فصل: افتتاح المسلمين سورية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 سنة سبع وثمانين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 الوليد بن عبد الملك عزل هشام بن إسماعيل عن المدينة

فورد عزله عنها في ليلة الأحد لسبع ليال خلون من شهر ربيع الأول وكانت إمارته عليها أربع

سنين غير شهر أو نحوه‏.‏

وفيها‏:‏

 ولي عمر بن عبد العزيز المدينة

فقدم واليًا في ربيع الأول وهو ابن خمس وعشرين سنة فقدم على ثلاثين بعيرًا فنزل دار

مروان فلما صلى الظهر دعا عشرة من فقهاء المدينة‏:‏ عروة بن الزبير وعبيد الله بن عتبة وأبو

بكر بن عبد الرحمن وأبو بكر بن سليمان بن خيثمة وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد

وسالم بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عامر بن ربيعة

وخارجة بن زيد فدخلوا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه

وتكونون فيه أعوانًا على الحق ما أريد أن أقطع أمرًا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم فإن

رأيتم أحدًا استعدى أو بلغكم عن عامل لي ظلامة فأحرج على من بلغه ذلك إلا بلغني فجزوه

خيرًا وانصرفوا‏.‏

وفيها‏:‏

كتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز

أن يقف هشام بن إسماعيل للناس وكان سيئ الرأي فيه فقال سعيد بن المسيب لولده ومواليه‏:‏ إن هذا الرجل وقف للناس فلا يتعرض له أحد ولا

يؤذه بكلمة فإنا سنترك ذلك لله وللرحم فأما كلامه فلا أكلمه أبدًا فوقف عند دار مروان

وكان قد لقي منه علي بن الحسين أذى كثيرًا فتقدم إلى خاصته ألا يعرض له أحد بكلمة فمر

عليه علي فناداه هشام‏:‏ الله أعلم حيث يجعل رسالاته‏.‏

وفيها‏:‏

غزا مسلمة أرض الروم

في عدد كثير فقتل منهم خلقًا كثيرًا وفتح الله على يديه حصونًا‏.‏

وقيل‏:‏ إن الذي غزا الروم في هذه السنة هشام بن عبد الملك وساق الذراري والنساء‏.‏

وفيها‏:‏ غزا قتيبة بن مسلم بيكند وعبر النهر فاستنصروا عليه الصغد وأخذوا بالطرق فلم ينفذ له رسول ولم يصل إليه رسول شهرين وأبطأ خبره على الحجاج فأمر الناس بالدعاء في المساجد ونهض قتيبة يقاتل العدو فهزموا عدوهم وركبهم المسلمون قتلًا وأسرًا وأراد هدم مدينتهم فصالحوه واستعمل عليهم رجلًا ثم سار عنهم مرحلة أو مرحلتين فنقضوا وقتلوا العامل فبلغه الخبر فرجع وقاتلهم شهرًا فطلبوا الصلح فأبى وظفر بهم عنوة فقتل مقاتلتهم وأصاب في المدينة من الأموال وأواني الذهب والفضة ما لا يحصى ورجع قتيبة إلى مرو وقوي المسلمون واشتروا السلاح‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

حج بالناس عمر بن عبد العزيز

وهو أمير على المدينة وكان على قضاء المدينة أبو بكر بن عمرو وكان العراق والمشرق كله للحجاج وكان خليفته على البصرة الجراح بن عبد الله وعلى قضائها عبد الله بن أذينة وعامله على الحرب بالكوفة زياد بن جرير بن عبد الله وعلى قضائها أبو بكر بن أبي موسى الأشعري وعلى خراسان قتيبة‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز بإسناد له عن الأصمعي قال‏:‏ كان أعرابيان متواخيين بالبادية غير أن أحدهما استوطن الريف والآخر اختلف إلى باب الحجاج بن يوسف فاستعمل على أصفهان

فسمع أخوه الذي بالبادية فضرب إليه فأقام ببابه حينًا لا يصل إليه ثم أذن له بالدخول وأخذه

الحاجب فمشى به وهو يقول‏:‏ سلام على الأمير فلم يلتفت إلى قوله وأنشأ يقول‏:‏

فلست مسلمًا ما دمت حيا ** على زيد بتسليم الأمير

فقال زيد‏:‏ لا أبالي فقال الأعرابي‏:‏

فقال‏:‏ نعم‏.‏

فقال الأعرابي‏:‏ فسبحان الذي أعطاك ملكًا وعلمك الجلوس على السرير

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي الكعبي

كناه البخارى أبا سعيد وكناه ابن سعد أبا إسحاق‏:‏ ولد في عهد رسول الله صلى الله عليه

وسلم وسمع من أبي الدرداء وزيد بن ثابت وأبي هريرة‏.‏

وكان أعلم الناس بقضاء زيد بن ثابت‏.‏

روى عنه الزهري وكان ثقة سكن الشام وبها توفي‏.‏

مطرف بن عبد الله بن الشخير

أبو عبد الله‏:‏ روى عن عثمان وعلي وأبي وأبي ذر‏.‏

وكان ثقة ذا فضل وورع وعقل وافر‏.‏وكان أكبر من الحسن البصري بعشرين سنة‏.‏

أخبرنا إسماعيل بن أحمد بإسناد له عن مهدي بن ميمون قال‏:‏ حدثنا غيلان قال‏:‏ كان مطرف يلبس البرانس ويلبس المطارف ويركب الخيل ويغشى السلطان غير أنك كنت إذا أفضيت إليه أفضيت إلى قرة عين‏.‏

حدثنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد قال‏:‏ حدثنا الحسن بن علي قال‏:‏ حدثنا جعفر بن أحمد بن حمدان قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثنا هاشم بن القاسم قال‏:‏ حدثنا سليمان بن المغيرة قال‏:‏ كان مطرف بن عبد الله إذا دخل بيته سبحت معه آنية بيته‏.‏

قال أحمد بن حنبل‏:‏ وحدثنا بهز بن أسد قال‏:‏ حدثنا جعفر بن سليمان قال‏:‏ حدثنا ثابت قال‏:‏ مات عبد الله بن مطرف فخرج مطرف على قومه في ثياب حسنة وقد أدهن فغضبوا وقالوا‏:‏ يموت عبد الله ثم تخرج في ثياب مثل هذه ومدهنًا قال‏:‏ أفأستكين لها وقد وعدني ربي تبارك وتعالى ثلاث خصال كل خصلة منها أحب إلي من الدنيا وما فيها‏:‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون‏}‏ أفأستكين بعد هذا قال‏:‏ فهانت‏.‏

وقال مطرف‏:‏ ما من شيء أعطى به في الآخرة قدر كوز من ماء وددت أنه أخذ مني في

الدنيا‏.‏

وروي عن ثابت البناني ورجل آخر قد سماه‏:‏ أنهما دخلا على مطرف بن عبد الله بن الشخير

وهو مغمى عليه قال‏:‏ فسطعت منه ثلاثة أنوار‏:‏ نور من رأسه ونور من وسطه ونور من رجليه‏.‏

قال‏:‏ فهالنا ذلك فأفاق فقلنا‏:‏ كيف تجدك يا أبا عبد الله قال‏:‏ صالح قلنا‏:‏ لقد رأينا شيئًا هالنا قال‏:‏ وما هو قلنا‏:‏ أنوار سطعت منك قال‏:‏ وقد رأيتم ذلك قلنا‏:‏ نعم قال تلك ألم تنزيل السجدة وهي تسع وعشرون آية سطع أولها من رأسي وأوسطها من وسطي وآخرها من قدمي وقد صعدت لتشفع لي وهذه تبارك تحرسني‏.‏

نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة

أبو سعد القرشي‏:‏ يروي عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل‏.‏

أخبرنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال‏:‏أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ حدثنا أحمد بن سليمان بن داود قال‏:‏حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني مصعب بن عبد الله قال‏:‏ كان نوفل بن مساحق من أشراف قريش وكانت له ناجية من الوليد بن عبد الملك وكان الوليد يعجبه الحمام ويتخذه له ويطير له فأدخل نوفل عليه وهو عند الحمام فقال له الوليد‏:‏ إني خصصتك بهذا المدخل لأنسي بك فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين والله إنك ما خصصتني ولكن خسستني إنما هذه عورة وليس مثلي يدخل على مثل هذا‏.‏

فسيره إلى المدينة وغضب عليه‏.‏

وكان يلي المساعي فأخذه بعض الأمراء في الحساب‏.‏

فقال‏:‏ أين الغنم قال‏:‏ أكلناها بالخبز قال‏:‏ فأين الإبل قال‏:‏ حملنا عليها

الرحال‏.‏

وكان لا يرفع للأمراء من المساعي شيئًا يقسمها ويطعمها وكان ابنه من بعده سعد بن

نوفل يسعى على الصدقات‏.‏

@@@

 

ثم دخلت سنة ثمان وثمانين

فمن الحوادث فيها‏:‏

أن مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد فتحا حصنًا من حصون الروم يدعى طوانة في جمادى الآخرى وهزموا العدو هزيمة بلغوا فيها إلى كنيستهم ثم رجعوا فانهزم الناس حتى

ظنوا أنهم لا يجتبرونها أبدًا وبقي العباس معه نفير منهم ابن محيريز الجمحي فقال العباس لابن

محيريز‏:‏ أين أهل القرآن الذين يريدون الجنة فقال ابن محيريز‏:‏ نادهم يأتوك فنادى العباس‏:‏ يا أهل القرآن فأقبلوا جميعًا فهزم الله العدو حتى دخلوا طوانة وشتوا بها‏.‏

وفيها‏:‏ أمر الوليد بن عبد الملك بهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدم بيوت

أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وإدخالها في المسجد‏.‏

فقدم الرسول إلى عمر بن عبد العزيز في ربيع الأول‏.‏

وقيل‏:‏ في صفر - سنة ثمان وثمانين بكتاب

الوليد يأمره بإدخال حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد رسول الله صلى

الله عليه وسلم وأن يشتري ما في مؤخره ونواحيه حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع ويقول له‏:‏ قدم القبلة إن قدرت وأنت تقدر لمكان أخوالك فإنهم لا يخالفونك فمن أبى منهم فمر

أهل المصر فليقوموه قيمة عدل ثم اهدم عليهم وادفع لهم الأثمان فإن لك في ذلك سلف

صدق عمر وعثمان‏.‏

فأقرأهم كتاب الوليد وهم عنده فأجاب القوم إلى الثمن فأعطاهم إياه وبدأ بهدم بيوت أزواج

رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يمكث إلا يسيرًا حتى قدم الفعلة بعث بهم الوليد‏.‏

وبعث الوليد إلى صاحب الروم يعلمه أنه أمر بهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

وأن يعينه فيه فبعث إليه بمائة ألف مثقال من ذهب وبمائة عامل وبأربعين حملًا من

الفسيفساء فبعث به إلى عمر وتجرد عمر لذلك واستعمل صالح بن كيسان على ذلك‏.‏

أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر قال‏:‏ أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ حدثنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن يزيد الهذلي قال‏:‏ رأيت منازل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هدمها عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة في خلافة عبد الملك فزادها في المسجد وكانت بيوتًا باللبن ولها حجر من جريد مطرود بالطين عددت تسعة أبيات بحجرها وهي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزل أسماء بنت حسن بن عبد الله بن عبيد الله ورأيت بيت أم سلمة وحجرتها من لبن فسألت ابن ابنها فقال‏:‏ لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم دومة الجندل بنت أم سلمة حجرتها بلبن فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى اللبن فدخل عليها أول نسائه فقال‏:‏ ‏"‏ ما هذا البناء ‏"‏ قالت‏:‏ أردت يا رسول الله أن أكف أبصار الناس فقال‏:‏ ‏"‏ يا أم سلمة إن شر ما ذهب فيه مال المسلم البنيان ‏"‏‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ حدثني معاذ بن محمد الأنصاري قال‏:‏ سمعت عطاء الخراساني في مجلس

فيه عمران بن أبي أنس يقول وهو فيما بين القبر والمنبر‏:‏

أدركت حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من جرائد النخل على أبوابها المسوح بن

شعر أسود فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ يأمر بإدخال حجر أزواج النبي صلى الله

عليه وسلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت يومًا باكيًا أكثر بكاء من

ذلك اليوم‏.‏

قال عطاء‏:‏ فسمعت سعيد بن المسيب يقول يومئذ‏:‏ والله لوددت أنهم تركوها على حالها

فينشأ ناشئ من أهل المدينة ويقدم القادم من الأفق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله

عليه وسلم في حياته فيكون ذلك مما يزهد الناس من التكاثر والتفاخر فيها‏.‏

قال معاذ‏:‏ فلما فرغ عطاء الخراساني من حديثه قال عمر بن أنس‏:‏ كان بينها أربعة أبيات بلبن

لها حجر من جرائد وكانت خمسة أبيات من جرائد مطينة لا حجر لها على أبوابها المسوح من

الشعر ذرعت الستر منها فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع فأما ما ذكرت من كثرة البكاء فلقد

رأيت في مجلس فيه نفر من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو سلمة بن

عبد الرحمن وأبو أمامة بن سهل بن حنيف وخارجة بن زيد بن ثابت وانهم ليبكون حتى

أخضل لحاهم الدمع‏.‏

وقال يومئذ أبو أمامة‏:‏ ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء ويرون ما رضي

رسول الله صلى الله عليه وسلم ومفاتيح خزائن الدنيا بيده‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

كتب الوليد إلى عمر بحفر الآبار بالمدينة

وبعمل الفوارة التي عند دار يزيد بن عبد الملك فعملها وأجرى ماءها فلما حج الوليد وقف

فنظر إليها فأعجبته وأمر أن يسقى أهل المسجد منها‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

بنى الوليد مسجد دمشق فانفق عليه مالًا عظيمًا

أنبأنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد السمرقندي قال‏:‏ أخبرنا عبد العزيز بن

أحمد الكناني قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله بن الحسين الدوري قال‏:‏ حدثنا أبو عمر محمد بن

موسى بن فضالة قال‏:‏ حدثنا أبو قصي سعيد بن محمد بن إسحاق العدوي قال‏:‏ حدثنا

سليمان بن عبد الرحمن قال‏:‏ حدثنا الوليد بن مسلم‏.‏

عن عمرو بن مهاجر وكان على بيت مال الوليد بن عبد الملك أنهم حسبوا ما أنفق على الكرمة التي في قبلة مسجد دمشق فكانت سبعين ألف دينار‏.‏

قال أبو قصي‏:‏ وحسبوا ما أنفق على مسجد دمشق وكان أربعمائة صندوق في كل صندوق

ثمانية وعشرون ألف دينار‏.‏

قال أبو قصي‏:‏ وأتاه حرسته فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين إن أهل دمشق يتحدثون أن الوليد أنفق

الأموال في غير حقها فنادى‏:‏ الصلاة جامعة وخطب الناس فقال‏:‏ إنه بلغني حرستي أنكم

تقولون إن الوليد أنفق الأموال في غير حقها الأ يا عمر بن مهاجر قم فأحضر ما قبلك من الأموال من بيت المال قال‏:‏ فأتيت البغال تحمل المال وتصب في القبلة على الأنطاع حتى لم يبصر من في الشام من في القبلة ولا من في القبلة من في الشام وأتت الموازين - يعني القبابين فوزنت الأموال وقال لصاحب الديوان‏:‏ أحضر من قبلك ممن يأخذ رزقنا فوجدوا ثلاثمائة ألف ألف في جميع الأمصار وحسبوا ما يصيبهم فوجد عنده رزق ثلاث سنين ففرح الناس وكبروا وحمدوا الله عز وجل وقال‏:‏ إلى ما تذهب هذه الثلاث سنين قد أتانا الله بمثله ومثله ألا وأني إنما رأيتكم يا أهل الشام تفخرون على الناس بأربع خصال فأحببت أن يكون مسجدكم الخامس تفخرون على الناس بمائكم وهوائكم وفاكهتكم وحماماتكم فأحببت أن يكون مسجدكم الخامس فاحمدوا الله تعالى فانصرفوا وهم شاكرين داعين‏.‏

وقد حكى محمد بن عبد الملك الهمداني أن الجاحظ حكى عن بعض السلف أنه قال‏:‏ ما

يجوز أن يكون أحد أشد شوقًا إلى الجنة من أهل دمشق لما يرون من حسن مسجدهم‏.‏

قال‏:‏ ودخله المأمون ومعه المعتصم ويحيى بن أكثم فقال المأمون‏:‏ أي شيء يعجبكم من هذا

المسجد فقال المعتصم‏:‏ ذهبه فإنا نصنعه فلا تمضى عشرون سنة حتى يتحول وهذا بحاله

كأن الصانع قد فرغ منه الآن فقال‏:‏ ما أعجبني هذا فقال يحيى بن أكثم‏:‏ الذي أعجبك يا أمير

المؤمنين تأليف رخامه فإن فيه عقودًا ما يرى مثلها قال‏:‏ كلا بل أعجبني أنه شيء على غير

مثال شوهد‏.‏

قال‏:‏ وأمر الوليد أن يسقف بالرصاص فطلب من كل البلاد وبقيت قطعة لم يوجد لها رصاص إلا عند امرأة فأبت أن تبيعه إلا بوزنه ذهبًا فقال‏:‏ اشتروه منها ولو بوزنه مرتين ففعلوا وزنوا مثله فلما قبضته قالت‏:‏ إني ظننت من صاحبكم أنه يظلم الناس في بنائه فلمارأيت إنصافه رددت الثمن‏.‏

فلما بلغ ذلك الوليد أمر أن يكتب على صفائح المرأة لله ولم يدخله فيما عمله وفيما كتب عليه اسمه‏.‏

قال محمد بن عبد الملك‏:‏ وقد قيل إنه أنفق عليه خراج الدنيا ثلاث مرات وأنه بلغ ثمن البقل

الذي أكله الصناع فيه ستة آلاف دينار وكان فيه ستمائة سلسلة ذهب فلم يقدر أحد أن يصلي فيه لعظم شعاعها فدخنت‏.‏وعمل هذا الجامع في تسع سنين‏.‏

قال‏:‏ وقال موسى بن حماد البربري‏:‏ رأيت في مسجد دمشق كتابًا بالذهب في الزجاج محفورًا

عليه سورة ألهاكم التكاثر إلى آخرها ورأيت جوهرة حمراء ملصقة في قاف المقابر فسألت عن

ذلك فقيل لي‏:‏ كان للوليد ابنة ولها هذه الجوهرة وكانت ابنة نفيسة فماتت فأمرت أمها أن

تدفن هذه الجوهرة معها في قبرها فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر من ألهاكم التكاثر ثم

حلف لأمها أنه قد أودعها في المقابر فسكتت‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏حبس الوليد المجذمين أن يخرجوا على الناس وأجرى عليهم أرزاقًا‏.‏

وفيها‏:‏ غزا مسلمة الروم ففتح على يديه حصونًا وقتل من المستعربة نحو من ألف مع سبي

الذرية وأخذ الأموال‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس عمر بن عبد العزيز فأحرم من ذي الحليفة وساق بدنًا فلما كان بالتنعيم

لقيه نفر من قريش فأخبروه أن مكة قليلة الماء وأنهم يخافون على الحاج العطش فقال عمر‏:‏

تعالوا ندعو الله تعالى فدعا ودعوا فما وصلوا إلى البيت إلا مع المطر فجاء سيل خاف منه

أهل مكة فكثر الخصب في تلك السنة‏.‏

هذا في رواية الواقدي‏.‏

وزعم أبو معشر أن الذي حج بهم في هذه السنة عمر بن الوليد بن عبد الملك وكان العمال

على الأمصار من تقدم في السنة التي قبلها‏.‏

وما عرفنا من الأكابر أحدًا توفي في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وثمانين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 افتتاح المسلمين سورية

وذكر الواقدي أن مسلمة والعباس دخلا جميعًا في هذه السنة أرض الروم غازيين ثم افترقا

فافتتح مسلمة حصن سورية وافتتح أذرولية ووافق من الروم جمعًا فهزمهم وقصد مسلمة

عمورية وغزا الترك حتى بلغ الباب من ناحية أذربيجان ففتح حصونًا ومدائن وغزا العباس

الصائفة من ناحية البدندون‏.‏

وفيها غزا قتيبة بخارى ففتح بعض بلدانها ولقيه الصغد فظفر بهم‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ابتدئ بالدعاء لبني العباس وكان الدعاء لمحمد بن علي بن عبد الله بن

العباس وسمي بالإمام وكوتب وأطيع ثم لم يزل الأمر ينمى ويقوى ويتزايد إلى أن توفي في سنة أربع وعشرين ومائة‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس عمر بن عبد العزيز وكان العمال في هذه السنة على الأمصار من كان في

السنة التي قبلها‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

ربيعة بن عباد الديلي

من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا إفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح

سنة سبع وعشرين‏.‏

روى عنه محمد بن المنكدر وأبو الزناد وبكير بن الأشج وغيرهم‏.‏

توفي بالمدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك‏.‏

عبد الله بن محيريز

أبو محيريز‏:‏

أسند عن أبي سعيد ومعاوية وأبي محذورة‏.‏

أخبرنا إسماعيل بن أحمد بإسناده عن بشير بن صالح قال‏:‏ دخل ابن محيريز حانوتًا بدابق وهو

يريد أن يشتري ثوبًا فقال رجل لصاحب الحانوت‏:‏ هذا ابن محيريز فأحسن بيعه فغضب ابن

محيريز وخرج وقال‏:‏ إنما نشتري بأموالنا لسنا نشتري بديننا‏.‏

عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية

أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا عاصم بن الحسن قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد المعدل

قال‏:‏ أخبرنا أبو علي بن صفوان قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن عبيد قال‏:‏ قال الحسن بن عثمان‏:‏

سمعت أبا العباس الوليد يقول عن عبد الرحمن بن جابر قال‏:‏ كان عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية خلًا لعبد الملك بن مروان فلما مات عبد الملك وتصدع الناس عن قبره وقف عليه فقال‏:‏ أنت عبد الملك الذي كنت تعدني فأرجوك وتتوعدني فأخافك أصبحت وليس معك من ملكك غير ثوبيك وليس لك غير أربعة أذرع في عرض ذراعين من الأرض ثم انكفأ إلى أهله واجتهد في العبادة حتى صار كأنه شن‏.‏

قال‏:‏ فدخل عليه بعض أهله فعاتبه في نفسه وإضراره بها وقال للقائل‏:‏ أسألك عن شيءتصدقني عنه قال‏:‏ نعم قال‏:‏ أخبرني عن حالك التي أنت عليها أترضاها للموت قال‏:‏ اللهم لا قال‏:‏ فعزمت على الانتقال منها إلى غيرها قال ما انتصحت رأي في ذلك قال‏:‏ أفتأمن أن يأتيك الموت على حالك التي أنت عليها قال‏:‏ اللهم لا قال‏:‏ فحال ما أقام عليها عاقل ثم انكفأ إلى مصلاه‏.‏

عمران بن حطان السدوسي البصري

روى عن أبي موسى وابن عمر وعائشة‏.‏ وروى عنه محمد بن سيرين ويحيى بن أبي كثير‏.‏

وكان شاعرًا‏.‏

أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد العلاف قال‏:‏ أخبرنا ابن بشران

قال‏:‏ حدثنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن جعفر الخرائطي قال‏:‏ حدثنا أحمد

بن علي الأنباري قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن عيسى عن أبي الحسن المدائني قال‏:‏دخل عمران بن حطان على امرأته - وكان عمران قبيحًا دميمًا قصيرًا - وقد تزينت وكانتامرأة حسناء فلما نظر إليها ازدادت في عينه حسنًا فلم يتمالك أن يديم النظر إليها فقالت‏:‏ما شأنك فقال‏:‏ لقد أصبحت والله جميلة فقالت‏:‏ أبشر فإني وإياك في الجنة قال‏:‏ ومن أين علمت ذلك قالت‏:‏ لأنك أعطيت مثلي فشكرت وابتليت بمثلك فصبرت والصابر والشاكر في الجنة‏.‏

مذعور

كان من كبار الصالحين

قال مطرف‏:‏ ما تحاب اثنان في الله إلا كان أشدهما حبًا لصاحبه أفضلهما وأنا لمذعور أشد حبًا وهو أفضل مني فكيف هذا قال‏:‏ فلما أمر بالرهط أن يخرجوا إلى الشام أمر بمذعور فيهم‏.‏

قال‏:‏ فلقيني فأخذ بلجام دابتي فجعلت كلما أردت أن أنصرف منعني فقلت‏:‏ إن المكان بعيد فجعل يحبسني فقلت‏:‏ أنشدك الله إلا تركتني فيم تحبسني فلما نشدته قال‏:‏ كلمة يخفيها جهده مني اللهم فيك فعرفت أنه أشد حبًا لي منه‏.‏

يزيد بن مرثد أبو عثمان الهمداني

أسند عن معاذ وأبي الدرداء وكان كثير البكاء‏.‏

قرأت على أبي القاسم هبة الله بن أحمد الحريري عن أبي طالب محمد بن علي بن الفتح

العشاري قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد الخوارزمي قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن محمد المزكي قال‏:‏

أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا منصور بن عمار قال‏:‏ حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال‏:‏ قلت ليزيد بن مرثد‏:‏ مالي لا أرى عيناك تجفان من الدموع قال‏:‏ وما سؤالك عن هذا قلت‏:‏ عسى أن ينفعني الله به قال‏:‏ هو ما ترى قلت‏:‏ هكذا تكون في خلواتك قال‏:‏ والله إن ذلك ليعتريني وقد قرب إلي طعامي فيحول بيني وبين أكله وإن ذلك ليعتريني وقد دنوت من أهلي فيحول بيني وبين ما أريد حتى تبكي أهلي لبكائي ويبكي صبياننا وما يدرون ما يبكينا وحتى تقول زوجتي‏:‏ يا ويحها ماذا خصت به من نساء المسلمين من الحزن معك ما ينفعني معك عيش ولا تقر عيني بما تقر به عين النساء مع أزواجهن قلت‏:‏ يا أخي ما الذي أحوجك قال‏:‏ والله يا أخي لو أن الله تعالى لم يتواعدني إن أنا عصيته إلا أن يحبسني في حمام لكنت حريًا أن لا تجف لي دمعة فكيف وقد تواعدني أن يسجنني في النار‏.‏

وروي عن سويد بن عبد العزيز عن الوضين بن عطاء قال‏:‏ أراد الوليد بن عبد الملك أن يولي

يزيد بن مرثد فبلغ ذلك يزيدًا فلبس فروة وقلبها فجعل الجلد على ظهره والصوف خارجًا

وأخذ بيده رغيفًا وعرقًا وخرج بلا رداء ولا قلنسوة ولا نعل ولا خف وجعل يمشي في

يحيى بن يعمر أبو سليمان الليثي البصري

كان صاحب علم بالقرآن والعربية‏.‏

روى عن ابن عباس وابن عمر وأبي الأسود الديلي‏.‏وروى عنه عبد الله بن أبي بريدة وإسحاق بن سويد‏.‏ونزل مرو وولي القضاء وكان عالمًا فصيحًا ثقة‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ كان يحيى قاضيًا فتقدم إليه رجل وامرأته فقال يحيى للرجل‏:‏ أرأيت إن

سألتك حق شكرها وشبرك أنشأت تطلها وتضهلها‏.‏ قال‏:‏ يقول الرجل لامرأته‏:‏ لا والله لا أدري

ما يقول قومي حتى تنصرف شبرة تطلها‏:‏ تبطل حقها‏.‏ وتضهلها‏:‏ تعطيها حقها قليلًا قليلًا والكناية بالشكر والشبر عن النكاح‏.‏

 ثم دخلت سنة تسعين

فمن الحوادث فيها‏:‏

غزوة مسلمة بن عبد الملك أرض الروم

ففتح حصونًا خمسة بسورية‏.‏

وفيها‏:‏ غزا العباس بن الوليد حتى بلغ الأردن وقيل‏:‏ بل بلغ سورية‏.‏

وفيها‏:‏ ولى الوليد قرة بن شريك على مصر موضع عبد الله بن عبد الملك‏.‏

وفيها‏:‏ أسرت الروم خالد بن كيسان صاحب البحر فذهبوا به إلى ملكهم فأهداه ملك الروم

إلى الوليد بن عبد الملك‏.‏

وفيها‏:‏ فتح قتيبة بن مسلم بخارى وهزم جموع العدو بها‏.‏

وفيها‏:‏ جدد قتيبة الصلح بينه وبين طرخون ملك الصغد‏.‏

وذلك أنه لما أوقع قتيبة بأهل بخارى ففض جمعهم هابه أهل الصغد فرجع طرخون ملك الصغد حتى وقف قريبًا من عسكر قتيبة وبينهم نهر بخارى فسأل أن يبعث إليه رجلًا يكلمه فبعث قتيبة إليه رجلًا فسأل الصلح على فدية يؤديها فأجابه قتيبة‏.‏

وفيها‏:‏ غدر نيزك فنقض الصلح الذي كان بينه وبين المسلمين وامتنع بقلعة فغزاه قتيبة‏.‏

وذلك أن قتيبة فصل من بخارى ومعه نيزك وقد ذعره ما رأى من الفتوح وخاف قتيبة فاستأذنه في الرجوع إلى بخارى فأذن له فذهب وخلع قتيبة وكتب إلى جماعة من الملوك منهم ملك الطالقان فوافقوه على ذلك وواعدوه الغزو معه في الربيع فبعث قتيبة أخاه عبد الله إلى بلخ

في إثني عشر ألفًا وقال‏:‏ أقم بها ولا تحدث شيئًا فإذا انكسر الشتاء فعسكر واعلم أني قريبًا

منك فدخل قتيبة الطالقان فأوقع بأهلها البلاء وقتل منهم مقتلة عظيمة وصلب منهم وقيل‏:‏ كان هذا في سنة إحدى وتسعين‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ هرب يزيد بن المهلب بإخوته الذين كانوا في سجن الحجاج‏.‏

فلحقوا بسليمان بن الملك مستجيرين به من الحجاج والوليد بن عبد الملك‏.‏

وسبب ذلك وسبب خلاصهم أن الحجاج خرج إلى رستقباذ للبعث لأن الأكراد كانوا قد غلبوا

على عامة أرض فارس فخرج بيزيد وبإخوته المفضل وعبد الملك حتى قدم بهم رستقباذ

فجعلهم في عسكره وجعل عليهم كهيئة الخندق وجعلهم في فسطاط قريبًا من حجرته وجعل

عليهم حرسًا من أهل الشام وأغرمهم ستة آلاف ألف وأخذ يعذبهم وكان يزيد يصبر صبرًا

حسنًا وكان ذلك يغيظ الحجاج فبعثوا إلى مروان بن المهلب وهو بالبصرة ليهيئ لهم الخيل

وصنع يزيد طعامًا كثيرًا فأطعم الحرس وسقاهم ولبس يزيد ثياب طباخه ووضع على لحيته

لحية بيضاء وخرج فرآه بعض الحرس في الليل فقال‏:‏ كأنه يزيد ثم طالعه فقال‏:‏ هذا الشيخ‏.‏

وخرج المفضل في أثره ولم يفطن له فجاءوا إلى سفن قد هيئوها في البطائح وبينهم وبين البصرة ثمانية عشر فرسخًا فأبطأ عليهم عبد الملك وشغل عنهم ثم جاء فركبوا السفن وساروا ليلتهم حتى أصبحوا ولما أصبح الحرس علموا بذهابهم ورفع ذلك إلى الحجاج ففزع وذهب وهمه إلى أنهم ذهبوا قبل خراسان وبعث إلى قتيبة بن مسلم يحذره قدومهم ويأمره أن يستعد لهم وكان يظن أن يزيد يريد ما أراد ابن الأشعث ولما دنا يزيد من البطائح استقبلته الخيل قد

هيئت له ولأخوته فخرجوا عليها ومعهم دليل من كلب فأخذ بهم على السماوة فنزل يزيد

على وهيب بن عبد الرحمن الأزدي وكان كريمًا على سليمان فجاء وهيب حتى دخل على

سليمان فقال‏:‏ هذا يزيد وإخوته في منزلي وقد أتوا هرابًا من الحجاج متعوذين بك قال‏:‏ فأتني

بهم فإنهم آمنون لا يوصل إليهم أبدًا وأنا حي فجاء بهم حتى أدخلهم عليه‏.‏

وكتب الحجاج‏:‏ إن آل المهلب خانوا مال الله عز وجل وهربوا مني ولحقوا بسليمان وكان الوليد

قد أمر الناس بالتهيؤ إلى خراسان ظنًا منه أن يزيد قد ذهب إلى ثم فلما عرف هذا هان عليه

الأمر وكتب سليمان إلى الوليد‏:‏ إنما على يزيد ثلاثة آلاف ألف والحجاج قد أغرمهم ستة آلاف

ألف فأدوا ثلاثة آلاف ألف وبقي ثلاثة آلاف ألف فهي علي‏.‏

فكتب إليه‏:‏ لا والله لا أؤمنه حتى تبعث به إلي فكتب إليه‏:‏ لئن أنا بعثت به إليك لأجيئن

معه فأنشدك الله أن تفضحني ولا تخفرني‏.‏

فكتب إليه‏:‏ والله لئن جئتني لا أؤمنه‏.‏

فقال يزيد‏:‏ ابعثني إليه والله ما أحب أن أوقع بينك وبينه عدواة فابعثني وأرسل معي ابنك واكتب إليه باللطف‏.‏ فأرسل معه ابنه أيوب فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين نفسي فداؤك لا تخفر ذمة أبي فأمنه وعاد إلى سليمان فمكث عنده تسعة أشهر وتوفي الحجاج‏.‏

حج بالناس عمر بن عبد العزيز وكان عامل الوليد على مكة والمدينة والطائف وكان على

العراق والمشرق الحجاج بن يوسف وكان عامل الحجاج على البصرة الجراح بن عبد الله وعلى قضائها عبد الرحمن بن أذينة وعلى الكوفة زياد بن جرير بن عبد الله وعلى قضائها ابن أبي موسى وعلى خراسان قتيبة بن مسلم وعلى مصر قرة بن شريك‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

رفيع أبو العالية الرياحي

أعتقته امرأة من بني رياح‏.‏

قال‏:‏ كنت مملوكًا لأعرابية فدخلت المسجد معها فوافينا الإمام

على المنبر فقبضت على يدي وقالت‏:‏ اللهم أذخره عندك ذخيرة اشهدوا يا أهل المسجد أنه

سائبة لله ثم ذهبت فما تراءينا بعد‏.‏

أسند أبو العالية عن أبي بكر وعمر وعلي وأبي وأبي موسى وأبي هريرة وابن عباس‏.‏

وكان عالمًا ثقة‏.‏

أخبرنا ابن ناصر بإسناده عن سفيان بن عيينة عن عاصم قال‏:‏ كان أبو العالية إذا جلس إليه

أكثر من أربعة قام‏.‏

وكان شاعرًا مجيدًا وهو القائل لما بلغ بلكثة الشام ‏:‏

بينما نحن في بلاكث بالقاع ** سراعًا والعيش تهوي هويا

خطرت خطرة على القلب من ** ذكراك وهنًا فما أطقت مضيا

قلت للشوق إذ دعاني لبيـ ** ـك وللحادثين ردي المطيا

مرثد بن عبد الله أبو الخير الكلاعي اليزني

يروي عن أبي أيوب الأنصاري وزيد بن ثابت وعقبة بن عامر ومالك بن هبيرة وعمرو بن

العاص وغيرهم‏.‏وكان مفتي أهل مصر في أيامه‏.‏توفي في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وتسعين

فمن الحوادث فيها‏:‏

غزاة عبد العزيز بن الوليد الصائفة

وكان على الجيش مسلمة بن عبد الملك حتى بلغ الباب من ناحية أذربيجان ففتح على يديه مدائن وحصون‏.‏

وفيها‏:‏ سار قتيبة إلى مرو الروذ

فبلغ الخبر إلى مرزبانها فهرب إلى الفرس فقدم قتيبة فأخذ ابنين له فقتلهما وصلبهما ومضى

إلى الفارياب فخرج إليه ملك الفارياب مذعنًا مطيعًا فرضي عنه واستعمل عليها رجلًا من

باهلة وبلغ الخبر صاحب الجوزجان فترك أرضه وخرج إلى الجبال هاربًا وسار قتيبة إلى

الجوزجان فلقيه أهلها مطيعين فقبل منهم واستعمل عليها عامر بن مالك وما زال ينصب

المنجنيق على بلدة ويحرق بلدة ويبالغ في الجهاد حتى قتل في مكان واحد اثني عشر ألفًا‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

ولى الوليد خالد بن عبد القسري مكة

فلم يزل واليًا إلى أن مات الوليد فخطب خالد الناس في ولايته فقال‏:‏ إني والله ما أوتي بأحد

يطعن على إمامه إلا صلبته في الحرم‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عامر

بن بكير قال‏:‏ أخبرنا هارون بن عيسى بن المطلب الهاشمي قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن عبد

الصمد بن موسى قال‏:‏ حدثنا محمد بن الوليد المخزومي قال‏:‏ حدثنا القاسم بن أبي سفيان

قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن حبيب بن أبي حبيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ سمعت خالد بن

من كان منكم يريد أن يضحي فلينطلق فليضح فبارك الله له في أضحيته فإني مضح بالجعد

بن درهم فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليمًا ولم يتخذ إبراهيم خليلًا فسبحان الله عما

يقول الجعد علوًا كبيرًا ثم نزل فذبحه‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏حج الوليد بن عبد الملك‏.‏

قال الواقدي‏:‏ حدثني موسى بن أبي بكر قال‏:‏ حدثنا صالح بن

كيسان قال‏:‏ لما حضر قدوم الوليد أمر عمر بن عبد العزيز عشرين رجلًا من قريش يخرجون

معه فخرجوا فلقوه بالسويداء فلما دخل إلى المدينة غدا إلى المسجد ينظر إلى بنائه فأخرج

الناس منه فما ترك فيه أحد وبقي سعيد بن المسيب ما يجترئ أحد من الحرس أن يخرجه

وما عليه إلا ريطتان ما تساويان خمسة دراهم في مصلاه فقيل له‏:‏ لو قمت قال‏:‏ والله لا أقوم

حتى يأتي الوقت الذي كنت أقوم فيه فقيل له‏:‏ لو سلمت على أمير المؤمنين فقال‏:‏ لا والله لا

أقوم إليه‏.‏

قال عمر بن عبد العزيز‏:‏ فجعلت أعدل بالوليد في ناحية المسجد رجاء ألا يرى سعيد بن

المسيب حتى يقوم فحانت من الوليد التفاتة - أو قال‏:‏ نظرة - إلى القبلة فقال‏:‏ من ذلك

الجالس أهو الشيخ سعيد بن المسيب فقال عمر‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين من حاله ومن حاله‏.‏

ولو علم مكانك لقام مسلمًا عليك فدار في المسجد حتى وقف على القبر ثم أقبل حتى وقف على سعيد بن المسيب فقال‏:‏ كيف أنت أيها الشيخ فوالله ما تحرك سعيد ولا قام فقال‏:‏ بخير والحمد لله فكيف أمير المؤمنين وكيف حاله فقال الوليد‏:‏ بخير والحمد لله فانصرف وهو يقول لعمر‏:‏ هذا بقية الناس فقال‏:‏ أجل يا أمير المؤمنين‏.‏

وقسم الوليد بالمدينة رقيقًا كثيرًا بين الناس وآنية من ذهب وفضة وأموالًا وخطب بها يوم

الجمعة وصلى بهم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وقدم بطيب وكسوة للكعبة‏.‏

قال المدائني‏:‏ وحج محمد بن يوسف من اليمن وحمل هدايا للوليد فقالت أم البنين للوليد‏:‏

اجعل لي هدية محمد بن يوسف فأمر بصرفها إليها فجاءت أم البنين إلى محمد فيها فأبى

وقال‏:‏ حتى ينظر إليها أمير المؤمنين فيرى رأيه وكانت هدايا كثيرة فقالت‏:‏ يا أمير المؤمنين إنك أمرت بهدايا محمد أن تصرف إلي ولا حاجة لي فيها قال‏:‏ ولم قالت‏:‏ بلغني أنه غصبها وكلفهم عملها وظلمهم وحمل محمد المتاع إلى الوليد فقال له‏:‏ بلغني أنك أصبتها غصبًا قال‏:‏ معاذ الله فأمر فاستحلف بين الركن والمقام خمسين يمينًا أنه ما غصب شيئًا منها ولا ظلم أحدًا ولا أصابها إلا من طيب فحلف فقبلها الوليد ودفعها إلى أم البنين‏.‏

ومات محمد باليمن أصابه داء انقطع وكان عمال الأمصار في هذه السنة من تقدم في السنة التي قبلها غير مكة فإن الواقدي يقول‏:‏ كان عاملها خالد بن عبد الله القسري‏.‏

وقال غيره‏:‏ بل كان عمر بن العزيز‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

أمه خولة بنت منظور بن زبان‏.‏

تزوج فاطمة بنت الحسين فولدت له عبد الله وتوفي عنها

فخلف عليها عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان‏.‏

سهل بن سعد الساعدي

توفي في هذه السنة عن خمس وسبعين سنة‏.‏

عمر بن يوسف أخو الحجاج

توفي باليمن واليًا عليها وتوفي بعده بستة أيام‏.‏

محمد بن الحجاج

فقال الحجاج يرثيه‏:‏

وحسبي بقاء الله من كل ميت ** وحسبي بقاء الله من كل هالك