فصل: فصل: فيمن رهن شيئين فقضى حصة أحدهما:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العناية شرح الهداية



.فصل: فيمن رهن شيئين فقضى حصة أحدهما:

(وَمَنْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَضَى حِصَّةَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَاقِيَ الدَّيْنِ) وَحِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ إذَا قُسِّمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ مُبَالَغَةً فِي حَمْلِهِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَصَارَ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِ الرَّهْنِ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ الَّذِي رَهَنَهُ بِهِ، فَكَذَا الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ: وَفِي الزِّيَادَاتِ: لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ إذَا أَدَّى مَا سَمَّى لَهُ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ لَا يَتَفَرَّقُ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاتِّحَادِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ لَا يَصِيرُ مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ) وَجْهُ الْفَصْلِ كَوْنُ الرَّهْنِ مُتَعَدِّدًا وَلَا خَفَاءَ فِي تَأَخُّرِ التَّعَدُّدِ عَنْ الْإِفْرَادِ.
قَوْلُهُ (وَصَارَ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ) فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَدَّى حِصَّةَ أَحَدِهِمَا مِنْ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَاقِي الثَّمَنِ، فَإِذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِ الرَّهْنِ شَيْئًا كَمَا لَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ كُلَّ عَبْدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ.
وَفِي الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ إذَا أَدَّى مَا سَمَّى، وَوَجْهُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.
وَقَوْلُهُ (أَلَا يُرَى) تَوْضِيحٌ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَمَكَّنَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ تَفْرِيقِ الْقَبُولِ فِي الِابْتِدَاءِ وَجَبَ أَنْ يَتَمَكَّنَ الرَّاهِنُ مِنْ تَفْرِيقِ الْقَبْضِ فِي الِانْتِهَاءِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَفَرَّقُ فِي بَابِ الرَّهْنِ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ فَكَأَنَّهُ رَهَنَ كُلَّ عَبْدٍ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا لَا تَتَفَرَّقُ فِيهِ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي حَالَةِ الْإِجْمَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ وَالْهَلَاكُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُهُ، فَبَعْدَمَا نَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَدَّى إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ بِأَنْ يَهْلِكَ مَا بَقِيَ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ بِالْهَلَاكِ يَنْتَهِي حُكْمُ الرَّهْنِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، كَمَا أَنَّ بِالِافْتِكَاكِ يَنْتَهِي حُكْمُ الرَّهْنِ فَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْبَعْضِ عِنْدَ قَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنْ يَهْلِكَ مَا بَقِيَ فَيَنْتَهِي حُكْمُ الرَّهْنِ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا فِي حَالَةِ الْإِجْمَالِ مَوْجُودٌ.
قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنْ حِصَّةُ كُلِّ عَبْدٍ مِنْ الدَّيْنِ فِيهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ بِيَقِينٍ، فَرُبَّمَا كَانَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ أَكْثَرَ قِيمَةً مِثْلُ أَنْ يُسَاوِيَ أَحَدُهُمَا أَلْفًا وَالْآخَرُ أَلْفَيْنِ وَرَهَنَهُمَا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذَا مِنْ ذَاكَ وَأَرَادَ الرَّاهِنُ فِكَاكَ الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَأَدَّى أَلْفًا وَيَقُولُ هَذَا الَّذِي رَهَنْته بِأَلْفٍ وَالْمُرْتَهِنُ يَقُولُ بَلْ هَذَا رُهِنَ بِأَلْفَيْنِ، فَكَانَ ذَلِكَ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ.
فَأَمَّا عِنْدَ التَّفْصِيلِ فَحِصَّةُ كُلِّ عَبْدٍ مَعْلُومَةٌ بِالتَّسْمِيَةِ لَا جَهَالَةَ هُنَاكَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَلِهَذَا تَمَكَّنَ مِنْ فِكَاكِ الْبَعْضِ بِقَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ. قَالَ (فَإِنْ رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جَازَ، وَجَمِيعُهَا رَهْنٌ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ، وَمُوجِبُهُ صَيْرُورَتُهُ مُحْتَبِسًا بِالدَّيْنِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّيِ فَصَارَ مَحْبُوسًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (فَإِنْ تَهَايَآ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ) قَالَ (وَالْمَضْمُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ)؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ؛ إذْ الِاسْتِيفَاءُ مِمَّا يَتَجَزَّأُ قَالَ (فَإِنْ أَعْطَى أَحَدُهُمَا دَيْنَهُ كَانَ كُلُّهُ رَهْنًا فِي يَدِ الْآخَرِ)؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَيْنِ رَهْنٌ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَفَرُّقٍ وَعَلَى هَذَا حَبْسُ الْمَبِيعِ إذَا أَدَّى أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (فَإِنْ رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ رَجُلَيْنِ إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِمَا شَرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا لِكَوْنِ الدَّيْنَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ وَدَيْنُ الْآخَرِ دَنَانِيرُ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ) قِيلَ هُوَ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا بَاعَ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ وَهَبَ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، فَإِنَّ الْعَقْدَ فِيهِمَا أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِيهِ الشُّيُوعُ حَتَّى كَانَ الْمَبِيعُ وَالْمَوْهُوبُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ إضَافَةَ الْعَقْدِ إلَى اثْنَيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِيمَا يَكُونُ الْعَقْدُ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ فَإِنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لِشَخْصَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ فَتُجْعَلُ شَائِعَةً تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا لِلْجَوَازِ، وَالرَّهْنُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلْمِلْكِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الِاحْتِبَاسَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ مُحْتَبِسَةً لِحَقَّيْنِ عَلَى الْكَمَالِ فَيَمْتَنِعُ الشُّيُوعُ فِيهِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ لِكَوْنِ الْقَبْضِ لابد مِنْهُ فِي الرَّهْنِ، وَالشُّيُوعُ يَمْنَعُ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جَعْلِ ذَلِكَ شَائِعًا مَانِعًا عَنْ الْهِبَةِ دُونَ الرَّهْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَوْلُهُ (فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ ارْتِهَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقٍ مَا لَمْ يَصِلْ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَيْنِ رَهْنٌ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَفَرُّقٍ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ الَّذِي اسْتَوْفَى حَقَّهُ انْتَهَى مَقْصُودُهُ مِنْ الرَّهْنِ وَهُوَ كَوْنُهُ وَسِيلَةً إلَى الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ بِالِاسْتِيفَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْآخَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ نِيَابَةٍ عَنْ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْتَرِدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ إلَى الْأَوَّلِ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لَكِنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ارْتِهَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقٍ مَا لَمْ يَصِلْ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مِنْ نِصْفِ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ، فَإِنَّ فِيهِ وَفَاءً بِدِينِهِمَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَابِضَ اسْتَوْفَى حَقَّهُ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَهُ ثَانِيًا. قَالَ (وَإِنْ رَهَنَ رَجُلَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا رَجُلًا رَهْنًا وَاحِدًا فَهُوَ جَائِزٌ وَالرَّهْنُ رَهْنٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ)؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ فِي الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ (فَإِنْ أَقَامَ الرَّجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ وَقَبَضَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ رَهَنَهُ كُلَّ الْعَبْدِ، وَلَا وَجْهَ إلَى الْقَضَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْوَاحِدَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ رَهْنًا لِهَذَا وَكُلُّهُ رَهْنًا لِذَلِكَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا إلَى الْقَضَاءِ بِكُلِّهِ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَا إلَى الْقَضَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا لَهُمَا كَأَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا إذَا جُهِلَ التَّارِيخُ بَيْنَهُمَا، وَجُعِلَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ هَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا عَمَلٌ عَلَى خِلَافِ مَا اقْتَضَتْهُ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ حَبْسًا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى مِثْلِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَبِهَذَا الْقَضَاءِ يَثْبُتُ حَبْسٌ يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى شَطْرِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا عَمَلًا عَلَى وَفْقِ الْحُجَّةِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا لَكِنَّ مُحَمَّدًا أَخَذَ بِهِ لِقُوَّتِهِ، وَإِذَا وَقَعَ بَاطِلًا فَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا حُكْمَ لَهُ قَالَ (وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ رَهْنًا يَبِيعُهُ بِحَقِّهِ اسْتِحْسَانًا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَفِي الْقِيَاسِ: هَذَا بَاطِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلِاسْتِيفَاءِ حُكْمٌ أَصْلِيٌّ لِعَقْدِ الرَّهْنِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِهِ قَضَاءً بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ لِلشُّيُوعِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ لِحُكْمِهِ، وَحُكْمُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ الْحَبْسُ وَالشُّيُوعُ يَضُرُّهُ، وَبَعْدَ الْمَمَاتِ الِاسْتِيفَاءُ بِالْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ وَالشُّيُوعُ لَا يَضُرُّهُ، وَصَارَ كَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَوْ ادَّعَتْ أُخْتَانِ النِّكَاحَ عَلَى رَجُلٍ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ تَهَاتَرَتْ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَيُقْضَى بِالْمِيرَاثِ بَيْنَهُمْ بَعْدَ الْمَمَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَإِنْ رَهَنَ رَجُلَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا رَجُلًا رَهْنًا إلَخْ) هَذِهِ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَهِيَ وَاضِحَةٌ.
وَمِنْ شُعَبِهَا مَا إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهُ رَجُلٌ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَادَّعَاهُ آخَرُ كَذَلِكَ وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ فِيهَا، وَجُمْلَتُهَا أَنَّ الْعَبْدَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمَا أَوَّلًا فِي يَدِ وَاحِدٍ أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلُ سَبْقِ عَقْدِهِ كَمَا فِي الشِّرَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي السَّبْقِ وَهُوَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا وَكَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ.
وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنْ عُلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَهُوَ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ: وَبِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ، وَوَجْهُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّهْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَّةَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الرَّهْنِ، حَتَّى إذَا قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا فَهُوَ رَهْنٌ كُلُّهُ عِنْدَ الْآخَرِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِثُبُوتِ حَقِّ صَاحِبِهِ فِي الْحَبْسِ مَعَهُ، وَهَاهُنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ رَاضٍ بِذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى هَذَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا عَمَلٌ عَلَى خِلَافِ مَا اقْتَضَتْهُ الْحُجَّةُ إلَخْ، وَبَاقِي كَلَامِهِ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ:

(قَالَ وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ جَازَ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ) ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ يَدُ الْمَالِكِ وَلِهَذَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَانْعَدَمَ الْقَبْضُ وَلَنَا أَنَّ يَدَهُ عَلَى الصُّورَةِ يَدُ الْمَالِكِ فِي الْحِفْظِ؛ إذْ الْعَيْنُ أَمَانَةٌ، وَفِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمَالِيَّةُ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الشَّخْصَيْنِ تَحْقِيقًا لِمَا قَصَدَاهُ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الْمَالِكِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي حِفْظِ الْعَيْنِ كَالْمُودَعِ قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا لِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الرَّاهِنِ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ اسْتِيفَاءً فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ (فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ)؛ لِأَنَّ يَدَهُ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ وَهِيَ الْمَضْمُونَةُ (وَلَوْ دَفَعَ الْعَدْلُ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ)؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودَعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَأَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ، وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ (وَإِذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَةَ الرَّهْنِ بَعْدَ مَا دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ الْمَدْفُوعُ عَلَيْهِ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ رَهْنًا فِي يَدِهِ)؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، لَكِنْ يَتَّفِقَانِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَاهَا مِنْهُ وَيَجْعَلَاهَا رَهْنًا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَوْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا يَرْفَعُ أَحَدُهُمَا إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ كَذَلِكَ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ وَقَدْ ضَمِنَ الْعَدْلُ الْقِيمَةَ بِالدَّفْعِ إلَى الرَّاهِنِ فَالْقِيمَةُ سَالِمَةٌ لَهُ لِوُصُولِ الْمَرْهُونِ إلَى الرَّاهِنِ وَوُصُولِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ (وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهَا بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّاهِنُ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ مِنْهُ)؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِهِ يَأْخُذُهَا إذَا أَدَّى الدَّيْنَ، فَكَذَلِكَ يَأْخُذُ مَا قَامَ مَقَامَهَا، وَلَا جَمْعَ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ.
الشَّرْحُ:
بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ:
لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْكَامِ الرَّاجِعَةِ إلَى نَفْسِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ مَا يَرْجِعُ إلَى نَائِبِهِمَا وَهُوَ الْعَدْلُ، لِأَنَّ حُكْمَ النَّائِبِ يَقْفُو حُكْمَ الْأَصْلِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَدْلِ هَاهُنَا مَنْ رَضِيَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِوَضْعِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ وَرَضِيَا بِبَيْعِهِ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَهُوَ وَكِيلُ الرَّاهِنِ بِبَيْعِهِ، لَكِنَّهُ يُخَالِفُ الْمُفْرَدَ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالتُّمُرْتَاشِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ (وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ إلَخْ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي بَعْضِهَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطَيْنِ وَشَرْحِ الْأَقْطَعِ ابْنَ أَبِي لَيْلَى بَدَلَ مَالِكٍ، وَكَأَنَّهُ شَكَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ، فَإِنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ كَمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ، فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَانَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ.
وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ.
يَعْنِي إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْعَدْلِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ وَضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَتَهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ الرَّاهِنِ لَمَّا رَجَعَ، وَهُوَ كَالْمُودَعِ إذَا ضَمِنَ قِيمَةَ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ الْهَلَاكِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُودَعِ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ مُودَعِهِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَنَا) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي حِفْظِ الْعَيْنِ كَالْمُودَعِ) يُشِيرُ إلَى دَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُقَالَ، كَمَا أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الرَّاهِنِ فَهُوَ نَائِبٌ عَنْ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ، وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فَلِمَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَدْلَ يَضْمَنُ لِلْمُسْتَحِقِّ ضَمَانَ الْغَصْبِ، وَالْغَصْبُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، وَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَالِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ سُؤَالٌ سَاقِطٌ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَيْسَ بِقَائِلٍ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْقَبْضُ شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا حُكْمًا لِأَنَّ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ أَمْرُهُ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَاقَى حَقًّا مُسْتَحَقًّا لِلْآمِرِ، وَبِعَقْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَصِرْ الْقَبْضُ حَقًّا لَهُ حَتَّى كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ مُوَافَقَةُ الرَّاهِنِ إيَّاهُ فِي الْوَضْعِ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى قَبْضِ الرَّاهِنِ لَمْ يَتِمَّ، فَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى قَبْضِ الْعَدْلِ.
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَابِضٌ مِنْ حَيْثُ أَمْرُهُ الْعَدْلَ بِالْقَبْضِ وَهُوَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ، وَتَمَكُّنُهُ مِنْ الْمَنْعِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ، وَالرَّاهِنُ يَنْفَرِدُ بِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ لَازِمٍ، وَالْقَبْضُ حَقُّهُ مَا دَامَ الْعَقْدُ بَاقِيًا.
وَقَوْلُهُ (لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ) أَيْ الْعَدْلُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا يُرْفَعُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ يَرْفَعُ الْعَدْلُ أَحَدَهُمَا إلَى الْقَاضِي، وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ: يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي أَحَدُهُمَا إمَّا الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ وَهُوَ أَظْهَرُ (وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ جَعَلَ الْقِيمَةَ فِي يَدِ الْعَدْلِ رَهْنًا ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ وَالْحَالُ أَنَّ الْعَدْلَ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالدَّفْعِ إلَى الرَّاهِنِ، فَالْقِيمَةُ سَالِمَةٌ لَهُ: أَيْ لِلْعَدْلِ، لِأَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ وَصَلَ إلَى حَقِّهِ: الرَّاهِنُ إلَى الرَّهْنِ وَالْمُرْتَهِنُ إلَى الدَّيْنِ، فَلَوْ أَخَذَهَا أَحَدُهُمَا اجْتَمَعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْقِيمَةَ بَدَلُ الرَّهْنِ مِنْ حَيْثُ الْعَيْنُ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ وَبَدَلُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهَا بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّاهِنُ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ مِنْهُ، لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ أَخَذَهُ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ، فَكَذَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَا جَمْعَ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، وَهَلْ يَرْجِعُ الْعَدْلُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْعَدْلُ دَفَعَهُ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ اُسْتُهْلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَدْلَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَعَارَ أَوْ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ دَفَعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ رَهْنًا بِأَنْ قَالَ هَذَا رَهْنُك خُذْهُ بِحَقِّك وَاحْبِسْهُ بِدَيْنِك رَجَعَ الْعَدْلُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ هَلَكَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ. قَالَ (وَإِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ أَوْ غَيْرَهُمَا بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ)؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِبَيْعِ مَالِهِ (وَإِنْ شُرِطَتْ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ، وَإِنْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ)؛ لِأَنَّهَا لَمَّا شُرِطَتْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لِزِيَادَةِ الْوَثِيقَةِ فَيَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَفِي الْعَزْلِ إتْوَاءُ حَقِّهِ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا حَتَّى مَلَكَ الْبَيْعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ)؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ، فَكَذَا بِوَصْفِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا إذَا عَزَلَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ غَيْرُهُ (وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَمْ يَنْعَزِلْ)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَطَلَ إنَّمَا يَبْطُلُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ) يَعْنِي بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَقَوْلُهُ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ) أَيْ أَنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ (لِزِيَادَةِ الْوَثِيقَةِ فَيَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ) أَيْ عَقْدِ الرَّهْنِ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ عَقْدُ الْوَكَالَةِ (لَازِمٌ بِأَصْلِهِ فَكَذَا بِوَصْفِهِ) وَهُوَ الْإِطْلَاقُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ قَالَ (وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْوَرَثَةِ كَمَا يَبِيعُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِمَا وَلَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَيَبْقَى بِحُقُوقِهِ وَأَوْصَافِهِ (وَإِنْ مَاتَ الْوَكِيلُ انْتَقَضَتْ الْوَكَالَةُ وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ)؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ، وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ وَصِيَّ الْوَكِيلِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَازِمَةٌ فَيَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ، كَالْمُضَارِبِ إذَا مَاتَ بَعْدَمَا صَارَ رَأْسُ الْمَالِ أَعْيَانًا يَمْلِكُ وَصِيُّ الْمُضَارِبِ بَيْعَهَا لِمَا أَنَّهُ لَازِمٌ بَعْدَ مَا صَارَ أَعْيَانًا قُلْنَا: التَّوْكِيلُ حَقٌّ لَازِمٌ لَكِنْ عَلَيْهِ، وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِيمَا لَهُ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْمُضَارِبِ (وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ إلَّا بِرِضَا الرَّاهِنِ)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَمَا رَضِيَ بِبَيْعِهِ (وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ)؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَحَقُّ بِمَالِيَّتِهِ مِنْ الرَّاهِنِ فَلَا يَقْدِرُ الرَّاهِنُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِالْبَيْعِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْعَقْدَ) أَيْ عَقْدَ الرَّهْنِ (لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِمَا وَلَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَيَبْقَى بِحُقُوقِهِ) الَّتِي هِيَ الْحَبْسُ وَالِاسْتِيفَاءُ وَالْوَكَالَةُ (وَأَوْصَافُهُ) الَّتِي هِيَ اللُّزُومُ وَجَبْرُ الْوَكِيلِ وَحَقُّ بَيْعِ وَلَدِ الرَّهْنِ وَحَقُّ صَرْفِ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ انْتَقَضَتْ الْوَكَالَةُ) يَعْنِي وَالرَّهْنُ بَاقٍ كَمَا كَانَ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَمَاتَ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ بِهِ، فَلَأَنْ لَا يَبْطُلَ بِمَوْتِ الْعَدْلِ أَوْلَى.
وَقَوْلُهُ (وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِيمَا لَهُ) أَيْ لَا فِيمَا عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجِبُ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِهِ وَرِثُوهُ قَالَ (فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَأَبَى الْوَكِيلُ الَّذِي فِي يَدِهِ الرَّهْنُ أَنْ يَبِيعَهُ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي لُزُومِهِ (وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ بِالْخُصُومَةِ وَغَابَ الْمُوَكِّلُ فَأَبَى أَنْ يُخَاصِمَ أُجْبِرَ عَلَى الْخُصُومَةِ) لِلْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ فِيهِ إتْوَاءَ الْحَقِّ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَبِيعُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتْوِي حَقَّهُ، أَمَّا الْمُدَّعِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الدَّعْوَى وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّوْكِيلُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا شُرِطَ بَعْدَهُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ اعْتِبَارًا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ يُجْبَرُ رُجُوعًا إلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَهَذَا أَصَحُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ، وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْأَصْلِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ) يَعْنِي يُحْبَسُ أَيَّامًا حَتَّى يَبِيعَهُ، فَإِنْ لَجَّ بَعْدَمَا حَبَسَهُ أَيَّامًا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَبِيعُ قِيَاسًا عَلَى مَالِ الْمَدْيُونِ، وَقَالَ آخَرُونَ: يَبِيعُهُ لِأَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ تَعَيَّنَتْ.
وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِهِ وَالْآخَرُ أَنَّ فِيهِ إتْوَاءَ حَقِّهِ.
وَقَوْلُهُ (قِيلَ لَا يُجْبَرُ اعْتِبَارًا لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ) ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَقَوْلُهُ (أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِيمَا كَانَ مَشْرُوطًا فِي الرَّهْنِ وَفِيمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ (وَاحِدٌ) أَيْ يُجْبَرُ فِيهِمَا (وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إذَا أَتَى الْوَكِيلُ يُجْبَرُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مُطْلَقًا (وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ، وَالثَّمَنُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَكَانَ رَهْنًا، وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ بَعْدُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا، وَإِذَا تَوَى كَانَ مَالَ الْمُرْتَهِنِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ فِي الثَّمَنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَبِيعِ الْمَرْهُونِ، وَكَذَلِكَ إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ بَدَلَ الدَّمِ فَأَخَذَ حُكْمَ ضَمَانِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ فَبَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ فَدُفِعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا قَالَ (وَإِنْ بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ فَأَوْفَى الْمُرْتَهِنَ الثَّمَنَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ فَضَمِنَهُ الْعَدْلُ كَانَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ الثَّمَنَ الَّذِي أَعْطَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ غَيْرَهُ) وَكَشْفُ هَذَا أَنَّ الْمَرْهُونَ الْمَبِيعَ إذَا اُسْتُحِقَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ هَالِكًا أَوْ قَائِمًا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْعَدْلَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ نَفَذَ الْبَيْعُ وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ مِلْكِ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ يَنْفُذُ الْبَيْعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِذَا ضَمَّنَ الْعَدْلَ فَالْعَدْلُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ وَنَفَذَ الْبَيْعُ وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْعَبْدَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَنَفَذَ بَيْعُهُ عَلَيْهِ فَصَارَ الثَّمَنُ لَهُ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ عَلَى حُسْبَانِ أَنَّهُ مِلْكُ الرَّاهِنِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَإِذَا رَجَعَ بَطَلَ الِاقْتِضَاءُ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَدْلِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهِ حَيْثُ وَجَبَ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ ثُمَّ الْعَدْلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ صَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ سُلِّمَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ الْعَقْدُ بَطَلَ الثَّمَنُ وَقَدْ قَبَضَهُ ثَمَنًا فَيَجِبُ نَقْضُ قَبْضِهِ ضَرُورَةً، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ وَانْتُقِضَ قَبْضُهُ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَلَّمَ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ عَامَلَ لِلرَّاهِنِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ وَلَمْ يَقْبِضْ فَبَقِيَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فِي الْعَقْدِ فَمَا لَحِقَ الْعَدْلَ مِنْ الْعُهْدَةِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ قَبَضَ الثَّمَنَ الْمُرْتَهِنُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا التَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا رُجُوعَ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنْ الرَّهْنِ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ لَحِقَهُ عُهْدَةٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُقْتَضَى، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَكَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ لَا يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ) لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي وَمِلْكُهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا (وَإِذَا تَوَى كَانَ مَالَ الْمُرْتَهِنِ) بِنَصَبِ مَالٍ عَلَى مَا صَحَّحَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ.
وَقَوْلُهُ (وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ) يَعْنِي تَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا مَقَامَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ الْمَالِكَ وَهُوَ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّهُ: أَيْ هَذَا الضَّمَانُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ مُقَابَلًا بِالدَّمِ حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ (فَأَخَذَ حُكْمَ ضَمَانِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ) وَهُوَ الْمَوْلَى فَيَبْقَى عَقْدُ الرَّهْنِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ غَيْرَهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْعَدْلِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ غَيْرَ الثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَاهُ وَكَلَامُهُ مَكْشُوفٌ بِكَشْفِهِ وَإِيضَاحِهِ شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ سِوَى أَلْفَاظٍ وَضَمَائِرَ نُوَضِّحُهَا زِيَادَةَ إيضَاحٍ.
فَقَوْلُهُ (وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ) أَيْ صَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ دَيْنِهِ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ) أَيْ الْعَدْلُ.
وَقَوْلُهُ (فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ.
وَقَوْلُهُ (فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ) أَيْ مِلْكُ الْعَدْلِ.
وَقَوْلُهُ (لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ) أَيْ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ.
وَقَوْلُهُ (فَلَهُ) أَيْ فَلِلْعَدْلِ.
وَقَوْلُهُ (بَطَلَ الِاقْتِضَاءُ) أَيْ بَطَلَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ.
وَقَوْلُهُ (إنَّمَا أَدَّاهُ) أَيْ إنَّمَا أَدَّى الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْعَدْلِ لِيُسَلِّمْ لِلْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ.
وَقَوْلُهُ (رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ) أَيْ بِالثَّمَنِ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ سَلَّمَ لَهُ) أَيْ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْمَقْبُوضَ مِنْ الْعَدْلِ سُلِّمَ لِلْمُرْتَهِنِ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) أَيْ وَإِنْ شَاءَ الْعَدْلُ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ إلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ (فَيَرْجِعُ بِهِ) أَيْ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِحَقِّهِ الَّذِي هُوَ دَيْنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ.
وَقَوْلُهُ (لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُقْتَضِي) أَيْ عَلَى الْقَابِضِ.
وَقَوْلُهُ (فَيَكُونُ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ) فَإِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ وَسَلَّمَ لَهُ جَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ الضَّمَانُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ لَا يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ: أَيْ الْوَكِيلِ الَّذِي لَمْ تَكُنْ وَكَالَتُهُ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ وَبَيْنَ الْوَكَالَةِ الَّتِي بَعْدَ الْعَقْدِ فَقَالَ فِي الْوَكِيلِ الَّذِي كَانَتْ وَكَالَتُهُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ: يَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الرَّاهِنِ لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا التَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ قَالَ (وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ فَلَهُ الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِالْقَبْضِ (فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ فَقَدْ مَاتَ بِالدَّيْنِ)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَصَحَّ الْإِيفَاءُ (وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ وَبِدَيْنِهِ) أَمَّا بِالْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ، وَأَمَّا بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ انْتَقَضَ اقْتِضَاؤُهُ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ بِرُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ، وَالْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَرَارُ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ ابْتِدَاءً قُلْنَا: هَذَا طَعْنُ أَبِي خَازِمٍ الْقَاضِي وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ وَالْغُرُورُ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ كَأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ، وَالْمِلْكُ بِكُلِّ ذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَضْمَنُهُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الرَّهْنِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَقَدْ طَوَّلْنَا الْكَلَامَ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِالْقَبْضِ) يَعْنِي الرَّاهِنَ بِالتَّسْلِيمِ وَالْمُرْتَهِنَ بِالْقَبْضِ فَكَانَ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ وَقَوْلُهُ (فَلِأَنَّهُ انْتَقَضَ اقْتِضَاؤُهُ) أَيْ قَبْضُهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ الرَّاهِنِ حَتَّى يَكُونَ بِهَلَاكِهِ مُسْتَوْفِيًا.
وَقَوْلُهُ (طَعْنُ أَبِي خَازِمٍ) يَعْنِي هَذَا السُّؤَالَ طَعَنَ بِهِ أَبُو خَازِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَأَبُو خَازِمٍ هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ بِبَغْدَادَ.
وَقَوْلُهُ (وَالْغُرُورُ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي بِقَوْلِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ.
وَقَوْلُهُ (أَوْ بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الرَّاهِنِ (كَأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ) أَيْ كَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ وَكِيلٌ عَنْ الرَّاهِنِ مِنْ حَيْثُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ مِنْهُ إلَيْهِ كَانْتِقَالِ الْمِلْكِ مِنْ الْوَكِيلِ إلَى الْمُوَكِّلِ (وَالْمِلْكُ بِكُلِّ ذَلِكَ) أَيْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالِانْتِقَالِ (مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ) أَمَّا بِالتَّسْلِيمِ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ غَيْرَ مِلْكِهِ.
وَأَمَّا بِالِانْتِقَالِ فَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ غَاصِبٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِذَا ضَمِنَ مَلَكَ الْمَضْمُونَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ انْتَقَلَ إلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُرْتَهِنُ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِهِ فَيَمْلِكُ الرَّهْنَ بَعْد ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ مِلْكُ الرَّهْنِ مُتَأَخِّرًا عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ فَكَأَنَّهُ رَهَنَ غَيْرَ مِلْكِهِ، وَلَا يُشْكِلُ إذَا اسْتَحَقَّ رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَضَمِنَهُ الْمُضَارِبُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارَبَةُ نَافِذَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ مُتَأَخِّرًا عَنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ لِمَا ذَكَرْتُمْ أَنَّ الرُّجُوعَ بِالْغُرُورِ وَالْغُرُورَ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَلِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَنْشَأَ الْعَقْدَ بَعْدَ الرُّجُوعِ فَيَتَقَدَّرُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ لَيْسَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ.
وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي مَا إذَا ضَمِنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَضْمَنُهُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الرَّهْنِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَيْهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ.
وَقَوْلُهُ (وَقَدْ طَوَّلْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى) قِيلَ مُرَادُهُ مَسْأَلَةَ الْمُضَارَبَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ.
وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَأَبَقَ وَضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهُ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ وَبِالدَّيْنِ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ لِلرَّاهِنِ لِقَرَارِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ بَطَلَ الرَّهْنُ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلرَّاهِنِ فِيهِ مِنْ وَقْتِ التَّسْلِيمِ بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ سَابِقًا عَلَى ذَلِكَ

.بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ:

قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَمَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ تَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ (فَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ جَازَ)؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ (وَإِنْ قَضَاهُ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ جَازَ أَيْضًا)؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ وَالْمُقْتَضِي مَوْجُودٌ وَهُوَ التَّصَرُّفُ الصَّادِرُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ (وَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ)؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ، وَالْبَدَلُ لَهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ الْمَأْذُونِ إذَا بِيعَ بِرِضَا الْغُرَمَاءِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى الْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِالِانْتِقَالِ دُونَ السُّقُوطِ رَأْسًا فَكَذَا هَذَا (وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ فِي رِوَايَةٍ، حَتَّى لَوْ افْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ لَهُ أَنْ يُجِيزَ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ (وَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ لَهُ إنَّمَا يُثْبِتُ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ حَقِّهِ، وَحَقُّهُ فِي الْحَبْسِ لَا يَبْطُلُ بِانْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا، فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي صَبَرَ حَتَّى يَفْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ؛ إذْ الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَوِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْقَاضِي لَا إلَيْهِ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ هَذَا (وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ بَيْعًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ الْمُرْتَهِنُ فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ)؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْفُذْ وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي، فَلَوْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِي جَازَ الثَّانِي.
الشَّرْحُ:
(بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ) التَّصَرُّفُ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ كَوْنِهِ رَهْنًا فَكَانَ مُتَأَخِّرًا طَبْعًا فَأَخَّرَهُ وَضْعًا.
قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ إلَخْ) إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَأْذَنْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ عِبَارَةُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ.
فِي مَوْضِعٍ قَالَ بَيْعُ الْمَرْهُونِ فَاسِدٌ، وَفِي مَوْضِعٍ قَالَ جَائِزٌ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جَائِزٌ مَوْقُوفٌ.
وَقَوْلُهُ (فَاسِدٌ) مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَجُزْ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفْسِدُهُ إذَا خُوصِمَ إلَيْهِ فِيهِ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي التَّسْلِيمَ.
وَقَوْلُهُ (جَائِزٌ) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَهُ وَسَلَّمَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي مَالٍ لَهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ جَازَ مَوْقُوفًا كَمَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ تَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ تَمَّ الْعَقْدُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ رَاضِيًا، وَكَذَا لَوْ قَضَاهُ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ فَإِنْ أَجَازَ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.
وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ رَهْنًا كَانَ رَهْنًا وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَكَ الثَّمَنَ بِنُفُوذِ الْبَيْعِ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَلَا يَصِيرُ رَهْنًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَإِنْ فَسَخَهُ فَفِي الِانْفِسَاخِ رِوَايَتَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ.
وَقَوْلُهُ (وَوِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْقَاضِي لَا إلَيْهِ) أَيْ لَا إلَى الْمُرْتَهِنِ، لِأَنَّ هَذَا الْفَسْخَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَهُوَ إلَى الْقَاضِي.
وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ.
قَوْلُهُ (وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ وَلَمْ يُجِزْهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ بَاعَهُ بَيْعًا ثَانِيًا فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ كَالْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ لَا يَمْنَعُ عَنْ التَّوَقُّفِ، فَلَوْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِي جَازَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ، وَلَوْ أَجَازَ الْأَوَّلَ جَازَ الْأَوَّلُ.
وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَرْهَنُ لِيُبَاعَ فَأَيَّهمَا أَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ نَفَذَ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ إجَازَةَ الْبَيْعِ الثَّانِي لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُقُودِ الْبَاقِيَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنَّهُ بِإِجَازَتِهَا يَصِحُّ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْبَيْعُ وَلَمْ تَصِحَّ هِيَ، وَبِإِجَازَةِ الْبَيْعِ الثَّانِي لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا وَيَصِحُّ هُوَ.
وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِشَيْءٍ وَتَبَدَّلَ بِإِجَازَتِهِ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ، فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ثَانِيًا وَأَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ كَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا عِنْدَهُ فَكَانَ ذَا حَظٍّ مِنْ الْعَقْدِ الثَّانِي لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِبَدَلِهِ فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ.
وَإِذَا آجَرَ بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ رَهَنَ وَسَلَّمَ أَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ وَأَجَازَ هَذِهِ الْعُقُودَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَسَمَّاهُ أَوَّلًا لِوُقُوعِهِ قَبْلَهَا، لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ بَعْضُهَا لَا بَدَلَ فِيهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَبَعْضُهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَدَلٌ لَكِنْ لَيْسَ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا حَظٌّ لَمْ يَصِحَّ تَعْيِينُهُ وَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَنَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ.
وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ اعْتِمَادًا عَلَى كَوْنِهِ مَعْلُومًا (وَلَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَّرَ أَوْ وَهَبَ أَوْ رَهَنَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْعُقُودَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ ذُو حَظٍّ مِنْ الْبَيْعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِبَدَلِهِ فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ لِتَعَلُّقِ فَائِدَتِهِ بِهِ، أَمَّا لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ فِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ، وَاَلَّذِي فِي الْإِجَارَةِ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ لَا بَدَلُ الْعَيْنِ، وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ فَوَضَحَ الْفَرْقُ قَالَ (وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ نَفَذَ عِتْقُهُ) وَفِي بَعْضِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْفُذُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُوسِرًا حَيْثُ يَنْفُذُ عَلَى بَعْضِ أَقْوَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ مَعْنًى بِالتَّضْمِينِ، وَبِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَبْقَى مُدَّتُهَا؛ إذْ الْحُرُّ يَقْبَلُهَا، أَمَّا مَا لَا يَقْبَلُ الرَّهْنَ فَلَا يَبْقَى وَلَنَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَلْغُو بِصَرْفِهِ بِعَدَمِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ أَعْتَقَ الْآبِقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ، وَلَا خَفَاءَ فِي قِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي، وَعَارِضُ الرَّهْنِ لَا يُنْبِئُ عَنْ زَوَالِهِ ثُمَّ إذَا زَالَ مِلْكُهُ فِي الرَّقَبَةِ بِإِعْتَاقِهِ يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْيَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ، فَلَمَّا لَمْ يُمْنَعْ الْأَعْلَى لَا يُمْنَعُ الْأَدْنَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَإِعْتَاقُ الْوَارِثِ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَلْغُو بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِذَا نَفَذَ الْإِعْتَاقُ بَطَلَ الرَّهْنُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (إنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا، وَالدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ طُولِبَ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ)؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ مُتَحَقِّقٌ، وَفِي التَّضْمِينِ فَائِدَةٌ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَرَدَّ الْفَضْلَ (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ إلَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَقِ يَرْجِعُ إلَى مَنْ يَنْتَفِعُ بِعِتْقِهِ وَهُوَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا سَعَى عَلَى مَوْلَاهُ إذَا أَيْسَرَ)؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَسْعَى فِي الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي ضَمَانًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِتَكْمِيلِهِ، وَهُنَا يَسْعَى فِي ضَمَانٍ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَ تَمَامِ إعْتَاقِهِ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ فِي الْمُسْتَسْعَى الْمُشْتَرَكِ فِي حَالَتَيْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَفِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ شَرَطَ الْإِعْسَارَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْمِلْكِ وَأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ حَقِيقَتِهِ الثَّابِتَةِ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ فَوَجَبَ السِّعَايَةُ هُنَا فِي حَالَةِ وَاحِدَةٍ إظْهَارُ النُّقْصَانِ رُتْبَتَهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي حَيْثُ لَا يَسْعَى لِلْبَائِعِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَرْهُونُ يَسْعَى؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْ عَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْمُرْتَهِنُ يَنْقَلِبُ حَقُّهُ مِلْكًا، وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الرَّاهِنِ حَتَّى يُمْكِنَهُ الِاسْتِرْدَادُ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا السِّعَايَةَ فِيهِمَا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ نَفَذَ عِتْقُهُ إلَخْ) إذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ نَفَذَ عِتْقُهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا.
وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَقْوَالٌ شُمُولُ النُّفُوذِ وَعَدَمُهُ وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ.
قَالَ فِي الْمُعْسِرِ: فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَجُوزُ كَالْبَيْعِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَسْرَعُ نُفُوذًا مِنْ الْعِتْقِ حَيْثُ جَازَ مِنْ الْمُكَاتَبِ دُونَ الْعِتْقِ.
وَلَنَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ صَحَّ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ الْآبِقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ فَإِنَّهَا تُشْرِكُ الْمَرْهُونَ فِي فَوَاتِ يَدِ الْمَالِكِ وَفِي انْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ إنْ بَاعَ، فَكَانَ الْمُقْتَضَى مُتَحَقِّقًا وَالْمَانِعُ مُنْتَفِيًا فَثَبَتَ الْحُكْمُ.
أَمَّا تَحَقُّقُ الْمُقْتَضَى فَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ عَنْ أَهْلِهِ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ مُضَافٌ إلَى مَحَلِّهِ، لِأَنَّهُ لَا خَفَاءَ فِي قِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِقِيَامِ مُقْتَضِيهِ وَهُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِتَمَلُّكِهِ قَبْلَ الرَّهْنِ.
وَأَمَّا انْتِفَاءُ الْمَانِعِ فَلِأَنَّ عَارِضَ النَّهْيِ لَا يُنْبِئُ عَنْ زَوَالِهِ لِأَنَّ مُوجَبَ عَقْدِ الرَّهْنِ إمَّا ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا هُوَ عِنْدَنَا أَوْ هُوَ حَقُّ الْبَيْعِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْعَيْنِ فَيَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى مَا كَانَ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ، وَإِذَا كَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ أَزَالَهُ بِالْإِعْتَاقِ صَحَّ، وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْيَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ الْأَعْلَى وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ لِلشَّرِيكِ عَنْ صِحَّةِ الْعِتْقِ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ الْأَدْنَى وَهُوَ يَدُ الْمُرْتَهِنِ أَوْلَى.
فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ الْمَانِعُ مُنْحَصِرًا فِيمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بَلْ مُجَرَّدُ تَعَلُّقِ الْحَقِّ مَانِعٌ وَلِهَذَا مَنَعَ النَّفَاذَ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ إنَّمَا صَلَحَ مَانِعًا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِإِعْدَامِهِ قُدْرَةَ الْعَاقِدِ عَلَى التَّسْلِيمِ الْمَشْرُوطِ بِصِحَّةِ الْعَقْدَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ فِي الْإِعْتَاقِ فَلَا يَصْلُحُ مَانِعًا.
وَقَوْلُهُ (وَإِعْتَاقُ الْوَارِثِ) جَوَابٌ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَادَّعَى أَنَّ إعْتَاقَهُ لَغْوٌ.
وَصُورَتُهُ مَرِيضٌ أَوْ وَصِيٌّ بِرَقَبَةِ عَبْدِهِ لِشَخْصٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ مَاتَ وَأَعْتَقَ الْوَارِثُ الْعَبْدَ لَمْ يَنْفُذْ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الرَّهْنِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْغُو بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا إشْكَالَ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ.
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا نَفَذَ الْإِعْتَاقُ) رَاجِعٌ إلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ: يَعْنِي فَإِذَا ثَبَتَ تَحَقُّقُ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ نَفَذَ الْإِعْتَاقُ، وَإِذَا نَفَذَ الْإِعْتَاقُ بَطَلَ الرَّهْنُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَمَا بَعْدَهُ ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ) يَعْنِي إلَّا إذَا كَانَ الْحَاصِلُ مِنْ السِّعَايَةِ بِخِلَافِ جِنْسِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ بَلْ يُبْدِلُ بِهِ جِنْسَ حَقِّهِ وَيَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ) دَلِيلُ وُجُوبِ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ.
وَقَوْلُهُ (نَذْكُرُهُ) يَعْنِي فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِيلَادِ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ.
وَقَوْلُهُ (وَعِنْدَهُمَا لِتَكْمِيلِهِ) يَعْنِي وَإِنْ عَتَقَ عِنْدَهُمَا لَكِنْ فِي عِتْقِهِ نُقْصَانٌ لِكَوْنِهِ مَطْلُوبًا بِالسِّعَايَةِ، فَإِذَا أَدَّاهَا كَمُلَ الْعِتْقُ.
وَقَوْلُهُ (إلَّا رِوَايَةً) عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ الْمَبِيعَ مَحْبُوسٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَالرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرْتَهِنُ يَنْقَلِبُ حَقُّهُ مِلْكًا) يَعْنِي أَنَّ الرَّهْنَ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ مَالِكًا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَبَاقِي كَلَامِهِ وَاضِحٌ (وَلَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى بِرَهْنِ عَبْدِهِ) بِأَنْ قَالَ (لَهُ رَهَنْتُك عِنْدَ فُلَانٍ وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ تَجِبُ السِّعَايَةُ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهُوَ يُعْتَبَرُ، بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَنَحْنُ نَقُولُ أَقَرَّ بِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِي حَالٍ يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ فِيهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ قَالَ (وَلَوْ دَبَّرَهُ الرَّاهِنُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ بِالِاتِّفَاقِ) أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ عَلَى أَصْلِهِ (وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ صَحَّ الِاسْتِيلَادُ بِالِاتِّفَاقِ)؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِأَدْنَى الْحَقَّيْنِ وَهُوَ مَا لِلْأَبِ فِي جَارِيَةِ الِابْنِ فَيَصِحُّ بِالْأَعْلَى (وَإِذَا صَحَّا خَرَجَا مِنْ الرَّهْنِ) لِبُطْلَانِ الْمَحَلِّيَّةِ؛ إذْ لَا يَصِحُّ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُمَا (فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا) عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِعْتَاقِ (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْمُرْتَهِنُ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ)؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مَالُ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ حَيْثُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّهُ، وَالْمُحْتَبَسُ عِنْدَهُ لَيْسَ إلَّا قَدْرَ الْقِيمَةِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَلَا يَرْجِعَانِ بِمَا يُؤَدِّيَانِ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَاهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى، وَالْمُعْتَقُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مِلْكَهُ عَنْهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ عَلَى مَا مَرَّ وَقِيلَ الدَّيْنُ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا يَسْعَى الْمُدَبَّرُ فِي قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الرَّهْنِ حَتَّى تُحْبَسَ مَكَانَهُ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْعِوَضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ، وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمُدَبَّرَ وَقَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ أَوْ لَمْ يَقْضِ لَمْ يَسْعَ إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِلْكُهُ، وَمَا أَدَّاهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى.
الشَّرْحُ:
قَالَ: (وَلَوْ دَبَّرَهُ الرَّاهِنُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ إلَخْ) الرَّاهِنُ إذَا دَبَّرَ الرَّهْنَ صَحَّ تَدْبِيرُهُ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ وَحَقِيقَتُهُ لَمْ تُمْنَعْ فَحَقُّهُ أَوْلَى، وَأَمَّا عِنْدَهُ: أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ.
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا صَحَّا) يَعْنِي التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ (خَرَجَا) أَيْ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ: يَعْنِي عِنْدَنَا.
وَأَمَّا عِنْدَهُ فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِقَبُولِهِ حُكْمِ الرَّهْنِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ قَالَ (وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ)؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ، وَالضَّمَانُ رَهْنٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْعَيْنِ (فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْمُرْتَهِنُ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ فَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ وَتَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ الرَّهْنِ حَالَ قِيَامِهِ فَكَذَا فِي اسْتِرْدَادِ مَا قَامَ مَقَامَهُ، وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَيَوْمَ رَهَنَ أَلْفًا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَتْ رَهْنًا وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ فَصَارَ الْحُكْمُ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الزِّيَادَةَ كَأَنَّهَا هَلَكَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ لَا يَوْمَ الْفِكَاكِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ اسْتِيفَاءً، إلَّا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ (وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ غَرِمَ الْقِيمَةَ)؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ (وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ)؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْعَيْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ (وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ وَهُوَ عَلَى صِفَةِ الْقِيمَةِ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ مِنْهَا قَدْرَ حَقِّهِ)؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ (ثُمَّ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ يَرُدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ)؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَقَدْ فَرَغَ عَنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ (وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الدَّيْنِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ)؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْإِتْلَافِ وَهُوَ قِيمَتُهُ يَوْمَ أُتْلِفَ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا.
وَقَوْلُهُ (وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ) يَعْنِي الْأَجْنَبِيَّ، وَقَيَّدَهُ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ اسْتِهْلَاكِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبَضَ لَا يَوْمَ هَلَكَ كَمَا سَيَجِيءُ.
وَقَوْلُهُ (كَأَنَّهَا هَلَكَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ) يَعْنِي تَكُونُ الزِّيَادَةُ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُرْتَهِنِ.
وَقَوْلُهُ (وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ) تَعْلِيلُ ذَلِكَ، قِيلَ عَلَيْهِ النُّقْصَانُ إنَّمَا هُوَ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَغَيَّرَتْ فَكَانَتْ بِمَثَابَةِ لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً تَرْجِعُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، فَبِالْهَلَاكِ فَاتَتْ تِلْكَ الصَّلَاحِيَةُ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي ابْتِدَاءِ الْقَبْضِ ضَمَانُ تِلْكَ الْقِيمَةِ فَسَقَطَ قَدْرُ النُّقْصَانِ مِنْ الْعَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الْعَيْنُ وَقَدْ تَرَاجَعَ السِّعْرُ، لِأَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي قَبَضَهَا بِحَالِهَا مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الدَّيْنِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ) إشَارَةٌ إلَى هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ. قَالَ (وَإِذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ لِيَخْدُمَهُ أَوْ لِيَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا فَقَبَضَهُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ) لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ (فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ) لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمَضْمُونِ (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ إلَى يَدِهِ)؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بَاقٍ إلَّا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فِي الْحَالِّ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَارِيَّةِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَالضَّمَانُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الرَّهْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ثَابِتٌ فِي وَلَدِ الرَّهْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِالْهَلَاكِ، وَإِذَا بَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ فَإِذَا أَخَذَهُ عَادَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ عَادَ الْقَبْضُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَيَعُودُ بِصِفَتِهِ (وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ حُكْمُ الضَّمَانِ) لِمَا قُلْنَا (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّهُ رَهْنًا كَمَا كَانَ)؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا مُحْتَرَمًا فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَإٍ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ) فِيهِ تَسَامُحٌ، لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُهَا فَكَيْفَ يَمْلِكُهَا غَيْرُهُ، وَلَكِنْ لَمَّا عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْإِعَارَةِ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ وَتَمَكَّنَ اسْتِرْدَادُ الْمُعِيرِ أَطْلَقَ الْإِعَارَةَ.
وَقَوْلُهُ (لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ) لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَقَبْضَ الْعَارِيَّةِ لَا يُوجِبُهُ.
وَفِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْإِعَارَةِ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا كَانَ يَدُ الرَّاهِنِ بَعْدَ الْإِعَارَةِ يَدَ الْمُرْتَهِنِ، وَيَدُهُ إذْ ذَاكَ يَدُ عَارِيَّةٍ وَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا لَا مَحَالَةَ، فَاعْتَبَرْنَا يَدَ الرَّاهِنِ يَدَ رَهْنٍ لِلُزُومِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَأَزَلْنَا الضَّمَانَ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لَهُ وَهُوَ مَحْسُوسٌ لَا يَرِدُ، وَلِجَوَازِ انْفِكَاكِ الرَّهْنِ عَنْ كَوْنِهِ مَضْمُونًا فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي وَلَدِ الرَّهْنِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ.
وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ.
وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إعَارَةِ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ أَجْنَبِيًّا (بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) وَجُمْلَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ سِتَّةٌ: الْعَارِيَّةُ، الْوَدِيعَةُ، وَالرَّهْنُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ فَالْعَارِيَّةُ تُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ هُوَ الرَّاهِنَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ إذَا هَلَكَ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ أَجْنَبِيًّا وَلَا يُرْفَعُ عَقْدُ الرَّهْنِ، وَحُكْمُ الْوَدِيعَةِ كَحُكْمِ الْعَارِيَّةِ، وَالرَّهْنُ يُبْطِلُ عَقْدَ الرَّهْنِ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَالْمُسْتَأْجِرُ إنْ كَانَ هُوَ الرَّاهِنَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعَارَ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَهُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنَ وَجَدَّدَ الْقَبْضَ لِلْإِجَارَةِ أَوْ أَجْنَبِيًّا بِمُبَاشَرَةِ أَحَدِهِمَا الْعَقْدَ بِإِذْنِ الْآخَرِ بَطَلَ الرَّهْنُ وَالْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ وَوِلَايَةُ الْقَبْضِ لِلْعَاقِدِ وَلَا يَعُودُ رَهْنًا إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ بِهِمَا إذَا كَانَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِمُبَاشَرَةِ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ، وَأَمَّا مِنْ الرَّاهِنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ (وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ)؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَازِمٌ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الرَّهْنِ، أَمَّا بِالْعَارِيَّةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ فَافْتَرَقَا (وَإِذَا اسْتَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ لِيَعْمَلَ بِهِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ هَلَكَ عَلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ) لِبَقَاءِ يَدِ الرَّهْنِ (وَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ) لِارْتِفَاعِ يَدِ الْعَارِيَّةِ (وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ هَلَكَ بِغَيْرِ ضَمَانٍ) لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِيَدِ الرَّاهِنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ (وَكَذَا إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِعْمَالِ) لِمَا بَيَّنَّاهُ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي فِي صُورَةِ الْعَارِيَّةِ، ثُمَّ لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْهَلَاكِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ. (وَمَنْ اسْتَعَارَ مِنْ غَيْرِهِ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ فَمَا رَهَنَهُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَهُوَ جَائِزٌ)؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَدِ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّبَرُّعِ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا يَنْفَصِلُ زَوَالًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَالْإِطْلَاقُ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ خُصُوصًا فِي الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ (وَلَوْ عَيَّنَ قَدْرًا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَا بِأَقَلَّ مِنْهُ)؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ، وَهُوَ يَنْفِي الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الِاحْتِبَاسُ بِمَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ، وَيَنْفِي النُّقْصَانَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنْ يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَكْثَرِ بِمُقَابَلَتِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لِيَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ (وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِالْجِنْسِ وَبِالْمُرْتَهِنِ وَبِالْبَلَدِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُفِيدٌ لِتَيَسُّرِ الْبَعْضِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْبَعْضِ وَتَفَاوُتِ الْأَشْخَاصِ فِي الْأَمَانَةِ وَالْحِفْظِ (فَإِذَا خَالَفَ كَانَ ضَامِنًا، ثُمَّ إنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ وَيَتِمُّ عَقْدُ الرَّهْنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ (وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَ وَبِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ (وَإِنْ وَافَقَ) بِأَنْ رَهَنَهُ بِمِقْدَارِ مَا أَمَرَهُ بِهِ (إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ يَبْطُلُ الْمَالُ عَنْ الرَّاهِنِ) لِتَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ بِالْهَلَاكِ (وَوَجَبَ مِثْلُهُ لِرَبِّ الثَّوْبِ عَلَى الرَّاهِنِ)؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلرُّجُوعِ دُونَ الْقَبْضِ بِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِرِضَاهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ وَوَجَبَ مِثْلُهُ لِرَبِّ الثَّوْبِ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
(وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ذَهَبَ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بَقِيَّةُ دَيْنِهِ لِلْمُرْتَهِنِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الِاسْتِيفَاءُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ وَعَلَى الرَّاهِنِ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ مَا صَارَ بِهِ مُوفِيًا لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ فَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا قَضَى دَيْنَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ حَيْثُ يُخَلِّصُ مِلْكَهُ وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى الْمُعِيرُ فَأُجْبِرَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الدَّفْعِ (بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ إذَا قَضَى الدَّيْنَ)؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ؛ إذْ هُوَ لَا يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَلَا فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَكَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ (وَلَوْ هَلَكَ الثَّوْبُ الْعَارِيَّةُ عِنْدَ الرَّاهِنِ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ أَوْ بَعْدَ مَا افْتَكَّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا بِهَذَا، وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْإِيفَاءَ بِدَعْوَاهُ الْهَلَاكَ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ.
(كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ بِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ)؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي إنْكَارِ أَصْلِهِ فَكَذَا فِي إنْكَارِ وَصْفِهِ (وَلَوْ رَهَنَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِدَيْنٍ مَوْعُودٍ وَهُوَ أَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ لِيُقْرِضَهُ كَذَا فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ وَالْمُسَمَّى وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ يَضْمَنُ قَدْرَ الْمَوْعُودِ الْمُسَمَّى) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ كَالْمَوْجُودِ وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَسَلَامَتِهِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَنْهُ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَمَنْ اسْتَعَارَ مِنْ غَيْرِهِ ثَوْبًا إلَخْ) وَمَنْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ فَالْمُعِيرُ إمَّا أَنْ يُطْلِقَ فِي ذَلِكَ أَوْ يُقَيِّدَهُ بِشَيْءٍ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَمَا رَهَنَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ جَائِزٌ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ وَكَانَ ذَلِكَ تَبَرُّعًا مِنْ الْمُعِيرِ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَدِ فَيُعْتَبَرُ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ جَمِيعًا بِأَنْ اسْتَأْذَنَ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنًا عَلَيْهِ بِمَالِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: اعْتِبَارٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صِحَّةُ ذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ فِيهِ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاتِّصَالَ غَيْرُ مَانِعٍ لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا كَالصَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ مِلْكُ الْعَيْنِ دُونَ الْيَدِ، وَزَوَالًا كَالْبَائِعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَزُولُ مِلْكُ الْيَدِ دُونَ مِلْكِ الْعَيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكُ الْيَدِ دُونَ الْعَيْنِ.
قَوْلُهُ (لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ) يَعْنِي الْمُنَازَعَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَإِنَّهَا هِيَ الْمُفْسِدَةُ لِلْعَقْدِ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَعَارَ ثَوْبًا وَأَطْلَقَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي سَوَاءٌ كَانَ التَّقْيِيدُ بِالْقَدْرِ أَوْ الْجِنْسِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْبَلَدِ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالْمُخَالَفَةِ لِصَيْرُورَتِهِ غَاصِبًا بِالتَّصَرُّفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ التَّقْيِيدُ بِالْقَدْرِ هِيَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ الْغَرَضِ فَإِنَّ غَرَضَهُ الِاحْتِبَاسُ بِمَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ إنْ احْتَاجَ إلَى فِكَاكِهِ وَهُوَ أَقَلُّ الْمَالَيْنِ، فَالزِّيَادَةُ زِيَادَةُ ضَرَرٍ وَبَقِيَ النُّقْصَانُ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّ الرَّاهِنَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا تَمَّ الِاسْتِيفَاءُ بِهِ بِالْهَلَاكِ، وَيَفُوتُ ذَلِكَ إذَا رَهَنَ بِالْأَقَلِّ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (وَوَجَبَ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ مَا تَمَّ الِاسْتِيفَاءُ بِهِ بِالْهَلَاكِ وَهُوَ مِقْدَارُ الدَّيْنِ الْمُسَمَّى لَا مِثْلُ قِيمَةِ الثَّوْبِ إنْ كَانَتْ أَكْثَرَ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ أَمَانَةٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَهُوَ مَا إذَا وَافَقَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُعِيرَ فِيمَا شَرَطَهُ.
وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّاهُ إشَارَةٌ إلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ (أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ) قِيلَ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ.
وَقِيلَ نِيَابَةً وَلَعَلَّهُ مِنْ الْجُبْرَانِ: يَعْنِي جُبْرَانًا لِمَا فَاتَ عَنْ الرَّاهِنِ مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْسِهِ.
وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَيْسَ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ مَعْنَاهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى إذَا كَانَ مَا أَدَّاهُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ لَا مَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهَا: يَعْنِي إنْ كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَلْفًا وَرَهَنَهُ بِأَلْفَيْنِ فَافْتَكَّهُ الْمُعِيرُ بِأَلْفَيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ لَمْ يَضْمَنْ الرَّاهِنُ لِلْمُعِيرِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ.
وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِهِ (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي كَوْنِ الْهَلَاكِ حَالَ الرَّهْنِ أَوْ غَيْرَهُ فَقَالَ الْمُعِيرُ هَلَكَ حَالَ الرَّهْنِ وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ هَلَكَ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِكَاكِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ لِمَا ذُكِرَ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُعِيرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الضَّمَانَ.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ الْهَلَاكَ بَعْدَ الْفِكَاكِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ رَهْنُهُ الثَّوْبَ بِدَيْنِهِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يَنْسَخُهُ وَهُوَ الْفِكَاكُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ حُجَّةٍ كَمَا إذَا ادَّعَى الْغَاصِبُ رَدَّ الْمَغْصُوبِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ عَنْ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ الرَّهْنِ وَلَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ اخْتَلَفَا) هَكَذَا فِي نُسْخَةِ قِرَاءَتِي عَلَى الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي النُّسَخِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالصَّوَابُ بِالْوَاوِ لِأَنَّ فِي لَفْظٍ كَمَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ، إذْ فِي الْأَوَّلِ الْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ وَفِي الثَّانِي لِلْمُعِيرِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّشْبِيهُ.
وَقَوْلُهُ (فِي إنْكَارِ أَصْلِهِ) يُرِيدُ عَقْدَ الْعَارِيَّةِ (وَلَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُعِيرُ جَازَ) لِقِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ (ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهِ (وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعِيرُ قِيمَتَهُ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ بِرِضَاهُ وَقَدْ أَتْلَفَهُ بِالْإِعْتَاقِ (وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ دَيْنَهُ فَيَرُدَّهَا إلَى الْمُعِيرِ)؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَهِنَ اسْتَرَدَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ مِنْ الْمُعِيرِ وَاسْتِرْدَادُ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ، وَلَوْ اسْتَرَدَّ الْعَيْنَ ثُمَّ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْن فَكَذَلِكَ رَدُّ قِيمَتِهِ (وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً لِيَرْهَنَهُ فَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُمَا ثُمَّ رَهَنَهُمَا بِمَالٍ مِثْلِ قِيمَتِهِمَا ثُمَّ قَضَى الْمَالَ فَلَمْ يَقْبِضْهُمَا حَتَّى هَلَكَا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاهِنِ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ حِينَ رَهَنَهُمَا، فَإِنَّهُ كَانَ أَمِينًا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ (وَكَذَا إذَا افْتَكَّ الرَّهْنَ ثَمَّ رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ فَلَمْ يَعْطَبْ ثُمَّ عَطِبَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا يَضْمَنُ)؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفِكَاكِ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ لَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْفِكَاكِ وَقَدْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ، أَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فِي الرَّهْنِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الْآمِرِ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ وَتَحَقُّقِ الِاسْتِيفَاءِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً لِيَرْهَنَهُ) وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (فِي آخِرِهِ أَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فِي الرَّهْنِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الْآمِرِ) يَعْنِي بِتَسْلِيمِ الرَّهْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ سَعَى فِي جَعْلِ الْمُسْتَعِيرِ فِي الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمُودَعِ لِيَكُونَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ رَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ فَيَبْرَأَ مِنْ الضَّمَانِ، وَهُوَ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الِاسْتِعْمَالُ قَبْلَ الرَّهْنِ، أَمَّا بَعْدَ فِكَاكِهِ فَلَيْسَ ثَمَّةَ تَحْصِيلُ مَقْصُودِ الْآمِرِ فَلَا يَكُونُ دَافِعًا لِمَا يَرِدُ مِنْ صُورَةِ الْمُسْتَعِيرِ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ.
وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ ثَمَّ الرَّدُّ إلَى نَائِبِ الْمُعِيرِ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ نَفْسُهُ قَدْ وُجِدَ، لِأَنَّ الرَّاهِنَ الَّذِي هُوَ الْمُسْتَعِيرُ بَعْدَ الْفِكَاكِ مُودَعٌ وَالْمُودَعُ يَبْرَأُ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ.
فَالْعَوْدُ إلَى الْوِفَاقِ قَبْلَ الرَّهْنِ كَأَنَّهُ رَدَّ إلَى صَاحِبِهِ حُكْمًا وَبَعْدَهُ إلَى نَائِبِهِ كَذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَأَمَّا اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَالَ (وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ)؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ حَقٍّ لَازِمٍ مُحْتَرَمٍ، وَتَعَلُّقُ مِثْلِهِ بِالْمَالِ يَجْعَلُ الْمَالِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ كَتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ يَمْنَعُ نَفَاذَ تَبَرُّعِهِ فِيمَا وَرَاءَ الثُّلُثِ، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا أَتْلَفَهُ الْوَرَثَةُ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ لِيُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ يَقُومُ مَقَامَهُ.
الشَّرْحُ:
قَالَ: (وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) مَعْنَاهُ وَاضِحٌ وَعَنَى بِاللَّازِمِ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَى إسْقَاطِهِ بِانْفِرَادِهِ وَبِالْمُحْتَرَمِ هُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مَمْنُوعًا عَنْ إبْطَالِهِ قَالَ (وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ تَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى صِفَةِ الدَّيْنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُ الْمَالِكِ، وَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ فَيَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ قَالَ (وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَعَلَى مَالِهِمَا هَدْرٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: جِنَايَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ، أَمَّا الْوِفَاقِيَّةُ فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ كَانَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ يَثْبُتُ لِلْغَاصِبِ مُسْتَنِدًا حَتَّى يَكُونَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ، فَكَانَتْ جِنَايَةً عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ فَاعْتُبِرَتْ وَلَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهِ وَفِي الِاعْتِبَارِ فَائِدَةٌ وَهُوَ دَفْعُ الْعَبْدِ إلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فَتُعْتَبَرُ ثُمَّ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَبْطَلَا الرَّهْنَ وَدَفَعَاهُ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا أَطْلُبُ الْجِنَايَةَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ عَلَيْهِ التَّطْهِيرُ مِنْ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يُفِيدُ وُجُوبُ الضَّمَانِ لَهُ مَعَ وُجُوبِ التَّخْلِيصِ عَلَيْهِ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى مَالِ الْمُرْتَهِنِ لَا تُعْتَبَرُ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ الْعَبْدَ وَهُوَ الْفَائِدَةُ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ؛ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ فَأَشْبَهَ جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ فِيهِ ثَابِتٌ فَصَارَ كَالْمَضْمُونِ، وَهَذَا بِخِلَافِ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ ابْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ حَقِيقَةٌ مُتَبَايِنَةٌ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ) يَعْنِي أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهَا خَطَأً أَمَّا مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَقَوْلُهُ (أَمَّا الْوِفَاقِيَّةُ) يَعْنِي أَمَّا وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اتَّفَقُوا فِي حُكْمِهَا وَهِيَ أَنَّ جِنَايَةَ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ هَدَرٌ (فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ) فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَجَبَ الْكَفَنُ عَلَى مَوْلَاهُ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ هَدَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِذَا جَنَى عَلَيْهِ شَيْءٌ لَكَانَ وَاجِبًا لَهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ.
وَنُوقِضَ بِالْمَغْصُوبِ إذَا جَنَى عَلَى مَالِكِهِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الضَّمَانَ.
وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَا فِي الْكِتَابِ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا دَمُهُ وَالْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ إقْرَارَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَبِالْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ صَحِيحٌ وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ.
وَلَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهِ.
إذْ الْمُرْتَهِنُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْعَيْنِ وَحُصُولُهَا عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا لَوْ حَصَلَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ آخَرَ.
فَإِنْ قِيلَ: مَالِيَّتُهُ مُحْتَبِسَةٌ بِدَيْنِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَفِي الِاعْتِبَارِ فَائِدَةٌ وَهُوَ دَفْعُ الْعَبْدِ إلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فَتُعْتَبَرُ) وَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ فَإِنَّ إبْقَاءَهُ رَهْنًا وَجَعْلَهُ بِالدَّيْنِ لَا يُثْبِتُ لَهُ مِلْكَ الْعَيْنِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي مِلْكِ الْعَيْنِ فَيَحْصُلُ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي ذَلِكَ يَتْرُكُ طَلَبَ الْجِنَايَةِ وَيَسْتَبْقِيهِ رَهْنًا كَمَا كَانَ.
وَقَوْلُهُ (وَدَفَعَاهُ) فِيهِ تَسَامُحٌ، لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَدْفَعُ الْعَبْدَ إلَى نَفْسِهِ، وَمُخَلِّصُهُ الْمُشَاكَلَةُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَابِلًا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الدَّافِعِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ أَوْ التَّغْلِيبِ سَمَّاهُ دَافِعًا وَثَنَّاهُ (وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ التَّطْهِيرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ) لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ كَالرَّاهِنِ، فَكَانَ حُكْمُ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ لَهُ وَعَلَيْهِ فِي حَقِّ شَيْءٍ وَاحِدٍ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ) بِأَنْ كَانَ الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ أَلْفًا وَأَتْلَفَ مَتَاعَ الْمُرْتَهِنِ فَقَالَ لِلرَّاهِنِ إمَّا أَنْ تَقْضِيَ نِصْفَ دَيْنِهِ أَوْ يُبَاعَ عَلَيْك الْعَبْدُ، فَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ الْقَضَاءِ بِيعَ الْعَبْدُ وَيَسْتَوْفِي الْمُرْتَهِنُ مِنْ ثَمَنِهِ تَمَامَ قِيمَةِ الْمَتَاعِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ أَخَذَ الرَّاهِنُ نِصْفَهُ وَالْمُرْتَهِنُ نِصْفَهُ، لِأَنَّهُ بَدَلُ عَبْدٍ نِصْفُهُ أَمَانَةٌ وَنِصْفُهُ مَضْمُونٌ، وَبَدَلُ الْأَمَانَةِ لِلرَّاهِنِ وَبَدَلُ الْمَضْمُونِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ قَضَى النِّصْفَ زَالَ الدَّيْنُ وَبَقِيَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِحَالِهِ، وَهَذَا وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَوَجْهُ غَيْرِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَوْنِ الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ هَدَرًا (بِخِلَافِ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ ابْنِ الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ حَقِيقَةٌ مُتَبَايِنَةٌ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ قَالَ (وَمَنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ فَنَقَصَ فِي السِّعْرِ فَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ مِائَةً ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَقْبِضُ الْمِائَةَ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ) وَأَصْلُهُ أَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهُوَ يَقُولُ: إنَّ الْمَالِيَّةَ قَدْ انْتَقَصَتْ فَأَشْبَهَ انْتِقَاصَ الْعَيْنِ وَلَنَا أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ بِهِ الْخِيَارُ وَلَا فِي الْغَصْبِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ، بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْهُ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ فِيهِ؛ إذْ الْيَدُ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ بَقِيَ مَرْهُونًا بِكُلِّ الدَّيْنِ، فَإِذَا قَتَلَهُ حُرٌّ غَرِمَ قِيمَتَهُ مِائَةً؛ لِأَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّ الْجَابِرَ بِقَدْرِ الْفَائِتِ، وَأَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَإِنْ كَانَ مُقَابَلًا بِالدَّمِ عَلَى أَصْلِنَا حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبِ الْمَالِيَّةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ فَكَذَا فِيمَا قَامَ مَقَامَهُ، ثُمَّ لَا يُرْجَعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الرَّهْنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَبِالْهَلَاكِ يَتَقَرَّرُ، وَقِيمَتُهُ كَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ أَلْفًا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَوْ نَقُولُ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا الْأَلْفَ بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا الْمِائَةَ وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ فِي الْعَيْنِ، فَإِذَا هَلَكَ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا تِسْعَمِائَةٍ بِالْهَلَاكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ قَتْلِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا الْكُلَّ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا قَالَ (وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ بِمِائَةٍ وَقَبَضَ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ فَيَرْجِعُ بِتِسْعِمِائَةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَبْقَى الدَّيْنُ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى، وَكَذَا هَذَا قَالَ (وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدُفِعَ مَكَانَهُ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَالِهِ وَقَالَ زُفَرُ: يَصِيرُ رَهْنًا بِمِائَةٍ لَهُ أَنَّ يَدَ الرَّهْنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ، إلَّا أَنَّهُ أَخْلَفَ بَدَلًا بِقَدْرِ الْعُشْرِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ وَلِأَصْحَابِنَا عَلَى زُفَرَ أَنَّ الْعَبْدَ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ قَائِمًا وَانْتُقِضَ السِّعْرُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا، فَكَذَلِكَ إذَا قَامَ الْمَدْفُوعُ مَكَانَهُ وَلِمُحَمَّدٍ فِي الْخِيَارِ أَنَّ الْمَرْهُونَ تَغَيَّرَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَيُخَيَّرُ الرَّاهِنُ كَالْمَبِيعِ إذَا قُتِلَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَغْصُوبِ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ كَذَا هَذَا وَلَهُمَا أَنَّ التَّغَيُّرَ لَمْ يَظْهَرْ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ زُفَرَ، وَعَيْنُ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ عِنْدَنَا فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلِأَنَّ جَعْلَ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ، وَأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ فِيهِ حُكْمُهُ الْفَسْخُ وَهُوَ مَشْرُوعٌ وَبِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَشْرُوعٌ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ قَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةً فَدُفِعَ بِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَمَنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ) نُقْصَانُ الْقِيمَةِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ بَعْدَ مَا قَبَضَ الرَّهْنَ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ، وَلِهَذَا لَوْ نَقَصَ بِهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَالرَّاهِنُ يُطَالَبُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عِنْدَ رَدِّ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ.
وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ) نَتِيجَةُ قَوْلِهِ كَانَ مُقَابَلًا بِالدَّمِ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَوْلَى اسْتَحَقَّهُ) دَلِيلُ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ.
وَقَوْلُهُ (أَوْ نَقُولُ) دَلِيلٌ آخَرُ: أَيْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِأَلْفِ الدَّيْنِ بِالْمِائَةِ الَّتِي غَرِمَهَا الْحُرُّ بِقَتْلِ الرَّهْنِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا الْمِائَةَ وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ فِي الْعَيْنِ، وَإِذَا هَلَكَ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا تِسْعَمِائَةٍ بِالْهَلَاكِ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ صُوَرَ الْمَسَائِلِ هَاهُنَا ثَلَاثٌ: تَرَاجُعُ قِيمَةِ الرَّهْنِ مِنْ أَلْفٍ إلَى مِائَةٍ مَعَ قِيَامِ عَيْنِهِ بِحَالِهِ.
وَقَتْلُ حُرٍّ الْعَبْدَ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَةٌ بَعْدَ التَّرَاجُعِ، وَضَمَانُ قِيمَتِهِ مِائَةٌ.
وَقَتْلُ عَبْدِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَدَفْعُهُ بِهِ.
وَأَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا أَيْضًا ثَلَاثَةٌ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَحُكْمُ الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الرَّاهِنَ يَفْتَكُّهَا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ بِلَا خِيَارٍ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُولَى كَقَوْلِهِمَا وَفِي الثَّالِثَةِ أَنَّ الرَّاهِنَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ كَالْأُولَى وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَالِهِ كَالثَّانِيَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
وَقَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ حُكْمَ الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ وَاحِدٌ فِي أَنَّ الرَّاهِنَ يَفْتَكُّهَا بِالْمِائَةِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ التِّسْعُمِائَةِ قِيَاسًا عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّ حُكْمَهَا أَنَّ التِّسْعَمِائَةِ سَاقِطَةٌ عَنْ الرَّاهِنِ بِالِاتِّفَاقِ وَلِلْمُرْتَهِنِ تِلْكَ الْمِائَةُ الَّتِي ضَمِنَهَا الْحُرُّ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَوُجُوهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ.
وَقَوْلُهُ (لَحْمًا وَدَمًا) يَعْنِي صُورَةً وَمَعْنًى، أَمَّا صُورَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْقَاتِلَ كَالْمَقْتُولِ فِي الْآدَمِيَّةِ وَالشَّرْعُ اعْتَبَرَهُ جُزْءًا مِنْ حَيْثُ الْآدَمِيَّةُ دُونَ الْمَالِيَّةِ أَلَا تَرَى إلَى اسْتِوَائِهِمَا فِي حَقِّ الْقِصَاصِ فَكَذَا فِي حَقِّ الدَّفْعِ أَيْضًا.
وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ إلَخْ.
وَقَوْلُهُ (كَالْمَبِيعِ إذَا قَتَلَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ) يَعْنِي إذَا قَتَلَهُمَا عَبْدٌ وَدَفَعَ مَكَانَهُمَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ وَفِي الْغَصْبِ يَتَخَيَّرُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَدْفُوعَ مَكَانَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُطَالِبَ الْغَاصِبَ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ.
وَقَوْلُهُ (وَأَنَّهُ مَفْسُوخٌ) يَعْنِي بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ ثَلَاثًا» وَقَوْلُهُ (لَوْ كَانَ الْعَبْدُ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ إلَى قَوْلِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) قِيلَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ: هَذَا تَكْرَارٌ لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ: يَعْنِي مَا عَبَّرْنَا عَنْهُ هَاهُنَا بِالصُّورَةِ الثَّالِثَةِ فِيمَا إذَا تَرَاجَعَ سِعْرُ الرَّهْنِ إلَى مِائَةٍ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدُفِعَ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ بِعَيْنِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ جَعَلَ الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ فِيمَا إذَا تَرَاجَعَ السِّعْرُ لَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُقُوعِ التَّكْرَارِ وَهُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَفِي ذَلِكَ سُوءُ ظَنٍّ بِمِثْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الَّذِي حَازَ قَصَبَاتِ السَّبْقِ فِي مِضْمَارِ التَّحْقِيقِ، وَإِنَّمَا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ فِي غَيْرِ تَرَاجُعِ السِّعْرِ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي صُورَةِ التَّرَاجُعِ وَلَا تَكْرَارَ ثَمَّةَ. (وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ قَتِيلًا خَطَأً فَضَمَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ (وَلَوْ فُدِيَ طَهُرَ الْمَحَلُّ فَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِدَاءِ)؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ إصْلَاحُهَا (وَلَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ قِيلَ لِلرَّاهِنِ ادْفَعْ الْعَبْدَ أَوْ افْدِهِ بِالدِّيَةِ)؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الرَّقَبَةِ قَائِمٌ لَهُ، وَإِنَّمَا إلَى الْمُرْتَهِنِ الْفِدَاءُ لِقِيَامِ حَقِّهِ (فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ الْفِدَاءِ يُطَالَبُ الرَّاهِنُ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ وَمِنْ حُكْمِهَا التَّخْيِيرُ) بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ (فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ سَقَطَ الدَّيْنُ)؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ لِمَعْنًى فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَصَارَ كَالْهَلَاكِ (وَكَذَلِكَ إنْ فَدَى)؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَالْحَاصِلِ لَهُ بِعِوَضٍ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَهُوَ الْفِدَاءُ، بِخِلَافِ وَلَدِ الرَّهْنِ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا حَيْثُ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ دَفَعَ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ هَلَكَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ فَدَى فَهُوَ رَهْنٌ مَعَ أُمِّهِ عَلَى حَالِهِمَا.
الشَّرْحُ:
(وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ قَتِيلًا خَطَأً فَضَمَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً، أَمَّا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ فَسَيَأْتِي، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي ضَمَانِهِ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْعَبْدَ كَالْحَاصِلِ لَهُ بِعِوَضٍ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) يَعْنِي وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ أَدَّاهُ الرَّاهِنُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِثْلُ مَا أَدَّى إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَلِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ دَيْنٌ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا فَيُسَلَّمُ الرَّهْنُ لِلرَّاهِنِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي أَدَاءِ الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ مِلْكِهِ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ. (وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ مَالًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ، فَإِنْ أَدَّى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ الَّذِي لَزِمَ الْعَبْدَ فَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي الْفِدَاءِ، وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلرَّاهِنِ بِعْهُ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ، فَإِنْ أَدَّى بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ) كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِدَاءِ (وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَبِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ يَأْخُذُ صَاحِبُ دَيْنِ الْعَبْدِ دَيْنَهُ)؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَحَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى، (فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ وَدَيْنُ غَرِيمِ الْعَبْدِ مِثْلُ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَكْثَرُ فَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ)؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ اُسْتُحِقَّتْ لِمَعْنًى هُوَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَأَشْبَهَ الْهَلَاكَ (وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْعَبْدِ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ دَيْنِ الْعَبْدِ وَمَا فَضَلَ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ يَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ، ثُمَّ إنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ قَدْ حَلَّ أَخَذَهُ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ (وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحِلَّ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ لَا يَفِي بِدَيْنِ الْغَرِيمِ أَخَذَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِمَا بَقِيَ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يُعْتَقَ الْعَبْدُ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ (ثُمَّ إذَا أَدَّى بَعْدَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ)؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَحَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ) بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ: يَعْنِي أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَى حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَيْضًا، حَتَّى لَوْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَدْيُونُ دُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الدِّيَاتِ.
وَقَوْلُهُ (لِتَقَدُّمِهِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى) أَيْ لِتَقَدُّمِ دَيْنِ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى، وَإِذَا كَانَ مُقَدِّمًا عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي الْمَالِيَّةِ وَوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي مِلْكِ الْعَيْنِ (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ وَهُوَ رَهْنٌ بِأَلْفٍ وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ يُقَالُ لَهُمَا افْدِيَاهُ)؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْهُ مَضْمُونٌ، وَالنِّصْفُ أَمَانَةٌ، وَالْفِدَاءُ فِي الْمَضْمُونِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَفِي الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِنْ أَجْمَعَا عَلَى الدَّفْعِ دَفَعَاهُ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، وَالدَّفْعُ لَا يَجُوزُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا مِنْهُ الرِّضَا بِهِ (فَإِنْ تَشَاحَّا فَالْقَوْلُ لِمَنْ قَالَ أَنَا أَفْدِي رَاهِنًا كَانَ أَوْ مُرْتَهِنًا) أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْفِدَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الرَّاهِنِ، وَفِي الدَّفْعِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّاهِنُ إبْطَالُ الْمُرْتَهِنِ، وَكَذَا فِي جِنَايَةِ الرَّهْنِ إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَنَا أَفْدِي لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ يَخْتَارُ الدَّفْعَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فَهُوَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ وَلَهُ فِي الْفِدَاءِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الرَّاهِنِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ، وَأَمَّا الرَّاهِنُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وِلَايَةُ الدَّفْعِ لِمَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ يَخْتَارُهُ (وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ فِي الْفِدَاءِ مُتَطَوِّعًا فِي حِصَّةِ الْأَمَانَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ)؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَخْتَارَهُ فَيُخَاطَبُ الرَّاهِنُ، فَلَمَّا الْتَزَمَهُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا، وَهَذَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مَعَ الْحُضُورِ، وَسَنُبَيِّنُ الْقَوْلَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ وَفَدَاهُ الرَّاهِنُ فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ نِصْفَ الْفِدَاءِ مِنْ دَيْنِهِ)؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ أَمْرٌ لَازِمٌ فَدَى أَوْ دَفَعَ فَلَمْ يُجْعَلْ الرَّاهِنُ فِي الْفِدَاءِ مُتَطَوِّعًا، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ نِصْفُ الْفِدَاءِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَ الدَّيْنُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نِصْفِ الْفِدَاءِ، وَكَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ فِي نِصْفٍ كَانَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَدَّاهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَطَوِّعٍ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ كَأَنَّهُ أَوْفَى نِصْفَهُ فَيَبْقَى الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ (وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ فَدَى، وَالرَّاهِنُ حَاضِرٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ وَزُفَرُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: الْمُرْتَهِنُ مُتَطَوِّعٌ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَدَى مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ وَلَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا أَمْكَنَهُ مُخَاطَبَتُهُ، فَإِذَا فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَقَدْ تَبَرَّعَ كَالْأَجْنَبِيِّ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا تَعَذَّرَ مُخَاطَبَتُهُ، وَالْمُرْتَهِنُ يَحْتَاجُ إلَى إصْلَاحِ الْمَضْمُونِ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِصْلَاحِ الْأَمَانَةِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ.
وَقَوْلُهُ (فَإِنْ تَشَاحَّا) بِأَنْ اخْتَارَ الرَّاهِنُ الْفِدَاءَ وَالْمُرْتَهِنُ الدَّفْعَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْفِدَاءُ، وَذَكَرَ جَانِبَ الْمُرْتَهِنِ إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ وَالْمُرْتَهِنُ الدَّفْعَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْفِدَاءُ، وَذَكَرَ جَانِبَ الْمُرْتَهِنِ إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ، ثُمَّ ذَكَرَ جَانِبَ الرَّاهِنِ إذَا اخْتَارَ ذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِهِ جِنَايَةَ وَلَدِ الرَّهْنِ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ أَمْرٌ لَازِمٌ فُدِيَ أَوْ دُفِعَ) يَعْنِي أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا خُوطِبَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَأَيَّهمَا كَانَ سَقَطَ الدَّيْنُ فَلَمْ يُجْعَلْ الرَّاهِنُ فِي الْفِدَاءِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مُتَطَوِّعًا.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ غَائِبًا) ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ.
وَقَوْلُهُ (وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَمَا بَعْدَهُ هُوَ الْمَوْعُودُ بِقَوْلِهِ وَسَنُبَيِّنُ الْقَوْلَيْنِ وَمَا بَعْدَهُ وَاضِحٌ إلَخْ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ)؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَلَوْ تَوَلَّى الْمُوصَى حَيًّا بِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْبَيْعِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَكَذَا لِوَصِيِّهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَأَمَرَهُ بِبَيْعِهِ)؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرًا لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَجَزُوا عَنْ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَالنَّظَرُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَيَسْتَوْفِيَ مَالَهُ مِنْ غَيْرِهِ (وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَرَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ عِنْدَ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ وَلِلْآخَرِينَ أَنْ يَرُدُّوهُ)؛ لِأَنَّهُ آثَرَ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ بِالْإِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ فَأَشْبَهَ الْإِيثَارَ بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ (فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوهُ جَازَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ آخَرُ جَازَ الرَّهْنُ) اعْتِبَارًا بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ (وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ)؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ قَبْلَ الرَّهْنِ فَكَذَا بَعْدَهُ (وَإِذَا ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ)؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ وَهُوَ يَمْلِكُهُ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَفِي رَهْنِ الْوَصِيِّ تَفْصِيلَاتٌ نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.