فصل: (بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العناية شرح الهداية



.(بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ):

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ) بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ.
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ»؛ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ يَرُدُّهُ، فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايِنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ) قَدَّمَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ لِكَوْنِهِ أَقْوَى مِنْهُ، إذْ كَانَ تَأْثِيرُهُ فِي مَنْعِ تَمَامِ الْبَيْعِ وَتَأْثِيرُ خِيَارِ الْعَيْبِ فِي مَنْعِ لُزُومِ الْحُكْمِ، قَالَ الْقُدُورِيُّ: مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ بِعْتُك الثَّوْبَ الَّذِي فِي كُمِّي هَذَا وَصِفَتُهُ كَذَا أَوْ الذُّرَةَ الَّتِي فِي كُمِّي هَذِهِ وَصِفَتُهَا كَذَا أَوْ لَمْ يَذْكُرْ الصِّفَةَ أَوْ يَقُولَ بِعْت مِنْك هَذِهِ الْجَارِيَةَ الْمُنْتَقِبَةَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ وَكَذَا الْعَيْبُ الْغَائِبُ الْمُشَارُ إلَى مَكَانِهِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بِذَلِكَ الِاسْمِ غَيْرُ مَا سَمَّى وَالْمَكَانُ مَعْلُومٌ بِاسْمِهِ وَالْعَيْنُ مَعْلُومَةٌ.
قَالَ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ: لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي عَيْنٍ هُوَ بِحَالٍ لَوْ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ حَاصِلَةً لَكَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا: أَيْ بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَبِيعُ مَجْهُولٌ وَالْمَجْهُولُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْبَيْعِ بِالرَّقْمِ (وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ») وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ فَلَا يُتْرَكُ بِلَا مُعَارِضٍ، فَإِنْ قِيلَ: هُوَ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَالْمُرَادُ مَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ لِلْمُشْتَرِي لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ قَدْ رَآهُ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْعَقْدِ.
قُلْنَا: بَلْ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ «حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ يَطْلُبُ مِنِّي سِلْعَةً لَيْسَتْ عِنْدِي فَأَبِيعُهَا مِنْهُ ثُمَّ أَدْخُلُ السُّوقَ فَأَسْتَجِيدُهَا فَأَشْتَرِيهَا فَأُسَلِّمُهَا إلَيْهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنًا مَرْئِيًّا لَمْ يَمْلِكْهُ ثُمَّ مَلَكَهُ فَلِمَ لَمْ يَجُزْ؟ وَذَلِكَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، وَالْمَعْقُولُ وَهُوَ أَنَّ الْجَهَالَةَ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ مَعَ وُجُودِ الْخِيَارِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ رَدَّهُ وَلَا نِزَاعَ ثَمَّةَ يَقْتَضِي خِيَارَهُ، وَإِنَّمَا أَفْضَتْ إلَيْهَا لَوْ قُلْنَا بِانْبِرَامِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ فَصَارَ ذَلِكَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايَنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا مُشَارًا إلَيْهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ عَدَدُ ذُرْعَانِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومَ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ جَهَالَةٌ لِكَوْنِهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَعُورِضَ بِأَنَّ الْبَيْعَ نَوْعَانِ: بَيْعُ عَيْنٍ، وَبَيْعُ دَيْنٍ، وَطَرِيقُ الْمَعْرِفَةِ فِي الثَّانِي هُوَ الْوَصْفُ وَفِي الْأَوَّلِ الْمُشَاهَدَةُ، ثُمَّ مَا هُوَ طَرِيقٌ إلَى الثَّانِي إذَا تَرَاخَى عَنْ حَالَةِ الْعَقْدِ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَكَذَلِكَ مَا هُوَ طَرِيقٌ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُشَاهَدَةُ إذَا تَرَاخَى فَسَدَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ سَاقِطَةٌ لِأَنَّ السَّلَمَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ تَرْكِ الْوَصْفِ لِإِفْضَاءِ الْجَهَالَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَكَذَا إذَا قَالَ رَضِيت ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهَا، وَحَقُّ الْفَسْخِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِحُكْمِ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ لَا بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ رَدَدْت.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ: يَعْنِي كَمَا أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ إذَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت فَكَذَا إذَا قَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَهُ ثُمَّ رَآهُ، لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّيْءِ لَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ الشَّرْطِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ بِالرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَزِمَ امْتِنَاعُ الْخِيَارِ عِنْدَهَا، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ عِنْدَهَا فَمَا أَدَّى إلَى إبْطَالِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ وَحَقُّ الْفَسْخِ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْرِيرُهُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَمَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ مِنْ نَتَائِجِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ كَالْقَبُولِ فَكَانَ مُعَلَّقًا بِهَا فَلَا يُوجَدُ قَبْلَهَا.
وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ بِحُكْمِ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُنْبَرِمًا فَجَازَ فَسْخُهُ لِوَهَاءٍ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ فِي عَقْدِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ يَمْلِكُ الْفَسْخَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ لَا شَرْطًا وَلَا شَرْعًا، بِخِلَافِ الرِّضَا فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِهِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَدَمَ لُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الْخِيَارِ فَهُوَ مَلْزُومٌ لِلْخِيَارِ وَالْخِيَارُ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لَا يُوجَدُ بِدُونِهَا فَكَذَا مَلْزُومُهُ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطُ اللَّازِمِ فَهُوَ شَرْطٌ لِلْمَلْزُومِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ) جَوَابُ سُؤَالٍ آخَرَ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْإِمْضَاءَ لِلرِّضَا وَالرِّضَا بِالشَّيْءِ (لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ) لِأَنَّ الرِّضَا اسْتِحْسَانُ الشَّيْءِ وَاسْتِحْسَانُ مَا لَمْ يُعْلَمْ مَا يُحَسِّنُهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ.
وَأَمَّا الْفَسْخُ فَإِنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الرِّضَا، وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُحْسِنَاتِ.
لَا يُقَالُ: عَدَمُ الرِّضَا لِاسْتِقْبَاحِ الشَّيْءِ وَاسْتِقْبَاحُ مَا لَمْ يُعْلَمْ مَا يُقَبِّحُهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، لِأَنَّ عَدَمَ الرِّضَا قَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا بَدَا لَهُ مِنْ انْتِفَاءِ احْتِيَاجِهِ إلَى الْمَبِيعِ أَوْ ضَيَاعِ ثَمَنِهِ أَوْ اسْتِغْلَائِهِ فَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِقْبَاحُ.
ذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ أَنَّ جَوَازَ الْفَسْخِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَلَكِنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى الْإِجَازَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ دُونَ الْإِجَازَةِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ. قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ) وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: أَوَّلًا لَهُ الْخِيَارُ اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ بِتَمَامِ الرِّضَا زَوَالًا وَثُبُوتًا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ، وَذَلِكَ بِالرُّؤْيَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشِّرَاءِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ.
وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بَاعَ أَرْضًا لَهُ بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقِيلَ لِطَلْحَةَ: إنَّك قَدْ غُبِنْت، فَقَالَ: لِي الْخِيَارُ؛ لِأَنِّي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَهُ.
وَقِيلَ لِعُثْمَانَ: إنَّك قَدْ غُبِنْت، فَقَالَ: لِي الْخِيَارُ؛ لِأَنِّي بِعْت مَا لَمْ أَرَهُ.
فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ.
فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ) مَنْ وَرِثَ شَيْئًا فَبَاعَهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لَهُ عِنْدَنَا.
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَوَّلًا: لَهُ الْخِيَارُ اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِجَانِبِ الْمُشْتَرِي، بَلْ إذَا وَجَدَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ زَيْفًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ جَوَّزَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ كَالْمُشْتَرِي وَإِذَا وَجَدَ الْمَبِيعَ مَعِيبًا، لَكِنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّ الثَّمَنِ وَيَنْفَسِخُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ دُونَ الثَّمَنِ، وَبِخِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَهَذَا) أَيْ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ (أَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ بِتَمَامِ الرِّضَا زَوَالًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ (وَثُبُوتًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي (وَتَمَامُ الرِّضَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ بِالرُّؤْيَةِ) فَإِنَّ بِالرُّؤْيَةِ يَحْصُلُ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى دَقَائِقَ لَا تَحْصُلُ بِالْعِبَارَةِ (فَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ) فَيَكُونُ الْعَقْدُ غَيْرَ لَازِمٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ.
(وَجْهُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ) كَمَا تَقَدَّمَ.
فَإِنْ قِيلَ: الْبَائِعُ مِثْلُ الْمُشْتَرِي فِي الِاحْتِيَاجِ لِتَمَامِ الرِّضَا فَيُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً.
أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِسَبَبَيْنِ فِيهِ، لِأَنَّ الرَّدَّ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَانَ يَظُنُّهُ خَيْرًا مِمَّا اشْتَرَى فَيَرُدُّهُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ، وَالْبَائِعُ لَوْ رَدَّ لَرَدَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَبِيعَ أَزْيَدُ مِمَّا ظُنَّ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِذَا هُوَ صَحِيحٌ لَمْ يَثْبُتْ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ، قِيلَ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يُوجَدُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهَاهُنَا وُجِدَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارَيْنِ فَلْيَجُزْ مِنْ الْبَائِعِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقِيَاسُ، سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ الْقِيَاسَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ بَاطِلٌ، وَتَحْكِيمُ جُبَيْرٍ بَيْنَ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ فَبَطَلَ الْإِلْحَاقُ دَلَالَةً وَقِيَاسًا، وَلِهَذَا رَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ حِينَ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ. ثُمَّ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بَلْ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ، وَمَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ مِنْ تَعَيُّبٍ أَوْ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، ثُمَّ إنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ أَوْ تَصَرُّفًا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ تَعَذُّرُ الْفَسْخِ فَبَطَلَ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَالْمُسَاوَمَةُ وَالْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْبُو عَلَى صَرِيحِ الرِّضَا وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا.
الشَّرْحُ:
قَالَ (ثُمَّ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ غَيْرُ مُوَقَّتٍ) قِيلَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ يُوَقَّتُ بِوَقْتِ إمْكَانِ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْسَخْ سَقَطَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ خِيَارٌ تَعَلَّقَ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى حَالِ الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ.
وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ بَاقٍ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حُكْمًا لِانْعِدَامِ الرِّضَا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُبْطِلُ عَدَمَ الرِّضَا، ثُمَّ مَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ مِنْ تَعَيُّبٍ أَوْ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ.
وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ فِي بَابِهِ.
وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إذَا فَعَلَ فِي الْمَبِيعِ مَا يُمْتَحَنُ بِهِ مَرَّةً وَيَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ بِحَالٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلَ الِاخْتِيَارِ، وَإِلَّا لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْخِيَارِ لِأَنَّهَا إمْكَانُ الرَّدِّ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَقَةِ بَعْدَ الِامْتِحَانِ، فَإِنْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِفِعْلٍ مَا يُمْتَحَنُ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاتَتْ فَائِدَةُ الْخِيَارِ.
وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مَا لَا يُمْتَحَنُ بِهِ أَوْ يُمْتَحَنُ بِهِ لَكِنَّهُ لَا يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ بِحَالٍ أَوْ يُمْتَحَنُ بِهِ وَيَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَكِنْ فَعَلَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً كَانَ دَلِيلَ الِاخْتِيَارِ، فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً لِلْخِدْمَةِ بِالْخِيَارِ فَاسْتَخْدَمَهَا مَرَّةً لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْتَحَنُ بِهِ وَيَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ، فَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً فِي ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الْخِدْمَةِ كَانَ اخْتِيَارًا لِلْمِلْكِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَلِحُصُولِ الِامْتِحَانِ بِالْأُولَى، وَلَوْ وَطِئَهَا بَطَلَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْتَحَنُ بِهِ لِأَنَّ صَلَاحَهَا لِلْوَطْءِ قَدْ لَا يُعْلَمُ بِالنَّظَرِ، لَكِنْ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَكَانَ اخْتِيَارًا لَهُ.
قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْكُلِّيِّ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا لَمْ يَرَهَا فَبِيعَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ.
وَالثَّانِيَةُ إذَا عَرَضَ الْمَبِيعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَلَى الْبَيْعِ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ.
وَالْمَسْأَلَتَانِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِمَا هُوَ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَبْطُلُ بِدَلِيلِ الرِّضَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ دُونَهُ.
ثُمَّ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ دَلِيلُ الرِّضَا فَلِذَلِكَ لَا يَعْمَلَانِ فِي إبْطَالِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَافِعٍ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِشْكَالَ لَيْسَ بِوَارِدٍ لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ مِنْ تَعَيُّبٍ أَوْ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِكُلِّيٍّ مُطْلَقٍ بَلْ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ تَعَيُّبًا أَوْ تَصَرُّفًا: يَعْنِي فِي الْمَبِيعِ، وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ لَيْسَا مِنْهُمَا فَلَا يَكُونَانِ وَارِدَيْنِ.
ثُمَّ التَّصَرُّفُ الَّذِي يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: تَصَرُّفٌ يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا، وَتَصَرُّفٌ لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَيُبْطِلُهُ بَعْدَهَا.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ، أَوْ الَّذِي يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَالْبَيْعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ وَمِلْكُ الْمُتَصَرِّفِ فِي الْعَيْنِ قَائِمٌ فَصَادَفَ الْمَحَلَّ وَنَفَذَ وَبَعْدَ نُفُوذِهِ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَالرَّفْعَ فَتَعَذَّرَ الْفَسْخُ وَبَطَلَ الْخِيَارُ ضَرُورَةً، وَكَذَلِكَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ مَانِعٌ مِنْ الْفَسْخِ فَيَبْطُلُ الْخِيَارُ، حَتَّى لَوْ افْتَكَّ الرَّهْنَ أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ أَوْ رَدَّ الْمُشْتَرَى عَلَيْهِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَآهُ لَا يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ.
وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا قِيلَ إنَّ بُطْلَانَ الْخِيَارِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ النَّصِّ الَّذِي رَوَيْنَاهُ.
وَالثَّانِي أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ إمَّا أَنْ تَكُونَ صَرِيحَ الرِّضَا أَوْ دَلَالَتَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَكَيْفَ أَبْطَلَتْهُ؟ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحُكْمِ النَّصِّ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ لِصُدُورِهَا عَنْ أَهْلِهَا مُضَافَةً إلَى مَحَلِّهَا انْعَقَدَتْ صَحِيحَةً، وَبَعْدَ صِحَّتِهَا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهَا فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ ضَرُورَةً.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ دَلَالَةَ الرِّضَا لَا تَرْبُو عَلَى صَرِيحِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ ضَرُورَاتِ صَرِيحٍ آخَرَ، وَهَاهُنَا هَذِهِ الدَّلَالَةُ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَالْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا مَعَ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ مُحَالٌ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ الَّذِي لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ وَالْمُسَاوَمَةُ وَالْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَرْبُو عَلَى صَرِيحِ الرِّضَا: أَيْ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَصَرِيحُ الرِّضَا لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَدَلَالَتُهُ أَوْلَى: يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَاتِ الْغَيْرِ وَيُبْطِلُهُ بَعْدَهَا لِوُجُودِ الدَّلَالَةِ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ (قَالَ: وَمَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ، أَوْ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا أَوْ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ أَوْ إلَى وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ رُؤْيَةَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ لِتَعَذُّرِهِ فَيَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ.
وَلَوْ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ أَشْيَاءُ، فَإِنْ كَانَ لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهَا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَعَلَامَتُهُ أَنْ يَعْرِضَ بِالنَّمُوذَجِ يَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ.
وَإِنْ كَانَ تَتَفَاوَت آحَادُهَا كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ لابد مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَالْجَوْزُ وَالْبَيْضُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ وَصْفَ الْبَقِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَكِيلٌ يُعْرَضُ بِالنَّمُوذَجِ، وَكَذَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مِمَّا يَعْلَمُ بِهِ الْبَقِيَّةَ إلَّا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا كَمَوْضِعِ الْعَلَمِ، وَالْوَجْهُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْآدَمِيِّ، وَهُوَ وَالْكَفَلُ فِي الدَّوَابِّ فَيُعْتَبَرُ رُؤْيَةِ الْمَقْصُودِ وَلَا يُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ غَيْرِهِ.
وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ.
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَفِي شَاةِ اللَّحْمِ لابد مِنْ الْجَسِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ اللَّحْمُ يُعْرَفُ بِهِ.
وَفِي شَاةِ الْقِنْيَةِ لابد مِنْ رُؤْيَةِ الضَّرْعِ.
وَفِيمَا يُطْعَمُ لابد مِنْ الذَّوْقِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعَرِّفُ لِلْمَقْصُودِ.
الشَّرْحُ:
(قَالَ وَمَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَبِيعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَفَاوِتَ الْآحَادِ أَوْ لَا، فَذَلِكَ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ رُؤْيَةُ الْجَمِيعِ شَرْطًا لِبُطْلَانِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْجَمِيعِ قَدْ تَكُونُ مُتَعَذِّرَةً كَمَا إذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً فَإِنَّ فِي رُؤْيَةِ جَمِيعِ بَدَنِهِمَا رُؤْيَةَ عَوْرَتِهِمَا، وَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ أَصْلًا فُسِخَ الْعَقْدُ أَوْ لَمْ يُفْسَخْ، وَفِي الْأَمَةِ لَوْ فُسِخَ الْعَقْدُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ رُؤْيَةِ عَوْرَتِهَا كَانَ النَّظَرُ فِي عَوْرَتِهَا وَاقِعًا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَفَعَ بِالْفَسْخِ مِنْ أَصْلِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَكَانَ النَّظَرُ الْوَاقِعُ حَرَامًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا مَطْوِيًّا فَإِنَّ الْبَائِعَ يَتَضَرَّرُ بِانْكِسَارِ ثَوْبِهِ بِالطَّيِّ وَالنَّشْرِ فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ، لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ لَا تُعَرِّفُ الْبَاقِيَ لِتَفَاوُتٍ فِي آحَادِهِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ وَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ عَلَى مَا مَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ يُعْرَفُ الْبَاقِي لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، وَعَلَامَةُ عَدَمِ التَّفَاوُتِ أَنْ يُعْرَضَ بِالنَّمُوذَجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِنْهَا، فَعَلَى هَذَا إذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ بَطَلَ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ الْبَاقِي لِأَنَّهُ مَكِيلٌ يُعْرَضُ بِالنَّمُوذَجِ وَالنَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا مِمَّا يُعَرِّفُ الْبَقِيَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَيِّهِ مَا كَانَ مَقْصُودًا كَمَوْضِعِ الْعِلْمِ وَإِذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِ الْآدَمِيِّ بَطَلَ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ تَبَعًا لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَفَاوُتَ الْقِيمَةِ بِتَفَاوُتِ الْوَجْهِ مَعَ التَّسَاوِي فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَإِذَا نَظَرَ إلَى الْوَجْهِ أَوْ الْكِفْلِ فِي الدَّابَّةِ بَطَلَ الْخِيَارُ لِأَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ فِي الدَّوَابِّ.
هَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ فِي الدَّوَابِّ، فَإِنْ كَانَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ فِي وِعَاءَيْنِ فَرَآهَا فِي أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ مَا فِي الْآخَرِ مِثْلَ مَا رَأَى أَوْ فَوْقَهُ بَطَلَ الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَهُوَ عَلَى الْخِيَارِ، لَكِنْ إذَا رَدَّ رَدَّ الْكُلَّ لِئَلَّا تَتَفَرَّقَ الصَّفْقَةُ، وَإِذَا اشْتَرَى شَاةً فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ لِلَّحْمِ أَوْ لِلْقُنْيَةِ أَيْ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ، فَفِي الْأَوَّلِ لابد مِنْ الْجَسِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِهِ، وَفِي الثَّانِي لابد مِنْ رُؤْيَةِ الضَّرْعِ، وَفِي الْمَطْعُومَاتِ لابد مِنْ الذَّوْقِ لِأَنَّهُ الْمُعَرِّفُ لِلْمَقْصُودِ. (قَالَ وَإِنْ رَأَى صَحْنَ الدَّارِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا) وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى خَارِجَ الدَّارِ أَوْ رَأَى أَشْجَارَ الْبُسْتَانِ مِنْ خَارِجٍ.
وَعِنْدَ زُفَرَ لابد مِنْ دُخُولِ دَاخِلِ الْبُيُوتِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ جَوَابَ الْكِتَابِ عَلَى وِفَاقِ عَادَتِهِمْ فِي الْأَبْنِيَةِ، فَإِنَّ دُورَهُمْ لَمْ تَكُنْ مُتَفَاوِتَةً يَوْمَئِذٍ، فَأَمَّا الْيَوْمُ فَلَا بُدَّ مِنْ الدُّخُولِ فِي دَاخِلِ الدَّارِ لِلتَّفَاوُتِ، وَالنَّظَرُ إلَى الظَّاهِرِ لَا يُوقِعُ الْعِلْمَ بِالدَّاخِلِ.
الشَّرْحُ:
(قَالَ: وَمَنْ رَأَى صَحْنَ الدَّارِ فَلَا خِيَارَ لَهُ) رُؤْيَةُ صَحْنِ الدَّارِ أَوْ خَارِجَهَا وَرُؤْيَةُ أَشْجَارِ الْبُسْتَانِ مِنْ خَارِجٍ تُسْقِطُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ.
لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا مُتَعَذِّرُ الرُّؤْيَةِ كَمَا تَحْتَ السُّرَرِ وَبَيْنَ الْحِيطَانِ مِنْ الْجُذُوعِ وَالْأُسْطُوَانَات وَحِينَئِذٍ سَقَطَ شَرْطُ رُؤْيَةِ الْكُلِّ فَأَقَمْنَا رُؤْيَةَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّارِ مَقَامَ رُؤْيَةِ الْكُلِّ، فَإِذَا كَانَ فِي الدَّارِ بَيْتَانِ شَتْوِيَّانِ وَبَيْتَانِ صَيْفِيَّانِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْكُلِّ كَمَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ صَحْنِ الدَّارِ وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَطْبَخِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْعُلْوِ إلَّا فِي بَلَدٍ يَكُونُ الْعُلْوُ مَقْصُودًا كَمَا فِي سَمَرْقَنْدَ.
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: لابد مِنْ دُخُولِ دَاخِلِ الْبُيُوت وَالْأَصَحُّ أَنَّ جَوَابَ الْكِتَابِ: أَيْ الْقُدُورِيِّ عَلَى وِفَاقِ عَادَتِهِمْ بِالْكُوفَةِ أَوْ بَغْدَادَ فِي الْأَبْنِيَةِ، فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالضِّيقِ وَالسَّعَةِ، وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَكُونُ كَصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالنَّظَرِ إلَى جُدْرَانِهَا مِنْ خَارِجٍ، فَأَمَّا الْيَوْمُ يُرِيدُ بِهِ دِيَارَهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ الدُّخُولِ فِي دَاخِلِ الدَّارِ لِلتَّفَاوُتِ فِي مَالِيَّةِ الدُّورِ بِقِلَّةِ مَرَافِقِهَا وَكَثْرَتِهَا، فَالنَّظَرُ إلَى الظَّاهِرِ لَا يُوقِعُ الْعِلْمَ بِالْبَاطِنِ وَهَذِهِ نُكْتَةُ زُفَرَ. قَالَ (وَنَظَرُ الْوَكِيلِ كَنَظَرِ الْمُشْتَرِي حَتَّى لَا يَرُدَّهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ، وَلَا يَكُونُ نَظَرُ الرَّسُولِ كَنَظَرِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا: هُمَا سَوَاءٌ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) قَالَ مَعْنَاهُ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ، فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَرُؤْيَتُهُ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ، لَهُمَا أَنَّهُ تَوَكَّلَ بِالْقَبْضِ دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ وَالْإِسْقَاطِ قَصْدًا.
وَلَهُ أَنَّ الْقَبْضَ نَوْعَانِ: تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ.
وَنَاقِصٌ، وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ مَسْتُورًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ وَلَا تَتِمُّ مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْمُوَكِّلُ مَلَكَهُ بِنَوْعَيْهِ، فَكَذَا الْوَكِيلُ.
وَمَتَى قَبَضَ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ يَرَاهُ سَقَطَ الْخِيَارُ فَكَذَا الْوَكِيلُ لِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ.
وَإِذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا انْتَهَى التَّوْكِيلُ بِالنَّاقِصِ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَيَتِمُّ الْقَبْضُ مَعَ بَقَائِهِ، وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ.
وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ التَّامَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْخِيَارِ يَكُونُ بَعْدَهُ، فَكَذَا لَا يَمْلِكُهُ وَكِيلُهُ، وَبِخِلَافِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَإِنَّمَا إلَيْهِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ، وَالتَّسْلِيمَ إذَا كَانَ رَسُولًا فِي الْبَيْعِ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَنَظَرُ الْوَكِيلِ كَنَظَرِ الْمُشْتَرِي) قِيلَ صُورَةُ التَّوْكِيلِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ أَوْ وَكَّلْتُك بِذَلِكَ.
وَصُورَةُ الْإِرْسَالِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي أَوْ أَرْسَلْتُك أَوْ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ.
وَقِيلَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ فِيمَا إذَا قَالَ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ إذَا نَظَرَ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ إلَى الْمَبِيعِ وَقَبْضُهُ يُسْقِطُ خِيَارَ الْمُشْتَرِي فَلَا يَرُدُّهُ إلَّا بِعَيْبٍ عَلِمَهُ الْوَكِيلُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إذَا كَانَ عَيْبًا يَعْلَمُهُ الْوَكِيلُ يَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ خِيَارُ الْعَيْبِ بِالْقَبْضِ إلَيْهِ، فَإِذَا نَظَرَ الرَّسُولُ وَقَبَضَهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: نَظَرُ الرَّسُولِ لَا يَسْقُطُ بِالِاتِّفَاقِ، وَنَظَرُ الْوَكِيلِ كَنَظَرِهِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ سُقُوطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَلَمَّا كَانَتْ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقَةً فِي الْوَكِيلِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ مَعْنَاهُ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ، فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَرُؤْيَتُهُ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ (لَهُمَا أَنَّهُ تَوَكَّلَ) أَيْ قَبْلَ الْوَكَالَةِ (بِالْقَبْضِ دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ) وَمَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَكَالَةً (فَلَا يَمْلِكُ) إسْقَاطَ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيمَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ فَقَبَضَ الْوَكِيلُ مَعِيبًا رَائِيًا عَيْبَهُ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْعَيْبِ لِلْمُوَكِّلِ، وَكَمَنْ اشْتَرَى بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَوَكَّلَ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْمُوَكِّلِ، وَكَمَا إذَا وَكَّلَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فَقَبَضَهُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ الْوَكِيلُ فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ قَصْدًا لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُوَكِّلِ.
وَدَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَةٍ هِيَ (أَنَّ الْقَبْضَ عَلَى نَوْعَيْنِ: تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ، وَنَاقِصٌ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ مَسْتُورٌ) (قَوْلُهُ وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى تَنَوُّعِهِ بِالنَّوْعَيْنِ، وَبَيَانُهُ (أَنَّ تَمَامَ الْقَبْضِ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ وَلَا تَتِمُّ) الصَّفْقَةُ (مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ) لِأَنَّ تَمَامَهَا تَنَاهِيهَا فِي اللُّزُومِ بِحَيْثُ لَا يَرْتَدُّ إلَّا بِرِضَاهُ أَوْ قَضَاءً، وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ عَنْ ذَلِكَ، وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا قُلْنَا: الْمُوَكِّلُ مَلَكَ الْقَبْضَ بِنَوْعَيْهِ، وَكُلُّ مَنْ مَلَكَهُ بِنَوْعَيْهِ مَلَكَهُ وَكِيلُهُ كَذَلِكَ عِنْدَ إطْلَاقِ التَّوْكِيلِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَكِيلَ إذَا قَبَضَهُ قَبْضًا نَاقِصًا ثُمَّ رَآهُ أَسْقَطَ الْخِيَارَ قَصْدًا لَمْ يَسْقُطْ وَالْمُوَكِّلُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ يَسْقُطُ الْخِيَارُ فَلَيْسَ الْوَكِيلُ كَالْمُوَكِّلِ فِي الْقَبْضِ النَّاقِصِ لَا مَحَالَةَ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا انْتَهَى التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَبَقِيَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ، وَفِي هَذَا الْجَوَابِ تَعَرُّضٌ إلَى رَدِّ قِيَاسِهِمَا عَلَى الْإِسْقَاطِ الْقَصْدِيِّ، وَإِلَى رَدِّ قَوْلِهِمَا دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ.
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَكَّلْ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ قَصْدًا أَوْ ضِمْنًا وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ إسْقَاطَ الْخِيَارِ فِي الْقَبْضِ التَّامِّ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ فِي ضِمْنِ الْمُتَوَكَّلِ بِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ حَتَّى لَوْ رَأَى قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَسْقُطْ بِهِ الْخِيَارُ، بِخِلَافِ الْمُوَكِّلِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا.
وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مَنْ تَوَكَّلَ بِشَيْءٍ تَوَكَّلَ بِمَا يُتِمُّهُ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا فَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ حَيْثُ لَا يَرْتَدُّ بِهِ إلَّا بِرِضًا أَوْ قَضَاءٍ، وَمَا لَمْ يَمْنَعْ تَمَامَ الصَّفْقَةِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ وَلِهَذَا مَلَكَ رَدَّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَمْ يُجْعَلْ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ لِأَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا مُمْتَنِعٌ، وَلَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ هَاهُنَا دَلَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَامَّةً، وَهُوَ مِنْ مُوَضِّحَاتِ ذَلِكَ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِالْجُزْءِ الْفَائِتِ وَذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَصْدُرْ التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ لِإِسْقَاطِهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ فَلَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ، وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَا يَصْلُحُ مَقِيسًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَوَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ بَعْدَمَا رَآهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَلَوْ سَلَّمَ بَقَاءَ الْخِيَارِ فَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ التَّامَّ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ وَلَا تَتِمُّ الصَّفْقَةُ مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَالْخِيَارُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِهِ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْخِيَارِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَذَا وَكِيلُهُ، وَقَيَّدَ بِالتَّامِّ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَمْلِكُ النَّاقِصَ فَإِنَّ الْقَبْضَ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ نَاقِصٌ كَمَا أَنَّهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ نَاقِصٌ، وَالرَّسُولُ لَيْسَ كَالْوَكِيلِ فَإِنَّ إتْمَامَ مَا أُرْسِلَ بِهِ لَيْسَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا إلَيْهِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ كَالرَّسُولِ بِالْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ. قَالَ (وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى) لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ (ثُمَّ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِجَسِّهِ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالْجَسِّ، وَيَشُمُّهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالشَّمِّ، وَيَذُوقُهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ) كَمَا فِي الْبَصِيرِ (وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ) لِأَنَّ الْوَصْفَ يُقَامُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ وَقَالَ: قَدْ رَضِيتُ سَقَطَ خِيَارُهُ، لِأَنَّ التَّشَبُّهَ يُقَامُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الْعَجْزِ كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ يُقَامُ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِجْرَاءُ الْمُوسَى مَقَامَ الْحَلْقِ فِي حَقِّ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ فِي الْحَجِّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يُوَكِّلُ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ وَهُوَ يَرَاهُ وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا مَرَّ آنِفًا.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ) بَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا (وَلَهُ الْخِيَارُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنْ كَانَ بَصِيرًا فَعَمِيَ فَكَذَا الْجَوَابُ، وَإِنْ كَانَ أَكْمَهَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْأَلْوَانِ وَالصِّفَاتِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمُعَامَلَةِ النَّاسِ الْعُمْيَانِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَبِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ الْأَمْرَ بِهِ لِغَيْرِهِ، فَإِذَا احْتَاجَ الْأَعْمَى إلَى مَا يَأْكُلُ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ شِرَاءِ الْمَأْكُولِ وَلَا التَّوْكِيلِ بِهِ مَاتَ جُوعًا وَفِيهِ مِنْ الْقُبْحِ مَا لَا يَخْفَى.
وَلَنَا (أَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ، وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ بِالْحَدِيثِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَمْ يَرَهُ سَلْبٌ» وَهُوَ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْإِيجَابِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْبَصِيرِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مُعَامَلَةِ النَّاسِ الْعُمْيَانِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ، وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ بِمُبَاشَرَةِ مَا هُوَ سَبَبُ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُعْلَمُ بِمَسِّهِ فَخِيَارُهُ يَسْقُطُ بِجَسِّهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعْلَمُ بِالشَّمِّ فَبِشَمِّهِ وَبِذَوْقِهِ فِي الْمَذُوقَاتِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ شَجَرًا أَوْ ثَمَرًا عَلَى شَجَرٍ أَوْ عَقَارًا فَإِنَّ خِيَارَهُ لَا يَسْقُطُ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ لِأَنَّ الْوَصْفَ يُقَامُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخِي: يَمَسُّ الْحَائِطَ وَالْأَشْجَارَ، فَإِذَا بَاشَرَ بِسَبَبِ الْعِلْمِ أَوْ وُصِفَ لَهُ أَوْ وُصِفَ وَمَسَّ وَقَالَ رَضِيت سَقَطَ الْخِيَارُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ الْوَاقِفُ بَصِيرًا لَرَآهُ وَقَدْ قَالَ رَضِيت سَقَطَ خِيَارُهُ، لِأَنَّ التَّشَبُّهَ يَقُومُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الْعَجْزِ كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ وَإِجْرَاءِ الْمُوسَى فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ وَالْأَصْلَعِ، وَإِطْلَاقُ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْوَصْفِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَعْمَى: يَشْتَرِي الشَّيْءَ لَمْ يَرَهُ فَيَقُولُ قَدْ رَضِيت قَالَ: لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ ثُمَّ قَالَ قَدْ رَضِيته لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ.
وَقَالَ الْفَقِيهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يُوقَفُ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ وَمَعَ ذَلِكَ يُوصَفُ لَهُ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ، قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يُوَكِّلُ وَكِيلًا يَقْبِضُهُ وَهُوَ يَرَاهُ.
وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَلَوْ وُصِفَ لَهُ فَقَالَ رَضِيت ثُمَّ أَبْصَرَ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ تَمَّ وَسَقَطَ الْخِيَارُ فَلَا يَعُودُ.
وَلَوْ اشْتَرَى بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى الصِّفَةِ لِأَنَّ النَّاقِلَ لِلْخِيَارِ مِنْ النَّظَرِ إلَى صِفَةِ الْعَجْزِ، وَقَدْ اسْتَوَى فِي ذَلِكَ كَوْنُهُ أَعْمَى وَقْتَ الْعَقْدِ وَصَيْرُورَتُهُ أَعْمَى بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ. قَالَ (وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا) لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ رُؤْيَةَ الْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الثِّيَابِ فَبَقِيَ الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ، ثُمَّ لَا يَرُدُّهُ وَحْدَهُ بَلْ يَرُدُّهُمَا كَيْ لَا يَكُونَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ الْآحَادِ فِي الْبَيْعِ رُؤْيَةَ بَعْضِهَا لَا يُعَرِّفُ الْبَاقِيَ بَلْ لابد مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَعَلَى هَذَا إذَا رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ فَلَهُ الْخِيَارُ، لَكِنْ لَا يَرُدُّ الَّذِي رَآهُ وَحْدَهُ، بَلْ يَرُدُّهُمَا إنْ شَاءَ كَيْ لَا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا مَعْنَى تَمَامِ الصَّفْقَةِ، وَأَنَّهَا لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَلِكَوْنِهَا غَيْرَ تَامَّةٍ يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَيَكُونُ الرَّدُّ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
فَإِنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «نَهَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ» قِيلَ: تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَهُوَ يَقْتَضِي رَدَّهُمَا جَمِيعًا إنْ شَاءَ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ» الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي لَمْ يَرَهُ وَحْدَهُ، فَمَا وَجْهُ تَرْجِيحِ حَدِيثِ النَّهْيِ عَلَى الْمُجِيزِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُوجِبَ النَّهْيِ مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ، وَمُوجِبَ الْمُجِيزِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ إذَا تَعَيَّبَ أَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ أَوْ دَبَّرَهُ وَالْمُطَّرِدُ رَاجِحٌ وَبِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَالْمُحَرَّمُ رَاجِحٌ عَلَى الْمُبِيحِ، أَوْ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُبِيحِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْرِيرُ النَّسْخِ وَبِأَنَّ الرَّدَّ كَمَا كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ؟ لِأَنَّ رَدَّ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ لَا يَكُونُ رَدًّا لِأَنَّهُ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لَا أَحَدَهُمَا، وَالرَّدُّ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَرْدُودُ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ تَفْرِيقِهَا مُطْلَقًا، وَقَدْ قَيَّدْتُمْ بِمَا قَبْلَ التَّمَامِ فَيَكُونُ مَتْرُوكَ الظَّاهِرِ، وَمِثْلُهُ مَرْجُوحٌ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ التَّفْرِيقِ وَالتَّقْيِيدِ بِمَا قَبْلَ التَّمَامِ بِالْقِيَاسِ عَلَى ابْتِدَاءِ الصَّفْقَةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ فِي شَيْئَيْنِ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْقَبُولَ فِي أَحَدِهِمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْبَائِعِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ بِضَمِّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ تَرْوِيجًا لَهُ بِالْجَيِّدِ، فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ رَدِّ أَحَدِهِمَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ يَنْدَفِعُ مَا اسْتَشْكَلَ بِالِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا لَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذَا رَدَّ أَحَدَهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ الْآخَرِ أَيْضًا لِأَنَّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ رَدَّ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ.
وَفِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ تَتَفَرَّقْ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَامِ بَلْ تَمَّتْ فِيمَا كَانَ مِلْكُ الْبَائِعِ غَيْرَ مَعِيبٍ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا وَاحِدًا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ كَانَ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمِعَةِ عَيْبٌ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَرْضَ بِهِ، لَكِنْ فِي صُورَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُ وِلَايَةُ رَدِّ الْبَاقِي لِدَفْعِ ضَرَرٍ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، فَإِنْ شَاءَ رَضِيَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ.
وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهِ رَدُّ الْآخَرِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ يَلْزَمُ الْبَائِعَ. وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ عِنْدَنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ (وَمَنْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ) لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِهِ حَاصِلٌ لَهُ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ، وَبِفَوَاتِهِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُهُ مَرْئِيَّهُ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ (وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ) لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعْلِمَةً بِأَوْصَافِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ حَادِثٌ وَسَبَبُ اللُّزُومِ ظَاهِرٌ، إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهَا أَمْرٌ حَادِثٌ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ لِأَنَّهُ مَشِيئَةٌ، وَهُوَ عَرْضٌ وَالْعَرْضُ لَا يَنْتَقِلُ وَالْإِرْثُ فِيمَا يَنْتَقِلُ، فَكَذَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبَحْثَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ مُسْتَوْفًى فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهِ.
قَالَ (وَمَنْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي رَآهُ) عَلَيْهَا سَقَطَ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِهِ حَاصِلٌ لَهُ بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ، وَبِفَوَاتِ الْعِلْمِ بِالْأَوْصَافِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ، فَبَيْنَ الْعِلْمِ بِالْأَوْصَافِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ مُنَافَاةٌ، وَيَثْبُتُ أَحَدُ الْمُتَنَافِيَيْنِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْأَوْصَافِ بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ فَيَنْتَفِي الْآخَرُ وَهُوَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَآهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا مَلْفُوفًا كَانَ رَآهُ مِنْ قَبْلُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُشْتَرَى ذَلِكَ الْمَرْئِيُّ فَإِنَّ لَهُ الْخِيَارَ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةَ لِدَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ عِلَّةَ انْتِفَاءِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَوْصَافِ، وَهَاهُنَا لَمَّا كَانَ الْمَبِيعُ مَرْئِيًّا مِنْ قَبْلُ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْهَا كَانَ الْعِلْمُ بِهَا حَاصِلًا فَلَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَكِنَّ شَرْطَهُ الرِّضَا بِهِ وَحَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مَرْئِيُّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعَلَّمَةً بِأَوْصَافِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ التَّغَيُّرَ حَادِثٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِعَيْبٍ أَوْ تَبَدُّلِ هَيْئَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَارِضٌ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِيهِ وَالْبَائِعُ مُنْكِرٌ وَمُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ، لِأَنَّ سَبَبَ لُزُومِ الْعَقْدِ وَهُوَ رُؤْيَةُ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ هُوَ الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ، وَقِيلَ هُوَ الْبَيْعُ الْبَاتُّ الْخَالِي عَنْ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ ظَاهِرٌ، وَالْأَصْلُ لُزُومُ الْعَقْدِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْعَارِضِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَالُوا) أَيْ الْمُتَأَخِّرُونَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ، فَإِنَّ الشَّيْءَ يَتَغَيَّرُ بِطُولِ الزَّمَانِ، وَمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً شَابَّةً رَآهَا فَاشْتَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ سَنَةً وَزَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ كَانَ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ: يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي رُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْعِلْمَ بِالصِّفَاتِ وَأَنَّهُ حَادِثٌ، وَالْمُشْتَرِيَ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ وَلَمْ يَرَهُ فَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ)؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِي رَدِّ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتِمُّ قَبْلَهُ وَفِيهِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ.
فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ) الْعِدْلُ بِالْكَسْرِ الْمِثْلُ، وَمِنْهُ عِدْلُ الْمَتَاعِ.
وَالزُّطُّ: جِيلٌ مِنْ الْهِنْدِ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ الثِّيَابُ الزُّطِّيَّةُ.
وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ وَلَمْ يَرَهُ وَقَبَضَهُ فَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا، كَذَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبِضْ لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، فَإِذَا قَبَضَهُ فَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا: أَيْ مِنْ الثِّيَابِ الزُّطِّيَّةِ إلَّا مِنْ عَيْبٍ.
ذَكَّرَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَرَهُ وَغَيْرِهِ نَظَرًا إلَى الْعِدْلِ، وَأَنَّثَ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا نَظَرًا إلَى الثِّيَابِ، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا لَمْ يَبْقَ عِدْلًا بَلْ ثِيَابًا مِنْ الْعِدْلِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَقَبَضَهُ وَبَاعَ ثَوْبًا مِنْهُ أَوْ وَهَبَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّدَّ تَعَذَّرَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ، وَفِي رَدِّ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّ الْخِيَارَيْنِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا كَمَا مَرَّ.
وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَفِيهِ وَضْعُ مُحَمَّدٍ الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمَا جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ (فَلَوْ عَادَ) الثَّوْبُ الَّذِي بَاعَهُ (إلَى الْمُشْتَرِي بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ) بِأَنْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ بِالْقَضَاءِ أَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ فَهُوَ أَيْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَوْ الْوَاهِبُ عَلَى خِيَارِهِ، فَجَازَ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ (كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ) لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ (كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ).