فصل: سنة تسعين وستمائة من الهجرة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ثم دخلت سنة ست وثمانين وستمائة

في أول المحرم ركبت العساكر صحبة نائب الشام حسام الدين لاجين إلى معصارة صهيون وحصن برزية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/364‏)‏

فما نعمهم الأمير سيف الدين سنقر الأشقر، فلم يزالوا به حتى استنزلوه وسلمهم البلاد، وسار إلى خدمة السلطان الملك المنصور، فتلقاه بالإكرام والاحترام، وأعطاه تقدمة ألف فارس، ولم يزل معظماً في الدولة المنصورية إلى آخرها، وانقضت تلك الأحوال‏.‏

وفي النصف من المحرم حكم القاضي جلال الدين الحنفي نيابة عن أبيه حسام الدين الرازي، وفي الثالث عشر من ربيع الأول قدم القاضي شهاب الدين محمد بن القاضي شمس الدين بن الخليل الخوي من القاهرة على قضاء قضاة دمشق، وقرئ تقليده يوم الجمعة مستهل ربيع الآخر، واستمر بنيابة شرف الدين المقدسي‏.‏

وفي يوم الأحد ثالث شوال درس بالرواحية الشيخ صفي الدين الهندي، وحضر عنده القضاة والشيخ تاج الدين الفزاري، وعلم الدين الدويداري، وتولى قضاء قضاة القاهرة تقي الدين عبد الرحمن ابن بنت الأعز، عوضاً عن برهان الدين الخضر السنجاري، وقد كان وليها شهراً بعد ابن الخوي فاجتمع حينئذ إلى ابن بنت الأعز بين القضاء كله بالديار المصرية، وذلك في أوائل صفر منها‏.‏

وفيها‏:‏ استدعى سيف الدين السامري من دمشق إلى الديار المصرية ليشتري منه ربع جزر ما الذي اشتراه من بنت الملك الأشرف موسى، فذكر لهم أنه وقفه، وكان المتكلم في ذلك علم الدين الشجاعي، وكان ظالماً، وكان قد استنابه الملك المنصور بديار مصر، وجعل يتقرب إليه بتحصيل الأموال، ففتق لهم ناصر الدين محمد بن عبد الرحمن المقدسي أن السامري اشترى هذا من بنت الأشرف، وهي غير رشيدة‏.‏

وأثبت سفهها على زين الدين بن مخلوف الجائر الجاهل، وأبطل البيع من أصله، واسترجع على السامري بمغل مدة عشرين سنة مائتي ألف درهم، وأخذوا منه حصة من الزنبقية قيمتها سبعين ألفاً وعشرة آلاف مكملة، وتركوه فقيراً على بردا لديار‏.‏

ثم أثبتوا رشدها واشتروا منها تلك الحصص بما أرادوه، ثم أرادوا أن يستدعوا بالدماشقة واحداً بعد واحدٍ، ويصادرونهم، وذلك أنه بلغهم أن من ظلم بالشام لا يفلح وأن من ظلم بمصر أفلح وطالت مدته، وكانوا يطلبونهم إلى مصر أرض الفراعنة والظلم، فيفعلون معهم ما أرادوا‏.‏

 من الأعيان‏:‏

الشيخ الإمام العلامة

 قطب الدين أبو بكر محمد بن الشيخ الإمام أبي العباس أحمد بن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أحمد الميموني القيسي التوزري المصري‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/365‏)‏

ثم المالكي الشافعي المعروف بالقسطلاني، شيخ دار الحديث الكاملية بالقاهرة، ولد سنة أربع عشرة وستمائة، ورحل إلى بغداد فسمع الكثير وحصل علوماً، وكان يفتي على مذهب الشافعي، وأقام بمكة مدة طويلة ثم صار إلى مصر فولي مشيخة دار الحديث، وكان حسن الأخلاق محبباً إلى الناس، توفي في آخر المحرم ودفن بالقرافة الكبرى، وله شعر حسن أورد منه ابن الجزري قطعة صالحة‏.‏

 عماد الدين

محمد بن العباس الدنيسري الطبيب الماهر، والحاذق الشاعر، خدم الأكابر والوزراء وعمر ثمانين سنة وتوفي في صفر من هذه السنة بدمشق‏.‏

قاضي القضاة

 برهان الدين الخضر بن الحسين بن علي السنجاري، تولى الحكم بديار مصر غير مرة، وولي الوزارة أيضاً، وكان رئيساً وقوراً مهيباً، وقد باشر القضاء بعده تقي الدين ابن بنت الأعز‏.‏

 شرف الدين سليمان بن عثمان

الشاعر المشهور، له ديوان‏.‏ مات في صفر منها‏.‏

 الشيخ الصالح عز الدين

عبد العزيز بن عبد المنعم بن الصيقل الحراني، ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وسمع الكثير، ثم استوطن مصر حتى توفي بها في رابع عشر رجب، وقد جاوز التسعين، وقد سمع منه الحافظ علم الدين البرزالي لما رحل إلى مصر في سنة أربع وثمانين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/366‏)‏

وحكى عنه أنه شهد جنازة في بغداد فتبعهم نباش، فلما كان الليل جاء إلى ذلك القبر ففتح عن الميت، وكان الميت شاباً قد أصابته سكتة، فلما فتح القبر نهض ذلك الشاب الميت جالساً فسقط النباش ميتاً في القبر، وخرج الشاب من قبره، ودفن فيه النباش‏.‏

وحكى له قال‏:‏ كنت مرة بقليوب وبين يدي صبرة قمح، فجاء زنبور فأخذ واحدة ثم ذهب بها، ثم جاء فأخذ أخرى ثم ذهب بها، ثم جاء فأخذ أخرى أربع مرات، قال‏:‏ فاتبعته فإذا هو يضع الحبة في فم عصفور أعمى بين تلك الأشجار التي هناك‏.‏

قال‏:‏ وحكى لي الشيخ عبد الكافي أنه شهد مرة جنازة فإذا عبد أسود معنا، فلما صلى الناس عليها لم يصل، فلما حضرنا الدفن نظر إلي وقال‏:‏ أنا عمله ثم ألقى نفسه في قبر ذلك الميت، قال فنظرت فلم أر شيئاً‏.‏

 الحافظ أبو اليمن

أمين الدين عبد الصمد بن عبد الوهاب بن الحسن بن محمد بن الحسن بن عساكر الدمشقي ترك الرياسة والأملاك، وجاور بمكة ثلاثين سنة، مقبلاً على العبادة والزهادة، وقد حصل له قبول من الناس شاميهم ومصريهم وغيرهم، توفي بالمدينة النبوية في ثاني رجب منها‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وثمانين وستمائة

فيها قدم الشجاعي من مصر إلى الشام بنية المصادرة لأرباب الأموال من أهل الشام وفي أواخر ربيع الآخر قدم الشيخ ناصر الدين عبد الرحمن المقدسي من القاهرة، على وكالة بيت المال ونظر الأوقاف، ونظر الخاص، ومعه تقاليد وخلع فتردد الناس إلى بابه وتكلم في الأمور وآذى الناس، وكانت ولايته بسفارة الأمير علم الدين الشجاعي المتكلم في الديار المصرية‏.‏

توسل إليه بالشيخ شمس الدين الأيكي وبابن الوحيد الكاتب، وكانا عنده لهما صورة، وقد طلب جماعة من أعيان الدماشقة في أول هذه السنة إلى الديار المصرية فطولبوا بأموال كثيرة، فدافع بعضهم بعضاً‏.‏

وهذا مما يخفف عقوبته من ظلمهم، وإلا فلو صبروا لعوجل الظالم بالعقوبة، ولزال عنهم ما يكرهون سريعاً‏.‏

ولما قدم ابن المقدسي إلى دمشق كان يحكم بتربة أم الصالح، والناس يترددون إليه ويخافون شره، وقد استجد باشورة بباب الفراديس ومساطب باب الساعات للشهود، وجدد باب الجابية الشمالي ورفعه، وكان متواطئاً، وأصلح الجسر الذي تحته، وكذلك أصلح جسر باب الفراديس تحت السويقة التي جددها عليه من الجانبين‏.‏

وهذا من أحسن ما عمله ابن المقدسي، وقد كان مع ذلك كثير الأذية للناس ظلوماً غشوماً، ويفتح على الناس أبواباً من الظلم لا حاجة إليها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/367‏)‏

وفي عاشر جمادى الأولى قدم من الديار المصرية أيضاً قاضي القضاة حسام الدين الحنفي، والصاحب تقي الدين توبة التكريتي، وقاضي القضاة جمال الدين محمد بن سليمان الزواوي المالكي على قضاء المالكية بعد شغوره عن حاكم بدمشق ثلاث سنين ونصف، فأقام شعار المنصب ودرس ونشر المذهب وكان له سؤدد ورياسة‏.‏

وفي ليلة الجمعة رابع شعبان توفي الملك الصالح علاء الدين بن الملك المنصور قلاوون بالسنطارية فوجد عليه أبوه وجداً شديداً، وقد كان عهد إليه بالأمر من بعده وخطب له على المنابر من مدة سنين، فدفنه في تربته وجعل ولاية العهد من بعده إلى ابنه الأشرف خليل، من بعد أبيه، وخطب له على المنابر من بعد ذكر أبيه يوم الجمعة، ودقت البشائر وزين البلد سبعة أيام، ولبس الجيش الخلع وركبوا، وأظهر الناس سروراً لشهامته، مع ما في قلوبهم على أبيه لأجل ظلم الشجاعي‏.‏

وفي رمضان باشر حسبة دمشق شمس الدين محمد بن السلعوسي عوضاً عن شرف الدين ابن الشيزري وفيه توجه الشيخ بدر الدين بن جماعة إلى خطابة القدس بعد موت خطيبه قطب الدين، فباشر بعده تدريس القيمرية علاء الدين أحمد بن القاضي تاج الدين بن بنت الأعز‏.‏

وفي شهر رمضان كبس نصراني وعنده مسلمة وهما يشربان الخمر في نهار رمضان، فأمر نائب السلطنة حسام الدين لاجين بتحريق النصراني فبذل في نفسه أموالاً جزيلة فلم يقبل منه، وأحرق بسوق الخيل، وعمل الشهاب محمود في ذلك أبياتاً في قصيدة مليحة، وأما المرأة فجلدت الحد‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الخطيب الإمام قطب الدين

أبو الزكا عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم بن علي بن جعفر بن عبد الله بن محمد بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، القرشي، الزهري، خطيب بيت المقدس أربعين سنة، وكان من الصلحاء الكبار محبوباً عند الناس، حسن الهيئة مهيباً عزيز النفس، يفتى الناس ويذكر التفسير من حفظه في المحراب بعد صلاة الصبح‏.‏

وقد سمع الكثير وكان من الأخيار، ولد سنة ثلاث وستمائة، وتوفي ليلة الثلاثاء سابع رمضان عن أربع وثمانين سنة‏.‏

 الشيخ الصالح العابد

إبراهيم بن معضاد بن شداد بن ماجد الجعبري، تقي الدين أبو إسحاق، أصله من قلعة جعبر، ثم أقام بالقاهرة، وكان يعظ الناس وكان الناس ينتفعون بكلامه كثيراً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/368‏)‏

توفي بالقاهرة يوم السبت الرابع والعشرين من المحرم، ودفن في تربته بالحسينية، وله نظم حسن، وكان من الصلحاء المشهورين رحمه الله‏.‏

 الشيخ الصالح

يس بن عبد الله المقري الحجام، شيخ الشيوخ محيي الدين النووي، وقد حج عشرين حجة، وكانت له أحوال وكرامات‏.‏

 الخونده غازية خاتون

بنت الملك المنصور قلاوون، زوجة الملك السعيد‏.‏

 الحكيم الرئيس

علاء الدين علي بن أبي الحزم بن نفيس، شرح ‏(‏القانون‏)‏ لابن سينا وصنف ‏(‏الموجز‏)‏ وغيره من الفوائد وكان يكتب من حفظه، كان اشتغاله على ابن الدخواري، وتوفي بمصر في ذي القعدة‏.‏

 الشيخ بدر الدين

عبد الله بن الشيخ جمال الدين بن مالك النحوي، شارح الألفية التي عملها أبوه، وهو من أحسن الشروح وأكثرها فوائد، وكان لطيفاً ظريفاً فاضلاً، توفي في يوم الأحد الثامن من المحرم، ودفن من الغد بباب الصغير‏.‏ والله أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وثمانين وستمائة

فيها‏:‏ كان فتح مدينة طرابلس‏:‏ وذلك أن السلطان قلاوون قدم بالجيوش المنصورة المصرية صحبته إلى دمشق، فدخلها في الثالث عشر من صفر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/369‏)‏

ثم سار بهم وبجيش دمشق وصحبته خلق كثير من المتطوعة، منهم القاضي نجم الدين الحنبلي، قاضي الحنابلة، وخلق من المقادسة وغيرهم، فنازل طرابلس يوم الجمعة مستهل ربيع الأول، وحاصرها بالمجانيق حصاراً شديداً، وضيقوا على أهلها تضيقاً عظيماً، ونصب عليها تسعة عشر منجنيقاً، فلما كان يوم الثلاثاء رابع جمادى الآخرة فتحت طرابلس في الساعة الرابعة من النهار عنوة، وشمل القتل والأسر جميع من فيها، وغرق كثير من أهل الميناء وسبيت النساء والأطفال، وأخذت الذخائر والحواصل، وقد كان لها في أيدي الفرنج من سنة ثلاث وخمسمائة إلى هذا التاريخ‏.‏

وقد كانت قبل ذلك في أيدي المسلمين من زمان معاوية، فقد فتحها سفيان بن نجيب لمعاوية، فأسكنها معاوية اليهود، ثم كان عبد الملك بن مروان جدد عمارتها وحصنها وأسكنها المسلمين، وصارت آمنة عامرة مطمئنة، وبها ثمار الشام ومصر، فإن بها الجوز والموز والثلج والقصب، والمياه جارية فيها تصعد إلى أماكن عالية، وقد كانت قبل ذلك ثلاث مدن متقاربة، ثم صارت بلداً واحداً، ثم حولت من موضعها كما سيأتي الآن‏.‏

ولما وصلت البشارة إلى دمشق دقت البشائر وزينت البلاد وفرح الناس فرحاً شديداً ولله الحمد والمنة‏.‏

ثم أمر السلطان الملك المنصور قلاوون، أن تهدم البلد بما فيها من العمائر والدور والأسوار الحصينة التي كانت عليها، وأن يبنى على ميل منها بلدة غيرها أمكن منها وأحسن، ففعل ذلك، فهي هذه البلدة التي يقال لها طرابلس، ثم عاد إلى دمشق مؤيداً منصوراً مسروراً محبوراً‏.‏

فدخلها يوم النصف من جمادى الآخرة، ولكنه فوض الأمور والكلام في الأموال فيها إلى علم الدين الشجاعي، فصادر جماعة وجمع أموالاً كثيرة، وحصل بسبب ذلك أذى الخلق‏.‏

وبئس هذا الصنيع فإن ذلك تعجيل لدمار الظالم وهلاكه، فلم يغن عن المنصور ما جمع له الشجاعي من الأموال شيئاً، فإنه لم يعش بعد ذلك إلا اليسير حتى أخذه الله أخذ القرى وهي ظالمة، كما سيأتي‏.‏

ثم سافر السلطان في ثاني شعبان بجيشه إلى الديار المصرية، فدخلها في أواخر شعبان‏.‏

وفيها‏:‏ فتحت قلاع كثيرة بناحية حلب‏:‏ كركر، وتلك النواحي، وكسرت طائفة من التتر هناك، وقتل ملكهم خربندا نائب التتر على ملطية‏.‏

وفيها‏:‏ تولى الحسبة بدمشق جمال الدين يوسف بن التقي توبة التكريتي، ثم أخذها بعد شهور تاج الدين الشيرازي‏.‏

وفيها‏:‏ وضع منبر عند محراب الصحابة بسبب عمارة كانت في المقصورة، فصلى برهان الدين الإسكندري نائب الخطيب بالناس هناك مدة شهر، الجماعات والجمعات، ابتدؤا ذلك من يوم الجمعة الثاني والعشرين من ذي الحجة‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الشيخة فاطمة بنت الشيخ إبراهيم

زوجة النجم بن إسرائيل، كانت من بيت الفقر، لها سلطنة وإقدام وترجمة وكلام في طريقة الحريرية وغيرهم، وحضر جنازتها خلق كثير، ودفنت عند الشيخ رسلان‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/370‏)‏

 العالم بن الصاحب

الشيخ الماجن، هو الشيخ الفاضل علم الدين أحمد بن يوسف بن عبد الله بن شكر، كان من بيت علم ورياسة، وقد درس في بعض المدارس، وكان له وجاهة ورياسة، ثم ترك ذلك كله وأقبل على الحرفشة وصحبة الحرافيش والتشبه بهم في اللباس والطريقة‏.‏

وأكل الحشيش واستعمله، كان من الفهم في الخلاعة والمجون والزوائد الرائقة الفائقة التي لا يلحق في كثير منها، وقد كان له أولاد فضلاء ينهونه عن ذلك فلم يلتفت إليهم، ولم يزل ذلك دأبه حتى توفي ليلة الجمعة الحادي والعشرين من ربيع الأول‏.‏

ولما ولي القضاة الأربعة كان ابن خالته تاج الدين بن بنت الأعز مستقلاً في القضاء قبل ذلك، فقال له ابن الصاحب المذكور‏:‏ ما مت حتى رأيتك صاحب ربع، فقال له‏:‏ تسكت وإلا خليتهم يسقونك السم، فقال له‏:‏ في قلة دينك تفعل، وفي قلة عقولهم يسمعوا منك، وقال يمدح الحشيشة الخسيسة‏:‏

في خمار الحشيش معنى مرامي * يا أهيل العقول والإفهام

حرموها من غير عقلٍ ونقلٍ * وحرام تحريم غير الحرام

وله أيضاً‏:‏

يا نفس ميلي إلى التصابي * فاللهو منه الفتى يعيش

ولا تملي من سكر يومٍ * إن أعوز الخمر فالحشيش

وله أيضاً‏:‏

جمعت بين الحشيش والخمر * فرحت لا أهتدي من السكر

يا من يريني لباب مدرستي * يريح والله غاية الأجر

وقال يهجو الصاحب بهاء الدين بن الحنا‏:‏

اقعد بها وتهنا * لا بد أن تتعنى

تكتب على بن محمد * من أين لك يا بن حنا

فاستدعاه فضربه، ثم أمر به إلى المارستان فمكث فيه سنة ثم أطلق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/371‏)‏

 شمس الدين الأصبهاني

شارح المحصول‏:‏ محمد بن محمود بن محمد بن عباد السلماني العلامة، قدم دمشق بعد الخمسين وستمائة، وناظر الفقهاء واشتهرت فضائله، وسمع الحديث وشرح ‏(‏المحصول‏)‏ للرازي، وصنف القواعد في أربعة فنون، أصول الفقه، وأصول الدين، والمنطق، والخلاف‏.‏

وله معرفة جيدة في المنطق والنحو والأدب، وقد رحل إلى مصر فدرس بمشهد الحسين والشافعي وغيرهما، ورحل إليه الطلبة، وتوفي في العشرين من رجب في القاهرة عن ثنتين وسبعين سنة‏.‏

 الشمس محمد بن العفيف

سليمان بن علي بن عبد الله بن علي التلمساني، الشاعر المطبق، كانت وفاته في حياة أبيه فتألم له ووجد عليه وجداً شديداً، ورثاه بأشعار كثيرة، توفي يوم الأربعاء الرابع عشر من رجب، وصلّي عليه بالجامع، ودفن بالصوفية‏.‏

فمن رائق شعره قوله‏:‏

وإن ثناياه نجومٌ لبدره * وهن لعقد الحسن فيه فرائد

وكم يتجافى خصره وهو ناحلٌ * وكم يتحلى ثغره وهو بارد

وله يذم الحشيشة‏:‏

ما للحشيشة فضلٌ عند آكلها * لكنها غير مصروف إلى رشده

صفراء في وجهه خضراء في فمه * حمراء في عينة سوداء في كبده

ومن شعره أيضا‏:‏

بدا وجهه من فوق ذابل خده * وقد لاح من سود الذوائب في جنح

فقلت عجيب كيف لم يذهب الدجا * وقد طلعت شمس النهار على رمح

وله من جملة أبيات‏:‏

ما أنت عندي والقضيـ *ـب اللدن في حد سوى هذاك حركه الهوا * وأنت حركت الهوى

 الملك المنصور شهاب الدين

محمود بن الملك الصالح إسماعيل بن العادل، توفي يوم الثلاثاء ثامن عشر شعبان‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/372‏)‏

وصلي عليه بالجامع، ودفن من يومه بتربة جده، وكان ناظرها، وقد سمع الحديث الكثير، وكان يحب أهله، وكان فيه لطف وتواضع‏.‏

 الشيخ فخر الدين أبو محمد

عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي الحنبلي، شيخ دار الحديث النورية ومشهد ابن عروة، وشيخ الصدرية، كان يفتي ويفيد الناس مع ديانة وصلاح وزهادة وعبادة، ولد سنة إحدى عشرة وستمائة، وتوفي في رجب منها‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وثمانين وستمائة

فيها‏:‏كانت وفاة الملك المنصور قلاوون، وكان الخليفة الحاكم العباسي، ونائب مصر حسام الدين طرقطاي، ونائب الشام حسام الدين لاجين، وقضاة الشام شهاب الدين بن الخوي الشافعي، وحسام الدين الحنفي، ونجم الدين بن شيخ الجبل، وجمال الدين الزواوي المالكي‏.‏

وجاء البريد يطلب شمس الدين سنقر الأشقر إلى الديار المصرية، فأكرمه السلطان وقواه وشديده وأمره باستخلاص الأموال، وزاده مشد الجيوش، والكلام على الحصون إلى البيرة وكختا وغير ذلك، فقويت نفسه وزاد تجبره ولكن كان يرجع إلى مروءة وستر وينفع من ينتمي إليه، وذلك مودة في الدنيا في أيام قلائل، وفي جمادى الآخرة جاء البريد بالكشف على ناصر الدين المقدسي، وكيل بيت المال، وناظر الخاص، فظهرت عليه مخازي من أكل الأوقاف وغيرها، فرسم عليه بالعذراوية وطولب بتلك الأموال وضيق عليه‏.‏

وعمل فيه سيف الدين أبو العباس السامري قصيدة يتشفى فيها لما كان أسدى إليه من الظلم والإيذاء، مع أنه راح إليه وتغمم له وتمازحا هنالك‏.‏

ثم جاء البريد بطلبه إلى الديار المصرية فخاف النواب من ذهابه، فأصبح يوم الجمعة وهو مشنوق بالمدرسة العذراوية، فطلبت القضاة والشهود فشاهدوه كذلك، ثم جهز وصلي عليه بعد الجمعة ودفن بمقابر الصوفية عند أبيه، وكان مدرساً بالرواحية وتربة أم الصالح، مع الوكالتين والنظر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/373‏)‏

وجاء البريد بعمل مجانيق لحصار عكا، فركب الأعسر إلى أراضي بعلبك، لما هنالك من الأخشاب العظيمة التي لا يوجد مثلها بدمشق، وهي تصلح لذلك، فكثرت الجنايات والجبايات والسخر، وكلفوا الناس تكليفاً كثيراً، وأخذوا أخشاب الناس، وحملت إلى دمشق بكلفة عظيمة وشدة كثيرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

 وفاة الملك المنصور قلاوون

بينما الناس في هذا الهم والمصادرات وأمثال ذلك، إذ وردت بريدية فأخبروا بوفاة الملكا لمنصور يوم السبت سادس ذي القعدة من هذه السنة، بالمخيم ظاهر القاهرة، ثم حمل إلى قلعة الجبل ليلاً وجلس بعده ولده الملك الأشرف خليل بولاية العهد له، وحلف له جميع الأمراء، وخطب له على المنابر، وركب في أبهة الملك، والعساكر كلهم في خدمته مشاة من قلعة الجبل إلى الميدان الأسود الذي هو سوق الخيل، وعلى الأمراء والمقدمين الخلع، وعلى القضاة والأعيان‏.‏

ولما جاءت الأخبار بذلك حلف له الأمراء بالشام، وقبض على حسام الدين طرقطاي نائب أبيه وأخذ منه أموالاً جزيلة أنفق منها على العساكر‏.‏

وفيها‏:‏ ولي خطابة دمشق زين الدين عمر بن مكي بن المرحل عوضاً عن جمال الدين بن عبد الكافي، وكان ذلك بمساعدة الأعسر، وتولى نظر الجامع الرئيس وجيه الدين بن المنجي الحنبلي، عوضاً عن ناصر الدين بن المقدسي، وثمر وقعة وعمره وزاد مائة وخمسين ألفا‏.‏

وفيها‏:‏ احترقت دار صاحب حماه، وذلك أنه وقع فيها نار في غيبته فلم يتجاسر أحد يدخلها، فعملت النار فيها يومين فاحترقت واحترق كل ما فيها‏.‏

وفي شوال درس بتربة أم الصالح بعد ابن المقدسي القاضي إمام الدين القونوي‏.‏

وفيها‏:‏ باشر الشرف حسين بن أحمد بن الشيخ أبي عمر قضاء الحنابلة عوضاً عن ابن عمه نجم الدين بن شيخ الجبل، عن مرسوم الملك المنصور قبل وفاته‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة من الشام الأمير بدر الدين بكتوت الدوباسي، وحج قاضي القضاة شهاب الدين بن الخوي، وشمس الدين بن السلعوس، ومقدم الركب الأمير عتبة، فتوهم منه أبو نمي، وكان بينهما عداوة فأغلق أبواب مكة ومنع الناس من دخولها فأحرق الباب وقتل جماعة ونهب بعض الأماكن، وجرت خطوب فظيعة‏.‏

ثم أرسلوا القاضي ابن الخوي ليصلح بين الفريقين، ولما استقر عند أبي نمي رحل الركوب وبقي هو في الحرم وحده وأرسل معه أبو نمي من ألحقه بهم سالماً معظماً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/374‏)‏

وجاء الخبر بموت المنصور إلى الناس وهم بعرفات وهذا شيء عجيب‏.‏

وجاء كتاب يستحث الوزير ابن السلعوس في المسير إلى الديار المصرية، وبين الأسطر بخط الملك الأشرف‏:‏ يا شقير يا وجه الخير احضر لتستلم الوزارة‏.‏

فساق إلى القاهرة فوصلها يوم الثلاثاء عاشر المحرم، فتسلم الوزارة كما قال السلطان‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 السلطان الملك المنصور قلاوون

ابن عبد الله التركي الصالحي الألفي، اشتراه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، بألفي دينار، وكان من أكابر الأمراء عنده وبعده‏.‏

ولما تزوج الملك السعيد بن الظاهر بابنته غازية خاتون، عظم شأنه جداً عند الظاهر، وما زال يترفع في الدولة حتى صار أتابك سلامش بن الظاهر، ثم رفعه من البين واستقل بالملك في سنة أربع وثمانين، وفتح طرابلس سنة ثمان وثمانين، وعزم على فتح عكا وبرز إليها فعاجلته المنية في السادس والعشرين من ذي القعدة، ودفن بتربته بمدرسته الهائلة التي أنشأها بين القصرين، التي ليس بديار مصر ولا بالشام مثلها‏.‏

وفيها‏:‏ دار حديث ومارستان‏.‏

وعليها أوقاف دارة كثيرة عظيمة، مات عن قريب من ستين سنة، وكانت مدة ملكه اثنتي عشرة سنة، وكان حسن الصورة مهيباً، عليه أبهة السلطنة ومهابة الملك، تام القامة حسن اللحية عالي الهمة شجاعاً وقوراً سامحه الله‏.‏

 الأمير حسام الدين طرقطاي

نائب السلطنة المنصورية بمصر، أخذه الأشرف فسجنه في قلعة الجبل، ثم قتله وبقي ثمانية أيام لا يدري به، ثم لف في حصير وألقي عل مزبلة، وحزن عليه بعض الناس، فكفن كآحاد الفقراء بعد النعيم الكثير، والدنيا المتسعة، والكلمة النافذة، وقد أخذ السلطان من حواصله ستمائة ألف دينار وسبعين قنطاراً بالمصري فضة، ومن الجواهر شيئاً كثيراً، سوى الخيل والبغال والجمال والأمتعة والبسط الجياد، والأسلحة المثمنة، وغير ذلك من الحواصل والأملاك بمصر والشام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/375‏)‏

وترك ولدين أحدهما أعمى، وقد دخل هذا الأعمى على الأشرف فوضع المنديل على وجهه وقال‏:‏ شيء لله وذكر له أن لهم أياماً لا يجدون شيئاً يأكلونه، فرق له وأطلق لهم الأملاك يأكلون من ريعها، فسبحان الله المتصرف في خلقه بما يشاء، يعز من يشاء ويذل من يشاء‏.‏

الشيخ الإمام العلامة

 رشيد الدين عمر بن إسماعيل بن مسعود الفارقي الشافعي، مدرس الظاهرية، توفي بها وقد جاوز التسعين، وجد مخنوقاً في المحرم، ودفن بالصوفية، وقد سمع الحديث، وكان منفرداً في فنون من العلوم كثيرة، منها علم النحو، والأدب، وحل المترجم، والكتابة، والإنشاء، وعلم الفلك والنجوم، وضرب الرمل، والحساب، وغير ذلك، وله نظم حسن‏.‏

 الخطيب جمال الدين أبو محمد

عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الربعي، توفي بدار الخطابة وحضر الناس الصلاة عليه يوم السبت سلخ جمادى الأولى، وحمل إلى السفح فدفن إلى جانب الشيخ يوسف الفقاعي‏.‏

 فخر الدين أبو الظاهر إسماعيل

ابن عز القضاة أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الواحد بن أبي اليمن، الشيخ الزاهد المتقلل من متاع الدنيا، توفي في العشرين من رمضان، وصلي عليه في الجامع، ودفن بتربة بني الزكي بقاسيون محبة في محيي الدين بن عربي، فإنه كان يكتب من كلامه كل يوم ورقتين، ومن الحديث ورقتين، وكان مع هذا يحسن الظن به، وكان يصلي مع الأئمة كلهم بالجامع، وقد أخبر عنه بعض العلماء أنه رأى بخطه‏.‏

وفي كل شيء له آية * تدل على أنه عينه

وقد صحح على عينه وإنما الصحيح المروي عمن أنشد هذا الشعر‏:‏ * تدل على أنه واحد *

وله شعر فمنه‏:‏

والنهر مذ جن في الغصون هوى * فراح في قلبه يمثلها

فغار منه النسيم عاشقها * فجاء عن وصله يميلها

وله أيضاً‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/376‏)‏

لما تحقق بالإمكان فوقكم * وقد بدا حكمه في عالم الصور

فميز الجمع عنه وهو متخذ * فلاح فرقكم في عالم الصور

وله‏:‏

لي سادة لا أرى سواهم * هم عين معناي وعين جوفي

لقد أحاطوا بك جزء * مني وعزوا عن درك طرفي

هم نظروا في عموم فقري * وطول ذلي وفرط ضعفي

فعاملوني ببحت جود * وصرف بر ومحض لطف

فلا تلم إن جررت ذيلي * فخراً بهم أو ثنيت عطفي

وله‏:‏

مواهب ذي الجلال لدى تتري * فقد أخر ستني ونطقن شكرا

فنعمى إثر نعمى إثر نعمى * وبشرى بعد بشرى بعد بشرى

لها بدء وليس لها انتهاء * يعم مزيدها دنيا وأخرى

 الحاج طيبرس بن عبد الله

علاء الدين الوزير، صهر الملك الظاهر، كان من أكابر الأمراء، ذوي الحل والعقد، وكان ديناً كثير الصدقات، له خان بدمشق أوقفه، وله في فكاك الأسرى وغير ذلك، وأوصى عند موته بثلاثمائة ألف تصرف على الجند بالشام ومصر، فحصل لكل جندي خمسون درهماً، وكانت وفاته في ذي الحجة، ودفن بتربته بسفح المقطم‏.‏

قاضي القضاة

 نجم الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر المقدسي، توفي ثاني عشر رجب بسوا، وكان فاضلاً بارعاً خطيباً مدرساً بأكثر المدارس، وهو شيخ الحنابلة وابن شيخهم، وتولى بعده القضاء الشيخ شرف الدين حسين بن عبد الله بن أبي عمر، والله أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة تسعين وستمائة من الهجرة

فيها‏:‏ فتحت عكا وبقية السواحل التي كانت بأيدي الفرنج من مدد متطاولة، ولم يبق لهم فيها حجر واحد، ولله الحمد والمنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/377‏)‏

استهلت هذه السنة والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس العباسي، وسلطان البلاد الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون، ونائبه بمصر وأعمالها بدر الدين بيدرا، ووزيره ابن السلعوس الصاحب شمس الدين، ونائبه بالشام حسام الدين لاجين السلحداري المنصوري، وقضاة الشام هم المذكورون في التي قبلها، وصاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول، وصاحب مكة نجم الدين أبو نمي محمد بن إدريس بن علي بن قتادة الحسيني، وصاحب المدينة عز الدين جماز بن شيحة الحسيني، وصاحب الروم غياث الدين كيخسرو، وهو ابن ركن الدين قلج أرسلان السلجوقي، وصاحب حماة تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين محمد، وسلطان بلاد العراق وخراسان وتلك النواحي أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولى بن جنكيز خان‏.‏

وكان أول هذه السنة يوم الخميس وفيه تصدق عن الملك المنصور بأموال كثيرة جداً من الذهب والفضة، وأنزل السلطان إلى تربته في ليلة الجمعة فدفن بها تحت القبة، ونزل في قبره بدر الدين بيدرا، وعلم الدين الشجاعي، وفرقت صدقات كثيرة حينئذ، ولما قدم الصاحب شمس الدين بن السلعوس من الحجاز خلع عليه للوزارة، وكتب تقليده بها القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر كاتب الإنشا بيده، وركب الوزير في أبهة الوزارة إلى داره، وحكم‏.‏

ولما كان يوم الجمعة قبض على شمس الدين سنقر الأشقر وسيف الدين بن جرمك الناصري، وأفرج عن الأمير زين الدين كتبغا، وكان قد قبض عليه مع طرقطاي، ورد عليه أقطاعه، وأعيد التقي توبة إلى وزارة دمشق مرة أخرى‏.‏

وفيها‏:‏ أثبت ابن الخوي محضراً يتضمن أن يكون تدريس الناصرية للقاضي الشافعي وانتزعها من زين الدين الفارقي‏.‏

 فتح عكا وبقية السواحل

وفيها جاء البريد إلى دمشق في مستهل ربيع الأول لتجهيز آلات الحصار لعكا، ونودي في دمشق الغزاة في سبيل الله إلى عكا، وقد كان أهل عكا في هذا الحين عدوا على من عندهم من تجار المسلمين فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأبرزت المناجيق إلى ناحية الجسورة، وخرجت العامة والمتطوعة يجرون في العجل حتى الفقهاء والمدرسين والصلحاء، وتولى ساقها الأمير علم الدين الدويداري، وخرجت العساكر بين يدي نائب الشام، وخرج هو في اخترهم، ولحقه صاحب حماة الملك المظفر وخرج الناس من كل صوب، واتصل بهم عسكر طرابلس، وركب الأشرف من الديار المصرية بعساكره قاصداً عكا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/378‏)‏

فتوافت الجيوش هنالك، فنازلها يوم الخميس رابع ربيع الآخر ونصبت عليها المناجيق من كل ناحية يمكن نصبها عليها، واجتهدوا غاية الاجتهاد في محاربتها والتضييق على أهلها، واجتمع الناس بالجوامع لقراءة صحيح البخاري، فقرأه الشيخ شرف الدين الفزاري، فحضر القضاة والفضلاء والأعيان‏.‏

وفي أثناء محاصرة عكا وقع تخبط من نائب الشام حسام الدين لاجين، فتوهم أن السلطان يريد مسكه، وكان قد أخبره بذلك الأمير الذي يقال له أبو خرص، فركب هارباً فرده علم الدين الدويداري بالمسا به، وجاء به إلى السلطان، فطيب قلبه وخلع عليه‏.‏

ثم أمسكه بعد ثلاثة أيام وبعثه إلى قلعة صفد واحتاط على حواصله، ورسم على أستاذ داره بدر الدين بكداش، وجرى ما لا يليق وقوعه هنالك، إذ الوقت وقت عسر وضيق وحصار‏.‏

وصمم السلطان على الحصار فرتب الكوات ثلاثمائة حمل، ثم زحف يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى ودقت الكوات جملة واحدة عند طلوع الشمس، وطلع المسلمون على الأسوار مع طلوع الشمس ونصبت السناجق الإسلامية فوق أسوار البلد، فولت الفرنج عند ذلك الأدبار، وركبوا هاربين في مراكب التجار‏.‏

وقتل منهم عدد لا بعمله إلا الله تعالى، وغنموا من الأمتعة والرقيق والبضائع شيئاً كثيراً جداً، وأمر السلطان بهدمها وتخريبها، بحيث لا ينتفع بها بعد ذلك، فيسر الله فتحها نهار جمعة، كما أخذتها الفرنج من المسلمين في يوم الجمعة، وسلمت صور وصيدا قيادتهما إلى الأشرف، فاستوثق الساحل للمسلمين، وتنظف من الكافرين، وقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين‏.‏

وجاءت البطاقة إلى دمشق بذلك ففرح المسلمون، ودقت البشائر في سائر الحصون، وزينت البلاد ليتنزه فيها الناظرون المتفرجون، وأرسل السلطان إلى صور أميراً فهدم أسوارها وعفا آثارها‏.‏

وقد كان لها في أيدي الفرنج من سنة ثمان عشرة وخمسمائة‏.‏

وأما عكا فقد كان الملك الناصر يوسف بن أيوب أخذها من أيدي الفرنج، ثم إن الفرنج جاؤوا فأحاطوا بها بجيوش كثيرة، ثم جاء صلاح الدين ليمنعهم عنها مدة سبعة وثلاثين شهراً، ثم آخر ذلك استملكوها وقتلوا من كان فيها من المسلمين، كما تقدم ذلك‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 13/379‏)‏

ثم إن السلطان الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون، سار من عكا قاصداً دمشق في أبهة الملك، وحرمة وافرة، وفي صحبته وزيره ابن السلعوس والجيوش المنصورة، وفي هذا اليوم استناب بالشام الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، وسكن بدار السعادة، وزيد في إقطاع حرستا ولم تقطع لغيره، وإنما كانت لمصالح حوا صل القلعة، وجعل له في كل يوم ثلاثمائة على دار الطعام‏.‏

وفوض إليه أن يطلق من الخزانة ما يريد من غير مشاورة ولا مراجعة، وأرسله السلطان إلى صيدا لأنه كان قد بقي بها برج عصي، ففتحه ودقت البشائر بسببه، ثم عاد سريعاً إلى السلطان فودعه، وسار السلطان نحو الديار المصرية في أواخر رجب، وبعثه إلى بيروت ليفتحها فسار إليها ففتحها في أقرب وقت، وسلمت عقلية وانطرطوس وجبيل‏.‏

ولم يبق بالسواحل ولله الحمد معقل للإفرنج إلا بأيدي المسلمين، وأراح الله منهم البلاد والعباد، ودخل السلطان إلى القاهرة في تاسع شعبان في أبهة عظيمة جداً، وكان يوماً مشهوداً، وأفرج عن بدر الدين بيسرى بعد سجن سبع سنين‏.‏

ورجع علم الدين سنجر الشجاعي نائب دمشق إلى دمشق في سابع عشرين الشهر المذكور، وقد نظف السواحل من الفرنج بالكلية، ولم يبق لهم بها حجر‏.‏

وفي رابع رمضان أفرج عن حسام الدين لاجين من قلعة صفد ومعه جماعة أمراء، ورد عليهم إقطاعياتهم، وأحسن إليهم وأكرمهم‏.‏

وفي أوائل رمضان طلب القاضي بدر الدين بن جماعة من القدس الشريف وهو حاكم به، وخطيب فيه، على البريد إلى الديار المصرية فدخلها في رابع عشرة، وأفطر ليلتئذ عند الوزير بن السلعوس وأكرمه جداً واحترمه، وكانت ليلة الجمعة، فصرح الوزير بعزل تقي الدين ابن بنت الأعز، وتوليه ابن جماعة بالديار المصرية قضاء القضاة، وجاء القضاة إلى تهنئته وأصبح الشهود بخدمته، ومع القضاء خطابة الجامع الأزهر، وتدريس الصالحية، وركب في الخلعة والطرحة ورسم لبقية القضاة أن يستمروا بلبس الطريحات، وذهب فخطب بالجامع الأزهر، وانتقل إلى الصالحية ودرس بها في الجمعة الأخرى، وكان درساً حافلاً، ولما كان يوم الجمعة رسم السلطان للحاكم بأمر الله أن يخطب هو بنفسه الناس يومئذ، وأن يذكر في خطبته أنه قد ولى السلطنة لأشرف خليل بن المنصور‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13 /380‏)‏

فلبس خلعة سوداء وخطب الناس بالخطبة التي كان خطب بها في الدولة الظاهرية، وكانت من إنشاء الشيخ شرف الدين المقدسي في سنة ستين وستمائة، فيكون بين الخطبتين أزيد من ثلاثين سنة، وذلك بجامع قلعة الجبل، ثم استمر ابن جماعة يخطب بالقلعة عند السلطان، وكان يستنيب في الجامع الأزهر‏.‏

وأما ابن بنت الأعز فناله من الوزير إخراق ومصادرة وإهانة بالغة، ولم يترك له من مناصبه شيئاً، وكان بيده سبعة عشر منصباً، منها القضاء والخطابة ونظر الأحباش ومشيخة الشيوخ، ونظر الخزانة وتداريس كبار، وصادره بنحو من أربعين ألف، غير مراكبه وأشياء كثيرة، ولم يظهر منه استكانة له ولا خضوع‏.‏

ثم عاد فرضي عنه وولاه تدريس الشافعي، وعملت ختم عند قبر المنصور في ليلة الاثنين رابع ذي القعدة وحضرها القضاة والأمراء، ونزل السلطان ومعه الخليفة إليهم وقت السحر، وخطب الخليفة بعد الختم خطبة بليغة، حرض الناس على غزو بلاد العراق واستنقاذها من أيدي التتر، وقد كان الخليفة قبل ذلك محتجباً فرآه الناس جهرةً، وركب في الأسواق بعد ذلك‏.‏

وعمل أهل دمشق ختمة عظيمة بالميدان الأخضر إلى جانب القصر الأبلق، فقرئت ختمات كثيرة، ثم خطب الناس بعدها الشيخ عز الدين القاروني، ثم ابن البزوري، ثم تكلم من له عادة بالكلام وجاءت البريدية بالتهيؤ لغزو العراق، ونودي في الناس بذلك، وعملت سلاسل عظام بسبب الجسورة على دجلة بغداد، وحصلت الأجور على المقصود وإن لم يقع المقصود، وحصل لبعض الناس أذىً بسبب ذلك‏.‏

وفيها‏:‏ نادى نائب الشام الشجاعي أن لا تلبس امرأة عمامة كبيرة، وخرب الأبنية التي على نهر بانياس والجداول كلها والمسالح والسقايات التي على الأنهار كلها، وأخرب جسر الزلابية وما عليه من الدكاكين، ونادى أن لا يمشي أحد بعد العشاء الآخرة، ثم أطلق لهم هذه فقط‏.‏

وأخرب الحمام الذي كان بناه الملك السعيد ظاهر باب النصر، ولم يكن بدمشق أحسن منه، ووسع الميدان الأخضر من ناحية الشمال مقدار سدسه، ولم يترك بينه وبين النهر إلا مقداراً يسيراً، وعمل هو بنفسه والأمراء بحيطانه‏.‏

وفيها‏:‏ حبس جمال الدين آقوش الأفرم المنصوري وأميراً آخر معه في القلعة‏.‏

وفيها‏:‏ حمل الأمير علم الدين الدويداري إلى الديار المصرية مقيداً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/381‏)‏

وقد نظم الشيخ شهاب الدين محمود قصيدة في فتح عكا‏:‏

الحمد لله زالت دولة الصلب * وعز الترك دين المصطفى العربي

هذا الذي كانت الآمال لو طلبت * رؤياه في النوم لاستحيت من الطلب

ما بعد عكا وقد هدت قواعدها * في البحر للترك عند البر من أرب

لم يبق من بعدها للكفر إذ خربت * في البحر والبر ما ينجي سوى الهرب

أم الحروب فكم قد أنشأت فتناً * شاب الوليد بها هولا ولم تشب

يا يوم عكا لقد أنسيت ما سبقت * به الفتوح وما قد خط في الكتب

لم يبلغ النطق حد الشكر فيك فما * عسى يقوم به ذو الشعر والأدب

أغضبت عباد عيسى إذ أبدتهم * لله أي رضى في ذلك الغضب

وأشرف الهادي المصطفى البشير على * ما أسلف الأشرف السلطان من قرب

فقر عيناً لهذا الفتح وابتهجت * ببشره الكعبة الغراء في الحجب

وسار في الأرض سيراً قد سمعت به * فالبر في طرب، والبحر في حرب

وهي طويلة جداً، وله ولغيره في فتح عكا أشعار كثيرة‏.‏

ولما رجع البريد أخبر بأن السلطان لما عاد إلى مصر خلع على وزيره ابن السلعوس جميع ملابسه التي كانت عليه، ومركوبه الذي كان تحته، فركبه ورسم له بثمانية وسبعين ألفاً من خزانة دمشق، ليشتري له بها قرية قرحتا من بيت المال‏.‏

وفي هذه السنة انتهت عمارة قلعة حلب بعد الخراب الذي أصابها من هولاكو وأصحابه عام ثمان وخمسين‏.‏

وفيها‏:‏ في شوال شرع في عمارة قلعة دمشق وبناء الدور السلطانية والطارمة والقبة الزرقاء، حسب ما رسم به السلطان الأشرف خليل بن قلاوون لنائبه علم الدين سنجر الشجاعي‏.‏

وفيها‏:‏ في رمضان أعيد إلى نيابة القلعة الأمير أرجواش وأعطى إقطاعات سنية‏.‏

وفيها‏:‏ أرسل الشيخ الرجيحي من ذرية الشيخ يونس مضيقاً عليه محصوراً إلى القاهرة‏.‏

وفيها‏:‏ درس عز الدين القاروني بالمدرسة النجيبية عوضاً عن كمال الدين ابن خلكان، وفي ذلك اليوم درس نجم الدين مكي بالرواحية عوضاً عن ناصر الدين ابن المقدسي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/382‏)‏

وفيه درس كمال الدين الطبيب بالمدرسة الدخوارية الطبية، وفي هذا الشهر درس الشيخ جلال الدين الخبازي بالخاتونية البرانية، وجمال الدين بن الناصر بقي بالفتحية، وبرهان الدين الإسكندري بالقوصية التي بالجامع والشيخ نجم الدين الدمشقي بالشريفية عند حارة الغرباء‏.‏

وفيها‏:‏ أعيدت الناصرية إلى الفارقي، وفيه درس بالأمينية القاضي نجم الدين بن صصرى بعد ابن الزملكاني، وأخذت منه العادلية الصغيرة لكمال الدين ابن الزملكاني‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أرغون بن أبغا ملك التتار

كان شهماً شجاعاً سفاكاً للدماء، قتل عمه السلطان أحمد بن هولاكو، فعظم في أعين المغول، فلما كان في هذه السنة مات من شراب شربه فيه سم، فاتهمت المغول اليهود به - وكان وزيره سعد الدولة ابن الصفي يهودياً - فقتلوا من اليهود خلقاً كثيراً، ونهبوا منهم أموالاً عظيمة جداً في جميع مدائن العراق، ثم اختلفوا فيمن يقيمونه بعده، فمالت طائفة إلى كيختو فأجلسوه على سرير المملكة، فبقي مدة، قيل سنة وقيل أقل من ذلك، ثم قتلوه وملكوا بعده بيدرا‏.‏

وجاء الخبر بوفاة أرغون إلى الملك الأشرف وهو محاصر عكا ففرح بذلك كثيراً، وكانت مدة ملك أرغون ثمان سنين، وقد وصفه بعض مؤرخي العراق بالعدل والسياسة الجيدة‏.‏

المسند المعمر الرحالة

فخر الدين بن النجار وهو أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي المعروف بابن النجار، ولد في سلخ أو مستهل سنة ست وسبعين وخمسمائة، وسمع الكثير ورحل مع أهله، وكان رجلاً صالحاً عابداً زاهداً ورعاً ناسكاً، تفرد بروايات كثيرة لطول عمره، وخرجت له مشيخات وسمع منه الخلق الكثير والجم الغفير، وكان منصوباً لذلك حتى كبر وأسن وضعف عن الحركة، وله شعر حسن، منه قوله‏:‏

تكررت السنون عليَّ حتى * بليت وصرت من سقط المتاع

وقل النفع عندي غير أني * أعلل بالرواية والسماع

فإن يك خالصاً فله جزاء * وإن يك مالقاً فإلى ضياع

وله أيضاً‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/383‏)‏

إليك اعتذاري من صلاتي قاعداً * وعجزي عن سعي إلى الجمعات

وتركي صلاة الفرض في كل مسجد * تجمع فيه الناس للصلوات

فيا رب لا تمقت صلاتي ونجني * من النار واصفح لي عن الهفوات

توفي ضحى نهار الأربعاء ثاني ربيع الآخر من هذه السنة، عن خمس وتسعين سنة، وحضر جنازته خلق كثير، ودفن عند والده الشيخ شمس الدين أحمد بن عبد الواحد بسفح قاسيون‏.‏

 الشيخ تاج الدين الفزاري

عبد الرحمن بن سباع بن ضياء الدين أبو محمد الفزاري، الإمام العلامة العالم، شيخ الشافعية في زمانه، حاز قصب السبق دون أقرانه، وهو والد شيخنا العلامة برهان الدين‏.‏

كان مولد الشيخ تاج الدين في سنة ثلاثين وستمائة، وتوفي ضحى الاثنين خامس جمادى الآخرة، بالمدرسة البادرائية، وصلي عليه بعد الظهر بالأموي، تقدم للصلاة عليه قاضي القضاة شهاب الدين بن الخوي، ثم صلّي عليه عند جامع جراح الشيخ زين الدين الفارقي، ودفن عند والده بباب الصغير، وكان يوماً شديد الزحام‏.‏

وقد كان ممن اجتمع فيه فنون كثيرة من العلوم النافعة، والأخلاق اللطيفة، وفصاحة المنطق، وحسن التصنيف، وعلو الهمة، وفقه النفس، وكتابة الأقليد الذي جمع على أبواب التنبيه وصل فيه إلى باب الغصب، دليل على فقه نفسه وعلو قدره، وقوة همته ونفوذ نظره، واتصافه بالاجتهاد الصحيح في غالب ما سطره، وقد انتفع به الناس، وهو شيخ أكابر مشايخنا هو ومحيي الدين النووي، وله اختصار الموضوعات لابن الجوزي، وهو عندي بخطه، وقد سمع الحديث الكثير وحضر عند ابن الزبيدي صحيح البخاري، وسمع من ابن الليثي وابن الصلاح واشتغل عليه، وعلى ابن عبد السلام وانتفع بهما، وخرج له الحافظ علم الدين البرزالي أحد تلاميذه مشيخة في عشرة أجزاء عن مائة شيخ فسمعها عليه الأعيان‏:‏ وله شعر جيد فمنه‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/384‏)‏

لله أيام جمع الشمل ما برحت * بها الحوادث حتى أصبحت سمرا

ومبتدا الحزن من تاريخ مسألتي * عنكم، فلم ألق لاعيناً ولا أثرا

يا راحلين قدرتم فالنجاة لكم * ونحن للعجز لا نستعجز القدرا

وقد ولي الدرس بعده بالبادرائية والحلقة والفتيا بالجامع ولده شيخنا برهان الدين، فمشى على طريقة والده وهديه وسمته، رحمه الله‏.‏

وفي ثالث شعبان توفي‏:‏

 الطبيب الماهر عز الدين إبراهيم بن محمد بن طرخان

السويدي الأنصاري، ودفن بالسفح عن تسعين سنة، وروى شيئاً من الحديث، وفاق أهل زمانه في صناعة الطب، وصنف كتباً في ذلك، وكان يرمى بقلة الدين وترك الصلوات وانحلال في العقيدة، وإنكار أمور كثيرة مما يتعلق باليوم الآخر، والله يحكم فيه وفي أمثاله بأمره العدل الذي لا يجور ولا يظلم‏.‏

وفي شعره ما يدل على قلة عقله ودينه وعدم إيمانه، واعتراضه على تحريم الخمر، وأنه قد طال رمضان عليه في تركها وغير ذلك‏.‏

الشيخ الإمام العلامة

 علاء الدين أبو الحسن علي بن الإمام العلامة كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف الأنصاري الزملكاني، وقد درس بعد أبيه المذكور بالأمينية، وكانت وفاة والده هذا ليلة الثلاثاء التاسع والعشرين من ربيع الآخر بالأمينية‏.‏

ودفن بمقابر الصوفية عند والده الأمير الكبير بدر الدين علي بن عبد الله الناصري، ناظر الرباط بالصالحية، عن وصية أستاذه، وهو الذي ولى الشيخ شرف الفزاري مشيخة الرباط بعد ابن الشريشي جمال الدين، وقد دفن بالتربة الكبيرة داخل الرباط المذكور‏.‏

الشيخ الإمام أبو حفص عمر بن يحيى بن عمر الكرخي

صهر الشيخ تقي الدين بن الصلاح، وأحد تلاميذه، ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة، ومات يوم الأربعاء ثاني ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن إلى جانب ابن الصلاح‏.‏

الملك العادل بدر الدين سلامش بن الظاهر

الذي كان قد بويع بالملك بعد أخيه الملك السعيد، وجعل الملك المنصور قلاوون أتابكه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/385‏)‏

ثم استقل قلاوون بالملك، وأرسلهم إلى الكرك، ثم أعادهم إلى القاهرة، ثم سفرهم الأشرف خليل في أول دولته إلى بلاد الأشكري من ناحية استنبول، فمات سلامش هناك وبقي أخوه نجم الدين خضر وأهلوهم بتلك الناحية، وقد كان سلامش من أحسن الناس شكلاً وأبهاهم منظراً، وقد افتتن به خلق كثير، واللوطية الذين يحبون المردان، وشبب به الشعراء وكان عاقلاً رئيساً مهيباً وقوراً‏.‏

 العفيف التلمساني

أبو الربيع سليمان بن علي بن عبد الله بن علي بن يس العابدي الكومي، ثم التلمساني الشاعر المتقن المتفنن في علوم منها النحو والأدب والفقه والأصول، وله في ذلك مصنفات، وله شرح ‏(‏مواقف النفر‏)‏، وشرح ‏(‏أسماء الله الحسنى‏)‏، وله ديوان مشهور، ولولده محمد ديوان آخر، وقد نسب هذا الرجل إلى عظائم في الأقوال والاعتقاد في الحلول والاتحاد والزندقة والكفر المحض، وشهرته تغني عن الإطناب في ترجمته، توفي يوم الأربعاء خامس رجب ودفن بالصوفية، ويذكر عنه أنه عمل أربعين خلوة كل خلوة أربعين يوماً متتابعة فالله أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وستمائة

فيها فتحت قلعة الروم‏.‏

وسلطان البلاد من دنقله إلى مصر إلى أقصى بلاد الشام بكماله وسواحله بلاد حلب، وغير ذلك الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور قلاوون، ووزيره شمس الدين بن السعلوس، وقضاته بالشام ومصرهم المذكورون في التي قبلها، ونائب مصر بدر الدين بيدرا ونائب الشام علم الدين سنجر الشجاعي، وسلطان التتر بيدار بن أرغون بن أبغا، وفي رابع صفر وقع حريق في بعض الخزائن بقلعة الجبل، أتلف شيئاً كثيراً من الذخائر والنفائس والكتب‏.‏

وفي التاسع والعشرين من ربيع الأول خطب الخليفة الحاكم، وحث في خطبته على الجهاد والنفير، وصلى بهم الجمعة وجهر بالبسملة‏.‏

وفي ليلة السبت ثالث عشر صفر جيء بهذا الجرز الأحمر الذي بباب البرادة من عكا، فوضع في مكانه‏.‏

وفي ربيع الأول كمل بناء الطارمة وما عندها من الدور والقبة الزرقاء، وجاءت في غاية الحسن والكمال والارتفاع‏.‏

وفي يوم الاثنين ثاني جمادى الأولى ذكر الدرس بالظاهرية الشيخ صفي الدين محمد بن عبد الرحيم الأرموي، عوضاً عن علاء الدين بن بنت الأعز، وفي هذا اليوم درس بالدولعية كمال الدين بن الزكي‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة درس بالنجيبية الشيخ ضياء الدين عبد العزيز الطوسي، بمقتضى نزول الفارقي له عنها‏.‏ والله أعلم بالصواب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/386‏)‏

فتح قلعة الروم

وفي ربيع الأول منها توجه السلطان الأشرف بالعساكر نحو الشام فقدم دمشق ومعه وزيره ابن السلعوس فاستعرض الجيوش، وأنفق فيهم أموالاً جزيلة، ثم سار بهم نحو بلاد حلب، ثم سار إلى قلعة الروم، فافتتحها بالسيف قهراً في يوم السبت حادي عشر رجب، وجاءت البشارة بذلك إلى دمشق، وزينت البلد سبعة أيام وبارك الله لجيش المسلمين في سعيهم، وكان يوم السبت إلباً على أهل يوم الأحد، وكان الفتح بعد حصار عظيم جداً، مدة ثلاثين يوماً‏.‏

وكانت المنجنيقات تزيد على ثلاثين منجنيقاً، واسشتهد من الأمراء شرف الدين بن الخطير، وقد قتل من أهل البلد خلق كثير، وغنم المسلمون منها شيئاً كثيراً، ثم عاد السلطان إلى دمشق وترك الشجاعي بقلعة الروم يعمرون ما وهى من قلعتها بسبب رمي المنجنيقات عليها وقت الحصار، وكان دخوله إلى دمشق بكرة يوم الثلاثاء تاسع عشر شعبان، فاحتفل الناس لدخوله ودعوا له وأحبوه، وكان يوماً مشهوداً، بسط له كما يبسط له إذا قدم من الديار المصرية، وإنما كان ذلك بإشارة ابن السلعوس، فهو أول من بسط له، وقد كسر أبوه التتر على حمص ولم يبسط له، وكذلك الملك الظاهر كسر التتر والروم على البلستين‏.‏

وفي غير موطن ولم يبسط له، وهذه بدعة شنعاء قد أحدثها هذا الوزير للملوك، وفيها إسراف وضياع مال وأشر وبطر ورياء وتكليف للناس، وأخذ أموال ووضعها في غير مواضعها، والله سبحانه سائله عنها، وقد ذهب وتركها يتوارثها الملوك والناس عنه، وقد حصل للناس بسبب ذلك ظلم عظيم، فليتق العبد ربه ولا يحدث في الإسلام بسبب هواه ومراد نفسه ما يكون سبب مقت الله له، وإعراضه عنه، فإن الدنيا لا تدوم لأحد، ولا يدوم أحد فيها، والله سبحانه أعلم‏.‏

وكان ملك قلعة الروم مع السلطان أسيراً، وكذلك رؤوس أصحابه، فدخل بهم دمشق وهم يحملون رؤوس أصحابهم على رؤوس الرماح، وجهز السلطان طائفة من الجيش نحو جبل كسروان والجزر بسبب ممالأتهم للفرنج قديماً على المسلمين، وكان مقدم العساكر بندار وفي صحبته سنقر الأشقر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/387‏)‏

وقرا سنقر المنصوري الذي كان نائب حلب فعزله عنها السلطان وولى مكانه سيف الدين بلبان البطاحي المنصوري، وجماعة آخرون من الأمراء الكبار، فلما أحاطوا بالجبل ولم يبق إلا دمار أهليه حملوا في الليل إلى بندار حملاً كثيراً ففتر في قضيتهم‏.‏

ثم انصرف بالجيوش عنهم وعادوا إلى السلطان، فتلقاهم السلطان وترجل السلطان إلى الأمير بندار وهو نائبه على مصر، ثم ابن السلعوس نبه السلطان على فعل بندار فلامه وعنفه، فمرض من ذلك مرضاً شديداً أشفى به على الموت حتى قيل إنه مات، ثم عوفي فعمل ختمة عظيمة بجامع دمشق حضرها القضاة والأعيان، وأشغل الجامع نظير ليلة النصف من شعبان، وكان ذلك ليلة العشر الأول من رمضان‏.‏

وأطلق السلطان أهل الحبوس وترك بقية الضمان عن أرباب الجهات السلطانية، وتصدق عنه بشيء كثير، ونزل هو عن ضمانات كثيرة كان قد حاف فيها على أربابها، وقد امتدح الشهاب محمود الملك الأشرف خليل على فتحه قلعة الروم بقصيدة هائلة فاضلة أولها‏:‏

لك الراية الصفراء يقدمها النصر * فمن كيقباد إن رآها وكيخسرو

إذا خفقت في الأفق هدت بنورها * هوى الشرك واستعلى الهدى وانجلى الثغر

وإن نشرت مثل الأصائيل في الوغى * جلى النقع من لألاء طلعتها البدر

وإن يممت زرق العدى سار تحتها * كتائب خضر دوحها البيض والسمر

كان مثار النقع ليل وخفقها * بروق وأنت البدر والفلك الحتر

وفتح أتى في إثر فتحٍ كأنما * سماء بدت تترى كواكبها الزهر

فكم فطمت طوعاً وكرهاً معاقلاً * مضى الدهر عنها وهي عانسة بكر

بذلت لها عزماً فلولا مهابة * كساها الحيا جاءتك تسعى ولا مهر

قصدت حمىً من قلعة الروم ولم يتح * لغيرك إذ غرتهم المغل فاغتروا

ووالوهم سراً ليخفوا أذاهم * وفي آخر الأمر استوى السر والجهر

صرفت إليهم همة لو صرفتها * إلى البحر لاستولى على مده الجزر

وما قلعة الروم التي حزت فتحها * وإن عظمت إلا إلى غيرها جسر

طليعة ما يأتي من الفتح بعدها * كما لاح قبل الشمس في الأفق الفجر

فصبحتها بالجيش كالروض بهجةٍ * صوارمه أنهاره والقنا الزهر

وأبعدت بل كالبحر والبيض موجه * وجرد المزاكي السفن والخود الذر

وأغربت بل كالليل عوج سيوفه * أهلته ولا نبل أنجمه الزهر

‏(‏ج/ص‏:‏ 13/388‏)‏

ولحظات لا بل كالنهار شموسه * محياك والآصال راياتك الصفر

ليوث من الأتراك آجامها القنا * لها كل يوم في ذرى ظفر ظفر

فلا الريح يجري بينهم لاشتباكها * عليهم ولا ينهل من فوقهم قطر

عيون إذا الحرب العوان عرضت * لخطابها بالنفس لم يغلها مهر

ترى الموت معقوداً يهدب نبالهم * إذا ما رماها القوس والنظر الشزر

ففي كل سرحٍ غصن بان مهفهف * وفي كل قوس مدة ساعد بدر

إذا صدموا شم الجبال تزلزلت * وأصبح سهلاً تحت خيلهم الوعر

ولو ردت ماء الفرات خيولهم * لقيل هنا قد كان فيما مضى نهر

أداروا بها سوراً فأضحت كخاتم * لدى خنصر أو تحت منطقه خصر

وأرخوا إليها من أكف بحارهم * سحاب ردى لم يخل من قطره قطر

كأن المجانيق التي قمن حولها * رواعد سخط وبلها النار والصخر

أقامت صلاة الحرب ليلاً صخورها * فأكثرها شفع وأكبرها وتر

ودارت بها تلك النقوب فأسرفت * وليس عليها في الذي فعلت حجر

فأضحت بها كالصب يخفي غرامه * حذار أعاديه وفي قلبه جمر

وشبت بها النيران حتى تمزقت * وباحت بما أخفته وأنهتك الستر

فلاذوا بذيل العفو منك فلم تجب * رجاءهم لو لم يشب قصدهم مكر

وما كره المغل اشتغالك عنهم * بها عند ما فروا ولكنهم سروا

فأحرزتها بالسيف قهراً وهكذا * فتوحك فيما قد مضى كله قسر

وأضحت بحمد الله ثغراً ممنعاً * تبيد الليالي والعدى وهو مفتر

فيا أشرف الأملاك فزت بغزوة * تحصل منها الفتح والذكر والأجر

ليهنيك عند المصطفى أن دينه * توالي له في يمن دولتك النصر

وبشراك أرضيت المسيح وأحمداً * وإن غضب اليعفور من ذاك والكفر

فسر حيث ما تختار فالأرض كلها * تطيعك والأمصار أجمعها مصر

ودم وابق للدنيا ليحيى بك الهدى * ويزهى على ماضي العصور بك العصر

حذفت منها أشياء كثيرة‏.‏

وفيها‏:‏ تولى خطابة دمشق الشيخ عز الدين أحمد الفاروثي الواسطي، بعد وفاة زين الدين بن المرحل، وخطب واستسقى بالناس فلم يسقوا، ثم خطب مرة ثانية بعد ذلك بأيام عند مسجد القدم، فلم يسقوا، ثم ابتهل الناس من غير دعاية واستسقاية فسقوا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/389‏)‏

ثم عزل الفاروثي بعد أيام بالخطيب موفق الدين أبي المعالي محمد بن محمد بن محمد بن عبد المنعم بن حسن المهراني الحموي، كان خطيب حماة، ثم نقل إلى دمشق في هذه السنة، فقام وخطب وتألم الفاروثي لذلك ودخل على السلطان واعتقد أن الوزير عزله من غير علمه، فإذا هو قد شعر لذلك واعتذر بأنه إنما عزله لضعفه، فذكر له أن يصلي ليلة النصف مائة ركعة بمائة قل هو الله أحد، فلم يقبلوا واستمروا بالحموي‏.‏

وهذه دناءة وقلة عقل وعدم إخلاص من الفاروثي، وأصاب السلطان في عزله‏.‏

وفي هذا اليوم قبض السلطان على الأمير سنقر الأشقر وغيره فهرب هو والأمير حسام الدين لاجين السلحداري، فنادت عليه المنادية بدمشق من أحضره فله ألف دينار، ومن أخفاه شنق، وركب السلطان ومماليكه في طلبه، وصلى الخطيب بالناس في الميدان الأخضر، وعلى الناس كآبة بسبب تفرق الكلمة، واضطراب الجيش، واختبط الناس، فلما كان سادس شوال أمسكت العرب سنقر الأشقر فردوه على السلطان فأرسله مقيداً إلى مصر‏.‏

وفي هذا اليوم ولى السلطان نيابة دمشق لعز الدين أيبك الحموي، عوضاً عن الشجاعي، وقدم الشجاعي من الروم ثاني يوم عزله فتلقاه الفاروثي فقال‏:‏ قد عزلنا من الخطابة، فقال‏:‏ ونحن من النيابة، فقال الفاروثي‏:‏ ‏{‏عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 129‏]‏ فلما بلغ ابن السلعوس تغضب عليه، وكان قد عين له القيمرية فترك ذلك، وسافر السلطان عاشر شوال إلى مصر فدخلها في أبهة الملك‏.‏

وفي يوم دخوله أقطع قرا سنقر مائة فارس بمصر عوضاً عن نيابة حلب، وفي هذه السنة اشترى الأمير سيف الدين طغاي الأشقري قيسارية القطن المعروفة بإنشاء الملك المعظم بن العادل من بيت المال، بمرسوم من السلطان، وكان حظياً عنده، ونقل سوق الحريريين تلك المدة إليها، وكان السلطان قد أفرج عن علم الدين الدويداري بعد رجوعه من قلعة الروم واستحضره إلى دمشق وخلع عليه، واستصحبه معه إلى القاهرة، وأقطعه مائة فارس، وولاه مشد الدواوين مكرهاً‏.‏

وفي ذي القعدة استحضر السلطان سنقر الأشقر وطقصوا فعاقبهما فاعترفا بأنهما أرادا قتله، فسألهما عن لاجين فقالا‏:‏ لم يكن معنا ولا علم له بهذا، فخنقهما وأطلقه بعد ما جعل الوتر في حلقه، وكان قد بقي له مدة لا بد أن يبلغها، وقد ملك بعد ذلك كما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي ذي الحجة عقد الشيخ برهان الدين بن الشيخ تاج الدين عقده على بنت قاضي القضاة شهاب الدين الخويي بالبادرائية، وكان حافلاً‏.‏

وفيها‏:‏ دخل الأمير سنقر الأعسر على بنت الوزير شمس الدين بن السلعوس على صداق ألف دينار، وعجل لها خمسمائة‏.‏

وفيها‏:‏ قفز جماعة من التتر نحواً من ثلاثمائة إلى الديار المصرية فأكرموا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/390‏)‏

 من الأعيان‏:‏

 الخطيب زين الدين أبو حفص

عمر بن مكي بن عبد الصمد الشافعي المعروف بابن المرحل، وهو والد الشيخ صدر الدين بن الوكيل، سمع الحديث وبرع في الفقه وفي علوم شتى، منها علم الهيئة، وله فيه مصنف، تولى خطابة الجامع الأموي بدمشق ودرس وأفتى، توفي ليلة السبت الثالث والعشرين من ربيع الأول، وصلّي عليه من الغد بباب الخطابة‏.‏

 الشيخ عز الدين الفاروثي

ولي الخطابة قليلاً، ثم عزل ثم مات، ودفن بباب الصغير عفا الله عنا وعنه‏.‏

الصاحب فتح الدين أبو عبد الله

محمد بن محيي الدين بن عبد الله بن عبد الظاهر، كاتب الأسرار في الدولة المنصورية بعد ابن لقمان، وكان ماهراً في هذه الصناعة، وحظي عند المنصور وكذا عند ابنه الأشرف، وقد طلب منه ابن السلعوس أن يقرأ عليه كل ما يكتبه، فقال‏:‏ هذا لا يمكن فإن أسرار الملوك لا يطلع عليها غيرهم، وأبصروا لكم غيري يكون معكم بهذه المثابة، فلما بلغ ذلك الأشرف أعجبه منه، وازدادت عنده منزلته‏.‏

توفي يوم السبت نصف رمضان، وأخرجت في تركته قصيدة قد رثا بها تاج الدين بن الأثير، وكان قد شوش فاعتقد أنه يموت فعوفي فبقيت بعده، وتولى ابن الأثير بعده ورثاه تاج الدين كما رثاه، وتوفي ابن الأثير بعده شهر وأربعة أيام‏.‏

 يونس بن علي بن رضوان بن برقش

الأمير عماد الدين، كان أحد الأمراء بطبلخانة في الدولة الناصرية، ثم حمل وبطل الجندية بالكلية في الدولة المظفرية وهلم جراً إلى هذه السنة، وكان الظاهر يكرمه، توفي في شوال ودفن عند والده بتربة الخزيميين رحمهم الله‏.‏

 جلال الدين الخبازي

عمر بن محمد بن عمر أبو محمد الخجندي أحد مشايخ الحنفية الكبار‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/391‏)‏

أصله من بلاد ما وراء النهر من بلد يقال لها خجندة، واشتغل ودرس بخوارزم، وأعاد ببغداد، ثم قدم دمشق فدرس بالعزية والخاتونية البرانية، وكان فاضلاً بارعاً منصفاً مصنفاً في فنون كثيرة، توفي لخمس بقين من ذي الحجة منها، وله ثنتان وستون سنة، ودفن بالصوفية‏.‏

 الملك المظفر

قرا أرسلان الأفريقي، صاحب ماردين، توفي وله ثمانون سنة، وقام بعده ولده شمس الدين داود ولقب بالملك السعيد، والله سبحانه أعلم‏.‏