فصل: باب ذكر ابليس لعنه الله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 باب ذكر ابليس لعنه الله

اختلف العلماء هل كان من الجن أو من الملائكة على قولين‏.‏

أحدهما‏:‏ أنه كان من الملائكة وأعظمهم قبيلة‏.‏

وإن من الملائكة قبيلة يقال لهم الجن وكان منهم وكان له سلطان سماء الدنيا وكان له سلطان الأرض يسوس ما بين السماء والأرض فعصى فمسخه الله شيطانًا رجيمًا‏.‏

وروى الضحاك عن ابن عباس قال‏:‏ كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال له الجن خلق من نار السموم من بين الملائكة وخلق الملائكة كلهم من نور غير هذا الحيّ وخلق الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار وأول من سكن الأرض الجن فافسدوا فيها وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضًا فبعث اللّه عز وجل إليهم إبليس في جند من الملائكة يقال لهم الجن فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال فلما فعل ذلك اغتر في نفسه فقال‏:‏ لقد صنعت شيئًا لم يصنعه أحد‏.‏

وقال السدي عن أشياخه‏:‏ كان إبليس على مُلك السماء الدنيا وكان مع مُلكه خازنًا فوقع في صدره كبر وقال‏:‏ ما أعطانا الله هذا إلا لمزية على الملائكة‏.‏

وحكى أبو جعفر الطبري أن إبليس بعث حكمًا يقضي بين الجن في الأرض فقضى بينهم بالحق ألف سنة فسمي حَكَمًا فدخله الكبر فألقى بين الذين كان حكم بينهم العداوة والبغضاء حتى اقتتلوا فبعث الله عز وجل عليهم نارًا فأحرقتهم فعرج السماء وأقام عند الملائكة يعبد اللّه إلى أن خلق آدم‏.‏

والقول الثاني‏:‏ إنه كان من الجن‏.‏

قال الحسن‏:‏ لم يكن إبليس من الملائكة قط‏.‏

وقال شهر بن حوشب‏:‏ كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة فأسره بعض الملائكة وقال سعد بن مسعود‏:‏ كانت الملائكة تقاتل الجن فسُبي أبليس وكان صغيرًا وكان مع الملائكة يتعبد معها فلما أمروا أن يسجدوا سجدوا وأبى إبليس‏.‏

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ كان إبليس اسمه عزازيل ثم ابليس بعد‏.‏

وقال ابن جريج‏:‏ كان اسم إبليس في السماء الحارث‏.‏

وقد روى ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال‏:‏ خلق الله ابليس من مارج من نار فلما خلق علق في الهواء فقال‏:‏ يا هواء إن كنت فوقي فارفعني إليك وإن كنت أسفل مني فأهبطني إليك‏.‏

فنودي‏:‏ إن اللهّ بكل مكان ومع كل إنس وجان فاصطكت أسنانه وخرج من فيه شرر خلق من كل شررة شيطان مخلد‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن أحمد الحداد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الحافظ قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن أبان قال‏:‏ حدثنا أبوبكر بن عبيد قال‏:‏ حدَثنا يحيى بن عثمان قال‏:‏ حدثنا بقية عن سفيان قال‏:‏ أوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السلام إن أول من مات إبليس وذلك أنه أول من عصاني وأنا أعد من عصاني من الموتى‏.‏

أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا عاصم بن الحسن قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال‏:‏ حدثنا ابن صفوان قال‏:‏ حدثنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثنا الحسن بن يحيى العبدي قال‏:‏ أخبرنا عبد الرزاق قال‏:‏ أخبرنا معمر عن قتادة قال‏:‏ لما أهبط إبليس قال‏:‏ يا رب قد لعنته فما عمله قال‏:‏ السحر قال‏:‏ فما قرآنه قال‏:‏ الشعر قال‏:‏ فما كتابه قال‏:‏ الوشم قال‏:‏ فما طعامه قال‏:‏ كل ميتة وما لم يذكر اسم الله قال‏:‏ فما شرابه قال‏:‏ كل مسكر قال‏:‏ فأين مسكنه قال‏:‏ الحمام قال‏:‏ فأين مجلسه قال‏:‏ الأسواق قال‏:‏ فما مؤذنه قال‏:‏ المزمار قال‏:‏ فما مصائده قال‏:‏ النساء‏.‏

قال القرشي‏:‏ وحدثنا بشير بن الوليد الكندي قال‏:‏ حدثنا محمد بن طلحة عن زبيد عن مجاهد قال‏:‏ لإبليس خمسة من ولده قد جعل كل واحد منهم على شيء من أمره ثم سماهم فذكر بترو والأعور ومسوط وداسم وزلنبور‏.‏

فأما بتر فهو صاحب المصيبات الذي يأمر بشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية‏.‏

وأما الأعور فهو صاحب الزنا يأمر به ويزينه‏.‏

وأما مسوط فهو صاحب الكذب الذي يسمع فيلقي فيخبره بالخبر فيذهب الرجل إلى القوم فيقول لهم‏:‏ قد رأيت رجلًا أعرف وجهه وما أدري ما اسمه حدثني بكذا وكذا وما هو الأمر‏.‏

وأما زلنبور فهو صاحب السرقى الذي يركز رايته في السوق ولا يزالون ملتطمين‏.‏

وقال حوشب بن سيف قال‏:‏ اسم الشيطان الذي يفتن الناس في الأسواق فنحواص‏.‏

وقد روى سيف عن مجاهد ان إبليس نكح نفسه فباض خمس بيضات فهم أولاده‏.‏

وهذا من أبعد الأقوال‏.‏

وقال عكرمة‏:‏ من أولاد إبليس القعقاع‏.‏

أخبرنا هبة الله بن محمد قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي التميمي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثني محمد بن المثنى قال‏:‏ حدثنا أبو داود قال‏:‏ حدثنا خارجة بن مصعب عن يونس بن عبد عن الحسن عن عتى عن أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ للوضوء شيطان يقال له الولهان فاتقوه أو قال‏:‏ فاحذروه ‏"‏‏.‏

قال أبو الحسين بن المنادي‏:‏ وقد قيل ان أحد الشياطين يجيء في صورة طائر يقال له القرقصية يخفق بجناحه على عين الرجل الذي يقرأ على أهله الفاحشة فلا ينكر بعد ذلك عليها‏.‏

 باب ذكر أجناس الطير وحيوان البر والبحر

جميع أجناس الطير وجميع دواب الأرض كانت منتشرة في الأرض والهواء والبحار قبل آدم عليه قال وهب بن منبه‏:‏ فأري حمل البحر النسر قال‏:‏ يا خطيب الطير أحدث حدث قال‏:‏ نعم خلق خلق من أمره كذا من صفته كذا يضعفه يعني آدم غير أنه أعطي الرفق فقال‏:‏ ويحك إنه من أعطي الرفق استتر لك من السماء واستخرجني من البحر‏.‏

قال سعيد بن جبير‏:‏ لما أهبط آدم إلى الأرض كان فيها نسر في البر وحوت في البحر وسيأتي هذا الحديث في انهباط آدم‏.‏

 باب ذكر جهنم

قال عبد الله بن سلام‏:‏ النار في الأرض‏.‏

وما يدل على أن النار في الأرض ما أخبرنا هبة اللّه بن محمد قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي قال‏:‏ أخبرنا جعفر قال‏:‏ حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثنا حسين بن محمد قال‏:‏ حدثنا خلف يعني ابن خليفة عن يزيد بن كيسان عن أبي خازم عن أبي هريرة قال‏:‏ كنا عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يومًا فسمعنا وجبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أتدرون ما هذا ‏"‏ قلنا‏:‏ اللّه ورسوله أعلم قال‏:‏ ‏"‏ هذا حجر أرسل في جهنم منذ سبعين خريفًا فالآن انتهى إلى قعرها ‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلم‏.‏

فإن قيل‏:‏ كيف تكون جهنم في الأرض وقد رآها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج‏.‏

فجوابه من وجهين أحدهما‏:‏ أنه رآها في الأرض في طريقه إلى بيت المقدس‏.‏

وقد روينا عن عبادة بن الصامت أنه رؤي على سور بيت المقدس الشرقي يبكي فقيل له في ذلك فقال‏:‏ ههنا أخبرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم‏.‏

والثاني‏:‏ أنه لا يمتنع في القدرة أن يرى جهنم في الأرض وهو في السماء وقد بكى له بيت المقدس وهو بمكة فوصفه للقوم‏.‏

أخبرنا أبو الفتح الكروخي قال‏:‏ أخبرنا أبو عامر الأزدي وأبو بكر الغورجي قال‏:‏ أخبرنا الجراحي قال‏:‏ حدثنا المحبوبي قال‏:‏ حدثنا الترمذي قال‏:‏ حدثنا عباس الدوري قال‏:‏ حدثنا يحيى بن أبي بكير قال‏:‏ حدثنا شريك عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة ‏"‏‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا شعبة عن سليمان عن مجاهد عن ابن عباس قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتهم فكيف بمن هو طعامه وليس له طعام غيره‏.‏

أنبأنا أحمد بن الحسين البنا أخبرنا عنه أبن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن الأبنوسي قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن أخي هما‏:‏ قال‏:‏ أخبرنا ابن صفوان قال‏:‏ حدثنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري قال‏:‏ حدثنا حجاج قال‏:‏ أخبرنا ابن جريج في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَهَا سَبْعَةُ أبواب‏}‏ أولها جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم السقر ثم الجحيم وفيها أبو جهل ثم الهاوية‏.‏

قال القرشي‏:‏ وحدثني حمزة بن العباس قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن عثمان قال‏:‏ حدثنا ابن المبارك قال‏:‏ أخبرنا عنبسة بن سعيد عن حبيب بن أبي عمرة عن مجاهد قال ابن عباس‏:‏ أتدري ما سعة جهنم قلت‏:‏ لا قال‏:‏ إن بين شحمة أذن أحدهم وبين عاتقه مسيرة سبعين خريفًا يجري فيها أودية القيح والدم قلت له‏:‏ أنهار قال‏:‏ لا بل أودية‏.‏

قالى كعب‏:‏ الفلق بيت في النار إذا فتح صاح منه جميع أهل النار‏.‏

وقال أبو المثنى الأملوكي‏:‏ إن في النار أقوامًا يربطون بنواعير من نار يدور بهم ملك النواعير ما لهم فيها راحة ولا فترة‏.‏

 باب ذكر السماء والسموات

قال‏:‏ لما خلق عز وجل الماء ثار منه دخان فبنى منه السموات وتمت وما فيها من الشمس وقال أبو الخلد‏:‏ والسماء موج مكفوف‏.‏

وقال كعب‏:‏ السماء أشد بياضًا من اللبن‏.‏

قال القاسم بن أبي برة‏:‏ السماء بيضاء ولكن من بعد ترى خضراء‏.‏

وقال إياس بن معاوية‏:‏ السماء على الأرض مثل القبة‏.‏

وقال الربيع بن أنس‏:‏ السموات أولها موج مكفوف والثانية من صخر والثالثة من حديد والرابعة من صفر ونحاس والخامسة من فضة والسادسة من ذهب والسابعة من ياقوته حمراء‏.‏

وذكر أبو الحسين أحمد بن جعفر‏:‏ أن لا اختلاف بين العلماء في أن السماء مثال الكرة وأنها تدور بجميع ما فيها من الكواكب كدور الكرة على قطبين ثابتين غير متحركين أحدهما في ناحية الشمال والآخر في ناحية الجنوب‏.‏

ويدل على ذلك أن الكواكب جميعًا تبدو من المشرق فترتفع قليلًا على ترتيب واحد في حركاتها وتقادير أجرامها إلى أن تتوسط السماء ثم تنحدر على ذلك الترتيب كأنها ثابتة في كرة تديرها جميعأ دورًا واحدًا‏.‏

وكذلك أجمعوا على أن الأرض بجميع أجرامها من البرد مثل الكرة ويدل عليه أن الشمس والقمر والكواكب لا يوحد طلوعها وغروبها على جميع من في نواحي الأرض في وقت واحد بل على المشرق قبل المغرب وكرة الأرض مثبتة في وسط كرة السماء كالنقطة من الدائرة يدل على ذلك أن جرم كل كوكب يرى في جميع نواحي السماء على قدر واحد فيدل على ذلك أن ما بين السماء والأرض من جميع الجهات بقدر واحد كاضطرار أن تكون الأرض وسط السماء‏.‏

ذكر ما بين السماء والسماء أخبرنا هبة اللّه بن القاسم أخبرنا الحسن بن علي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر أخبرنا عبد اللّه بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا يحيى بن العلاء عن عمه شعيب بن خالد قال‏:‏ حدثني سماك بن حرب حدثنا عبد اللّه بن عميرة عن عباس بن المطلب قال‏:‏ كنا جلوسًا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فمرت سحابة فقال‏:‏ ‏"‏ أتدرون ما هذا قلنا‏:‏ السحاب قال‏:‏ والمزن قلنا‏:‏ والمزن قال‏:‏ والعنان‏.‏

قال‏:‏ فسكتنا قال‏:‏ هل تدرون كم بين السماء والأرض‏.‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم قال‏:‏ ‏"‏ بينهما مسيرة خمسمائة سنة وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء خمسمائة سنة وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض والله تعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء ‏"‏‏.‏

قال العلماء‏:‏ وكذلك الأرضون السبع في كثافتها وبعد ما بين الواحدة والأخرى فذلك مسيرة أربعة عشر ألف سوى ما تحت الأرض من الظلمة والنور وما فوق السموات من الحجب والظلمة إلى العرش وهذا على قدر سير الآدمي الضعيف فأما الملك فإنه يجرد ذلك في ساعة‏.‏

وقد سأل ابن الكوا علي بن أبي طالب رضي اللهّ عنه عن مسافة ذلك فقال‏:‏ دعوة عبد صالح‏.‏

ذكر الشمس والقمر والنجوم أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن سوار قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر بن المناعي قال‏:‏ حدثني هارون بن علي بن الحكم قال‏:‏ حدثنا أحمد بن عبد العزيز بن مرداس حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد القرشي حدثنا محمد بن موسى حدثنا مسلمة بن الصلت حدثنا جارية بن المنذر حدثنا الأعمش عن سليمان بن موسى عن القاسم بن مخيمرة عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لما أبرم اللّه عز وجل خلقه فلم يبق غيرآدم خلق شمسين من نور عرشه فأما ما كان في سابق علمه أن يطمسها ويحولها قمرًا فإنه خلقها دون الشمس في الضوء ولوتركها شمسين لم يعرف الليل من النهار ولكان الصائم لا يدري إلى متى يصوم فأرسل جبريل فأمر جناحه على وجه القمر ثلاث مرات فمحا عنه الضوء وبقي فيه النور وخلق للشمس عجلة لها ثلثمائة وستون عروة ووكل بها ثلاثمائة وستين ملكًا قد يعلق كل ملك بعروة وإذا أراد أن يري العباد آية خرت الشمس عن عجلتها فوقعت في بحر وتسجد الشمس تحت العرش بمقدار الليل ثم تؤمر بالطلوع فإذا ما دنت القيامة جعلت الشمس ثم يتبعها القمر ثم يطلعان من المغرب ثم يعود إلى ما خلق اللّه ‏"‏‏.‏

وروى طاووس عن ابن عباس أنه قال‏:‏ قال الله عز وجل للسماء‏:‏ أخرجي شمسك وقمرك ونجومك ‏"‏ وقال للأرض‏:‏ شققي أنهارك وأخرجي ثمارك ‏"‏ فقالتا‏:‏ أتينا طائعين‏.‏

وقد أشكل هذا قوم غلبت عليهم الظواهر وقل فهمهم وظنوا أنه قول السماء حقيقة وأنها أخرجت شمسها بفعل وهذا سوقهم لأن قوله أتيا طوعًا معناه كونا بتكويننا وهوتقريب إلى الأفهام تقريره لا بد من فعل ما يريده لوقدرنا أن السماء موجودة أن يوافق أو يخالف ويوضح هذا أنهما إن كانتا حالة الخطاب معدومتين فالمعدوم لا يخاطب وإن كانتا موجودتين استغنتا بوجودهما عن التكوين ثم أي قدرة لهما في إخراج شمس أو قمر وهل خالق إلا الله وإنما المرادكوني بتكويني إياك ومثله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أرَدْنَاهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏‏{‏كُونُوا قِرَدةً خَاسِئين‏}‏‏.‏

{‏كونوا حجارة أو حديدًا‏}‏ وهذا من توسع العرب في الخطاب يقصدون به اعلام قال مجاهد في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏رب المشرقين ورب المغرِبَيْن‏}‏ قال‏:‏ مشرق الشتاء ومشرق الصيف ومغرب الشتاء ومغرب الصيف‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ يطلع كل سنة في ثلاثمائة وستين كوة كل يوم في كوة فلا يرجع إلى تلك الكوة في ذلك اليوم من العام للمقبل‏.‏

وقد روى عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى الشمس حين غابت فقال‏:‏ ‏"‏ في نار الله الحامية لولا ما يزعها من أمر الله عز وجل لأهلكت ما على الأرض ‏"‏‏.‏

قال أبو الحسين أحمد بن جعفر‏:‏ قد نظر بعض الناس أن ذلك دعاء على الشمس وليس كذلك إنما هو وصف للعين التي تواري الشمس في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ تغْرب فِي عين حَامئَة ‏"‏‏.‏

قال سعيد بن المسيب‏:‏ إن الشمس إذا أرادت أن تطلع تقاعست كرامة أن تعبد من دون الله فيدفعها ثلاثمائة وستون ملكًا‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ لا تطلع إلا وهي كارهة تقول‏:‏ يا رب لا تطلعني على عبادك فإني أراهم يعصونك‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا أبو الخطاب علي بن عبد الرحمن الجراح حدثنا عبد الملك بن بشران أخبرنا أحمد بن الفضل بن العباس بن خريم حدثنا إبراهيم بن الهيثم حدثنا أبو اليمان حدثنا عمير بن المعدان بن عامر عن أبي أمامة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أخبرنا عبد الأول أخبرنا الداودي أخبرنا ابن أعين حدثنا الفربري حدثنا البخاري حدثنا ابن نعيم أخبرنا الأعمش عن ابراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال‏:‏ كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس فقال‏:‏ ‏"‏ يا أبا ذر تدري أين تذهب الشمس قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم قال‏:‏ فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي الله عز وجل فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها‏:‏ ارجعي حيث جئت فتطلع من مغربها ‏"‏‏.‏

أخرجاه في الصحيحين‏.‏

قال ابن عقيل‏:‏ قد ذكر أصحاب علوم الهندسة أن بعد الشمس من الأرض أربعة آلاف وثمانمائة وعشرون ألف ميل ونصف‏.‏

وذكروا أن جرم القمر جزء من تسعة وثلاثين جزءًا من الأرض وإن المشتري أعظم من الأرض يزيد جرمه على جرم الأرض مائتين وثمانين مرة ونصف وربع‏.‏

وزحل أعظم من الأرض تسعة وسبعين مرة ونصف‏.‏

وأما الكواكب الثابتة فأعظمها الخمسة عشر العظام نيرة مثل الشعرى والسماك وقلب الأسد يكون جرم كل كوكب منها أعظم من الأرض بأربع وسبعين مرة ونصف‏.‏

ذكر البيت المعمور اختلف العلماء في أي سماء وهو على ثلاثة أقوال‏:‏ أخبرنا به عبد الأول أخبرنا الداوودي أخبرنا ابن أعين حدثنا الفربري حدثنا البخاري حدثنا هدبة حدثنا همام عن قتادة عن أنس بن مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به فذكر صعوده من سماء إلى سماء حتى أتى السماء السابعة قال‏:‏ ثم رفع إلى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه‏.‏

القول الثاني‏:‏ إنه في السماء الدنيا رواه أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ هو حيال الكعبة ويسمى الصراح‏.‏

وقال الربيع بن أنس‏:‏ كان البيت المعمور مكان الكعبة في زمان آدم فلما كان زمن نوح أمر الناس بحجه فعصوه فلما طفى الماء رفع فجعل بحذاء البيت في السماء الدنيا‏.‏

والقول الثالث‏:‏ إنه في السماء السادسة قاله علي رضي اللّه عنه‏.‏

ذكر ما بعد السموات السبع من ذلك سدرة المنتهى وهي بعد السماء السابعة وقد قيل أنها في السادسة والأول أصح‏.‏

أخبرنا هبة اللهّ بن محمد قال‏:‏ حدثنا الحسن بن علي أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللهّ بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي حدثنا عفان حدثنا هدبة حدثنا همام عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر معراجه إلى السماء السابعة قال أحمد‏:‏ وحدثنا ابن نمير أخبرنا مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن طلحة عن مرة عن عبد اللّه قال‏:‏ لما أسري برسول اللّه صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها فأعطي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثلاثًا‏:‏ أعطي الصلوات الخمس وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك باللّه من أمته شيئًا المقحمات ‏"‏‏.‏

هذا الحديث من أفراد مسلم والذي قبله متفق عليه‏.‏

ثم الكرسي‏.‏

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة‏.‏

ثم العرش‏.‏

روى اسماعيل بن أبي خالد عن سعد الطائي قال‏:‏ العرش ياقوتة حمراء‏.‏

ذكر الملائكة‏.‏

أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله‏:‏ ‏"‏ خلقت الملائكة من نور ‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلم‏.‏

ذكر حملة العرش‏.‏

من أعظم الملائكة خلقًا حملة العرش وعددهم اليوم أربعة أحدهم على صورة البشر قد وكل بالدعاء لنسل الآدمي والآخر على صورة النسر وقد وكل بالدعاء لأجناس الطير والآخر على صورة الثور قد وكل بالدعاء لنسل البهيمي والآخر على صورة السبع قد وكل بالدعاء لأجناس السباع فإذا جاءت القيامة صاروا ثمانية قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبك فَوْقَهم يَوْمَئذٍ ثَمَانِيَةٌ‏}‏‏.‏

وقد قال سعيد بن جبير‏:‏ ثمانية صفوف من الملائكة‏.‏

وقد روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وصف أحد حملة العرش فقال‏:‏ قدماه على الأرض السابعة من الأرضين والذي نفس محمد بيده لوأن الطير سخرت ما بين أصل عنقه إلى منتهاها من رأسه لحففت فيه سبعمائة عام قبل أن تقطعه ‏"‏‏.‏

أخبرنا عبد الأول بن عيسى أخبرنا أبو اسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري أخبرنا إسحاق بن أبي إسحاق الحافظ أخبرنا أبو الحارث علي بن القاسم حدثنا عبد اللّه بن محمد بن الحسن الشرقي حدثنا أحمد بن حفص حدثنا أبي حدثنا ابراهيم بن طهمان عن موسى بن عتبة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة اللّه من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة ‏"‏‏.‏

أخبرنا عبد الأول أخبرنا أبو اسماعيل أخبرنا أحمد بن ابراهيم النيسابوري أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر حدثنا أبو إسحاق ابراهيم بن اسحاق الأنماطي حدثنا ابو الفضل سهل الأعرج حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا إسرائيل عن معاوية بن اسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إن الله عز وجل أذن لي أن أحدث عن ملك قد لزقت رجلاه الأرض وعنقه مثنية تحت العرش وهو يقول‏:‏ سبحانك ما أعظمك ربنا قال‏:‏ فيرد عليه ما يعلم ذلك الذي يخلف به كاذبًا ‏"‏‏.‏

ذكر الملك المسمى بالروح قد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال‏:‏ هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لغة يسبح الله بتلك اللغات كلها ويخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة‏.‏

أخبرنا ابن ناصر أخبرنا نصر بن أحمد بن البطر أخبرنا ابن رزقويه حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق أخبرنا إسحاق بن ابراهيم الحنبلي حدثنا العلاء بن عمرو الخراساني حدثنا عبد الله بن الحكم البجلي حدثنا القاسم بن الحكم العربي عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ إذا كانت ليلة القدر يأمر الله تعالى جبريل فيهبط في وكيله من الملائكة وله ستمائة جناح منها جناحان لا ينشرهما إلا في ليلة القدر فينشرهما تلك الليلة فيجاوزان المشرق والمغرب ‏"‏‏.‏

ذكر إسرافيل روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ إن ملكًا من ملائكة اللهّ تعالى يقال له إسرافيل يحمل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الأرض السفلى قد رنق رأسه في السماء السابعة‏.‏

قال أبو الحسين أحمد بن جعفر‏:‏ والملائكة خلقت من نور وقد قيل أن المستأنف منها يخلق دموع إسرافيل‏.‏

ذكر أصناف الملائكة روى معدان بن أبي طلحة عن عمر البكالي قال‏:‏ قال عبد الله بن عمرو بن العاص‏:‏ الملائكة عشرهّ أجزاء الكروبيون الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون تسعة أجزاء وجزء واحد الذين وكلوا بخزانة كل شيء والملائكة والجن عشرة أجزاء تسعة أجزاء الملائكة وجزء واحد الجن والجن والإنس عشرة أجزاء فتسعة أجزاء الجن وجزء واحد الإنس فإذا ولد واحد من الإنس ولد تسعة من الجن والإنس عشرة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزء واحد سائر الإنس وما من السماء موضع اهاب إلا عليه ملك ساجد أو قائم‏.‏

أخبرنأ أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا علي بن الحسين بن القنوجي أخبرنا محمد بن عبد الرحيم المازفي حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي حدثني أبو عبيدة الحسن بن علي بن الجعد حدثنا محمد بن سعد عن الواقدي عن اسماعيل بن أبي سعيد عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال‏:‏ لما خلق اللّه عز وجل الملائكة واستووا على أقدامهم رفعوا رؤوسهم إلى السماء فقالوا‏:‏ ربنا مع من أنت قال‏:‏ مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه‏.‏

ذكر أعمال الملائكة جمهور الملائكة مشغولون بالتعبد كما قال اللّه عز وجك‏:‏ ‏{‏يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنهَارَ لا يَفْتُرون‏}‏‏.‏

فمنهم قيام في التعبد ومنهم ركوع ومنهم سجود وكل من رتب لعبادة فهو مقيم عليها إلى يوم القيامة‏.‏

أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي حدثنا أسود عن ابراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن مورق عن أبي ذر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط فما فيها موضع أربع يعني أصابع إلا عليه ملك ساجد ومن الملائكة موكل بعمل فمنهم حملة العرش قد وكلوا لحمله جبريل هو صاحب الوحي والغلظة فهو ينزل بالوحي ويتولى إهلاك المكذبين وميكائيل صاحب الرزق والرحمة وإسرافيل صاحب اللوح والصور وعزرائيل قابض الأرواح وله أعوان وهؤلاء الأربعة هم المقسمات أمرًا‏.‏

ومنهم كتاب على بني آدم وهم المعقبات ملكان في الليل وملكان في النهار ‏"‏‏.‏

أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد‏.‏

قال‏:‏ حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر بن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ والملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة الليل وملائكة النهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهوأعلم‏:‏ كيف تركتم عبادي فقالوا‏:‏ تركناهم وهم يصلون ‏"‏‏.‏

أخرجاه في الصحيحين‏.‏

روى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يساره وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين عشرًا وإذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال صاحب اليمين‏:‏ أمسك فيمسك عنه سبع ساعات فإن استغفر منها لم تكتب وإن لم يستغر كتبت عليه سيئة‏.‏

وفي حديث علي رضي الله عنه إن مقعد الملكين على الثنيتين‏.‏

وقال الحسن‏:‏ إن مجلسيهما تحت الشعرعلى الحنك‏.‏

ومن الملائكة من قد وكل بالشمس ومنهم موكل بالقطر والرعد صوت ملك يزجر والسحاب والبرق ضربه إياه بمخاريق ومنهم موكل بالرياح والأشجار‏.‏

روى مجاهد عن ابن عباس قال‏:‏ ليس أحد من خلق الله أكثر من الملائكة ليس من شجرة إلامعها موكل بها‏.‏

ومنهم ملكان يقول أحدهما‏:‏ اللهم‏.‏

أعط منفقًا مالًا خلفًا ويقول الآخر‏:‏ اللهم أعط ممسكًا تلفًا‏.‏

وملكان يقول أحدهما‏:‏ يا باغي الخير أبشر ويقول الآخر‏:‏ يا باغي الشر أقصر‏.‏

ومنهم ملائكة يساحون في الأرض يتبعون مجالس الذكر وملائكة يبلغون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من أمته السلام‏.‏

وملائكة موكلون بمكة والمدينة ليمنعوا عنها الدِّجال إذا خرج‏.‏

ومن الملائكة من هو مشغول بغرس شجر الجنة‏.‏

قال الحسن‏:‏ إن أحدهم ليفتر فيقال له‏:‏ ما لك فيقول‏:‏ فتر صاحبي من العمل‏.‏

وكان الحسن يقول‏:‏ أمدوهم رحمكم الله‏.‏

ومنهم موكل بصياغة حليّ الجنة‏.‏

روى شمر بن عطية عن كعب قال‏:‏ إن في الجنة ملكًا يصوغ حلية أهل الجنة منذ خلق إلى أن تقوم الساعة لو شئت أن أسميه لسميته ولو أن قُلبًا منها خرج لردّ شعاع الشمس‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ فلو ذهبنا نكتب كل شيء من هذا طال ذلك‏.‏

ذكر تسبيح الملائكة أخبرنا محمد بن ناصر اُخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا الحسن بن علي أخبرنا أبو بكر بن مالك قال‏:‏ حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال‏:‏ حدثنى أبي أخبرنا أبو المغيرة حدثنا صفوان بن عمرو قال‏:‏ سمعت خالد بن معدان يقول‏:‏ إن لله عز وجل ملائكة أربعة يسبحون تحت العرش يسبح بتسبيحهم أهل السموات يقول الأول سبحان ذي الملك والملكوت ويقول الثاني‏:‏ سبحان ذي العزة والجبروت ويقول الثالث‏:‏ سبحان الحي الذي لا يموت ويقول الرابع‏:‏ سبحان الذي يميت الخلق و يموت‏.‏

وقال هارون بن رباب‏:‏ حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت رخيم يقول أربعة‏:‏ سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك ويقول الأربعة الأخرى‏:‏ سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك‏.‏

قال سعيد بن جبيرة أتى جبريل رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ إن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون‏:‏ سبحان ذي الملك والملكوت وأهل السماء الثاني ركوع إلى يوم القيامة يقولون سبحان ذي العزة والجبروت وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون‏:‏ سبحان الحي الذي لا يموت‏.‏

وقد روينا أن في الملائكة ملكًا نصفه من نار ونصفه من ثلج وهويقول‏:‏ يامن ألف بين الثلج والنار فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفىء النار ألف بين عباد المؤمنين‏.‏

 باب ذكر الجنة الجنة والنار

مخلوقتان قبل آدم‏.‏

قال عبد اللهّ بن سلام‏:‏ والجنة في السماء‏.‏

ويدل عليه قوله‏:‏ ‏{‏عند سدرة المنتهى عِنْدَهَا جنةُ الْمَأوَى‏}‏‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏وَفِي السمَاء رِزْقُكُم‏}‏ قال‏:‏ المطر‏{‏وما توعدون‏}‏ قال‏:‏ الجنة‏.‏

ويدل على أن الجنة قد خلقت قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة ‏"‏‏.‏

وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ كان عرش اللّه على الماء ثم اتخد جنة ثم اتخذ دونها أخرى ثم أطبقها بلؤلؤة واحدة فقال‏:‏ ‏{‏وَمِن دونِهمَا جنتَان‏}‏‏.‏

أخبرنا عبد الأول أخبرنا الداودي أخبرنا ابن أعين حدثنا الفربري حدثنا البخاري حدثنا روح بن عبد المؤمن حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ‏"‏‏.‏

أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أبو بكر بن مالك أخبرنا عبد اللهّ بن أحمد قال‏:‏ حدثنا أبي حدثنا عبد الصمد حدثنا أبو قدامة الحارث بن عبيد حدثنا أبو عمران عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ جنات الفردوس أربع‏:‏ ثنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وثنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وليس بين القوم أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه عز وجل في جنة عدن ‏"‏‏.‏

قال أحمد‏:‏ وحدثنا أبو النضر حدثنا زهير حدثنا سعد أبو مجاهد حدثنا أبو المدلّه أنه سمع أبا هريرة يقول‏:‏ قلنا‏:‏ يا رسول اللهّ حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال‏:‏ لبنتها فضة وملاطها المسك الأذخر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم لا يبؤس ويخلد لا يموت لايبلى ثيابه ولايفنى شبابه ‏"‏‏.‏

هذا الحديث حسن واللذان قبله في الصحيحين‏.‏

 باب ذكر آدم عليه السلام

روى السدي سن أشياخه قال‏:‏ بعث اللهّ عز وجل جبرئيل إلى الأرض ليأتيه بطين منها قالت الأرض‏:‏ إني أعوذ باللهّ منك أن تنقص مني أو تَشينني فرجع ولم يأخذ وقال‏:‏ رب إنها عاذت بك فأعذتُها‏.‏

فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال‏:‏ وأنا أعوذ باللّه أن أرجع ولم أنفذ أمره فأخذ من وجه الأرض وخلط فلم يأخذ من مكان واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين‏.‏

فصعد به فَبَلَ التراب حتى عاد طينًا ثم تُرك حتى تغير وأنتن وهو قوله ‏{‏مِنْ حَمَأٍ مَسْنُون‏}‏ قال‏:‏ مُنْتِن‏.‏

وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ بعث رب العزة إبليس فأخذ من أديم الأرض ومن عذبها ومن ملحها فخلق آدم فمن ثَمَّ سُمّيَ آدم لأنه خلق من أديم الأرض ومن ثَم قال إبليس‏:‏ ‏{‏أسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا‏}‏ أي هذه الطينة أنا جئت بها‏.‏

وقد رواه ابن جبيرعن ابن مسعود‏.‏

فأخبرنا به محمد بن عبد الباقي البزار أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبو عمر بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة أخبرنا محمد بن سعد أخبرنا حسين بن الحسن الأشقر حدثنا يعقوب بن عبد الله القُميَ عن سعيد بن جبير عن ابن مسعود قال‏:‏ إن اللّه بعث إبليس فأخذ من أديم الأرض من عذبها ومالحها فخلق منه آدم فكل شيء خلقه من عذبها فهو صائر إلى الجنة وإن كان ابن كافر وكل شيء خلقه من مالحها فهو صائر إلى الناروإن كان ابن نبي‏.‏

قال‏:‏ فمن ثم قال ابليس‏:‏ ‏{‏أأسجد لمن خلقت طينًا‏}‏ لأنه جاء بالطينة وسمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض‏.‏

أخبرنا عبد الأول أخبرنا الداوي أخبرنا ابن أعين السرخسي أخبرنا ابراهيم بن خريم حدثنا عبد بن حميد حدثنا هوفق بن خليفة حدثنا عوف عن قَسَام بن زُهَير عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك والخبيث والطيب والسهل والحَزْن وبين أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللهّ بن أحمد حدثني أبي أخبرنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو حدثنا زُهَير بن محمد عن عبد اللّه بن محمد بن عَقِيل عن عبد الرحمن بن محمد بن يزيد الأنصاريّ عن أبي لُبابة البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ سيد الأيام يوم الجمعة وأعظمُها عنده وأعظم عند الله عز وجل من يوم الفطر ويوم الأضحى وفيه خمس خلال‏:‏ خلق اللّه تبارك وتعالى فيه آدم وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض وفيه توفَّى آدم وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئًا إلا أتاه الله إياه ما لم يسأل حرامًا وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب في السماء والأرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يستغفرون من يوم الجمعة ‏"‏‏.‏

قال أحمد‏:‏ وحدثنا أبو عامر حدثنا زهير عن عبد اللهّ بن محمد عن عمرو بن شرحبيل بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده سعد بن عبادة أن رجلًا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أخبرنا عن يوم الجمعة ماذا فيه من الخير‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ فيه خمس خلال‏:‏ فيه خُلقَ آدم وفي أهبط آدم وفيه تُوفّي وفيه ساعة لا يسأل عبد فيها شيئًا إلا أتاه اللهّ ما لم يسأل مأثمًا أوقطيعة رحم وفيه تقوم الساعة وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبال ولا حجر فصل‏:‏ فلما صور اللهّ تعالى آدم تركه أربعين ليلة جسدًا ملقى لا روح فيه هكذا رواه الضحاك عن ابن عباس‏.‏

وقال السدي عن أشياخه‏:‏ بقي جسدًا بين طين وماء أربعين سنة‏.‏

والمراد بذلك من أعوامنا‏.‏

وقد روى أبو عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال‏:‏ خمر اللّه عز وجل طينة آدم أربعين يومًا‏.‏

فعلى هذا يكون التخمير قبل التصوير ‏"‏‏.‏

وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ في يوم الجمعة خلق آدم ‏"‏‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ خلق بعد كل شيء آخر النهار من يوم الجمعة‏.‏

 فصل

روى السدي عن أشياخه قال‏:‏ لما أراد اللهّ عز وجل أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة‏:‏ فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين‏.‏

فنفخ فيه الروح فدخل فيه الروح من رأسه فعطس فقالت له الملائكة‏:‏ قل الحمد لله فقال‏:‏ الحمد للهّ فقال اللهّ‏:‏ رحمك ربك فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان فذلك قوله‏:‏ ‏{‏خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ‏}‏‏.‏

فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إِبليس‏.‏

وروى الضحاك فقال‏:‏ أتته النفخة من قبل رأسه فجعل لا يجري في شيء من جسده إلا صار لحمًا ودمًا فلما انتهت النفخة إلى سرته فنظر إلى جسده فاعجبه فذهب لينهض فلم يقدر فلما تمت النفخة عطس فقال‏:‏ الحمد للّه فقال له ربه‏:‏ يرحمك ربك‏.‏

أخبرنا أبن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبي حدثنا حسين وعفان قالا‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك قال‏:‏ قال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الله عز وجل لما صور آدم تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطيف به فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك ‏"‏‏.‏

قال أحمد‏:‏ وحدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه حدثنا أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ خلق اللهّ عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعًا فلما خلقه قال له‏:‏ اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفرمن الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال‏:‏ السلام عليكم فقالوا‏:‏ السلام عليك ورحمة الله وبركاته فزادوه ورحمة الله فكلَ من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله فلم يزل الخلق ينقص بعد ‏"‏‏.‏

هذا حديث متفق عليه والذي قبله من أفراد مسلم‏.‏

أخبرنا زاهر بن طاهر النيسابوري أخبرنا الحاكم أبو سعد محمد بن محمد بن علي أخبرنا أبو بكر حدثنا يحيى بن اسماعيل أخبرنا مكي بن عبدان حدثنا أحمد ابن الأزهر حدثنا روح بن عبادة حدثنا حماد بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ كان طول آدم ستين ذراعًا في سبعة أذرع عرضًا ‏"‏‏.‏

وقد روي عن مجاهد‏:‏ أن نفس آدم كان يؤذي أهل السماء فحط إلى ستين ذراعًا‏.‏

وليس هذا بشيء‏.‏

قال أبو الحسن‏:‏ هذا من كتب السريانيين ليس للإسلاميين فيه أكثر من الرواية عنهم‏.‏

ذكر الحوادث التي في زمان آدم عليه السلام هذه الحوادث تنقسم ثلاثة أقسام‏:‏ فالقسم الأول ما حدث وآدم في السماء والثاني ما حدث وهو في الجنة والثالث ما حدث وآدم في الأرض‏.‏

ذكر القسم الأول‏:‏ ما حدث وآدم في السماء‏:‏ من ذلك أن الله تعالى لما أكمل خلق آدم ونفخ فيه الروح علمه الأسماء كلها‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ علمه أسماء كل شيء‏.‏

قال الحسن‏:‏ علمه اسم كل شيء‏:‏ هذه الخيل وهذه البغال والإبل والجن والوحوش‏.‏

والصحيح العموم وقد شرحنا هذا في التفسير وهناك أليق بسط هذا‏.‏

ثم أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس‏.‏

أخبرنا محمد بن عمر الأوحدي أخبرنا أبو الحسن محمد بن علي بن المهتدي أخبرنا عمر بن أحمد بن شاهين حدثنا عبد اللّه بن سليمان حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا عثمان بن ربيعة عن قادم بن المسور قال‏:‏ قال عمر بن عبد العزيز‏:‏ لما أمر اللّه عز وجل الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام أول من سجد له إسرافيل فأثابه اللهّ بأن كتب القرآن في جبهته‏.‏

ومن أعظم ذكر الحوادث السماوية في زمان آدم امتناع ابليس من السجود له تكبرًا وقد سبق بيانه في ذكر أخبار ابليس‏.‏

ذكر القسم الثاني‏:‏ ما حدث وآدم في الجنة‏:‏ وهو ما حدث وآدم في الجنة لما سجدت الملائكة لآدم وأبعد الله إبليس أسكن آدم الجنة فما حدث أباح آدم جميع أشجار الجنة سوى شجرة واحدة اختلفوا فيها فقيل‏:‏ هي الحنطة وقيل‏:‏ الكرمة إلى غير ذلك مما قد شرحناه في التفسير‏.‏

ومما حدث‏:‏ ما روى السدي عن أشياخه‏:‏ لما أسكن آدم الجنة كان يمشي فيها وحشًا ليس له زوج فنام نومة فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه فسألها‏:‏ ما أنت‏.‏

قالت امرأة قال‏:‏ ولم خلقت‏.‏

قالت‏:‏ تسكن إلي قالت له الملاَئكة ينظرون ما بلغ علمه‏:‏ ما أسمها يا آدم قال‏:‏ حواء قالوا‏:‏ ولم سمت حواء‏.‏

قال‏:‏ لأنها خلقت من شيء حيّ فقال اللهّ‏:‏ يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة‏.‏

قال قتادة‏:‏ خلق حواء من ضلع من أضلاعه‏.‏

قال مجاهد‏:‏ خلقت من قصيرى آدم‏.‏

ومما حدث‏:‏ احتيال إبليس في الدخول إلى الجنة لاستذلال آدم‏.‏

روى السدي عن أشياخه قال‏:‏ لما أراد إبليس أن يدخل الجنة إلى آدم فمنعه الخزنة فأتى الحية وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير وهي كأحسن الدوابّ فكلمها أن تدخله في فمها فأدخلته في فمها فقال‏:‏ يا آدم هَلْ أدُلكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخلْد فأبى أن يأكل فقدمت حواء فأكلت ثم قالت‏:‏ يا آدم قد أكلتُ ولم يضرني فلما أكل بدت لهما سوآتهما‏.‏

وروى طاووس عن ابن عباس قال‏:‏ إن إبليس عرض نفسه على الدواب لتحمله حتى تدخله الجنة حتى يكلم آدم وكل الدواب أبى ذلك عليه حتى كلّم الحية فجعلته بين نابين من أنيابها ثم دخلت به وكانت كاسية أعلى أربع قوائم فأعراها اللّه تعالى وجعلها تمشي على بطنها‏.‏

وقال وهب بن منبه‏:‏ لما دخلت الحية الجنة خرج من جوفها فأخذ من الشجرة وجاء بها إلى حواء فقال‏:‏ انظري إلى هذه الشجرة ما أطيب ريحها وطعمها وأحسن لونها فأكلت منها وذهبت بها إلى آدم فقالت‏:‏ انظر إلى هذه ما أطيب ريحها وطعمها فأكل فبدت لهما سوآتهما فدخل آدم في جوف الشجرة فناد ربُّه‏:‏ يا آدم أين أنت‏.‏

قاد‏:‏ أنا هذا يا ربّ قال‏:‏ يا حواء أنت غَرَرْتِ عبدي فلا تحملين حَمْلًا إلا حملتِه كرهًا فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارًا‏.‏

وقال للحية‏:‏ أنت الذي دخل الملعون في جوفك حتى غرّ عبدي ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك ولا يكنْ لك رزق إلا التراب أنتِ عدوّة بني آدم وهم أعداؤك حيث لقيت منهم أحدًا أخذت تسميه وحيث لقيَك شدَخ رأسك‏.‏

وروى محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم‏:‏ ان آدم لما رأى نعم الجنة قال‏:‏ لو أن خالدًا فاغتنمها إبليس فأتاه من قبل الخلد‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحديث ان أول ما ابتدأهما به من كيده أنه ناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها فقالا له‏:‏ ما يُبْكِيك قال‏:‏ أبكي عليكما إنكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والغبط فوقع ذلك في أنفسهما ثم أتاهما فوسوس إليهما وقال‏:‏ يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد‏.‏

وقال ابن زيد‏:‏ وسوس الشيطان إلى حواء في الشجرة حتى أتى بها إليها ثم حسنها في نفسه قال‏:‏ فدعاها آدم لحاجته فقالت‏:‏ لا إلا أن تأتي هذا قال‏:‏ ما آتي‏.‏

قالت‏:‏ تأكل من هذه الشجرة فأكلا منها فبدت سوآتهما وذهب آدم هاربًا إلى الجنة فناداه ربُّه يا آدم أني أتيت‏.‏

قال‏:‏ لا يا رب ولكن حياء منك وقال‏:‏ يا آدم أنَّى أتِيتَ‏.‏

قال‏:‏ من قِبَل هذا أي رب قال‏:‏ فقال اللهّ‏:‏ إن لها عليّ أن آدميها في كل شهر مرة كما آدمت هذه الشجرة وأن أجعلها سفيهة فقد كنت خلقتها حليمة وأن أجعلها تحمل كرهًا وتضع كرهًا‏.‏

وكان سعيد بن المسيب يحلف باللّه ما يستثني‏:‏ ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ولكن حواء سقتْه الخمرحتى إذا سكر قادته إليها فأكل‏.‏

قال المؤلف‏:‏ وفي هذا بعد من جهتين أحدهما‏:‏ أن خمر الجنة لا يسكر لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا فيهَا غَول‏}‏‏.‏

والثاني‏:‏ أنه لا يخلو أن يكون شربه مباحًا له أو محظورًا وقد حظره لأن الظاهر إباحته جميع ما في الجنة له سوى تلك الشجرة ومن فعل المباح لم يؤاخذ بما يؤثره على أن راوي هذا الحديث محمد بن إسحاق وفيه مقال‏.‏

ومما حدث إخراج آدم من الجنة‏:‏ قال العلماء‏:‏ لما واقع آدم وحواء الخطيئة أخرجهما الله تعالى من الجنة وسلبهما ما كانا فيه من النعمة وأهبطهما وعدويهما إبليس والحية إلى الأرض‏.‏

ذكر مقدار مكثه في الجنه روى أبو صالح عن ابن عباس‏:‏ أن آدم مكث في الجنة نصف يوم من أيام الآخرة وهو خمسمائة سنة‏.‏

وقال أبو العالية‏:‏ مكث في الجنة خمس ساعة‏.‏

وقد روينا أنه خلق آخر النهار من يوم الجمعة فعلى هذه يكون في الساعة الأخيرة فمكث جسدًا أربعين سنة من سنيها كان مكثه في السماء بعد تصويره في الجنة إلى أن أصاب الخطيئة واهبط ثلاثًَا وأربعين سنة وأربعة أشهر‏.‏

وقال الحسن البصري‏:‏ كان الساعة التي لبثها آدم في الجنة مقدار أربعين ومائة من سنينكم‏.‏

ذكر الوقت الذي أخرج فيه‏:‏ روى سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ في يوم الجمعة خلق آدم وفيه أهبط ‏"‏‏.‏

وروى أبو صالح عن ابن عباس‏:‏ أن آدم أخرج بين الصلاتين صلاة الظهر وصلاة العصر‏.‏

وقد ذكرنا انه اسكن وأخرج في ساعة واحدة من ساعات ذلك اليوم‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ فأهبط قبل غروب الشمس‏.‏