فصل: الجزء السادس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


الجزء السادس

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

 ثم دخلت سنة اثنتين وستين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 مقدم وفد المدينة على يزيد ومبايعتهم محمد بن حنظلة

وكان السبب في ذلك أن يزيد لما عزل عمرو بن سعيد وولى الوليد بن عتبة قدم الوليد المدينة فأخذ غلمانًا لعمرو نحوًا من ثلاثمائة فحبسهم فكلمه فيهم عمرو فأبى أن يخليهم فخرج عمرو من المدينة وكتب إلى غلمانه‏:‏ إني باعث إلى كل رجل منكم جملًا وأداته تناخ لكم بالسوق فإذا أتاكم رسولي فاكسروا باب السجن ثم ليقم كل رجل منكم إلى جمله فليركبه ثم أقبلوا ففعل ذلك فقدم على يزيد فرحب به وعاتبه على تقصيره في أشياء يأمره بها في ابن الزبير فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏:‏ الشاهد يرى ما لا يرى الغائب وإن جل أهل الحجاز مالوا إليه ولم يكن معي جند أقوى عليه لو ناهضته فكنت أداريه لأتمكن منه مع أني قد ضيقت عليه فجعلت على مكة وطرقها رجالًا لا يدعون أحدًا يدخلها حتى يكتبوا لي اسمه واسم أبيه وما جاء به فإن كان ممن أرى أنه يريده رددته صاغرًا وقد بعثت الوليد وسيأتيك من عمله ما تعرف به فضل مبايعتي ومناصحتي‏.‏

فعزل يزيد الوليد وبعث عثمان بن محمد بن أبي سفيان وهو حدث لم يحنكه السن وكان لا يكاد ينظر في شيء من عمله‏.‏

وبعث إلى يزيد وفدًا من المدينة فيهم عبد الله بن حنظلة الغسيل والمنذر بن الزبير فأكرمهم وأجازهم ثم رجعوا إلى المدينة فأظهروا شتم يزيد وقالوا‏:‏ قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويلعب بالكلاب وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه‏.‏

وقال المنذر‏:‏ والله لقد أجازني بمائة ألف درهم وإنه لا يمنعني ما صنع إلي أن أصدقكم عنه والله إنه ليشرب الخمر وإنه ليسكر حتى يدع الصلاة‏.‏

ثم بايعوا عبد الله بن حنظلة‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس الوليد بن عتبة وكان العمال على البلاد في هذه السنة هم العمال في السنة‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

بريدة بن الحصيب

ابن عبد الله بن الحارث بن الأعرج أبو عبد الله‏:‏ أسلم لما مر به النبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة‏.‏

وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى المدينة فانتهى إلى الغميم أتاه بريدة بن الحصيب فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام هو ومن معه وكانوا زهاء ثمانين بيتًا فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء وصلوا خلفه ليلتئذ صدرًا من صورة مريم ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بعد أن مضت بدر وأحد فتعلم بقية السورة وغزا معه مغازيه بعد ذلك واستعمله على أسارى المريسيع وأعطاه لواء يوم الفتح وبعثه على أسلم وغفار يصدقهم وإلى أسلم لما أراد غزوة تبوك يستنفرهم ولم يزل مقيمًا بالمدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي فلما فتحت البصرة تحول إليها واختط بها ثم خرج غازيًا إلى خراسان فمات بمر وفي خلافة يزيد‏.‏

الربيع بن خثيم

أبو يزيد الثوري‏:‏ روى عن ابن مسعود وغيره‏.‏

أخبرنا علي بن عبد الواحد الدينوري قال‏:‏ أخبرنا علي بن عمر القزويني قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن شاذان قال‏:‏ أخبرنا البغوي قال‏:‏ حدثنا أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن سعيد بن مسروق قال‏:‏ قال عبد الله للربيع بن خثيم‏:‏ لو رآك رسمل الله صلى الله عليه وسلم لأحبك‏.‏

قال أحمد‏:‏ وحدثني عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الواحد عن عبد الله بن الربيع عن أبي عبيدة قال‏:‏ كان عبد الله يقول للربيع‏:‏ ما رأيتك إلا ذكرت المخبتين‏.‏

وكان الربيع إذا أتى عبد الله لم يكن عليه إذن حتى يفرغ كل واحد منهما من صاحبه وكان الربيع إذا جاء إلى باب عبد الله يقول للجارية‏:‏ من بالباب فتقول الجارية ذلك الشيخ الأعمى‏.‏

وروى سفيان بن نسير بن ذعلوق عن إبراهيم التيمي قال‏:‏ أخبرنا من صحب الربيع بن خثيم عشرين عامًا ما سمع منه كلمة تعاب‏.‏

وأخبرنا سفيان قال‏:‏ أخبرتني سرية الربيع بن خثيم قالت‏:‏ كان عمل الربيع بن خثيم كله سرًا كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه‏.‏

الرباب بنت امرئ القيس

لعمرك إنني لأحب دارًا ** تحل بها سكينة والرباب

أحبهما وأبذل جل مالي ** وليس لعاتب عندي عتاب

وكانت الرباب معه يوم ألطف فرجعت إلى المدينة مصابة مع من رجع فخطبها الأشراف من قريش فقالت‏:‏ والله لا يكون حمو آخر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فعاشت بعد الحسين رضي الله عنه سنة لم يظلها سقف فبليت وماتت كمدًا‏.‏

علقمة بن قيس بن عبد الله أبو شبل النخعي الكوفي‏:‏ وهو عم الأسود وعبد الله ابني يزيد‏.‏

وخال إبراهيم التيمي‏.‏

روى عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وحذيفة وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم‏.‏

روى عنه أبو وائل والشعبي والنخعي وابن سيرين‏.‏

وشهد حرب الخوارج بالنهروان وكان من العلماء الربانيين مقدمًا في الحديث والفقه والزهد والورع وكان يشبه بابن مسعود‏.‏

عمرو بن حزم

ابن يزيد بن لوذان بن عمرو بن عوف أبو الضحاك استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران اليمن وهو ابن سبع عشرة سنة وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عامله على نجران وعاش عمرو حتى أدرك معاوية وبيعته لابنه يزيد‏.‏

وتوفي بالمدينة‏.‏

عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري

وجهه معاوية إلى أفريقية غازيًا في عشرة آلاف من المسلمين فافتتحها واختط قيروانها وقد كان موضعه غيطة لا ترام من السباع والحيات وغير ذلك من الدواب فدعا الله تعالى عليها ونادى‏:‏ إنا نازلون فاظعنوا فلم يبق شيء مما كان من السباع وغيرها إلا خرج وجعلن يخرجن من جحرهن هوارب حتى أن السباع كانت تحمل أولادها‏.‏

ثم قدم بعد موت معاوية على يزيد فرده واليًا على أفريقية في هذه السنة فعرض له جمع من الروم والبربر وهو في قل فاقتتلوا قتالًا شديدًا فقتل عقبة شهيدًا‏.‏

مسلمة بن مخلد بن الصامت أبو معن ويقال‏:‏ أبو سعيد‏:‏ ولد حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة‏.‏

وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مصر واختط بها وولي الجند لمعاوية بن أبي سفيان ولابنه يزيد‏.‏

روى عنه علي بن رباح وغيره وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة‏.‏

شهد بدرًا مع المشركين وأحدًا والخندق وكان له ذكر ونكاية ثم أسلم بعد ذلك وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينًا والطائف ونزل المدينة وحج مع أبي بكر سنة تسع وحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر‏.‏

وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاش ستين سنة في الإسلام وتوفي في خلافة يزيد وكان له ولد اسمه سلمى وكان أجود العرب وفيه يقول الشاعر‏:‏ يسوَّد أقوام وليسوا بسادة بل السيد المحمود سلمى بن نوفل‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وستين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 أخرج أهل المدينة عامل يزيد

وهو عثمان بن محمد بن أبي سفيان وخلعوا يزيد‏.‏

فذكر أبو الحسن المدائني عن أشياخه‏:‏ أن أهل المدينة أتوا المنبر فخلعوا يزيد فقال عبد الله بن أبي عمرو بن حفص المخزومي‏:‏ قد خلعت يزيد كما خلعت عمامتي - ونزعها عن رأسه - وإني لا أقول هذا وقد وصلني وأحسن جائزتي ولكن عدو الله سكير‏.‏

وقال آخر‏:‏ قد خلعته كما خلعت نعلي حتى كثرت العمائم والنعال ثم ولوا على قريش عبد الله بن مطيع وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة ثم حاصر القوم من كان بالمدينة من بني أمية ومواليهم ومن يرى رأيهم‏.‏

فكتب مروان وجماعة من بني أمية إلى يزيد‏:‏ إنا قد حصرنا في دار مروان ومنعنا العذب فياغوثاه‏.‏

فوصل الكتاب إليه وهو جالس على كرسي واضع قدميه في ماء في طست من وجع كان به - ويقال إنه كان به نقرس - ثم قال للرسول‏:‏ أما يكون بنو أمية ومواليهم بالمدينة ألف رجل فقال‏:‏ بلى وأكثر قال‏:‏ فما استطاعوا أن يقاتلوا ساعة من نهار فقال‏:‏ أجمع الناس عليهم فلم يكن بهم طاقة فبعث إلى عمرو بن سعيد فأقرأه الكتاب وأمره أن يسير إليهم فقال‏:‏ قد كنت ضبطت لك البلاد وأحكمت لك الأمور فأما الآن فإنما هي دماء قريش تهراق فلا أحب أن أتولى ذلك‏.‏

قال‏:‏ فبعثني بالكتاب إلى مسلم بن عقبة وهو شيخ كبير فجاء حتى دخل على يزيد فقال‏:‏ أخرج وسر بالناس‏.‏

فخرج مناديه فنادى‏:‏ أن سيروا إلى الحجاز على أخذ أعطياتكم كملًا ومعونة مائة دينار توضع في يد الرجل من ساعته فانتدب لذلك اثني عشر ألفًا وكتب يزيد إلى ابن مرجانة‏:‏ أن اغز ابن الزبير فقال‏:‏ لا والله لا أجمعهما للفاسق أبدًا أقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغزو البيت‏.‏

وفصل ذلك الجيش من عند يزيد وعليهم مسلم بن عقبة وقال له‏:‏ إن حدث بك حادث فاستخلف في الجيش حصين بن نمير السكوني وقال له‏:‏ ادع القوم ثلاثًا فإن هم أجابوك وإلا فقاتلهم فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثًا فما فيها من مال أو سلاح أو طعام فهو للجند فإذا مضت الثلاث فاكفف عنهم وانظر علي بن الحسين فاستوص به خيرًا أدن مجلسه فإنه لم يدخل في شيء مما دخلوا فيه‏.‏

وأقبل مسلم بن عقبة بالجيش حتى إذا بلغ أهل المدينة إقباله وثبوا على من معهم من بني أمية فحصروهم في دار مروان فقالوا‏:‏ لا والله لا نكف عنكم حتى نستنزلكم ونضرب أعناقكم أو تعطونا عهد الله وميثاقه أن لا تبغونا غائلة ولا تدلوا لنا على عورة ولا تظاهروا علينا عدوًا فأعطوهم العهد على ذلك فأخرجوهم من المدينة فخرجوا بأثقالهم حتى لقوا مسلم بن عقبة بوادي القرى فدعا بعمرو بن عثمان وقال له‏:‏ أخبرني ما وراءك وأشر علي قال‏:‏ لا أستطيع أن أخبرك شيئًا أخذت علينا العهود والمواثيق أن لا ندلك على عورة فانتهره وقال‏:‏ لولا أنك ابن عثمان لضربت وأيم الله لا أقيلها قرشيًا بعدك فخرج بما لقي من عنده إلى أصحابه فقال مروان لابنه عبد الملك‏:‏ ادخل قبلي لعله يجتزئ بك عني فدخل عليه عبد الملك فقال‏:‏ هات ما عندك أخبرني خبر الناس وكيف ترى فقال له‏:‏ أرى أن تسير بمن معك حتى تأتيهم من قبل الحرة ففعل وقال‏:‏ يا أهل المدينة إن أمير المؤمنين يزيد يزعم أنكم الأصل ويقول‏:‏ إني أكره إراقة دمائكم وإني أؤجلكم ثلاثًا فمن راجع الحق أمنته ورجعت عنكم وسرت إلى هذا الملحد الذي بمكة وإن أبيتم قد أعذرنا إليكم فلما مضت الأيام الثلاثة قال‏:‏ يا أهل المدينة ما تصنعون قالوا‏:‏ نحارب فقال‏:‏ لا تفعلوا وادخلوا في الطاعة فقالوا‏:‏ لا نفعل‏.‏

وكانوا قد اتخذوا خندقًا ونزل منهم جماعة وكان عليهم عبد الرحمن بن زهير بن عبد عوف وكان عبد الله بن مطيع على ربع آخر في جانب المدينة وكان معقل بن سنان الأشجعي على ربع آخر وكان أمير جماعتهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري في أعظم تلك الأرباع وأكثرها عددًا‏.‏

وقيل‏:‏ كان ابن مطيع على قريش وابن حنظلة على الأنصار ومعقل بن سنان على المهاجرين‏.‏

فحمل ابن الغسيل على الخيل حتى كشفها وقاتلوا قتالًا شديدًا وجعل مسلم يحرض أصحابه - وكان مريضًا فنصب له سرير بين الصفين - وقال‏:‏ قاتلوا عن أميركم وأباح مسلم المدينة ثلاثًا يقتلون الناس ويأخذون الأموال فأرسلت سعدى بنت عوف المرية إلى مسلم‏:‏ تقول بنت عمك مر أصحابك لا يعترضوا الإبل لنا بمكان كذا فقال‏:‏ لا تبدأوا إلا بها‏.‏

وجاءت امرأة إلى مسلم وقالت‏:‏ أنا مولاتك وابني في الأسرى فقال‏:‏ عجلوه لمكانها فضربت عنقه وقال‏:‏ أعطوها رأسه أما ترضين أن لا تقتلي حتى تكلمي في ابنك ووقعوا على النساء وقاتل عبد الله ابن مطيع حتى قتل هو وبنون له سبعة وبعث برأسه إلى يزيد‏.‏

فأفزع ما جرى من كان بالمدينة من الصحابة فخرج أبو سعيد الخدري حتى دخل الجبل فدخل عليه رجل بسيف فقال‏:‏ من أنت فقال‏:‏ أبو سعيد فتركه‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الواحد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن شيبة البزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحارث الخزاز قال‏:‏ حدثنا أبو الحسن المدائني عن أبي عبد الرحمن القرشي عن خالد الكندي عن عمته أم الهيثم بنت يزيد قالت‏:‏ رأيت امرأة من قريش تطوف فعرض لها أسود فعانقته وقبلته فقلت‏:‏ يا أمة الله أتفعلين هذا بهذا الأسود قالت‏:‏ هو ابني وقع علي أبوه يوم الحرة فولدت هذا‏.‏

وعن المدائني عن أبي قرة قال‏:‏ قال هشام بن حسان‏:‏ ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج ثم دعى مسلم بالناس إلى البيعة ليزيد وقال‏:‏ بايعوا على أنكم خول له وأموالكم له فقال يزيد بن عبد الله بن ربيعة‏:‏ نبايع على كتاب الله فأمر به فضربت عنقه وبدأ بعمرو بن عثمان أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن شاذان قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن شيبة قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحارث قال‏:‏ حدثنا المدائني عن حويرثة وابن جعدية‏:‏ أن مسلمًا نظر إلى قتلى الحرة فقال‏:‏ إن دخلت النار بعدها ولا إني لشقي‏.‏

وأسر مسلم أسراء فحبسهم ثلاثة أيام لم يطعموا فجاءوا بسعيد بن المسيب إلى مسلم فقالوا‏:‏ بايع فقال‏:‏ أبايع على سيرة أبي بكر وعمر فأمر بضرب عنقه فشهد له رجل أنه مجنون فخلى عنه‏.‏

وعن المدائني عن علي بن عبد الله القرشي وأبي إسحاق التميميي قال‏:‏ لما انهزم أهل المدينة والصبيان فقال ابن عمر‏:‏ بعثمان ورب الكعبة‏.‏

وعن المدائني عن محمد بن عمر قال‏:‏ قال ذكوان مولى مروان‏:‏ شرب مسلم بن عقبة دواء بعدما انهب المدينة ودعا بالغداء فقال له الطبيب‏:‏ لا تعجل فإني أخاف عليك إن أكلت قبل أن يعمل الدواء قال‏:‏ ويحك إنما أحب البقاء حتى أشفي قلبي - أو قال‏:‏ نفسي - من قتلة عثمان فقد أدركت ما أردت فليس شيء أحب إلي من الموت على طهارتي فإني لا أشك أن الله قد طهرني من ذنوبي بقتلي هؤلاء الأرجاس‏.‏

وعن المدائني عن شيخ من أهل المدينة قال‏:‏ سألت الزهري‏:‏ كم كانت القتلى يوم الحرة قال‏:‏ سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي وممن لا يعرف من عبد وحر وامرأة عشرة آلاف وكانت الوقعة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين وانتهبوا المدينة ثلاثة أيام‏.‏

وعن المدائني عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن رجل من قريش قال‏:‏ كنت أنزل بذي الحليفة فدخلت المسجد فإذا رجل مريض قلت‏:‏ من أنت قال‏:‏ أنا رجل من خثعم أقبلت نجران فمرضت فتركني أصحابي ومضوا فحولته إلى المنزل فكان عندنا حتى صح وأقام عندنا حينًا كرجل منا وعملت لصاحبتي حليًا بمائة دينار وهو يرى ذلك ثم خرج إلى الشام فقدم المدينة أيام الحرة وقد تحولنا من ذي الحليفة إلى المدينة فلما انتهب مسلم المدينة أتانا في جماعة فسمعت الجلبة في الدار فخرجت فإذا أنا به وأصحابه خارجًا فقلت له‏:‏ قد كنا نتمناك قال‏:‏ ما جئت إلا لأدفع عن دمك ولكني آخذ مالك فإن الأمير قد أمرنا بالنهب وسيؤخذ ما عندك وأنا أحق به فقلت‏:‏ أنت لعمري أحق به فاصرف أصحابك وخذه وحدك فخرج فرد أصحابه ورجع فقال‏:‏ ما فعل الحلي قلت‏:‏ على حاله قال‏:‏ فهاته قلت‏:‏ هو مدفون بذي الحليفة عند البئر التي رأيت فإذا أمسينا خرجنا إليها فأدفعه إليك‏.‏

فلما أمسيت خرجت أنا وهو وتبعني ابنان لي حتى انتهينا إلى البئر وطولها ثلاثون ذراعًا فأخذناه أنا وابناي فشددناه وثاقًا وأرميناه في البئر ودفناه ورجعنا فلما أصبحنا إذا رجل ممن كان معه بالأمس قد أتانا فقال‏:‏ أين أبو المحرش قلنا‏:‏ غدا حين أصبح قال‏:‏ أراه والله خدعنا وأخذ المتاع قلنا‏:‏ ما أخذ شيئًا ادخل فانظر فدخل فأغلقنا عليه الباب وقتلناه‏.‏

وعن المدائني عن سلمان بن أبي سلمان عن بكر بن إبراهيم بن نعيم بن النحام قال‏:‏ مر ركب من أهل اليمن إلى الشام يريدونه ومعهم رجل مريض فأرادوا دفنه وهو حي فمنعهم أبي فمضوا وخلفوه فلم يلبث أن برئ وصح فجهزه أبي وحمله وكان ممن قدم مع مسلم فرأته جارية لنا فعرفته فقالت‏:‏ عمرو فقال‏:‏ نعم وعرفها قال‏:‏ ما فعل أبو إسحاق قالت‏:‏ قتل فقال لأصحابه‏:‏ هؤلاء أيسر أهل بيت بالمدينة فانتهبوا منزلهم فكان يضرب به المثل بالمدينة‏:‏ ‏"‏ وأنت أقل شكرًا من عمرو ‏"‏‏.‏

ثم استخلف مسلم على المدينة روح بن زنباع وسار إلى ابن الزبير فاحتضر في الطريق فقال لحصين بن نمير‏:‏ إنك تقدم بمكة ولا منعة لهم ولا سلاح ولهم جبال تشرف عليهم فانصب عليهم المنجنيق فإنهم بين جبلين فإن تعوذوا بالبيت فارمه واتجه على بنيانه‏.‏

قال أبو معشر والواقدي‏:‏ كانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي الحجة سنة ثلاث وقال بعضهم‏:‏ لثلاث بقين منه‏.‏