فصل: ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وثلثمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه في غرة المحرم ظهرت في الجو حمرة شديدة من ناحية الشمال والمغرب وظهرت فيها أعمدة بيض عظيمة كثيرة العدد‏.‏

وفيها أن الخبر ورد بأن أبا علي الحسن بن بويه الديلمي صار إلى واسط فانحدر الراضي وبجكم فانصرف أبو علي من واسط ورجع الراضي إلى بغداد‏.‏

وفيها‏:‏ أن بجكم تزوج سارة بنت أبي عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب البريدي على صداق مبلغه مائتا ألف درهم‏.‏

وفيها في شعبان‏:‏ بلغت زيادة الماء في دجلة تسعة عشر ذراعًا وبلغت زيادة الفرات إحدى عشرة ذراعًا‏.‏

وانبثق بثق من نواحي الأنبار فاجتاح القرى وغرق الناس والبهائم والسباع وصب الماء في الصراة إلى بغداد ودخل الشوارع في الجانب الغربي من بغداد وغرق شارع الأنبار فلم يبق فيه منزل وتساقطت الدور والأبنية على الصراة وانقطع بعض القنطرة العتيقة والجديدة‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثنا التنوخي قال‏:‏ حدثنا طلحة بن محمد بن جعفر قال‏:‏ لما كان يوم الخميس لخمس بقين من شعبان خلع الراضي على أبي نصر يوسف بن عمر بن محمد بن يوسف وقلده قضاء الحضرة بأسرها الجانب الشرقي والغربي والمدينة والكرخ وقطعة من أعمال السواد وخلع على أخيه أبي محمد الحسين بن عمر لقضاء أكثر السواد ثم صرف الراضي أبا نصر عن مدينة المنصور بأخيه الحسين في سنة تسع وعشرين وأقره على الجانب الشرقي‏.‏

وفي يوم السبت لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة‏:‏ أشهد أبو علي بن أبي موسى الهاشمي عن نفسه ثلاثين شاهدًا من العدول بأنه لا يشهد عند القاضي أبي نصر يوسف بن عمر ببغداد وأخذ خطوط الشهود أنه عدل مقبول الشهادة‏.‏

وفي يوم الإثنين لثمان بقين من ذي الحجة‏:‏ أسجل القاضي أبو نصر يوسف بن عمر بأن أبا عبد الله بن أبي موسى الهاشمي ساقط الشهادة بشهادة عشرين عدلًا عليه بذلك‏.‏

وفي مستهل ذي القعدة‏:‏ وافى رسول أبي طاهر الجنابي القرمطي فأطلق له من مال السلطان خمسة وعشرين ألف دينار من جملة خمسين ألف دينار ووفق عليها على أن يبذرق بالحاج فبذرقهم في هذه السنة‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ صرف أبو عبد الله البريدي عن الوزارة واستوزر سليمان بن الحسن وكان البريدي قد ضمن واسطًا وأعمالها بستمائة ألف دينار‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسحاق بن محمد بن إسحاق أبو عيسى الناقد حدث عن الحسن بن عرفة وتوفي في محرم هذه السنة‏.‏

جعفر المرتعش أبو محمد كذلك ذكره أبو بكر الخطيب وقال أبو عبد الرحمن السلمي‏:‏ اسمه عبد الله بن محمد أبو محمد النيسابوري كان من ذوي الأموال فتخلى عنها وصحب الفقراء مثل الجنيد وأبي حفص وأبي عثمان وأقام ببغداد حتى صار شيخ الصوفية‏.‏

وكان اقامته بالشونيزية وكانوا يقولون عجائب بغداد ثلاثة‏:‏ إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات جعفر الخواص‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن خلف أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال‏:‏ سمعت أبا الفرج الصائغ يقول‏:‏ قال المرتعش من ظن أن أفعاله تنجيه من النار وتبلغه الرضوان فقد جعل لنفسه ولفعله خطرًا ومن اعتمد على فضل الله بلغه الله أقصى منازل الرضوان‏.‏

وقيل له‏:‏ ان فلانًا يمشي على الماء فقال‏:‏ أن من مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الماء‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا الخطيب قال‏:‏ ذكر محمد بن مأمون البلخي أنه سمع أبا عبد الله الرزاز يقول‏:‏ حضرت وفاة المرتعش في مسجد الشونيزية سنة ثمان وعشرين وثلثمائة فقال‏:‏ انظروا ديوني فنظروا فقالوا‏:‏ بضعة عشر درهمًا فقال‏:‏ انظروا خريقاتي فلما قربت منه قال‏:‏ اجعلوها في ديوني وأرجو أن الله يعطيني الكفن ثم قال‏:‏ سألت الله ثلاثًا عند موتي فأعطانيها سألته أن يميتني على الفقر وسألته أن يجعل موتي في هذا المسجد فقد صحبت فيه أقوامًا وسألته أني يكون حولي من آنس به وأحبه وغمض عينيه ومات بعد ساعة رحمة الله عليه‏.‏

الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى بن الفضل بن بشار أبو سعيد المعروف M0 الاصطخري قاضي قم ولد سنة أربع وأربعين ومائتين وسمع سعدان بن نصر وأحمد بن منصور المرادين وعباسًا الدوري روى عنه ابن المظفر والدارقطني وابن شاهين‏.‏

وكان أحد الأئمة المذكورين وهو من شيوخ الفقهاء الشافعيين وكان ورعًا زاهدًا وكتابه الذي ألفه يدل على سعة علمه وقوة فهمه وكان متقللًا فيقال أنه كان قميصه وسراويله وعمامته وطيلسانه من شقة واحدة وله كتاب القضاء لم يصنف مثله توفي في هذه السنة‏.‏

الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المجيد أبو محمد المقرئ وهو ابن أخت أبي الآذان‏.‏

سمع من جماعة وروى عنه الدارقطني وقال‏:‏ هو من الثقات وتوفي في هذه السنة‏.‏

الحسن بن سعيد بن الحسن بن يوسف أبو القاسم الوراق يعرف بابن الهرش مروزي الأصل‏.‏

حدث عن إبراهيم بن هاني روى عنه الدارقطني وابن شاهين وكان ثقة وتوفي في هذه السنة‏.‏

الحسين بن محمد بن سعيد أبو عبد الله البزاز المعروف ابن المطبقي ولد في ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وحدث عن خلاد بن أسلم والربيع بن سليمان ومحمد بن منصور الطوسي روى عنه الخطبي والدارقطني وابن المظفر وابن شاهين وكان ثقة‏.‏

وتوفي في شوال هذه السنة ودفن في داره وبلغ ستًا وتسعين سنة وهو صحيح الفهم والعقل والجسم حامد بن أحمد بن الهيثم أبو الحسين البزاز حدث عن أحمد بن منصور الرمادي توفي في هذه السنة‏.‏

حامد بن بلال بن الحسن أبو أحمد البخاري حدث عن جماعة روى عنه أبو بكر الشافعي وابن شاهين توفي في رجب هذه السنة‏.‏

حامد بن أحمد بن محمد أبو أحمد المروزي المعروف الزيدي كان له عناية بحديث زيد بن أبي أنيسة وجمعه وطلبه فنسب إليه سكن طرسوس ثم قدم بغداد وحدث بها فروى عنه الدارقطني وكان ثقة مذكورًا بالفهم موصوفًا بالحفظ‏.‏

توفي في حمزة بن الحسين بن عمر أبو عيسى السمسار سمع من جماعة روى عنه الخلدي وابن شاهين وكان ثقة وذكر أنه كان يعرف بحمزة واسمه عمر توفي في هذه السنة‏.‏

خير يكنى أبا صالح مولى عبد الله بن يحيى بن زهير التغلبي سمع من بكار بن قتيبة وكان ثقة تقبله القضاة وتحكم بقوله وكان أسود خصيًا توفي في رمضان هذه السنة‏.‏

عبد الله بن سليمان بن عيسى بن الهيثم أبو محمد الوراق المعروف الفامي سمع إبراهيم بن هانيء وعبد الله بن أحمد روى عنه ابن شاهين وكان ثقة وتوفي في شوال هذه السنة‏.‏

علي بن أحمد بن الهيثم أبو الحسن البزار وتوفي في هذه السنة‏.‏

علي بن محمد أبو الحسن المزين الصغير أصله من بغداد وصحب الجنيد وسهل بن عبد الله وأقام بمكة مجاورًا حتى توفي بها في هذه السنة‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري قال‏:‏ أخبرنا أبو سعد بن أبي صادق قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله بن باكويه أخبرنا أبو عبد الله بن خفيف قال‏:‏ سمعت أبا الحسن المزين بمكة يقول‏:‏ كنت في بادية تبوك فتقدمت إلى بئر لأستقي منها فزلقت رجلي فوقعت في جوف البئر فرأيت في جوف البئر زاوية واسعة فاصلحت موضعًا وجلست عليه وقلت‏:‏ إن كان مني شيء لا أفسد الماء على الناس وطابت نفسي وسكن قلبي فبينا أنا قاعد إذا بخشخشة فتأملت فإذا أنا بأفعى تنزل علي فراجعت نفسي فإذا هي ساكنة علي فنزل فدار بي وأنا هادئ السر لا تضطرب علي نفسي ثم لف ذنبه واخرجني من البئر وحلل عني ذنبه فلا أدري ارض ابتلعته أو سماء رفعته ثم قمت ومشيت وثم آخر يقال له كان بمكة وبها مات وكان من العباد‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن أبي علي قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن أحمد الطبري قال‏:‏ حدثنا جعفر الخلدي قال‏:‏ ودعت في بعض حجاتي المزين الكبير فقلت‏:‏ زودني شيئًا فقال‏:‏ إن ضاع منك شيء أو أردت أن يجمع الله بينك وبين إنسان فقل‏:‏ يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد اجمع بيني وبين كذا وكذا فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الإنسان أو ذلك الشيء قال‏:‏ فجئت إلى الكتاني فودعته وقلت‏:‏ زودني فأعطاني فصًا عليه نقش كأنه طلسم فقال‏:‏ إذا اغتممت فانظر إلى هذا فإنه يزول غمك قال‏:‏ فانصرفت فما دعوت الله بتلك الدعوة إلا استجيب لي ولا رأيت الفص وقد اغتممت إلا زال غمي فأنا ذات يوم قد توجهت أعبر إلى الجانب الشرقي من بغداد إذ هاجت ريح عظيمة وأنا في السميرية والفص في جيبي فأخرجته لأنظر إليه فلا أدري كيف ذهب مني في الماء أو في السفينة فاغتممت غمًا عظيمًا فدعوت بالدعوة وعبرت فما زلت أدعو بها يومي وليلتي أيامًا فلما كان بعد ذلك أخرجت صندوقًا فيه ثيابي لأغير منها شيئًا ففرغت الصندوق فإذا بالفص في أسفل الصندوق فأخذته وحمدت الله عز وجل على رجوعه‏.‏

عمر بن أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم ناب عن أبيه في القضاء وهو ابن عشرين سنة ثم توفي أبوه وهو على القضاء وكان حافظًا للقرآن والفقه على مذهب مالك والفرائض والحساب واللغة والنحو والشعر والحديث وأقر على القضاء ثم جعل قاضي القضاة إلى آخر عمره وصنف مسندًا ورزق قوة الفهم وجودة القريحة وشرف الأخلاق‏.‏

قال أبو القاسم بن برهان النحويك كان عدد الشهود في زمان قاضي القضاة أبي الحسين بن قاضي القضاة أبي عمر ألف وثمانمائة شاهد ليس فيهم من شهد إلا بفضيلة محضة في دين أو علم أو مال أو شرف‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا عبد الصمد بن محمد بن محمد بن نصر قال‏:‏ قال لنا إسماعيل بن سعيد المعدل‏:‏ كان أبو عمر القاضي يقول‏:‏ ما زلت مروعًا من مسألة تجيئني من السلطان حتى نشأ أبو الحسين ولدي‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا التنوخي حدثنا محمد بن عبيد الله النصيبي أن جعفر بن ورقاء حدثهم قال‏:‏ عدت من الحج أنا وأخي فتأخر عن تهنئتي القاضي أبو عمر وابنه أبو الحسين فكتبت إليهما‏:‏ أأستجفي أبا عمر وأشكو وأستجفي فتاه أبا الحسين فما جاءا ولا بعثا بعذر ولا كانا لحقي موجبين فان نمسك ولا نعتب تمادى جفاؤهما لأخلص مخلصين وان نعتب فحق غير أنا نجل عن العتاب القاضيين فوصلت الأبيات إلى أبي عمر وهو على شغل فأنفذها إلى أبي الحسين وأمره بالجواب عنها فكتب إلي‏:‏ تجن واظلم فلست منتقلا عن خالص الود أيها الظالم ظننت بي جفوة عتبت لها فخلت أني لحبلكم صارم حكمت بالظن والشكوك ولا يحكم بالظن فالهوى حاكم تركت حق الوداع مطّرحًا وجئت تبغي زيارة القادم امران لم يذهبا على فطن وأنت بالحكم فيهما عالم وكل هذا مقال ذي ثقة وقلبه من جفائه سالم أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو الطيب الطبري قال سمعت المعافى بن زكريا يقول‏:‏ كنت أحضر مجلس أبي الحسين بن أبي عمر يوم حتى يخرج قال‏:‏ فدخل أعرابي لعل له حاجة إليه فجلس بقربنا فجاء غراب فقعد على نخلة في الدار وصاح ثم طار فقال الأعرابي‏:‏ هذا الغراب يقول‏:‏ بأن صاحب هذه الدار يموت بعد سبعة أيام قال‏:‏ فصحنا عليه وزبرناه فقام وانصرف واحتبس خروج أبي الحسين وإذا قد خرج إلينا غلام فقال‏:‏ القاضي يستدعيكم قال‏:‏ فقمنا ودخلنا إليه وإذا به متغير اللون منكسر البال مغتم فقال‏:‏ اعلموا أني أحدثكم بشيء قد شغل قلبي وهو أني رأيت البارحة في المنام شخصًا وهو يقول‏:‏ منازل آل حماد بن زيد على أهليك والنعم السلام وقد ضاق لذلك صدري قال‏:‏ فدعونا له وانصرفنا فلما كان اليوم السابع من ذلك اليوم دفن رحمه الله‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا علي بن المحسن قال‏:‏ أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قال‏:‏ توفي قاضي القضاة - يعني أبا الحسين عمر بن محمد بن يوسف - في يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلثمائة وصلى عليه ابنه أبو نصر ودفن إلى جانب أبي عمر في دار إلى جانب داره‏.‏

قال أبو بكر الصولي‏:‏ كان هذا القاضي عمر بن محمد قد بلغ من العلوم مبلغًا عظيمًا وقرأ علي من كتب اللغة والأخبار ما يقارب عشرة آلاف ورقة وتوفي ابن سبع وثلاثين سنة ووجد عليه الراضي وجدًا شديدًا حتى كان يبكي بحضرتنا وقال‏:‏ كنت أضيق بالشيء ذرعًا فيوسعه علي وكان يقول لا بقيت بعده‏.‏

عثمان بن عبدويه أبو عمرو البزاز الكشي سمع إبراهيم الحربي روى عنه أبو بكر بن أبي موسى القاضي وكان ثقة توفي في رمضان هذه السنة‏.‏

محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت أبو الحسن المقرئ المعروف ابن شنبوذ حدث عن أبي مسلم الكجي وبشر بن موسى وخلق كثير من أهل الشام ومصر وكان قد تخير لنفسه حروفًا من شواذ القراآت وقرأ بها فصنف أبو بكر الأنباري وغيره كتبًا في الرد عليه‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا الخطيب قال‏:‏ أخبرني إبراهيم بن مخلد فيما اذن لي أن ارويه عنه قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي قال‏:‏ اشتهر ببغداد أمر رجل يعرف بابن شنبوذ يقرئ الناس ويقرأ في المحراب بحروف يخالف المصاحف مما يروى عن ابن مسعود وأبي وغيرهما مما كان يقرأ به قبل جمع المصحف الذي جمعه عثمان ويتبع الشواذ فيقرأ بها ويجادل حتى عظم أمره وفحش وأنكره الناس فوجه السلطان فقبض عليه في يوم السبت لست خلون من ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة وحمل إلى دار الوزير محمد بن علي ابن مقلة واحضر القضاة والفقهاء والقراء وناظره - يعني الوزير - بحضرتهم فأقام على ما ذكر عنه ونصره واستنزله الوزير عن ذلك فأبى أن ينزل عنه أو يرجع عما يقرأ به من هذه الشواذ المنكرة التي تزيد على المصحف وتخالفه فأنكر ذلك جميع من حضر المجلس وأشاروا بعقوبته ومعاملته بما يضطره إلى الرجوع فأمر بتجريده وإقامته بين الهنبازين وضربه بالدرة على قفاه فضرب نحو العشر درر ضربًا شديدًا فلم يصبر واستغاث وأذعن بالرجوع والتوبة فخلي عنه واعيدت ثيابه واستتيب فكتب عليه كتاب بتوبته وأخذ عليه خطه بالتوبة توفي ابن شنبوذ يوم الاثنين لثلاث ليال خلون من صفر هذه السنة‏.‏

محمد بن الحسن بن محمد بن حاتم بن يزيد أبو الحسن المعروف والده بعبيد العجل أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الخطيب قال‏:‏ بلغني عن أبي الفتح عبيد الله بن أحمد النحوين أنه ذكره فقال‏:‏ كان سيئ الحال في الحديث توفي يوم الثلاثاء لأربع عشرة بقين من رجب هذه السنة‏.‏

محمد بن علي بن الحسين بن عبد الله أبو علي المعروف ابن مقلة ولد في شوال ببغداد في سنة اثنتين وسبعين ومائتين فأول تصرف تصرفه مع أبي عبد الله محمد بن داود بن الجراح وسنه يومئذ ست عشرة سنة وذلك في سنة ثمان وثمانين فأقام معه ثمانية أشهر ثم انتقل إلى أبي الحسن ابن الفرات قبل تقلده الوزارة وأجرى له مثل ذلك وكان يسترفق في أيامه بقضاء الحوائج ثم زاده في الجراية وولي ابن الفرات الوزارة ثم عزل وأعيد فقلد غير ابن مقلة المكاتبات فسعى به ابن مقلة حتى صرف ثم عاد إلى الوزارة فقبض على ابن مقلة وصادره على مائة ألف دينار ثم آل الأمر إلى أن وزر لثلاثة خلفاء‏.‏

وزر ابن مقلة للمقتدر في سنة ست عشرة وثلثمائة وقبض عليه في آخر سنة سبع عشرة ووزر للقاهر سنة عشرين واستتر عنه خوفًا منه سنة إحدى وعشرين فلم يظهر حتى بويع للراضي بالله وقال‏:‏ كنت مستترًا في دار أبي الفضل بن ماري النصراني بدرب القراطيس فسعى بي إلى القاهر وعرف موضعي فبينا أنا جالس وقد مضى نصف الليل أخبرتنا زوجة ابن ماري أن الشارع قد امتلأ بالمشاعل والخيل فطار عقلي ودخلت بيتًا فيه تبن فدخلوه ونبشوه بأيديهم فلم أشك أني مأخوذ فعاهدت الله تعالى أنه إن نجاني أن أنزع عن ذنوب كثيرة وإن تقلدت الوزارة أمنت المستترين وأطلقت ضياع المنكوبين ووقفت وقوفًا على الطالبيين فما استتممت نذري حتى خرج الطلب وكفاني الله أمرهم‏.‏

وكان ابن مقلة قد نفى أبا العباس أحمد بن عبيد الله الخصيبي وسليمان بن الحسن وكلاهما وزراء للمقتدر وتقدم بانفاذهما في البحر فخب بهما البحر ويئسا من الحياة فقال الخصيبي‏:‏ اللهم اني استغفرك من كل ذنب وخطيئة وأتوب إليك من معاودة معاصيك إلا من مكروه أبي علي ابن مقلة فإنني إن قدرت عليه جازيته عن ليلتي هذه وما حل بي منه فيها وتناهيت في الإساءة إليه فقال سليمان‏:‏ ويحك في هذا الموضع وأنت معاين للهلاك تقول هذا فقال‏:‏ لا أخادع ربي وأعيد من عمان فلما عزل ابن مقلة في خلافة الراضي ضمنه الخصيبي بألفي ألف دينار وحلت به المكاره من قبله وكان ابن مقلة لما شرع في بناء داره بالزاهر جمع المنجمين حتى اختاروا له وقتًا لبنائه ووضع أساسه بين المغرب والعشاء فكتب إليهم بعضهم‏:‏ قل لابن مقلة مهلًا لا تكن عجلًا واصبر فانك في اضغاث احلام ما زلت تختار سعد المشتري لها فلم توق به من نحس بهرام إن القران وبطليموس ما اجتمعا في حال نقض ولا في حال إبرام وكان له بستان عدة أجربة شجر بلا نخل عمل له شبكة ابريسم وكان يفرخ فيه الطيور التي لا تفرخ إلا في الشجر كالقماري والدباسي والهزار والببغ والبلابل والطواويس والقبج وكان فيه من الغزلان والبقر البدوية والنعام والابل وحمير الوحش وبشر بأن طائرًا بحريًا وقع على طائر بري فازدوجا وباضا وأفقصا فأعطى من بشره بذلك مائة دينار ببشارته وكان بين جحظة الشاعر وبين ابن مقلة صداقة قبل الوزارة فلما استوزر استأذن عليه جحظة فلم يؤذن له فقال‏:‏ قل للوزير ادام الله دولته اذكر منادمتي والخبز خشكار إذ ليس بالباب برذون لنوبتكم ولا حمار ولا في الشط طيار وكان ابن مقلة يومًا على المائدة فلما غسل يده رأى على ثوبه نقطة صفراء من الحلوى فأخذ القلم وسودها وقال‏:‏ تلك عيب وهذا اثر صناعة وأنشد‏:‏ إنما الزعفران عطر العذارى ومداد الدواة عطر الرجال وجرى على ابن مقلة في اعتقاله المكاره وأخذ خطه بألف ألف دينار وأطلق بعد ذلك فكتب إلى الراضي أنه إن اعاده إلى الوزارة استخرج له ثلاثة آلاف ألف دينار وقد ذكرنا أنه ضمن بعض الأمراء بمال فاستفتى الفقهاء في حقه فقال بعضهم‏:‏ هذا قد سعى في الأرض بالفساد فتقطع يده فقطعت وكان ينوح على يده ويقول‏:‏ يد خدمت بها الخلفاء ثلاث دفعات وكتبت بها القرآن دفعتين تقطع كما تقطع أيدي اللصوص ثم قال‏:‏ ان المحنة قد نشبت بي وهي تؤديني إلى التلف وانشد‏:‏ إذ ما مات بعضك فابك بعضًا فإن البعض من بعض قري ومن شعر ابن مقلة حين قطعت يده قوله‏:‏ ما سئمت الحياة لكن توثقت بأيمانهم فبانت يميني بعت ديني لهم بدنياي حتى حرموني دنياهم بعد ديني فلقد حطت ما استطعت بجهدي حفظ ارواحهم فما حفظوني ليس بعد اليمين لذة عيش يا حياتي بانت يميني فبيني وقال أيضًا‏:‏ إذا أتى الموت لمياقته فعد عن قول الأطباء وإن مضى من أنت صب به فالصبر من فعل الألباء ثم قطع لسانه بعد ذلك وطال حبسه فلحقه ذرب وكان يستسقي الماء بيده اليسرى وفمه إلى أن مات في شوال سنة ثمان وعشرين وثلثمائة ودفن في دار السلطان ثم سأل أهله تسليمه اليهم فنبش وسلم إليهم‏.‏

فدفنه ابنه أبو الحسين في داره ثم نبشته زوجته المعروفة بالدينارية ودفنته في دارها‏.‏

ومن العجائب أنه تقلد الوزارة ثلاث دفعات وسافر في عمره ثلاث مرات واحدة إلى الموصل واثنتين في النفي إلى شيراز ودفن بعد موته ثلاث مرات في ثلاث مواضع‏.‏

محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن بيان بن سماعة بن فروة بن قطن ابن دعامة أبو بكر ابن الأنباري ولد يوم الأحد لاحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة إحدى وسبعين ومائتين وسمع إسماعيل بن اسحاق القاضي والكديمي وثعلبًا وغيرهم‏.‏

وكان صدوقًا فاضلًا دينًا من أهل السنة وكان من أعلم الناس بالنحو والأدب وأكثرهم حفظًا له وصنف كتبًا كثيرة في علوم القرآن وغريب الحديث وغير ذلك وذكر عنه أنه كان يحفظ ثلثمائة ألف بيت من الشواهد في القرآن وكتب عنه وأبوه حي أنبأنا محمد بن عبد الباقي أنبأنا علي بن أبي علي البصري‏.‏

عن أبيه قال‏:‏ أخبرني غير واحد ممن شاهد أبا بكر ابن الأنباري أنه كان يملي من حفظه لا من كتاب وأن عادته في كل ما كتب عنه من العلم كانت هكذا ما أملى قط من دفتر‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال‏:‏ سمعت حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق يقول‏:‏ حدثني أبي عن جدي أن أبا بكر ابن الأنباري مرض فدخل عليه أصحابه يعودونه فرأوا من انزعاج ابيه وقلقه عليه أمرًا عظيمًا فطيبوا نفسه ورجوه العافية فقال لهم‏:‏ كيف لا أقلق وأنزعج لعلة من يحفظ جميع ما ترون وأشار لهم إلى حيرى مملوء كتبًا‏.‏

قال حمزة‏:‏ وكان مع حفظه زاهدًا متواضعًا حكى أبو الحسن الدارقطني أنه حضره في مجلس املاء يوم جمعة فصحف اسمًا أورده في إسناد حديث أما كان حيان فقال‏:‏ حبان أو كان حبان فقال حيان‏:‏ قال أبو الحسن‏:‏ فاعظمت أن يحمل عن مثله في فضله وجلالته وهم وهبته أن أقفه على ذلك فلما انقضى الاملاء تقدمت إلى المستملي وذكرت له وهمه وعرفته صواب القول فيه وانصرفت ثم حضرت الجمعة الثانية مجلسه فقال أبو بكر للمستملي‏:‏ عرف الحاضرين أنا صحفنا الاسم الفلاني لما أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية ونبهنا ذلك الشاب على الصواب وعرف ذلك الشاب أنا رجعنا إلى الأصل فوجدناه كما قال‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو العلاء الواسطي قال‏:‏ وحدثني عنه أبو الحسن العروضي قال‏:‏ اجتمعت أنا وهو عند الراضي على الطعام وكان قد عرف الطباخ ما يأكل أبو بكر فكان يشوي له قلية يابسة قال‏:‏ فأكلنا نحن من أطايب الطعام وألوانه وهو يعالج تلك القلية ثم فرغنا وأتينا بحلوى فلم يأكل منها شيئًا وقام وقمنا إلى الخيش فنام بين الخيشين ونمنا نحن في خيش ينافس فيه ولم يشرب ماء إلى العصر فلما كان مع العصر قال لغلام‏:‏ الوظيفة فجاء بماء من الحب وترك الماء المزمل بالثلج فغاظني أمره فصحت صيحة فأمر أمير المؤمنين بإحضاري وقال‏:‏ ما قصتك فأخبرته وقلت‏:‏ هذا يا أمير المؤمنين يحتاج أن يحال بينه وبين تدبير نفسه لأنه يقتلها ولا يحسن عشرتها قال‏:‏ فضحك وقال‏:‏ له في هذا لذة وقد صار له إلفًا فلا يضره‏.‏

ثم قلت‏:‏ يا أبا بكر لم تفعل هذا بنفسك فقال‏:‏ أبقي على حفظي قلت‏:‏ ان الناس قد أكثروا في حفظك فكم تحفظ قال‏:‏ أحفظ ثلاثة عشر صندوقًا‏.‏

قال محمد بن جعفر‏:‏ وهذا ما لا يحفظه أحد قبله ولا بعده وحدثت أنه كان يحفظ عشرين ومائة تفسير من تفاسير القرآن بأسانيدها‏.‏

وقال لنا أبو الحسن العروضي‏:‏ كان يتردد ابن الأنباري إلى أولاد الراضي فسألته جارية عن تفسير رؤيا فقال‏:‏ أنا حاقن ثم مضى فلما كان من غد عاد وقد صار معبرًا للرؤيا وذلك أنه مضى من يومه فدرس كتاب الكرماني وجاء‏.‏

قال‏:‏ وكان يأخذ الرطب فيشمه ويقول‏:‏ أما انك قال محمد بن جعفر‏:‏ وكان يملي من حفظه وقد أملى غريب الحديث قيل‏:‏ انه خمسة وأربعون ألف ورقة وكتاب شرح الكافي وهو نحو ألف ورقة وكتاب الهاآت نحو ألف ورقة وكتاب الأضداد وما رأيت أكبر منه والجاهليات سبعمائة ورقة والمذكر والمؤنث ما عمل أحد أتم منه وكتاب المشكل بلغ فيه إلى نصفه وما أتمه‏.‏

قال‏:‏ وحدثت عنه أنه مضى يومًا إلى النخاسين وجارية تعرض حسنة كاملة الوصف قال‏:‏ فوقعت في قلبي ثم مضيت إلى دار أمير المؤمنين الراضي فقال لي‏:‏ أين كنت إلى الساعة فعرفته فأمر بعض أسبابه فمضى فاشتراها وحملها إلى منزلي فجئت فوجدتها فعلمت الأمر كيف جرى فقلت لها‏:‏ كوني فوق إلى أن استبرئك وكنت أطلب مسألة قد اختلطت علين فاشتغل قلبي فقلت للخادم‏:‏ خذها وامض بها إلى النخاس فليس قدرها أن تشغل قلبي عن علمي فأخذها الغلام فقالت‏:‏ دعني أكلمه بحرفين فقالت له‏:‏ أنت رجل لك محل وعقل وإذا أخرجتني ولم يتبين لي ذنبي لم آمن أن يظن الناس بي ظنًا قبيحًا فعرفنيه قبل أن تخرجني‏.‏

فقلت لها‏:‏ مالك عندي عيب غري أنك شغلتني عن علمي فقالت‏:‏ هذا سهل عندي‏.‏

وقال‏:‏ فبلغ الراضي أمره فقال‏:‏ لا ينبغي أن يكون العلم في قلب أحد أحلى منه في قلب هذا الرجل‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله النحوي قال‏:‏ حدثني أب قال‏:‏ سمعت أبا بكر ابن الأنباري يقول‏:‏ دخلت المارستان بباب محول فسمعت صوت رجل في بعض البيوت يقرأ‏:‏ ‏{‏أو لم يروا كيف يبديء الله الخلق ثم يعيده‏}‏ فقال‏:‏ أنا لا أقف إلا على قوله‏:‏ ‏{‏كيف يبديء الله الخلق‏}‏ فأقف على ما عرفه القوم وأقروا به لأنهم لم يكونوا يقرون بإعادة الخلق وأبتدئ بقوله‏:‏ ‏"‏ ثم يعيده ‏"‏ ليكون خبرًا‏.‏

وأما من قرأ على قراءة علي بن أبي طالب واذكر بعد أمهٍ فهو وجه حسن الأمه النسيان وأما أبو بكر بن مجاهد فهو إمام في القراءة‏:‏ وأما قراءة الأحمق يعني ابن شنبوذ ‏{‏إن تعذبهم فانهم عبادك وإن تغفر لهم فانك انت الغفور الرحيم‏}‏ فخطأ لأن الله تعالى قد قطع لهم بالعذاب في قوله‏:‏ ‏{‏ان الله لا يغفر أن يشرك به‏}‏ قال‏:‏ فقلت لصاحب المارستان‏:‏ من هذا الرجل فقال‏:‏ هذا إبراهيم الموسوس محبوس فقلت‏:‏ ويحك هذا أبي بن كعب افتح الباب عنه ففتح الباب فإذا أنا برجل منغمس في النجاسة والأدهم في قدميه فقلت‏:‏ السلام عليك فقال‏:‏ كلمة مقولة فقلت‏:‏ ما منعك من رد السلام علي فقال‏:‏ السلام أمان وإني أريد أن امتحنك ألست تذكر اجتماعنا عند أبي العباس - يعني ثعلبًا - في يوم كذا وفي يوم كذا وعرفني ما ذكرته وعرفته وإذا به رجل من أفاضل أهل العلم فقال‏:‏ هذا الذي تراني منغمسًا فيه ما هو قال‏:‏ فقلت‏:‏ الخراء يا كأن خروء الطير فوق رؤوسهم ثم قال لي‏:‏ والله لو لم تجبني بالصواب لأطعمتك منه فقلت‏:‏ الحمد لله الذي نجاني منك وتركته وانصرفت‏.‏

أنبأنا محمد بن ناصر أنبأنا عبد المحسن بن محمد بن علي أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن عبد الله الدينوري قال‏:‏ قال أبو بكر عبد الله بن علي بن عيسى‏:‏ لما مرض أبو بكر ابن الأنباري مرضه الذي توفي فيه انقطع عن الخروج إلى المسجد أيامًا فدخلوا عليه واعتذروا من تأخرهم عنه فقال له واحد من الجماعة‏:‏ تقدم في أخذ الماء من غد فاني أجيئك بسنان بن ثابت المتطبب وكان يجتمع في حلقته وجوه الحضرة من أولاد الوزراء والكتاب والأمراء والأشراف فلما كان من الغد حضر سنان بن ثابت مع ذلك الرجل فدخل إليه فلما توسط المنزل قال‏:‏ أروني الماء ما دمت في الضوء فنظر إليه ثم دخل إلى العليل فسأله عن حاله قال له‏:‏ رأيت الماء وهو يدل على اتعابك جسمك وتكلفك أمرًا عظيمًا لا يطيقه الناس قال‏:‏ قد كنت افعل ذلك ولم يعلم من أي نوع فوصف له سنان ما يستعمله ثم خرج فتبعه قوم فقال‏:‏ هو تالف وما فيه حيلة فارفقوا به ثم مضى فلما بعد قلت لابن الأنباري‏:‏ يا أستاذ ما الذي كنت تفعله حتى استدل المتطبب عليه من حالك فقال‏:‏ كنت توفي أبو بكر بن الأنباري ليلة النحر من هذه السنة‏.‏

أم عيسى بنت إبراهيم الحربي‏:‏ كانت عالمة فاضلة تفتي في الفقه‏.‏

وتوفيت في رجب هذه السنة ودفنت إلى جانب أبيها‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وعشرين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن الفرات زادت أحد عشر ذراعًا وانبثق بثق من نواحي الأنبار فاجتاح القرى وغرقها وغرق الناس والبهائم والوحش والسباع وصب الماء في الصراة إلى بغداد وغرق شارع الجانب الغربي وغرق شارع باب الأنبار فلم يبق منه منزل إلا وسقط وتساقطت الأبنية على الصراة وسقطت قنطرة الصراة الجديدة وانقطع بعض العتيقة وزادت دجلة ثمانية عشر ذراعًا في أيار وحزيران ومرض الراضي فقام في يومين أربعة عشر رطلًا من الدم كذلك قال الصولي ولما اشتدت علته أرسل إلى بجكم وهو بواسط يعرفه شدة علته ويسأله أن يعقد ولاية العهد لابنه الأصغر وهو أبو الفضل وتوفي الراضي وتولى الخلافة المتقي لله أخوه‏.  باب ذكر خلافة المتقي بالله

واسمه إبراهيم بن المقتدر ويكنى أبا إسحاق وأمه أم ولد تسمى حلوب أدركت خلافته وولد في شعبان سنة سبع وتسعين ومائتين وكان قد اجتمع الأشراف والقضاة في دار بجكم وشاوروه فيمن يولون فاتفقوا عليه فحمل من داره - وكانت بأعلى الحريم الظاهري - إلى دار الخلافة فصعد إلى رواق التاج فصلى ركعتين على الأرض وجلس على السرير وبايعه الناس‏.‏

وكان استخلافه يوم الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول من هذه السنة‏.‏

ولم يغدر بأحد قط ولا تغير على جاريته التي كانت له قبل الخلافة ولا تسرى عليها وكان حسن الوجه مقبول الخلق قصير الأنف أبيض مشربًا بحمرة في شعره شقرة وجمودة كث اللحية أشهل العينين أبي النفس لم يشرب النبيذ قط‏.‏

وكان يتعبد ويصوم جدًا وكان يقول‏:‏ المصحف نديمي ولا أريد جليسًا غيره فغضب الجلساء من هذا حتى قال أبو بكر الصولي - وأودع هذا الكلام في كتابه المسمى بالأوراق فقال‏:‏ ما سمع بخليفة قط قال أنا لا أريد جليسًا أنا أجالس المصحف سواه أفتراه ظن أن مجالسة المصحف خص بها دون آبائه وأعمامه الخلفاء وأن هذا الرأي غمض عنهم وفطن له‏.‏

قال المصنف‏:‏ فاعجبوا لهذا المنكر للصواب وهو يعلم أنه كان هو والجلساء لا يكادون يشرعون فيما ينفع وأقله المدح فليته إذ قال هذا لم يثبته في تصنيف‏.‏

وفي يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى‏:‏ فرغ من مسجد براث وجمع فيه الجمعة‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ كان في الموضع المعروف ببراثا مسجد يجتمع فيه قوم ممن ينسب إلى ثابت قال‏:‏ كان في الموضع المعروف ببراثا مسجد يجتمع فيه قوم ممن ينسب إلى التشيع يقصدونه لا للصلاة والجلوس فرفع إلى المقتدر بالله أن الرافضة يجتمعون في ذلك المسجد لسب الصحابة والخروج عن الطاعة فأمر بكبسه يوم الجمعة وقت الصلاة فكبس وأخذ من وجد فيه فعوقبوا وحبسوا حبسًا طويلًا وهدم المسجد حتى سوي بالأرض وعفى رسمه ووصل بالمقبرة التي تليه ومكث خرابًا إلى سنة ثمان وعشرين وثلثمائة فأمر الأمير بجكم بإعادته وإحكامه وتوسعة بنائه فبني بالآجر والجص وسقف بالساج المنقوش ووسع فيه ببعض ما يليه مما ابتيع له من الأملاك التي للناس وكتب في صدره اسم الراضي بالله وكان الناس ينتابونه للصلاة فيه والتبرك ثم أمر المتقي بالله بعد بنصب منبر فيه وكان في مدينة المنصور معطلًا مخبوءًا في خزانة المسجد عليه اسم هارون الرشيد فنصب في قبلة المسجد وتقدم إلى أحمد بن الفضل بن عبد الملك الهاشمي وكان الإمام في مسجد الرصافة بالخروج إليه والصلاة بالناس فيه الجمعة فخرج وخرج الناس من جانبي مدينة السلام حتى حضروا هذا المسجد وكثر الجمع وحضر صاحب الشرطة فأقيمت صلاة الجمعة فيه يوم الجمعة لاثننتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وثلثمائة وتوالت صلاة الجمع فيه ثم تعطلت الصلاة فيه بعد الخمسين وأربعمائة‏.‏

وفي يوم الخميس لسبع خلون من جمادى الآخرة‏:‏ سقطت رأس القبة الخضراء بالمدينة‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أنبأنا إبراهيم بن مخلد إسماعيل بن علي الخطبي قال‏:‏ سقطت رأس القبة الخضراء التي في قصر أبي جعفر المنصور لتسع خلون من جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وكان تلك الليلة مطر عظيم ورعد هائل وبرق شديد وكانت هذه القبة تاج بغداد وعلم البلد ومأثرة من مآثر بني العباس عظيمة بنيت أول ملكهم وكان بين بنائها وسقوطها مائة وسبع وثمانون سنة‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ قال لي أبو الحسين بن عياش‏:‏ اجتمعت أيام المتقي بالله إسحاقات كثيرة فانسحقت خلافة بني العباس في أيامه وانهدمت قبة المنصور الخضراء التي كان بها فخرهم فقلت له‏:‏ ما كانت الإسحاقات قال‏:‏ كان يكنى أبا إسحاق وكان وزيره القراريطي يكنى‏:‏ أبا إسحاق وكان قاضيه ابن إسحاق الخرافي وكان محتسبه أبو إسحاق بن بطحاء وكان صاحب شرطته أبو إسحاق بن أحمد وكانت داره القديمة في دار إسحاق بن إبراهيم المصبي وكانت الدار نفسها دار إسحاق بن كنداح‏.‏

واشتد الغلاء في جمادى الأول وزاد وبلغ الكر الدقيق مائة وثلاثين دينارًا وأكل الناس النخالة و الحشيش وكثر الموت حتى دفن جماعة في قبر واحد بلا صلاة ولا غسل ورخص العقار و القماش حتى بيع ما ثمنه دنانير بعددها دارهم‏.‏

وفي هذه السنة خرج التشرينان والكانونان وشباط بلا مطر إلا مطرة واحدة خفيفة لم يسل منها ميزاب وقطع الأكراد على قافلة خرجت إلى خراسان فأخذوا منها ما مبلغه ثلاثة آلاف دينار وكان أكثر المال لبجكم وزادت الفرات زيادة لم يعهد مثلها وغرقت العباسية ودخل الماء شوارع بغداد فسقطت القنطرة العتيقة والجديدة‏.‏

وفي شوال‏:‏ اجتمعت العامة في جامع دار السلطان وتظلمت من الديلم ونزولهم في دورهم بغير أجرة وتعديهم عليهم في معاملاتهم فلم يقع إنكار لذلك فمنعت العامة الإمام من الصلاة و في هذا الشهر‏:‏ تقلد أبو إسحاق محمد بن أحمد الإسكافي وزارة المتقي وخلع عليه‏.‏

ووقع الموت في المواشي والعلل في الناس وكثرت الحمى ووجع المفاصل ودام الغلاء حتى تكشف المتجملون وهلك الفقراء واحتاج الناس إلى الاستسقاء فرئي منام عجيب‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز أنبأنا علي بن عبد المحسن عن أبيه قال‏:‏ حدثني أبو الحسن أحمد بن يوسف الازرق حدثنا أبو محمد الصلحي الكاتب قال‏:‏ نادى منادي المتقي بالله في الأسواق أن أمير المؤمنين يقول لكم معشر رعيته أن امرأة صالحة رأت النبي صلى الله عليه وسلم في منامها فشكت احتباس القطر فقال لها‏:‏ قولي للناس يخرجون في يوم الثلاثاء الأدنى ويستسقون ويدعون الله فإنه يسقيهم في يومهم وأن أمير المؤمنين يأمركم معاشر المسلمين بالخروج في يوم الثلاثاء كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تدعوا وتستسقوا بإصلاح من نياتكم وإقلاع من ذنوبكم‏.‏

قال‏:‏ فأخبرني الجم الغفير أنهم لما سمعوا النداء ضجت الأسواق بالبكاء والدعاء فشق ذلك علي قلت‏:‏ في منام امرأة لا يدرى كيف تأويله وهل يصح أم لا ينادي به خليفة في أسواق مدينة السلام فإن لم يسقوا كيف يكون حالنا مع الكفار فليته أمر الناس بالخروج ولم يذكر هذا وما زلت قلقًا حتى أتى يوم الثلاثاء فقيل لي أن الناس قد خرجوا إلى المصلى مع أبي الحسن أحمد بن الفضل بن عبد الملك إمام الجوامع وخرج أكثر أصحاب السلطان والفقهاء والأشراف فلما كان قبل الظهر ارتفعت سحابة ثم طبقت الآفاق ثم أسبلت عزاليها بمطر جود فرجع الناس حفاة من الوحل‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ لم يمض الحاج إلى المدينة لأجل طالبى خرج في ذلك الصقع‏.‏

  ذكر من توفى فى هذه السنة من الاكابر

أحمد بن إبراهيم بن حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد أبو عثمان ولي قضاء مصر وقدم إليها ثم عزل فأقام بها إلى أن توفي في رمضان هذه السنة حدث عن إسماعيل بن إسحاق القاضي وخلق كثير وكان ثقة كريمًا حييًا‏.‏

أحمد بن إبراهيم بن تومرد الفقيه‏:‏ تفقه على أبي العباس بن سريج خرج من الحمام فوقع عليه حائط فمات في هذه السنة‏.‏

إسحاق بن إبراهيم بن موسى أبو القاسم الغزال الفقيه ولد في سنة أربعين ومائتين وحدث عن الحسن بن عرفة ومحمد بن سعد العوفي روى عنه يوسف الوقاس وتوفي بمصر في هذه السنة

بجكم التركي‏:‏ كان أمير الجيش وكان يلقب أمير الأمراء قبل ملك بني بويه وكان عاقلًا يفهم بالعربية ولا يتكلم بها ويقول‏:‏ أخاف أن أخطئ و الخطأ من الرئيس قبيح وكان يقول‏:‏ إن كنت لا أحسن العلم و الأدب فأحب أن لا يكون في الأرض أديب ولا عالم ولا رائس صناعة إلا في جنبتي وتحت اصطناعي وكان قد استوطن واسطًا وقرر مع الراضي بالله أن يحمل إلى خزانته من مالها في كل سنة ثماني مائة ألف دينار بعد أن يخرج الغلة في مؤونة خمسة آلاف فارس يقيمون بها وكان قد أظهر العدل وكان يقول‏:‏ قد نبئت أن العدل أربح للسلطان في الدنيا والآخرة وبنى دار ضيافة للضعفاء والمساكين بواسط وابتدأ بعمل المارستان ببغداد وهو الذي جدده عضد الدولة وكانت أمواله كبيرة فكان يدفنها في داره وفي الصحارى وكان يأخذ رجالًا في صناديق فيقفلها عليهم ويأخذ صناديق فيها مال ويقود هو بهم إلى الصحراء ثم يفتح عليهم فيعاونونه في دفن المال ثم يعيدهم إلى الصناديق فلا يدرون أي موضع حملهم ويقول‏:‏ إنما أفعل هذا لأني أخاف أن يحال بيني وبين داري فضاعت بموته الدفائن‏.‏

وبعث بجكم إلى سنان بن ثابت الطيب بعد موت الراضي وسأله أن ينحدر إليه إلى واسط فانحدر إليه فأكرمه وقال له‏:‏ إني أريد أن أعتمد عليك في تدبير بدني وفي أمر آخر هو أحب إلي من أمر بدني وهو أمر أخلاقي لثقتي بعقلك ودينك فقد غمتني غلبة الغضب والغيظ وإفراطهما في حتى أخرج إلى ما أندم عليه عند سكونهما من ضرب وقتل وأنا أسألك أن تتفقد لي ما أعمله فإذا وفقت لي على عيب لم تحتشم أن تصدقني عنه وتنبهني عليه ثم ترشدني إلى علاجه‏.‏

فقال له‏:‏ السمع والطاعة أنا أفعل ذلك ولكن يسمع الأمير مني بالعاجل جملة علاج ما أنكره من نفسه إلى أن آتي بالتفصيل في أوقاته اعلم أيها الأمير أنك أصبحت وليس فوق يدك يد لأحد من المخلوقين وأنك مالك لكل ما تريده قادر على أن تفعله أي وقت أردته لا يتهيأ لأحد من المخلوقين منعك منه ولا أن يحول بينك وما تهواه أي وقت أردت واعلم أن الغيظ والغضب يحدث في الإنسان سكرًا أشد من سكر النبيذ بكثير فكما أن الإنسان يفعل في وقت السكر من النبيذ ما لا يعقل به ولا يذكره إذا صحا ويندم عليه إذا حدث به ويستحي منه كذلك يحدث له في وقت السكر من الغيظ بل أشد فإذا ابتدأ بك الغضب فضع في نفسك أن تؤخذ العقوبة إلى غد واثقًا بأن ما تريد أن تعمله في الوقت لا يفوتك عمله فإنك إذا بت ليلتك سكنت فورة غضبك وقد قيل‏:‏ أصح ما يكون الإنسان رأيًا إذا استدبر ليله واستقبل نهاره‏.‏

فإذا صحوت من غضبك فتأمل الأمر الذي أغضبك وقدم أمر الله عز و جل أولًا والخوف منه وترك التعرض لسخطه واشف غيظك بما لا يؤثمك فقد قيل‏:‏ ما شفى غيظه من إثم واذكر قدرة الله عليك فإنك تحتاج إلى رحمته وإلى أخذه بيدك في أوقات شدائدك فكما تحب أن يغفر لك كذلك غيرك يحب أن تعفو عنه واذكر أي ليله بات المذنب قلقًا لخوفه منك وما يتوقعه من عقوبتك واعرف مقدار ما يصل إليه من السرور بزوال الرعب عنه ومقدار الثواب الذي يحصل لك بذلك واذكر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ألا تحبون أن يغفر الله لكم‏}‏ وإنما يشتد عليك ذلك مرتين أو ثلاثًا ثم تصير عادةً لك وخلقًا فيسهل‏.‏

فابتدأ بجكم فعمل بما قال له وعمل بواسط وقت المجاعة دار ضيافة وببغداد مارستان ورفق بالرعية إلا أن مدته لم تطل‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز عن أبي القاسم التنوخي عن أبيه قال‏:‏ حدثني عبد السلام ابن الحارث قال‏:‏ جاء رجل من الصوفية إلى بجكم فوعظه وتكلم بالفارسية والعربية حتى أبكاه بكاء شديدًا فلما ولي قال بجكم لبعض من حضره‏:‏ أحمل معه ألف درهم‏.‏

فحملت وأقبل من بين يديه فقال‏:‏ ما أظنه يقبلها وهذا متخرق بالعبادة‏:‏ أيش يعمل بالدراهم فما كان بأسرع من أن جاء الغلام فارغ اليد فقال له بجكم‏:‏ أعطيته إياها قال‏:‏ نعم فقال بجكم‏:‏ كلنا صيادون ولكن الشباك تختلف‏.‏

وخرج بجكم يومًا يتصيد فلقي قومًا من الأكراد مياسير فشره إلى أموالهم فقصدهم في عدد يسير من غلمانه مستهينًا بأمرهم فهربوا من بين يديه وتفرقوا فدار غلام منهم من خلفه فطعنه بالرمح وهو لا يعرفه فقتله لسبع بقين من رجب هذه السنة وكانت إمارته سنتين وثمانية أشهر وتسعة أيام فركب المتقي إلى داره فنزلها ونقل ما كان فيها وحفر أساساتها فحصل به من ماله ما يزيد على ألفي ألف عينًا وورقًا وقيل للروز جارية‏:‏ خذوا التراب أجرتكم‏.‏

فأبوا فأعطوا ألفي درهم وغسل التراب فخرج منه ستة وثلاثون ألف درهم وقيل‏:‏ ظهر له على ألف دينار عينًا وورقًا وبيع له من أصناف الأموال والرقيق والجواهر والكساء والمراكب والأواني والرقيق والخف والحافر والسلاح أمر عظيم سوى ما نهب وتلف ثم ظهر على مال عظيم في داره سوى المال الأول مدفون فمن ذلك ستة عشر قمقمًا ذهبًا يحمل القمقم في الدهق لثقله‏.‏

جعفر بن أحمد بن محمد بن يحيى بن عبد الجبار أبو محمد القارئ المؤذن مروزي الأصل‏.‏

سمع من جماعة وروى عنه ابن المظفر والدار قطني وقال‏:‏ هو ثقة

توفي في ربيع هذه السنة‏.‏

الحسن بن علي بن خلف أبو محمد البربهاري جمع العلم والزهد وصحب المروذي وسهلًا التستري وتنزه عن ميراث أبيه لأمر كرهه وكان سبعين ألف درهم وكان شديدًا على أهل البدع فما زالوا يثقلون قلب السلطان عليه وكان ينزل بباب محول وانتقل إلى الجانب الشرقي واستتر عند أخت توزون فبقي نحوًا من شهر ثم أخذه قيام الدم فمات فقالت المرأة لخادمها‏:‏ انظر من يغسله وغلقت الأبواب حتى لا يعلم أحد وجاء الغاسل فغسله ووقف يصلي عليه وحده فاطلعت فإذا الدار ممتلئة رجالًا بثياب بيض وخضر فاستدعت الخادم وقالت‏:‏ ما الذي فعلت فقال‏:‏ يا سيدتي رأيت ما رأيت قالت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ هذه مفاتيح الباب وهو مغلق‏.‏

فقالت‏:‏ ادفنوه في بيتي وإذا مت فادفنوني عنده فدفنوه في دارها وماتت بعده فدفنت هناك والمكان بقرب دار المملكة بالمخرم وكان عمره ستًا وتسعين سنة قال المصنف‏:‏ قال شيخنا أبو الحسن ابن الزاغوني‏:‏ وكشف عن قبره بعد سنتين وهو صحيح لم يرم وظهرت من قبره روائح الطيب حتى ملأت مدينة السلام‏.‏

الحسن بن إدريس بن محمد بن شاذان أبة القاسم القافلائي حدث عن جماعة فروى عنه ابن حيويه والدار قطني توفي في هذه السنة‏.‏

الحسن بن محمد بن أحمد بن أبي الشوك أبو محمد الزيات سمع هلال بن العلاء وغيره وروى عنه الدار قطني وابن شاهين وكان ثقة توفي في هذه السنة‏.‏

عبد الله بن احمد بن ثابت أبو القاسم البزاز حدث عن حفص بن عمرو الربالي ويعقوب الدورقي روى عنه الدار قطني وابن شاهين وكان صالحًا ثقة توفي في رجب هذه السنة‏.‏

عبد الله بن طاهر بن حاتم أبو بكر الأبهري صحب يوسف بن الحسين وكان من أقران الشبلي وأسند الحديث‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن خلف قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال‏:‏ سمعت إسحاق بن محمد بن عبد الله يقول‏:‏ سمعت أبا بكر بن طاهر يقول وسئل ما بال الإنسان يحتمل من معلمه ما لا يحتمل من أبويه فقال‏:‏ لأن أبويه سبب حياته الفانية ومعلمه سبب حياته الباقية‏.‏

عبد الله بن محمد بن إسحاق بن يزيد أبو القاسم مروزي الأصل‏:‏ سمع سعدان بن نصر روى عنه الدار قطني وابن شاهين وكان ثقة وتوفي في رمضان هذه السنة‏.‏

عبيد الله بن موسى بن إسحاق بن موسى حدث عن محمد بن سعد العوفي روى عنه ابن المظفر والدار قطني وكان ثقة وتوفي هذه السنة‏.‏

عبد الملك بن يحيى بن الحسين أبو الحسين العطار الزعفراني المعروف ابن أبي زكار حدث عن علي بن داود القنطري روى عنه الدار قطني وكان ثقة وتوفي في محرم هذه السنة‏.‏

محمد الراضي بالله أمير المؤمنين ابن المقتدر توفي ليلة السبت لأربع عشرة بقيت من ربيع الآخر على خمس ساعات ماضية من الليل بعلة الاستسقاء وكان من أعظم آفاته كثرة الجماع وغسله القاضي يوسف بن عمر وكانت خلافته ست سنين وعشرة أشهر وعمره إحدى وثلاثين سنة وخمسة أشهر دفن في تربته بالرصافة وكانت تربة عظيمة قد أنفقت عليها الأموال والآن فقد عمل عندها سور المحلة فلم يبق منها إلا قريب ودفنت عنده أمه ظلوم‏.‏

محمد بن أحمد بن أبي سهل واسمه يزيد بن خالد حدث عن أبي العباس بن مسروق روى عنه أبو عبد الله بن بطة وتوفي في شعبان هذه السنة‏.‏

محمد بن أيوب بن المعافى بن العباس أبو بكر العكبري حدث عن إسماعيل بن إسحاق القاضي وإبراهيم الحربي روى عنه ابن بطة وغيره وكان ثقة صالحًا زاهدًا وكان ابن بطة يقول‏:‏ ما رأيت أفضل من أبي بكر بن أيوب وتوفي في رمضان هذه السنة‏.‏

محمد بن حمدويه بن سهل بن يزداد أبو نصر المروزي روى عنه الدار قطني وكان ثقة وتوفي في هذه السنة وقيل‏:‏ في سنة سبع وعشرين والأول أصح‏.‏

يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول أبو بكر الأزرق التنوخي الكاتب ولد بالأنبار سنة ثمان وثلاثين ومائتين وسمع جده إسحاق والزبير بن بكار والحسن بن عرفة وغيرهم‏.‏

وكتب عنه كثيرًا من اللغة والنحو والأخبار وكان أزرق العين متخشنًا في دينه كثير الصدقة تصدق بنحو مائة ألف دينار وكان أمارًا بالمعروف روى عنه ابن المظفر والدار قطني وابن شاهين وآخر من روى عنه أبو الحسين بن المتيم وكان ثقة‏.‏

وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن في مقابر باب الكوفة وله اثنتان وتسعون سنة‏.‏