فصل: مات مروان وقام مكانه ابنه عبد الملك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


وفي هذه السنة‏:‏

 مات مروان وقام مكانه ابنه عبد الملك

باب ذكر خلافة عبد الملك بن مروان

هو عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ويكنى أبا الوليد ولد في سنة ست وعشرين هو ويزيد بن معاوية‏.‏

وقيل ولد في سنة أربع وعشرين وحمل به ستة أشهر فقط وكان أبيض‏.‏

وقيل‏:‏ كان آدم طوالًا كثير الشعر كبير اللحية والعينين مشرق الأنف دقيق الوجه مضبب الأسنان بالذهب كان رفقيهًا راويًا ناسكًا يدعى حمامة المسجد شاعرًا‏.‏

وقيل لابن عمر‏:‏ من نسأل بعدكم فقال‏:‏ إن لمروان ابنًا فقيهًا فسلوه‏.‏

وقال نافع‏:‏ أدركت المدينة وما بها شاب أنسك ولا أشد تشميرًا ولا أكثر صلاة ولا أطلب للعلم من عبد الملك بن مروان‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ استعمله معاوية على المدينة وهو ابن ست عشرة سنة واول من سمي بعبد الملك عبد الملك بن مروان وأول من سمي في الإسلام أحمد أبو الخليل بن أحمد العروضي‏.‏

وعبد الملك أول من أمر أن يقال على المنابر‏:‏ اللهم أصلح عبدك وخليفتك فلما بويع له تغيرت أموره في باب الدين‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا العتيقي قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن محمد بن القاسم الأدمي قال‏:‏ أخبرنا ابن دريد قال‏:‏ أخبرنا عبد الأول بن مريد عن ابن عائشة قال‏:‏ قال مؤلف الكتاب‏:‏ وقد رواها ثعلب عن ابن الزعفراني قال‏:‏ لما سلم على عبد الملك بالخلافة كان في حجره مصحف فأطبقه وقال‏:‏ هذا فراق بيني وبينك‏.‏

أخبرنا القزاز بإسناد له عن الوليد بن مسلم عن عبد الخالق بن زيد بن واقد عن أبيه قال‏:‏ حدثني عبد الملك بن مروان قال‏:‏ كنت أجالس بريرة فقالت‏:‏ إن فيك خصالًا خليق أن تلي الأمر فإن وليته فاتق الدماء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها بملء محجمة من دم امرئ مسلم يريقه ‏"‏‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 اشتدت شوكة الخوارج بالبصرة

وفيها قتل نافع بن الأزرق وذلك أن عبيد الله بن عبد الله بن معمر بعث أخاه عثمان إلى ابن الأزرق في جيش فلقيهم بموضع في الأهواز يقال له‏:‏ دولاب فاقتتلوا قتالًا شديدًا وقتل نافع بن الأزرق ثم أمرت الخوارج غيره وجاءهم المدد وقوي القتال وقتل خلق من المؤمنين وقدم المهلب بن أبي صفرة على تلك الحال معه عهده على خراسان من قبل ابن الزبير فسأله المؤمنون أن يلي الحرب فأبى فكتبوا على لسان ابن الزبير إلى المهلب أن يلي قتال الخوارج فقال‏:‏ إني لا أسير إليهم إلى أن تجعلوا لي ما غلبت عليه وتعطوني من بيت المال ما أقوى به وأنتخب من فرسان الناس وجاءت الخوارج فخرج إليهم فدفعهم عن البصرة وما زال يدفعهم ويتبعهم ثم التقوا فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى انهزم الناس إلى البصرة فنادى المهلب‏:‏ إلي عباد الله ثم هجم على القوم فأخذ عسكرهم وما فيه وقتل الأزارقة قتلًا عنيفًا وخرج فلهم إلى كرمان وأصبهان وأقام المهلب بالأهواز وكتب إلى ابن الزبير بما ضمن له فأجاز ذلك‏.‏

وقيل إن وقعة الأزارقة كانت سنة ست وستين‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 عزل عبد الله بن الزبير عبد الله بن يزيد عن الكوفة

وولاها عبد الله بن مطيع ونزع عن المدينة أخاه عبيدة بن الزبير وولاها أخاه مصعب بن الزبير‏.‏

وكان سبب عزله أخاه عبيدة بن الزبير أنه خطب فقال‏:‏ قد رأيتم ما صنع بقوم في ناقة قيمتها خمسمائة درهم فسمي مقوّم الناقة وبلغ ذلك ابن الزبير فقال‏:‏ هذا لهو التكلف‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 بنى ابن الزبير الكعبة

وأدخل الحجر فيها وقد ذكرنا أنه نقضها في السنة التي قبل هذه السنة فيمكن أن تكون الرواية مختلفة ويمكن أن يكون النقض في سنة والبناء في السنة الأخرى‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 حج بالناس عبد الله بن الزبير

وكان على المدينة مصعب بن الزبير وعلى الكوفة في آخر السنة عبد الله بن مطيع وعلى البصرة عبد الله بن الحارث بن أبي ربيعة وعلى قضائها هشام بن هبيرة وعلى خراسان عبد الله بن خازم‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

جميل بن معمر

وقيل ابن عبد الله بن معمر بن الحارث بن ظبيان رأى بثينة وهو صغير فهويها وهما من بني عذرة وتكنى بثينة‏:‏ أم عبد الملك فلما كبر خطبها فرد عنها فقال فيها الشعر وكان يزورها وتزوره ومنزلهما وادي القرى فجمع أهلها له جمعًا ليأخذوه فأخبرته بثينة فاختفى وهجا قومها فاستعدوا عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ على المدينة من قبل معاوية فنذر ليقطعن لسانه فلحق بخذام فأقام هناك إلى أن عزل مروان‏.‏

أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة قالت‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال‏:‏ كنت مارًا بين تيماء ووادي القرى مبادرًا من مكة فرأيت صخرة عظيمة ملساء فيها تربيع بقدر ما يجلس عليها النفر كالدكة فقال بعض من كان معنا من العرب وأظنه جهنيًا‏:‏ هذا مجلس جميل وبثينة ومن أشعاره المستحسنة فيها قوله‏:‏ حلت بثينة من قلبي بمنزلة بين الجوانح لم ينزل به أحد صادت فؤادي بعينيها ومبسمها كأنه حين تبديه لنا برد وعاذلين لحوني في محبتها يا ليتهم وجدوا مثل الذي أجد لما أطالوا عتابي فيك قلت لهم لا تفرطوا بعض هذا اللوم واقتصدوا قد مات قبلي أخو نهد وصاحبه من قيس ثم اشتفى من عروة الكمد وكلهم كان في عشق منيته وقد وجدت بها فوق الذي وجدوا إني لأحسبه أو كدت أعلمه أن سوف يوردني الحوض الذي وردوا إن لم ينلني بمعروف يجود به أو يدفع الله عني الواحد الصمد وقال أيضًا‏:‏ لحى الله من لا ينفع الود عنده ومن حبله إن مد غير متين ومن هو إن تحدث له العين نظرة يقطّع لها أسباب كل قرين ومن هو ذو لونين ليس بدائم على خلق خوان كل يمين فليت رجالًا فيك قد نذروا دمي وهموا بقتلي يا بثين لقوني يقولون لي أهلًا وسهلًا ومرحبًا ولو ظفروا بي ساعة قتلوني وكيف ولا توفي دماؤهم دمي ولا مالهم مالي إذا فقدوني وقال أيضًا‏:‏ فيا ويح نفسي حسب نفسي الذي بها ويا ويح أهلي ما أصيب به أهلي فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ولكن طلابيها لما فات من عقلي خليلي فيما عشتما هل رأيتما قتيلًا بكى من حب قاتله قبلي أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن علي العلاف قال‏:‏ حدثنا عبد الملك بن بشران قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال‏:‏ حدثنا الحسن بن علي قال‏:‏ حدثنا المثنى بن سعد الجعفي قال‏:‏ بلغني أن كثير عزة لقي جميلًا فقال له‏:‏ متى عهدك ببثينة قال‏:‏ ما لي بها عهد منذ عام أول وهي تغسل ثوبًا بوادي الدوم فقال كثير‏:‏ أتحب أن أعدها لك الليلة قال‏:‏ نعم فأقبل راجعًا إلى بثينة فقال له أبوها‏:‏ يا فلان ما ردك أما كنت عندنا قبيل قال‏:‏ بلى ولكن حضرت أبياتًا قلتها في عزة قال‏:‏ وما هي فقال‏:‏ فقلت لها يا عز أرسل صاحبي على باب داري والرسول موكل منذ ثلاث أنتظر أن أجد فرصة حتى رأيت منحدر فتيانكم العشية فجئت لأجدد بكم العهد فحدثنا ساعة ثم ودعناه وانطلق‏.‏

فما لبثنا إلا يسيرًا حتى أتانا نعيه من مصر‏.‏

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي بإسناد له عن أبي بكر بن الأنباري قال‏:‏ حدثنا محمد بن المرزبان قال‏:‏ حدثنا أبو بكر العامري قال‏:‏ حدثنا علي بن محمد وهو المدائني قال‏:‏ حدثني أبو عبد الرحمن العجلاني عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي قال‏:‏ كنت بالشام فقال لي قائل‏:‏ هل لك في جميل فإنه لما به فدخلت عليه وهو يجود بنفسه وما يخيل لي أن الموت يكتربه فقال لي‏:‏ يا ابن سعد ما تقول في رجل لم يسفك دمًا حرامًا قط ولم يشرب خمرًا قط ولم يزن قط يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله منذ خمسين سنة قلت‏:‏ من هذا ما أحسبه إلا ناجيًا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه يكفر عنكم سيآتكم ويدخلكم مدخلًا كريمًا‏}‏ فلعلك تعني نفسك قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ كيف وأنت تشبب ببثينة منذ عشرين سنة قال‏:‏ هذا آخر وقت من أوقات الدنيا وأول وقت من أوقات الآخرة فلا نالتني شفاعة محمد إن كنت وضعت يدي عليها لريبة قط وإن كان أكثر ما نلت منها إى أني كنت آخذ يدها فأضعها على قلبي فأستريح إليها‏.‏

ثم أغمي عليه وأفاق فأنشأ يقول‏:‏ صرخ النعي وما كنى بجميل وثوى بمصر ثواء غير قفول قومي بثينة فاندبي بعويل وأبكي خليلك قبل كل خليل ثم أغمي عليه فمات‏.‏

أخبرنا ابن الحصين بإسناد له عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه قال‏:‏ لما حضرت الوفاة جميلًا بمصر قال‏:‏ من يعلم بثينة فقال رجل‏:‏ أنا فلما مات صار إلى حي بثينة فقال‏:‏ بكر النعي وما كنى بجميل وثوى بمصر ثواء غير قفول بكر النعي بفارس ذي همة بطل إذا حمل اللواء نديل فخرجت بثينة مكشوفة الرأس فقالت‏:‏ وإن سؤالي عن جميل لساعة من الدهر ما حانت ولا حان حينها سواء علينا يا جميل بن معمر إذا مت بأساء الحياة ولينها سليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون الخزاعي يكنى أبا المطرف وكانت له صحبة وسن عالية وشرف في قومه وحضر صفين مع علي عليه السلام‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الخطيب قال‏:‏ أخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ قال‏:‏ سليمان بن صرد أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وكان اسمه يسارًا فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سليمان ونزل الكوفة حين نزلها المسلمون وشهد مع علي رضي الله عنه صفين وكان فيمن كتب إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما قدوم الكوفة فلما قدمها ترك القتال معه فلما قتل الحسين ندم هو والمسيب بن نجية الفزاري وجميع من خذله فلم يقاتل معه ثم قالوا‏:‏ ما لنا توبة مما فعلنا إلا أن نقتل أنفسنا في الطلب بدمه فعسكروا بالنخيلة وولوا أمرهم سليمان بن صرد وخرجوا إلى الشام في الطلب بدم الحسين رضي الله عنه فسموا التوابين وكانوا أربعة آلاف فقتل سليمان بن صرد في هذه الوقعة رماه يزيد بن حصين بن نمير بسهم فقتله وحمل رأسه ورأس ابن نجية إلى مروان بن الحكم وكان سليمان يوم قتل ابن ثلاث وتسعين سنة‏.‏

عبد الله بن عمرو بن العاص

أسلم قبل أبيه وكان متعبدًا وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ‏"‏ قال‏:‏ بلى فقال له‏:‏ ‏"‏ صم وأفطر وصل ونم فإن لجسدك عليك حقًا وإن لربك عليك حقًا وإن لزوجك عليك حقًا ‏"‏‏.‏

أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ حدثنا ابن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن محمد بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب ما سمعت منه فأذن لي فكتبته‏.‏

فكان عبد الله يسمي صحيفته تلك الصادقة‏.‏

وعن هارون بن رئاب قال‏:‏ لما حضرت عبد الله بن عمرو الوفاة قال‏:‏ إنه كان خطب إلى ابنتي رجل من قريش وقد كان مني إليه شبيه بالوعد فوالله لا ألقى الله بثلث النفاق اشهدوا أني قد زوجتها إياه‏.‏

توفي عبد الله بالشام في هذه السنة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة‏.‏

مروان بن الحكم

ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس‏:‏ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني سنين فلم يزل مع أبيه بالمدينة حتى مات في خلافة عثمان بن عفان ولم يزل مع ابن عمه عثمان وكان كاتبًا له فأعطاه أموالًا كثيرة يتأول صلة قرابته فنقم الناس ذلك على عثمان وكانوا يرون أن كثيرًا مما ينسب إلى عثمان لم يأمر به وإنما هو رأي مروان فلما حصر عثمان قاتل قتالًا شديدًا فلما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان سار معهم فقاتل قتالًا شديدًا فلما نظر إلى طلحة قال‏:‏ والله إن كان دم عثمان إلا عند هذا‏.‏

فرماه بسهم فقتله وتوارى إلى أن أخذ له الأمان من علي فأتاه فبايعه ثم انصرف إلى المدينة فلم يزل بها حتى ولي معاوية فولاه المدينة سنة اثنتين وأربعين فلما وثب أهل المدينة أيام الحرة أخرجوا بني أمية من المدينة وأخرجوه فجعل يحرض مسلم بن عقبة عليهم ورجع معه حتى ظفر بأهل المدينة فانتهبها ثلاثًا وقدم على يزيد فشكر له ذلك فلما مات يزيد ولي ابنه معاوية أيامًا ثم مات ودعي لابن الزبير فخرج مروان يريد ابن الزبير ليبايعه فلقيه عبد الله بن زياد فرده وقال‏:‏ ادع إلى نفسك وأنا أكفيك قريشًا فبايع لنفسه بالجابية في نصف ذي القعدة سنة أربع وستين وبعث عماله‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو القاسم بن البرني عن أبي عبد الله بن بطة قال‏:‏ سمعت محمد بن علي بن شقيق يقول‏:‏ حدثنا أبو صالح النحوي سلمويه قال‏:‏ أخبرني عبد الله يعني ابن المبارك قال‏:‏ أخبرني يونس عن الزهري قال‏:‏ اجتمع مروان وابن الزبير عند عائشة فذكر مروان بيت لبيد‏:‏

وما المرء إلا كالشهاب وضوؤه ** يجوز رمادًا بعد إذ هو ساطع

فقال ابن الزبير‏:‏ لو شئت لقلت ما هو أفضل من هذا‏:‏

ففوض إلى الله الأمور إذا اعترت ** وبالله لا بالأقربين لدافع

وداو ضمير القلب بالبر والتقى ** ولا يستوي قلبان قاس وخاشع

فقال ابن الزبير‏:‏

ولا يستوي عبدان عبد مكلم ** عتل لأرحام الأقارب قاطع

فقال مروان‏:‏

وعبد تجافى جنبه عن فراشه ** يبيت يناجي ربه وهو راكع

فقال ابن الزبير‏:‏

وللخير أهل يعرفون بهديهم ** إذا حجبتهم في الخطوب الجوامع

فقال مروان‏:‏

وللشر أهل يعرفون بشكلهم ** تشير إليهم بالفجور الأصابع

فسكت ابن الزبير فقالت عائشة‏:‏ ما لك فما سمعت بمحاورة قط أحسن من هذه ولكن لمروان إرث في الشعر ليس لك فقال ابن الزبير لمروان‏:‏ عرضت قال‏:‏ بل أنت أشد تعريضًا طلبت يدك فأعطيتني رجلك‏.‏

وكان قد تزوج أم خالد بن يزيد بن معاوية وكان مروان يطعمه في بعض الأمر ثم بدا له فعقد لابنيه عبد الملك وعبد العزيز فأراد أن يضع من خالد ويزهد الناس فيه وكان إذا دخل عليه أجلسه معه على سريره فدخل عليه يومًا فذهب ليجلس مجلسه فزبره وقال‏:‏ تنح يا ابن ربطة الاست والله ما وجدت لك عقلًا‏.‏

فانصرف خالد وقتئذ مغضبًا حتى دخل على أمه فقال‏:‏ قد فضحتني وقصرت بي ونكست برأسي‏.‏

قالت‏:‏ وما ذاك قال‏:‏ تزوجت هذا الرجل فصنع كذا وكذا وأخبرها بما قال له لا يسمع هذا منك أحد ولا يعلم مروان أنك أعلمتني بشيء من ذلك وادخل علي كما كنت تدخل واطو هذا الأمر فإني سأكفيك وأنتصر لك منه فسكت خالد ودخل مروان على أم خالد فقال‏:‏ ما قال لك خالد ما قلت له اليوم فقالت‏:‏ ما حدثني بشيء ولا قال لي فقال‏:‏ ألم يشكني إليك ويذكر تقصيري به‏.‏

فقالت‏:‏ يا أمير المؤمنين أنت أجل في عين خالد وهو أشد لك تعظيمًا من أن يحكي عنك شيئًا أو يجد من شيء تقوله وإنما أنت له بمنزلة الوالد‏.‏

فانكسر مروان وظن أن الأمر على ما حكت فسكت حتى إذا كان بعد ذلك وحانت القائلة فنام عندها فوثبت هي وجواريها فغلقن الأبواب على مروان ثم عمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه فلم تزل هي وجواريها يغممنه حتى مات‏.‏

ثم قامت فشقت جيبها وأمرت جواريها وخدمها فشققن وصحن وقلن‏:‏ مات أمير المؤمنين فجأة‏.‏

وذلك لهلال رمضان سنة خمس وستين ومروان ابن أربع وستين وكانت ولايته على الشام ومصر لم يعد ذلك ثمانية أشهر‏.‏

وقيل‏:‏ ستة أشهر‏.‏

وقد قال له علي بن أبي طالب‏:‏ ليحملن راية ضلالة بعدما يشيب صدغاه وله إمرة كلحسة الكلب أنفه‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وستين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 وثوب المختار بن أبي عبيد طالبًا بدم الحسين رضي الله عنه

وذلك أن أصحاب سليمان بن صرد لما قتلوا بعد قتل من قتل منهم كتب إليهم المختار وهو في السجن‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد‏:‏ فإن الله عز وجل أعظم لكم الأجر وحط عنكم الوزر بمفارقة القاسطين وجهاد المحلين وإنكم لم تنفقوا نفقة ولم تقطعوا عقبة ولم تخطوا خطوة إلا رفع الله عز وجل لكم بها درجة وكتب لكم بها حسنة فابشروا فإني لو خرجت إليكم جردت فيما بين المشرق والمغرب من عدوكم السيف بإذن الله عز وجل‏.‏

فبعثوا إليه في الجواب‏:‏ إنا قد قرأنا كتابك ونحن بحيث يسرك فإن شئت أن نأتيك حتى نخرجك فعلنا فقال لهم‏:‏ إني أخرج في أيامي هذه‏.‏

وشفع فيه عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد الأميرين على الكوفة فضمنوه جماعة من الأكابر وأخرجوه ثم أحلفاه بالله الذي لا إله إلا هو لا يبغيهما غائلة ولا يخرج عليهما ما كان لهما سلطان فإن هو فعل فعليه ألف بدنة ينحرها لدى رتاج الكعبة ومماليكه كلهم أحرار فحلف لهما‏.‏

ثم جاء إلى داره فنزلها فقال‏:‏ قاتلهم الله ما أحمقهم حين يرون أني أفي لهم أما حلفي بالله عز وجل فإنه ينبغي لي إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها أن أكفره وخروجي عليهم خير من كفي عنهم‏.‏

وأما ألف بدنة فما قدر ثمنها وأما عتق مماليكي فوددت إن استتب لي أمري ثم لم أملك مملوكًا أبدًا‏.‏

ولما استقر في داره اختلفت الشيعة إليه ورضيت به فلم يزل أمره يقوى إلى أن عزل عبد الله بن الزبير عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد وبعث عبد الله بن مطيع على عملهما بالكوفة وبعث الحارث بن أبي ربيعة على البصرة فقدم ابن مطيع الكوفة لخمس بقين من رمضان سنة خمس وستين فقيل له‏:‏ خذ المختار واحبسه فبعث إليه فتهيأ للذهاب فقرأ زائدة بن قدامة‏:‏ ‏{‏وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك‏}‏‏.‏

ففهمها المختار فجلس وألقى ثيابه وقال‏:‏ ألقوا علي القطيفة ما أراني إلا قد وعكت ثم قال‏:‏ أعلموا ابن مطيع حالتي واعتذروا عنده فأخبر بعلته فصدقه ولهى عنه وبعث المختار إلى أصحابه وأخذ يجمعهم في الدور حوله وأراد أن يثب بالكوفة في المحرم فقال بعض أصحابه لبعض‏:‏ إن المختار يريد أن يخرج بنا وقد بايعناه ولا ندري أرسله إلينا ابن الحنفية أم لا فانهضوا بنا إلى ابن الحنفية فإن رخص لنا في أتباعه تبعناه فذهبوا إليه فأخرجوه فقال‏:‏ والله لوددت أن الله انتصر لنا بمن شاء فلما قدموا قالوا‏:‏ أذن لنا ففرح المختار وكان قد انزعج من خروجهم وخاف أن لا يأذن لهم وقد كان إبراهيم بن الأشتر بعيد الصوت كثير العشيرة فأرادوه أن يخرج مع المختار فقال‏:‏ بل أكون أنا الأمير قالوا‏:‏ إن محمد بن الحنفية قد أمر المختار بالخروج فسكت فصنع المختار كتابًا عن ابن الحنفية إليه يأمره بالموافقة للمختار وأقام من يشهد أنه كتاب ابن الحنفية فبايعه وتردد إليه فاجتمع رأيهم على أن يخرجوا ليلة الخميس لأربع عشرة من ربيع الأول سنة ست وستين‏.‏

فأتى إياس بن مضارب عبد الله بن مطيع فقال‏:‏ إن المختار خارج عليك إحدى الليلتين فأخرج الشرط وأقامهم على الطريق في الجبابين خارج البلد فخرج إبراهيم بن الأشتر وقال‏:‏ والله لأمرن على دار عمرو بن حريث إلى جانب القصر وسط السوق ولأرهبن عدونا ولأرينهم هوانهم علينا فمر فلقيه إياس بن مضارب في الشرط مظهرين السلاح فقال له ولأصحابه‏:‏ من أنتم فقال‏:‏ أنا إبراهيم بن الأشتر فقال‏:‏ ما هذا الجمع معك إن أمرك لمريب وما أنا بتاركك حتى آتي بك الأمير فتناول إبراهيم رمحًا من بعض أصحاب إياس فطعن به إياسًا فقتله وقال لرجل من قومه‏:‏ انزل فاحتز رأسه ففعل فتفرق أصحابه ودخل إبراهيم على المختار وكانت ليلة الأربعاء فقال له‏:‏ إنا اتعدنا للخروج ليلة الخميس وقد حدث أمر لا بد له من الخروج الليلة فقال‏:‏ وما هو فقال‏:‏ عرض لي إياس بن مضارب فقتلته فقال المختار‏:‏ بشرك الله بخير هذا أول الفتح قم يا سعيد بن منقذ فأسعل في الهرادي النيران ثم ارفعها للمسلمين وقم يا عبد الله بن شداد فناد‏:‏ يا منصور أمت وقم أنت يا سفيان بن ليل وأنت يا قدامة بن مالك وقل‏:‏ يا لثارات الحسين‏.‏

ثم قال المختار‏:‏ علي بدرعي وسلاحي فأتي به فأخذ يلبس سلاحه ويقول‏:‏ قد علمت بيضاء حسناء الطلل واضحة الخدين عجزاء الكفل أني غداة الروع مقدام بطل ثم إن إبراهيم قال للمختار‏:‏ إن هؤلاء الذين وضعهم ابن مطيع في الجبابين يمنعون إخواننا أن يأتونا ويضيقون عليهم فلو أني خرجت بمن معي من أصحابي حتى آتي قومي فيأتيني كل من قد بايعني ثم سرت بهم في نواحي الكوفة ودعوت بشعارنا فخرج إلي من أراد الخروج قال‏:‏ فاعجل ولا تقاتل إلا من قاتلك‏.‏

فخرج إبراهيم واجتمع إليه جل من كان بايعه فسار بهم في سكك الكوفة وخرج فهزم كل من لقيه من المسالح وخرج المختار حتى نزل في ظهر دير هند‏.‏

وخرج أبو عثمان النهدي ونادى‏:‏ يا لثارات الحسين ألا إن أمير آل محمد قد خرج فنزل دير هند وبعثني إليكم داعيًا فاخرجوا رحمكم الله فخرجوا من الدور يتداعون‏:‏ يا لثارات الحسين‏.‏

فوافى المختار منهم ثلاثة آلاف وثمانمائة من اثني عشر ألفًا كانوا بايعوه واجتمعوا له قبل انفجار الصبح‏.‏

وجمع ابن مطيع الناس في المسجد وبعث شبث بن ربعي إلى المختار في نحو من ثلاثة آلاف وبعث راشد بن إياس في أربعة آلاف من الشرط وخرج إبراهيم بن الأشتر في جماعة كثيرة واقتتلوا قتالًا شديدًا فقتل راشد وانهزم أصحابه وجاء البشير بذلك إلى المختار فقويت نفوس أصحابه وداخل أصحاب ابن مطيع الفشل‏.‏

ودنا إبراهيم من شبث وأصحابه فحمل عليهم فانكشفوا حتى انتهوا إلى أبيات الكوفة ورجع الناس من السبخة منهزمين إلى ابن مطيع وجاءه قتل راشد بن إياس فأسقط في يده‏.‏

وخرج فحض الناس على القتال وقال‏:‏ امنعوا حريمكم وقاتلوا عن مصركم فقال إبراهيم للمختار‏:‏ سر بنا فما دون القصر أحد يمنع ولا يمتنع كبير امتناع فقال المختار‏:‏ ليقم ها هنا كل شيخ وكل ذي علة وضعوا ما كان لكم من ثقل ومتاع بهذا الموضع‏.‏

واستخلف عليهم أبا عثمان النهدي وقدم إبراهيم أمامه‏.‏

وبعث عبد الله بن مطيع عمرو بن الحجاج في ألفين فبعث المختار إلى إبراهيم أن أطوه ولا تقم وأمر يزيد بن أنس أن يصمد لعمرو‏.‏

ومضى المختار في أثر إبراهيم وأقبل شمر بن ذي الجوشن في ألفين فبعث إليه المختار سعيد بن منقذ فواقعه وبعث إلى إبراهيم أن أطوه وامض على وجهك فمضى حتى انتهى إلى سكة شبث وإذا نوفل بن مساحق في نحو من خمسة آلاف وقد أمر ابن مطيع سويد بن عبد الرحمن فنادى في الناس أن يلحقوا بابن مساحق‏.‏

وولى حصار القصر إبراهيم بن الأشتر ويزيد بن أنس ويحمر بن شميط‏.‏

وخرج ابن مطيع فاستتر في داره وخلى القصر وفتح أصحابه الباب وقالوا‏:‏ يا ابن الأشتر نحن آمنون قال‏:‏ نعم فبايعوا المختار‏.‏

ودخل المختار القصر فبات به وخرج من الغد فصعد المنبر فقال‏:‏ الحمد لله الذي وعد وليه النصر وعدوه الخسر ثم نزل فبايعه الناس فجعل يقول تبايعون على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والطلب بدماء أهل البيت وجهاد المحلين وأخذ المختار في السيرة الجميلة فقيل له إن ابن مطيع في الدار الفلانية فسكت فلما أمسى بعث إليه بمائة ألف درهم وقال له‏:‏ تجهز بهذه واخرج فإني قد شعرت بمكانك وكان صديقه قبل ذلك‏.‏

وأصاب المختار في بيت مال الكوفة سبعة آلاف ألف فأعطى أصحابه الذين حصروا ابن مطيع في القصر - وهم ثلاثة آلاف وثمانمائة رجل - كل رجل خمسمائة درهم وأعطى ستة وأول رجل عقد له المختار راية عبد الله بن الحارث أخو الأشتر عقد له على أرمينية‏.‏

وبعث محمد بن عمير بن عطارد على أذربيجان وبعث عبد الرحمن بن سعيد على الموصل‏.‏

فلما قدم عليه عبد الرحمن بن سعيد من قبل المختار أميرًا تنحى له عن الموصل ثم شخص إلى المختار فبايع له‏.‏

وكان المختار يقضي بين الناس ثم قال‏:‏ لي فيما أحاول شغل عن القضاء فأجلس للناس شريحًا فقضى بين الناس ثم تمارض شريح فأقام المختار مكانه عبد الله بن عتبة بن مسعود‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ وثب المختار بمن كان بالكوفة من قتلة الحسين والمشايعين على قتله فقتل من قدر عليه وهرب منه بعضهم‏.‏

وكان سبب ذلك أن مروان لما استوثق له أمره بعث عبيد الله بن زياد إلى العراق وجعل له ما غلب عليه وأمره أن ينهب الكوفة إذا ظفر بأهلها ثلاثًا‏.‏

فمر بأرض الجزيرة فاحتبس بها وبقتال أهلها عن العراق نحوًا من سنة ثم أقبل إلى الموصل فكتب عبد الرحمن بن سعيد عامل المختار على الموصل إلى المختار‏:‏ أما بعد فإني أخبرك أيها الأمير أن عبيد الله بن زياد قد دخل إلى أرض الموصل وقد وجه خيله قبلي ورجاله وأني انحزت إلى تكريت حتى يأتيني أمرك‏.‏

فكتب إليه المختار‏:‏ أصبت فلا تبرح من مكانك حتى يأتيك أمري ثم قال ليزيد بن أنس‏:‏ اذهب إلى الموصل فإني ممدك بالرجال‏.‏

فقال‏:‏ سرح معي ثلاثة آلاف فارس أنتخبهم فإن احتجت إلى الرجال فسأكتب إليك‏.‏

قال المختار‏:‏ فانتخب من أحببت‏.‏

فانتخب ثلاثة آلاف فارس‏.‏

ثم فصل من الكوفة فخرج معه المختار يشيعه وقال له‏:‏ إذا لقيت عدوك فلا تناظرهم وإذا أمكنتك الفرصة فلا تؤخرها وليكن خبرك في كل يوم عندي وإن احتجت إلى مدد فاكتب إلي مع أني ممدك ولو لم تستمد‏.‏

فقال يزيد‏:‏ وأيم الله لئن لقيتهم ففاتني النصر لا تفوتني الشهادة‏.‏

فكتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعيد‏:‏ أما بعد فخل بين يزيد وبين البلاد والسلام عليكم‏.‏

فسار حتى أتى أرض الموصل فسأل عبيد الله بن زياد عن عدة أصحاب يزيد فقيل‏:‏ خرج مع ثلاثة آلاف فقال‏:‏ أنا أبعث إلى كل ألف ألفين‏.‏

فمرض يزيد فقال‏:‏ إن هلكت فأميركم ورقاء بن عازب الأسدي فإن هلك فأميركم عبد الله بن ضمرة العذري فإن هلك فأميركم سعر بن أبي سعر الحنفي‏.‏

ثم قال‏:‏ قدموني وقاتلوا وقاتلوا عني‏.‏

فأخرجوه في يوم عرفة سنة ست وستين فجعل يقول‏:‏ اصنعوا كذا افعلوا كذا ثم يغلبه الوجع فيوضع‏.‏

فاقتتل القوم قبل شروق الشمس فهزم أصحاب عبيد الله وقتل قائدهم‏.‏

ثم اقتتلوا يوم الأضحى فهزم أصحاب عبيد الله وقتلوا قتلًا ذريعًا‏.‏

وأتى يزيد بن أنس بثلاثمائة أسير فأمر بقتلهم فقتلوا فما أمسى يزيد حتى مات فانكسر أصحابه بموته‏.‏

فقال ورقاء‏:‏ يا قوم إنه قد بلغني أن ابن زياد قد أقبل إلينا في ثمانين ألفًا من أهل الشام ولا طاقة لنا به فماذا ترون فإني أرى أن نرجع قالوا‏:‏ افعل فرجع ورجعوا‏.‏

فبلغ الخبر إلى المختار فبعث إبراهيم بن الأشتر على تسعة آلاف ثم قال‏:‏ اذهب فارددهم معك ثم سر حتى تلقى عدوك فتناجزهم‏.‏

ثم إن أهل الكوفة تغيروا على المختار وقالوا‏:‏ أتأمر علينا بغير رضًا منا وزعم أن ابن الحنفية أمره بذلك ولم يفعل فاجتمع رأيهم على قتاله وصبروا حتى بلغ ابن الأشتر ساباط ثم وثبوا على المختار فمنعوا أن يصل إليه شيء وعسكروا فبعث المختار إلى إبراهيم بن الأشتر‏:‏ لا تضع كتابي من يدك حتى تقبل بجميع من معك إلي‏.‏

ثم بعث المختار إليهم‏:‏ أخبروني ماذا تريدون قالوا‏:‏ نريد أن تعتزلنا فإنك زعمت أن ابن الحنفية بعثك ولم يبعثك فقال المختار‏:‏ ابعثوا إليه من قبلكم وفدًا وأبعث من قبلي وفدًا حتى تنظروا إنما أراد أن يشغلهم بالحديث حتى يقدم ابن الأشتر فأسرع إبراهيم حتى قدم صبيحة ثلاثة من مخرجهم على المختار‏.‏

ثم خرج إليهم المختار فاقتتلوا كأشد قتال ونصر عليهم المختار وهربوا وأدرك منهم قوم فقتلوا منهم شمر بن ذي الجوشن وأسر سراقة بن مرداس فقال أسرتموني وإنما أسرني قوم على دواب بلق وجاء سراقة يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت الملائكة تقاتل على خيول بلق من السماء والأرض فقال له المختار‏:‏ فاصعد المنبر وأعلم المسلمين ففعل فلما نزل خلا به المختار فقال‏:‏ قد علمت أنك لم تر الملائكة وإنما أردت أن لا أقتلك فاذهب عني حيث شئت ولا تفسد علي أصحابي‏.‏

ونادى المختار من أغلق بابه فهو آمن إلا رجلًا أشرك في دم آل محمد وخرج أشراف أهل الكوفة فلحقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة وتجرد المختار لقتلة الحسين وكان يقول‏:‏ لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض منهم وأنقي المصر منهم فجعل يتبع من خرج في قتال الحسين عليه السلام فيقتلهم شر قتل وبعث إلى خولي الأصبحي - وهو صاحب رأس الحسين - فأحاطوا بداره فاختبأ في المخرج فقالوا لامرأته‏:‏ أين هو فقالت‏:‏ لا أدري وأشارت بيدها إلى المخرج فأخرجوه فقتلوه وأحرقوه‏.‏

وبعث إلى عمر بن سعد من قتله وكان قد أعطاه في أول ما خرج أمانًا بشرط أن لا يحدث‏.‏

وكان أبو جعفر الباقر يقول‏:‏ إنما أراد بالحدث دخول الخلاء فجيء برأسه وابنه حفص بن عمر بن سعد جالس عند المختار فقال له‏:‏ أتعرف هذا الرأس فاسترجع وقال‏:‏ نعم لا خير في العيش بعده فقال المختار‏:‏ صدقت فإنك لا تعيش بعده فقتل فإذا رأسه مع رأس أبيه فقال المختار‏:‏ هذا بحسين وهذا بعلي بن حسين ولا سواء والله لو قتل به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من أنامله‏.‏

ثم بعث برأسيهما إلى محمد بن علي ابن الحنفية وكان الذي هيج على قتل عمر بن سعد أنه بلغه عن ابن الحنفية أنه يقول‏:‏ يزعم المختار أنه لنا شيعة وقتلة الحسين جلساؤه يحدثونه‏.‏

فلما لبث أن قتل عمر وابنه وطلب المختار سنان بن أنس الذي كان يدعي قتل الحسين فوجده قد هرب إلى البصرة فهدم داره وما زال يتبع القوم ويقتلهم بفنون القتل فإذا لم يجد الرجل هدم داره‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 بعث المختار جيشًا إلى المدينة للمكر بابن الزبير

وهو مظهر له أنه قد وجههم معونة له لحرب الجيش الذي كان بعثه عبد الملك لحربه‏.‏

وسبب ذلك أنه لما ظهر المختار بالكوفة كان يدعو إلى ابن الحنفية والطلب بدماء أهل البيت وأخذ يخادع ابن الزبير فكتب إليه‏:‏ أما بعد فإنك قد عرفت مناصحتي وما كنت أعطيتني إذا فعلت ذلك من نفسك فلما وفيت لك وقضيت مالك علي لم تف لي بما عاهدتني فإن ترد مراجعتي أراجعك أو مناصحتي أنصح لك وإنما أراد بذلك كفه عنه حتى يستجمع الأمر فأراد ابن الزبير أن يعلم أسلم هو أم حرب‏.‏

فدعا عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي فقال له‏:‏ تجهز إلى الكوفة فقد وليناكها فقال‏:‏ كيف وبها المختار فقال‏:‏ إنه يزعم أنه لنا سامع مطيع‏.‏

فتجهز بما بين الثلاثين ألف درهم إلى الأربعين ألف درهم ثم خرج مقبلًا إلى الكوفة‏.‏

فبلغ الخبر المختار فدعا زائدة بن قدامة فقال له‏:‏ اجعل معك سبعين ألف درهم ضعف ما أنفق هذا في مسيره إلينا وتلقه في المفاوز وأخرج معك بمسافر بن سعيد بن نمران في خمسمائة فارس دارع رامح ثم قل له‏:‏ خذ هذه النفقة فإنها ضعف نفقتك وانصرف فإن فعل وإلا فأره الخيل وقل له‏:‏ إن وراء هؤلاء مثلهم مائة كتيبة‏.‏

فخرج زادة فتلقاه وعرض عليه المال وأمره زائدة بالانصراف فقال‏:‏ إن أمير المؤمنين قد ولاني الكوفة ولا بد من إنفاذ أمره فدعا زائدة بالخيل فلما رآها قال‏:‏ هذا الآن عذري فهات المال فأخذه وذهب نحو البصرة ولما أخبر المختار أن أهل الشام قد أقبلوا نحو العراق خشي أن يأتيه مصعب بن الزبير من قبل البصرة فوادع ابن الزبير وداراه وكتب إليه‏:‏ قد بلغني أن عبد الملك بن مروان قد بعث إليك جيشًا فإن أحببت أن أمدك بمدد أمددتك‏.‏

فكتب إليه عجل بالجيش‏.‏

فدعا المختار شرحبيل الهمداني يسرحه في ثلاثة آلاف أكثرهم الموالي ليس فيهم إلا سبعمائة من العرب وقال‏:‏ سر حتى تدخل المدينة فإذا دخلتها فاكتب وفي هذه السنة‏:‏ قدمت الخشبية مكة وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير حبس محمد بن الحنفية ومن معه من أهل بيته وسبعة عشر رجلًا من وجوه أهل الكوفة بزمزم وكرهوا البيعة لمن لم تجتمع عليه الأمة وهربوا إلى الحرم وتوعدهم بالقتل والإحراق وأعطى الله عهدًا إن لم يبايعوه أن ينفذ فيهم ما توعدهم به وضرب لهم في ذلك أجلًا فأشار بعض من كان مع ابن الحنفية عليه أن يبعث إلى المختار وإلى من بالكوفة رسولًا يعلمهم حالهم وما توعدهم به ابن الزبير فوجه ثلاثة نفر إلى المختار وأهل الكوفة حين نام الحرس على باب زمزم وكتب إليهم يعلمهم بالحال ويسألهم أن لا يخذلوه كما خذلوا الحسين وأهل بيته فقدموا على المختار فدفعوا إليه الكتاب فنادى في الناس وقرأ عليهم الكتاب وقال‏:‏ هذا كتاب مهديكم وصريح أهل بيت نبيكم وقد تركوا ينتظرون التحريق بالنار ولست أبا إسحاق إن لم أنصرهم نصرًا مؤزرًا وإن لم أسرب إليهم الخيل في أثر الخيل كالسيل حتى يحل بابن الكاهلية الويل‏.‏

ووجه أبا عبد الله الجدلي في سبعين راكبًا ومعه ظبيان بن عمير في أربعمائة راكبًا وأبا المعتمر في مائة وهانئ بن قيس في مائة وعمير بن طارق في أربعين ويونس بن عمران في أربعين‏.‏

وخرج أبو عمران حتى نزل ذات عرق ولحقه ابن طارق وسار بهم حتى دخلوا المسجد الحرام وهم ينادون‏:‏ يا لثارات الحسين حتى انتهوا إلى زمزم وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم وكان قد بقي من الأجل يومين فطردوا الحرس وكسروا أعواد زمزم ودخلوا على ابن الحنفية فقالوا له‏:‏ خل بيننا وبين عدو الله ابن الزبير فقال لهم‏:‏ إني لا أستحل القتال في حرم الله عز وجل ثم تتابع المدد فخرج ابن الحنفية في أربعة آلاف‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 حج عبد الله بن الزبير بالناس

وكان على المدينة مصعب بن الزبير وعلى البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وعلى قضائها هشام بن هبيرة وكان المختار غالبًا على الكوفة وبخراسان عبد الله بن خازم‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ توجه إبراهيم بن الأشتر إلى عبيد الله بن زياد لحربه وذلك لثمان بقين من ذي الحجة وقد ذكرنا أن المختار وجه إبراهيم بن الأشتر لقتال أهل العراق فلما وثب أهل الكوفة لقتال المختار بعث إلى ابن الأشتر فرده‏.‏

فلما نصر عليهم عاد فأشخصه إلى الوجه الذي بعثه فيه فخرج يوم السبت لثمان بقين من ذي وفي ذلك الكرسي قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ أن طفيل بن جعدة قال‏:‏ كنت قد أملقت فرأيت جارًا لي زياتًا له كرسي قد أعلاه الوسخ فخطر ببالي أن لو قلت للمختار في هذا فأخذت الكرسي وأتيت المختار وقلت‏:‏ إني كنت أكتمك شيئًا وقد بدا لي أ أذكره وهو كرسي كان لجعدة بن هبيرة كان يجلس عليه ويرى أن فيه أثرة من علم فقال‏:‏ ابعث به وأمر لي باثني عشر ألفًا ثم دعا‏:‏ الصلاة جامعة وقال‏:‏ إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة مثله وإنه كان في بني إسرائيل التابوت وإن هذا فينا مثل التابوت فرفعوا أيديهم فلما قيل لهم‏:‏ هذا عبيد الله بن زياد قد نزل بأهل الشام خرج بالكرسي على بغل يمسكه عن يمينه سبعة وعن يساره سبعة فندم طفيل على ما فعل‏.‏

القول الثاني‏:‏ إن المختار قال لآل جعدة بن هبيرة - وكانت أم جعدة أم هانئ أخت علي بن أبي طالب‏:‏ ائتوني بكرسي علي بن أبي طالب فقالوا‏:‏ والله ما هو عندنا فقال‏:‏ ائتوني به وظن القوم هم لا يأتونه بكرسي ويقولون‏:‏ هذا هو إلا قبله منهم‏.‏

فجاءوا بكرسي وقالوا‏:‏ هذا هو‏.‏

ثم قال المختار لابن الأشتر‏:‏ خذ عني ثلاثًا‏:‏ خف الله عز وجل في سر أمرك وعلانيته وعجل السير وإذا لقيت عدوك فناجزهم ساعة تلقاهم‏.‏

أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصاري قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد بن السمرقندي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا القاضي أبو الحسين علي بن محمد بن حبيب البصري قال‏:‏ حدثنا محمد بن المعلى بن عبد الله بن الأزدي قال‏:‏ أخبرنا أبو جزء محمد بن حمدان القشيري قال‏:‏ حدثنا أبو العيناء عن أبي أنس الحراني قال‏:‏ قال المختار لرجل من أصحاب الحديث‏:‏ ضع لي حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أني كائن بعده خليفة وطالب له ثرة ولده وهذه عشرة آلاف درهم وخلعة ومركوب وخادم فقال الرجل‏:‏ أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا ولكن اختر من شئت من الصحابة واحطط من الثمن ما شئت قال‏:‏ عن النبي أكد قال‏:‏ والعذاب عليه أشد‏.‏

ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أسماء بن حارثة بن سعيد بن عبد الله

كان محتاجًا من أهل الصفة توفي في هذه السنة وهو ابن ثمانين سنة‏.‏