فصل: سنة ثلاث وتسعين وستمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين وستمائة

في تاريخ ظهير الدين الكازروني ظهرت نار بأرض المدينة النبوية في هذه السنة، نظير ما كان في سنة أربع وخمسين على صفتها، إلا أن هذه النار كان يعلو لهيبها كثيراً، وكان تحرق الصخر ولا تحرق السعف، واستمرت ثلاثة أيام‏.‏

استهلت هذه السنة والخليفة الحاكم العباسي وسلطان البلاد الملك الأشرف بن المنصور ونائبه بمصر بدر الدين بيدرا، وبالشام عز الدين أيبك الحموي، وقضاة مصر والشام هم الذين كانوا في التي قبلها، والوزير شمس الدين بن السلعوس‏.‏

وفي جمادى الآخرة قدم الأشرف دمشق فنزل في القصر الأبلق والميدان الأخضر، وجهز الجيوش وتهيأ لغزو بلاد سيس، وقدم في غضون ذلك رسل صاحب بلاد سيس يطلبون الصلح، فشفع الأمراء فيهم فسلموا بهسنا وتل حمدون ومرعش، وهي أكبر بلادهم وأحسنها وأحصنها، وهي في فم الدربند‏.‏

ثم ركب السلطان في ثاني رجب نحو سلمية بأكثر الجيش صورة، أنه يريد أن يصيب الأمير حسام الدين لاجين، فأضافه الأمير مهنا بن عيسى، فلما انقضت الضيافة أمسك له حسام الدين لاجين، وكان عنده، فجاءه به فسجنه في قلعة دمشق، وأمسك مهنا بن عيسى، وولى مكانه محمد بن علي بن حديثة، ثم أرسل السلطان جمهور الجيش بين يديه إلى الديار المصرية صحبة نائبه بيدرا، ووزيره ابن السلعوس، وتأخر هو في خاصكيته ثم لحقهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/392‏)‏

وفي المحرم منها حكم القاضي حسام الدين الرازي الحنفي، بالتشريك بين العلويين والجعفرين في الدباغة، التي كانوا يتنازعونها من مدة مائتي سنة، وكان ذلك يوم الثلاثاء سادس عشرين المحرم، بدار العدل، ولم يوافقه ابن الخويي ولا غيره، وحكم للاعناكيين بصحة نسبهم إلى جعفر الطيار‏.‏

وفيها‏:‏ رسم الأشرف بتخريب قلعة الشوبك فهدمت، وكانت من أحصن القلاع وأمنعها وأنفعها، وإنما خربها عن رأي عتبة العقبى، ولم ينصح للسلطان فيها ولا للمسلمين، لأنها كانت شجىً في حلوق الأعراب الذين هناك‏.‏

وفيها‏:‏ أرسل السلطان الأمير علم الدين الدويداري إلى صاحب القسطنطينية وإلى أولاد بركة ومع الرسول تحفاً كثيرة جداً، فلم يتفق خروجه حتى قتل السلطان فعاد إلى دمشق‏.‏

وفي عاشر جمادى الأولى درّس القاضي إمام الدين القزويني بالطاهرية البرانية، وحضر عنده القضاة والأعيان‏.‏

وفي الثاني والعشرين من ذي الحجة يوم الاثنين طهر الملك الأشرف أخاه الملك الناصر محمد وابن أخيه الملك المعظم مظفر الدين موسى بن الصالح علي بن المنصور، وعمل مهم عظيم ولعب الأشرف بالقبق وتمت لهم فرحة هائلة، كانت كالوداع لسلطنته من الدنيا‏.‏

وفي أول المحرم درّس الشيخ شمس الدين بن غانم بالعصرونية، وفي مستهل صفر درّس الشيخ كمال الدين بن الزملكاني بالرواحية، عوضاً عن نجم الدين بن مكي بحكم انتقاله إلى حلب وإعراضه عن المدرسة المذكورة، ودخل الركب الشامي في آخر صفر‏.‏

وكان ممن حج في هذه السنة الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله، وكان أميرهم الباسطي ونالهم في معان ريح شديدة جداً مات بسببها جماعة، وحملت الريح جمالاً عن أماكنها، وطارت العمائم عن الرؤوس، واشتغل كل أحد بنفسه‏.‏

وفي صفر منها‏:‏ وقع بدمشق برد عظيم أفسد شيئاً كثيراً من المغلات بحيث بيع القمح كل عشرة أواق بدرهم، ومات شيء كثير من الدواب، وفيه زلزلت ناحية الكرك، وسقط من تلفيتا أماكن كثيرة‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الشيخ الأرموي

الشيخ الصالح القدوة العارف أبو إسحاق إبراهيم بن الشيخ الصالح أبي محمد عبد الله بن يوسف بن يونس بن إبراهيم بن سلمان الأرموي، المقيم بزاويته بسفح قاسيون، كان فيه عبادة وانقطاع وله أوراد وأذكار، وكان محبباً إلى الناس، توفي بالمحرم ودفن عند والده بالسفح‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/393‏)‏

 ابن الأعمى صاحب المقامة

الشيخ ظهير الدين محمد بن المبارك بن سالم بن أبي الغنائم الدمشقي المعروف بابن الأعمى، ولد سنة عشرة وستمائة، وسمع الحديث، وكان فاضلاً بارعاً، له قصائد يمتدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، سماها الشفعية، عدد كل قصيدة اثنان وعشرون بيتاً‏.‏

قال البرزالي‏:‏ سمعته وله المقامة البحرية المشهورة، توفي في المحرم ودفن بالصوفية‏.‏

 الملك الزاهر مجير الدين

أبو سليمان داود بن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه صاحب حمص ابن ناصر الدين محمد بن الملك المعظم، توفي ببستانه عن ثمانين سنة، وصلّي عليه بالجامع المظفري، ودفن بتربته بالسفح، وكان ديناً كثير الصلاة في الجامع، وله إجازة من المؤيد الطوسي وزينب الشعرية وأبي روح وغيرهم‏.‏

توفي في جمادى الآخرة‏.‏

 الشيخ تقي الدين الواسطي

أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل الواسطي ثم الدمشقي الحنبلي، شيخ الحديث بالظاهرية بدمشق، توفي يوم الجمعة آخر النهار رابع عشرين جمادى الآخرة عن تسعين سنة، وكان رجلاً صالحاً عابداً، تفرد بعلو الرواية، ولم يخلف بعده مثله، وقد تفقه ببغداد، ثم رحل إلى الشام، ودرس بالصالحية مدة عشرين سنة، وبمدرسة أبي عمر، وولي في آخر عمره مشيخة الحديث بالظاهرية بعد سفر الفاروثي‏.‏

وكان داعية إلى مذهب السلف والصدر الأول، وكان يعود المرضى ويشهد الجنائز ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان من خيار عباد الله تعالى رحمه الله‏.‏

وقد درّس بعده بالصالحية الشيخ شمس الدين محمد بن عبد القوى المرداوي، وبدار الحديث الظاهرية شرف الدين عمر بن خواجا إمام الجامع المعروف بالناصح‏.‏

 ابن صاحب حماة الملك الأفضل

نور الدين علي بن الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، توفي بدمشق وصلي عليه بجامعها، وخرج به من باب الفراديس محمولاً إلى مدينة أبيه وتربتهم بها، وهو والد الأميرين الكبيرين بدر الدين حسن وعماد الدين إسماعيل الذي تملك حماة بعد مدة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/394‏)‏

 ابن عبد الظاهر

محيي الدين عبد الله بن رشيد الدين عبد الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر بن علي بن نجدة السعدي، كاتب الإنشاء بالديار المصرية، وآخر من برز في هذا الفن على أهل زمانه، وسبق سائر أقرانه، وهو والد الصاحب فتح الدين النديم، وقد تقدم ذكر وفاته قبل والده، وقد كانت له مصنفات منها سيرة الملك الظاهر، وكان ذا مروءة، وله النظم الفائق والنثر الرائق‏.‏

توفي يوم الثلاثاء رابع رجب، وقد جاوز السبعين، ودفن بتربته التي أنشاها بالقرافة‏.‏

 الأمير علم الدين سنجر الحلبي

الذي كان نائب قطز على دمشق، فلما جاءته بيعة الظاهر دعا لنفسه فبويع، وتسمى بالملك المجاهد، ثم حوصر وهرب إلى بعلبك فحوصر فأجاب إلى خدمة الظاهر فسجنه مدة وأطلقه وسجنه المنصور مدة وأطلقه الأشرف، واحترمه وأكرمه، بلغ الثمانين سنة وتوفي في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وستمائة

في أولها كان مقتل الأشرف، وذلك أنه خرج إلى الصيد في ثالث المحرم، فلما كان بأرض تروجة بالقرب من الإسكندرية ثاني عشر المحرم، حمل عليه جماعة من الأمراء الذين اتفقوا على قتله حين انفرد عن جمهور الجيش، فأول من صوبه نائبه بيدرا، وتمم عليه لاجين المنصوري، ثم اختفى إلى رمضان، ثم ظهر يوم العيد‏.‏

وكان ممن اشترك في قتل الأشرف بدر الدين بيسرى وشمس الدين قراسنقر المنصوري، فلما قتل الأشرف اتفق الأمراء على تمليك بيدرا، وسموه الملك القاهر أو الأوحد، فلم يتم له ذلك، فقتل في اليوم الثاني بأمر كتبغا، ثم اتفق زين الدين كتبغا، وعلم الدين سنجر الشجاعي على أن يملكوا أخاه محمد الملك الناصر بن قلاوون، وكان عمره إذ ذاك ثمان سنين وشهوراً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/395‏)‏

فأجلسوه على سرير المملكة يوم الرابع عشر من المحرم، وكان الوزير ابن السلعوس بالإسكندرية، وكان قد خرج في صحبة السلطان، وتقدم هو إلى الإسكندرية فلم يشعر إلا وقد أحاط به البلاء، وجاءه العذاب من كل ناحية، وذلك أنه كان يعامل الأمراء الكبار معاملة الصغار، فأخذوه وتولى عقوبته من بينهم الشجاعي فضرب ضرباً عظيماً، وقرر على الأموال، ولم يزالوا يعاقبونه حتى كان وفاته في عاشر صفر بعد أن احتيط على حواصله كلها‏.‏

وأحضر جسد الأشرف فدفن بتربته، وتألم الناس لفقده وأعظموا قتله، وقد كان شهماً شجاعاً، عالي الهمة، حسن المنظر، كان قد عزم على غزو العراق، واسترجاع تلك البلاد من أيدي التتار، واستعد لذلك ونادى به في بلاده، وقد فتح في مدة ملكه - وكانت ثلاث سنين - عكا وسائر السواحل، ولم يترك للفرنج فيها معلماً ولا حجراً، وفتح قلعة الروم وبهسنا وغيرها‏.‏

فلما جاءت بيعة الناصر إلى دمشق خطب له بها على المنابر، واستقر الحال على ذلك، وجعل الأمير كتبغا أتابكه، والشجاعي مشاوراً كبيراً، ثم قتل بعد أيام بقلعة الجبل، وحمل رأسه إلى كتبغا فأمر أن يطاف به في البلد، ففرح الناس بذلك، وأعطوا الذين حملوا رأسه مالاً، ولم يبق لكتبغا منازع، ومع هذا كان يشاور الأمراء تطييباً لقلوبهم‏.‏

وفي صفر بعد موت ابن السلعوس عزل بدر الدين بن جماعة عن القضاء، وأعيد تقي الدين بن بنت الأعز واستمر ابن جماعة مدرساً بمصر في كفاية ورياسة‏.‏

وتولى الوزارة بمصر الصاحب تاج الدين ابن الحنا، وفي ظهر يوم الأربعاء الحادي والعشرين من صفر رتب إمام بمحراب الصحابة، وهو كمال الدين عبد الرحمن بن القاضي محيي الدين بن الزكي، وصلى بعدئذ بعد الخطيب، ورتب بالمكتب الذي بباب الناطفانيين إمام أيضاً، وهو ضياء الدين بن برهان الدين الإسكندري‏.‏

وباشر نظر الجامع الشريف زين الدين حسين بن محمد بن عدنان، وعاد سوق الحريريين إلى سوقه، وأخلوا قيسارية القطن الذي كان نواب طغجي ألزموهم بسكناها، وولي خطابة دمشق الشيخ العلامة شرف الدين أحمد بن جمال الدين أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي، بعد عزل موفق الدين الحموي، دعوه إلى حماة فخطب المقدسي يوم الجمعة نصف رجب، وقرئ تقليده، وكانت ولايته بإشارة تاج الدين ابن الحنا الوزير بمصر، وكان فصيحاً بليغاً عالماً بارعاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/396‏)‏

وفي أواخر رجب حلف الأمراء للأمير زين الدين كتبغا مع الملك الناصر محمد بن قلاوون، وسارت البيعة بذلك في سائر المدن والمعامل‏.‏

واقعة عساف النصراني

كان هذا الرجل من أهل السويداء، قد شهد عليه جماعة أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استجار عساف هذا بابن أحمد بن حجى أمير آل علي، فاجتمع الشيخ تقي الدين بن تيمية، والشيخ زين الدين الفارقي شيخ دار الحديث، فدخلا على الأمير عز الدين أيبك الحموي نائب السلطنة فكلماه في أمره فأجابهما إلى ذلك، وأرسل ليحضره فخرجا من عنده ومعهما خلق كثير من الناس، فرأى الناس عسافاً حين قدم ومعه رجل من العرب فسبوه وشتموه‏.‏

فقال ذلك الرجل البدوي‏:‏ هو خير منكم - يعني النصراني - فرجمهما الناس بالحجارة، وأصابت عسافاً ووقعت خبطة قوية فأرسل النائب فطلب الشيخين ابن تيمية والفارقي فضربهما بين يديه، ورسم عليهما في العذراوية، وقدم النصراني فأسلم، وعقد مجلس بسببه، وأثبت بينه وبين الشهود عداوة، فحقن دمه‏.‏

ثم استدعى بالشيخين فأرضاهما وأطلقهما، ولحق النصراني بعد ذلك ببلاد الحجاز، فاتفق قتله قريباً من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتله ابن أخيه هنالك، وصنف الشيخ تقي الدين بن تيمية في هذه الواقعة كتابه ‏(‏الصارم المسلول على ساب الرسول‏)‏‏.‏

وفي شعبان منها، ركب الملك الناصر في أبهة الملك، وشق القاهرة، وكان يوماً مشهوداً، وكان هذا أول ركوبه، ودقت البشائر بالشام وجاء المرسوم من جهته، فقرئ على المنبر بالجامع فيه الأمر بنشر العدل وطي الظلم، وإبطال ضمان الأوقاف والأملاك إلا برضي أصحابها‏.‏

وفي اليوم الثاني والعشرين من شعبان درّس بالمسرورية القاضي جمال الدين القزويني، أخو إمام الدين، وحضر أخوه وقاضي القضاة شهاب الدين الخويي، والشيخ تقي الدين بن تيمية، وكان درساً حافلاً‏.‏

قال البرزالي‏:‏ وفي شعبان اشتهر أن في الغوطة بجسرين تنيناً عظيماً ابتلع رأساً من المعز كبيراً صحيحاً‏.‏

وفي أواخر رمضان ظهر الأمير حسام الدين لاجين، وكان مختفياً منذ قتل الأشرف، فاعتذر له عند السلطان فقبله، وخلع عليه وأكرمه، ولم يكن قتله باختياره‏.‏

وفي شوال منها اشتهر أن مهنا بن عيسى خرج عن طاعة السلطان الناصر، وانحاز إلى التتر‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثامن ذي القعدة درّس بالغزالية الخطيب شرف الدين المقدسي عوضاً عن قاضي القضاة شهاب الدين ابن الخويي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/397‏)‏

توفي وترك الشامية البرانية، وقدم على قضاء الشام القاضي بدر الدين أحمد بن جماعة يوم الخميس الرابع عشر من ذي الحجة، ونزل العادلية وخرج نائب السلطنة والجيش بكماله لتلقيه، وامتدحه الشعراء، واستناب تاج الدين الجعبري نائب الخطابة وباشر تدريس الشامية البرانية، عوضاً عن شرف الدين المقدسي، الشيخ زين الدين الفاروثي، وانتزعت من يده الناصرية فدرّس بها ابن جماعة‏.‏

وفي العادلية في العشرين من ذي الحجة، وفي هذا الشهر أخرجوا الكلاب من دمشق إلى الفلاة بأمر واليها جمال الدين اقياي، وشدد على الناس والبوابين بذلك‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الملك الأشرف خليل بن قلاوون المنصور‏.‏

وبيدرا والشجاعي، وشمس الدين بن السلعوس‏.‏

الشيخ الإمام العلامة

 تاج الدين موسى بن محمد بن مسعود المراغي، المعروف بأبي الجواب الشافعي، درّس بالإقبالية وغيرها، وكان من فضلاء الشافعية، له يد في الفقه والأصول والنحو وفهم جيد، توفي فجأة يوم السبت، ودفن بمقابر باب الصغير، وقد جاوز السبعين‏.‏

الخاتون مؤنس بنت السلطان العادل أبي بكر بن أيوب

وتعرف بدار القطبية، وبدار إقبال، ولدت سنة ثلاث وستمائة، وروت الإجازة عن عفيفة الفارقانية، وعن عين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج الثقفية، توفيت في ربيع الآخر بالقاهرة، ودفنت بباب زويلة‏.‏

 الصاحب الوزير فخر الدين

أبو إسحاق إبراهيم بن لقمان بن أحمد بن محمد البناني المصري رأس الموقعين، وأستاذ الوزراء المشهورين، ولد سنة ثنتي عشرة وستمائة، وروى الحديث، توفي في آخر جمادى الآخرة في القاهرة‏.‏

 الملك الحافظ غياث الدين بن محمد

الملك السعيد معين الدين بن الملك الأمجد بهرام شاه بن المعز عز الدين فروخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب، وكان فاضلاً بارعاً، سمع الحديث وروى البخاري، وكان يحب العلماء والفقراء، توفي يوم الجمعة سادس شعبان، ودفن عند جده لأمه ابن المقدم، ظاهر باب الفراديس‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/398‏)‏

 قاضي القضاة شهاب الدين بن الخويي

أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شمس الدين أبي العباس أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى بن محمد الشافعي، أصلهم من خوي، اشتغل وحصل علوماً كثيرة، وصنّف كتباً كثيرة منها كتاب فيه عشرون فناً، وله ‏(‏نظم علوم الحديث‏)‏، و‏(‏كفاية المتحفظ‏)‏، وغير ذلك‏.‏

وقد سمع الحديث الكثير، وكان محباً له ولأهله، وقد درس وهو صغير بالدماغية، ثم ولي قضاء القدس، ثم بهسنا، ثم ولي قضاء حلب، ثم عاد إلى المحلة، ثم ولي قضاء القاهرة، ثم قدم على قضاء الشام مع تدريس العادلية والغزالية وغيرهما‏.‏

وكان من حسنات الزمان وأكابر العلماء الأعلام، عفيفاً نزهاً بارعاً محباً للحديث، وعلمه وعلمائه، وقد خرّج له شيخنا الحافظ المزي أربعين حديثاً متباينة الإسناد، وخرّج له تقي الدين بن عتبة الأسودي الأسعردي مشيخة على حروف المعجم، اشتملت على مائتين وستة وثلاثين شيخاً‏.‏

قال البرزالي‏:‏ وله نحو ثلاثمائة شيخ لم يذكروا في هذا المعجم، توفي يوم الخميس الخامس والعشرين من رمضان، عن سبع وستين سنة، وصلى عليه ودفن من يومه بتربة والده بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى‏.‏

 الأمير علاء الدين الأعمى

ناظر القدس وباني كثيراً من معالمه اليوم، وهو الأمير الكبير علاء الدين أيدكين بن عبد الله الصالحي النجمي، كان من أكابر الأمراء، فلما أضر أقام بالقدس الشريف، وولى نظره معمره ومثمره، وكان مهيباً لا تخالف مراسيمه، وهو الذي بنى المطهرة قريباً من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فانتفع الناس بها بالوضوء وغيره، ووجد بها الناس تيسيراً، وابتنى بالقدس ربطاً كثيرة، وآثاراً حسنة، وكان يباشر الأمور بنفسه، وله حرمة وافرة توفي شوال منها‏.‏

 الوزير شمس الدين محمد بن عثمان

ابن أبي الرجال التنوخي، المعروف بابن السلعوس، وزير الملك الأشرف، مات تحت الضرب الذي جاوز ألف مقرعة، في عاشر صفر من هذه السنة، ودفن بالقرافة، وقيل إنه نقل إلى الشام بعد ذلك‏.‏

وكان ابتداء أمره تاجراً، ثم ولي الحسبة بدمشق بسفارة تقي الدين بن توبة، ثم كان يعامل الملك الأشرف قبل السلطنة فظهر منه على عدل وصدق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/399‏)‏

فلما ملك بعد أبيه المنصور استدعاه من الحج فولاه الوزارة، وكان يتعاظم على أكابر الأمراء ويسميهم بأسمائهم، ولا يقوم لهم، فلما قتل أستاذه الأشرف تسلموه بالضرب والإهانة وأخذ الأموال، حتى أعدموه حياته، وصبروه وأسكنوه الثرى، بعد أن كان عند نفسه قد بلغ الثريا، ولكن حقاً على الله أنه ما رفع شيئاً إلا وضعه‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وتسعين وستمائة

استهلت والخليفة الحاكم بأمر الله وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن قلاوون، وعمره إذ ذاك اثنتا عشرة سنة وأشهراً‏.‏

ومدبر الممالك وأتابك العساكر الأمير زين الدين كتبغا، ونائب الشام الأمير عز الدين أيبك الحموي، والوزير بدمشق تقي الدين توبة التكريتي، وشاد الدواوين شمس الدين الأعسر، وقاضي الشافعية ابن جماعة، والحنفية حسام الدين الرازي، والمالكية جمال الدين الزواوي، والحنابلة شرف الدين حسن، والمحتسب شهاب الدين الحنفي، ونقيب الأشراف زين الدين بن عدنان، ووكيل بيت المال وناظر الجامع تاج الدين الشيرازي، وخطيب البلد شرف الدين المقدسي‏.‏

فلما كان يوم عاشوراء نهض جماعة من مماليك الأشرف وخرقوا حرمة السلطان وأرادوا الخروج عليه، وجاؤوا إلى سوق السلاح فأخذوا ما فيه، ثم احتيط عليهم، فمنهم من صلب ومنهم من شنق، وقطع أيدي آخرين منهم وألسنتهم‏.‏

وجرت خبطة عظيمة جداً، وكانوا قريباً من ثلاثمائة أو يزيدون‏.‏

 سلطنة الملك العادل كتبغا

وأصبح الأمير كتبغا في الحادي عشر من المحرم فجلس على سرير المملكة، وخلع الملك الناصر محمد بن المنصور، وألزمه بيت أهله، وأن لا يخرج منه، وبايعه الأمراء على ذلك، وهنئوه ومد سماطاً حافلاً، وسارت البريدية بذلك إلى الأقاليم، فبويع له وخطب له مستقلاً، وضربت السكة باسمه‏.‏

وتم الأمر وزينت البلاد، ودقت البشائر، ولقب بالملك العادل، وكان عمره إذ ذاك نحواً من خمسين سنة، فإنه من سبي وقعة حمص الأولى التي كانت في أيام الملك الظاهر بعد وقعة عين جالوت‏.‏

وكان من الغويرانية، وهم طائفة من التتر، واستناب في مصر الأمير حسام الدين لاجين السلحداري المنصوري، وكان بين يديه مدير المماليك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/400‏)‏

وقد ذكر الجزري في تاريخه عن بعض الأمراء أنه شهد هولاكو خان قد سأل منجمه أن يستخرج له من هؤلاء المقدمين في عسكره الذي يملك الديار المصرية، فضرب وحسب وقال له‏:‏ أجد رجلاً يملكها اسمه كتبغا فظنه كتبغانوين، وهو صهر هولاكو، فقدمه على العساكر فلم يكن هو، فقتل في عين جالوت كما ذكرنا، وأن الذي ملك مصر هذا الرجل وهو من خيار الأمراء وأجودهم سيرة ومعدلة، وقصداً في نصرة الإسلام‏.‏

وفي يوم الأربعاء مستهل ربيع الأول ركب كتبغا في أبهة الملك، وشق القاهرة ودعا له الناس وعزل الصاحب تاج الدين بن الحنا عن الوزارة، وولى فخر الدين بن الخليلي، واستسقى الناس بدمشق عند مسجد القدم، وخطب بهم تاج الدين صالح الجعبري نيابة عن مستخلفه شرف الدين المقدسي‏.‏

وكان مريضاً فعزل نفسه عن القضاء، وخطب الناس بعد ذلك، وذلك يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى، فلم يسقوا ثم استسقوا مرة أخرى يوم السبت سابع جمادى الآخرة بالمكان المذكور، وخطب بهم شرف الدين المقدسي، وكان الجمع أكثر من أول، فلم يسقوا‏.‏

وفي رجب حكم جمال الدين بن الشريشي نيابة عن القاضي بدر الدين بن جماعة، وفيه درّس بالمعظمية القاضي شمس الدين بن العز، انتزعها من علاء الدين بن الدقاق‏.‏

وفيه ولي القدس والخليل الملك الأوحد بن الملك الناصر داود بن المعظم‏.‏

وفي رمضان رسم للحنابلة أن يصلوا قبل الإمام الكبير وذلك أنهم كانوا يصلون بعده، فلما أحدث لمحراب الصحابة إمام كانوا يصلون جميعاً في وقت واحد، فحصل تشويش بسبب ذلك، فاستقرت القاعدة على أن يصلوا قبل الإمام الكبير، وفي وقت صلاة مشهد علي بالصحن عند محرابهم في الرواق الثالث الغربي‏.‏

قلت وقد تغيرت هذه القاعدة بعد العشرين وسبعمائة كما سيأتي‏.‏

وفي أواخر رمضان قدم القاضي نجم الدين بن صصرى من الديار المصرية على قضاء العساكر بالشام‏.‏

وفي ظهر يوم الخميس خامس شوال صلى القاضي بدر الدين بن جماعة بمحراب الجامع إماماً وخطيباً عوضاً عن الخطيب المدرس شرف الدين المقدسي، ثم خطب من الغد وشكرت خطبته وقراءته، وذلك مضاف إليه ما بيده من القضاء وغيره‏.‏

وفي أوائل شوال قدمت من الديار المصرية تواقيع شتى منها تدريس الغزالية لابن صصرى، عوضاً عن الخطيب المقدسي، وتوقيع بتدريس الأمينية لإمام الدين القزويني، عوضاً عن نجم الدين ابن صصرى، ورسم لأخيه جلال الدين بتدريس الظاهرية البرانية عوضاً عنه‏.‏

وفي شوال كملت عمارة الحمام الذي أنشاه عز الدين الحموي بمسجد القصب، وهو من أحسن الحمامات، وباشر مشيخة دار الحديث النورية الشيخ علاء الدين بن العطار، عوضاً عن شرف الدين المقدسي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/401‏)‏

وحج فيها‏:‏ الملك المجاهد أنس بن الملك العادل كتبغا، وتصدقوا بصدقات كثيرة في الحرمين وغيرهما ونودي بدمشق في يوم عرفة أن لا يركب أحد من أهل الذمة خيلاً ولا بغالاً، ومن رأى من المسلمين أحداً من أهل الذمة قد خالف ذلك فله سلبه‏.‏

وفي أواخر هذه السنة، والتي تليها حصل بديار مصر غلاء شديد، هلك بسببه خلق كثير، هلك في شهر ذي الحجة نحو من عشرين ألفا‏.‏

وفيها‏:‏ ملك التتار قازان بن أرغون بن أبغا بن تولى بن جنكيز خان فأسلم وأظهر الإسلام على يد الأمير توزون رحمه الله، ودخلت التتار أو أكثرهم في الإسلام، ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رؤوس الناس يوم إسلامه، وتسمى بمحمود، وشهد الجمعة والخطبة، وخرب كنائس كثيرة، وضرب عليهم الجزية ورد مظالم كثيرة ببغداد وغيرها من البلاد، وظهرت السبح والهياكل مع التتار والحمد لله وحده‏.‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

 الشيخ أبو الرجال المنيني

الشيخ الصالح الزاهد العابد أبو الرجال بن مري بن بحتر المنيني، كانت له أحوال ومكاشفات، وكان أهل دمشق والبلاد يزورونه في قرية منين، وربما قدم هو بنفسه إلى دمشق فيكرم ويضاف وكانت له زاوية ببلده، وكان بريئاً من هذه السماعات الشيطانية‏.‏

وكان تلميذ الشيخ جندل، وكان شيخه الشيخ جندل من كبار الصالحين سالكاً طريق السلف أيضاً، وقد بلغ الشيخ أبو الرجال ثمانين سنة، وتوفي بمنين في منزله في عاشر المحرم، وخرج الناس من دمشق إلى جنازته فمنهم من أدركها ومن الناس من لم يدرك فصلى على القبر ودفن بزاويته رحمه الله‏.‏

وفيها‏:‏ في أواخر ربيع الأول جاء الخبر بأن عساف بن أحمد بن حجى، الذي كان قد أجار ذلك النصراني الذي سب الرسول قتل ففرح الناس بذلك‏.‏

 الشيخ الصالح العابد الزاهد الورع

بقية السلف جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن الحرستاني بن قاضي القضاة، وخطيب الخطباء، عماد الدين عبد الكريم بن جمال الدين عبد الصمد، سمع الحديث وناب عن أبيه في الإمامة وتدريس الغزالية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/402‏)‏

ثم ترك المناصب والدنيا، وأقبل على العبادة، وللناس فيه اعتقاد حسن صالح، يقبلون يده ويسألونه الدعاء، وقد جاوز الثمانين، ودفن بالسفح عند أهله في أواخر ربيع الآخر‏.‏

 الشيخ محب الدين الطبري المكي

الشافعي، سمع الكثير وصنّف في فنون كثيرة، من ذلك كتاب ‏(‏الأحكام‏)‏ في مجلدات كثيرة مفيدة، وله كتاب على ترتيب جامع المسانيد أسمعه لصاحب اليمن، وكان مولده يوم الخميس السابع والعشرين من جمادى الآخرة منها، ودفن بمكة، وله شعر جيد فمنه قصيدته في المنازل التي بين مكة والمدينة، تزيد على ثلاثمائة بيت، كتبها عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي في معجمه‏.‏

 الملك المظفر صاحب اليمن

يوسف بن المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول، أقام في مملكة اليمن بعد أبيه سبعاً وأربعين سنة، وعمره ثمانين سنة، وكان أبوه قد ولي أزيد من مدة عشرين سنة بعد الملك أقسيس بن الكامل محمد، وكان عمر بن رسول مقدم عساكر أقسيس، فلما مات أقسيس وثب على الملك فتم له الأمر، وتسمى بالملك المنصور‏.‏

واستمر أزيد من عشرين سنة، ثم ابنه المظفر سبعاً وأربعين سنة، ثم قام من بعده في الملك ولده الملك الأشرف ممهد الدين، فلم يمكث سنة حتى مات، ثم قام أخوه المؤيد عز الدين داود بن المظفر، فاستمر في الملك مدة، وكانت وفاة الملك المظفر المذكور في رجب من هذه السنة، وقد جاوز الثمانين، وكان يحب الحديث وسماعه، وقد جمع لنفسه أربعين حديثاً‏.‏

 شرف الدين المقدسي

الشيخ الإمام الخطيب المدرس المفتي، شرف الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ كمال الدين أحمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر بن حسين بن حماد المقدسي الشافعي، ولد سنة ثنتين وعشرين وستمائة، وسمع الكثير وكتب حسناً وصنف فأجاد وأفاد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/403‏)‏

وولي القضاء نيابة بدمشق، والتدريس والخطابة بدمشق، وكان مدرس الغزالية ودار الحديث النورية مع الخطابة، ودرس في وقت بالشامية البرانية، وأذن في الإفتاء لجماعة من الفضلاء، منهم‏:‏ الشيخ الإمام العلامة، شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية، وكان يفتخر بذلك ويفرح به، ويقول‏:‏ أنا أذنت لابن تيمية بالإفتاء، وكان يتقن فنوناً كثيرة من العلوم، وله شعر حسن، وصنف كتاباً في أصول الفقه جمع فيه شيئاً كثيراً، وهو عندي بخطه الحسن، توفي يوم الأحد سابع عشر رمضان، وقد جاوز السبعين، ودفن بمقابر باب كيسان عند والده، رحمه الله ورحم أباه‏.‏

وقد خطب بعده يوم العيد، الشيخ شرف الدين الفزاري خطيب جامع جراح، ثم جاء المرسوم لابن جماعة بالخطابة‏.‏

ومن شعر الخطيب شرف الدين بن المقدسي‏:‏

أحجج إلى الزهر لتسعى به * وارم جمار الهم مستنفرا

من لم يطف بالزهر في وقته * من قبل أن يحلق قد قصرا

 واقف الجوهرية الصدر نجم الدين

أبو بكر محمد بن عياش بن أبي المكارم التميمي الجوهري، واقف الجوهرية على الحنفية بدمشق، توفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر شوال، ودفن بمدرسته وقد جاوز الثمانين، وكانت له خدم على الملوك، فمن دونهم‏.‏

الشيخ الإمام العالم المفتي

 الخطيب الطبيب، مجد الدين أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون التنوخي الحنفي، خطيب النيرب، ومدرس الدماغية للحنفية، وكان طبيباً ماهراً حاذقاً، توفي بالنيرب وصلّي عليه بجامع الصالحية، وكان فاضلاً، وله شعر حسن، وروى شيئاً من الحديث، توفي ليلة السبت خامس ذي القعدة عن خمس وسبعين سنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/404‏)‏

 الفاروثي الشيخ الإمام العابد الزاهد

الخطيب عز الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ محيي الدين إبراهيم بن عمر بن الفرج بن سابور بن علي بن غنيمة الفاروثي الواسطي، ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع الحديث ورحل فيه، وكانت له فيه يد جيدة، وفي التفسير والفقه والوعظ والبلاغة، وكان ديناً ورعاً زاهداً، قدم إلى دمشق في دولة الظاهر فأعطى تدريس الجاروضية، وإمام مسجد ابن هشام، ورتب له فيه شيء على المصالح، وكان فيه إيثار وله أحوال صالحة، ومكاشفات كثيرة، تقدم يوماً في محراب ابن هشام ليصلي بالناس، فقال - قبل أن يكبر للإحرام والتفت عن يمينه - فقال‏:‏ أخرج فاغتسل، فلم يخرج أحد، ثم كرر ذلك ثانية وثالثة، فلم يخرج أحد‏.‏

فقال‏:‏ يا عثمان أخرج فاغتسل، فخرج رجل من الصف فاغتسل ثم عاد، وجاء إلى الشيخ يعتذر إليه، وكان الرجل صالحاً في نفسه، ذكر أنه أصابه فيض من غير أن يرى شخصاً، فاعتقد أنه لا يلزمه غسل، فلما قال الشيخ ما قال اعتقد أنه يخاطب غيره، فلما عينه باسمه علم أنه المراد‏.‏

ثم قدم الفاروثي مرة أخرى في أواخر أيام المنصور قلاوون، فخطب بجامع دمشق مدة شهور، ثم عزل بموفق الدين الحموي، وتقدم ذكر ذلك، وكان قد درس بالنجيبية وبدار الحديث الظاهرية، فترك ذلك كله وسافر إلى وطنه، فمات بكرة يوم الأربعاء مستهل ذي الحجة‏.‏

وكان يوم موته يوماً مشهوداً بواسط، وصلّى عليه بدمشق وغيرها رحمه الله، وكان قد لبس خرقة التصوف من السهروردي، وقرأ القراءات العشرة، وخلّف ألفي مجلد ومائتي مجلداً، وحدّث بالكثير، وسمع منه البرزالي كثيراً ‏(‏صحيح البخاري‏)‏، و‏(‏جامع الترمذي‏)‏، و‏(‏سنن ابن ماجه‏)‏، و‏(‏مسند الشافعي‏)‏، و‏(‏مسند عبد بن حميد‏)‏، و‏(‏معجم الطبراني الصغير‏)‏، و‏(‏مسند الدارمي‏)‏، و‏(‏فضائل القرآن‏)‏ لأبي عبيد، وثمانين جزء وغير ذلك‏.‏

 الجمال المحقق

أحمد بن عبد الله بن الحسين الدمشقي، اشتغل بالفقه على مذهب الشافعي، وبرع فيه وأفتى وأعاد، وكان فاضلاً في الطب، وقد ولي مشيخة الدخوارية لتقدمه في صناعة الطب على غيره، وعاد المرضى بالمارستان النوري على قاعدة الأطباء، وكان مدرساً للشافعية بالفرخشانية، ومعيداً بعدة مدارس، وكان جيد الذهن مشاركاً في فنون كثيرة سامحه الله‏.‏

 الست خاتون بنت الملك الأشرف

موسى بن العادل زوجة ابن عمها المنصور بن المنصور بن الصالح إسماعيل بن العادل، وهي التي أثبت سفهها زمن المنصور قلاوون حتى اشترى منها حزرماً، وأخذت الزنبقية من زين الدين السامري‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/405‏)‏

 الصدر جمال الدين

يوسف بن علي بن مهاجر التكريتي أخو الصاحب تقي الدين توبة، ولي حسبة دمشق في وقت، ودفن بتربة أخيه بالسفح، وكانت جنازته حافلة، وكان له عقل وافر وثروة ومروءة، وخلف ثلاث بنين‏:‏ شمس الدين محمد، وعلاء الدين علي، وبدر الدين حسن‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وتسعين وستمائة

استهلت وخليفة الوقت الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسي، وسلطان البلاد الملك العادل زين الدين كتبغا، ونائبه بمصر الأمير حسام الدين لاجين السلحداري المنصوري، ووزيره فخر الدين بن الخليلي، وقضاة مصر والشام هم المذكورون في التي قبلها، ونائب الشام عز الدين الحموي، ووزيره تقي الدين توبة، وشاد الدواوين الأعسر، وخطيب البلد وقاضيها ابن جماعة‏.‏

وفي المحرم ولي نظر الأيتام برهان الدين بن هلال عوضاً عن شرف الدين بن الشيرجي‏.‏

وفي مستهل هذه السنة كان الغلاء والفناء بديار مصر شديداً جداً، وقد تفانى الناس إلا القليل، وكانوا يحفرون الحفيرة فيدفنون فيها الفئام من الناس، والأسعار في غاية الغلاء، والأقوات في غاية القلة والغلاء، والموت عمال، فمات بها في شهر صفر مائة ألف ونحو من ثلاثين ألفاً، ووقع غلاء بالشام فبلغت الغرارة إلى مائتين، وقدمت طائفة من التتر العويراتية لما بلغهم سلطنة كتبغا إلى الشام لأنه منهم، فتلقاهم الجيش بالرحب والسعة، ثم سافروا إلى الديار المصرية مع الأمير قراسنقر المنصوري، وجاء الخبر باشتداد الغلاء والفناء بمصر، حتى قيل إنه بيع الفروج بالإسكندرية بستة وثلاثين درهماً، وبالقاهرة بتسعة عشر، والبيض كل ثلاثة بدرهم، وأفنيت الحمر والخليل والبغال والكلاب من أكل الناس لها، ولم يبق شيء من هذه الحيوانات يلوح إلا أكلوه‏.‏

وفي يوم السبت الثاني عشر من جمادى الأولى ولي قضاء القضاة بمصر الشيخ العلامة تقي الدين بن دقيق العيد عوضاً عن تقي الدين بن بنت الأعز، ثم وقع الرخص بالديار المصرية، وزال الضر والجوع في جمادى الآخرة ولله الحمد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/406‏)‏

وفي يوم الأربعاء ثاني شهر رجب درّس القاضي إمام الدين بالقيمرية عوضاً عن صدر الدين بن رزين الذي توفي‏.‏

قال البرزالي‏:‏ وفيها وقعت صاعقة على قبة زمزم فقتلت الشيخ علي بن محمد بن عبد السلام مؤذن المسجد الحرام، كان يؤذن على سطح القبة المذكورة، وكان قد روى شيئاً من الحديث‏.‏

وفيها‏:‏ قدمت امرأة الملك الظاهر أم سلامش من بلاد الاشكري إلى دمشق في أواخر رمضان فبعث إليها نائب البلد بالهدايا والتحف ورتبت لها الروائب والإقامات، وكان قد نفاهم خليل بن المنصور لما ولي السلطنة‏.‏

قال الجزري‏:‏ وفي رجب درّس كمال الدين بن القلانسي عوضاً عن جلال الدين القزويني‏.‏

وفي يوم الأربعاء سابع عشر شعبان درّس الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية الحراني بالمدرسة الحنبلية عوضاً عن الشيخ زين الدين بن المنجى توفي إلى رحمة الله، ونزل ابن تيمية عن حلقة العماد بن المنجا لشمس الدين بن الفخر البعلبكي‏.‏

وفي آخر شوال ناب القاضي جمال الدين الزرعي الذي كان حاكما بزرع، وهو سليمان بن عمر بن سالم الأزرعي عن ابن جماعة بدمشق، فشكرت سيرته‏.‏

وفيها‏:‏ خرج السلطان كتبغا من مصر قاصداً الشام في أواخر شوال، ولما جاء البريد بذلك ضربت البشائر بالقلعة، ونزلوا بالقلعة السلطان ونائبه لاجين ووزيره ابن الخليلي‏.‏

وفي يوم الأحد سادس عشر ذي القعدة ولي قضاء الحنابلة الشيخ تقي الدين سليمان بن حمزة المقدسي عوضاً عن شرف الدين مات رحمه الله، وخلع عليه وعلى بقية الحكام وأرباب الولايات الكبار وأكابر الأمراء‏.‏

وولي نجم الدين بن أبي الطيب وكالة بيت المال عوضاً عن ابن الشيرازي، وخلع عليه مع الجماعة، ورسم على سنقر الأعسر وجماعة من أصحابه وخلق من الكتبة والولاة وصودروا بمال كثير، واحتيط على أموالهم وحواصلهم، وعلى بنت ابن السلعوس وابن عدنان وخلق، وجرت خبطة عظيمة‏.‏

وقدم ابنا الشيخ علي الحريري حسن وشيث من بسر لزيارة السلطان فحصل لهما منه رفد وإسعاف وعادا إلى بلادهما، وضيفت القلندرية السلطان بسفح جبل المزة، فأعطاه نحوا من عشرة آلاف، وقدم صاحب حماة إلى خدمة السلطان ولعب معه الكرة بالميدان، واشتكت الأشراف من نقيبهم زين الدين بن عدنان، فرفع الصاحب يده عنهم وجعل أمرهم إلى القاضي الشافعي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/407‏)‏

فلما كان يوم الجمعة الثاني والعشرين من ذي القعدة صلى السلطان الملك العادل كتبغا بمقصورة الخطابة، وعن يمينه صاحب حماة، وتحته بدر الدين أمير سلاح، وعن يساره أولاد الحريري حسن وأخواه، وتحتهم نائب المملكة حسام الدين لاجين، وإلى جانبه نائب الشام عز الدين الحموي، وتحته بدر الدين بيسرى، وتحته قراسنقر وإلى جانبه الحاج بهادر، وخلفهم أمراء كبار، وخلع على الخطيب بدر الدين بن جماعة خلعة سنية‏.‏

ولما قضيت الصلاة سلم على السلطان وزار السلطان المصحف العثماني‏.‏

ثم أصبح يوم السبت فلعب الكرة بالميدان‏.‏

وفي يوم الاثنين ثاني ذي الحجة عزل الأمير عز الدين الحموي عن نيابة الشام، وعاتبه السلطان عتاباً كثيراً على أشياء صدرت منه، ثم عفا عنه وأمره بالمسير معه إلى مصر، واستناب بالشام الأمير سيف الدين غرلو العادلي، وخلع على المولى وعلى المعزول‏.‏

وحضر السلطان دار العدل وحضر عند الوزير والقضاة والأمراء، وكان عادلاً كما سمي، ثم سافر السلطان في ثاني عشر ذي الحجة نحو بلاد حلب فاجتاز على حرستا، ثم أقام بالبرية أياماً، ثم عاد فنزل حمص، وجاء إليه نواب البلاد، وجلس الأمير غرلو نائب دمشق بدار العدل، فحكم وعدل‏.‏

وكان محمود السيرة سديد الحكم رحمه الله تعالى‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الشيخ زين الدين بن منجى

الإمام العالم العلامة مفتي المسلمين، الصدر الكامل، زين الدين أبو البركات بن المنجى بن الصدر عز الدين أبي عمر عثمان بن أسعد بن المنجى بن بركات بن المتوكل التنوخي، شيخ الحنابلة وعالمهم، ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث وتفقه، فبرع في فنون من العلم كثيرة من الأصول والفروع والعربية والتفسير وغير ذلك‏.‏

وانتهت إليه رياسة المذهب، وصنّف في الأصول، وشرح ‏(‏المقنع‏)‏، وله تعاليق في التفسير، وكان قد جمع له بين حسن السمت والديانة، والعلم والوجاهة، وصحة الذهن والعقيدة، والمناظرة، وكثرة الصدقة، ولم يزل يواظب على الجامع للاشتغال متبرعاً حتى توفي يوم الخميس رابع شعبان، وتوفيت معه زوجته أم محمد ست البها بنت صدر الدين الخجندي، وصلّي عليهما بعد الجمعة بجامع دمشق، وحملا جميعاً إلى سفح قاسيون شمال الجامع المظفري تحت الروضة، فدفنا في تربة واحدة رحمهما الله تعالى‏.‏

وهو والد قاضي القضاة علاء الدين، وكان شيخ المسمارية، ثم وليها بعده ولداه شرف الدين وعلاء الدين، وكان شيخ الحنبلية فدرّس بها بعده الشيخ تقي الدين بن تيمية كما ذكرنا ذلك في الحوادث‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/408‏)‏

 المسعودي صاحب الحمام بالمزة

أحد كبار الأمراء، هو الأمير الكبير بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله المسعودي، أحد الأمراء المشهورين بخدمة الملوك، توفي ببستانه بالمزة يوم السبت سابع عشرين شعبان، ودفن صبح يوم الأحد بتربته بالمزة، وحضر نائب السلطنة جنازته، وعمل عزاؤه تحت النسر بجامع دمشق‏.‏

 الشيخ الخالدي

هو الشيخ الصالح إسرائيل بن علي بن حسين الخالدي، له زاوية خارج باب السلامة، كان يقصد فيها للزيارة، وكان مشتملاً على عبادة وزهادة، وكان لا يقوم لأحد، ولو كان من كان، وعنده سكون وخشوع ومعرفة بالطريق، وكان لا يخرج من منزله إلا إلى الجمعة، حتى كانت وفاته بنصف رمضان ودفن بقاسيون رحمه الله تعالى‏.‏

 الشرف حسين المقدسي

هو قاضي القضاة شرف الدين أبو الفضل الحسين بن الإمام الخطيب شرف الدين أبي بكر عبد الله بن الشيخ أبي عمر المقدسي، سمع الحديث وتفقه وبرع في الفروع واللغة، وفيه أدب وحسن محاضرة، مليح الشكل، تولى القضاء بعد نجم الدين بن الشيخ شمس الدين في أواخر سنة سبع وثمانين‏.‏

ودرس بدار الحديث الأشرفية بالسفح، توفي ليلة الخميس الثاني والعشرين من شوال، وقد قارب الستين، ودفن من الغد بمقبرة جده بالسفح، وحضر نائب السلطنة والقضاة والأعيان جنازته، وعمل من الغد عزاؤه بالجامع المظفري، وباشر القضاء بعده تقي الدين سليمان بن حمزة، وكذا مشيخة دار الحديث الأشرفية بالسفح، وقد وليها شرف الدين الغابر الحنبلي النابلسي مدة شهور، ثم صرف عنها واستقرت بيد التقي سليمان المقدسي‏.‏

 الشيخ الإمام العالم الناسك

أبو محمد بن أبي حمزة المغربي المالكي، توفي بالديار المصرية في ذي القعدة، وكان قوالاً بالحق، أماراً بالمعروف ونهاءاً عن المنكر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/409‏)‏

 الصاحب محيي الدين بن النحاس

أبو عبد الله محمد بن بدر الدين يعقوب بن إبراهيم بن عبد الله بن طارق بن سالم بن النحاس الأسدي الحلبي الحنفي، ولد سنة أربع عشرة وستمائة بحلب، واشتغل وبرع وسمع الحديث وأقام بدمشق مدة، ودرس بها بمدارس كبار، منها الظاهرية، والزنجانية، وولى القضاء بحلب والوزارة بدمشق، ونظر الخزانة ونظر الدواوين والأوقاف، ولم يزل مكرماً معظماً معروفاً بالفضيلة، والإنصاف في المناظرة، محباً للحديث وأهله على طريقة السلف، وكان يحب الشيخ عبد القادر وطائفته، توفي ببستانه بالمزة عشية الاثنين سلخ ذي الحجة، وقد جاوز الثمانين، ودفن يوم الثلاثاء مستهل سنة ست وتسعين بمقبرة له بالمزة، وحضر جنازته نائب السلطنة والقضاة‏.‏

قاضي القضاة

 تقي الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن قاضي القضاة تاج الدين أبي محمد عبد الوهاب بن القاضي الأعز أبي القاسم خلف بن بدر العلائي الشافعي، توفي في جمادى الأولى ودفن بالقرافة بتربتهم‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وتسعين وستمائة

استهلت والخليفة والسلطان ونائب مصر ونائب الشام والقضاة هم المذكورون في التي قبلها، والسلطان الملك العادل كتبغا في نواحي حمص يتصيد، ومعه نائب مصر لاجين وأكابر الأمراء ونائب الشام بدمشق وهو الأمير سيف الدين غرلو العادلي‏.‏

فلما كان يوم الأربعاء ثاني المحرم، دخل السلطان كتبغا إلى دمشق، وصلى الجمعة بالمقصورة وزار قبر هود، وصلى عنده، وأخذ من الناس قصصهم بيده، وجلس بدار العدل في يوم السبت ووقع على القصص هو ووزيره فخر الدين الخليلي‏.‏

وفي هذا الشهر حضر شهاب الدين بن محيي الدين بن النحاس في مدرستي أبيه الريحانية والظاهرية، وحضر الناس عنده، ثم حضر السلطان دار العدل يوم الثلاثاء، وجاء يوم الجمعة فصلى الجمعة بالمقصورة، ثم صعد في هذا اليوم إلى مغارة الدم لزيارتها، ودعا هنالك وتصدق بجملة من المال، وحضر الوزير الخليلي ليلة الأحد ثالث عشر المحرم إلى الجامع بعد العشاء، فجلس عند شباك الكاملية، وقرأ القراؤون بين يديه، ورسم بأن يكمل داخل الجامع بالفرش ففعلوا ذلك، واستمر ذلك نحواً من شهرين ثم عاد إلى ما كان عليه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/410‏)‏

وفي صبيحة هذا اليوم درس القاضي شمس الدين بن الحريري بالقيمازية عوضاً عن ابن النحاس باتفاق بينهم، وحضر عنده جماعة، ثم صلى السلطان الجمعة الأخرى بالمقصورة ومعه وزيره ابن الخليلي، وهو ضعيف من مرض أصابه‏.‏

وفي سابع عشر المحرم أمر للملك الكامل بن الملك السعيد بن الصالح إسماعيل بن العادل بطبلخانة ولبس الشربوش، ودخل القلعة ودقت له الكوسات على بابه، ثم خرج السلطان العادل كتبغا بالعساكر من دمشق بكرة الثلاثاء ثاني عشرين المحرم، وخرج بعده الوزير فاجتاز بدار الحديث، وزار الأثر النبوي، وخرج إليه الشيخ زين الدين الفارقي، وشافهه بتدريس الناصرية، وترك زين الدين تدريس الشامية البرانية فوليها القاضي كمال الدين بن الشريشي، وذكر أن الوزير أعطى الشيخ شيئاً من حطام الدنيا فقبله، وكذلك أعطى خادم الأثر وهو المعين خطاب‏.‏

وخرج الأعيان والقضاة مع الوزير لتوديعه‏.‏

ووقع في هذا اليوم مطر جيد استشفى الناس به وغسل آثار العساكر من الأوساخ وغيرها، وعاد التقي توبة من توديع الوزير، وقد فوض إليه نظر الخزانة وعزل عنها شهاب الدين بن النحاس، ودرس الشيخ ناصر الدين بالناصرية الجوانية عوضاً عن القاضي بدر الدين بن جماعة في يوم الأربعاء آخر يوم من المحرم‏.‏

وفي هذا اليوم تحدث الناس فيما بينهم بوقوع تخبيط بين العساكر، وخلف وتشويش، فغلق باب القلعة الذي يلي المدينة، ودخل الصاحب شهاب الدين إليها من ناحية الخوخة، وتهيأ النائب والأمراء وركب طائفة من الجيش على باب النصر وقوفاً‏.‏

فلما كان وقت العصر وصل السلطان الملك العادل كتبغا إلى القلعة في خمسة أنفس أو ستة من مماليكه، فدخل القلعة فجاء إليه الأمراء، وأحضر ابن جماعة وحسام الدين الحنفي، وجددوا الحلف للأمراء ثانية فحلفوا، وخلع عليهم وأمر بالاحتياط على نواب الأمير حسام الدين لاجين وحواصله، وأقام العادل بالقلعة هذه الأيام، وكان الخلف الذي وقع بينهم بوادي فحمة يوم الاثنين التاسع والعشرين من المحرم‏.‏

وذلك أن الأمير حسام الدين لاجين كان قد واطأ جماعة من الأمراء في الباطن على العادل، وتوثق منهم، وأشار على العادل حين خرجوا من دمشق أن يستصحب معه الخزانة، وذل لئلا يبقى بدمشق شيء من المال، يتقوى به العادل إن فاتهم، ورجع إلى دمشق، ويكون قوة له هو في الطريق، على ما عزم عليه من الغدر، فلما كانوا بالمكان المذكور قتل لاجين الأمير سيف الدين بيحاص وبكتوت الأزرق العادليين، وأخذ الخزانة من بين يديه والعسكر، وقصدوا الديار المصرية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/411‏)‏

فلما سمع العادل بذلك خرج في الدهليز وساق جريدة إلى دمشق فدخلها كما ذكرنا، وتراجع إليه بعض مماليكه كزين الدين غلبك وغيره، ولزم شهاب الدين الحنفي القلعة لتدبير المملكة، ودرس ابن الشريشي بالشامية البرانية بكرة يوم الخميس مستهل صفر، وتقلبت أمور كثيرة في هذه الأيام‏.‏

ولزم السلطان القلعة لا يخرج منها، وأطلق كثيراً من المكوس، وكتب بذلك تواقيع وقرئت على الناس، وغلا السعر جداً فبلغت الغرارة مائتين، واشتد الحال وتفاقم الأمر، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

 سلطنة الملك منصور لاجين السلحداري

وذلك أنه لما استاق الخزانة، وذهب الجيوش إلى الديار المصرية، دخلها في أبهة عظيمة، وقد اتفق مع جمهور الأمراء الكبار وبايعوه وملكوه عليهم، وجلس على سرير الملك يوم الجمعة عاشر صفر، ودقت بمصر البشائر، وزينت البلد، وخطب له على المنابر، وبالقدس والخليل، ولقب بالملك المنصور، وكذلك دقت له البشائر بالكرك ونابلس وصفد، وذهبت إليه طائفة من أمراء دمشق، وقدمت التجريدة من جهة الرحبة صحبة الأمير سيف الدين كجكن، فلم يدخلوا البلد بل نزلوا بميدان الحصن، وأظهروا مخالفة العادل وطاعة المنصور لاجين صاحب مصر، وركب إليه الأمراء طائفة بعد طائفة، وفوجا بعد فوج، فضعف أمر العادل جداً، فلما رأى انحلال أمره قال للأمراء‏:‏

هو خشداشي وأنا وهو شيء واحد، وأنا سامع له مطيع، وأنا أجلس في أي مكان من القلعة أراد، حتى تكاتبوه وتنظروا ما يقول‏.‏

وجاءت البريدية بالمكاتبات بالأمر بالاحتياط على القلعة وعلى العادل، وبقي الناس في هرج وأقوال ذات ألوان مختلفة، وأبواب القلعة مغلقة، وأبواب البلد سوى باب النصر إلا الخوخة، والعامة حول القلعة قد ازدحموا، حتى سقطت طائفة منهم بالخندق، فمات بعضهم، وأمسى الناس عشية السبت وقد أعلن باسم الملك المنصور لاجين، ودقت البشائر بذلك بعد العصر، ودعا له المؤذنون في سحر ليلة الأحد بجامع دمشق‏.‏

وتلوا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ الآية ‏[‏آل عمران‏:‏ 26‏]‏

وأصبح الناس يوم الأحد، فاجتمع القضاة والأمراء وفيهم غرلو العادلي، بدار السعادة فحلفوا للمنصور لاجين، ونودي بذلك في البلد، وأن يفتح الناس دكاكينهم، واختفى الصاحب شهاب الدين وأخوه زين الدين المحتسب، فعمل الوالي ابن النشابي حسبة البلد، ثم ظهر زين الدين فباشرها على عادته‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 13/412‏)‏

وكذلك ظهر أخوه شهاب الدين، وسافر نائب البلد غرلو والأمير جاعان إلى الديار المصرية، يعلمان السلطان بوقوع التحليف على ما رسم به، وجاء كتاب السلطان أنه جلس على السرير يوم الجمعة عاشر صفر، وشق القاهرة في سادس عشرة في أبهة المملكة، وعليه الخلعة الخليفية والأمراء بين يديه، وأنه قد استناب بمصر الأمير سيف الدين سنقر المنصوري، وخطب للمنصور لاجين بدمشق أول يوم ربيع الأول، وحضر المقصورة القضاة وشمس الدين الأعسر وكجكن‏.‏

واستدمر وجماعة من أمراء دمشق، وتوجه القاضي إمام الدين القزويني وحسام الدين الحنفي وجمال الدين المالكي إلى الديار المصرية مطلوبين، وقدم الأمير حسام الدين أستاذ دار السلطان، وسيف الدين جاعان من جهة السلطان فحلفوا الأمراء ثانية، ودخلوا على العادل القلعة، ومعهم القاضي بدر الدين ابن جماعة وكجكن فحلفوه أيماناً مؤكدة، بعدما طال بينهم الكلام بالتركي، وذكروا بالتركي في مبايعته أنه راض من البلدان أي بلد كان، فوقع التعيين بعد اليمين على قلعة صرخد، وجاءت المراسيم بالوزارة لتقي الدين توبة، وعزل شهاب الدين الحنفي، وبالحسبة لأمين الدين يوسف الأرمني الرومي صاحب شمس الدين الأيكي، عوضاً عن زين الدين الحنفي‏.‏

ودخل الأمير سيف الدين قبجق المنصوري على نيابة الشام إلى دمشق بكرة السبت السادس عشر من ربيع الأول، ونزل دار السعادة عوضاً عن سيف الدين غرلو العادلي، وقد خرج الجيش بكماله لتلقيه، وحضر يوم الجمعة إلى المقصورة فصلى بها، وقرأ بعد الجمعة كتاب سلطاني حسامي، بإبطال الضمانات من الأوقاف والأملاك بغير رضى أصحابها، وقرأه القاضي محيي الدين بن فضل الله صاحب ديوان الإنشاء، ونودي في البلد من له مظلمة فليأت يوم الثلاثاء إلى دار العدل، وخلع على الأمراء والمقدمين وأرباب المناصب من القضاة والكتبة، وخلع على ابن جماعة خلعتين واحد للقضاء والأخرى للخطابة‏.‏

ولما كان في شهر جمادى الآخرة وصل البريد، فأخبر بولاية إمام الدين القزويني، القضاء بالشام عوضاً عن بدر الدين بن جماعة، وإبقاء ابن جماعة على الخطابة، وتدريس القيمرية التي كانت بيد إمام الدين، وجاء كتاب السلطان بذلك وفيه احترام وإكرام له‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 13/413‏)‏

فدرس بالقيمرية يوم الخميس ثاني رجب، ودخل إمام الدين إلى دمشق عقيب صلاة الظهر يوم الأربعاء الثامن من رجب، فجلس بالعادلية وحكم بين الناس وامتدحه الشعراء بقصائد، منها قصيدة لبعضهم يقول في أولها‏:‏

تبدلت الأيام من بعد عسرها يسراً * فأضحت ثغور الشام تفتر بالبشرى

وكان حال دخوله عليه خلعة السلطان، ومعه القاضي جمال الدين الزواوي، قاضي قضاة المالكية وعليه خلعة أيضاً، وقد شكر سيرة إمام الدين في السفر، وذكر من حسن أخلاقه ورياضته ما هو حسن جميل ودرس بالعادلية بكرة الأربعاء منتصف رجب، وأشهد عليه بعد الدرس بولاية أخيه جلال الدين نيابة الحكم، وجلس في الديوان الصغير وعليه الخلعة، وجاء الناس يهنئونه، وقرئ تقليده يوم الجمعة بالشباك الكمالي، بعد الصلاة بحضرة نائب السلطنة وبقية القضاة، قرأه شرف الدين الفزاري‏.‏

وفي شعبان وصل الخبر بأن شمس الدين الأعسر تولى بالديار المصرية شد الدواوين والوزارة، وباشر المنصبين جميعاً، وباشر نظر الدواوين بدمشق فخر الدين بن السيرجي، عوضاً عن زين الدين بن صصرى، ثم عزل بعدد قليل بشهر أو أقل بأمين الدين بن هلال، وأعيدت الشامية البرانية إلى الشيخ زين الدين الفارقي مع الناصرية بسبب غيبة كمال الدين بن الشريشي بالقاهرة‏.‏

وفي الرابع عشر من ذي القعدة أمسك الأمير شمس الدين قراسنقر المنصوري نائب الديار المصرية لاجين هو وجماعة من الأمراء معه، واحتيط على حواصلهم وأموالهم بمصر والشام، وولى السلطان نيابة مصر للأمير سيف الدين منكوتمر الحسامي، وهؤلاء الأمراء الذين مسكهم هم الذين كانوا قد أعانوه وبايعوه على العادل كتبغا‏.‏

وقدم الشيخ كمال الدين الشريشي ومعه توقيع بتدريس الناصرية عوضاً عن الشامية البرانية، وأمسك الأمير شمس الدين سنقر الأعسر وزير مصر وشاد الدواوين يوم السبت الثالث والعشرين من ذي الحجة، واحتيط على أمواله وحواصله بمصر والشام‏.‏

ونودي بمصر في ذي الحجة أن لا يركب أحد من أهل الذمة فرساً ولا بغلاً، ومن وجد منهم راكباً ذلك أخذ منه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/414‏)‏

وفيها‏:‏ ملك اليمن السلطان الملك المؤيد هزبر الدين داود بن الملك المظفر المتقدم ذكره في التي قبلها‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 قاضي قضاة الحنابلة بمصر

عز الدين عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي الحنبلي، سمع الحديث وبرع في المذهب وحكم بمصر، وكان مشكوراً في سيرته وحكمه، توفي في صفر ودفن بالمقطم، وتولى بعده شرف الدين عبد الغني بن يحيى بن محمد بن عبد الله بن نصر الحراني بديار مصر‏.‏

 الشيخ الإمام الحافظ القدوة

عفيف الدين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد بن عزاز البصري الحنبلي، توفي بالمدينة النبوية في أواخر صفر، ولد سنة خمس وعشرين وستمائة، وسمع الحديث الكثير، وجاور بالمدينة النبوية خمسين سنة، وحج فيها أربعين حجة متوالية، وصلّي عليه بدمشق صلاة الغائب رحمه الله‏.‏

 الشيخ شيث بن الشيخ علي الحريري

توفي بقرية بسر من حوران يوم الجمعة ثالث عشر ربيع الآخر، وتوجه أخوه حسن والفقراء من دمشق إلى هناك لتعزية أخيهم حسن الأكبر فيه‏.‏

 الشيخ الصالح المقري

جمال الدين عبد الواحد بن كثير بن ضرغام المصري، ثم الدمشقي، نقيب السبع الكبير والغزالية، كان قد قرأ على السخاوي وسمع الحديث، توفي في أواخر رجب وصلّي عليه بالجامع الأموي، ودفن بالقرب من قبة الشيخ رسلان‏.‏

 واقف السامرية

الصدر الكبير سيف الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن جعفر البغدادي السامري، واقف السامرية التي إلى جانب الكروسية بدمشق، وكانت دارة التي يسكن بها، ودفن بها ووقفها دار حديث وخانقاه، وكان قد انتقل إلى دمشق وأقام بها بهذه الدار مدة‏.‏

وكانت قديماً تعرف بدار ابن قوام، بناها من حجارة منحوتة كلها، وكان السامري كثير الأموال حسن الأخلاق معظماً عند الدولة، جميل المعاشرة، وله أشعار رائقة ومبتكرات فائقة، توفي يوم الاثنين ثامن عشر شعبان‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/415‏)‏

وقد كان ببغداد له خطوة عند الوزير ابن العلقمي، وامتدح المعتصم وخلع عليه خلعة سوداء سنية، ثم قدم دمشق في أيام الناصر صاحب حلب فحظي عنده أيضاً، فسعى فيه أهل الدولة، فصنف فيهم أرجوزة فتح عليهم بسببها باباً، فصادرهم الملك بعشرين ألف دينار، فعظموه جداً وتوسلوا به إلى أغراضهم، وله قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كتب عنه الحافظ الدمياطي شيئاً من شعره‏.‏

 واقف النفيسية التي بالرصيف

الرئيس نفيس الدين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن عبد الواحد بن إسماعيل بن سلام بن علي بن صدقة الحراني، كان أحد شهود القيمة بدمشق، وولي نظر الأيتام في وقت، وكان ذا ثروة من المال، ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وسمع الحديث ووقف داره دار حديث، توفي يوم السبت بعد الظهر الرابع من ذي القعدة، ودفن بسفح قاسيون بكرة يوم الأحد بعد ما صلّي عليه بالأموي‏.‏

 الشيخ أبو الحسن المعروف بالساروب الدمشقي

يلقب بنجم الدين، ترجمه الحريري فأطنب، وذكر له كرامات وأشياء في علم الحروف وغيرها والله أعلم بحاله‏.‏

وفيها‏:‏ قتل قازان الأمير نوروز الذي كان إسلامه على يديه، كان نوروز هذا هو الذي استسلمه ودعاه للإسلام، فأسلم وأسلم معه أكثر التتر، فإن التتر شوشوا خاطر قازان عليه واستمالوه منه وعنه، فلم يزل به حتى قتله وقتل جميع من ينسب إليه، وكان نورزو هذا من خيار أمراء التتر عند قازان، وكان ذا عبادة وصدق في إسلامه وأذكاره وتطوعاته، وقصده الجيد رحمه الله وعفا عنه، ولقد أسلم على يديه منهم خلق كثير لا يعلمهم إلا الله، واتخذوا السبح والهياكل وحضروا الجمعة والجماعات، وقرأوا القرآن والله أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وتسعين وستمائة

استهلت والخليفة الحاكم والسلطان لاجين ونائب مصر منكوتمر ونائب دمشق قبجق‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 13/416‏)‏

وفي عاشر صفر تولى جلال الدين بن حسام الدين القضاء مكان أبيه بدمشق، وطلب أبوه إلى مصر فأقام عند السلطان، وولاه قضاء قضاة مصر للحنفية عوضاً عن شمس الدين السروجي، واستقر ولده بدمشق قاضي قضاة الحنفية، ودرّس بمدرستي أبيه الخانونية والمقدمية، وترك مدرسة القصاعين والشبلية وجاء الخبر على يدي البريد بعافية السلطان من الوقعة التي كان وقعها فدقت البشائر وزينت البلد، فإنه سقط عن فرسه وهو يلعب بالكرة، فكان كما قال الشاعر‏:‏

حويت بطشاً وإحساناً ومعرفةً * وليس يحمل هذا كله الفرس

وجاء على يديه تقليد وخلعة لنائب السلطنة، فقرأ التقليد وباس العتبة‏.‏

وفي ربيع الأول درّس بالجوزية عز الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين سليمان، وحضر عنده إمام الدين الشافعي وأخوه جلال الدين وجماعة من الفضلاء، وبعد التدريس جلس وحكم عن أبيه بإذنه في ذلك‏.‏

وفي ربيع الأول غضب قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد وترك الحكم بمصر أياماً، ثم استرضي وعاد وشرطوا عليه أن لا يستنيب ولده المحب، وفي يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر أقيمت الجمعة بالمدرسة المعظمية، وخطب فيها مدرسها القاضي شمس الدين بن المعز الحنفي، واشتهر في هذا الحين القبض على بدر الدين بيسرى، واحتيط على أمواله بديار مصر‏.‏

وأرسل السلطان بجريدة صحبة علم الدين الدويداري إلى تل حمدون ففتحه بحمد الله ومنه، وجاء الخبر بذلك إلى دمشق في الثاني عشر من رمضان، وخربت به الخليلة وأذن بها الظهر، وكان أخذها يوم الأربعاء سابع رمضان‏.‏

ثم فتحت مرعش بعدها فدقت البشائر، ثم انتقل الجيش إلى قلعة حموص، فأصيب جماعة من الجيش منهم الأمير علم الدين سنجر طقصبا أصابه زيار في فخذه، وأصاب الأمير علم الدين الدويداري حجر في رجله‏.‏

ولما كان يوم الجمعة سابع عشر شوال عمل الشيخ تقي الدين بن تيمية ميعاداً في الجهاد، وحرض فيه وبالغ في أجور المجاهدين، وكان ميعاداً حافلاً جليلاً‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 13/417‏)‏

وفي هذا الشهر عاد الملك المسعود بن خضو بن الظاهر من بلاد الأشكري إلى ديار مصر، بعد أن مكث هناك من زمن الأشرف بن المنصور، وتلقاه السلطان بالموكب وأكرمه وعظمه‏.‏

وحج الأمير خضر بن الظاهر في هذه السنة مع المصريين، وكان فيهم الخليفة الحاكم بأمر الله العباسي‏.‏

وفي شهر شوال جلس المدرسون بالمدرسة التي أنشأها نائب السلطنة بمصر وهي المنكوتمرية داخل باب القنطرة‏.‏

وفيها‏:‏ دقت البشائر لأجل أخذ قلعتي حميمص ونجم من بلاد سيس‏.‏

وفيها‏:‏ وصلت الجريدة من بلاد مصر قاصدين بلاد سيس مدداً لأصحابهم، وهي نحو ثلاثة آلاف مقاتل، وفي منتصف ذي الحجة أمسك الأمير عز الدين أيبك الحموي الذي كان نائب الشام هو وجماعة من أهله وأصحابه من الأمراء‏.‏

وفيها‏:‏ قلت المياه بدمشق جداً، حتى بقي ثوراً في بعض الأماكن لا يصل إلى ركبة الإنسان، وأما بردى فأنه لم يبق فيه مسكة ماء، ولا يصل إلى جسر حسرين، وغلا سعر الثلج بالبلد‏.‏

وأما نيل مصر فإنه كان في غاية الزيادة والكثرة‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الشيخ حسن بن الشيخ علي الحريري

في ربيع الأول بقرية بسر، وكان من كبار الطائفة، وللناس إليه ميل لحسن أخلاقه وجودة معاشرته، ولد سنة إحدى وعشرين وستمائة‏.‏

 الصدر الكبير شهاب الدين

أبو العباس أحمد بن عثمان بن أبي الرجا بن أبي الزهر التنوخي المعروف بابن السلعوس، أخو الوزير، قرأ الحديث وسمع الكثير، وكان من خيار عباد الله، كثير الصدقة والبر، توفي بداره في جمادى الأولى، وصلّي عليه بالجامع ودفن بباب الصغير، وعمل عزاؤه بمسجد ابن هشام‏.‏

وقد ولي في وقت نظر الجامع وشكرت سيرته، وحصل له وجاهة عظيمة عريضة أيام وزارة أخيه، ثم عاد إلى ما كان عليه قبل ذلك حتى توفي، وشهد جنازته خلق كثير من الناس‏.‏

 الشيخ شمس الدين الأيكي

محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي، المعروف بالأيكي، أحد الفضلاء الحلالين للمشكلات، الميسرين المعضلات، لا سيما في علم الأصلين والمنطق، وعلم الأوائل، باشر في وقت مشيخة الشيوخ بمصر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/418‏)‏

وأقام مدرّس الغزالية قبل ذلك، توفي بقرية المزة يوم جمعة، ودفن يوم السبت ومشى الناس في جنازته، منهم‏:‏ قاضي القضاة إمام الدين القزويني، وذلك في الرابع من رمضان، ودفن بمقابر الصوفية إلى جانب الشيخ شملة، وعمل عزاؤه بخانقاه السميساطية، وحضر جنازته خلق كثير، وكان معظماً في نفوس كثير من العلماء وغيرهم‏.‏

 الصدر ابن عقبة

إبراهيم بن أحمد بن عقبة بن هبة الله بن عطاء البصراوي، درس وأعاد، وولي في وقت قضاء حلب، ثم سافر قبل وفاته إلى مصر فجاء بتوقيع فيه قضاء قضاة حلب، فلما اجتاز بدمشق، توفي بها في رمضان من هذه السنة، وله سبع وثمانون سنة‏.‏

يشيب المرء ويشب معه خصلتان الحرص وطول الأمل‏.‏

 الشهاب العابر

أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي، الحنبلي، شهاب الدين عابر الرؤيا، سمع الكثير وروى الحديث‏.‏

وكان عجباً في تفسير المنامات، وله فيه اليد الطولى، وله تصنيف فيه ليس كالذي يؤثر عنه، من الغرائب والعجائب، ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصغير، وكانت جنازته حافلة رحمه الله‏.‏

تم الجزء الثالث عشر من البداية والنهاية‏.‏ ويليه الجزء الرابع عشر‏.‏ وأوله سنة ثمان وتسعين وستمائة‏.‏