزال ثم قال بعد ذلك قد رجعت عن الاعتزال‏.‏

قال الأهوازي‏:‏ وسمعت أبا الحسن العسكري وكان من المخلصين في مذهب الأشعري يقول‏:‏ كان الأشعري تلميذ الجبائي يدرس عليه ويتعلم منه لا يفارقه أربعين سنة‏.‏

قال الأهوازي‏:‏ وسمعت أبا عبد الله الحمراني سنة خمس وسبعين وثلثمائة يقول‏:‏ لم نشعر يوم الجمعة وإذا بالأشعري قد طلع على منبر الجامع بالبصرة بعد صلاة الجمعة ومعه شريط فشده وتوفي ببغداد ودفن بمشرعة الروايا وقبره اليوم عافي الأثر لا يلتفت إليه‏.‏

محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة بن الصلت السدوسي مولاهم أبو بكر سمع جده يعقوب بن شيبة وعباسًا الدوري وغيرهما وروى عنه أبو عمر بن مهدي وكان ثقة‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ اخبرني علي بن أبي علي البصري أخبرنا أبي قال‏:‏ حدثني أبو بكر عمر بن عبد الملك السقطي قال‏:‏ سمعت أبا بكر بن يعقوب بن شيبة يقول‏:‏ لما ولدت دخل أبي على أمي فقال لها‏:‏ إن المنجمين قد أخذوا مولد هذا الصبي وحسبوه فإذا هو يعيش كذا وكذا وقد حسبتها أيامًا وقد عزمت أعد له كل يوم دينارًا مدة عمره فإن ذلك يكفي الرجل المتوسط له ولعياله فأعدي له حبًا فارغًا فأعدته وتركته في الأرض وملأه بالدنانير ثم قال لها‏:‏ أعدي حبًا آخر أجعل فيه مثل هذا استظهارًا ففعلت وملأه ثم استدعى حبًا آخر وملأه بمثل ما ملأ به كل واحد من الحبين ودفن الجميع فما نفعني ذلك مع حوادث الزمان فقد احتجت إلى ما ترون‏.‏

قال أبو بكر السقطي‏:‏ ورأيناه فقيرًا جدًا يجيئنا بلا إزار ونقرأ عليه الحديث ونبره بالشيء بعد الشيء توفي في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

أبو الفضل الهاشمي من أهل المصيصة‏.‏

ولي القضاء بدسكرة الملك في طريق خراسان وورد بغداد فحدث بها عن علي بن عبد الحميد الغضائري وأبي عروبة الحراني وأحمد بن عمير بن جوصا وغيرهم وكان سيئ الحال في الحديث‏.‏

محمد بن مخلد بن حفص أبو عبد الله الدوري العطار ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وكان ينزل الدور وهي محلة في آخر بغداد بالجانب الشرقي في أعلى البلد سمع يعقوب بن إبراهيم الدورقي والزبير بن بكار والحسن بن عرفة ومسلم بن الحجاج في آخرين‏.‏

روى عنه ابن عقدة والآجري وابن الجعابي وابن المظفر وابن حيويه والدارقطني وغيرهم وكان ثقة ذا فهم واسع الرواية مشهورًا بالديانة مذكورًا بالعبادة‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد العزيز البرذعي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن مخلد قال‏:‏ ماتت والدتي فنزلت في لحدها فانفرجت لي فرجة عن قبر يلزقها فإذا رجل عليه أكفان جدد على صدره طاقة ياسمين طرية فأخذتها فشممتها فإذا هي أذكى من المسك وشمها توفي ابن مخلد في جمادى الآخرة من هذه السنة وقد استكمل سبعًا وتسعين سنة وثمانية أشهر وواحدًا وعشرين يومًا‏.‏

محمد بن علي بن الحسن بن أبي الحديد أبو الحسين حدث عن يونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وبكار بن قتيبة وكان فقيهًا على مذهب أبي حنيفة فرضيًا عاقلًا ثقة‏.‏

وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

يونس بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى أبو سهل ولد سنة ست وثمانين ومائتين وكان من أفاضل الناس وكان يحب التخلي والوحدة وكان يكره غشيان الناس له وتوفي في صفر هذه السنة‏.‏

أنبأنا إبراهيم بن دينار الفقيه عن أبي الوفاء بن عقيل قال‏:‏ سمعت الحسن بن غالب المقرئ يقول‏:‏ سمعت أبا الحسين بن سمعون يقول‏:‏ سمعت أبا بكر الشبلي يقول‏:‏ رأيت يوم الجمعة معتوهًا عند جامع الرصافة قائمًا عريانًا وهو يقول‏:‏ أنا مجنون الله‏!‏ أنا مجنون الله‏!‏ فقلت له‏:‏ لم لا تدخل يقولون زرنا واقض واجب حقنا وقد أسقطت حالي حقوقهم عني إذا هم رأوا حالي ولم يأنفوا لها ولم يأنفوا منها أنفت لهم مني‏.‏

 ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها أنه في ربيع الأول دخل الروم رأس العين وسبوا من أهلها ثلاثة آلاف إنسان ونهبوا البلاد وكان الذي قصدها الدمستق في ثمانين ألفًا‏.‏

وفي جمادة الأولى‏:‏ كثرت الأمطار فتساقطت منازل الناس ومات خلق كثير تحت الهدم وما زالت قيمة العقار ببغداد تنقص وزاد الأمر بسبب الغلاء وبلغ الخبز الخشكار ثلاثة أرطال بدرهم والتمر رطلان بدرهم وأغلقت عدة حمامات وتعطلت أسواق ومساجد حتى صار يطلب من يسكن الدور بأجرة يعطاها ليحفظها وكثرت الكبسات بالليل من اللصوص بالسلاح والشمع وتحارس الناس بالليل بالبوقات وجاء في شباط مطر عظيم سيل وبرد كبار وجمعه الثلاجون وكبسوه وتساقطت الدور وبرد الهواء في آذار ووقع جليد كثير فاحترق أكثر الزرع وورد الخبر في شوال بموت أبي طاهر سليمان بن الحسن الهجري في منزله بهجر وأنه جدر في رمضان هذه السنة ومات ولم يحج في هذه السنة أحد من بغداد ولا من خرسان لأجل موت الهجري فلم يحضر أحد من أهل هجر يبذرق الحاج فخاف الناس فأقاموا وكان الذي بقي من أخوة أبي طاهر ثلاثة‏:‏ أبو القاسم سعيد وهو الرئيس الذي يدبر الأمور وأبو العباس وكان ضعيف البدن كثير الأمراض مقبلًا على قراءة الكتب وأبو يعقوب يوسف وكان مقبلًا على اللعب إلا أن الثلاثة كانت كلمتهم واحدة والرياسة لجميعهم وكانوا يجتمعون على رأي واحد فيمضونه وكان وزراؤهم سبعة كلهم من بني سنبر‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف وكان أبو يوسف يتكبر على أخيه ويؤذيه ودفنه بالأبلة من غير أن يغسله أو يكفنه وأخذ من ماله ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار وعشرة آلاف ألف درهم وأخذ من الكسوة والفرش والآلة ما قيمته ألف دينار وألف رطل ند وعشرين ألف رطل عود منها ألفا رطل هندي وصادر العمال على ألف ألف دينار‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

ابن عقدة قدم بغداد فسمع من محمد بن عبيد الله المنادي وعقدة لقب أبيه محمد لقب بذلك لأجل تعقيده في التصريف والنحو وكان عقدة ورعًا زاهدًا ناسكًا علم ابن هشام الخزاز الأدب فوجه أبوه إليه دنانير فردها فأضعفها فردها وقال‏:‏ ما رددتها استقلالًا لها ولكن سألني الصبي أن أعلمه القرآن فاختلط تعليم النحو بتعليم القرآن فلا استحل أن آخذ منه شيئًا ولو دفع إلي الدنيا‏.‏

وأما ولده أبا العباس فإنه سمع الحديث الكثير وكان من أكابر الحفاظ وروى عنه من أكابرهم‏:‏ أبو بكر بن الجعابي وعبد الله بن عدي والطبراني وابن المظفر والدار قطني وابن شاهين‏.‏

وقال الدار قطني‏:‏ أجمع أهل الكوفة أنه لم ير من زمن عبد بن مسعود إلى زمن أبي العباس بن عقدة أحفظ منه‏.‏

وقال أبو العباس‏:‏ ودخل البرديجي الكوفة فزعم أنه أحفظ مني فقلت‏:‏ لا تطول نتقدم إلى دكان وراق ونضع القبان وتزن من الكتب ما شئت ثم تلقى علينا فنذكرها فبقي‏.‏

وكان بعض الهاشمين جالسًا عند ابن عقدة فقال ابن عقدة‏:‏ أنا أجيب في ثلثمائة ألف حديث من حديث أهل هذا سوى غيرهم وقال ابن عقدة مرة‏:‏ أحفظ من الحديث بالأسانيد والمتون منسقًا وخمسين ومائتي ألف حديث وأذاكر من الأسانيد وبعض المتون والمراسيل والمقاطع بستمائة ألف حديث‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثني الصوري قال‏:‏ قال لي عبد الغني بن سعيد‏:‏ سمعت الدار قطني يقول‏:‏ كان أبو العباس بن عقدة يعلم ما عند الناس ولا يعلمون ما عنده‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ ومع هذا الحفظ العظيم وكثرة ما سمع وكتب عنه فإنه انتقل من مكان إلى مكان فكانت كتبه ستمائة حمل فقد ذمه الناس لأسباب فذكر ابن عدي أنه كان يسوي نسخًا للأشياخ ويأمرهم بروايتها وقال الدارقطني‏:‏ ابن عقدة رجل سوء‏.‏

أخبرنا أحمد بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي حدثنا علي بن محمد بن نصر قال‏:‏ سمعت حمزة بن يوسف يقول‏:‏ سمعت أبا عمر بن حيويه يقول‏:‏ كان ابن عقدة يجلس في جامع براثا يملي مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو قال الشيخين يعني أبا بكر وعمر - فتركت حديثه لا أحدث عنه بشيء‏.‏

قال المصنف‏:‏ وتوفي ابن عقدة في ذي القعدة من هذه السنة الحسن بن يوسف بن يعقوب بن ميمون روى عن يونس بن عبد الأعلى وغيره وكان إمام جامع مصر العتيق وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

سليمان بن الحسن أبو القاسم وزر للراضي ثم ملك المتقي لله فأبقاه على حاله وتوفي في رجب هذه السنة‏.‏

عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبو محمد الجوهري المصري سكن بغداد بنهر الدجاج وحدث بها عن الربيع بن سليمان المرادي وغيره وكان ثقة روى عنه الدارقطني وابن شاهين وآخرين وآخر من روى عنه أبو عمر بن مهدي وكان ثقة مأمونًا توفي في ربيع الأول من هذه السنة‏.‏

عبد الله بن محمد بن عمر بن أحمد بن أبو بكر البزاز وهو خال ابن الجعابي روى عنه الدارقطني وابن شاهين وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة‏.‏

 سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة

فمن الحوادث فيها أن توزون التركي كان رئيس الجيش وأمير الأمراء وتقلد الشرطة ببغداد وكانت بينه وبين المتقي وحشة فخرج المتقي إلى ناحية الموصل ودخل توزون من واسط إلى بغداد فأخذ أموال أهل بغداد وأخذ من دعلج العدل مائة ألف درهم وأقام المتقي عند بني حمدان واستدعاهم لحرب توزون فلما أقبلوا على حربه خرج توزون فكسرهم ثم كاتب المتقي يسأله أن يرجع إلى بغداد فلم يقبل وأقام بالرقة ثم ظهر له من بني حمدان تضجر به فبعث إلى توزون يطلب الصلح فتلقى توزون ذلك بأتم رغبة فبعث إليه المتقي من يستحلفه فحلف أيمانًا مؤكدة ثم أعاد إليه الأرض وقبل يده ثم ركب وسار معه وقد وكل به وبجماعته الديلم وحصرهم في مضربه وقبض عليهم واستحضر عبد الله بن المكتفي فبويع له ولقب‏:‏ المستكفي بالله وبايعه المتقي بعد أن أشهد على نفسه بالخلع في يوم السبت لعشر بقين من صفر هذه السنة وسلم إليه المتقي فأخرج إلى جزيرة بين يدي السندية على نهر عيسى فسمل في يوم خلعه وكانت مدة خلافته ثلاث سنين وأحد عشر شهرًا ولم يحل الحول على توزون بعد أن فعل ذلك‏.‏

 باب ذكر خلافة المستكفي بالله

واسمه عبد الله بن علي المكتفي بن المعتضد ويكنى‏:‏ أبا القاسم ولد في صفر سنة اثنتين وتسعين ومائتين وولي الخلافة وسنه إحدى وأربعون سنة وسبعة أيام في سن المنصور حين ولي وكان مليح الشخص ربعة من الرجال ليس بالطويل ولا بالقصير معتدل الجسم حسن الوجه أبيض مشربًا بالحمرة أسود الشعر سبطًا خفيف العارضين أكحل أقنى الأنف ولما ولي المستكفي طوق توزون وسوره وخلع عليه وجلس بين يدي المستكفي بالله على كرسي ولم يحج من الناس في هذه السنة إلا القليل مع البكريين ووقف بالناس بمكة عمر بن الحسن بن عبد العزيز الهاشمي‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحسن بن أحمد بن سعيد بن أنس أبو علي المؤذن ويعرف بالمالكي سمع أبا عمر القاضي وغيره وروى عنه العتيقي وكان ثقة وتوفي في هذه السنة‏.‏

الحسن بن عبد العزيز الهاشمي‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا إبراهيم بن مخلد قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي قال‏:‏ توفي الحسن بن عبد العزيز الهاشمي وهو والي الصلاة بالحرمين ومسجد الرصافة ببغداد في شوال هذه السنة وله من السن خمس وسبعون سنة وشهور‏.‏

الحسين بن علي بن أحمد بن عبد الله أبو علي الحريري المعروف ابن جمعة ولد سنة سبع وخمسين ومائتين وحدث عن أبي بكر بن مالك وأبي الحسن الدارقطني وابن المظفر وكان ثقة صدوقًا وتوفي في رمضان هذه السنة رحمه الله وإيانا وسائر المسلمين بمنه وكرمه‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها أنه في المحرم لقب المستكفي بالله نفسه إمام الحق وضرب ذلك على الدنانير والدراهم فكان يخطب له بلقبين‏:‏ إمام الحق والمستكفي بالله‏.‏

وفي صفر‏:‏ أدخل من السواد رجل يعرف بابن أبي علي يقطع الطريق ويقتل فشهر على وورد الخبر بأن معز الدولة أبا الحسين أحمد بن بويه قد نزل بباجسري فاضطرب الناس واستتر المستكفي بالله وعبر الأتراك إلى الجانب الغربي وساروا إلى الموصل وبقي الديلم ببغداد ووجه المستكفي بألطاف وفاكهة وطعام لأبي الحسين بن بويه ودخل أبو الحسين فلقي المستكفي بالله ووقف بين يديه طويلًا وأخذت عليه البيعة للمستكفي واستحلف له بأغلظ الأيمان ولخواصه وحلف المستكفي لأبي الحسين بن بويه وأخويه وكتب بذلك كتاب ووقعت فيه الشهادة عليهما ولبس أبو الحسين الخلع وطوق وسور وعقد له لواء وجعل أمير الأمراء وهو أول ملوك بني بويه ولقب أخواه الأكبر علي عماد الدولة وأخوه الأوسط أبو علي الحسن ركن الدولة وأمر أن تضرب ألقابهم وكناهم على الدنانير والدراهم ونزل الديلم والأتراك دور الناس ولم يكن يعرف ببغداد قبل هذا التنزل فصار من هذا اليوم رسمًا‏.‏

أنبانا محمد بن عبد الباقي أنبأنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال‏:‏ ومن أعجب الأشياء المتولدة في زمن معز الدولة السعي والصراع وذلك أن معز الدولة احتاج إلى السعاة ليجعلهم فيوجا بينه وبين أخيه ركن الدولة إلى الري فيقطعون تلك المسافة البعيدة في المدة القريبة وأعطى على جودة السعي والرغائب فحرص أحداث بغداد وضعفاؤهم على ذلك حتى انهمكوا فيه وأسلموا أولادهم إليه فنشأ ركابيان بباب معز الدولة يعرف أحدهما بمرعوش والآخر بفضل يسعى كل واحد منهما نيفًا وثلاثين فرسخًا في يوم من طلوع الشمس إلى غروبها يترددون ما بين عكبرا وبغداد وقد رتب على فرسخ من الطريق قومًا يحضون عليهم فصاروا أئمة السعاة ببغداد وانتسب السعاة إليهم وتعصب الناس لهم واشتهى معز الدولة الصراع فكان يعمل بحضرته حلقة في ميدانه ويقيم شجرة يابسة تنصب في الحال ويجعل عليها الثياب الديباج والعتابي والمرزوي وتحتها أكياس فيها دنانير ودراهم ويجمع على سور الميدان المخانيث بالطبول والرموز وعلى باب الميدان الدبادب ويؤذن للعامة في دخول الميدان فمن غلب أخذ الثياب والشجرة والدراهم ثم دخل في ذلك أحداث بغداد فصار في كل موضع صراع فإذا برع أحدهم صارع بحضرة معز الدولة فإن غلب أجريت عليه الجرايات فكم من عين ذهبت بلطمة وكم من رجل اندقت عنقه وشغف شبان معز الدولة بالسباحة فتعاطاها أهل بغداد حتى أحدثوا فيها الطرائف فكان الشاب يسبح قائمًا وعلى يده كانون فوقه حطب يشتعل تحت قدر إلى أن تنضج ثم يأكل منها إلى أن يصل إلى دار السلطان‏.‏

وفي ربيع الآخر‏:‏ قلد القاضي أبو السائب عتبة بن عبد الله القضاء في الجانب الشرقي وأقر القاضي أبو طاهر على الجانب الغربي وقلد أبو الحسن محمد بن صالح الهاشمي قضاء مدينة أبي جعفر‏.‏

وفي هذه السنة جمع القاضي أبو الحسن محمد بن صالح الهاشمي أبا عبد الله محمد بن أبي موسى الهاشمي وأبا نصر يوسف بن أبي الحسين عمر بن محمد القاضي في منزله حتى اصطلحا وتعاقدا على التصافي وأخذ كل واحد منهما خط صاحبه بتزكيته وربما توكد الصلح بينهما وكانا قد خرجا إلى أقبح المباينة حتى أشهد أبو نصر وهو والي قضاء مدينة السلام على نفسه بإسقاط أبي عبد الله وأنه غير موضع للشهادة وسعى أبو عبد الله في صرفه ومعارضته بما يكره حتى تهيأ له في ذلك ما أراد‏.‏

وفي يوم الخميس لثلاث بقين من جمادى الآخرة‏:‏ انحدر معز الدولة إلى دار الخلافة فسلم على الخليفة وقبل الأرض وقبل يد المستكفي وطرح له كرسي فجلس ثم تقدم رجلان من الديلم فمدا أيديهما إلى المستكفي وطالبا بالرزق فلما مدا أيديهما ظن أنهما يريدان تقبيل يده فناولهما يده فجذباه فنكساه من السرير ووضعا عمامته في عنقه وجراه ونهض معز الدولة واضطرب الناس ودخل الديلم إلى دور الحرم وحمل المستكفي راجلًا إلى دار معز الدولة فاعتقل بها وخلع من الخلافة ونهبت الدار حتى لم يبق بها شيء وسمل المستكفي وكانت مدة خلافته سنة وأربعة أشهر ويومين وأحضر الفضل بن المقتدر يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة فبويع ولقب المطيع لله‏.‏

 باب ذكر خلافة المطيع لله

ويسمى الفضل بن المقتدر ويكنى أبا القاسم وأمه أم ولد يقال لها‏:‏ مشغلة أدركت خلافته وكان له يوم بويع‏:‏ ثلاث وثلاثون سنة وخمسة أشهر وأيام ولما بويع أحضر المستكفي فسلم عليه بالخلافة وأشهد على نفسه بالخلع وصودر خواص المستكفي فأخذ منهم ألوف كثيرة ووصل المطيع العباسيين العلويين في يوم بنيف وثلاثين ألف دينار على إضافته ووصل خادم المدينة فذكر ما يلحق حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التفريط وقطع مواد الطيب وغيره عنها فأمر للخادم بعشرين ألف درهم وتقدم بحمل الطيب وضم إليه خمسة من الخدم ليكونوا في خدمة الحجرة ونفذ مع أبي أحمد الموسوي قنديلًا من ذهب وزنه ستمائة مثقال وتسع قناديل من فضة ليعلقها في الكعبة‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ سمعت أبا محمد التميمي يقول‏:‏ سمعت عمي أبا الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي يقول‏:‏ سمعت المطيع لله يقول‏:‏ وقد أحدق به خلق كثير من الحنابلة حزروا ثلاثين ألفًا فأراد أن يتقرب إليهم فقال‏:‏ سمعت شيخي ابن بنت منيع يقول‏:‏ سمعت أحمد بن حنبل يقول‏:‏ إذا مات أصدقاء الرجل ذل‏.‏

وفي يوم الأربعاء لأربع خلون من شعبان‏:‏ وجدت امرأة هاشمية قد سرقت صبيًا فشوته في تنور وهو حي وأكلت بعضه وأقرت بذلك وذكرت أن شدة الجوع حملها على ذلك فحبست ثم أخرجت وضربت عنقها ووجدت امرأة أخرى هاشمية أيضًا قد أخذت صبية فشقتها بنصفين فطبخت النصف سكباجًا والنصف الآخر بماء وملح فدخل الديلم فذبحوها ثم وجدت ثالثة وقد شوت صبيًا وأكلت بعضه فقتلت‏.‏

وكان قد بلغ المكوك من الحنطة خمسة وعشرين درهمًا واضطر الناس إلى أكل البزر قطونًا كان يؤخذ فيضرب بالماء ثم يبسط على الطابق ويشعل تحته فإذا حمي أكلوه‏.‏

وأكلوا الجيف وإذا راثت الدواب اجتمع جماعة من الضعفاء على الروث فالتقطوا ما فيه من حب الشعير فأكلوه وكانت الموتى مطرحين فربما أكلت الكلاب لحومهم وخرج الناس إلى البصرة خروجًا مسرفًا فمات أكثرهم في الطريق ومات بعضهم بالبصرة وصار الضعفاء يغنى أكثرهم وصار العقار والدور تباع بالرغفان من الخبز ويأخذ الدلال بحق دلالته بعض الخبز‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي وعن علي بن المحسن عن أبيه قال‏:‏ حدثني أبو الحسين بن العباس القاضي قال‏:‏ حدثني أبو عبد الله الموسوي العلوي أنه باع في سنة أربع وثلاثين وثلثمائة عند اشتداد الغلاء على معز الدولة وهو مقيم بظاهر بغداد من الجانب الغربي كر حنطة بعشرة آلاف درهم‏.‏

قال‏:‏ ولم أخرج الغلة حتى تسلمت المال وكانت بين أصحاب معز الدولة أبي الحسين وبين أصحاب ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان حرب بعكبرا فخرج معز الدولة ومعه الخليفة المطيع إلى عكبرا وذلك في رابع رمضان ثم حضر معز الدولة المطيع ووكل به فلما كان يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان وافى ناصر الدولة إلى بغداد فنزل بالجانب الغربي فعبر أصحاب معز الدولة إليهم فعبر ناصر الدولة إلى الجانب الشرقي ودخل بغداد وجاء معز الدولة فاحتربوا فملك الجانب الغربي بأثره إلا أنه ضاق عليهم العيش فاشترى لمعز الدولة كرًا بعشرين ألف درهم ولحق الناس بالسواد من جانبي بغداد ضر عظيم ثم ملك معز الدولة الجانب الشرقي فانهزم ناصر الدولة‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ كثر القمل برستاق القميرة الكبرى حتى يئس الناس من غلاتهم فانحط من نوع الطير الصفر يزيد على جرم العصفور وكان الطائر يعلق على شجرة فيصفر فيطير الطير حينئذ أفواجًا فينحط كل فوج منها على ضيعة فيلقط القمل حتى فني‏.‏

 ذكر أخباره وما صنع بالمتقي

توفي لثمان بقين من المحرم ولم يتم له حول بعد فعله القبيح وإهماله ما عقد من الأيمان‏.‏

سليمان بن إسحاق بن إبراهيم بن الخليل أبو أيوب الجلاب سمع إبراهيم الحربي روى عنه ابن حيويه وكان ثقة توفي في هذه السنة‏.‏

أبو القاسم التميمي سمع ابن قتيبة وروى عنه الدارقطني وكان ثقة وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

عمر بن الحسين بن عبد الله أبو القاسم الخرقي صاحب كتاب ‏"‏ المختصر في الفقه ‏"‏ على مذهب الإمام أحمد بن حنبل وكان فقيه النفس حسن العبارة بليغًا وكانت له مصنفات كثيرة وتخريجات على المذهب لم تظهر لأنه خرج من بغداد لما ظهر سب الصحابة فأودع كتبه في درب سليمان فاحترقت الدار التي كانت فيها الكتب وتوفي بدمشق في هذه السنة‏.‏

محمد بن عيسى بن عبد الله أبو عبد الله ابن أبي موسى الفقيه على مذهب العراقيين ولاه المتقي لله القضاء ببغداد ثم عزله وأعاده المستكفي بالله وكان له علم غزير وسمت حسن ووقار وكان ثقة مشهورًا بالفقر لا يطعن عليه في شيء من ولايته فكبس اللصوص داره وأخذوا جميع ما كان فيها ولم يكن شيئًا مذكور وكانوا يقدرون أن له مالًا وضربوه ضربة أثخنته وهرب في السطوح ورمى بنفسه إلى بيت جار له فسقط فمات وذلك في ربيع الأول من هذه السنة‏.‏محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله أبو الفضل السلمي الوزير كان فقيهًا مناظرًا وسمع الحديث بخراسان ونيسابور والري وبغداد والكوفة وأملى وكان حافظًا وصنف وكان يصوم الاثنين والخميس ولا يدع صلاة الليل ولا التصنيف وولي الوزارة للسلطان وهو على ذلك وكان يسأل الله تعالى الشهادة فسمع ليلة جلبة الخيل فقال‏:‏ ما هذا فقالوا‏:‏ غوغاء العسكر قد اجتمعوا يؤلبون ويقولون إن الذنب لك في تأخير رزقنا‏.‏

فدعا بالحلاق فحلق رأسه وسخن له الماء في مضربة وتنور وتنظف واغتسل ولبس الكفن ولم يزل ليلته يصلي وبعث السلطان يمنعهم عنه فلم يقبلوا فقتلوه وهو ساجد في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

محمد بن عبد الله بن طغج أبو بكر وكان شجاعًا شديد التيقظ في حروبه وكان جيشه يحتوي على أربعمائة ألف رجل وكان له ثمانية آلاف مملوك يحرسونه بالنوبة كل نوبة ألف مملوك ويوكل بجانب خيمته الخدم ثم لا يثق حتى يمضي إلى خيم الفراشين فينام فيها ولقبه الراضي بالله بالأخشيد لأنه فرغاني وكان من ملك فرغانة يسمى ‏"‏ الأخشيد ‏"‏ كما تدعو الروم ملكها ‏"‏ قيصر ‏"‏ والفرس ‏"‏ كسرى ‏"‏ واليمن ‏"‏ تبع ‏"‏ والمسلمون ‏"‏ الخليفة ‏"‏ وملك اشروسنة يسمى ‏"‏ الأفشين ‏"‏ وملك خوارزم ‏"‏ خوارزمشاه ‏"‏ وملك الترك ‏"‏ خاقان ‏"‏ وملك جرجان ‏"‏ صول ‏"‏ وملك اذربيجان ‏"‏ اصبهبذ ‏"‏ وملك طبرستان ‏"‏ سالار ‏"‏ وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

أبو بكر الشبلي وقد اختلفوا في اسمه ونسبه فقيل‏:‏ دلف بن جعفر وقيل‏:‏ دلف بن جحدر وقيل‏:‏ دلف بن جعترة وقيل‏:‏ دلف بن جعونة وقيل‏:‏ جعفر بن يونس وقيل‏:‏ جحدر بن دلف وهو من أهل أشروسنة من قرية بها يقال لها‏:‏ شبلية كان خاله أمير الأمراء بالاسكندرية وولد الشبلي بسر من رأى وكان حاجب الموفق فجعل لطعمته دماوند وكان أبوه صاحب الحجاب قصر الشبلي يومًا مجلس خير النساج فتاب ثم رجع إلى دماوند فقال‏:‏ إن الموفق ولاني بلدتكم فاجعلوني في حل ففعلوا وصحب الفقراء وكان الجنيد يقول‏:‏ تاج هؤلاء القوم الشبلي‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أبو بكر بن ثابت أخبرنا علي بن محمود الزوزني قال‏:‏ على بعدك لا يصبر من عادته القرب ولا يقوى على حجبك من تيمه الحب فإن لم تبصرك العين فقد يبصرك القلب أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا عبد الكريم بن هوازان قال‏:‏ سمعت أبا حاتم محمد بن أحمد بن يحيى يقول‏:‏ سمعت عبد الله بن علي التميمي يقول‏:‏ سأل جعفر بن نصير بكران الدينوري - وكان يخدم الشبلي - ما الذي رأيت منه يعني عند وفاته‏.‏

قال‏:‏ قال لي‏:‏ علي درهم مظلمة تصدقت عن صاحبه بألوف فما على قلبي شغل أعظم منه ثم قال‏:‏ وضئني للصلاة‏.‏

ففعلت فنسيت تخليل لحيته وقد أمسك عن لسانه فقبض على يدي وأدخلها في لحيته ثم مات فبكى جعفر وقال‏:‏ ما تقولون في رجل لم يفته في آخر عمره أدب من آداب الشريعة أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن علي بن الفتح قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى قال‏:‏ سمعت أبا نصر الهراوي يقول‏:‏ كان الشبلي يقول‏:‏ إنما يحفظ هذا الجانب بي - يعني من الديلمة - فمات وهو يوم الجمعة وعبرت الديالمة إلى الجانب الشرقي في يوم السبت‏.‏

قال المنصف‏:‏ سمعت محمد بن عمر الأرموي يقول‏:‏ سمعت أبا الحسين ابن المهتدي يقول‏:‏ سمعت أبا حفص عمر بن عبيد بن تعويذ يقول‏:‏ حدثني أبو بكر غلام الشبلي وكان يعرف ببكير قال‏:‏ وجد الشبلي خفة من وجع كان به في يوم الجمعة سلخ ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة فقال لي بكير‏:‏ تعزم الجامع قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فلما حصلنا في الوراقين من الجانب الشرقي تلقانا رجل شيخ فقال لي بكير‏:‏ غدًا يكون لي مع هذا الشيخ شأن من الشأن‏.‏

فقلت‏:‏ يا سيدي من هو فقال لي هذا المقبل وأومأ بيده إلى الشيخ‏.‏

قال‏:‏ فلما كان في ليلة السبت قضى رحمه الله عليه فقيل لي‏:‏ في موضع كذا وكذا شيخ صالح يغسل الموتى فجئت إلى الباب فنقرته وقلت‏:‏ سلام عليكم فقال لي‏:‏ مات الشبلي فقلت‏:‏ نعم فخرج إلي فإذا هو الشيخ الذي لقينا بالأمس فقلت‏:‏ لا إله إلا الله فقال لي‏:‏ مالك فقلت‏:‏ يا سيدي سألتك بالله من أين لك بموت الشبلي فقال لي‏:‏ فقدتك أمك ما أجهلك من أين يكون للشبلي أنه يكون له معي شأن من الشأن أخبرنا أبو القاسم الحريري عن أبي طالب العشاري أخبرنا علي بن المظفر الأصبهاني حدثنا أبو القاسم النحاس قال‏:‏ سمعت يوسف بن يعقوب الأصبهاني يقول‏:‏ قال الآدمي القارئ‏:‏ رأيت في المنام كأن كل من في مقبرة الخيزرانية جلوس على قبورهم فقلت‏:‏ من تنتظرون فقالوا‏:‏ قد وعدنا يجيئنا رجل يدفن عندنا يهب الله محسننا ومسيئنا له قال‏:‏ فبكرت وجلست فإذا بجنازة الشبلي تدفن عندهم‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة

فمن الحوادث فيها ما قد ذكرنا أن معز الدولة أبو الحسين بن بويه حصر المطيع لله ووكل به وأن ناصر الدولة أبو محمد بن حمدان جاء إلى بغداد يخاصم عن الخليفة فدخل إلى بغداد وحارب معز الدولة فعبر معز الدولة إلى الجانب الشرقي فملكه في أول يوم من المحرم فانهزم ناصر الدولة ونهب الديلم باب الطاق وسوق يحيى وقتل من العامة جماعة وخرج نساء وصبيان من بغداد هاربين في طريق عكبرا لأنه وقع للناس أن الديلم إذا ملكوا الجانب الشرقي وضعوا السيف تشفيًا من العوام لأنهم كانوا يشتمون معز الدولة والديالمة شتمًا مسرفًا واستعمل معز الدولة الحلم ومنع من القتل إلا من هرب من الرجال والنساء والصبيان وتلف في طريق عكبرا من الحر والعطش خلق كثير لأنهم خرجوا مشاة حفاة‏.‏

أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز أنبأنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال‏:‏ حدثني أبو الحسن أحمد بن يوسف قال‏:‏ لما دخل الديلم من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي وخاف الناس السيف فهربوا على وجوههم وكانت المرأة العذراء والمخدرة المترفة من ذوات النعم والصبية والأطفال والعجائز وسائر الناس يخرجون على وجوههم يتعادون يريدون الصحراء وكان ذلك اليوم حارًا فلا يطيقون المشي‏.‏

قال أبو محمد الصلحي‏:‏ انهزمنا يومئذ مع ناصر الدولة نريد الموصل من بين يدي معز الدولة وقد عبر من الغربي إلى الجانب الشرقي فرأيت ما لا أحصي من أهل بغداد قد تلفوا بالحر والعطش ونحن نركض هاربين فما شبهته إلا بيوم القيامة‏:‏ قال‏:‏ فأخبرني جماعة أنهم شاهدوا امرأة لم ير مثلها في حسن الثياب والحلي وهي تصيح‏:‏ أنا فلانة ابنة فلان ومعي جوهر وحلي بألف دينار ورحم الله من أخذه مني وسقاني شربة ماء فما يلتفت إليها أحد حتى خرت ميتة وبقيت متكشفة والثياب عليها والحلي وما يعرض له أحد‏.‏

ولما استقر معز الدولة ببغداد استحلف المطيع لله أنه لا يبغيه سوءًا ولا يمالي عليه عدوًا ثم أزال عنه التوكيل وأعاده إلى داره وورد الخبر بدخول الأمير ركن الدولة أبي علي الحسن بن بويه الري وملك الجبل بأسره‏.‏

وفي أول رجب‏:‏ صرف القاضي محمد بن الحسن بن أبي الشوارب عن القضاء بالجانب الغربي من بغداد وتقلد أبو الحسن محمد بن صالح ابن أم شيبان مضافًا لما كان إليه من قضاء الجانب الشرقي‏.‏

وفي رمضان‏:‏ وقع بقطربل برد كبار في كل بردة أو قيتان وأكثر فطحن الغلات وكان ذلك في سابع عشر نيسان‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحسن بن حمويه بن الحسين أبو القاضي الاستراباذي أدرك عمار بن رجاء ولم يكتب عنه وروى عنه محمد بن إسحاق بن راهوية وخلق كثير وكان على قضاء استرباذ مدة طويلة وكان من القوامين بالليل المتهجدين بالأسحار يضرب به المثل في قضاء حوائج المسلمين والقيام بأمرهم بنفسه وماله وجاهه وعقد مجلس الإملاء باستراباذ وكتب عنه أهلها مات فجأة على صدر جارية وقت الإنزال في هذه السنة‏.‏

حمزة بن القاسم بن عبد العزيز أبو عمر الهاشمي ولد في شعبان سنة سبع وأربعين ومائتين وكان يتولى الصلاة بالناس في جامع المنصور ثم تولى إمامة جامع الرصافة وحدث عن سعدان بن نصر الدوري وحنبل بن إسحاق روى عنه الدارقطني وابن شاهين وكان ثقة ثبتًا ظاهر الصلاح مشهور بالرواية معروفًا بالخير وحسن المذهب توفي في شعبان هذه السنة ودفن عند قبر معروف عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله أبو عبد الله الختلي سمع أبا العباس البرتي والباغندي وابن أبي الدنيا‏.‏

روى عنه الدارقطني وكان فهمًا عارفًا ثقة حافظًا انتقل إلى البصرة فسكنها أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا علي بن المحسن قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ دخل إلينا أبو عبد الله الختلي إلى البصرة صاحب حديث وكان مشهورًا بالحفظ فجاء وليس معه شيء من كتبه فحدث شهورًا إلى أن لحقته كتبه فسمعته يقول‏:‏ حدثت بخمسين ألف حديث من حفظي إلى أن لحقتني كتبي‏.‏

أبو بكر الصولي توفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وكان قد خرج عن بغداد لإضاقة لحقته وتوفي بالبصرة في هذه السنة‏.‏

أبو الحسن وزير المقتدر بالله والقاهر بالله ولد سنة خمس وأربعين ومائتين وسمع أحمد بن بديل الكوفي والحسن بن محمد الزعفراني وحميد بن الربيع وعمر بن شبة‏.‏

روى عنه الطبراني وغيره وكان صدوقًا فاضلًا عفيفًا في ولايته كثير المعروف وقراءة القرآن والصلاة والصيام يحب أهل العلم ويكثر مجالستهم وأصله من الفرس وكان داود جده من دير قني من وجوه الكبار وكذلك أبوه عيسى‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الأزهري قال‏:‏ قال لي أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه قال‏:‏ قال لي ابن كامل القاضي‏:‏ سمعت علي بن عيسى الوزير يقول‏:‏ كسبت سبعمائة ألف دينار أخرجت منها في هذه الوجوه - يعني وجوه البر - ستمائة ألف وثمانين ألفًا‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا علي بن المحسن التنوخي قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن قريعة وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن داسة قالا‏:‏ حدثنا أبو بكر سهل بن زياد القطان صاحب علي بن عيسى قال‏:‏ كنت مع علي بن عيسى لما نفي إلى مكة فلما دخلناها دخلنا في حر شديد وقد كدنا نتلف فطاف علي بن عيسى وسعى وجاء فألقى نفسه وهو كالميت من الحر والتعب وقلق قلقًا شديدًا وقال‏:‏ اشتهي على الله شربة ماء مثلوج‏.‏

فقلت له يا سيدنا تعلم أن هذا ما لا يوجد بهذا المكان فقال‏:‏ هو كما قلت ولكن نفسي ضاقت عن ستر هذا القول فاستروحت إلى المنى قال‏:‏ وخرجت من عنده ورجعت إلى المسجد الحرام فما استقررت فيه حتى نشأت سحابة فبرقت ورعدت وجاءت بمطر يسير وبرد كثير فبادرت إلى الغلمان فقلت‏:‏ اجمعوا فجمعنا منه شيئًا عظيمًا وملأنا منه جرارًا كثيرة وجمع أهل مكة منه شيئًا عظيمًا وكان علي بن عيسى صائمًا فلما كان وقت المغرب خرج إلى المسجد الحرام ليصلي المغرب فقلت له‏:‏ أنت والله مقبل والنكبة زائلة وهذه علامات الإقبال فاشرب الثلج كما طلبت وجئته بأقداح مملوءة من أصناف الأسوقة والأشربة مكبوسة بالبرد فأقبل يسقى ذلك من قرب منه من الصوفية والمجاورين والضعفاء ويستزيد ونحن نأتيه بما عندنا وأقول له‏:‏ اشرب فيقول‏:‏ حتى يشرب الناس فخبأت مقدار حمسة أرطال وقلت له‏:‏ إنه لم يبق شيء فقال‏:‏ الحمد لله ليتني كنت تمنيت المغفرة فلعلي كنت أجاب فلما دخل البيت لم أزل أداريه حتى شرب منه وتقوت ليلته بباقيه‏.‏

أخبرنا القزاز قال أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال أخبرنا القاضي أبو العلاء قال‏:‏ أنشدنا القاضي أبو عبد الله بن أبي جعفر قال‏:‏ أنشدني أبي قال‏:‏ أنشدني الوزير أبو الحسن علي بن فمن كان عني سائلًا بشماتة لما نابني أو شامتًا غير سائل فقد أبرزت مني الخطوب ابن حرة صبورًا على أهوال تلك الزلازل وقد روينا عن مكرم بن بكر القاضي قال‏:‏ كنت خصيصًا بالوزير أبي الحسن علي ابن عيسى فأقبلت عليه يومًا وهو مهموم جدًا فسألته عن ذلك فقال‏:‏ كتبت إلي عاملنا بالثغر أن أسارى المسلمين في بلد الروم كانوا على رفق وصيانة إلى أن ولي آنفاُ ملك الروم حدثان منهم فعسفا الأسارى وأجاعاهم وأعرياهم وعاقباهم وطالباهم بالتنصر وأنهم في عذاب شديد ولا حيلة لي في هذا والخليفة لا يساعدني فكنت أنفق الأموال وأجهز الجيوش إلى القسطنطينية فقلت‏:‏ ها هنا أمر سهل يبلغ به الغرض فقال‏:‏ قل يامبارك‏!‏ قلت‏:‏ إن بأنطاكية عظيمًا للنصارى يقال له‏:‏ البطرك وبالقدس آخر يقال له‏:‏ الجاثليق وأمرهما ينفذ على الروم وعلى ملوكهم والبلدان في سلطاننا والرجلان في ذمتنا فيأمر الوزير بإحضارهما ويتقدم إليهما بإزالة ما تجدد على الأسارى فإن لم يزل لم يطالب بتلك الجزيرة غيرهما فكتب يستدعيهما فلما كان بعد شهرين جاءني رسوله فجئت فوجدته مسرورًا فقال‏:‏ جزاك الله عن نفسك ودينك وعني خيرًا كان رأيك أبرك رأي وأسده هذا رسول العامل قد ورد وقال له‏:‏ خبر بما جرى فقال‏:‏ أنفذني العامل مع رسول البطرك والجاثليق إلى القسطنطينية وكتبا إلى ملكيهما أنكما قد خرجتما بما فعلتما عن ملة المسيح عليه السلام وليس لكما الاضرار بالأسارى فإنه يخالف دينكماوما يأمركما به المسيح عليه السلام فإما زلتما عن هذا الفعل وإلا حرمناكما ولعناكما على هذين الكرسيين فلما وصلنا إلى القسطنطينية حجبنا أيامًا ثم أوصل الرسولان إليهما واستدعياني فقال الترجمان‏:‏ يقول لكما الملكان‏:‏ الذي بلغ ملك العرب من فعلنا بالأسارى كذب وتشنيع وقد أذنالك في دخولك لتشاهدهم على ضد ما قيل وتسمع شكرهم لنا فدخلت فرأيت الأسارى وكأن وجوههم قد خرجت من القبور تشهد بما كانوا فيه من الضر ورأيت ثيابهم جميعًا جددًا فعلمت أني حجبت تلك الأيام لتغيير حالهم‏.‏

فقال لي الأسارى‏:‏ نحن شاكرون للملكين فعل الله بهما وصنع وأومأ إلي بعضهم أن الذي بلغكم كان صحيحًا إنما خفف عنا لما حصلتم ها هنا فكيف بلغكم أمرنا فقلت‏:‏ ولي الوزارة علي عيسى وبلغه حالكم ففعل كذا وكذا فضجوا بالدعاء والبكاء وسمعت امرأة منهم تقول مر يا علي بن عيسى لانسي الله لك هذا الفعل‏!‏ فلما سمع الوزير ذلك أجهش بالبكاء وسجد شكرًا لله تعالى فقلت‏:‏ أيها الوزير أسمعك كثيرًا تتبرم بالوزارة فهل كنت تقدر على تحصيل هذا الثواب لولا الوزارة فشكر لي وانصرفت‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر عن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال‏:‏ حدثني جماعة من أهل الحضرة أن رجلًا بالكرخ كان مشهورًا بالستر وارتكبه دين فقام عن دكانه ولزم منزله وأقبل على الدعاء والصلاة ليالي كثيرة فلما كانت ليلة الجمعة صلى صلاته ودعا ونام قال‏:‏ فأريت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول‏:‏ اقصد علي بن عيسى الوزير فقد أمرته لك بأربعمائة دينار فخذها وأصلح بها أمرك‏.‏

قال‏:‏ وكان علي قيمة ستمائة دينار فلما كان من غد قلت‏:‏ قد قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من رآني في المنام فقد رآني حقًا الشيطان لايتمثل بي ‏"‏ فلم لا أقصد الوزير فجئت الباب فمنعت من الوصول إليه فجلست إلى أن ضاق صدري وهممت بالانصراف فخرج صاحبه وكان يعرفني معرفة ضعيفة فأخبرته فقال‏:‏ يا هذا الوزير والله في طلبك منذ السحر وإلى الآن وقد سأل عنك فما عرفك أحد والرسل مبثوثة في طلبك فكن مكانك فقال‏:‏ ومضى ودخل فما كان بأسرع من أن دعوني فدخلت إلى الوزير فقال لي‏:‏ ما اسمك فقلت فلان ابن فلان العطار‏.‏

قال‏:‏ من أهل الكرخ قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال يا هذا أحسن الله جزاءك في قصدك إياي فوالله ما تهنأت بعيش منذ البارحة جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي فقال‏:‏ ‏"‏ أعط فلان ابن فلان العطار من الكرخ أربعمائة دينار يصلح بهما شأنه ‏"‏ وكنت اليوم طول نهاري في طلبك وما عرفك أحد ثم قال‏:‏ هاتوا ألف دينار فحملوها فقال‏:‏ هذه أربعمائة دينار خذها امتثالًا لأمر رسول صلى الله عليه و سلم وستمائة هبة مني لك فقلت‏:‏ أيها الوزير ما أحب أن أزاد على عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أرجو البركة فيه لا فيما عداه فبكى علي بن عيسى وقال‏:‏ هذا هو اليقين خذ ما بدا لك فأخذت أربعمائة دينار فانصرفت فقصصت قصتي على صديق لي وأريته الدنانير وسألته أن يحضر غرمائي ويتوسط بيني وبينهم ففعل فقالوا‏:‏ نحن نؤخره ثلاث سنين بالمال فليفتح دكانه فقلت‏:‏ لا بل يأخذون مني الثلث من أموالهم وكانت ستمائة فأعطيت كل من له شيء ثلث ماله فكان الذي فرقت بينهم مائتي دينار و فتحت دكاني وأدرت المائتين الباقية في الدكان فما حال الحول إلا ومعي ألف دينار فقضيت ديني كله وما زالت حالتي تزيد وتصلح‏.‏

توفي علي بن عيسى في السنة وقيل‏:‏ في سنة أربع وثلاثين عن تسع وثمانين سنة‏.‏

محمد بن أحمد بن الربيع بن سليمان بن أبي مريم أبو رجاء الأسواني الشاعر الفقيه‏.‏

كتب عنه علي بن عبد العزيز وكان فقيهًا على مذهب الشافعي وكان فصيحًا رصينًا وله قصيدة تضمن فيها أخبار العالم فذكر قصص الأنبياء نبيًا نبيًا وسئل قبل موته بنحو من سنتين‏:‏ كم بلغت قصيدتك إلى الآن فقال ثلاثين و مائة ألف بيت وقد بقي علي منها أشياء أحتاج إلى زيادتها فيها ونظم فيها الفقه ورقم كتاب المزني وكتب الطب محمد بن أحمد بن سليمان أبو الفضل ابن القواس حدث عن إسحاق بن سنين الختلي وروى عنه الدارقطني أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ قرأت بخط أبي الفتح بن مسروق أن محمد بن أحمد بن سليمان توفي ببغداد في أول سنة خمس وثلاثين وثلثمائة وقالوا‏:‏ كان ثقة‏.‏

محمد بن إسماعيل بن إسحاق بن بحر أبو عبد الله الفارسي كان يتفقه على مذهب الشافعي وحدث عن أبي زرعة الدمشقي وغيره وروى عنه الدارقطني وغيره وآخر من حدث عنه أبوعمر بن مهدي وكان ثقة ثبتًا فاضلًا وتوفي في شعبان هذه السنة‏.‏

محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عثمان أبو بكر بن أبي يعقوب القرىء حدث عن محمد بن عبيد الله المنادي وغيره وكان صدوقًا‏.‏

محمد بن جعفر بن أحمد بن يزيد من أهل مطيرة سر من رأى سكن بغداد وحدث بها عن الحسن بن عرفة وعلي بن حرب وعباس الدوري وغيرهم وكان حافظًا روى عنه الدارقطني وقال‏:‏ هو ثقة مأمون وابن شاهين وقال‏:‏ كان صدوقًا ثقة وتوفي في صفر هذه السنة‏.‏

هارون بن محمد بن هارون بن علي بن عيسى بن موسى بن عمرو بن جابر بن يزيد ابن جابر بن عامر بن أسيد بن تيم بن صبح بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة أبو جعفر والد القاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون وكان أسلافه ملوك عمان في قديم الزمان وكان أول من دخل عمان من ملوك بني ضبة فتملك بها ثم لم تزل ولده من بعده يرثون هناك السيادة والشرف ويزيد بن جابر أدركه الإسلام فأسلم وحسن إسلامه وأول من انتقل منهم من عمان‏:‏ هارون بن محمد فسكن بغداد وحدث بها روى عنه ابنه‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا عبد الكريم ابن محمد الحاملي قال‏:‏ أخبرنا علي بن عمر الدارقطني وذكر هارون بن محمد فقال‏:‏ استولى على الفضائل وساد بعمان في حداثة سنة ثم خرج منها فلقي العلماء بمكة والكوفة والبصرة ودخل مدينة السلام سنة خمس وثلثمائة فعلت منزلته عند السلطان وارتفع قدره وانتشرت مكارمه وعطاياه وانفق أمواله وانتابه الشعراء من كل موضع وامتدحوه فأكثروا وأجزل صلاتهم وأنفق أمواله في بر العلماء والإفضال عليهم وفي صلات الأشراف من الطالبيين والعباسيين وغيرهم واقتناء الكتب المنسوبة وكان مبرزًا في العلم واللغة والشعر والنحو ومعاني القرآن والكلام وكانت داره مجمعًا لأهل العلم في كل فن إلى أن توفي في سنة خمس وثلاثين وثلثمائة

 ثم دخلت سنة ست وثلاثين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها أنه ظهر كوكب مذنب في صفر من ناحية المشرق طوله نحو ذراعين فمكث عشرة أيام ثم اضمحل‏.‏

وسار الخليفة ومعز الدولة من واسط في البرية على الطفوف فلما صار في البرية ورد على معز الدولة رسول من الهجريين القرامطة من هجر بكتاب منهم إليه باللوم على سلوكه البرية بغير أمرهم إذ كانت لهم فلم يجبهم عن الكتاب وقال للرسول يقول لهم‏:‏ ومن أنتم حتى تستأذنوا في سلوك البرية وكأني أنا أقصد البصرة قصدي إنما هو بلدكم وإليكم أخرج من البصرة بعد فتحي ولما افتتح معز الدولة البصرة قطع عن الخليفة الألفي درهم التي كان يقيمها له في كل يوم لنفقته وعوضه عنها ضياعًا من ضياع البصرة وغيرها زيادة على قدر ضياع الخليفة بنحو مائتي ألف دينار في السنة ثم نقص ارتفاعها على ممر السنين حتى صار خمسين ألف دينار في السنة‏.‏

وورد الكتاب بتقلد القاضي أبي السائب عتبة بن عبيد الله القضاء في الجانب الغربي ومدينة أبي جعفر مكان القاضي أبي الحسين محمد بن صالح فاجتمعت له مدينة السلام‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن جعفر محمد بن عبيد الله بن يزيد أبو الحسين ابن المنادي ولد لثمان عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ست وخمسين ومائتين وسمع جده محمد بن عبيد الله ومحمد بن إسحاق الصاغاني والعباس بن محمد الدوري وخلقًا كثيرًا وكان ثقة أمينًا ثبتًا صدوقًا ورعًا حجة صنف كتبًا كثيرة وجمع علومًا جمة ولم يسمع كلام الناس من مصنفاته إلا أقلها لشراسة خلقه وروى عنه جماعة آخرهم محمد بن فارس الغوري‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثني أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الصيرفي قال‏:‏ كان أبو الحسين بن المنادي صلب الدين صلب الطريقة شرس الأخلاق فلذلك لم تنتشر عنه الرواية‏:‏ قال‏:‏ وقال لي أبو الحسن بن الصلت‏:‏ كنا نمضي مع ابن قاح الوراق إلى أبي الحسين بن المنادي نسمع منه فإذا وقفنا ببابه خرجت إلينا جارية له وقالت‏:‏ كم أنتم فنخبرها بعددنا ويؤذن لنا في الدخول ويحدثنا فحضر مرة إنسان علوي وغلام له فلما استأذنا قالت الجارية‏:‏ كم أنتم فقلنا نحو الثلاثة عشر‏.‏

وما كنا حسبنا العلوي ولا غلامه في العدد فدخلنا عليه فلما رآنا خمسة عشر نفسًا قال لنا‏:‏ انصرفوا اليوم فلست أحدثكم‏.‏

فانصرفنا وظننا أنه عرض له شغل ثم عدنا إليه مجلسًا ثانيًا فصرفنا ولم يحدثنا فسألناه بعد عن السبب الذي أوجب ترك التحديث لنا فقال‏:‏ كنتم تذكرون عدتكم في كل مرة للجارية وتصدقون ثم كذبتم في المرة الأخيرة ومن كذب في هذا المقدار لم يؤمن أن يكذب فيما هو أكثر منه‏.‏

قال فاعتذرنا إليه وقلنا‏:‏ نحن نتحفظ فيما بعد فحدثنا أو كما قال‏.‏

ونقلت من خط أبي يوسف القزويني قال‏:‏ أبو الحسين بن المنادي من القراء المجودين ومن أصحاب الحديث الكبار وله في علوم القرآن أربعمائة كتاب ونيف وأربعون كتابًا أعرف منها واحدًا وعشرين كتابًا أو دونها وسمعت بالباقين وكان من المصنفين ولا نجد في كلامه شيئًا من الحشو بل هو نقي الكلام وجمع الرواية والدراية‏.‏

قال المصنف‏:‏ وقد وقع إلي من مصنفاته قطعة بحظه وفيها من الفوائد ما لا يكاد يوجد في كتاب ومن تأمل مصنفاته عرف قدر الرجل توفي في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة الخيزران‏.‏

أحمد بن إبراهيم بن عبدالله بن معاوية أبو الحسن حدث عن أحمد بن حماد وكان ثقة صالحًا‏.‏

وتوفي في رمضان هذه السنة‏.‏

أحمد بن الحسين ماناج أبو العباس الاصطخري الفارسي كان رجلًا صالحًا زاهدًا روى الحديث وأملاه وتوفي بمصر في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

ريطة بنت عبيد الله العايدة صحبت أبا عثمان النيسابوري وأقرانه وحفظت عنهم من كلامهم وصلت حتى أقعدت وكان مشايخ الزهاد يزورونها وتوفيت في محرم هذه السنة‏.‏

عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أبو عمر وقيل أبو محمد الخطابي حدث عن الدراوردي روى عنه أبو بكر الأثرم والبغوي وكان ثقة‏.‏

توفي في ربيع الآخر بالبصرة في هذه السنة‏.‏

عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن سعد أبو محمد الزهري ولد سنة سبع وخمسين ومائتين وسمع عباسًا الدوري وروى عنه ابن شاهين وكان ثقة وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

محمد بن أحمد بن أحمد بن حماد أبو العباس بن الأثرم المقري هكذا نسبه الدارقطني والمحسن بن علي التنوخي وأبو عمر الهاشمي وكان أبو بكر بن شاذان يسقط جده أحمد ويجعل حمادًا هو الجد ولد في سنة أربعين ومائتين وسمع الحسن بن عرفة وعلي بن حرب وعباسًا الدوري وكتب الناس عنه بانتقاء عمر البصري وحدث عنه محمد بن المظفر والدارقطني وغيرهما وهو ثقة وتوفي في هذه السنة‏.‏

الحكيمي ولد في ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين ومائتين وسمع زكريا بن يحيى بن أسد المروزي ومحمد بن إسحاق الصاغاني والعباس بن محمد الدوري في آخرين‏.‏

روى عنه الدارقطني وأبو عمر بن حيويه وغيرهما قال البرقاني‏:‏ هو ثقة إلا أنه يروي مناكير

أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال‏:‏ قرأت بخط أبي الحسن بن الفرات‏:‏ توفي الحكيمي يوم الخميس لأثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين وثلثمائة ودفن يوم الجمعة‏.‏

محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول أبو بكر الصولي كان أحد العلماء بفنون الآداب وحسن المعرفة بأخبار الملوك وأيام الخلفاء ومآثر الأشراف وطبقات الشعراء وحدث عن أبي داود السجستاني وثعلب والمبرد وأبي العيناء والكديمي وأبي رويق وخلق كثير وكان واسع الرواية حسن الحفظ حاذقًا بتصنيف الكتب وكان له بيت عظيم مملوء كتبًا وكان يقول‏:‏ كل هذه الكتب سماعي‏.‏

ونادم جماعة من الخلفاء وصنف سيرهم وله أبوة حسنة فإن جده صول وأهله كانوا ملوك جرجان ثم رأس أولاد صول في الكتابة وتقلد الأعمال السلطانية وكان أبو بكر حسن الاعتقاد جميل الطريقة وله شعر حسن أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أنشدني أبو القاسم الأزهري قال‏:‏ أنشدنا عبيد الله بن محمد المقرئ قال أنشدنا أبو بكر الصولي لنفسه‏:‏ أحببت من أجله من كان يشبهه وكل شيء من المعشوق معشوق حتى حكيت بجسمي ما بمقلته كأن سقمي من جفنيه مسروق ومن أشعاره‏:‏ شكى إليك ما وجد من خانه فيك الجلد لهفان إن شئت اشتكي ظمآن إن شئت ورد صب إذا رام الكرى نبهه لذع الكمد يا أيها الظبي الذي تصرع عيناه الأسد أما لأسراك فدىً أما لقتلاك قود ماذا على من جار في أحكامه لو اقتصد ما ضره لو أنه أنجز ما كان وعد هان عليه سهري في حبه لما رقد وقال أبو الصولي‏:‏ حضرت باب علي بن عيسى الوزير ومعنا جماعة من أجلاء الكتّاب فقدمت دواة وكتبت‏:‏ خلفت على باب ابن عيسى كأنني قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل إذا جئت أشكو طول فقري وخلتي يقولان لا تهلك أسى وتجمل ففاضت دموع العين من قبح ردهم على النحر حتى بلّ دمعي محملي لقد طال تردادي وقصدي إليهم فهل عند رسم دارس من معول فنما الخبر إليه فاستدعاني وقال‏:‏ يا صولي فهل عند رسم دارس من معول فاستحييت وقلت‏:‏ أيد الله الوزير ما بقي شيء وأنا كما ترى فأمر لي بخمسة آلاف درهم فأخذتها وانصرفت خرج أبو بكر الصولي لإضاقة يد عن بغداد فتوفي بالبصرة في هذه السنة‏.‏

ابنة أبي الحسن المكي‏:‏ أنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال‏:‏ حدثني عبيد الله بن أحمد بن بكير قال‏:‏ كان لأبي الحسن المكي ابنة مقيمة بمكة أشد ورعًا منه وكانت لا تقتات إلا ثلاثين درهمًا ينفذها إليها أبوها في كل سنة مما يسفضله من ثمن الخوص الذي يسفه ويبيعه فأخبرني ابن الرواس التمار وكان جاره قال‏:‏ جئته أودعه للحج وأستعرض حاجته وأسأله أن يدعو لي فسلم إلي قرطاسًا وقال‏:‏ لتسأل بمكة في الموضع الفلاني عن فلانة وتسلم هذا إليها فعلمت أنها ابنته فأخذت القرطاس وجئت فسألت عنها فوجدتها بالعبادة والزهد أشد اشتهارًا من أن تخفى فطمعت نفسي أن يصل إليها من مالي شيء يكون لي ثوابه وعلمت أنني إن دفعت إليها ذلك لم تأخذه ففتحت القرطاس وجعلت الثلاثين خمسين درهمًا ورددته كما كان وسلمته إليها فقالت‏:‏ أي شيء خبر أبي فقلت‏:‏ على السلامة فقالت‏:‏ قد خالط أهل الدنيا وترك الانقطاع إلى الله تعالى فقلت‏:‏ لا‏.‏

قالت‏:‏ فأسألك عن شيء أتصدقني بالله وبمن حججت إليه إن سألتك عن شيء فتصدقني فقلت‏:‏ نعم فقالت‏:‏ خلطت في هذه الدراهم بشيء من عندك فقلت‏:‏ نعم فمن أين علمت بهذا فقالت‏:‏ ما كان أبي يزيدني على الثلاثين شيئًا لأن حاله لا تحتمل أكثر منها إلا أن يكون ترك العبادة فلو أخبرتني بذلك ما أخذت منه أيضًا شيئًا ثم قالت لي‏:‏ خذ الجميع فقد عققتني من حيث قدرت أنك بررتني ولا آخذ من مال لا أعرف كيف هو شيئًا‏.‏

فقلت خذي منها ثلاثين درهمًا كما أنفذ إليك أبوك وردي الباقي‏.‏

فقالت‏:‏ لو عرفتها بعينها من جملة الدراهم لأخذتها ولكن قد اختلطت بما لا أعرف جهته فلا آخذ منها شيئًا‏!‏ وأنا الآن أقتات إلى الموسم الآخر من المزابل لأن هذه كانت قوتي طول السنة فقد اجعتني ولولا أنك ماقصدت أذاي لدعوت عليك قال‏:‏ فاغتممت وانحدرت إلى البصرة وجئت إلى أبي الحسن فأخبرته واعتذرت إليه فقال‏:‏ لا آخذها وقد اختلطت بغير مالي وقد عققتني وإياها قال‏:‏ فقلت‏:‏ ما أعمل بالدراهم قال‏:‏ لا أدري‏!‏ فما زلت مدة أعتذر إليه وأسأله ما أعمل بالدراهم فقال لي بعد مدة تصدق بها ففعلت‏.‏