فصل: (فَصْلٌ) فيمَنْ حَلَفَ ألَا يُكَلِّمُ حِينًا أَوْ زَمَانًا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العناية شرح الهداية



.(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَلَامِ):

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ نَائِمٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِنَوْمِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَادَاهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِتَغَافُلِهِ.
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ شَرْطٌ أَنْ يُوقِظَهُ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَنَبَّهْ كَانَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَهُوَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَلَامِ): لَمَّا ذَكَرَ بَيَانَ أَيْمَانِ السُّكْنَى وَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْفِعْلِ الْجَامِعِ الَّذِي يَسْتَتْبِعُ الْأَبْوَابَ الْمُتَفَرِّقَةَ وَهُوَ الْكَلَامُ؛ إذْ الْيَمِينُ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْيَمِينُ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ، فَذِكْرُ الْجِنْسِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذِكْرِ النَّوْعِ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ نَائِمٌ حَنِثَ) نَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ التَّكْلِيمَ عِبَارَةٌ عَنْ إسْمَاعِ كَلَامِهِ كَمَا فِي تَكْلِيمِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إسْمَاعِ نَفْسِهِ، إلَّا أَنَّ إسْمَاعَ الْغَيْرِ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ مَقَامَهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ أَصْغَى إلَيْهِ أُذُنَهُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ السَّمَاعِ لَسَمِعَ وَدَار الْحُكْمُ مَعَهُ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ حَقِيقَةِ الْإِسْمَاعِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (لِتَغَافُلِهِ) أَيْ لِغَفْلَتِهِ.
وَقَوْلُهُ (وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ) يُرِيدُ مَا رُوِيَ فِي رِوَايَةٍ فَنَادَاهُ وَأَيْقَظَهُ يَحْنَثُ فِيهِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْإِيقَاظِ لِلْحِنْثِ.
وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَنَادَاهُ أَوْ أَيْقَظَهُ، وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى نَادَاهُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ يَقْظَانَ لَسَمِعَ صَوْتَهُ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يُوقِظْهُ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ.
وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا، وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ حَتَّى كَلَّمَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ الْإِعْلَامُ، أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْإِطْلَاقُ، وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْآذِنِ كَالرِّضَا.
قُلْنَا: الرِّضَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ، وَلَا كَذَلِكَ الْإِذْنُ عَلَى مَا مَرَّ.
الشَّرْحُ:
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْإِذْنِ كَالرِّضَا) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِرِضَاهُ فَرَضِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ لِمَا أَنَّ الرِّضَا يَتِمُّ بِالرَّاضِي، فَكَذَلِكَ الْإِذْنُ يَتِمُّ بِالْآذِنِ.
قُلْنَا: الرِّضَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فَيَتِمُّ بِالرَّاضِي وَلَا كَذَلِكَ الْإِذْنُ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّهُ إمَّا مِنْ الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ الْإِعْلَامُ، أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي السَّمَاعَ وَلَمْ يُوجَدْ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَارَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَكِنَّهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا فَلَمْ يَكُنْ الْإِذْنُ مُحْتَاجًا إلَى الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِذْنَ هَذَا فَكُّ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ فَيَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ، وَأَمَّا فِي الْيَمِينِ فَلَمَّا حَرَّمَ كَلَامَهُ بِالْيَمِينِ إلَّا عِنْدَ الْإِذْنِ صَارَ الْإِذْنُ مُثْبِتًا لِإِبَاحَةِ الْكَلَامِ لِلْحَالِفِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْلَامِ بِذَلِكَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَأَمْرُهُ وَاضِحٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّ قَالَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلَفَ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَتَأَبَّدَ الْيَمِينُ فَذَكَرَ الشَّهْرَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَبَقِيَ الَّذِي يَلِي يَمِينَهُ دَخْلًا عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَمْ تَتَأَبَّدْ الْيَمِينُ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِتَقْدِيرِ الصَّوْمِ بِهِ وَأَنَّهُ مُنَكِّرٌ فَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ.
الشَّرْحُ:
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلَفَ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لِتَأَبُّدِ الْيَمِينِ) لِأَنَّ مَا يَلِي الْيَمِينَ صَالِحٌ لِمَحَلِّيَّةِ الْبَرِّ: أَيِّ جُزْءٍ كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَتْ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَانَ الْيَمِينُ مُؤَبَّدًا فَذَكَرَ الشَّهْرَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ عَمَلًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهِيَ الْغَيْظُ الَّذِي لَحِقَهُ فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَن شَهْرًا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَمْ تَتَأَبَّدْ الْيَمِينُ، إمَّا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، وَإِمَّا لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ صَالِحٍ لِلتَّأْبِيدِ لِتَخَلُّلِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ، فَكَانَ ذِكْرُهُ لِتَقْدِيرِ الصَّوْمِ وَأَنَّهُ مُنَكَّرٌ فَالنِّيَّةُ تُعَيِّنُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِ لَا يَحْنَثُ.
وَإِنْ قَرَأَ فِي غَيْرِ صَلَاتِهِ حَنِثَ) وَعَلَى هَذَا التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ، وَفِي الْقِيَاسِ يَحْنَثُ فِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقَةٌ.
وَلَنَا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بَلْ قَارِئًا وَمُسَبِّحًا.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ) ظَاهِرٌ. (وَلَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَأَمْرَأَتْهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) لِأَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ (وَإِنْ عَنِيَ النَّهَارَ خَاصَّةً دِينَ فِي الْقَضَاءِ) لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا) هَاهُنَا ثَلَاثُ عِبَارَاتٍ نَهَارَ أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا وَيَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا، فَالْأُولَى لِبَيَاضِ النَّهَارِ خَاصَّةً.
فَلَوْ كَلَّمَهُ لَيْلًا لَمْ يَحْنَثْ.
وَالثَّانِيَةُ لِسَوَادِهِ خَاصَّةً، فَلَوْ كَلَّمَهُ نَهَارًا لَمْ يَحْنَثْ.
وَمَا جَاءَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَمَا جَاءَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً لَيَالِي لَاقَيْنَا جُذَامًا وَحَمِيرًا مُرَادًا بِهِ الْوَقْتُ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا ذُكِرَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ وَمَا فِي الشِّعْرِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَذِكْرُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ يَقْتَضِي دُخُولَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ وَذَلِكَ أَصْلٌ آخَرُ غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ.
وَالثَّالِثَةُ يُعْتَبَرُ بِمَا قُرِنَ بِهِ، إنْ قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُرَهُ} وَالْكَلَامُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ، وَإِنْ قُرِنَ بِهِ مَا يَمْتَدُّ كَالصَّوْمِ يُرَادُ بَيَاضُ النَّهَارِ، وَالْبَحْثُ فِيهِ وَظِيفَةٌ أُصُولِيَّةٌ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ، فَإِنْ عَنَى فِي قَوْلِهِ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا النَّهَارَ خَاصَّةً صَدَقَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ. (وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً) لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ كَالنَّهَارِ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً، وَمَا جَاءَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ (وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ قَالَ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ فُلَانٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَكَلَّمَهُ قَبْلَ الْقُدُومِ وَالْإِذْنِ حَنِثَ، وَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ وَالْإِذْنِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ غَايَةٌ وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْغَايَةِ وَمُنْتَهِيَةٌ بَعْدَهَا فَلَا يَحْنَثُ بِالْكَلَامِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْيَمِينِ (وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ سَقَطَتْ الْيَمِينُ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ عَنْهُ كَلَامٌ يَنْتَهِي بِالْإِذْنِ وَالْقُدُومِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُتَصَوَّرُ الْوُجُودِ فَسَقَطَتْ الْيَمِينُ.
وَعِنْدَهُ التَّصَوُّرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَعِنْدَ سُقُوطِ الْغَايَةِ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ غَايَةٌ) أَمَّا فِي كَلِمَةِ حَتَّى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي إلَّا أَنْ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مُنَاسَبَةِ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ مَعْنَى الْغَايَةِ وَكَوْنُهُ مَجَازًا لِلْغَايَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ) يَعْنِي الَّذِي أَسْنَدَ إلَيْهِ الْقُدُومَ أَوْ الْإِذْنَ سَقَطَ الْيَمِينُ لِانْتِفَاءِ تَصَوُّرِ الْبَرِّ.
فَإِنْ قِيلَ: إعَادَةُ الْحَيَاةِ مُمْكِنَةٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَبْطُلَ الْيَمِينُ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ عَلَى الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ فِي حَيَاتِهِ الْقَائِمَةِ لَا الْمُعَادَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهِيَ غَيْرُ الْمُعَادَةِ لَا مَحَالَةَ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إذَا قَالَ لَأَقْتُلَن فُلَانًا وَفُلَانٌ مَيِّتٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ بِمَوْتِهِ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى الْحَيَاةِ الْقَائِمَةِ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ امْرَأَةَ فُلَانٍ أَوْ صَدِيقَ فُلَانٍ فَبَاعَ فُلَانٌ عَبْدَهُ أَوْ بَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ أَوْ عَادَى صَدِيقَهُ فَكَلَّمَهُمْ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي مَحَلٍّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ، إمَّا إضَافَةُ مِلْكٍ أَوْ إضَافَةُ نِسْبَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَحْنَثُ، قَالَ هَذَا فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ بِالِاتِّفَاقِ.
وَفِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ كَالْمَرْأَةِ وَالصِّدِّيقِ.
قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةِ لِلتَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّدِيقَ مَقْصُودَانِ بِالْهِجْرَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْإِشَارَةِ.
وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ هِجْرَانَهُ لِأَجْلِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ بِالشَّكِّ (وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ بِأَنْ قَالَ عَبْدُ فُلَانٍ هَذَا أَوْ امْرَأَةُ فُلَانٍ بِعَيْنِهَا أَوْ صَدِيقُ فُلَانٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْعَبْدِ وَحَنِثَ فِي الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ فِي الْعَبْدِ أَيْضًا) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَبَاعَهَا ثُمَّ دَخَلَهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ) وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ وَالْإِشَارَةِ أَبْلَغُ مِنْهَا فِيهِ لِكَوْنِهَا قَاطِعَةً لِلشَّرِكَةِ، بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ فَاعْتُبِرَتْ الْإِشَارَةُ وَلُغِيَتْ الْإِضَافَةُ وَصَارَ كَالصَّدِيقِ وَالْمَرْأَةِ.
وَلَهُمَا أَنَّ الدَّاعِي إلَى الْيَمِينِ مَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَا تُهْجَرُ وَلَا تُعَادَى لِذَوَاتِهَا، وَكَذَا الْعَبْدُ لِسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ بَلْ لِمَعْنًى فِي مُلَّاكِهَا فَتَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِحَالِ قِيَامِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ إضَافَةَ نِسْبَةٍ كَالصَّدِيقِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يُعَادَى لِذَاتِهِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ وَالدَّاعِي الْمَعْنَى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ، بِخِلَافِ، مَا تَقَدَّمَ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ) إذَا وَقَعَتْ الْيَمِينُ عَلَى فِعْلٍ يَتَعَلَّقُ بِمُرَكَّبٍ إضَافِيٍّ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِضَافَةِ إشَارَةٌ أَوْ لَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةَ مِلْكٍ أَوْ إضَافَةَ نِسْبَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَ الْإِضَافَةِ إشَارَةٌ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَدِيقَ فُلَانٍ فَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا فِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّسْبَةِ وَقْتَ الْحَلِفِ، فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ فُلَانٌ عَبْدَهُ فَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ عَادَى صَدِيقَهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ كَذَا قَالَهُ فِي الزِّيَادَاتِ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّدِيقَ قَدْ يُهْجَرَانِ لِذَاتِهِمَا مَقْصُودًا لَا لِأَجْلِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَمَا كَانَ لِلتَّعْرِيفِ لَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِعَيْنِهِ، أَيْ بِعَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
كَمَا فِي الْإِشَارَةِ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ زَوْجَةَ فُلَانٍ هَذِهِ (وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا) يَعْنِي عَدَمَ الْحِنْثِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) فَإِنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الزِّيَادَاتِ وَقَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَمْ يُذْكَرْ لِأَبِي يُوسُفَ قَوْلٌ.
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ هِجْرَانَهُ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ لِأَجْلِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ بِالشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِضَافَةِ إشَارَةٌ بِأَنْ قَالَ عَبْدَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ امْرَأَةُ فُلَانٍ هَذِهِ أَوْ صَدِيقُ فُلَانٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْعَبْدِ، وَحَنِثَ فِي الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ فِي الْعَبْدِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ.
وَتَقْرِيرُهُ: الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ وَمَا هُوَ لِلتَّعْرِيفِ يَلْغُو عِنْدَ وُجُودِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِيهِ، وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ مِنْهَا فِيهِ لِكَوْنِهَا قَاطِعَةً لِلشَّرِكَةِ لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِفُلَانٍ عَبِيدٌ فَاعْتُبِرَتْ الْإِشَارَةُ وَلَغَتْ الْإِضَافَةُ وَصَارَ كَالصَّدِيقِ وَالْمَرْأَةِ.
وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْيَمِينِ مَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَتَقْرِيرُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ بَلْ لِبَيَانِ أَنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْيَمِينِ مَعْنَى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ: أَيْ الدَّارُ وَالدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ لَا تُهْجَرُ وَلَا تُعَادَى لِذَوَاتِهَا، وَكَذَا الْعَبْدُ لِسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ بَلْ لِمَعْنًى فِي مُلَّاكِهَا فَتَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِحَالِ قِيَامِ الْمِلْكِ لِقِيَامِ الْمَعْنَى الدَّاعِي إذْ ذَاكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ إضَافَةَ نِسْبَةٍ كَالصَّدِيقِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يُعَادَى لِذَاتِهِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ، وَالدَّاعِي لِمَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ: أَيْ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِلْهِجْرَانِ لِكَوْنِ الْمُضَافِ أَيْضًا صَالِحًا لِذَلِكَ.
وَإِذَا كَانَ لِلتَّعْرِيفِ لَمْ يَشْتَرِطْ دَوَامَهَا لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، يَعْنِي إضَافَةَ الْمِلْكِ لِتَعْيِينِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِذَلِكَ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الدَّابَّةَ وَالدَّارَ وَالْمَرْأَةَ يَجُوزُ أَنْ تُهْجَرَ لِذَاتِهَا لِشُؤْمِهَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ احْتِمَالٌ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ عُرْفٌ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا قَالَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لَا تَحْتَمِلُ إلَّا التَّعْرِيفَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادَى لِمَعْنًى فِي الطَّيْلَسَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ وَقَدْ صَارَ شَيْخًا حَنِثَ) لِأَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ إذْ الصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَتْ الصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوًا لَحَنِثَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ تَمْرًا.
وَتَقْرِيرُهُ: الصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ إذَا لَمْ تَكُنْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ، وَهَذِهِ كَذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ: يَعْنِي فِي أَوَّلِ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، بِخِلَافِ الرُّطَبِ فَإِنَّ صِفَتَهَا دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ.

.(فَصْلٌ) فيمَنْ حَلَفَ ألَا يُكَلِّمُ حِينًا أَوْ زَمَانًا:

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ حِينًا أَوْ زَمَانًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ) لِأَنَّ الْحِينَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ الْقَلِيلُ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ} وَقَدْ يُرَادُ بِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} وَهَذَا هُوَ الْوَسَطُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْيَسِيرَ لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ لِوُجُودِ الِامْتِنَاعِ فِيهِ عَادَةً، وَالْمُؤَبَّدُ لَا يُقْصَدُ غَالِبًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَدِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ يَتَأَبَّدُ فَيَتَعَيَّنُ مَا ذَكَرْنَا.
وَكَذَا الزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ، يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ حِينٍ وَمُنْذُ زَمَانٍ بِمَعْنَى وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ (وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الدَّهْرُ لَا أَدْرِي مَا هُوَ) وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، أَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ عُرْفًا.
لَهُمَا أَنَّ دَهْرًا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ وَالزَّمَانِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ حِينٍ وَمُنْذُ دَهْرٍ بِمَعْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ تَوَقَّفَ فِي تَقْدِيرِهِ لِأَنَّ اللُّغَاتِ لَا تُدْرَكُ قِيَاسًا وَالْعُرْفُ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِمْرَارُهُ لِاخْتِلَافٍ فِي الِاسْتِعْمَالِ.
الشَّرْحُ:
فَصْلٌ لَمَّا كَانَتْ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ نَوْعِ الْكَلَامِ مُتَعَلِّقَةً بِالْأَزْمَانِ سَمَّاهُ فَصْلًا (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا حِينًا أَوْ زَمَانًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ وَلَا نِيَّةَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْحِينَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ الْقَلِيلُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} وَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} أَيْ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَمِنْ وَقْتِ الطَّلْعِ إلَى وَقْتِ الرُّطَبِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَمِنْ وَقْتِ الرُّطَبِ إلَى وَقْتِ الطَّلْعِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا يَنْقَطِعُ نَفْعُهَا أَلْبَتَّةَ (وَهَذَا هُوَ الْوَسَطُ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ) إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ.
وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ الِانْصِرَافُ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ (لِأَنَّ الْقَصِيرَ لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْيَمِينِ فِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْكَلَامِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ فِيهَا عَادَةً بِلَا يَمِينٍ، وَالْمَدِيدُ لَا يُقْصَدُ غَالِبًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَدِ لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ يَقُولُ أَبَدًا فِي الْعُرْفِ، فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْحِينَ، وَلَوْ سَكَتَ تَأَبَّدَ الْيَمِينُ فَحَيْثُ ذُكِرَ لابد لَهُ مِنْ فَائِدَةٍ سِوَى الْمُسْتَفَادِ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِهِ وَإِلَّا لَا يَكُونُ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ فَتَعَيَّنَ الْأَوْسَطُ.
وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الزَّمَانُ) ظَاهِرٌ (وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) يَعْنِي يَقَعُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ الْمُنَكَّرُ وَالْمُعَرَّفُ سَوَاءٌ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الدَّهْرُ لَا أَدْرِي مَا هُوَ) وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا فَرْقَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ قَوْلِهِ دَهْرًا وَبَيْنَ قَوْلِهِ الدَّهْرِ، وَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ فَالْمُعَرَّفُ يَكُونُ مُتَّفِقًا عَلَيْهِ؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ كَمَا قَالَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ كَمَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ الدَّهْرَ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ عُرْفًا.
وَوَجْهُ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمُنَكَّرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ.
فَإِنْ قِيلَ: ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَأَجْمَعُوا فِيمَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُك دُهُورًا أَوْ أَزْمِنَةً أَوْ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ أَوْ جُمَعًا أَوْ أَيَّامًا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّهَا أَدْنَى الْجَمْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا قَائِلًا فِي دُهُورٍ مُنَكَّرَةٍ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا، فَكُلُّ دَهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا، وَالْحُكْمُ فِي الْجَمْعِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْإِفْرَادِ فَكَيْفَ حَكَمَ فِي الْجَمْعِ وَتَوَقَّفَ فِي الْمُفْرَدِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ تَفْرِيعٌ لِمَسْأَلَةِ الدَّهْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الدَّهْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَقَفَ عَلَى مَعْنَى الدَّهْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ مِنْهُ بِثَلَاثَةٍ كَمَا فِي الْأَزْمِنَةِ وَالشُّهُورِ كَمَا فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ.
وَبَيَانُ اخْتِلَافِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ أَنَّ مُعَرَّفَهُ يَقَعُ الْأَبَدُ بِخِلَافِ الْحِينِ وَالزَّمَانِ، وَيُقَالُ دَهْرِيٌّ لِمَنْ قَالَ الدَّهْرُ وَأَنْكَرَ الصَّانِعَ.
وَحَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ {وَمَا يُهْلِكُنَا إلَّا الدَّهْرُ} قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَسُبُّوا بِالدَّهْرِ فَإِنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَّهُ» فَهَذَا اسْمٌ لَمْ يُوقَفْ عَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ وَالتَّوَقُّفُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ كَمَالِ الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ ذُكِرَ مُنَكَّرًا فَيُتَنَاوَلُ أَقَلَّ الْجَمْعِ وَهُوَ الثَّلَاثُ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: عَلَى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الشُّهُورَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَهُ.
وَعِنْدَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لِأَنَّ اللَّامَ لِلْمَعْهُودِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَيْهَا.
وَلَهُ أَنَّهُ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى أَقْصَى مَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَذَلِكَ عَشَرَةٌ (وَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ فِي الْجُمَعِ وَالسِّنِينَ) وَعِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْعُمُرِ لِأَنَّهُ لَا مَعْهُودَ دُونَهُ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمُعَرَّفِ.
قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ أَصَحُّ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَيَّامَ بِالتَّنْكِيرِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْجِنْسِ وَالْعَهْدِ فَيَقَعُ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: عَلَى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ حَرْفَ التَّعْرِيفِ إذَا دَخَلَ عَلَى اسْمِ الْجَمْعِ يَنْصَرِفُ إلَى أَقْصَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْعَشَرَةُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ فِي الْعُرْفِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُونَ: أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَمِائَةَ يَوْمٍ وَأَلْفَ يَوْمٍ، فَلَمَّا كَانَتْ الْعَشَرَةُ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ لَفْظُ الْجَمْعِ كَانَتْ هِيَ الْمُرَادَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ حَيْثُ يَقَعُ الْيَمِينُ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِتَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ النِّسَاءِ، وَعِنْدَهُمَا يُنْظَرُ إنْ كَانَ ثَمَّةَ مَعْهُودٌ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَإِلَّا يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ الْعُمُرِ، وَفِي الْأَيَّامِ الْمَعْهُودِ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَيَّامُ الْأُسْبُوعِ فَكَانَتْ مُرَادَةً، وَفِي الشُّهُورِ الْمَعْهُودُ شُهُورُ السَّنَةِ فَكَانَتْ مُرَادَةً وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، وَلَا مَعْهُودَ فِي الْجَمْعِ وَالسِّنِينَ فَيَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إلَى جَمِيعِ الْعُمُرِ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَيْهَا) قِيلَ أَيْ لِأَنَّ الشُّهُورَ تَدُورُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهَا تَدُورُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَوَّلَ بِالْمَذْكُورِ فِي الْأَوَّلِ وَبِالْإِفْرَادِ فِي الثَّانِي. (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ خَدَمْتنِي أَيَّامًا كَثِيرَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَالْأَيَّامُ الْكَثِيرَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْأَيَّامِ، وَقَالَا: سَبْعَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا تَكْرَارٌ.
وَقِيلَ لَوْ كَانَ الْيَمِينُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ فِيهَا بِلَفْظِ الْفَرْدِ دُونَ الْجَمْعِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْفَارِسِيَّةِ) يَعْنِي مِثْلَ أَنْ يَقُول اكر خدمت كنى مراروزهاي بِسَيَّارِ توازاذي غَرْمُ خُدِمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَ لِأَنَّ فِي لِسَانِنَا يُسْتَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْأَعْدَادِ لَفْظَةَ روز فَلَا يَجِيءُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ مِنْ انْتِهَاءِ لَفْظِ الْجَمْعِ إلَى عَشَرَةٍ؛ فَلِذَلِكَ أُرِيدَ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَكْثَرُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْأَيَّامِ، لِأَنَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ أَيَّامٌ بَلْ يُقَالُ إحْدَى عَشَرَ يَوْمًا وَمِائَةَ يَوْمٍ وَأَلْفَ يَوْمٍ.
وَقِيلَ فِي تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَرْدِ بِالْفَارِسِيَّةِ إمَّا أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِ أَوْ لَا، فَإِنْ فُهِمَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَرَبِيُّ وَالْفَارِسِيُّ سَوَاءً وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْأُسْبُوعُ مُرَادًا أَيْضًا.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِ.
وَقَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَرَبِيُّ وَالْفَارِسِيُّ سَوَاءً، قُلْنَا: مَمْنُوعٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَارِسِيِّ وَإِنْ أَفَادَ مَعْنَى الْجَمْعِ لَكِنْ لَا يَنْتَهِي إلَى الْعَشَرَةِ وَتَخْصِيصُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ لِكَوْنِهِ الْمَعْهُودَ أَوْ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ.

.(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ):

(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ) لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ فَيَكُونُ وَلَدًا حَقِيقَةً وَيُسَمَّى بِهِ فِي الْعُرْفِ، وَيُعْتَبَرُ وَلَدًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ، وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ وَهُوَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ.
الشَّرْحُ:
بَابُ: الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ.
قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهِمَا أَكْثَرُ وُقُوعًا فَكَانَ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهِ أَهَمَّ مِنْ غَيْرِهِ (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَمَتِهِ وَعَلَّقَ بِهِ الْحُرِّيَّةَ عَتَقَتْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا وَحُكْمًا؛ أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ عُرْفًا لِأَنَّهُ يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ وَلَدًا، وَأَمَّا شَرْعًا فَلِأَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَهُ وَلَدًا حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الشَّرْطُ ثَبَتَ الْحُكْمُ (وَلَوْ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْحُرِّيَّةِ وَهِيَ الْجَزَاءُ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْوَلَدِ مُقَيَّدٌ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ لِأَنَّهُ قَصَدَ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ جَزَاءً وَهِيَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ تَظْهَرُ فِي دَفْعِ تَسَلُّطِ الْغَيْرِ وَلَا تَثْبُتُ فِي الْمَيِّتِ فَيَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا، بِخِلَافِ جَزَاءِ الطَّلَاقِ وَحُرِّيَّةِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا.
الشَّرْحُ:
(وَلَوْ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ إلَخْ لَكِنْ الْمَيِّتُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْحُرِّيَّةِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ لَكِنْ لَا إلَى جَزَاءٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَمَا أَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ.
وَقَوْلُهُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْوَلَدِ مُقَيَّدٌ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فِي اللَّفْظِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ لَهُ جَزَاءً وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا وَلَمْ يُوجَدْ، بِخِلَافِ جَزَاءِ الطَّلَاقِ وَحُرِّيَّةِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ أَيْ الْجَزَاءُ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا لِاسْتِغْنَائِهِمَا عَنْ حَيَاةِ الْوَلَدِ فَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ إلَّا وِلَادَةَ الْوَلَدِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَاسْتُشْكِلَ بِمَا لَوْ قَالَ إذَا اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا لِغَيْرِهِ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بَعْدَ ذَلِكَ عَبْدًا لِنَفْسِهِ لَمْ يُعْتَقْ مَعَ أَنَّهُ جَعَلَ شِرَاءَ الْعَبْدِ شَرْطًا لِحُرِّيَّتِهِ وَعَبْدُ الْغَيْرِ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْحُرِّيَّةِ عَنْ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ مِلْكِهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِضْمَارَ إنَّمَا يَكُونُ لِتَصْحِيحِ الْكَلَامِ، وَالْحَاجَةُ إلَى إضْمَارِ الْمِلْكِ لِتَصْحِيحِهِ لَيْسَتْ كَالْحَاجَةِ إلَى إضْمَارِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ بِدُونِ الْحَيَاةِ لَا تُتَصَوَّرُ أَصْلًا، وَفِي مِلْكِ الْغَيْرِ تُتَصَوَّرُ مَوْقُوفَةً عَلَى الْإِجَازَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ إضْمَارِ الْحَيَاةِ إضْمَارُ الْمِلْكِ (وَإِذَا قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا عَتَقَ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ (فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ آخَرَ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) لِانْعِدَامِ التَّفَرُّدِ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَالسَّبَقِ فِي الثَّالِثِ فَانْعَدَمَتْ الْأَوَّلِيَّةُ (وَإِنْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ الثَّالِثُ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّفَرُّدُ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ وَحْدَهُ لِلْحَالِ لُغَةً وَالثَّالِثُ سَابِقٌ فِي هَذَا الْوَصْفِ (وَإِنْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ الْآخَرَ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَلَا سَابِقَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لَاحِقًا (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ فَرْدٌ لَاحِقٌ فَاتَّصَفَ بِالْآخِرِيَّةِ (وَيُعْتَقُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى يَعْتَبِرَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَقَالَا: يُعْتَقُ يَوْمَ مَاتَ) حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ فَأَمَّا اتِّصَافُهُ بِالْآخِرِيَّةِ فَمِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَثْبُتُ مُسْتَنِدًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَعْلِيقُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ بِهِ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي جَرَيَانِ الْإِرْثِ وَعَدَمِهِ.
الشَّرْحُ:
(وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ) عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَحْدَهُ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.
وَاسْتُشْكِلَ بِمَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَاحِدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ اشْتَرَى آخَرَ لَا يُعْتَقُ الثَّالِثُ مَعَ أَنَّ مَعْنَى التَّفَرُّدِ فِيهِمَا عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ وَاحِدًا يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُشَارَكَةِ فِي الذَّاتِ، وَوَحْدُهُ يَقْتَضِيهِ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ دُونَ الذَّاتِ وَلِهَذَا صَدَقَ الرَّجُلُ فِي قَوْلِهِ فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِيهَا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ وَكَذَبَ فِي ذَلِكَ إذَا قَالَ وَحْدَهُ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا: إذَا قَالَ وَاحِدًا أَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ مُطْلَقٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدًا لَمْ يُفِدْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مَا أَفَادَهُ لَفْظُ أَوَّلُ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ، وَإِذَا قَالَ وَحْدَهُ فَقَدْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي التَّمَلُّكِ وَالثَّالِثُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُعْتَقُ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ) وَاضِحٌ.
قَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) يَعْنِي إذَا كَانَ اشْتَرَاهُ فِي الصِّحَّةِ وَقَوْلُهُ (حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ) يَعْنِي عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ آخِرِيَّةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى وَهِيَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ وَعَدَمُ شِرَاءِ غَيْرِهِ يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ.
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى الثَّانِيَ بَعْدَ الْأَوَّلِ تَثْبُتُ صِفَةُ الْآخِرِيَّةِ فِيهِ، لَكِنْ كَانَتْ بِعَرَضِيَّةِ أَنْ يَزُولَ بِشِرَاءِ غَيْرِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ؛ فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَشْتَرِ غَيْرَهُ عَرَفْنَا تَقَرُّرَ صِفَةِ الْآخِرِيَّةِ عَلَيْهِ فَيُعْتَقُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا حِضْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا تُعْتَقُ لِجَوَازِ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ فِيمَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَتَقَتْ مِنْ حِينِ رَأَتْ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا رَأَتْهُ كَانَ حَيْضًا حِينَ رَأَتْ الدَّمَ، إلَى هَذَا أَشَارَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ؛ وَفِيهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ بَابِ الِاسْتِنَادِ وَمَا مَثَّلَ بِهِ مِنْ بَابِ التَّبْيِينِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْغَرَضُ مِنْ التَّمْثِيلِ بَيَانُ عَدَمِ الِاقْتِصَارِ وَالِاسْتِنَادُ وَالتَّبْيِينُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَعْلِيقُ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ بِهِ) أَيْ بِوَصْفِ الْآخِرِيَّةِ كَمَا إذَا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ امْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ عِنْدَهُمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَقْصُورًا عَلَى الْمَوْتِ حَتَّى تَسْتَحِقَّ الْمِيرَاثَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَلَا تَسْتَحِقُّهُ، وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالثَّلَاثِ جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيَانَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَإِنَّ بِهِ يَكُونُ الزَّوْجُ فَارًّا وَتَرِثُ الْمَرْأَةُ عِنْدَهُمَا. (وَمَنْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِوِلَادَةِ فُلَانَةَ فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقِينَ عَتَقَ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ سَارًّا بِالْعُرْفِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْأَوَّلِ (وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا) لِأَنَّهَا تَحَقَّقَتْ مِنْ الْكُلِّ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَمَنْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِوِلَادَةِ فُلَانَةَ) الْبِشَارَةُ اسْمٌ لِخَبَرٍ غَابَ عَنْ الْمُخْبَرِ عِلْمُهُ وَقَدْ يَكُونُ بِالْخَيْرِ وَقَدْ يَكُونُ بِالشَّرِّ إلَّا أَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَسُرُّ وَيَنْفِي الْحُزْنَ وَيَتَحَقَّقُ مِنْ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ؛ فَإِذَا قَالَ كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِوِلَادَةِ فُلَانَةَ (فَبَشَّرَهُ ثَلَاثَةٌ) فَإِنْ أَخْبَرُوهُ مَعًا عَتَقُوا لِأَنَّ الْبِشَارَةَ حَصَلَتْ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} وَإِنْ أَخْبَرُوا مُتَفَرِّقِينَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ عَتَقَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ حَصَلَتْ مِنْهُ، وَيُعَضِّدُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، فَابْتَدَرَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِلْبِشَارَةِ، فَسَبَقَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ بِهَا، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا ذَكَرَ ذَلِكَ يَقُولُ بَشَّرَنِي أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ» وَإِنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ: أَيْ شَرْطَ الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْفِيرِ قِرَانُ نِيَّةِ التَّكْفِيرِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَهِيَ الْيَمِينُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنَّمَا وُجِدَ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَهُوَ شَرْطُ الْعِتْقِ لَا عِلَّتُهُ فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلْيَمِينِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ يَنْوِي بِهِ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ.
وَوَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ النِّيَّةَ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْعِلَّةِ وَالشِّرَاءُ شَرْطُ الْعِتْقِ لَا عِلَّتُهُ، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ هِيَ الْقَرَابَةُ فَلَا تُفِيدُ النِّيَّةُ عِنْدَ الشِّرَاءِ (وَلَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَهِيَ الْيَمِينُ، فَأَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ يَنْوِي عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ.
لَهُمَا أَنَّ الشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ، فَأَمَّا الْعِلَّةُ فَهِيَ الْقَرَابَةُ وَهَذَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ إزَالَتُهُ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ.
وَلَنَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيهِ فَيُعْتِقَهُ» جَعَلَ نَفْسَ الشِّرَاءِ إعْتَاقًا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهُ وَصَارَ نَظِيرُ قَوْلِهِ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ.
الشَّرْحُ:
(وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الشِّرَاءِ شَرْطًا لَا عِلَّةً لِأَنَّ الشِّرَاءَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْإِعْتَاقُ لَيْسَ إثْبَاتًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَتُهُ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ فَلَا يَكُونُ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا.
وَلَنَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ جَعَلَ نَفْسَ الشِّرَاءِ إعْتَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ غَيْرَهُ.
وَقَوْلُهُ (وَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ عَطَفَ الْإِعْتَاقَ عَلَى الشِّرَاءِ بِالْفَاءِ وَهُوَ يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ بِزَمَانٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَإِنْ لَطَفَ فَلَا يَكُونُ نَفْسَهُ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفِعْلَ إذَا عُطِفَ عَلَى فِعْلٍ آخَرَ بِالْفَاءِ كَانَ الثَّانِي ثَابِتًا بِالْأَوَّلِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ يُقَالُ: ضَرَبَهُ فَأَوْجَعَهُ وَأَطْعَمَهُ فَأَشْبَعَهُ وَسَقَاهُ فَأَرْوَاهُ: أَيْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ لَا بِغَيْرِهِ.
وَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ هَلْ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي الْقَرِيبِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ أَثْبَتَهُ لَا يُزِيلُهُ لِأَنَّ الْمُثْبَتَ بِعَيْنِهِ لَا يَكُونُ مُزِيلًا، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ.
لَا يُقَالُ: شِرَاءُ الْقَرِيبِ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لَكِنْ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي تَقْرِيبِ إعْتَاقٍ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ الْمِلْكِ وَكَوْنُ ثُبُوتِ الشَّيْءِ إزَالَةً لَهُ مُحَالٌ بِالْبَدِيهَةِ.
وَلَا يُقَالُ: شِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ بِوَاسِطَةِ مُوجِبِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ اسْتِحَالَةً لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُثْبِتُ الشَّيْءِ وَنَفْسُ ثُبُوتِهِ إزَالَةً لَهُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُمْ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَ الْقَرِيبَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْمِلْكِ بَقَاءً كَمَا أَنَّهُ أَخْرَجَ الْحُرَّ عَنْ مَحَلِّيَّتِهِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، فَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً لَمْ يُتَصَوَّرْ زَوَالُهُ، وَمَنْ قَالَ لِأَمَةٍ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي فَإِنَّهَا تُعْتَقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَا يَجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالِاسْتِيلَادِ فَلَا تُضَافُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْوَاجِبُ بِالْيَمِينِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ بِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقَرِيبُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِتْقِ بِالْقَرَابَةِ كَمَا أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مُسْتَحِقَّةٌ لَهُ بِالِاسْتِيلَادِ فَمَا بَالُهَا لَمْ تُعْتَقْ إذَا اشْتَرَاهَا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ كَمَا عَتَقَ الْقَرِيبُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَوْلِدِ فَكَانَتْ الْحُرِّيَّةُ مِنْ جِهَتَيْنِ: جِهَةِ الِاسْتِيلَادِ وَالشِّرَاءِ فَلَمْ يَقَعْ عَنْ الْكَفَّارَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَةِ الْقَرِيبِ جِهَةٌ فِي حُرِّيَّتِهِ سِوَى الشِّرَاءِ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ نَاوِيًا لِلْكَفَّارَةِ كَانَتْ الْحُرِّيَّةُ عَنْ الْكَفَّارَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. (وَلَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ لَمْ يُجِزْهُ) وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ لِأَمَةٍ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ: إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنَّهَا تُعْتَقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يَجْزِيه عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالِاسْتِيلَادِ فَلَا تَنْضَافُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِقِنَّةٍ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي حَيْثُ يَجْزِيه عَنْهَا إذَا اشْتَرَاهَا لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَلَمْ تَخْتَلَّ الْإِضَافَةُ إلَى الْيَمِينِ وَقَدْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا) (قَالَ لِقِنَّةٍ) ظَاهِرٌ. (وَمَنْ) (قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ) فَتَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ عَتَقَتْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّهَا لِمُصَادَفَتِهَا الْمِلْكَ وَهَذَا لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مُنَكَّرَةٌ فِي هَذَا الشَّرْطِ فَتَتَنَاوَلُ كُلَّ جَارِيَةٍ عَلَى الِانْفِرَادِ (وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَمْ تُعْتَقْ) خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: التَّسَرِّي لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرَ الْمِلْكِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِيرُ التَّزَوُّجُ مَذْكُورًا.
وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ يَصِيرُ مَذْكُورًا ضَرُورَةٌ صِحَّةُ التَّسَرِّي وَهُوَ شَرْطٌ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّرْطِ دُونَ الْجَزَاءِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا فَهَذِهِ وِزَانُ مَسْأَلَتِنَا.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَمَنْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ) مَعْنَى تَسَرَّيْت اتَّخَذَتْ سُرِّيَّةً، وَهِيَ فِعْلِيَّةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى السِّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الْإِخْفَاءُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُسِرُّهُ، وَإِنَّمَا ضُمَّتْ سِينُهُ لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ قَدْ تَتَغَيَّرُ فِي النِّسْبَةِ كَمَا قَالُوا فِي النِّسْبَةِ إلَى الدَّهْرِ دُهْرِيٌّ بِضَمِّ الدَّالِ لِلْمُعَمَّرِ.
وَالتَّسَرِّي عِبَارَةٌ عَنْ التَّحْصِينِ وَالْجِمَاعِ طَلَبَ الْوَلَدَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لابد مِنْ طَلَبِ الْوَلَدِ مَعَ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا وَعَزَلَ عَنْهَا لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا عِنْدَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَسْتَلْزِمْ مِلْكَ الرَّقَبَةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ (فَتَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ عَتَقَتْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّهَا لِمُصَادَفَتِهَا الْمِلْكَ) وَكُلُّ مَا انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ الْيَمِينُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِيهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ.
وَقَوْلُهُ (وَهَذَا لِأَنَّ الْجَارِيَةَ) تَوْضِيحٌ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فِي حَقِّهَا (وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَمْ تُعْتَقْ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: التَّسَرِّي لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ، فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرَ الْمِلْكِ، وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِيرُ التَّزَوُّجُ مَذْكُورًا) فَإِنْ قِيلَ: هَذَا قَوْلٌ بِالِاقْتِضَاءِ وَزُفَرُ لَا يَقُولُ بِالِاقْتِضَاءِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ هَاهُنَا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ لَا بِالِاقْتِضَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّابِتَ دَلَالَةً مَا يَكُونُ مَفْهُومًا مِنْ اللَّفْظِ بِلَا تَأَمُّلٍ وَاجْتِهَادٍ كَمَا كَانَ النَّهْيُ عَنْ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْمُؤْذِيَةِ مَفْهُومًا مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّأْفِيفِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُقْتَضِي لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَا يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ الْمُقْتَضَى، ثُمَّ إذَا قِيلَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَ فُلَانٍ سُرِّيَّةٌ يُرَادُ بِهَا جَارِيَةٌ مَمْلُوكَةٌ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ، فَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ مَفْهُومًا مِنْ التَّسَرِّي بِلَا تَأَمُّلٍ وَاجْتِهَادٍ كَانَ الْمِلْكُ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَبَقِيَّةُ الشَّارِحِينَ.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالدَّلَالَةِ هُوَ مَا يَكُونُ بِطَرِيقِ إلْحَاقِ صُورَةٍ بِأُخْرَى بِأَمْرٍ جَامِعٍ كَالضَّرْبِ الْمُلْحَقِ بِالتَّأْفِيفِ بِوَاسِطَةِ الْأَذَى؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّ الدَّلَالَةَ قِيَاسٌ لِوُجُودِ أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَعِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَهُمَا، وَالْمِلْكُ مِنْ التَّسَرِّي لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَأَقُولُ: هَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ بِمَعْنَى إنْ وَطِئْت مَمْلُوكَةً لِي فَكَانَتْ الدَّلَالَةُ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ مَجَازًا.
أَوْ نَقُولُ هَذَا الْحُكْمُ إذَا ثَبَتَ عَنْ زُفَرَ وَلَمْ يَقُلْ بِالِاقْتِضَاءِ كَانَ مُنَاقِضًا فَكُفِينَا مَئُونَةَ الْجِدَالِ مَعَهُ (وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ يَصِيرُ مَذْكُورًا ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّسَرِّي) وَتَقْرِيرُهُ: سَلَّمْنَا أَنَّ ذِكْرَهُ ذِكْرُ الْمِلْكِ، وَلَكِنْ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّسَرِّي لِكَوْنِهِ شَرْطًا، وَمَا يَثْبُتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ لَوَازِمِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ اقْتِضَاءً وَقَوْلُهُ (وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ.
وَتَقْرِيرُهُ مَا ذَكَرْت مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَالْأَمْرُ فِيهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهَا مِلْكُ النِّكَاحِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى صِحَّةِ الْجَزَاءِ (حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا فَهَذِهِ وِزَانُ مَسْأَلَتِنَا) مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ثَبَتَ شَرْطُ الشَّرْطِ لِصِحَّةِ الشَّرْطِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى صِحَّةِ الْجَزَاءِ، وَأَمَّا وِزَانُ مَسْأَلَةِ زُفَرَ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّى بِهَا عَتَقَ الْعَبْدُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ فِي الْعَبْدِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِشَرْطٍ سَيُوجَدُ (وَمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ تُعْتَقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ وَعَبِيدُهُ) لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي هَؤُلَاءِ، إذْ الْمِلْكُ ثَابِتٌ فِيهِمْ رَقَبَةً وَيَدًا (وَلَا يُعْتَقُ مُكَاتَبُوهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ) لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ ثَابِتٍ يَدًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ فَاخْتَلَّتْ الْإِضَافَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ.
الشَّرْحُ:
(وَمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ وَعَبِيدُهُ لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي هَؤُلَاءِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ لِي كَامِلٌ (إذْ الْمِلْكُ ثَابِتٌ فِيهِمْ رَقَبَةً وَيَدًا) وَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ كَذَلِكَ دَخَلُوا تَحْتَ كَلِمَةِ كُلِّ فَيُعْتَقُونَ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الرِّجَالَ خَاصَّةً صَدَقَ دِيَانَةً خَاصَّةً، أَمَّا تَصْدِيقُهُ دِيَانَةً فَلِأَنَّ لَفْظَ الْمَمْلُوكِ وُضِعَ لِلْمُذَكَّرِ، وَأَمَّا عَدَمُ تَصْدِيقِهِ قَضَاءً فَلِأَنَّهُمْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يُسْتَعْمَلُ فِيهِمْ لَفْظُ الْمُذَكَّرِ عُرْفًا، وَلَوْ نَوَى الْإِنَاثَ لَغَتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الْمُدَبَّرِينَ لَمْ يَصْدُقْ فِي الْقَضَاءِ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْعَتَاقِ وَلَمْ يَصْدُقْ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ (وَلَا يُعْتَقُ مُكَاتَبُوهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ ثَابِتٍ يَدًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ) الْأَمَةِ (الْمُكَاتَبَةِ) فَكَانَ الْمُكَاتَبُ مَمْلُوكًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ (بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ فَاخْتَلَّتْ الْإِضَافَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ) (وَمَنْ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِإِثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ أَدْخَلَهَا بَيْنَ الْأَوَّلِيَّيْنِ ثُمَّ عَطَفَ الثَّالِثَةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ (وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا وَهَذَا عَتَقَ الْأَخِيرُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلَيْنِ) لِمَا بَيَّنَّا.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّهِ) أَيْ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ لِأَنَّ الْكَلَامَ سِيقَ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعَطْفَ كَمَا يَصِحُّ عَلَى مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ يَصِحُّ أَيْضًا عَلَى مَنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْحُكْمِ فَيُعْطَفُ عَلَى مَنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَإِنَّهُ إنْ كَلَّمَ الْأَوَّلَ حَنِثَ، وَإِنْ كَلَّمَ أَحَدَ الْآخَرِينَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُمَا، وَيَكُونُ الثَّالِثُ مَعْطُوفًا عَلَى الثَّانِي الَّذِي لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ مُنْفَرِدًا وَهَذَا لِأَنَّ الْجَمْعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَاتَانِ فَحِينَئِذٍ كَانَ هُوَ مُخَيَّرًا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، إنْ شَاءَ أَوْقَعَ عَلَى الْأُولَى، وَإِنْ شَاءَ أَوْقَعَ عَلَى الْأُخْرَيَيْنِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْته هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَأَمَّا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ فَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا وَفُلَانًا فِي أَنَّ الثَّالِثَ مَعْطُوفٌ عَلَى الثَّانِي الَّذِي لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ هُوَ أَنَّ كَلِمَةَ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَتَنَاوَلُ أَحَدَهُمَا نَكِرَةً، إلَّا أَنَّ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ الْإِثْبَاتِ، وَالنَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ فَتَتَنَاوَلُ أَحَدَهُمَا، فَإِذَا عَطَفَ الثَّالِثَ عَلَى أَحَدِهِمَا صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا كَانَ الْحُكْمُ مَا قُلْنَا، أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ فَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ النَّفْيِ وَهِيَ فِيهِ تَعُمُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا، فَلَمَّا ذَكَرَ الثَّالِثَ بِحَرْفِ الْوَاوِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَوْ هَذَيْنِ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا كَانَ الْحُكْمُ هَكَذَا فَكَذَا هَاهُنَا.