فصل: (فَصْلٌ): الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العناية شرح الهداية



.(فَصْلٌ): الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ:

قَالَ (وَإِذَا بَاعَ دَارًا إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ مِنْهَا فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) لِانْقِطَاعِ الْجِوَارِ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا، قَالَ (وَإِذَا ابْتَاعَ مِنْهَا سَهْمًا بِثَمَنٍ ثُمَّ ابْتَاعَ بَقِيَّتَهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي) لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٍ فِيهِمَا، إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الثَّانِي شَرِيكٌ فَيَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ ابْتَاعَ السَّهْمَ بِالثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا مَثَلًا وَالْبَاقِي بِالْبَاقِي، وَإِنْ ابْتَاعَهَا بِثَمَنٍ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا عِوَضًا عَنْهُ فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ دُونَ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ آخَرُ، وَالثَّمَنُ هُوَ الْعِوَضُ عَنْ الدَّارِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَهَذِهِ حِيلَةٌ أُخْرَى تَعُمُّ الْجِوَارَ وَالشَّرِكَةَ فَيُبَاعَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَيُعْطَى بِهَا ثَوْبٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّتْ الْمَشْفُوعَةُ يَبْقَى كُلُّ الثَّمَنِ عَلَى مُشْتَرِي الثَّوْبِ لِقِيَامِ الْبَيْعِ الثَّانِي فَيَتَضَرَّرَ بِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُبَاعَ بِالدَّرَاهِمِ الثَّمَنُ دِينَارٌ حَتَّى إذَا اسْتَحَقَّ الْمَشْفُوعُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ فَيَجِبَ رَدُّ الدِّينَارُ لَا غَيْرُ.
الشَّرْحُ:
فَصْلٌ:
لَمَّا كَانَتْ الشُّفْعَةُ تَسْقُطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَلِمَ تِلْكَ الْأَحْوَالَ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْجَارُ فَاسِقًا يَتَأَذَّى بِهِ، وَفِي اسْتِعْمَالِ الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ تَحْصِيلُ الْخَلَاصِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْجَارِ فَاحْتِيجَ إلَى بَيَانِهِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِانْقِطَاعِ الْجِوَارِ.
وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الثَّانِي شَرِيكٌ) لِأَنَّهُ حِينَ اشْتَرَى الْبَاقِيَ كَانَ شَرِيكًا بِشِرَاءِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ، وَاسْتِحْقَاقُ الشَّفِيعِ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ لَا يُبْطِلُ شُفْعَةَ الْمُشْتَرِي فِي الْجُزْءِ الثَّانِي قَبْلَ الْخُصُومَةِ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى الْجَارِ.
وَقَوْلُهُ (فَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ) هَذِهِ حِيلَةٌ تَرْجِعُ إلَى تَقْلِيلِ رَغْبَةِ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ، وَالْأُولَى تَرْجِعُ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الشُّفْعَةِ.
وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا اُسْتُحِقَّتْ الْمَشْفُوعَةُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَهَذِهِ أُخْرَى: يَعْنِي أَنَّهَا حِيلَةٌ عَامَّةٌ، إلَّا أَنَّ فِيهَا وَهْمَ وُقُوعِ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى تَقْدِيرِ ظُهُورِ مُسْتَحِقٍّ يَسْتَحِقُّ الدَّارَ لِأَنَّهُ يَبْقَى كُلُّ الثَّمَنِ عَلَى مُشْتَرِي الثَّوْبِ وَهُوَ بَائِعُ الدَّارِ يَتَضَرَّرُ بِهِ: أَيْ بِرُجُوعِ مُشْتَرِي الدَّارِ عَلَيْهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ أَضْعَافُ قِيمَةِ الدَّارِ.
وَقَوْلُهُ (وَالْأَوْجَهُ إلَخْ) تَقْرِيرُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الدَّارَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ يَبِيعُهَا بِعِشْرِينَ أَلْفًا فَلَا يَرْغَبُ فِي الشُّفْعَةِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِعِشْرِينَ أَلْفًا وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا أَعْطَاهُ، لِأَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَمَنُ الدَّارِ فَيَبْطُلُ الصَّرْفُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الدِّينَارَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ. قَالَ (وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَلَوْ أَبَحْنَا الْحِيلَةَ مَا دَفَعْنَاهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَنَعَ عَنْ إثْبَاتِ الْحَقِّ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ) اعْلَمْ أَنَّ الْحِيلَةَ فِي هَذَا الْبَابِ إمَّا أَنْ تَكُونَ لِلرَّفْعِ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَوْ لِدَفْعِهِ، فَالْأَوَّلُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ أَنَا أُوَلِّيهَا لَك فَلَا حَاجَةَ لَك فِي الْأَخْذِ فَيَقُولُ نَعَمْ تَسْقُطُ بِهِ الشُّفْعَةُ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَالثَّانِي مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: غَيْرُ مَكْرُوهٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَهَذَا الْقَائِلُ قَاسَ فَصْلَ الشُّفْعَةِ عَلَى فَصْلِ الزَّكَاةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فَصْلِ الزَّكَاةِ.

.(مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ):

قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى خَمْسَةُ نَفَرٍ دَارًا مِنْ رَجُلٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنْ خَمْسَةٍ أَخَذَهَا كُلَّهَا أَوْ تَرَكَهَا) وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَخْذِ الْبَعْضِ تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَتَضَرَّرَ بِهِ زِيَادَةَ الضَّرَرِ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَقُومُ الشَّفِيعُ مَقَامَ أَحَدِهِمْ فَلَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ، إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إذَا نَقَدَ مَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْقُدْ الْآخَرُ حِصَّتَهُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ سَقَطَتْ يَدُ الْبَائِعِ، وَسَوَاءً سَمَّى لِكُلِّ بَعْضٍ ثَمَنًا أَوْ كَانَ الثَّمَنُ جُمْلَةً، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لَا لِلثَّمَنِ، وَهَاهُنَا تَفْرِيعَاتٌ ذَكَرْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى.
الشَّرْحُ:
مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ ذَكَرَ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً فِي آخِرِ الْكِتَابِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ مَسَائِلِ الشُّفْعَةِ إلَّا هَذِهِ، وَأَلْفَاظُهُ ظَاهِرَةٌ سِوَى مَا نُنَبِّهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ) أَيْ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَزِيَادَةُ الضَّرَرِ هِيَ زِيَادَةُ ضَرَرِ التَّشْقِيصِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْمِلْكِ مِنْهُ ضَرَرٌ وَضَرَرُ التَّشْقِيصِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَالشُّفْعَةُ شُرِعَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ فَلَا تُشْرَعُ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ الدَّخِيلُ ضَرَرًا زَائِدًا، وَقَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا) أَيْ فِي جَوَازِ أَخْذِ الشَّفِيعِ نَصِيبَ أَحَدِ الْمُشْتَرَيَيْنِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ وَبَعْدَهُ.
وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَاهُ الْقُدُورِيُّ.
قَالَ: رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ اثْنَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، لِأَنَّ التَّمَلُّكَ يَقَعُ عَلَى الْبَائِعِ فَتَتَفَرَّقُ عَلَيْهِ الصَّفْقَةُ.
وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ حِينَئِذٍ يَقَعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مِلْكِهِ.
وَقَوْلُهُ (بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الْمُشْتَرِيَيْنِ إذَا نَقَدَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ حَتَّى يُؤَدِّيَ كُلُّهُمْ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الثَّمَنِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الْيَدِ عَلَى الْبَائِعِ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لَا لِلثَّمَنِ) حَتَّى لَوْ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا وَالْبَائِعُ اثْنَيْنِ وَاشْتَرَى نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَفْقَةٍ عَلَى حِدَةٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَحِقَ الْمُشْتَرِيَ ضَرَرُ عَيْبِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهَذَا الْعَيْبِ حَيْثُ اشْتَرَى كَذَلِكَ، وَأَمَّا بَيَانُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَاتِّحَادُهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ فَقَاسَمَهُ الْبَائِعُ أَخَذَ الشَّفِيعُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ يَدَعُ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ وَلِهَذَا يَتِمُّ الْقَبْضُ بِالْقِسْمَةِ فِي الْهِبَةِ، وَالشَّفِيعُ لَا يَنْقُضُ الْقَبْضَ وَإِنْ كَانَ لَهُ نَفْعٌ فِيهِ بِعَوْدِ الْعُهْدَةِ عَلَى الْبَائِعِ، فَكَذَا لَا يُنْقَضُ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرِكَةِ وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِيَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ حَيْثُ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ، لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَقَعَ مَعَ الَّذِي قَاسَمَ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَنْقُضَهُ الشَّفِيعُ كَمَا يَنْقُضُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ، ثُمَّ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ بِالْقِسْمَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ إذَا وَقَعَ فِي جَانِبِ الدَّارِ الَّتِي يُشْفَعُ بِهَا لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى جَارًا فِيمَا يَقَعُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ.
الشَّرْحُ:
(وَمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ فَقَاسَمَهُ الْبَائِعُ أَخَذَ الشَّفِيعُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ تَرَكَ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ إلَى الْبَائِعِ حَتَّى آخُذَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِحُكْمٍ أَوْ بِغَيْرِهِ (لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ وَلِهَذَا يَتِمُّ الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ بِالْقِسْمَةِ، وَالشَّفِيعُ لَا يَنْقُضُ الْقَبْضَ) لِيُعِيدَ الدَّارَ إلَى الْبَائِعِ (وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ نَفْعٌ بِعَوْدِ الْعُهْدَةِ إلَى الْبَائِعِ فَكَذَا لَا يُنْقَضُ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ نَصِيبَهُ) فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ نَقْضَهُ (لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَقَعَ مَعَ الَّذِي قَاسَمَ) فَإِنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (وَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ، بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ) فَكَانَ مُبَادَلَةً، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَ الْمُبَادَلَةَ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ كَالْهِبَةِ (وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ) أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَخَذَ الشَّفِيعُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي (يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ الشُّفْعَةُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْبَائِعُ فَلِمَوْلَاهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكٌ بِالثَّمَنِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الشِّرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِلْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِمَوْلَاهُ، وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ يَبِيعُ لَهُ قَالَ (وَتَسْلِيمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ الشُّفْعَةَ عَلَى الصَّغِيرِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ) قَالُوا: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَلَغَهُمَا شِرَاءُ دَارٍ بِجِوَارِ دَارِ الصَّبِيِّ فَلَمْ يَطْلُبَا الشُّفْعَةَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَسْلِيمُ الْوَكِيلِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلصَّغِيرِ فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ كَدِيَتِهِ وَقَوْدِهِ، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَكَانَ إبْطَالُهُ إضْرَارًا بِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ فَيَمْلِكَانِ تَرْكَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ بَيْعًا لِلصَّبِيِّ صَحَّ رَدُّهُ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَلِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ، وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ فِي تَرْكِهِ لِيَبْقَى الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِهِ وَالْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ فَيَمْلِكَانِهِ وَسُكُوتُهُمَا كَإِبْطَالِهِمَا لِكَوْنِهِ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، وَهَذَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا، فَإِنْ بِيعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ قِيلَ جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ نَظَرًا وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا مُحَابَاةً كَثِيرَةً، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ مِنْهُمَا أَيْضًا وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَتَسْلِيمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ الشُّفْعَةَ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَمْلَ وَالصَّغِيرَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ كَالْكَبِيرِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي سَبَبِهِ، فَيُقَوَّمُ بِالطَّلَبِ وَالْأَخْذِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ شَرْعًا فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ وَهُوَ الْأَبُ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ جَدُّهُ أَبُو أَبِيهِ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْوَصِيُّ الَّذِي نَصَبَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ هَؤُلَاءِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا أَدْرَكَ فَإِنْ تَرَكَ هَؤُلَاءِ الطَّلَبَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ أَوْ سَلَّمَ بَعْدَ الطَّلَبِ سَقَطَتْ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ.
قَالَ الْمَشَايِخُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَسْلِيمُ الْوَكِيلِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ) لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِطَلَبِهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْخُصُومَةِ وَمَحَلُّهَا مَجْلِسُ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْ الْمُوَكِّلِ مُطْلَقًا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّسْلِيمُ أَصْلًا.
وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ تَسْلِيمِ الْوَكِيلِ الشُّفْعَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلصَّغِيرِ فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ كَدِيَتِهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَدَيْنِهِ بِالنُّونِ، وَالْأَوَّلُ يُنَاسِبُ مَا قُرِنَ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ (وَقَوْدِهِ) وَالثَّانِي يُنَاسِبُ رِوَايَةَ الْمَبْسُوطِ، لِأَنَّهُ قَالَ: كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدُّيُونِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ لَهُ (وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ) وَفِي إبْطَالِهِ إضْرَارٌ بِهِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ بِمِلْكِ الْعَيْنِ فَيَمْلِكَانِهِ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا الْوَلِيُّ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهِ جَازَ، فَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَهَا إلَيْهِ بَلْ أَوْلَى لِسَلَامَتِهِ عَنْ تَوَجُّهِ الْعُهْدَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْهُ، وَوَضَّحَهُ بِقَوْلِهِ (أَلَا تَرَى) وَهُوَ وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ دَائِرٌ) دَلِيلٌ آخَرُ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ، لِأَنَّ النَّظَرَ فِي هَذَا قَدْ يَكُونُ فِي تَرْكِهِ لِيَبْقَى الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ فَإِنْ تَرَكَهُمَا تَرَكَ بِلَا عِوَضٍ فَيَكُونُ إضْرَارًا بِهِ.
وَقَوْلُهُ (وَسُكُوتُهُمَا كَإِبْطَالِهِمَا) لَمَّا كَانَ مَا ذُكِرَ مِنْ الدَّلِيلِ مُخْتَصًّا بِالتَّسْلِيمِ أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ وَسُكُوتُهُمَا كَإِبْطَالِهِمَا (لِكَوْنِهِ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ وَهَذَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا) أَوْ الْغَبْنُ الْيَسِيرُ مِنْ الْمِثْلِ (فَإِنْ بِيعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا) بِغَبْنٍ فَاحِشٍ (قِيلَ جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ نَظَرًا، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ (كَالْأَجْنَبِيِّ) فَيَكُونُ الصَّبِيُّ عَلَى حَقِّهِ إذَا بَلَغَ (وَإِنْ بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا بِمُحَابَاةٍ كَثِيرَةٍ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ) مِنْهُمَا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا تَسْلِيمَهَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، فَلَأَنْ لَا يَرَيَا إذَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ بِمُحَابَاةٍ كَثِيرَةٍ أَوْلَى، وَإِنَّمَا خُصَّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ الْكَثِيرَةَ لَا تُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا بِمَعْنَى التِّجَارَةِ وَلَهُمَا وِلَايَةُ الِامْتِنَاعِ عَنْ الِاتِّجَارِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ، وَلَكِنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ فِي هَذَا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا فِي مَالِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَلَيْسَ تَرْكُهَا هَاهُنَا كَذَلِكَ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا خُصَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ (وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ كَانَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صِحَّةِ التَّسْلِيمِ فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.(كِتَابُ الْقِسْمَةِ):

الْقِسْمَةُ فِي الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ مَشْرُوعَةٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَاشَرَهَا فِي الْمَغَانِمِ وَالْمَوَارِيثِ، وَجَرَى التَّوَارُثُ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، ثُمَّ هِيَ لَا تَعْرَى عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، لِأَنَّ مَا يَجْتَمِعُ لِأَحَدِهِمَا بَعْضُهُ كَانَ لَهُ وَبَعْضُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ فَهُوَ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَمَّا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً وَإِفْرَازًا، وَالْإِفْرَازُ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، حَتَّى كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ لِلتَّفَاوُتِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَخْذُ نَصِيبِهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْآخَرِ.
وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ، إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ وَالْمُبَادَلَةُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ أَحَدَهُمْ بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَيَمْنَعَ الْغَيْرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ، فَيَجِبَ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يُجْبِرُ الْقَاضِي عَلَى قِسْمَتِهَا لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ بِاعْتِبَارِ فُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ، وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهَا جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ قَاسِمًا يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ أَجْرٍ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فَأَشْبَهَ رِزْقَ الْقَاضِي، وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ نَصْبِ الْقَاسِمِ تَعُمُّ الْعَامَّةَ فَتَكُونَ كِفَايَتُهُ فِي مَالِهِمْ غُرْمًا بِالْغُنْمِ قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَصَّبَ قَاسِمًا يَقْسِمُ بِالْأَجْرِ) مَعْنَاهُ بِأَجْرٍ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ، لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ، وَبِقَدْرِ أَجْرِ مِثْلِهِ كَيْ لَا يَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ.
الشَّرْحُ:
كِتَابُ الْقِسْمَةِ: أَوْرَدَ الْقِسْمَةَ عَقِيبَ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ نَتَائِجِ النَّصِيبِ الشَّائِعِ، فَإِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَرَادَ الِافْتِرَاقَ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ طَلَبَ الْقِسْمَةَ، وَمَعَ عَدَمِهِ بَاعَ وَوَجَبَ عِنْدَهُ الشُّفْعَةُ.
وَقَدَّمَ الشُّفْعَةَ لِأَنَّ بَقَاءَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ أَصْلٌ.
وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِلِاقْتِسَامِ كَالْقُدْوَةِ لِلِاقْتِدَاءِ.
وَفِي الشَّرِيعَةِ: جَمْعُ النَّصِيبِ الشَّائِعِ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ.
وَسَبَبُهَا طَلَبُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ الِانْتِفَاعَ بِنَصِيبِهِ عَلَى الْخُلُوصِ.
وَرُكْنُهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَالذَّرْعِ فِي الْمَذْرُوعَاتِ وَالْعَدِّ فِي الْمَعْدُودَاتِ.
وَشَرْطُهَا أَنْ لَا تَفُوتَ مَنْفَعَتُهُ بِالْقِسْمَةِ، وَلِهَذَا لَا يُقْسَمُ الْحَائِطُ وَالْحَمَّامُ وَنَحْوُهُمَا، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَاشَرَهَا فِي الْمَغَانِمِ وَالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجَرَى التَّوَارُثُ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
ثُمَّ هِيَ لَا تَعْرَى عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، لِأَنَّ مَا يَجْتَمِعُ لِأَحَدِهِمَا بَعْضُهُ كَانَ لَهُ وَبَعْضُهُ لِصَاحِبِهِ فَهُوَ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَمَّا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ، فَعَلَى هَذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ مُبَادَلَةً وَإِفْرَازًا، وَالْمَعْنَى مِنْ الْإِفْرَازِ هُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ بِعَيْنِ حَقِّهِ، وَالْإِفْرَازُ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، فَكَانَ كُلُّ مَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ مِثْلَ مَا تُرِكَ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ فَأَخَذَ مِثْلَ الْحَقِّ بِيَقِينٍ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ الْعَيْنِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَخْذَ الْمِثْلِ فِي الْقَرْضِ جُعِلَ كَأَخْذِ الْعَيْنِ فَجُعِلَ الْقَرْضُ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ فَكَانَ الْإِفْرَازُ فِيهَا أَظْهَرَ لَا مَحَالَةَ، وَلِهَذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بِنِصْفِ الثَّمَنِ.
وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ لِلتَّفَاوُتِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَخْذُ نَصِيبِهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْآخَرِ.
وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ.
وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمِثْلٍ لِمَا تُرِكَ عَلَى صَاحِبِهِ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ الْعَيْنِ حُكْمًا، وَلَمَّا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ لَمَا أُجْبِرَ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ فِي ذَلِكَ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أُجْبِرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْمُبَادَلَةِ لِأَنَّهَا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ، كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّ الْمَدْيُونَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَضَاءِ مَعَ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَصَارَ مَا يُؤَدَّى بَدَلًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا جَبْرٌ فِي الْمُبَادَلَةِ قَصْدًا وَقَدْ جَازَ فَلَأَنْ يَجُوزَ بِلَا قَصْدٍ إلَيْهِ أَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّ أَحَدَهُمْ يَطْلُبُ الْقِسْمَةَ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَيَمْنَعُ الْغَيْرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ، فَكَانَ الْقَصْدُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ عَلَى الْخُلُوصِ دُونَ الْإِجْبَارِ عَلَى غَيْرِهِ؛ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لَا يُجْبَرُ الْقَاضِي الْآبِي عَلَى قِسْمَتِهَا لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ بِاعْتِبَارِ فُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ، وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ جَازَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ مُبَادَلَةٌ كَالتِّجَارَةِ وَالتَّرَاضِي فِي التِّجَارَةِ شَرْطٌ بِالنَّصِّ.
قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ قَاسِمًا) كَلَامُهُ وَاضِحٌ إلَّا مَا نُنَبِّهُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ لِأَنَّهُ مَتَى يَصِلُ إلَيْهِ أَجْرُ عَمَلِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَمِيلُ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ إلَى الْبَعْضِ، وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَ بِنَفْسِهِ وَيَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُتَقَاسِمِينَ أَجْرًا، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا يُفْتَرَضَ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ جَبْرُ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ، إلَّا أَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُسْتَفَادُ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجَبْرِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ جَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهَا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُشْبِهُ الْقَضَاءَ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ. (وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّهُ لابد مِنْ الْقُدْرَةِ وَهِيَ بِالْعِلْمِ، وَمِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ بِالْأَمَانَةِ (وَلَا يُجْبِرُ الْقَاضِي النَّاسَ عَلَى قَاسِمٍ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ لَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ لِأَنَّهُ لَا جَبْرَ عَلَى الْعُقُودِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ لَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ (وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا جَازَ، إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ فَيَحْتَاجُ إلَى أَمْرِ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ (وَلَا يَتْرُكُ الْقُسَّامَ يَشْتَرِكُونَ) كَيْ لَا تَصِيرَ الْأُجْرَةُ غَالِيَةً بِتَوَاكُلِهِمْ، وَعِنْدَ عَدَمِ الشَّرِكَةِ يَتَبَادَرُ كُلٌّ مِنْهُمْ إلَيْهِ خِيفَةَ الْفَوْتِ فَيُرَخِّصُ الْأَجْرَ قَالَ (وَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ) لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ وَنَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ الْمُشْتَرَكِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ، وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ، وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فَيَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ فَيَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيز، بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ، وَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ فَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ وَهُوَ الْعُذْرُ لَوْ أُطْلِقَ وَلَا يُفَصَّلُ وَعَنْهُ أَنَّهُ عَلَى الطَّالِبِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ لِنَفْعِهِ وَمَضَرَّةِ الْمُمْتَنِعِ قَالَ.
(وَإِذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي وَفِي أَيْدِيهِمْ دَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهَا عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِهِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يَقْسِمُهَا بِاعْتِرَافِهِمْ، وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِقَوْلِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ مَا سِوَى الْعَقَارِ وَادَّعَوْا أَنَّهُ مِيرَاثٌ قَسَمَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَلَوْ ادَّعَوْا فِي الْعَقَارِ أَنَّهُمْ اشْتَرَوْهُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ) لَهُمَا أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْإِقْرَارَ أَمَارَةُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُنْكِرَ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ فَلَا يُفِيدُ، إلَّا أَنَّهُ يَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِإِقْرَارِهِمْ لِيَقْتَصِرَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَدَّاهُمْ وَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ إذْ التَّرِكَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَهَا تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ فِيهَا وَتُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَإِذَا كَانَتْ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ مُفِيدٌ، لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمُورِثِ.
وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ كَمَا فِي الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ الْمُقِرِّ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ نَظَرًا لِلْحَاجَةِ إلَى الْحِفْظِ أَمَّا الْعَقَارُ فَمُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّ الْمَنْقُولَ مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ عِنْدَهُ، وَبِخِلَافِ الْمُشْتَرَى لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَقْسِمْ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَلَى الْغَيْرِ قَالَ (وَإِنْ ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ، فَإِنَّهُمْ مَا أَقَرُّوا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (عَدْلًا مَأْمُونًا) ذَكَرَ الْأَمَانَةَ بَعْدَ الْعَدَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ لَوَازِمِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ظَاهِرِ الْأَمَانَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا) يَعْنِي لَمْ يَرْفَعُوا الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ بَلْ اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ بِاصْطِلَاحِهِمْ، فَهُوَ جَائِزٌ لِمَا أَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَتَثْبُتُ بِالتَّرَاضِي كَمَا فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ.
وَقَوْلُهُ (كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرُوا الْكَيَّالَ لِيَفْعَلَ الْكَيْلَ فِيمَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَالْأُجْرَةُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ، وَكَذَلِكَ الْوَزَّانُ وَالْحَافِرُ وَقَوْلُهُ (إنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ) تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْقَاسِمَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالْمِسَاحَةِ وَمَدِّ الْأَطْنَابِ وَالْمَشْيِ عَلَى الْحُدُودِ، لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَعَانَ فِي ذَلِكَ بِأَرْبَابِ الْمِلْكِ اسْتَوْجَبَ كَمَالَ الْأَجْرِ إذَا قَسَمَ بِنَفْسِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْقِسْمَةِ، وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ لِأَنَّ الْحِسَابَ يَدُقُّ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ وَيَزْدَادُ دِقَّةً بِقِلَّةِ الْأَنْصِبَاءِ، فَلَعَلَّ تَمْيِيزَ نَصِيبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَشَقُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْهِ تَمْيِيزُ نَصِيبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ لِكُسُورٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ، بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ) بِأَنْ اشْتَرَيَا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَأَمَرَا إنْسَانًا بِكَيْلِهِ لِيَصِيرَ الْكُلُّ مَعْلُومَ الْقَدْرِ (فَالْأَجْرُ بِقَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ وَهُوَ الْعُذْرُ لَوْ أَطْلَقَ وَلَا يَفْصِلُ) يَعْنِي لَوْ أَطْلَقَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَوَابِ، وَقَالَ: أُجْرَةُ الْكَيَّالِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْكَيْلُ لِلْقِسْمَةِ أَوْ لَا، فَالْعُذْرُ لَهُ فِي ذَلِكَ هُوَ التَّفَاوُتُ لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ فَكَانَ أَصْعَبَ وَالْأَجْرُ بِقَدْرِ الْعَمَلِ، بِخِلَافِ الْقَسَّامِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْكِسُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا يَفْصِلُ) تَأْكِيدٌ وَبَيَانٌ.
وَقَوْلُهُ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّ الْأَجْرَ كُلَّهُ عَلَى الطَّالِبِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ لِنَفْعِهِ وَمَضَرَّةِ الْمُمْتَنِعِ).
قَالَ (وَإِذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي) إلَخْ إذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي وَفِي أَيْدِيهِمْ مَالٌ وَطَلَبُوا قِسْمَتَهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ عَقَارًا فَأَمَّا إنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهُ أَوْ اشْتَرَوْهُ أَوْ سَكَتُوا عَنْ كَيْفِيَّةِ الِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَقْسِمْهُ الْقَاضِي حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِهِ، وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَالَا: يَقْسِمُهُ بِاعْتِرَافِهِمْ) وَإِنْ كَانَ الثَّانِي قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَقَارٍ وَادَّعَوْا أَنَّهُ مِيرَاثٌ قَسَمَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا.
لَهُمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْقِسْمَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِشُبْهَةٍ فِي الْمِلْكِ أَوْ لِتُهْمَةٍ فِي دَعْوَاهُ أَوْ لِمُنَازِعٍ لِلْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ، وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ بِمُتَحَقِّقٍ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْإِقْرَارُ أَمَارَةُ الصِّدْقِ وَالْفَرْضُ عَدَمُ الْمُنَازِعِ فَيَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى، وَطَلَبُ الْبَيِّنَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مُنْكِرٍ وَلَا مُنْكِرَ هَاهُنَا فَلَا تُفِيدُ إلَّا أَنَّهُ يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ: أَيْ فِي الصَّكِّ الَّذِي يَكْتُبُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ قَسَمَهُ بِاعْتِرَافِهِمْ لِئَلَّا يَكُونَ حُكْمُهُ مُتَعَدِّيًا إلَى غَيْرِهِمْ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ.
إذْ التَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ، حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ تَنْفُذُ وَصَايَاهُ فِيهَا وَتُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهَا.
وَعَنْ هَذَا قَالُوا: إذَا أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِمَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ كَأَنَّهُ أَوْصَى بِهِمَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُوصَى لَهُ، فَدَلَّ أَنَّ التَّرِكَةَ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ حُجَّةٍ وَهِيَ إمَّا إقْرَارُ الْوَرَثَةِ أَوْ بَيِّنَتُهُمْ، وَإِقْرَارُهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ.
وَقَوْلُهُ (وَهُوَ مُفِيدُ جَوَابٍ عَنْ قَوْلِهِمَا فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ)، لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا بِأَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الْحَاضِرِينَ مُدَّعِيًا وَالْآخَرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِدَعْوَى صَاحِبِهِ وَالْمُقِرُّ لَا يَصْلُحُ خَصْمًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ: أَيْ كَوْنُهُ خَصْمًا بِسَبَبِ إقْرَارِهِ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِ الْإِقْرَارِ مَعَ كَوْنِهِ خَصْمًا كَمَا فِي الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ الْمُقِرِّ بِالدُّيُونِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقْضَى عَلَيْهِمَا بِالْبَيِّنَةِ بِدُيُونِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَا مُقِرِّينَ بِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الدَّيْنِ فِي حَقِّهِمْ وَحَقِّ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ لِلْمَيِّتِ غَرِيمُ دَيْنِهِ ظَاهِرٌ وَدَيْنُ الْمُقَرِّ لَهُ بِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ فَيَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِيَكُونَ حَقُّهُ فِي جَمِيعِ مَالِ الْمَيِّتِ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ نَظَرًا إلَخْ.
وَالثَّانِي أَنَّ الْمَنْقُولَ مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَفِي الْقِسْمَةِ جَعَلَهُ مَضْمُونًا، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْمَيِّتِ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ عِنْدَهُ (وَبِخِلَافِ الْمُشْتَرِي) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَالْعَقَارُ الْمُشْتَرَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ وَسَوَّى بَيْنَ الشِّرَاءِ وَالْمِيرَاثِ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يُقْسَمْ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَلَى الْغَيْرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَوْا الْمِلْكَ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْمَوْعُودُ وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (هَذِهِ) يَعْنِي الْقِسْمَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ) وَأَعَادَ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا مِلْكًا لِغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَذْكُرَا السَّبَبَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا فَيَكُونُ مِلْكًا لِلْغَيْرِ وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرًى فَيَكُونُ مِلْكًا لَهُمَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ الْأَمْلَاكُ فِي يَدِ مُلَّاكِهَا فَلَا تُقْسَمُ احْتِيَاطًا.
قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً، وَعِنْدَهُمَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا يُقْسَمَانِ فِي الْمِيرَاثِ بِلَا بَيِّنَةٍ فَفِي هَذَا أَوْلَى.
وَقِيلَ قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ نَوْعَانِ: قِسْمَةٌ لِحَقِّ الْمِلْكِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَقِسْمَةٌ لِحَقِّ الدَّارِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ.
وَالثَّانِي فِي الْعَقَارِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَتَعَيَّنَ قِسْمَةُ الْمِلْكِ، وَقِسْمَةُ الْمِلْكِ تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِ الْمِلْكِ، وَلَا مِلْكَ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ. (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَرْضٌ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا وَأَرَادَا الْقِسْمَةَ لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُمَا) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمَا ثُمَّ قِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ قَوْلُ الْكُلِّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْحِفْظِ فِي الْعَقَارِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَقِسْمَةُ الْمِلْكِ تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِهِ وَلَا مِلْكَ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ قَالَ (وَإِذَا حَضَرَ وَارِثَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ قَسَمَهَا الْقَاضِي بِطَلَبِ الْحَاضِرِينَ وَيُنَصِّبُ وَكِيلًا يَقْبِضُ نَصِيبَ الْغَائِبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْغَائِبِ صَبِيٌّ يَقْسِمُ وَيُنَصِّبُ وَصِيًّا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ) لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ أَيْضًا خِلَافًا لَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ (وَلَوْ كَانُوا مُشْتَرِينَ لَمْ يَقْسِمْ مَعَ غَيْبَةِ أَحَدِهِمْ) وَالْفَرْقُ أَنْ مِلْكَ الْوَارِثِ مِلْكُ خِلَافَةٍ حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُورِثُ أَوْ بَاعَ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُورِثِ فَانْتَصَبَ أَحَدُهُمَا خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَخَاصِمِينَ.
أَمَّا الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِالشِّرَاءِ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ بَائِعِهِ فَلَا يَصْلُحُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ (وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ لَمْ يُقْسَمْ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ مُودِعِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الصَّغِيرِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِاسْتِحْقَاقِ يَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُمَا، وَأَمِينُ الْخَصْمِ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ فِيمَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ، وَالْقَضَاءُ مِنْ غَيْرِ الْخَصْمِ لَا يَجُوزُ.
وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ قَالَ (وَإِنْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَمْ يَقْسِمْ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّهُ لابد مِنْ حُضُورِ خَصْمَيْنِ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا، وَكَذَا مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَلَوْ كَانَ الْحَاضِرُ كَبِيرًا وَصَغِيرًا نَصَبَ الْقَاضِي عَنْ الصَّغِيرِ وَصِيًّا وَقَسَمَ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ، وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ كَبِيرٌ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ فِيهَا وَطَلَبَا الْقِسْمَةَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ يَقْسِمُهُ) لِاجْتِمَاعِ الْخَصْمَيْنِ الْكَبِيرِ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمُوصَى لَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ عَنْ الصَّبِيِّ كَأَنَّهُ حَضَرَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَإِنْ حَضَرَ وَارِثَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ قَسَمَهَا الْقَاضِي بِطَلَبِ الْحَاضِرِينَ وَيَنْصِبُ لِلْغَائِبِ وَكِيلًا يَقْبِض نَصِيبِهِ) قِيلَ قَوْلُهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ النَّاسِخِ، وَالصَّحِيحُ فِي أَيْدِيهِمَا، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ لَكَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِ الْغَائِبِ ضَرُورَةً، وَقَدْ ذُكِرَ بَعْدَ هَذَا فِي الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يُقْسَمْ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْجَمْعَ وَأَرَادَ الْمُثَنَّى بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَارِثَانِ وَأَقَامَا لَكِنَّهُ مُلْتَبِسٌ (وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْغَائِبِ صَبِيٌّ يُقْسَمُ وَيَنْصِبُ وَصِيًّا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ وَالصَّبِيِّ) لِظُهُورِ نَصِيبِهِمَا بِمَا فِي يَدِ الْغَيْرِ (وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ مَعَهُمَا صَبِيٌّ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُمَا غَائِبٌ (خِلَافًا لَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِهِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ.
وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يَقْسِمُهَا بِاعْتِرَافِهِمْ (وَلَوْ كَانُوا مُشْتَرِينَ لَمْ يُقْسَمْ مَعَ غَيْبَةِ أَحَدِهِمْ) وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ وَذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوَرِّثِ) صُورَتُهُ: اشْتَرَى الْمُورِثُ جَارِيَةً وَمَاتَ وَاسْتَوْلَدَهَا الْوَارِثُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ وَيَرْجِعُ الْوَارِثُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ كَالْمُوَرِّثِ وَقَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهَا) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ (كَمَا أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ) يَعْنِي قَوْلَهُ لَمْ يُقْسَمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ.
وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْعَقَارِ فِي يَدِ الصَّغِيرِ أَوْ الْغَائِبِ لَمْ أَقْسِمْهَا بِإِقْرَارِ الْحُضُورِ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَصْلِ الْمِيرَاثِ، لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ عَنْ يَدِهِ (وَإِنْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَمْ يُقْسَمْ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، لِأَنَّهُ لابد مِنْ حُضُورِ خَصْمَيْنِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا) فَالْحَاضِرُ إنْ كَانَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ ثَمَّةَ خَصْمٌ عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ خَصْمًا عَنْهُمَا فَمَا ثَمَّةَ مَنْ يُخَاصِمُ عَنْ نَفْسِهِ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ.

.(فَصْلٌ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ):

قَالَ (وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ قَسَمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَقٌّ لَازِمٌ فِيمَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ (وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ أَحَدُهُمْ وَيَسْتَضِرُّ بِهِ الْآخَرُ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ، فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ قَسَمَ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَمْ يَقْسِمْ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَنْتَفِعُ بِهِ فَيُعْتَبَرَ طَلَبُهُ، وَالثَّانِي مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَلَى قَلْبِ هَذَا لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يُرِيدُ الْإِضْرَارَ بِغَيْرِهِ وَالْآخَرُ يَرْضَى بِضَرَرِ نَفْسِهِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ أَيَّهمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي، وَالْوَجْهُ انْدَرَجَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَالْأَصَحُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْأَوَّلُ (وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَضِرُّ لِصِغَرِهِ لَمْ يَقْسِمْهَا إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا) لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهَا، وَتَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَهُمَا أَعْرَفُ بِشَأْنِهِمَا.
أَمَّا الْقَاضِي فَيَعْتَمِدُ الظَّاهِرَ قَالَ (وَيُقْسَمُ الْعُرُوض إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ يَتَّحِدُ الْمَقْصُودُ فَيَحْصُلَ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ وَالتَّكْمِيلُ فِي الْمَنْفَعَةِ (وَلَا يَقْسِمُ الْجِنْسَيْنِ بَعْضَهُمَا فِي بَعْضٍ) لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَاطَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً، وَسَبِيلُهَا التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي (وَيَقْسِمُ كُلَّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ كَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ وَتِبْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالْإِبِلِ بِانْفِرَادِهَا وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَلَا يَقْسِمُ شَاةً وَبَعِيرًا وَبِرْذَوْنًا وَحِمَارًا وَلَا يَقْسِمُ الْأَوَانِيَ) لِأَنَّهَا بِاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ الْتَحَقَتْ بِالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ (وَيَقْسِمُ الثِّيَابَ الْهَرَوِيَّةَ) لِاتِّحَادِ الصِّنْفِ (وَلَا يَقْسِمُ ثَوْبًا وَاحِدًا) لِاشْتِمَالِ الْقِسْمَةِ عَلَى الضَّرَرِ إذْ هِيَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَطْعِ (وَلَا ثَوْبَيْنِ إذَا اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا) لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ إذَا جُعِلَ ثَوْبٌ بِثَوْبَيْنِ أَوْ ثَوْبٌ وَرُبْعُ ثَوْبٍ بِثَوْبٍ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ قِسْمَةُ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَذَلِكَ جَائِزٌ.
(وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَقْسِمُ الرَّقِيقَ وَالْجَوَاهِرَ) لِتَفَاوُتِهِمَا (وَقَالَا: يَقْسِمُ الرَّقِيقَ) لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَرَقِيقِ الْمَغْنَمِ وَلَهُ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآدَمِيِّ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ فَصَارَ كَالْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ الْمَغَانِمِ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ فِي الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُهَا وَقِسْمَةُ ثَمَنِهَا وَهُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ جَمِيعًا فَافْتَرَقَا وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ فَقَدْ قِيلَ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لَا يَقْسِمُ كَاللَّآلِئِ وَالْيَوَاقِيتِ وَقِيلَ لَا يَقْسِمُ الْكِبَارَ مِنْهَا لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ، وَيَقْسِمُ الصِّغَارَ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ.
وَقِيلَ يَجْرِي الْجَوَابُ عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجَوَاهِرِ أَفْحَشُ مِنْ جَهَالَةِ الرَّقِيقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى لُؤْلُؤَةٍ أَوْ يَاقُوتَةٍ أَوْ خَالَعَ عَلَيْهَا لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَيَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى عَبْدٍ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الْقِسْمَةِ.
الشَّرْحُ:
فَصْلٌ:
فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ لَمَّا تَنَوَّعَتْ مَسَائِلُ الْقِسْمَةِ إلَى مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ (وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ إلَخْ) إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ فَإِمَّا أَنْ يَنْتَفِعَ كُلٌّ بِنَصِيبِهِ أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ لَا يَنْتَفِعُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَسَمَ الْقَاضِي بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ جَبْرًا عَلَى مَنْ أَبَى (لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَقٌّ لَازِمٌ فِيمَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أُجْبِرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِتَفَاوُتِ الْمَقَاصِدِ وَالْمُبَادَلَةُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى آخِرِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ قُسِمَ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَمْ يُقْسَمْ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ فِي الْكِتَابِ.
وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَلَى قَلْبِ هَذَا وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ الْقِسْمَةَ وَيَأْبَى صَاحِبُ الْكَثِيرِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ (وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ أَيَّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي وَالْوَجْهُ انْدَرَجَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ) لِأَنَّ دَلِيلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ دَلِيلُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَدَلِيلُ قَوْلِ الْجَصَّاصِ دَلِيلُ الْجَانِبِ الْآخَرِ (وَالْأَصَحُّ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْقُدُورِيِّ (وَهُوَ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ رِضَا صَاحِبِ الْقَلِيلِ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي شَيْئًا وَإِنَّمَا الْمُلْزَمُ طَلَبُ الْإِنْصَافِ مِنْ الْقَاضِي وَإِيصَالُهُ إلَى مَنْفَعَةٍ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ عِنْدَ طَلَبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ (وَإِنْ كَانَ) الثَّالِثُ بِأَنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا بَيْتًا صَغِيرًا (يَسْتَضِرُّ) كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْقِسْمَةِ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ لَمْ يَقْسِمْهَا إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهَا، وَتَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَهُمَا أَعْرَفُ بِشَأْنِهِمَا أَمَّا الْقَاضِي فَيَعْتَمِدُ الظَّاهِرَ وَيَقْسِمُ الْعُرُوضَ إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ كَالثِّيَابِ مَثَلًا: يَعْنِي بِهِ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ فِي حَقِّ التَّرَاضِي لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الصِّنْفِ (لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِهِ يَتَّحِدُ الْمَقْصُودُ فَيَحْصُلُ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ وَالتَّكْمِيلُ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يَقْسِمُ الْجِنْسَيْنِ بَعْضَهُمَا فِي بَعْضٍ لِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً وَسَبِيلُهَا التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي).
وَقَوْلُهُ (وَيُقْسَمُ الْقَاضِي كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ إلَخْ) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا يَقْسِمُ شَاةً وَبَعِيرًا) يَعْنِي لَا يُقْسَمُ جَبْرًا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قِسْمَةَ جَمْعٍ بِأَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَ أَحَدِ الْوَرَثَةِ فِي الشَّاةِ خَاصَّةً وَنَصِيبُ الْآخَرِ فِي الْبَعِيرِ خَاصَّةً، بَلْ يَقْسِمُ الشَّاةَ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا عَلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ كَالْإِجَّانَةِ وَالْقُمْقُمِ وَالطَّشْتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ صُفْرٍ مُلْحَقَةٌ بِمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ فَلَا يَقْسِمُهَا الْقَاضِي جَبْرًا، وَكَذَلِكَ الْأَثْوَابُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الْقُطْنِ أَوْ الْكَتَّانِ إذَا اخْتَلَفَتْ بِالصَّنْعَةِ كَالْقَبَاءِ وَالْجُبَّةِ وَالْقَمِيصِ (وَيَقْسِمُ الثِّيَابَ الْهَرَوِيَّةَ لِاتِّحَادِ الصِّنْفِ، وَلَا يَقْسِمُ ثَوْبًا وَاحِدًا لِاشْتِمَالِ الْقِسْمَةِ عَلَى الضَّرَرِ) بِسَبَبِ الْقَطْعِ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ جُزْءٍ فَلَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي مَعَ كَرَاهَةِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ.
فَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ قَسَمَهُ بَيْنَهُمَا (وَلَا ثَوْبَيْنِ إذَا اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً وَسَبِيلُهَا التَّرَاضِي.
وَوَجْهُ الْمُعَاوَضَةِ أَنَّ التَّعْدِيلَ بَيْنَهُمَا لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةِ دَرَاهِمَ مَعَ الْأَوْكَسِ، وَالدَّرَاهِمُ لَمْ تَكُنْ مُشْتَرَكَةً فَتَرِدُ عَلَيْهَا الْقِسْمَةُ فَكَانَ مُعَاوَضَةً (بِخِلَافِ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ إذَا دَخَلَ ثَوْبٌ بِثَوْبَيْنِ) يَعْنِي إذَا كَانَ قِيمَةُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ مِثْلَ قِيمَةِ الثَّوْبَيْنِ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ يَقْسِمُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَيُعْطِي أَحَدُهُمَا ثَوْبًا وَالْآخَرُ ثَوْبَيْنِ (وَكَذَا إنْ اسْتَقَامَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ ثَوْبًا وَرُبُعَ ثَوْبٍ وَالْآخَرُ ثَوْبًا وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ ثَوْبٍ) فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا وَيُتْرَكُ الثَّوْبُ الثَّالِثُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ (لِأَنَّهُ قِسْمَةُ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَذَلِكَ جَائِزٌ) لِأَنَّهُ تَيَسَّرَ عَلَيْهِ التَّمْيِيزُ فِي بَعْضِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَوْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ قَسَمَ الْكُلَّ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ فَكَذَلِكَ فِي الْبَعْضِ، وَمَا ثَمَّةَ مُعَاوَضَةٌ تَحْتَاجُ إلَى التَّرَاضِي (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَقْسِمُ الرَّقِيقَ وَالْجَوَاهِرَ لِتَفَاوُتِهِمَا) الرَّقِيقُ إذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّقِيقُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ يَصِحُّ فِيهِ الْقِسْمَةُ جَبْرًا كَالْغَنَمِ وَالثِّيَابِ أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ كَانَ فَالْأَصَحُّ الْقِسْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا عَلَى الْأَظْهَرِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيُجْعَلُ الَّذِي مَعَ الرَّقِيقِ أَصْلًا فِي الْقِسْمَةِ جَبْرًا وَيُجْعَلُ الرَّقِيقُ تَابِعًا لَهُ فِي الْقِسْمَةِ، وَقَدْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ لِشَيْءٍ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا كَالشِّرْبِ فِي الْبَيْعِ وَالْمَنْقُولَاتِ فِي الْوَقْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا لَا يُقْسَمُ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا لَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُجْبِرُهُمَا عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يُجْبِرُهُمَا عَلَى الْقِسْمَةِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَرَقِيقِ الْمَغْنَمِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآدَمِيِّ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالذِّهْنِ وَالْكِيَاسَةِ، لِأَنَّ مِنْ الْعَبِيدِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْأَمَانَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلتِّجَارَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلْفُرُوسِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَمَتَى جَمَعَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَاحِدٍ فَإِنَّهُ سَائِرُ الْمَنَافِعِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قِسْمَةً وَإِفْرَازًا، بِخِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَمِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ (بِخِلَافِ الْمَغَانِمِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَرَقِيقُ الْمَغْنَمِ، وَذَلِكَ (لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ فِي الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُهَا وَقِسْمَةُ ثَمَنِهَا، وَهَاهُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ فَافْتَرَقَا) فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَزَوَّجَ أَوْ خَالَعَ عَلَى عَبْدٍ صَحَّ فَصَارَ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَلْيَكُنْ فِي الْقِسْمَةِ كَذَلِكَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَحْتَاجُ إلَى الْإِفْرَازِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْقِسْمَةِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرْتُمْ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ إلَخْ) وَاضِحٌ. قَالَ (وَلَا يُقْسَمُ حَمَّامٌ وَلَا بِئْرٌ، وَلَا رَحًى إلَّا بِتَرَاضِي الشُّرَكَاءِ، وَكَذَا الْحَائِطُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ) لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى الضَّرَرِ فِي الطَّرَفَيْنِ، إذْ لَا يَبْقَى كُلُّ نَصِيبٍ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا فَلَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بِخِلَافِ التَّرَاضِي لِمَا بَيَّنَّا قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ دُورٌ مُشْتَرَكَةً فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ قَسَمَ كُلَّ دَارٍ عَلَى حِدَتِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إنْ كَانَ الْأَصْلَحُ لَهُمْ قِسْمَةَ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ قَسَمَهَا) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْأَقْرِحَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ الْمُشْتَرِكَةُ لَهُمَا أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ اسْمًا وَصُورَةً، وَنَظَرًا إلَى أَصْلِ السُّكْنَى أَجْنَاسٌ مَعْنًى نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ، وَوُجُوهِ السُّكْنَى فَيُفَوَّضُ التَّرْجِيحُ إلَى الْقَاضِي وَلَهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْمَحَالِّ وَالْجِيرَانِ وَالْقُرْبِ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْمَاءِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ دَارٍ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى دَارٍ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِيهِمَا فِي الثَّوْبِ بِخِلَافِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ إذَا اخْتَلَفَتْ بُيُوتُهَا، لِأَنَّ فِي قِسْمَةِ كُلِّ بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ ضَرَرًا فَقُسِمَتْ الدَّارُ قِسْمَةً وَاحِدَةً قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَقْيِيدُ الْوَضْعِ فِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الدَّارَيْنِ إذَا كَانَتَا فِي مِصْرَيْنِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ رِوَايَةُ هِلَالٍ عَنْهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقْسَمُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَالْبُيُوتُ فِي مُحَلَّةٍ أَوْ مَحَالٍ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيمَا بَيْنَهَا يَسِيرٌ، وَالْمَنَازِلُ الْمُتَلَازِقَةُ كَالْبُيُوتِ وَالْمُتَبَايِنَةُ كَالدُّورِ لِأَنَّهُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَأَخَذَ شَبِيهًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ.
قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ) لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جَعَلَ الدَّارَ وَالْحَانُوتَ جِنْسَيْنِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ وَقَالَ فِي إجَارَاتِ الْأَصْلِ: إنَّ إجَارَةَ مَنَافِعِ الدَّارِ بِالْحَانُوتِ لَا تَجُوزُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَيُجْعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ تُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا هُنَالِكَ عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَلَا يُقْسَمُ حَمَّامٌ وَلَا بِئْرٌ وَلَا رَحًى) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْجَبْرَ فِي الْقِسْمَةِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا بِأَنْ يَبْقَى نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعَ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَفِي قِسْمَةِ الْبِئْرِ وَالْحَمَّامِ وَالرَّحَى ضَرَرٌ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَلَا يُقْسَمُ إلَّا بِالتَّرَاضِي.
وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: الْقَاضِي لَا يَقْسِمُ عِنْدَ الضَّرَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْصَبْ مُتْلِفًا، لَكِنْ لَوْ اقْتَسَمَ لَمْ يَمْنَعْهُمَا عَنْ ذَلِكَ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَسْتَضِرُّ لِصِغَرِهِ لَمْ يَقْسِمْهَا إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ) هَاهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: الدُّورُ، وَالْبُيُوتُ، وَالْمَنَازِلُ.
فَالدُّورُ مُتَلَازِقَةً كَانَتْ أَوْ مُتَفَرِّقَةً لَا تُقْسَمُ عِنْدَهُ قِسْمَةً وَاحِدَةً إلَّا بِالتَّرَاضِي، وَالْبُيُوتُ تُقْسَمُ مُطْلَقًا لِتَقَارُبِهَا فِي مَعْنَى السُّكْنَى، وَالْمَنَازِلُ إنْ كَانَتْ مُجْتَمِعَةً فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ مُتَلَازِقًا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ قُسِمَتْ قِسْمَةً وَاحِدَةً وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَحَالَّ أَوْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ بَعْضُهَا فِي أَدْنَاهَا وَبَعْضُهَا فِي أَقْصَاهَا، لِأَنَّ الْمَنْزِلَ فَوْقَ الْبَيْتِ دُونَ الدَّارِ فَالْمَنَازِلُ تَتَفَاوَتُ فِي مَعْنَى السُّكْنَى، وَلَكِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا دُونَ التَّفَاوُتِ فِي الدُّورِ فَهِيَ تُشْبِهُ الْبُيُوتَ مِنْ وَجْهٍ وَالدُّورَ مِنْ وَجْهٍ، فَلِشَبَهِهَا بِالْبُيُوتِ قُلْنَا إذَا كَانَتْ مُتَلَازِقَةً تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَلِشَبَهِهَا بِالدُّورِ قُلْنَا: إذَا كَانَتْ فِي أَمْكِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً، وَهُمَا فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا يَقُولَانِ: يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى أَعْدَلِ الْوُجُوهِ فَيُمْضِي الْقِسْمَةَ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا مَرَّ) يَعْنِي فِي بَابِ الْحُقُوقِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ إلَخْ) وَاضِحٌ إلَّا مَا نَذْكُرُهُ، إنَّمَا خَصَّ الْخَصَّافَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَا ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ وَلَا الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَوْلُهُ (إنَّ إجَارَةَ مَنَافِعِ الدَّارِ بِالْحَانُوتِ) أَيْ بِمَنَافِعِ الْحَانُوتِ، لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ نَفْسَ الْحَانُوتِ أُجْرَةً لِمَنَافِعِ الدَّارِ صَحَّ.
وَقَوْلُهُ (أَوْ تُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا هُنَالِكَ) أَيْ فِي إجَارَاتِ الْأَصْلِ (عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ) يَعْنِي إنْ كَانَتْ مَنَافِعُ الدَّارِ وَمَنَافِعُ الْحَانُوتِ مُخْتَلِفَةً رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ تَحْمِلُ حُرْمَةَ الرِّبَا هُنَالِكَ عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ مَنَافِعِ الدَّارِ وَالْحَانُوتِ لِاتِّحَادِ أَصْلِ السُّكْنَى الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا.
وَاسْتَشْكَلَ كَلَامُهُ هَذَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اعْتِبَارِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، فَإِنَّ الْجِنْسَ إذَا اتَّحَدَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مُبَادَلَةِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً، وَبِالْجِنْسِ يَحْرُمُ النَّسَاءُ عِنْدَنَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الرِّبَا فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ شُبْهَةُ الْجِنْسِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِشُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا.
وَقَدْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، أَوْ يَكُونَ مِنْ مُشْكِلَاتِ هَذَا الْكِتَابِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا إشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ الشُّبْهَةَ الثَّابِتَةَ بِهَا لِأَنَّهُ قَالَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَكَيْفَ يَقُولُ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ.
وَوَجْهٌ آخَرُ فِي التَّوْفِيقِ أَنْ يُرَادَ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ الِاخْتِلَافُ مِنْ حَيْثُ اخْتِلَافِ الذَّاتِ، فَلَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ الْوَاحِدَةُ، وَبِاتِّحَادِهِ الِاتِّحَادُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ السُّكْنَى فَتَمْتَنِعُ الْإِجَارَةُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا.