فصل: فصل في استحقاق بَعْضَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العناية شرح الهداية



.(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ):

قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ) لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ (وَيَعْدِلَهُ) يَعْنِي يُسَوِّيَهُ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ وَيُرْوَى يَعْزِلَهُ: أَيْ يَقْطَعَهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ (وَيَذْرَعَهُ) لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ (وَيُقَوِّمَ الْبِنَاءَ) لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ (وَيَفْرِزَ كُلَّ نَصِيبٍ عَنْ الْبَاقِي بِطَرِيقِهِ وَشُرْبِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِنَصِيبِ بَعْضِهِمْ بِنَصِيبِ الْآخَرِ تَعَلُّقٌ) فَتَنْقَطِعَ الْمُنَازَعَةُ وَيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْقِسْمَةِ عَلَى التَّمَامِ (ثُمَّ يُلَقِّبَ نَصِيبًا بِالْأَوَّلِ، وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِالثَّانِي وَالثَّالِثُ عَلَى هَذَا ثُمَّ يُخْرِجَ الْقُرْعَةَ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي) وَالْأَصْلُ أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ إلَى أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ، حَتَّى إذَا كَانَ الْأَقَلُّ ثُلُثًا جَعَلَهَا أَثْلَاثًا، وَإِنْ كَانَ سُدُسًا جَعَلَهَا أَسْدَاسًا لِتَمَكُّنِ الْقِسْمَةِ، وَقَدْ شَرَحْنَاهُ مُشَبَّعًا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ (فِي الْكِتَابِ) وَيَفْرِزَ كُلَّ نَصِيبٍ بِطَرِيقِهِ وَشُرْبِهِ بَيَانُ الْأَفْضَلِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بِتَفْصِيلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالْقُرْعَةُ لِتَطْيِيبِ الْقُلُوبِ وَإِزَاحَةِ تُهْمَةِ الْمِيلِ، حَتَّى لَوْ عَيَّنَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبًا مِنْ غَيْرِ إقْرَاعٍ جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ فَيَمْلِكَ الْإِلْزَامَ.
قَالَ (وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمْ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالْقِسْمَةُ مِنْ حُقُوقِ الِاشْتِرَاكِ)، وَلِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَصِلُ إلَى عَيْنِ الْعَقَارِ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَعَلَّهَا لَا تُسَلَّمُ لَهُ (وَإِذَا كَانَ أَرْضٌ وَبِنَاءٌ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْسِمُ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْأَرْضَ بِالْمَسَّاحَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمَمْسُوحَاتِ، ثُمَّ يَرُدُّ مَنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ أَوْ مَنْ كَانَ نَصِيبُهُ أَجْوَدَ دَرَاهِمَ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يُسَاوِيَهُ فَتَدْخُلَ الدَّرَاهِمُ فِي الْقِسْمَةِ ضَرُورَةً كَالْأَخِ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ، ثُمَّ يَمْلِكُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ ضَرُورَةَ التَّزْوِيجِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى شَرِيكِهِ بِمُقَابَلَةِ الْبِنَاءِ مَا يُسَاوِيهِ مِنْ الْعَرْصَةِ، وَإِذَا بَقِيَ فَضْلٌ وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْقِيقُ التَّسْوِيَةِ بِأَنْ كَانَ لَا تَفِي الْعَرْصَةُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ فَحِينَئِذٍ يُرَدُّ لِلْفَضْلِ دَرَاهِمُ، لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ إلَّا بِهَا.
وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْأَصْلِ قَالَ (فَإِنْ قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَلِأَحَدِهِمْ مَسِيلٌ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ أَوْ طَرِيقٌ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْقِسْمَةِ)، فَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ عَنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَطْرِقَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مُخْتَلَّةٌ لِبَقَاءِ الِاخْتِلَاطِ فَتُسْتَأْنَفَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَمَلُّكُ الْعَيْنِ، وَأَنَّهُ يُجَامَعُ تَعَذُّرُ الِانْتِفَاعِ فِي الْحَالِ، أَمَّا الْقِسْمَةُ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِالطَّرِيقِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ الْجَوَابُ، لِأَنَّ مَعْنَى الْقِسْمَةِ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ، وَتَمَامُ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ الْآخَرِ وَقَدْ أَمْكَنَ تَحْقِيقُهُ بِصَرْفِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَيُصَارَ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذَا ذُكِرَ فِيهِ الْحُقُوقُ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ مَعَ بَقَاءِ هَذَا التَّعَلُّقِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَدْخُلُ فِيهَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ بِالطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ فَيَدْخُلَ عِنْدَ التَّنْصِيصِ بِاعْتِبَارِهِ، وَفِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَذَلِكَ بِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَبِاعْتِبَارِهِ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهَا بِدُونِ التَّنْصِيصِ، لِأَنَّ كُلَّ الْمَقْصُودِ الِانْتِفَاعُ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِدْخَالِ الشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ فَيَدْخُلَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ (وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي رَفْعِ الطَّرِيقِ بَيْنَهُمْ فِي الْقِسْمَةِ، إنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ طَرِيقٌ يَفْتَحُهُ فِي نَصِيبِهِ قَسَمَ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ يُرْفَعُ لِجَمَاعَتِهِمْ) لِتَحَقُّقِ الْإِفْرَازِ بِالْكُلِّيَّةِ دُونَهُ.
(وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ رَفَعَ طَرِيقًا بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ) لِيَتَحَقَّقَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ (وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ جُعِلَ عَلَى عَرْضِ بَابِ الدَّارِ وَطُولِهِ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِهِ (وَالطَّرِيقُ عَلَى سِهَامِهِمْ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ لَا فِيهِ (وَلَوْ شَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا جَازَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الدَّارِ نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى التَّفَاضُلِ جَائِزَةٌ بِالتَّرَاضِي.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ): لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ بَيْنَ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ فِيمَا يُقْسَمُ لِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ صِفَةٌ فَتَتْبَعُ جَوَازَ أَصْلِ الْقِسْمَةِ الَّذِي هُوَ الْمَوْصُوفُ.
قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ) إذَا شَرَعَ الْقَاسِمُ فِي الْقِسْمَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ بِأَنْ يَكْتُبَ عَلَى كَاغِدَةٍ إنَّ فُلَانًا نَصِيبُهُ كَذَا وَفُلَانًا نَصِيبُهُ كَذَا لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ إنْ أَرَادَ رَفْعَ تِلْكَ الْكَاغَدَةِ إلَى الْقَاضِي لِيَتَوَلَّى الْإِقْرَاعَ بَيْنَهُمْ بِنَفْسِهِ (وَيَعْدِلهُ يَعْنِي يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ، وَيُرْوَى يَعْزِلُهُ: أَيْ يَقْطَعُهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ وَيَذْرَعُهُ لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ وَيُقَوَّمُ الْبِنَاءُ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ) إذْ الْبِنَاءُ يُقْسَمُ عَلَى حِدَةٍ، فَرُبَّمَا يَقَعُ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمْ شَيْءٌ مِنْهُ فَيَكُونُ عَالِمًا بِقِيمَتِهَا (وَيُفْرَزُ كُلُّ نَصِيبٍ عَنْ الْبَاقِي بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ) إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لِيَنْقَطِعَ النِّزَاعُ وَيَتِمَّ مَعْنَى الْقِسْمَةِ.
(ثُمَّ يُلَقَّبُ نَصِيبًا بِالْأَوَّلِ وَاَلَّذِي يَلِيه بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَى أَنْ تَفْرُغَ السِّهَامُ وَيَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ وَيُخْرِجَ الْقُرْعَةَ، فَمِنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ: صُورَتُهُ أَرْضٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ لِأَحَدِهِمْ سُدُسُهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَلِلْآخَرِ نِصْفُهَا يَجْعَلُهَا سِتَّةَ أَسْهُمٍ، وَيُلَقَّبُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ بِالسَّهْمِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي يَلِيه بِالثَّانِي وَالثَّالِثُ عَلَى هَذَا، ثُمَّ يَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَيَجْعَلُهَا قُرْعَةً ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي كُمِّهِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَاحِبَ السُّدُسِ فَلَهُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الثُّلُثِ فَلَهُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي يَلِيهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ النِّصْفِ فَلَهُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ وَاَللَّذَانِ يَلِيَانِهِ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ) وَاضِحٌ.
قَوْلُهُ (وَالْقُرْعَةُ لِتَطْيِيبِ الْقُلُوبِ) جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَاهَا لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ وَذَلِكَ قِمَارٌ وَلِهَذَا لَمْ تُجَوِّزْ عُلَمَاؤُنَا اسْتِعْمَالَهَا فِي دَعْوَى النَّسَبِ وَدَعْوَى الْمَالِ وَتَعْيِينِ الْمُطَلَّقَةِ، وَلَكِنْ تَرَكْنَاهَا هَاهُنَا بِالتَّعَامُلِ الظَّاهِرِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ لِأَنَّ أَصْلَ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ.
وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَاسِمَ لَوْ قَالَ أَنَا عَدَلْت فِي الْقِسْمَةِ فَخُذْ أَنْتَ هَذَا الْجَانِبَ وَأَنْتَ هَذَا الْجَانِبَ كَانَ مُسْتَقِيمًا، إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ فَيَسْتَعْمِلُ الْقُرْعَةَ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِ الشُّرَكَاءِ وَنَفْيِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ الْقُرْعَةَ مَعَ الْأَحْبَارِ فِي ضَمِّ مَرْيَمَ إلَى نَفْسِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِهَا لِكَوْنِ خَالَتِهَا عِنْدَهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ.
قَالَ (وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إلَخْ) جَمَاعَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ عَقَارٌ طَلَبُوا قِسْمَتَهُ وَفِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَصْلٌ، فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَكُونَ عِوَضُ الْفَضْلِ دَرَاهِمَ وَآخَرُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ لَمْ تَدْخُلْ الدَّرَاهِمُ فِي الْقِسْمَةِ، وَإِنْ تَرَاضَوْا أَدْخَلَهَا لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالْقِسْمَةُ فِيمَا فِيهِ الشَّرِكَةُ، وَلِأَنَّهُ يَفُوتُ التَّعْدِيلُ الْمُرَادُ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَصِلُ إلَى عَيْنِ الْعَقَارِ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ فِي ذِمَّتِهِ قَدْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا، وَلَيْسَ بَيْنَ مَا يَصِلُ إلَيْهِ الرَّجُلُ فِي الْحَالِ وَمَا لَا يَصِلُ مُعَادَلَةً، فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَلِهَذَا ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ أَرْضٌ وَبِنَاءٌ إلَى أَنَّهُ يُقْسَمُ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى أَنَّ الْأَرْضَ تُقْسَمُ بِالْمِسَاحَةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْمَمْسُوحَاتِ، ثُمَّ يُرَدُّ مَنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ أَوْ مَنْ كَانَ نَصِيبُهُ أَجْوَدَ دَرَاهِمَ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يُسَاوِيَهُ فَتَدْخُلَ الدَّرَاهِمُ فِي الْقِسْمَةِ ضَرُورَةً كَالْأَخِ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ ثُمَّ يَمْلِكُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ ضَرُورَةَ التَّزْوِيجِ.
وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى شَرِيكِهِ بِمُقَابَلَةِ الْبِنَاءِ مَا يُسَاوِيهِ مِنْ الْعَرْصَةِ، فَإِنْ لَمْ تَفِ الْعَرْصَةُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ فَحِينَئِذٍ يَرُدُّ الْفَضْلَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَحَقَّقَتْ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ إلَّا لَهَا، وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: يَقْسِمُ الدَّارَ مُذَارَعَةً فَلَا يُجْعَلُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَضْلًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا، كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ قَسَمَ بَيْنَهُمْ) يَعْنِي إنْ قَسَمَ الْقَسَّامُ الدَّارَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا مَسِيلُ الْمَاءِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ أَوْ طَرِيقٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُمْكِنَ صَرْفُ ذَلِكَ عَنْهُ أَوْ لَا (فَإِنْ أَمْكَنَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَطْرِقَ) وَيَسِيلَ (فِي نَصِيبِ الْآخَرِ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي الْقِسْمَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ (لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ) وَهُوَ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ (مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ) بِأَنْ لَا يَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ الْآخَرِ بِصَرْفِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ إلَى غَيْرِهِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْحُقُوقُ وَإِنْ شُرِطَتْ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا إذَا شُرِطَتْ فِيهِ دَخَلَتْ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ مَعَ بَقَاءِ هَذَا التَّعَلُّقِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا تَدْخُلُ إلَّا بِالشَّرْطِ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) فَإِمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي (فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهَا مُخْتَلَّةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَبَقَاءِ الِاخْتِلَاطِ فَتُسْتَأْنَفُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ) فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ دَارًا أَوْ أَرْضًا وَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ وَلَا مِنْ تَسْيِيلِ الْمَاءِ وَلَمْ تُذْكَرْ الْحُقُوقُ فَإِنَّهُ (لَا يَفْسُدُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَمَلُّكُ الْعَيْنِ وَأَنَّهُ يُجَامِعُ تَعَذُّرَ الِانْتِفَاعِ فِي الْحَالِ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَحْشًا صَغِيرًا (وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَإِنَّهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِالطَّرِيقِ) وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ يَدْخُلُ فِيهَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ بِالطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ، فَيَدْخُلُ عِنْدَ التَّنْصِيصِ بِاعْتِبَارِ التَّكْمِيلِ، وَفِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَذَلِكَ بِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ.
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ فِي الْقِسْمَةِ تَكْمِيلًا وَإِفْرَازًا، وَالْحُقُوقُ بِالنَّظَرِ إلَى التَّكْمِيلِ تَدْخُلُ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الْإِفْرَازِ لَا تَدْخُلُ وَإِنْ ذُكِرَتْ لِأَنَّ دُخُولَهَا يُنَافِي الْإِفْرَازَ، فَقُلْنَا: تَدْخُلُ عِنْدَ التَّنْصِيصِ وَلَا تَدْخُلُ عِنْدَ عَدَمِهِ إعْمَالًا لِلْوَجْهَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ تَدْخُلُ فِيهَا بِدُونِ التَّنْصِيصِ لِأَنَّ كُلَّ الْمَقْصُودِ الِانْتِفَاعُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِدْخَالِ الشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ، فَيَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ (وَلَوْ اخْتَلَفَ الشُّرَكَاءُ فِي رَفْعِ الطَّرِيقِ بَيْنَهُمْ عَنْ الْقِسْمَةِ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَدَعُ طَرِيقًا مُشْتَرَكًا بَيْنَنَا بَلْ نَقْسِمُ الْكُلَّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نَدَعُ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي حَالِهِمْ إنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ طَرِيقٌ يَفْتَحُهُ فِي نَصِيبِهِ قَسَمَ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ طَرِيقٍ يُتْرَكُ لِلْجَمَاعَةِ (لِتَحَقُّقِ الْإِفْرَازِ بِالْكُلِّيَّةِ دُونَهُ) أَيْ دُونَ رَفْعِ الطَّرِيقِ (وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ رَفَعَ طَرِيقًا بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ لِيَتَحَقَّقَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ.
وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ) أَيْ فِي سَعَةِ الطَّرِيقِ وَضِيقِهِ وَطُولِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُجْعَلُ سَعَةُ الطَّرِيقِ أَكْبَرَ مِنْ عَرْضِ الْبَابِ الْأَعْظَمِ وَطُولُهُ مِنْ الْأَعْلَى إلَى السَّمَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ (جَعَلَ عَلَى عَرْضِ الْبَابِ وَطُولِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِهِ) فَلَا فَائِدَةَ فِي جَعْلِهِ أَعْرَضَ مِنْ ذَلِكَ، وَفَائِدَةُ قِسْمَةِ مَا وَرَاءَ طُولِ الْبَابِ مِنْ الْأَعْلَى هِيَ أَنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَعَ جَنَاحًا فِي نَصِيبِهِ، إنْ كَانَ فَوْقَ طُولِ الْبَابِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْهَوَاءَ فِيمَا زَادَ عَلَى طُولِ الْبَابِ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ فَكَانَ بَانِيًا عَلَى خَالِصِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا دُونَ طُولِ الْبَابِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ قَدْرَ طُولِهِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَصَارَ بَانِيًا عَلَى الْهَوَاءِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الشُّرَكَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْسُومُ أَرْضًا يُرْفَعُ مِنْ الطَّرِيقِ بِمِقْدَارِ مَا يَمُرُّ فِيهِ ثَوْرٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ لابد لِلزِّرَاعَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُجْعَلُ مِقْدَارُ مَا يَمُرُّ فِيهِ ثَوْرَانِ مَعًا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَمَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَجَلَةِ فَيُؤَدِّي إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَبَاقِي كَلَامِهِ وَاضِحٌ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ سُفْلٌ لَا عُلُوَّ عَلَيْهِ وَعُلُوٌّ لَا سُفْلَ لَهُ وَسُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ قُوِّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ وَقُسِمَ بِالْقِيمَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يُقْسَمُ بِالذَّرْعِ؛ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ مِنْ اتِّخَاذِهِ بِئْرَ مَاءٍ أَوْ سِرْدَابًا أَوْ إصْطَبْلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْقِسْمَةَ بِالذَّرْعِ هِيَ الْأَصْلُ، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْمَذْرُوعِ لَا فِي الْقِيمَةِ فَيُصَارَ إلَيْهِ مَا أَمْكَنَ، وَالْمُرَاعَى التَّسْوِيَةُ فِي السُّكْنَى لَا فِي الْمَرَافِقِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: ذِرَاعٌ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوٍّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ قِيلَ أَجَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ أَوْ أَهْلِ بَلَدِهِ فِي تَفْضِيلِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ وَاسْتِوَائِهِمَا وَتَفْضِيلِ السُّفْلِ مَرَّةً وَالْعُلُوِّ أُخْرَى.
وَقِيلَ هُوَ اخْتِلَافُ مَعْنًى وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَنْفَعَةَ السُّفْلِ تَرْبُو عَلَى مَنْفَعَةِ الْعُلُوِّ بِضَعْفِهِ لِأَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْعُلُوِّ، وَمَنْفَعَةُ الْعُلُوِّ لَا تَبْقَى بَعْدَ فِنَاءِ السُّفْلِ، وَكَذَا السُّفْلُ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى، وَفِي الْعُلُوِّ السُّكْنَى لَا غَيْرُ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَى عُلُوِّهِ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ، فَيُعْتَبَرَ ذِرَاعَانِ مِنْهُ بِذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَصْلُ السُّكْنَى وَهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ، وَالْمَنْفَعَتَانِ مُتَمَاثِلَتَانِ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَضُرُّ بِالْآخَرِ عَلَى أَصْلِهِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِمَا فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ (لَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّفْسِيرِ)، وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ لِأَنَّ الْعُلُوَّ مِثْلُ نِصْفِ السُّفْلِ فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ مِنْ السُّفْلِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ وَمَعَهُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ فَبَلَغَتْ مِائَةَ ذِرَاعٍ تُسَاوِي مِائَةً مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ، وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ، لِأَنَّ عُلُوَّهُ مِثْلُ نِصْفِ سُفْلِهِ فَبَلَغَتْ مِائَةَ ذِرَاعٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَالسُّفْلُ الْمُجَرَّدُ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ لِأَنَّهُ ضَعْفُ الْعُلُوِّ فَيُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِثْلِهِ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُجْعَلَ بِإِزَاءِ خَمْسِينَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ مِائَةُ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ، وَمِائَةُ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ، لِأَنَّ السُّفْلَ وَالْعُلُوَّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، فَخَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمَنْزِلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ خَمْسُونَ مِنْهَا سُفْلٌ وَخَمْسُونَ مِنْهَا عُلُوٌّ قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَاسِمُونَ وَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِهِمَا وَقَاسَمَا الْقَاضِيَ وَغَيْرَهُمَا سَوَاءٌ، لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ، كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَشَهِدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ وَالْقَبْضُ لَا عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا، لِأَنَّ فِعْلَهُمَا التَّمْيِيزُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مَشْهُودًا بِهِ لِمَا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ فِعْلُ الْغَيْرِ فَتُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إذَا قَسَمَا بِأَجْرٍ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ إيفَاءَ عَمَلٍ اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ فَكَانَتْ شَهَادَةً صُورَةً وَدَعْوَى مَعْنًى فَلَا تُقْبَلُ إلَّا أَنَّا نَقُولُ: هُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا لِاتِّفَاقِ الْخُصُومِ عَلَى إيفَائِهِمَا الْعَمَلَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ (وَلَوْ شَهِدَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ لَا تُقْبَلُ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى الْغَيْرِ، وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى آخَرَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي إلْزَامِ الْآخَرِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَإِذَا كَانَ سُفْلٌ لَا عُلْوَ لَهُ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ عُلْوٌ مُشْتَرَكًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَسُفْلُهُ لِآخَرَ وَسُفْلٌ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَعُلْوُهُ لِآخَرَ وَبَيْتٌ كَامِلٌ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْكُلُّ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي دَارَيْنِ لَكِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ وَطَلَبَا مِنْ الْقَاضِي الْقِسْمَةَ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِذَلِكَ لِئَلَّا يُقَالَ: تَقْسِيمُ الْعُلْوِ مَعَ السُّفْلِ قِسْمَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا كَانَتْ الْبُيُوتُ مُتَفَرِّقَةً لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ عُلَمَاءَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: يُقْسَمُ بِالذَّرْعِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْقِسْمَةِ فِي الْمَذْرُوعِ لِكَوْنِ الشَّرِكَةِ فِيهِ لَا فِي الْقِيمَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْسَمُ بِالْقِيمَةِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا نِصْفَ قِيمَةِ الْآخَرِ يُحْسَبُ ذِرَاعٌ بِذِرَاعَيْنِ، وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ لِأَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلْوُ مِنْ حَفْرِ الْبِئْرِ وَاِتِّخَاذِ السِّرْدَابِ وَالْإِصْطَبْلِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الشَّيْخَانِ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: ذِرَاعُ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلْوٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ.
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ بِأَنَّ مَبْنَى هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُ عَادَةِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَالْبُلْدَانِ فِي تَفْضِيلِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلْوِ أَوْ الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ اسْتِوَائِهِمَا أَوْ هُوَ مَعْنًى فِقْهِيٌّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَجَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ: أَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي اخْتِيَارِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلْوِ، وَأَبُو يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ بَغْدَادَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ فِي مَنْفَعَةِ السُّكْنَى، وَمُحَمَّدٌ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ اخْتِلَافِ الْعَادَاتِ فِي الْبُلْدَانِ مِنْ تَفْضِيلِ السُّفْلِ مَرَّةً وَالْعُلْوِ أُخْرَى.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مَبْنَاهُ مَعْنَى فِقْهِيٌّ.
وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَنْفَعَةَ السُّفْلِ تَرْبُو عَلَى مَنْفَعَةِ الْعُلْوِ بِضِعْفِهِ لِأَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْعُلْوِ دُونَ الْعَكْسِ، وَكَذَا السُّفْلُ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى، وَفِي الْعُلْوِ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى لَا غَيْرُ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَى عُلْوِهِ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ فَيُعْتَبَرُ ذِرَاعَانِ مِنْهُ بِذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ.
وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَصْلُ السُّكْنَى وَهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ، وَالْمَنْفَعَتَانِ مُتَمَاثِلَتَانِ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَضُرُّ بِالْآخَرِ عَلَى أَصْلِهِ.
وَلِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِمَا، فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَقَوْلُهُ (لَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّفْسِيرِ).
وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلْوِ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ، لِأَنَّ الْعُلْوَ عِنْدَهُ مِثْلُ نِصْفِ السُّفْلِ، فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ مِنْ الْعُلْوِ الْكَامِلِ فِي مُقَابَلَةِ مِثْلِهِ مِنْ الْعُلْوِ الْمُجَرَّدِ، وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ مِنْ سُفْلِ الْكَامِلِ فِي مُقَابَلَةِ سِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ مِنْ الْعُلْوِ الْمُجَرَّدِ فَذَلِكَ تَمَامُ مِائَةٍ، وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ، لِأَنَّ عُلْوَهُ مِثْلُ نِصْفِ سُفْلِهِ، فَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ مِنْ السُّفْلِ الْكَامِلِ بِمُقَابَلَةِ مِثْلِهِ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ مِنْ عُلْوِ الْكَامِلِ فِي مُقَابَلَةِ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ فَذَلِكَ تَمَامُ مِائَةٍ، وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَاسِمُونَ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ بَعْضُ نَصِيبِي فِي يَدِ صَاحِبِي (وَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا) ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، وَكَأَنَّهُ مَالَ إلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِهِمَا.
وَقَوْلُهُ (أَوْ لِأَنَّهُ): أَيْ التَّمْيِيزَ لَا يَصْلُحُ مَشْهُودًا بِهِ لِمَا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ قَبْلُ، لِأَنَّ الرُّجُوعَ صَحِيحٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِتَرَاضِيهِمَا.
أَمَّا إذَا كَانَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ يَقْسِمُ فَلَيْسَ لِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ السِّهَامِ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ.

.(بَابُ دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ وَالِاسْتِحْقَاقُ فِيهَا):

قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمْ الْغَلَطَ وَزَعَمَ أَنَّ مِمَّا أَصَابَهُ شَيْئًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسْخَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ الشُّرَكَاءَ فَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ جُمِعَ بَيْنَ نَصِيبِ النَّاكِلِ وَالْمُدَّعِي فَيُقْسَمَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمَا)، لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً فَيُعَامَلَانِ عَلَى زَعْمِهِمَا قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِتَنَاقُضِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مَنْ بَعْدُ (وَإِنْ قَالَ قَدْ اسْتَوْفَيْتُ حَقِّي وَأَخَذْتُ بَعْضَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ مُنْكِرٌ (وَإِنْ قَالَ أَصَابَنِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ الْمَبِيعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ التَّحَالُفِ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّقْوِيمِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبَنِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي، إلَّا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْغَبْنُ فَاحِشٌ (لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ)
الشَّرْحُ:
بَابُ دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فِيهَا لَمَّا كَانَ دَعْوَى الْغَلَطِ وَالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ عَوَارِضِ الْقِسْمَةِ أَخَّرَ ذِكْرَهَا.
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ بِالْقِسْمَةِ أَوْ فِي أَمْرٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ تَحَالَفَا وَتُفْسَخُ الْقِسْمَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَعْوَاهُ مُتَنَاقِضًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَحُكْمُهُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ فَعَلَى هَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَلَطَ فِي الْقِسْمَةِ وَزَعَمَ أَنَّ مِمَّا أَصَابَهُ شَيْئًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسْخَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْمُشْتَرِي إذَا ادَّعَى لِنَفْسِهِ خِيَارَ الشَّرْطِ، فَإِنْ أَقَامَهَا فَقَدْ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اُسْتُحْلِفَ الشُّرَكَاءُ، لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا لَزِمَهُمْ فَإِذَا أَنْكَرُوا اُسْتُحْلِفُوا لِرَجَاءِ النُّكُولِ، فَمَنْ حَلَفَ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَمَنْ نَكَلَ جَمَعَ بَيْنَ نَصِيبِهِ وَنَصِيبِ الْمُدَّعِي كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَلَا تَحَالُفَ لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ فِي دَعْوَاهُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا) يَعْنِي وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِتَنَاقُضِهِ، لِأَنَّهُ إذَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ: أَيْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ الْحَقِّ بِكَمَالِهِ كَانَ الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ تَنَاقُضًا.
قَوْلُهُ (وَإِلَيْهِ أَشَارَ مِنْ بُعْدٍ) يُرِيدُ قَوْلَهُ وَإِنْ قَالَ أَصَابَنِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ الْمَبِيعِ.
وَوَجْهُ الْإِشَارَةِ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى قَدْ وُجِدَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَلَا تَحَالُفَ فِيهَا وَلَا سَبَبَ لَهُ سِوَى كَوْنِ التَّنَاقُضِ مَانِعًا لِصِحَّةِ الدَّعْوَى، وَإِذَا كَانَ التَّنَاقُضُ مَوْجُودًا وَجَبَ أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا، وَإِنْ قَالَ قَدْ اسْتَوْفَيْت حَقِّي وَأَخَذْت بَعْضَهُ وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ يُنْكِرُ.
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّقْوِيمِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا أَوْ فَاحِشًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِهِ عَسِرٌ جِدًّا؛ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فُسِخَتْ لِأَنَّ الرِّضَا مِنْهُمْ لَمْ يُوجَدْ، وَتَصَرُّفُ الْقَاضِي مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ كَانَتْ بِالتَّرَاضِي لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَحُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَدَعْوَى الْغَبْنِ فِيهِ مِنْ الْمَالِكِ لَا تُوجِبُ نَقْضَهُ أَمَّا الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ كَبَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ شَرْطٌ فِي الْقِسْمَةِ، وَالتَّعْدِيلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، فَإِذَا ظَهَرَ فِي الْقِيمَةِ غَبْنٌ فَاحِشٌ فَاتَ شَرْطُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ فَيَجِبُ نَقْضُهَا.
وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ يَأْخُذُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ كَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي. (وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا وَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ طَائِفَةً فَادَّعَى أَحَدُهُمْ بَيْتًا فِي يَدِ الْآخَرِ أَنَّهُ مِمَّا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ) لِمَا قُلْنَا (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُؤْخَذُ بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ خَارِجٌ، وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ (وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِشْهَادِ عَلَى الْقَبْضِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْجُزْءِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَإِنْ قَامَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحَالَفَا) كَمَا فِي الْبَيْعِ.
الشَّرْحُ:
قَوْلُهُ (وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا) هُوَ عَيْنُ مَسْأَلَةِ أَوَّلِ الْبَابِ لَكِنْ أَعَادَهُ لِزِيَادَةِ بَيَانٍ، وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسْخَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا.
وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ) قِيلَ صُورَتُهُ: دَارٌ اقْتَسَمَهَا رَجُلَانِ فَأَصَابَ أَحَدَهُمَا جَانِبٌ مِنْهُ وَفِي طَرَفِ حَدِّهِ بَيْتٌ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَأَصَابَ الْآخَرَ جَانِبٌ وَفِي طَرَفِ حَدِّهِ بَيْتٌ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ دَاخِلٌ فِي حَدِّهِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْجُزْءِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ لِمَا بَيَّنَّا: يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ تُرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ.

.فصل في استحقاق بَعْضَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ:

قَالَ (وَإِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَمْ تُفْسَخْ الْقِسْمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجَعَ بِحِصَّةِ ذَلِكَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ بِعَيْنِهِ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، فَأَمَّا فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ تُفْسَخُ بِالِاتِّفَاقِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.
وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَأَبُو حَفْصٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ ظَهَرَ شَرِيكٌ ثَالِثٌ لَهُمَا، وَالْقِسْمَةُ بِدُونِ رِضَاهُ بَاطِلَةٌ، كَمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي النَّصِيبَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ يَنْعَدِمُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْإِفْرَازُ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِحِصَّتِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ شَائِعًا، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ.
وَلَهُمَا أَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لَا يَنْعَدِمُ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَلِهَذَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الِابْتِدَاءِ بِأَنْ كَانَ النِّصْفُ الْمُقَدَّمُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ثَالِثٍ وَالنِّصْفُ الْمُؤَخَّرُ بَيْنَهُمَا لَا شَرِكَةَ لِغَيْرِهِمَا فِيهِ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَرُبُعِ الْمُؤَخَّرِ يَجُوزُ فَكَذَا فِي الِانْتِهَاءِ وَصَارَ كَاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ الشَّائِعِ فِي النَّصِيبَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ الْقِسْمَةُ لَتَضَرَّرَ الثَّالِثُ بِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ فِي النَّصِيبَيْنِ، أَمَّا هَاهُنَا لَا ضَرَرَ بِالْمُسْتَحِقِّ فَافْتَرَقَا، وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ: إذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ الْمُقَدَّمَ مِنْ الدَّارِ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْمُؤَخَّرِ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ثُمَّ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمُقَدَّمِ، فَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ نَقَضَ الْقِسْمَةَ دَفْعًا لِعَيْبِ التَّشْقِيصِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمُؤَخَّرِ، لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْمُقَدَّمِ رَجَعَ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ رَجَعَ بِنِصْفِ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبُعُ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ، وَلَوْ بَاعَ صَاحِبُ الْمُقَدَّمِ نِصْفَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ الْبَاقِي شَائِعًا رَجَعَ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ عِنْدَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَسَقَطَ خِيَارُهُ بِبَيْعِ الْبَعْضِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: مَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ نِصْفِ مَا بَاعَ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَنْقَلِبُ فَاسِدَةً عِنْدَهُ، وَالْمَقْبُوضُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ مَمْلُوكٌ فَنَفَذَ الْبَيْعُ فِيهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ.
قَالَ (وَلَوْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ ثُمَّ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مُحِيطٌ رُدَّتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُحِيطٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ، إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ وَرَاءَ مَا قَسَمَ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ فِي إيفَاءِ حَقِّهِمْ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ أَدَّاهُ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهِمْ وَالدَّيْنُ مُحِيطٌ أَوْ غَيْرُ مُحِيطٍ جَازَتْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ.
وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ، إذْ الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُ الصُّورَةَ، وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لَمْ يُسْمَعْ لِلتَّنَاقُضِ، إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِسْمَةِ اعْتِرَافٌ بِكَوْنِ الْمَقْسُومِ مُشْتَرَكًا.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ): لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْغَلَطِ بَيَّنَ الِاسْتِحْقَاقَ (وَإِذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا) هَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: اسْتِحْقَاقُ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ فِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا.
وَاسْتِحْقَاقُ بَعْضٍ شَائِعٍ فِي النَّصِيبَيْنِ.
وَاسْتِحْقَاقُ بَعْضٍ شَائِعٍ فِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ.
فَفِي الْأَوَّلِ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ.
وَفِي الثَّانِي تُفْسَخُ بِالِاتِّفَاقِ.
وَفِي الثَّالِثِ لَمْ تُفْسَخْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَكِنْ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِحِصَّةِ ذَلِكَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ وَاقْتَسَمَ ثَانِيًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تُفْسَخُ، وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ الْمُقَدَّمَ مِنْ الدَّارِ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْمُؤَخَّرِ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ بِأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الدَّارِ أَلْفًا وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَقِيمَةُ الثُّلُثِ الْمُقَدَّمِ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ مَا بَقِيَ مِثْلُهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الثُّلُثِ الْمُقَدَّمِ، فَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ نَقَضَ الْقِسْمَةَ دَفْعًا لِعَيْبِ التَّشْقِيصِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّ الْمُقَدَّمِ رَجَعَ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّ النِّصْفُ رَجَعَ بِنِصْفِ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبُعُ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ فَيَصِيرُ فِي يَدِ كُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا وَالْمَجْمُوعُ تِسْعُمِائَةٍ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ بِعَيْنِهِ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَصِفَةُ الْحَوَالَةِ هَذِهِ إلَى الْأَسْرَارِ وَقَعَتْ سَهْوًا، لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَسْرَارِ فِي الشَّائِعِ وَضْعًا وَتَعْلِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَتَكْرَارًا بِلَفْظِ الشَّائِعِ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَأَقُولُ: وَفِي قَوْلِهِ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ بِعَيْنِهِ أَيْضًا نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ وَإِذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِعَيْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِنَصِيبِ أَحَدِهِمَا لَا بِبَعْضٍ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ: وَإِذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِي الشَّائِعِ لَا فِي الْمُعَيَّنِ.
لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ ظَهَرَ شَرِيكٌ ثَالِثٌ لَهُمَا وَالْقِسْمَةُ بِدُونِ رِضَاهُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقِيمَةَ فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرَاضِي، وَصَارَ كَمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي النَّصِيبَيْنِ فِي انْعِدَامِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْإِفْرَازُ، أَمَّا فِيمَا ظَهَرَ فِيهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا فِي النَّصِيبِ الْآخَرِ فَلِأَنَّهُ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِحِصَّتِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ شَائِعًا، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ يَبْقَى الْإِفْرَازُ فِيمَا وَرَاءَهُ، لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْقِسْمَةَ مِنْ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِهَا إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْمُعَادَلَةِ وَقَدْ فَاتَتْ.
وَلَهُمَا أَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لَا يَنْعَدِمُ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، وَلِهَذَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الِابْتِدَاءِ بِأَنْ كَانَتْ دَارٌ نِصْفَيْنِ وَالنِّصْفُ الْمُقَدَّمُ مِنْهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَالنِّصْفُ الْمُقَدَّمُ مِنْ هَذَا النِّصْفِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ وَالنِّصْفُ الْمُؤَخَّرُ بَيْنَ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ أَيْضًا فَاقْتَسَمَا الِاثْنَانِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَرُبُعِ الْمُؤَخَّرِ، وَإِذَا جَازَ ابْتِدَاءً جَازَ انْتِهَاءً بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَصَارَ كَاسْتِحْقَاقِ بَيْتٍ مُعَيَّنٍ فِي عَدَمِ انْتِفَاءِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ، بِخِلَافِ الشَّائِعِ فِي النَّصِيبَيْنِ، فَإِنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ الْقِسْمَةُ لَتَضَرَّرَ الثَّالِثُ بِتَفْرِيقِ نَصِيبِهِ فِي النَّصِيبَيْنِ وَأَمَّا هَاهُنَا فَلَا ضَرَرَ لِلْمُسْتَحِقِّ وَقَوْلُهُ (وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ) يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ لَا الْمُسْتَشْهَدَ بِهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ دَفْعًا لِهَذَا اللَّبْسِ، قَوْلُهُ (وَلَوْ بَاعَ صَاحِبُ الْمُقَدَّمِ نِصْفَهُ) يَعْنِي النِّصْفَ مِنْ الثُّلُثِ الْمُقَدَّمِ الَّذِي وَقَعَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ النِّصْفُ الثَّانِي رَجَعَ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ عِنْدَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّ الْمُقَدَّمِ رَجَعَ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ إلَى قَوْلِهِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَسَقَطَ خِيَارُهُ بِبَيْعِ الْبَعْضِ فِي فَسْخِ الْقِسْمَةِ، لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْقِسْمَةُ وَقَدْ فَاتَ بَعْضُ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ نِصْفِ مَا بَاعَ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَنْقَلِبُ فَاسِدَةً عِنْدَهُ فَيَقْتَسِمَانِ الْبَاقِيَ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ قَوْلُهُ (وَالْمَقْبُوضُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يُنْقَضَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى الْقِسْمَةِ الْفَاسِدَةِ.
وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ لِوُجُودِ الْمُبَادَلَةِ، وَإِذَا كَانَتْ فَاسِدَةً كَانَتْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالْمَقْبُوضُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ مَمْلُوكٌ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ فِيهِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ لِمَكَانِ الْبَيْعِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، قَالَ (وَلَوْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ إلَخْ) وَلَوْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ ثُمَّ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مُحِيطٌ وَلَمْ تُوَفِّ الْوَرَثَةَ مِنْ مَالِهِمْ وَلَمْ يَبْرَأْ الْغُرَمَاءُ رُدَّتْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ عَبْدٌ وَهُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِوَارِثٍ لَمْ يُعْتَقْ، وَكَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُحِيطٍ بِالتَّرِكَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الدُّيُونِ وَرَاءَ مَا قُسِمَ، لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ فِي إيفَاءِ حَقِّهِمْ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ أَدَّاهُ لِلْوَرَثَةِ مِنْ مَالِهِمْ جَازَتْ الْقِسْمَةُ أَيْ تَبَيَّنَ جَوَازُهَا سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا أَوْ غَيْرَ مُحِيطٍ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ، بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ نَحْنُ نَقْضِي حَقَّهُمَا فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تُنْقَضُ إنْ لَمْ يَرْضَ لِلْوَارِثِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ، لِأَنَّ حَقَّهُمَا فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى مَالٍ آخَرَ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمِينَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ صَحَّ، وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّةِ التَّرِكَةِ وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُ الصُّورَةَ فَلَمْ يَتَنَاقَضْ فِي دَعْوَاهُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَدَعْوَى الْعَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِالصُّورَةِ وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُهَا، فَالْإِقْدَام عَلَى الْقِسْمَةِ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِكَوْنِ الْمَقْسُومِ مُشْتَرَكًا وَدَعْوَى الْخُصُوصِ يُنَاقِضُهُ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ تَكُنْ دَعْوَى الدَّيْنِ بَاطِلَةً لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ فَلْتَكُنْ بَاطِلَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا إذَا صَحَّتْ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ وَذَلِكَ سَعْيٌ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ تَامَّةً فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ

.(فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ):

الْمُهَايَأَةُ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، إذْ قَدْ يَتَعَذَّرُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الِانْتِفَاعِ فَأَشْبَهَ الْقِسْمَةَ.
وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ جَبْرُ الْقَاضِي كَمَا يَجْرِي فِي الْقِسْمَةِ، إلَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ أَقْوَى مِنْهُ فِي اسْتِكْمَالِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ جَمْعُ الْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَالتَّهَايُؤُ جَمْعٌ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَلِهَذَا لَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ وَالْآخَرُ الْمُهَايَأَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّكْمِيلِ.
وَلَوْ وَقَعَتْ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ وَتَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، وَلَا يَبْطُلُ التَّهَايُؤُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَضَ لَاسْتَأْنَفَهُ الْحَاكِمُ فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّقْضِ ثُمَّ الِاسْتِئْنَافِ (وَلَوْ تَهَايَأَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ هَذَا طَائِفَةً وَهَذَا طَائِفَةً أَوْ هَذَا عُلُوَّهَا وَهَذَا سُفْلَهَا جَازَ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ فَكَذَا الْمُهَايَأَةُ، وَالتَّهَايُؤُ فِي هَذَا الْوَجْهِ إفْرَازٌ لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لَا مُبَادَلَةٌ وَلِهَذِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ بِالْمُهَايَأَةِ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ) لِحُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ (وَلَوْ تَهَايَئَا فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا جَازَ)، وَكَذَا هَذَا فِي الْبَيْتِ الصَّغِيرِ (لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الزَّمَانِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ) وَالْأَوَّلُ مُتَعَيِّنٌ هَاهُنَا (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُهُمَا يَأْمُرُهُمَا الْقَاضِي بِأَنْ يَتَّفِقَا) لِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْمَكَانِ أَعْدَلُ وَفِي الزَّمَانِ أَكْمَلُ، فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ لابد مِنْ الِاتِّفَاقِ (فَإِنْ اخْتَارَاهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ يُقْرَعُ فِي الْبِدَايَةِ) نَفْيًا لِلتُّهَمَةِ (وَلَوْ تَهَايَئَا فِي الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا هَذَا الْعَبْدُ وَالْآخَرَ الْآخَرُ جَازَ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمَا جَبْرًا مِنْ الْقَاضِي وَبِالتَّرَاضِي فَكَذَا الْمُهَايَأَةُ.
وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقْسِمُ الْقَاضِي.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عِنْدَهُ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْقَاضِي عِنْدَهُ أَيْضًا، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةِ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ، بِخِلَافِ أَعْيَانِ الرَّقِيقِ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ تَهَايَئَا فِيهِمَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ عَبْدٍ عَلَى مَنْ يَأْخُذُهُ جَازَ) اسْتِحْسَانًا لِلْمُسَامَحَةِ فِي إطْعَامِ الْمَمَالِيكِ بِخِلَافِ شَرْطِ الْكِسْوَةِ لَا يُسَامَحُ فِيهَا (وَلَوْ تَهَايَئَا فِي دَارَيْنِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارًا جَازَ وَيُجْبِرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الدَّارَيْنِ عِنْدَهُمَا كَدَارٍ وَاحِدَةٍ.
وَقَدْ قِيلَ لَا يُجْبِرُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ فِيهِمَا أَصْلًا بِالْجَبْرِ لِمَا قُلْنَا، وَبِالتَّرَاضِي لِأَنَّهُ بَيْعُ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى، بِخِلَافِ قِسْمَةِ رَقَبَتِهِمَا لِأَنَّ بَيْعَ بَعْضُ أَحَدِهِمَا بِبَعْضِ الْآخَرِ جَائِزٌ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّفَاوُتَ يَقِلُّ فِي الْمَنَافِعِ فَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي وَيَجْرِي فِيهِ جَبْرُ الْقَاضِي وَيُعْتَبَرُ إفْرَازًا أَمَّا يَكْثُرُ التَّفَاوُتُ فِي أَعْيَانِهِمَا فَاعْتُبِرَ مُبَادَلَةً (وَفِي الدَّابَّتَيْنِ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ عَلَى الرُّكُوبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ) اعْتِبَارًا بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ.
وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الرَّاكِبِينَ فَإِنَّهُمْ بَيْنَ حَاذِقٍ وَأَخْرَقَ.
وَالتَّهَايُؤُ فِي الرُّكُوبِ فِي دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِمَا قُلْنَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَخْدُمُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَتَحَمَّلُ زِيَادَةً عَلَى طَاقَتِهِ وَالدَّابَّةُ تَحْمِلُهَا.
وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي الِاسْتِغْلَالِ يَجُوزُ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَالدَّابَّةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَجُوزُ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ النَّصِيبَيْنِ، يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَالِاعْتِدَالُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ.
وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فِي الْعَقَارِ وَتَغَيُّرُهُ فِي الْحَيَوَانِ لِتَوَالِي أَسْبَابِ التَّغَيُّرِ عَلَيْهِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ.
وَلَوْ زَادَتْ الْغَلَّةُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا عَلَيْهَا فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ لِيَتَحَقَّقَ التَّعْدِيلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّهَايُؤُ عَلَى الْمَنَافِعِ فَاسْتَغَلَّ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً، لِأَنَّ التَّعْدِيلَ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّهَايُؤُ حَاصِلٌ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَلَا تَضُرُّهُ زِيَادَةُ الِاسْتِغْلَالِ مِنْ بَعْدُ (وَالتَّهَايُؤُ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فِي الدَّارَيْنِ جَائِزٌ) أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ فَضَلَ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ بِخِلَافِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الدَّارَيْنِ مَعْنَى التَّمْيِيزِ، وَالْإِفْرَازُ رَاجِحٌ لِاتِّحَادِ زَمَانِ الِاسْتِيفَاءِ، وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ يَتَعَاقَبُ الْوُصُولُ فَاعْتُبِرَ قَرْضًا وَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَوْبَتِهِ كَالْوَكِيلِ عَنْ صَاحِبِهِ فَلِهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْفَضْلِ، وَكَذَا يَجُوزُ فِي الْعَبْدَيْنِ عِنْدَهُمَا اعْتِبَارًا بِالتَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَعْيَانِ الرَّقِيقِ أَكْثَرُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ الْجَوَازُ، وَالتَّهَايُؤُ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ ضَرُورَةً، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِإِمْكَانِ قِسْمَتِهَا لِكَوْنِهَا عَيْنًا، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ التَّسَامُحُ فِي الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِقْصَاءُ فِي الِاسْتِغْلَالِ فَلَا يَنْقَسِمَانِ (وَلَا يَجُوزُ فِي الدَّابَّتَيْنِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا) وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الرُّكُوبِ (وَلَوْ كَانَ نَخْلٌ أَوْ شَجَرٌ أَوْ غَنَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَتَهَايَئَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً يَسْتَثْمِرُهَا أَوْ يَرْعَاهَا وَيَشْرَبُ أَلْبَانَهَا لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي الْمَنَافِعِ ضَرُورَةٌ أَنَّهَا لَا تَبْقَى فَيَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهَا، وَهَذِهِ أَعْيَانٌ بَاقِيَةٌ تَرِدُ عَلَيْهَا الْقِسْمَةُ عِنْدَ حُصُولِهَا.
وَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ اسْتِقْرَاضًا لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ، إذْ قَرْضُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ): لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ قِسْمَةِ الْأَعْرَاضِ وَهِيَ الْمُهَايَأَةُ، وَأَخَّرَهَا عَنْ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ لِكَوْنِهَا فَرْعًا عَلَيْهَا، وَإِخَالُ أَنَّ التَّرْجَمَةَ بِالْبَابِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَابِ دَعْوَى الْغَلَطِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُهَايَأَةُ لَيْسَتْ مِنْهُمَا لَكِنَّهَا بَابٌ مِنْ كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فَصْلٌ مِنْ كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَفِيهِ مَا فِيهِ.
وَالْمُهَايَأَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْمُتَهَيِّئِ لِلشَّيْءِ وَقَدْ تُبْدَلُ الْهَمْزَةُ أَلِفًا، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَرْضَى بِهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَخْتَارُهَا، أَوْ أَنَّ الشَّرِيكَ الثَّانِي يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا الشَّرِيكُ الْأَوَّلُ.
وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ يَأْبَاهَا لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا، إذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي نَوْبَتِهِ يَنْتَفِعُ بِمِلْكِ شَرِيكِهِ عِوَضًا مِنْ انْتِفَاعِ الشَّرِيكِ بِمِلْكِهِ فِي نَوْبَتِهِ، لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} وَهُوَ الْمُهَايَأَةُ بِعَيْنِهَا وَلِلْحَاجَةِ إلَيْهَا إذْ يَتَعَذَّرُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الِانْتِفَاعِ فَأَشْبَهَ الْقِسْمَةَ، وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ جَبْرُ الْقَاضِي إذَا طَلَبَهَا بَعْضُ الشُّرَكَاءِ وَأَبَى غَيْرُهُ وَلَمْ يَطْلُبْ قِسْمَةَ الْعَيْنِ كَمَا يَجْرِي فِي الْقِسْمَةِ إلَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ أَقْوَى مِنْهَا فِي اسْتِكْمَالِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ جَمَعَ الْمَنَافِعَ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ.
وَالتَّهَايُؤُ جَمْعٌ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلِهَذَا: أَيْ وَلِكَوْنِ الْقِسْمَةِ أَقْوَى إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ وَالْآخَرُ الْمُهَايَأَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّكْمِيلِ، وَلَوْ وَقَعَتْ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ يُقْسَمُ وَتَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ وَلَا تَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا، لِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَضَتْ لَاسْتَأْنَفَهُ الْحَاكِمُ لِجَوَازِ أَنْ يَطْلُبَ الْوَرَثَةُ الْمُهَايَأَةَ فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّقْضِ ثُمَّ الِاسْتِئْنَافِ، وَلَوْ تَهَايَآ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ هَذَا طَائِفَةً وَهَذَا طَائِفَةً أَوْ هَذَا عُلْوَهَا وَهَذَا سُفْلَهَا جَازَ لِمَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ، فَالتَّهَايُؤُ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنْ يَسْكُنَ هَذَا فِي جَانِبٍ مِنْ الدَّارِ وَيَسْكُنَ هَذَا فِي جَانِبٍ آخَرَ مِنْهَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ إفْرَازٌ لَا مُبَادَلَةٌ لِتَحَقُّقِ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَجْمَعُ جَمِيعَ مَنَافِعِ أَحَدِهِمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ شَائِعَةً فِي الْبَيْتَيْنِ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ.
وَلَوْ كَانَ مُبَادَلَةً كَانَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِالْعِوَضِ فَيُلْحَقُ بِالْإِجَارَةِ وَيُشْتَرَطُ التَّأْقِيتُ، قِيلَ (قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْضِيحًا لِكَوْنِهِ إفْرَازًا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ إفْرَازًا كَانَتْ الْمَنَافِعُ حَادِثَةً عَلَى مِلْكِهِ، وَمَنْ حَدَثَتْ الْمَنَافِعُ عَلَى مِلْكِهِ جَازَ أَنْ يَسْتَغِلَّ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْعَقْدِ ذَلِكَ وَهُوَ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَادَلَةً كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ لِنَفْيِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُمَا إذَا تَهَايَآ وَلَمْ يَشْتَرِطَا الْإِجَازَةَ فِي أَوَّلِ الْعَقْدِ لَمْ يَمْلِكْ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ (وَلَوْ تَهَايَآ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا جَازَ، وَكَذَا هَذَا فِي الْبَيْتِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الزَّمَانِ، مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ، وَالْأَوَّلُ مُتَعَيِّنٌ هَاهُنَا) وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ هَذَا إفْرَازٌ أَوْ مُبَادَلَةٌ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى صُورَةِ الْإِفْرَازِ فَكَانَ مَعْلُومًا، فَإِذَا كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَالْمَنْفَعَةُ مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا يَسِيرًا كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالْأَرَاضِي تُعْتَبَرُ إفْرَازًا مِنْ وَجْهٍ مُبَادَلَةً مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِهَذِهِ الْمُهَايَأَةِ، وَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَطْلُبْ الْآخَرُ قِسْمَةَ الْأَصْلِ أُجْبِرَ عَلَيْهَا.
وَقِيلَ تُعْتَبَرُ إفْرَازًا مِنْ وَجْهٍ عَارِيَّةً مِنْ وَجْهٍ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُبَادَلَةً لَمَا جَازَتْ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُبَادَلَةَ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا وَأَنَّهُ يَحْرُمُ رِبَا النَّسَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَيْسَ فِيهَا عِوَضٌ وَهَذَا بِعِوَضٍ، وَرِبَا النَّسَاءِ ثَابِتٌ عِنْدَ أَحَدِ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِيمَا هُوَ مُبَادَلَةٌ فِي الْأَعْيَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَجْلِسِ الْمُخْتَلِفِ كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ تُعْتَبَرُ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَا تَجُوزَ بِدُونِ رِضَاهُمَا لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ، وَقِسْمَةُ الْمَنَافِعِ مُعْتَبَرَةٌ بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ، وَقِسْمَةُ الْأَعْيَانِ اُعْتُبِرَتْ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ، فَكَذَا فِي قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُهُمَا كَالدَّارِ مَثَلًا بِأَنْ يَطْلُبَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْكُنَ فِي مُقَدَّمِهَا وَصَاحِبُهُ فِي مُؤَخَّرِهَا وَالْآخَرُ يَطْلُبُ أَنْ يَسْكُنَ جَمِيعَ الدَّارِ شَهْرًا وَصَاحِبُهُ شَهْرًا آخَرَ يَأْمُرُهُمَا الْقَاضِي أَنْ يَتَّفِقَا، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَزِيَّةً فَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا، إذْ التَّهَايُؤُ فِي الْمَكَانِ أَعْدَلُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي زَمَانِ الِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَفِي الزَّمَانِ أَكْمَلَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَنْتَفِعُ بِجَمِيعِ جَوَانِبِ الدَّارِ فِي نَوْبَتِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّفَاقِ دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ، فَإِنْ اخْتَارَاهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يُقْرَعُ فِي الْبِدَايَةِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَهَايَآ فِي الْعَبْدَيْنِ) وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُقْسَمُ) أَيْ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ) يَعْنِي رَوَى الْخَصَّافُ عَنْهُ بِمِثْلِ مَا قَالَ الْمَشَايِخُ.
وَقَوْلُهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْقَاضِي عِنْدَهُ أَيْضًا) قَالَ الْكَرْخِيُّ: مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الدُّورَ لَا تُقْسَمُ: أَيْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُهَا، فَإِنْ فَعَلَ جَازَ، وَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِي الْأُصُولِ فَكَذَا فِي الْمَنَافِعِ، وَتَعْلِيلُ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةُ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ) أَوْجُهٌ لِبَقَاءِ قَوْلِهِ فِي الْأُصُولِ بِلَا تَأْوِيلٍ.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ تَهَايَآ فِيهِمَا) وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (وَوَجْهُ الْفَرْقِ) يَعْنِي بَيْنَ جَوَازِ التَّهَايُؤِ فِي الِاسْتِغْلَالِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَعَدَمِهِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَالدَّابَّةِ الْوَاحِدَةِ.
وَقَوْلُهُ (فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ) لِأَنَّ الِاسْتِغْلَالَ إنَّمَا يَكُونُ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَمَلَهُ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي لَا يَكُونُ كَمَا كَانَ فِي الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْقُوَى الْجُسْمَانِيَّةَ مُتَنَاهِيَةٌ، وَقَوْلُهُ (وَلَوْ زَادَتْ الْغَلَّةُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ.
وَقَوْلُهُ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمَنْفَعَةِ تُعْتَبَرُ بِقِسْمَةِ الْعَيْنِ وَهِيَ عِنْدَهُ فِي الدَّارَيْنِ لَا تَجُوزُ لِلتَّفَاوُتِ.
وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ وَالِاعْتِدَالُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ إلَخْ.
وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِالتَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ) يَعْنِي فِي الِاسْتِخْدَامِ الْخَالِي عَنْ الِاسْتِغْلَالِ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَعْيَانِ الرَّقِيقِ أَكْثَرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّفَاوُتِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي أَحَدِهِمَا كِيَاسَةٌ وَحِذْقٌ وَلَبَاقَةٌ يُحَصِّلُ فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ مِنْ الْغَلَّةِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآخَرُ.
ثُمَّ التَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلَالِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، فَفِي اسْتِغْلَالِ الْعَبْدَيْنِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ، وَعُورِضَ بِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالتَّمْيِيزِ رَاجِعٌ فِي غَلَّةِ الْعَبْدَيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى الْغَلَّةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهَا فِيهِ صَاحِبُهُ فَكَانَ كَالْمُهَايَأَةِ فِي الْخِدْمَةِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ يَمْنَعُ مِنْ رُجْحَانِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ، بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ وَجْهِ الْأَصَحِّ أَنَّ الْمَنَافِعَ فِي الْخِدْمَةِ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ.
وَقَوْلُهُ (وَالتَّهَايُؤُ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ ضَرُورَةً) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا اعْتِبَارًا بِالتَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ وَبَيَانُ الضَّرُورَةِ مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَبْقَى فَتَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِإِمْكَانِ قِسْمَتِهَا لِكَوْنِهَا أَعْيَانًا فَيَسْتَغِلَّانِهِ عَلَى طَرِيقِ الشَّرِكَةِ، ثُمَّ يَقْسِمَانِ مَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: عِلَلُ جَوَازِ التَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ بِقَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةُ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ، وَعَلَّلَهُ هُنَا بِضَرُورَةِ تَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ، وَفِي ذَلِكَ تَوَارُدُ عِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ وَهُوَ بَاطِلٌ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ قَبْلُ تَتِمَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ، لِأَنَّ عِلَّةَ الْجَوَازِ تَعَذُّرُ الْقِسْمَةِ وَقِلَّةُ التَّفَاوُتِ جَمِيعًا، لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ.
وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ) وَجْهٌ آخَرُ لِإِبْطَالِ الْقِيَاسِ وَلَا يَجُوزُ فِي الدَّابَّتَيْنِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الرُّكُوبِ وَهُوَ قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ إلَخْ وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ نَخْلٌ أَوْ شَجَرٌ إلَخْ) وَاضِحٌ