فصل: أمر مروان بن الحكم أهل الشام بعقد البيعة لابنيه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

ربيعة بن كعب الأسلمي

أسلم قديمًا وكان من أهل الصفة وكان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبيت على بابه لحوائجه ويغزو معه فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فنزل يين وهي من بلاد أسلم وهي على بريد من المدينة وبقي إلى أيام الحرة‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن مالك قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثنا يعقوب قال‏:‏ حدثنا أبي عم ابن إسحاق قال‏:‏ حدثني محمد بن عمرو بن عطاء عن نعيم عن ربيعة بن كعب قال‏:‏ كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة فأجلس ببابه إذا دخل بيته أقول‏:‏ لعله أن تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة فما أزال أسمعه يقول‏:‏ سبحان الله سبحان الله سبحان الله وبحمده حتى أمل فارجع أو تغلبني عيني فأرقد‏.‏

قال‏:‏ فقال لي يومًا لما يرى من خفتي له وخدمتي إياه‏:‏ ياربيعة سلني أعطك‏.‏

قال‏:‏ فقلت‏:‏ أنظر في أمري يا رسول الله ثم أعلمك ذلك قال‏:‏ ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقًا سيكفيني ويأتيني‏.‏

قال‏:‏ فقلت‏:‏ أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي فإنه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به قال‏:‏ فجئته فقال‏:‏ ما فعلت يا ربيعة قال‏:‏ فقلت‏:‏ نعم يا رسول الله أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار قال‏:‏ فقال‏:‏ ‏"‏ من أمرك بهذا يا ربيعة ‏"‏ قال‏:‏ فقلت‏:‏ لا والله الذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في أمري وعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقًا سيأتيني فقلت‏:‏ أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخرتي قال‏:‏ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلًا ثم قال لي‏:‏ ‏"‏ إني لفاعل ذلك فأعني على نفسك بكثرة السجود ‏"‏‏.‏

عبد الله بن حنظلة

الغسيل ابن أبي عامر الراهب‏:‏ كان حنظلة لما أراد الخروج إلى أحد وقع على امرأته جميلة فعلقت بعبد الله في شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرًا من الهجرة وقتل حنظلة يومئذ شهيدًا فغسلته الملائكة فيقال لولده‏:‏ بنو غسيل الملائكة وولدت جميلة عبد الله فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعبد الله سبع سنين‏.‏

ولما وثب أهل المدينة ليالي الحرة فأخرجوا بني أمية عن المدينة وأظهروا عيب يزيد أجمعوا على عبد الله فأسندوا أمرهم إليه فبايعهم على الموت وقال‏:‏ يا قوم اتقوا الله وحده فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء إن رجلًا ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت فيه بلاء حسنًا‏.‏فتواثب الناس يومئذ يبايعون من كل النواحي‏.‏

وما كان لعبد الله بن حنظلة تلك الليالي مبيت إلا المسجد فلما دخلوا المدينة قاتل حتى قتل يومئذ‏.‏

أبو عائشة الهمداني

واسمه مسروق بن الأجدع بن مالك‏:‏ سرق وهو صغير ثم وجد فسمي مسروقًا‏.‏

ورأى أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا وابن مسعود وحضر مع علي حرب الخوارج بالنهروان وقال عمر بن الخطاب‏:‏ ما اسمك فقال‏:‏ مسروق بن الأجدع فقال‏:‏ مسروق بن عبد الرحمن‏.‏

وعمرو بن معدي كرب خال مسروق‏.‏

وقال ابن المديني‏:‏ ما أقدم على مسروق أحدًا من أصحاب عبد الله‏.‏

أخبرنا ابن منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد المعدل قال‏:‏ أخبرنا دعلج قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن أبي طالب قال‏:‏ حدثنا أبو كريب قال‏:‏ حج مسروق فلم ينم إلا ساجدًا على وجهه حتى رجع‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثنا ابن رزق قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سلمان قال‏:‏ حدثنا ابن أبي الدنيا قال‏:‏ حدثني أزهر بن مروان قال‏:‏ حدثنا حماد بن زيد عن أنس بن سيرين أن امرأة مسروق قالت‏:‏ كان يصلي حتى ورمت قدماه فربما جلست خلفه أبكي مما أراه يصنع بنفسه‏.‏

توفي مسروق رضي الله عنه بالكوفة في هذه السنة وهي سنة ثلاث وستين وله ثلاث وستون سنة‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وستين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 مسير أهل الشام إلى مكة لحرب عبد الله بن الزبير

ومن كان على مثل رأيه في الامتناع على يزيد بن معاوية قال علماء السير‏:‏ لما فرغ مسلم بن عقبة من قتال أهل المدينة وإنهاب جنده أموالهم ثلاثًا شخص بمن معه من الجند متوجهًا نحو مكة وخلف على المدينة روح بن زنباع الجذامي‏.‏

فسار ابن عقبة حتى إذا انتهى إلى فقا المشلل نزل به الموت وذلك في آخر المحرم سنة أربع وستين فدعا حصين بن نمير السكوني فقال له‏:‏ يا برذعة الحمار أما لو كان هذا الأمر إلي ما وليتك هذا الجند ولكن أمير المؤمنين ولاك بعدي وليس لأمر مترك أسرع المسير ولا تؤخر ابن الزبير ثلاثًا حتى تناجزه ثم قال‏:‏ اللهم إني لم أعمل عملًا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله أحب إلي من قتل أهل المدينة ولا أرجى عندي في الآخرة‏.‏

ومات فدفن بالمشلل‏.‏

ثم خرج الحصين بن نمير بالناس فقدم على ابن الزبير مكة لأربع بقين من المحرم فحاصر ابن الزبير أربعًا وستين يومًا حتى جاءهم - يعني يزيد بن معاوية - لهلال ربيع الآخر وكان القتال في هذه المدة شديدًا وقذف البيت بالمجانيق في يوم السبت ثالث ربيع الأول وأحرق بالنار وكانوا يرتجزون ويقولون‏:‏ كيف ترى صنيع أم فروة تأخذهم بين الصفا والمروة يريدون بأم فروة‏:‏ المنجنيق‏.‏

وروى الواقدي عن أشياخه‏:‏ أنهم كانوا يوقدون حول البيت فأقبلت شرارة فأحرقت ثياب الكعبة وخشب البيت في يوم السبت ثالث ربيع الأول‏.‏

وروى المدائني عن أبي بكر الهذلي قال‏:‏ لما سار أهل الشام فحاصروا ابن الزبير سمع أصواتًا من الليل فوق الجبل فخاف أن يكون أهل الشام قد وصل إليه وكانت ليلة ظلماء ذات ريح شديدة ورعد وبرق فرفع نارًا على رأس رمح لينظر إلى الناس فأطارتها الريح فوقعت على أستار الكعبة فاحرقتها واستطارت فيها وجهد الناس في إطفائها فلم يقدروا فأصبحت الكعبة تتهافت وماتت امرأة من قريش فخرج الناس كلهم مع جنازتها خوفًا من أن ينزل العذاب عليهم وأصبح ابن الزبير ساجدًا يدعو ويقول‏:‏ اللهم إني لم أعتمد ما جرى فلا تهلك عبادي بذنبي وهذه ناصيتي بين يديك‏.‏

فلما تعالى النهار أمن الناس وتراجعوا فقال لهم‏:‏ ينهدم في بيت أحدكم حجر فيبنيه ويصلحه وأترك الكعبة خرابًا‏.‏

ثم هدمها مبتدئًا بيده وتبعه الفعلة إلى أن بلغوا إلى قواعدها ودعى بنائين من الفرس والروم‏.‏

فبناها‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ جاء نعي يزيد بن معاوية لهلال ربيع الآخر‏.‏

وفيها‏:‏

 بويع لمعاوية بن يزيد بالشام بالخلافة ولعبد الله بن الزبير بالحجاز

ولما هلك يزيد مكث الحصين بن نمير وأهل الشام يقاتلون ابن الزبير ولا يعلمون بموت يزيد أربعين يومًا وقد حصروهم حصارًا شديدًا وضيقوا عليهم فبلغ موته ابن الزبير قبل أن يبلغ حصين فصاح بهم ابن الزبير‏:‏ إن طاغيتكم قد هلك فمن شاء منكم أن يدخل فيما دخل فيه الناس فليفعل ومن كره فليلحق بشآمه فما صدقوا حتى قدم ثابت بن قيس بن المنقع النخعي فأخبر الحصين بذلك فبعث الحصين بن نمير إلى ابن الزبير‏:‏ موعد ما بيننا وبينك الليلة الأبطح‏.‏

فالتقيا فقال له الحصين‏:‏ إن يك هذا الرجل قد هلك فأنت أحق بهذا الأمر هلم فلنبايعك ثم اخرج معي إلى الشام فإن هذا الجند الذين معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم فوالله لا يختلف عليك اثنان وتؤمن الناس وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك‏.‏

فقال‏:‏ لا افعل ولأقتلن بكل رجل عشرة‏.‏

فقال الحصين‏:‏ قد كنت أظن أن لك رأيًا أنا أدعوك إلى الخلافة وأنت تعدني بالقتل‏.‏

ثم خرج وصاح في الناس فأقبل بهم نحو المدينة وندم ابن الزبير على ما صنع فأرسل إليه‏:‏ أما أن أسير إلى الشام فلست فاعلًا لأني أكره الخروج من مكة ولكن بايعوا لي هناك فإني مؤمنكم‏.‏ فقال الحصين‏:‏ أرأيت إن لم تقدم بنفسك ووجدت هناك أناسًا كثيرًا من أهل هذا البيت يطلبونها يجيبهم الناس فما أنا صانع فأقبل بأصحابه ومن معه نحو المدينة فاستقبله علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب واجترأ أهل المدينة وأهل الحجاز على أهل الشام فذلوا حتى كان لا ينفرد منهم رجل إلا أخذ بلجام دابته فنكس عنها‏.‏

فقالت لهم بنو أمية‏:‏ لا تبرحوا حتى تحملونا معكم إلى الشام ففعلوا ومضى ذلك الجيش حتى دخلوا الشام وقد أوصى يزيد بالبيعة وفي هذه السنة‏:‏ بايع أهل البصرة عبيد الله بن زياد على أن يقوم لهم بأمرهم حتى يصطلح الناس على إمام يرتضونه لأنفسهم ثم أرسل عبيد الله رسولًا إلى أهل الكوفة يدعوهم إلى مثل ذلك فأبوا عليه وحصبوا الوالي الذي كان عليهم‏.‏

وذلك أنه لما بلغت عبيد الله وفاة يزيد قام خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه وقال‏:‏ يا أهل البصرة لقد وليتكم وما أحصى ديوان مقاتلتكم إلا سبعين ألف مقاتل ولقد أحصى اليوم ثمانين ألف مقاتل وما أحصى ديوان عمالكم إلا تسعين ألفًا ولقد أحصى اليوم مائة ألف وأربعين ألفًا وما تركت لكم ذا ظنة أخافه عليكم إلا وهو في سجنكم وإن أمير المؤمنين يزيد قد توفي وقد اختلف أهل الشام وأنتم اليوم اكثر الناس عددًا وأوسعهم بلادًا وأغنى عن الناس فاختاروا لأنفسكم رجلًا ترضونه لدينكم وجماعتكم فأنا أول راض من رضيتموه فإن اجتمع أهل الشام على رجل ترضونه دخلتم فيما دخل فيه المسلمون وإن كرهتم ذلك كنتم على جديلتكم حتى تعطوا حاجتكم فما لكم إلى أحد من أهل البلدان حاجة‏.‏

فقامت خطباء أهل البصرة فقالوا‏:‏ والله ما نعلم أحدًا أقوى منك عليها فهلم نبايعك فقال لا حاجة لي في ذلك فاختاروا لأنفسكم فأبوا غيره وأبى عليهم حتى كرروا ذلك ثلاث مرات‏.‏

فلما أبوا بسط يده فبايعوه‏.‏

ثم خرجوا يمسحون أكفهم بباب الدار وحيطانه وجعلوا يقولون‏:‏ أظن ابن مرجانة أنا نوليه أمرنا في الفرقة فكان يامر بالأمر فلا ينفذ ويرى الرأي فيرد عليه رأيه‏.‏

فأقام كذلك ثلاثة أشهر وقدم مسلمة بن ذؤيب فدعا الناس إلى بيعة ابن الزبير فمالوا إليه وتركوا ابن زياد فكان في بيت المال تسعة عشر ألف ألف ففرق ابن زياد بعضها في بني أمية وحمل الباقي معه وخرج في الليل يتخفى فعرفه رجل فضربه بسهم فوقع في عمامته وأفلت فطلبوه فمات وانتهبوا ما وجدوا له فطلب الناس من ثار عليهم فبايعوا عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم فولي أمرهم أربعة أشهر ثم ولي عبيد الله بن معمر على البصرة‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 وقع الطاعون الجارف بالبصرة

فماتت أم ابن معمر الأمير فما وجدوا من يحملها حتى استأجروا لها أربعة أنفس وكان وقوع هذا الطاعون أربعة أيام فمات في اليوم الأول سبعون ألفًا وفي اليوم الثاني واحد وسبعون ألفًا وفي اليوم الثالث ثلاثة وسبعون ألفًا وأصبح الناس في اليوم الرابع موتى إلا قليلًا من الآحاد‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال‏:‏ أنبأنا أحمد بن أحمد الحداد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال‏:‏ حدثنا عبيد الله قال‏:‏ حدثنا أحمد بن عصام قال‏:‏ حدثني معدي عن رجل يكنى أبا كنا نطوف في القبائل وندفن الموتى ولما كثروا لم نقو على الدفن فكنا ندخل الدار قد مات أهلها فنسد بابها قال‏:‏ فدخلنا دارًا ففتشناها فلم نجد فيها أحدًا حيًا فسددنا بابها فلما مضت الطواعين كنا نطوف على القبائل ننزع تلك السدد التي سددناها فانتزعنا سد ذلك الباب الذي دخلناه ففتشنا الدار فلم نجد أحدًا حيًا فإذا نحن بغلام في وسط الدار طري دهين كأنما أخذ ساعته من حجر أمه‏.‏

قال‏:‏ ونحن وقوف على الغلام نتعجب منه فدخلت كلبة من شق في الحائط تلوذ بالغلام والغلام يحبو إليها حتى مص من لبنها فقال معدي‏:‏ رأيت هذا الغلام في مسجد البصرة قد قبض على لحيته‏.‏

وقيل‏:‏ كان هذا الطاعون في سنة تسع وستين‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 طرد أهل الكوفة عمرو بن حريث وأمّروا عامر بن مسعود

وكان ابن زياد قد قتل من الخوارج ثلاثة عشر ألفًا وحبس أربعة آلاف فلما هلك يزيد قام خطيبًا فقال‏:‏ إن الذي كنا نقاتل عن طاعته قد مات فإن أمرتموني جبيت فيئكم وقاتلت عدوكم‏.‏

وبعث بذلك إلى أهل الكوفة مقاتل بن مسمع وسعيد بن قرحا المازني فقام عمرو بن حريث وقال‏:‏ إن هذين الرجلين قد أتياكم من قبل أميركم يدعوانكم إلى أمر يجمع الله به كلمتكم فاسمعوا لهما فقام ابن الحارث وهو يزيد فقال‏:‏ الحمد لله الذي أراحنا من ابن سمية فأمر به عمرو إلى السجن فحالت بينه وبينه بكر وصعد عمرو المنبر فحصبوه فدخل داره واجتمع الناس في المسجد وقالوا‏:‏ نؤمر رجلًا إلى أن يجتمع الناس على خليفة فأجمعوا على عمرو بن سعد بن أبي وقاص ثم أجمعوا على عامر بن مسعود وكتبوا بذلك إلى ابن الزبير فأقره واجتمع لابن الزبير أهل البصرة وأهل الكوفة ومن قبله من العرب وأهل الشام وأهل الجزيرة إلا أهل الأردن‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 بويع لمروان بالخلافة في الشام

وسبب ذلك أن ابن الزبير كتب إلى عامله بالمدينة أن يخرج بني أمية فخرجوا وخرج معهم مروان بن الحكم إلى الشام - وعبد الملك يومئذ ابن ثمان وعشرين سنة فكان من رأي مروان أن يرحل إلى ابن الزبير ويبايعه‏.‏

فقدم عبيد الله بن زياد فاجتمعت عنده بنو أمية فقال لمروان‏:‏ استحييت لك مما تريده أنت كبير قريش وسيدها تصنع ما تصنع فقال‏:‏ والله ما فات شيء بعد فقام معه بنو أمية ومواليهم فبايعوه بالجابية لثلاث خلون من ذي القعدة وتجمع إليه أهل اليمن فسار وهو يقول‏:‏ ما فات شيء بعد فقدم دمشق وقد بايع أهلها الضحاك بن قيس الفهري على أن يصلي بهم ويقيم لهم أمرهم حتى يجتمع أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكان ابن الضحاك يهوى هوى ابن الزبير فيعمل في ذلك سرًا خوفًا من بني أمية وثار زفر بن الحارث الكلابي بقنسرين يبايع لابن الزبير واختلف أهل دمشق فخرج مروان فقتله وقتل أصحابه وقتل النعمان بن بشير الأنصاري - وكان على حمص - وأطبق أهل الشام على مروان فخرج مروان حتى أتى مصر وعليها عبد الرحمن بن جحدم القرشي يدعو إلى ابن الزبير فخرج إليه فيمن معه من بني فهر وبعث مروان عمرو بن سعيد الأشدق من ورائه حتى دخل مصر وقام على منبرها للناس وأمر مروان الناس فبايعوه ثم رجع إلى دمشق حتى إذا دنا منها بلغه أن ابن الزبير قد بعث أخاه مصعب بن الزبير نحو فلسطين فسرح إليه مروان عمرو بن سعيد الأسدي في جيش فاستقبله قبل أن يدخل الشام فقاتله فهزم أصحاب مصعب‏.‏

وقيل لمروان‏:‏ إنما ينظر الناس إلى هذا الغلام - يعنون خالد بن يزيد بن معاوية - فتزوج أمه فيكون في حجرك فتزوجها ثم جمع بني أمية فبايعوه‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 بايع أهل خراسان سالم بن زياد

بعد موت يزيد بن معاوية وبعد موت ابنه معاوية على أن يقوم بأمرهم حتى يجتمع الناس على خليفة‏.‏

وفيها كانت‏:‏

 فتنة عبد الله بن خازم بخراسان

وذلك أن سالم بن زياد بعث بما أصاب من هدايا سمرقند وخوارزم إلى يزيد بن معاوية مع عبد الله بن خازم وأقام سلم واليًا على خراسان حتى مات يزيد وابنه معاوية فلما بلغه ذلك دعا الناس إلى البيعة على الرضا حتى يستقيم الناس على خليفة فبايعوه وكانوا يحبونه حتى أنهم سمّوا في سني ولايته أكثر من عشرين ألف مولود بسلم‏.‏وأقاموا على بيعته شهرين ثم نكثوا‏.‏

فخرج عن خراسان وخلف عليها المهلب بن أبي صفرة فلقيه عبد الله بن خازم فقال له‏:‏ اكتب لي عهدًا على خراسان فكتب له فقال‏:‏ أعني الآن بمائة ألف درهم ففعل وأقبل فغلب على مرو وجرت له حروب كثيرة‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 تحركت الشيعة بالكوفة

واتعدوا للاجتماع بالنخيلة بالمسير إلى أهل الشام للطلب بدم الحسين عليه السلام وتكاتبوا في ذلك‏.‏

ومنذ قتل الحسين عليه السلام كانوا يتلاومون بينهم ويندمون على ترك نصرته فرأوا أنهم قد جنوا جناية لا يكفرها إلا الطلب بدمه‏.‏

فاجتمع من ملأهم جماعة في بيت سليمان بن صرد وتعاهدوا وجاءوا بأموال يجهزون بها من يعينهم وكاتبوا شيعتهم وضربوا أجلًا ومكانًا فجعلوا الأجل غرة شهر ربيع الآخر من سنة خمس وستين والموطن النخيلة وابتدأوا في أمورهم في سنة إحدى وستين وهي السنة التي قتل فيها الحسين عليه السلام وما زالوا في الاستعداد ودعاء الناس في السر حتى مات يزيد فخرجت حينئذ منهم دعاة يدعون الناس فاستجاب لهم خلق كثير‏.‏

وكان عبد الله بن زياد قد حبس المختار بن أبي عبيد لعلمه بميله إلى شيعة علي فكتب ابن عمر إلى يزيد‏:‏ أن ابن زياد قد حبس المختار وهو صهري فإن رأيت أن تكتب إلى ابن زياد يخليه فكتب إليه يأمره بتخليته فدعاه وقال‏:‏ قد أجلتك ثلاثًا فإن أدركتك بالكوفة بعدها برئت منك الذمة فخرج إلى الحجاز وكان يقول‏:‏ والله لأقتلن بالحسين عدة من قتل على دم يحيى بن زكريا فقدم على ابن الزبير فرحب به فقال له‏:‏ ما تنتظر ابسط يدك نبايعك ثم مضى إلى الطائف ثم عاد بعد سنة فبايع ابن الزبير وقاتل معه وأقام عنده حتى هلك يزيد ثم وثب فركب راحلته نحو الكوفة فقدمها في النصف من رمضان يوم الجمعة بعد ستة أشهر من هلاك يزيد‏.‏

ورأى المختار اجتماع رؤوس الشيعة على سلمان بن صرد فقال لهم‏:‏ إني قد جئتكم من قبل المهدي محمد بن الحنفية فانشعبت إليه طائفة من الشيعة‏.‏

وكان المختار يقول لهم‏:‏ إنما يريد سليمان أن يخرج فيقتل نفسه ويقتلكم فإنه ليس له بصر بالحروب‏.‏

وكان سليمان بن صرد وأصحابه يريدون الوثوب بالكوفة وأميرها يومئذ عبد الله بن يزيد الأنصاري من قبل ابن الزبير فبلغه ذلك فقال‏:‏ وما الذي يريدون قيل‏:‏ إنهم يطلبون بدم الحسين قال‏:‏ وأنل قتلت الحسين لعن الله قاتل الحسين‏.‏

ثم خطب فقال‏:‏ قد بلغني أن طائفة من أهل هذا المصر يريدون الخروج علينا يطلبون فيما زعموا بدم الحسين فرحم الله هؤلاء القوم والله ما قتلته وقد أصبت بمقتله‏.‏

فإن هؤلاء القوم آمنون فليخرجوا ولينتشروا ظاهرين ثم نسير إلى قاتل الحسين وأنا لهم على قاتله ظهير هذا ابن زياد قاتل الحسين وقاتل خياركم قد توجه إليكم والاستعداد له أولى من أن تجعلوا بأسكم بينكم‏.‏

فخرج سليمان بن صرد وأصحابه ينشرون السلاح ظاهرين ويشترون ويجتهزون لجهادهم بما يصلحهم وجعل المختار ينتظر ما يصير إليه أمر سليمان بن صرد‏.‏

فخرج سليمان نحو الجزيرة فجاء قوم إلى عبد الله بن يزيد أمير البلدة فحذروه المختار وأخذوا المختار فحبسوه وقيدوه فجعل يقول‏:‏ أما ورب البحار والنخل والأشجار والمهامه والقفار والملائكة الأبرار والمصطفين الأخيار لأقتلن كل جبار بكل لدن خطار ومهند بتار في جموع من الأنصار ليسوا بميل أغمار ولا بعزل أشرار حتى إذا أقمت عمود الدين ورأبت شعب صدع المؤمنين وشفيت غليل صدور المسلمين وأدركت بثأر النبيين‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 هدم ابن الزبير الكعبة

وكانت حيطانها قد مالت مما رميت به من حجارة المنجنيق فهدمها حتى سواها بالأرض وحفر أساسها وأدخل الحجر فيها وجعل الركن الأسود عنده في سرقة من حرير في تابوت وجعل ما كان من حلي البيت وما وجد فيه من ثياب أو طيب عند الحجبة في خزانة البيت حتى أعادها لما أعاد بناءه‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 حج بالناس عبد الله بن الزبير

وكان عامله على المدينة أخوه عبيد الله بن الزبير وعلى الكوفة عبد الله بن يزيد الخطمي وعلى قضائها سعيد بن نمران وأبى شريح أن يقضي فيها وقال‏:‏ لا أقضي في الفتنة‏.‏

وكان على البصرة عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي وعلى قضائها هشام بن هبيرة وعلى خراسان عبد الله بن خازم‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

عبد الله بن سوار بن همام العبدي

وكان شريفًا جوادًا وولاه معاوية السند‏.‏

أنبأنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحميدي قال‏:‏ حدثنا محمد بن سلامة القضاعي قال‏:‏ أخبرنا أبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب قال‏:‏ حدثنا ابن دريد قال‏:‏ أخبرنا العكلي عن عبد الله بن أبي خالد عن الهيثم بن عدي عن رجاله قالوا‏:‏ وفد على عبد الله بن سوار بن همام العبدي رجل من أهل البصرة وهو عامل معاوية على السند فانتظر إذنه ثلاثًا ثم دخل عليه فأنكره فقال‏:‏ من الرجل قال‏:‏ من أهل البصرة من بني تميم من بني سعد قال‏:‏ وما وراءك قال‏:‏ حرمة أمت بها قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ كنت تمر بمجلس بني سور فتسلم فأرد عليك أتم من سلامك بأجهر من كلامك وأتبعك بدعائي من بين رجال قومي قال‏:‏ حرمة والله‏.‏

وكان عبد الله بن سوار شريفًا جوادًا فقال‏:‏ ما حاجتك قال‏:‏ أملي قال‏:‏ وما أملك قال‏:‏ ما أستغني به عن غيرك إن عشت وتنمو به عقبي إن مت‏.‏

فأمر له بثلاثين ألفًا وكساه وقال‏:‏ هي لك عندي في كل سنة إن أبقاني لك الدهر‏.‏

معاوية بن يزيد بن معاوية

أبو ليلى ويقال أبو عبد الرحمن عبد الله ولي بعد أبيه يزيد وهو ابن تسع عشرة سنة‏.‏

وقيل‏:‏ ثلاثة عشر وثمانية عشر يومًا وبويع له بالشام فأقام نحو ثلاثة أشهر وقيل‏:‏ أربعين ليلة وتوفي في هذه السنة‏.‏

وكان خيرًا ذا دين سألته أمه أم هانئ بنت أبي هشام بن عتبة بن ربيعة في مرضه أن يستخلف أخاه خالدًا بن يزيد فأبى وقال‏:‏ والله لا أحملها حيًا وميتًا فقالت له‏:‏ وددت أنك كنت نسيًا منسيًا ولم تضعف هذا الضعف قال‏:‏ وددت أني كنت نسيًا منسيًا ولم أسمع بذكر جهنم ثم قال‏:‏ يا حسان بن مالك اضبط ما قبلك وصل بالناس إلى أن يرضى المسلمون بإمام يحققون عليه‏.‏

وروى أبو جعفر الطبري‏:‏ أنه خطب الناس فقال‏:‏ إني نظرت في أمركم فصعقت عنه فابتغيت لكم رجلًا مثل عمر بن الخطاب حين فزع إليه أبو بكر فلم أجده فابتغيت لكم سنة الشورى مثل سنة عثمان ولم أجدهم فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم ثم دخل منزله ولم يخرج إلى الناس‏.‏فقال بعض الناس‏:‏ إنه دس إليه فسقي سمًا‏.‏وقيل‏:‏ بل طاعن‏.‏

المسور بن مخرمة

ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة أبو عبد الرحمن أمه عاتكة بن عوف أخت عبد الرحمن بن عوف من المهاجرات المبايعات قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسور ابن ثمان سنين وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يلازم عمر بن الخطاب ويحفظ عنه وكان من أهل الفضل والدين ولم يزل مع خاله عبد الرحمن مقبلًا ومدبرًا في أمر الشورى ثم انحاز إلى مكة حين توفي معاوية وكره بيعة يزيد فلم يزل هنالك حتى قدم الحصين بن نمير وحضر حصار ابن الزبير‏.‏

أنبأنا الحسين البارع قال‏:‏ أخبرنا ابن مسلمة قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان قال‏:‏ أخبرنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني إبراهيم بن حمزة قال‏:‏ أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببرود من اليمن فقسمها بين المهاجرين والأنصار وكان فيها برد فائق فقال‏:‏ إن أعطيته أحدًا منهم غضب أصحابه ورأوا أنه فضلته عليهم فدلوني على فتى من قريش نشا نشأة حسنة أعطيه إياه فأسموه المسور بن مخرمة فدفعه إليه فنظر إليه سعد بن أبي وقاص على المسور فقال‏:‏ ما هذا قال‏:‏ كسانيه أمير المؤمنين فجاء سعد إلى عمر فقال‏:‏ تكسوني هذا البرد وتكسو ابن أخي أفضل منه فقال‏:‏ يا أبا إسحاق إني كرهت أن أعطيه أحدًا منكم فيغضب أصحابه فأعطيته فتى نشا نشأة حسنة حتى لا يتوهم فيه أني أفضله عليكم فقال سعد‏:‏ فإني قد حلفت لأضربن بالبرد الذي أعطيتني رأسك فخضع له عمر رأسه وقال‏:‏ عندك يا أبا إسحاق فارفق الشيخ بالشيخ فضرب رأسه بالبرد‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا عبد أن المسور كان لا يشرب من الماء الذي يوضع في المسجد ويكرهه ويرى أنه صدقة وأنه احتكر طعامًا فرأى سحابًا من سحاب الخريف فكرهه فلما أصبح أتى السوق فقال‏:‏ من جاءني وليته فبلغ ذلك عمر الخطاب فأتاه بالسوق فقال‏:‏ أجننت يا مسور قال‏:‏ لا والله يا أمير المؤمنين ولكني رأيت سحابًا من سحاب الخريف فكرهته فكرهت ما ينفع المسلمين فكرهت أن أربح فيه وأردت ألا أربح فيه فقال عمر‏:‏ جزاك الله خيرًا‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني عبد الله بن جعفر عن أم بكر بنت المسور عن أبيها‏:‏ أنه كان يصوم الدهر وأنه أصابه حجر من المنجنيق ضرب البيت فانفلق منه فلقة فأصابت جدار المسور وهو قائم يصلي فمرض منها أيامًا ثم هلك في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد بن معاوية بمكة وابن الزبير يومئذ لا يتسمى بالخلافة والأمر شورى وهو ابن اثنتين وستين سنة‏.‏

يزيد بن الأسود الجرشي

كان عبدًا صالحًا وكان القطر قد احتبس في زمن معاوية فصعد المنبر ودعاء فصعد إليه فقال معاوية‏:‏ اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود فسقى الناس ثم جرى له مثل هذا مع الضحاك من قيس‏.‏

أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن هبة الله الطبري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن جعفر بن درستويه قال‏:‏ حدثنا يعقوب بن سفيان قال‏:‏ حدثنا سعيد بن أسد قال‏:‏ حدثنا ضمرة عن ابن أبي جميلة قال‏:‏ أصاب الناس قحط بدمشق وعلى الناس الضحاك بن قيس الفهري فخرج بالناس يستسقي فقال‏:‏ أين يزيد بن الأسود الجرشي فلم يجبه أحد مرارًا فقال‏:‏ عزمت عليه أن يسمع كلامي إلا قام فقام فرفع يديه فقال‏:‏ اللهم يا رب إن عبادك تقربوا إليك فاسقهم فانصرف الناس وهم يخوضون الماء فقال‏:‏ اللهم إنه قد شهرني فأرحني منه فما أتت عليه جمعة حتى قتل الضحاك‏.‏

يزيد بن معاوية بن أبي سفيان

توفي لأربع عشر خلت من ربيع الأول من هذه السنة بقرية من قرى حمص يقال لها حوارين وهو ابن خمس وثلاثين سنة وقيل‏:‏ تسع وثلاثين‏.‏

وكانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر وقال الواقدي‏:‏ وثمانية أشهر إلا ثمان ليال‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وستين فمن الحوادث فيها

 شخوص التوابين إلى ابن زياد للطلب بدم الحسين عليه السلام

وذلك أن سليمان بن صرد بعث إلى رؤوس أصحابه من الشيعة فأتوه فلما استهلوا هلال ربيع الآخر خرج في وجوه أصحابه إلى النخيلة فلم يعجبه عدد الناس فبعث حكيم بن منقذ الكندي في خيل وبعث الوليد بن غصين الكناني في خيل فقال‏:‏ اذهبا حتى تدخلا الكوفة فناديا‏:‏ يا لثاراث الحسين فخرج منها خلق كثير فنظر لما أصبح في ديوانه فوجد الذين بايعوه على الخروج ستة عشر ألفًا لم يجتمع منهم إلا أربعة آلاف فقال‏:‏ أما يذكرون ما أعطونا من العهود فقيل له‏:‏ إن المختار يثبط الناس عنك فأقام بالنخيلة ثلاثًا يبعث إلى المتخلفين فيذكرهم الله عز وجل فخرج نحو من ألف رجل فقال له المسيب ابن نجية الفزاري‏:‏ إنك لا ينفعك إلا من أخرجته النية فاكمش في أمرك‏.‏

فقام فقال‏:‏ والله ما نأتي غنيمة نغنمها ولا فيئًا نستفيئه وما معنا من ذهب ولا فضة وما هي إلا سيوفنا في عواتقنا ورماحنا في أكفنا وزاد بمقدار البلغة إلى لقاء عدونا فمن يرى غير هذا فلا يصحبنا‏.‏

فلما عزم على المسير قال بعض أصحابه‏:‏ إن قتلة الحسين بالكوفة عمر بن سعد ورؤوس القبائل فأنى نذهب‏.‏

وقال آخرون‏:‏ بل نقصد ابن زياد فهو الذي عبى الجنود إليه فإن ظهرنا عليه كان من بعده أهون شوكة وكان عمر بن سعد في تلك الأيام لا بييت إلا في قصر الإمارة مخافة على نفسه وجاء عبيد الله بن يزيد والي الكوفة إلى سليمان فقال‏:‏ قم حتى نبعث معك جيشًا كثيفًا فلم يقم وأدلج عشية الجمعة لخمس مضين من ربيع الآخر سنة خمس وستين ولم يزل يسير إلى أن أتى قبر الحسين عليه السلام فأقام عنده يومًا وليلة فجعل أصحابه يبكون ويتمنون لو أصيبوا معه وجعلوا يستغيثون‏:‏ يا رب إنا خذلنا ابن بنت نبيك فاغفر لنا ما مضى منا وتب علينا‏.‏

ووصل كتاب عبد الله بن يزيد إلى سليمان بن صرد وفيه‏:‏ هذا كتاب ناصح محب بلغني أنكم تسيرون بالعدد القليل إلى الجمع الكثير وإنه من يرد أن ينقل الجبال عن مراتبها تكل معاوله وينزع وهو مذموم العقل والفعل ومتى أصابكم عدوكم طمع في من وراءكم‏:‏ ‏{‏إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذًا أبدًا‏}‏‏.‏

يا قوم إن أيدينا وأيديكم واحدة ومتى اجتمعت كلمتنا نظهر على عدونا‏.‏

فلما قرأ الكتاب على أصحابه قال‏:‏ ما ترون قالوا‏:‏ إنا قد أبينا هذا عليهم ونحن في مصرنا فالآن حين دنونا من أرض العدو ما هذا برأي‏.‏

فساروا مجدين إلى أن وصلوا عين وردة فأقاموا بها خمسًا فأقبل أهل الشام في عساكرهم فقدم المسيب بن نجية فلقي أوائل القوم فأصابهم بالجراح فانهزموا فأخذوا منهم ما خف فبلغ الخبر ابن زياد فبعث الحصين بن نمير مسرعًا في اثني عشر ألفًا فاقتتلوا فكان الظفر لسليمان إلى أن حجز بينهم الليل فأمدهم ابن زياد بذي الكلاع في ثمانية آلاف فكثروهم فنزل سليمان ونادى‏:‏ عباد الله من أراد البكور إلى ربه والتوبة من ذنبه والوفاء بعهده فإلي ثم كسر جفن سيفه ونزل ناس كثير فقاتلوا فقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة‏.‏

فاكتنفهم القوم ورموهم بالنبل فقتل سليمان ثم المسيب وقتل الخلق‏.‏

فلما جن الليل ذهب فل القوم تحت الليل فأصبح الحصين فوجدهم قد ذهبوا فلم يبعث في آثارهم أحدًا وكان قد خرج جماعة من أهل البصرة وجماعة من أهل المدائن وأهل الكوفة فبلغهم الخبر فرجعوا إلى بلادهم فقال المختار لأصحابه‏:‏ عدوا لغازيكم هذا أكثر من عشر ودون الشهر ثم يجيئكم بضرب هبر وطعن نتر وأن سليمان قد قضى ما عليه وليس بصاحبكم الذي به تنصرون أنا قاتل الجبارين والمنتقم من الأعداء‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 أمر مروان بن الحكم أهل الشام بعقد البيعة لابنيه

عبد الملك وعبد العزيز وجعلهما وليي عهده وكان مروان قد بعث عمرو بن سعيد بن العاص إلى مصعب بن الزبير حين وجهه أخوه عبد الله بن الزبير إلى فلسطين فهزم ابن الزبير ورجع إلى مروان في دمشق وبلغ مروان أن عمرًا يقول‏:‏ هذا الأمر لي من بعد مروان فبايع مروان لابنيه‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 بعث مروان بعثين

أحدهما إلى المدينة عليهم حبيش بن دلجة والآخر إلى العراق وعليهم عبيد الله بن زياد فأما ابن زياد فإنه سار حتى نزل الجزيرة فأتاه بها موت مروان‏.‏

وخرج إليه التوابون من أهل الكوفة طالبين بدم الحسين فجرى لهم ما سبق ذكره وسنذكر باقي خبره إن شاء الله‏.‏

وأما حبيش فانتهى إلى المدينة وعليها جابربن الأسود بن عوف بن عبد الرحمن بن عوف من قبل ابن الزبير فهرب جابر فبعث الحارث بن أبي ربيعة جيشًا من البصرة وكان ابن الزبير قد ولاه عليها فأنفذهم لمحاربة حبيش فسار إليهم حبيش وبعث ابن الزبير عباس بن سهل بن سعد على المدينة وأمره أن يطلب حبيشًا فلحقهم بالربذة فجاء سهم غرب فقتل حبيشًا وتحرز منهم خمسمائة في المدينة فقال لهم عباس‏:‏ انزلوا على حكمي فنزلوا فضرب أعناقهم ورجع فل حبيش إلى الشام‏.‏