فصل: ذكر من توفى فيها من الأعيان‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وستمائة

كان أولها يوم الأحد والخليفة والسلطان هما المذكوران في التي قبلها، وقد اتفق في هذه السنة أمور عجيبة، وذلك أنه وقع الخلف بين الممالك كلها، اختلفت التتار فيما بينهم واقتتلوا فقتل منهم خلق كثير، واختلفت الفرنج في السواحل وصال بعضهم على بعض وقتل بعضهم بعضاً‏.‏

وكذلك الفرنج الذين في داخل البحور وجزائرها، فاختلفوا واقتتلوا، وقتلت قبائل الأعراب بعضها في بعض قتالاً شديداً، وكذلك وقع الخلف بين العشير من الحوارنة وقامت الحرب بينهم على ساق، وكذلك وقع الخلف بين الأمراء الظاهرية بسبب أن السلطان الملك السعيد بن الظاهر لما بعث الجيش إلى سيس أقام بعده بدمشق وأخذ في اللهو واللعب والانبساط مع الخاصكية، وتمكنوا من الأمور‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/336‏)‏

وبعد عنه الأمراء الكبار، فغضبت طائفة منهم ونابذوه وفارقوه وأقاموا بطريق العساكر الذين توجهوا إلى سيس وغيرهم، فرجعت العساكر إليهم فلما اجتمعوا شعثوا قلوبهم على الملك السعيد، ووحشوا خوطر الجيش عليه‏.‏

وقالوا‏:‏ الملك لا ينبغي له أن يلعب ويلهو إنما همة الملوك في العدل ومصالح المسلمين والذب عن حوزتهم، كما كان أبوه‏.‏

وصدقوا فيما قالوا، فإن لعب الملوك والأمراء وغيرهم دليل على زوال النعم وخراب الملك، وفساد الرعية‏.‏

ثم راسله الجيش في إبعاد الخاصكية عنه ودنو ذوي الأحلام والنهي إليه كما كان أبوه، فلم يفعل، وذلك أنه كان لا يمكنه ذلك لقوة شوكة الخاصكية

وكثرتهم، فركب الجيش وساروا قاصدين مرج الصفر، ولم يمكنهم العبور على دمشق بل أخذوا من شرقها، فلما اجتمعوا كلهم بمرج الصفر أرسل السلطان أمه إليهم فتلقوها وقبلوا الأرض بين يديها، فأخذت تتألفهم وتصلح الأمور، فأجابوها واشترطوا شروطاً على ولدها السلطان، فلما رجعت إليه لم يلتزم بها ولم تمكنه الخاصكية من ذلك، فسارت العساكر إلى الديار المصرية، فساق السلطان خلفهم ليتلافى الأمور قبل تفاقمها وانفراطها، فلم يلحقهم وسبقوه إلى القاهرة، وقد كان أرسل أولاده وأهله وثقله إلى الكرك فحصنهم فيها، وركب في طائفة من الجيش الذين بقوا معه والخاصكية إلى الديار المصرية‏.‏

فلما اقترب منها صدوه عنها وقاتلوه فقتل من الفريقين نفر يسير، فأخذه بعض الأمراء فشق به الصفوف وأدخله قلعة الجبل ليسكن الأمر، فما زادهم ذلك إلا نفوراً، فحاصروا حينئذ القلعة وقطعوا عنها الماء، وجرت خطوب طويلة وأحوال صعبة‏.‏

ثم اتفق الحال بعد ذلك مع الأمير سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي - وهو المشار إليه حينئذ - أن يترك الملك السعيد الملك وتعوض بالكرك والشوبك، ويكون في صحبته أخوه نجم الدين خضر، وتكون المملكة إلى أخيه الصغير بدر الدين سلامش، ويكون الأمير سيف الدين قلاوون أتابكه‏.‏

 خلع الملك السعيد وتولية أخيه الملك العادل سلامش

لما اتفق الحال على ما ذكرنا نزل السلطان الملك السعيد من القلعة إلى دار العدل في سابع عشر الشهر، وهو ربيع الآخر، وحضر القضاة والدولة من أولي الحل والعقد، فخلع السعيد نفسه من السلطنة وأشهدهم على نفسه بذلك، وبايعوا أخاه بدر الدين سلامش ولقب بالملك العادل، وعمره يومئذ سبع سنين، وجعلوا أتابكه الأمير سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/337‏)‏

خطب له الخطباء ورسمت السكة باسمهما وجعل لأخيه الكرك ولأخيه خضر الشوبك، وكتبت بذلك مكاتيب، ووضع القضاة والمفتيون خطوطهم بذلك، وجاءت البريدية إلى الشام بالتحليف لهم على ما حلف عليه المصريون‏.‏

ومسك الأمير أيدمر نائب الشام الظاهري واعتقل بالقلعة عند نائبها، وكان نائبها إذ ذاك علم الدين سنجر الدواداري، وأحيط على أموال نائب الشام وحواصله، وجاء على نيابة الشام الأمير شمس الدين سنقر الأشقر في أبهة عظيمة، وتحكم مكين، فنزل بدار السعادة وعظمه الناس وعاملوه معاملة الملوك، وعزل السلطان قضاة مصر الثلاثة الشافعي والحنفي والمالكي، وولوا القضاء صدر الدين عمر بن القاضي تاج الدين بن بنت الأعز عوضاً عن الشافعي، وهو تقي الدين بن رزين وكأنهم إنما عزلوه لأنه توقف في خلع الملك السعيد والله أعلم‏.‏

 بيعة الملك المنصور قلاوون الصالحي

لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من رجب اجتمع الأمراء بقلعة الجبل من مصر وخلعوا الملك العادل سلامش ابن الظاهر، وأخرجوه من البين، وإنما كانوا قد بايعوه صورة ليسكن الشر عند خلع الملك السعيد، ثم اتفقوا على بيعه الملك المنصور قلاوون الصالحي، ولقبوه الملك المنصور، وجاءت البيعة إلى دمشق فوافق الأمراء وحلفوا، وذكر أن الأمير شمس الدين سنقر الأشقر لم يحلف مع الناس ولم يرض بما وقع، وكأنه داخله حسد من المنصور لأنه كان يرى أنه أعظم منه عند الظاهر‏.‏

وخطب للمنصور على المنابر في الديار المصرية والشامية، وضربت السكة باسمه، وجرت الأمور بمقتضى رأيه فعزل وولى ونفذت مراسيمه في سائر البلاد بذلك، فعزل عن الوزارة برهان الدين السنجاري وولى مكانه فخر الدين ابن لقمان كاتب السر، وصاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية‏.‏

وفي يوم الخميس الحادي عشر من ذي القعدة من هذه السنة توفي الملك السعيد ابن الملك الظاهر بالكرك وسيأتي ذكر ترجمته إن شاء الله تعالى‏.‏

فيها‏:‏ حمل الأمير أيدمر الذي كان نائب الشام في محفة لمرض لحقه إلى الديار المصرية، فدخلها في أواخر ذي القعدة، واعتقل بقلعة مصر‏.‏

 سلطنة سنقر الأشقر بدمشق

لما كان يوم الجمعة الرابع والعشرين من ذي القعدة ركب الأمير شمس الدين سنقر الأشقر من دار السعادة بعد صلاة العصر وبين يديه جماعة من الأمراء والجند مشاة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/338‏)‏

وقصد باب القلعة الذي يلي المدينة، فهجم منه ودخل القلعة واستدعى الأمراء فبايعوه على السلطنة، ولقب بالملك الكامل، وأقام بالقلعة ونادت المنادية بدمشق بذلك، فلما أصبح يوم السبت استدعى بالقضاة والعلماء والأعيان ورؤساء البلد إلى مسجد أبي الدرداء بالقلعة، وحلفهم وحلف له بقية الأمراء والعسكر، وأرسل العساكر إلى غزة لحفظ الأطراف وأخذ الغلات، وأرسل الملك المنصور إلى الشوبك فتسلمها نوابه ولم يمانعهم نجم الدين خضر‏.‏

وفيها‏:‏ جددت أربع أضلاع في قبة النسر من الناحية الغربية‏.‏

وفيها‏:‏ عزل فتح الدين بن القيسراني من الوزارة بدمشق ووليها تقي الدين بن توبة التكريتي‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 عز الدين بن غانم الواعظ

عبد السلام بن أحمد بن غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر بن حسين عز الدين أحمد الأنصاري المقدسي، الواعظ المطبق المفلق الشاعر الفصيح، الذي نسج على منوال ابن الجوزي وأمثاله، وقد أورد له قطب الدين أشياء حسنة كثيرة مليحة، وكان له قبول عند الناس، تكلم مرة تجاه الكعبة المعظمة‏.‏

وكان في الحضرة الشيخ تاج الدين بن الفزاري والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وابن العجيل من اليمن وغيرهم من العلماء والعباد، فأجاد وأفاد وخطب فأبلغ وأحسن‏.‏

نقل هذا المجلس الشيخ تاج الدين الفزاري، وأنه كان في سنة خمس وسبعين‏.‏

 الملك السعيد بن الملك الظاهر

بركة خان ناصر الدين محمد بن بركة خان أبو المعالي ابن السلطان الملك الظاهر‏.‏

ركن الدين بيبرس البندقداري، بايع له أبوه الأمراء في حياته، فلما توفي أبوه بويع له بالملك وله تسع عشرة سنة، ومشيت له الأمور في أول الأمر على السعادة، ثم إنه غلبت عليه الخاصكية فجعل يعلب معهم في الميدان الأخضر فيما قيل أول هوى، فربما جاءت النوبة عليه فينزل لهم‏.‏

فأنكرت الأمراء الكبار ذلك وأنفوا أن يكون ملكهم يلعب مع الغلمان، ويجعل نفسه كأحدهم، فراسلوه في ذلك ليرجع عما هو عليه فلم يقبل، فخلعوه كما ذكرنا، وولوا السلطان الملك المنصور قلاوون في أواخر رجب كما تقدم‏.‏

ثم كانت وفاته في هذه السنة بالكرك في يوم الجمعة الحادي عشر من ذي القعدة، يقال إنه سُمّ فالله أعلم، وقد دفن أولا عند قبر جعفر وأصحابه الذين قتلوا بموته‏.‏

ثم نقل إلى دمشق فدفن في تربة أبيه سنة ثمانين وستمائة، وتملك الكرك بعده أخوه نجم الدين خضر وتلقب بالملك المسعود، فانتزعها المنصور من يده كما سيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/339‏)‏

 ثم دخلت سنة تسع وسبعين وستمائة

كان أولها يوم الخميس ثالث أيار، والخليفة الحاكم بأمر الله وملك مصر الملك المنصور قلاوون الصالحي، وبعض بلاد الشام أيضاً، وأما دمشق وأعمالها فقد ملكها سنقر الأشقر، وصاحب الكرك الملك المسعود بن الظاهر، وصاحب حماة الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين محمود، والعراق وبلاد الجزيرة وخراسان والموصل وإربل وأذربيجان وبلاد بكر وخلاط وما والاها وغير ذلك من البلاد بأيدي التتار، وكذلك بلاد الروم في أيديهم أيضاً‏.‏

ولكن فيها غياث الدين بن ركن الدين، ولا حكم له سوى الاسم وصاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر، وصاحب الحرم الشريف نجم الدين بن أبي نمي الحسني، وصاحب المدينة عز الدين جماز بن شيحه الحسيني‏.‏

ففي مستهل السنة المذكورة ركب السلطان الملك الكامل سنقر الأشقر من القلعة إلى الميدان وبين يديه الأمراء ومقدموا الحلقة الفاشية، وعليهم الخلع والقضاة والأعيان ركاب معه، فسير في الميدان ساعة ثم رجع إلى القلعة، وجاء إلى خدمته الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا ملك العرب، فقّبل الأرض بين يديه، وجلس إلى جانبه وهو على السماط، وقام له الكامل، وكذلك جاء إلى خدمته ملك الأعراب بالحجاز، وأمر الكامل سنقر أن تضاف البلاد الحلبية إلى ولاية القاضي شمس الدين بن خلكان، وولاه تدريس الأمينية وانتزعها من ابن سني الدولة‏.‏

ولما بلغ الملك المنصور بالديار المصرية ما كان من أمر سنقر الأشقر بالشام أرسل إليه جيشاً كثيفاً فهزموا عسكر سنقر الأشقر الذي كان قد أرسله إلى غزة، وساقوهم بين أيديهم حتى وصل جيش المصريين إلى قريب دمشق، فأمر الملك الكامل أن يضرب دهليزه بالجسورة، وذلك في يوم الأربعاء ثاني عشر صفر، ونهض بنفسه وبمن معه فنزل هنالك واستخدم خلقاً كثيراً وأنفق أموالاً جزيلة‏.‏

وأنضاف إليه عرب الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا، وشهاب الدين أحمد بن حجي، وجاءته نجدة حلب ونجدة حماة ورجال كثيرة من رجال بعلبك، فلما كان يوم الأحد السادس عشر من صفر أقبل الجيش المصري صحبة الأمير علم الدين سنجر الحلبي، فلما تراءى الجمعان وتقابل الفريقان وتقاتلوا إلى الرابعة في النهار، فقتل نفر كثير وثبت الملك الكامل سنقر الأشقر ثباتاً جيداً، ولكن خامر عليه الجيش فمنهم من صار إلى المصري ومنهم من انهزم في كل وجه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/340‏)‏

وتفرق عنه أصحابه فلم يسعه إلا الانهزام على طريق المرح في طائفة يسيرة، في صحبة عيسى بن مهنا، فسار بهم إلى برية الرحبة فأنزلهم في بيوت من شعر، وأقام بهم وبدوابهم مدة مقامهم عنده‏.‏

ثم بعث الأمراء الذين انهزموا عنه فأخذوا لهم أماناً من الأمير سنجر، وقد نزل في ظاهر دمشق وهي مغلوقة، فراسل نائب القلعة ولم يزل به حتى فتح باب الفرج من آخر النهار، وفتحت القلعة من داخل البلد فتسلمها للمنصور وأفرج عن الأمير ركن الدين بيبرس العجمي المعروف بالحالق، والأمير لاجين حسام الدين المنصوري وغيرهم من الأمراء الذين كان قد اعتقلهم الأمير سنقر الأشقر وأرسل سنجر البريدية إلى الملك المنصور يعلمونه بصورة الحال‏.‏

وأرسل سنجر بثلاثة آلاف في طلب سنقر الأشقر‏.‏

وفي هذا اليوم جاء ابن خلكان ليسلم على الأمير سنجر الحلبي فاعتقله في علو الخانقاه النجيبية، وعزله في يوم الخميس العشرين من صفر، ورسم للقاضي نجم الدين بن سني الدولة بالقضاء فباشره‏.‏

ثم جاءت البريدية معهم كتاب من الملك المنصور قلاوون بالعتب على طوائف الناس، والعفو عنه كلهم، فتضاعفت له الأدعية، وجاء تقليد النيابة بالشام للأمير حسام الدين لاجين السلحداري المنصوري، فدخل معه علم الدين سنجر الحلبي فرتبه في دار السعادة، وأمر سنجر القاضي ابن خلكان أن يتحول من المدرسة العادلية الكبيرة ليسكنها نجم الدين بن سني الدولة، وألح عليه في ذلك، فاستدعى جمالاً لينقل أهله وثقله عليها إلى الصالحية فجاء البريد بكتاب من السلطان فيه تقرير ابن خلكان على القضاء والعفو عنه وشكره والثناء عليه‏.‏

وذكر خدمته المتقدمة، ومعه خلعة سنية له فلبسها وصلى بها الجمعة وسلم على الأمراء فأكرموه وعظموه، وفرح الناس به وبما وقع من الصفح عنه‏.‏

وأما سنقر الأشقر فإنه لما خرجت العساكر في طلبه فارق الأمير عيسى بن مهنا وساء إلى السواحل فاستحوذ منها على حصون كثيرة، منها صهيون، وقد كان بها أولاده وحواصله، وحصن بلاطس، وبرزية، وعكا، وجبلة، واللاذقية، والشفر، بكاس، وشيزر واستناب فيها الأمير عز الدين أزدمر الحاج‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/341‏)‏

فأرسل السلطان المنصور لحصار شيزر طائفة من الجيش، فبينما هم كذلك إذ أقبلت التتار لما سمعوا بتفريق كلمة المسلمين، فانجفل الناس من بين أيديهم من سائر البلاد إلى الشام، ومن الشام إلى مصر، فوصلت التتار إلى حلب فقتلوا خلقاً كثيراً، ونهبوا جيشاً كبيراً، وظنوا أن جيش سنقر الأشقر يكون معهم على المنصور، فوجدوا الأمر بخلاف ذلك، وذلك أن المنصور كتب إلى سنقر الأشقر‏.‏

إن التتار قد أقبلوا إلى المسلمين، والمصلحة أن نتفق عليهم لئلا يهلك المسلمون بيننا وبينهم، وإذا ملكوا البلاد لم يدعوا منا أحداً‏.‏

فكتب إليه سنقر بالسمع والطاعة وبرز من حصنه فخيم بجيشه ليكون على أهبة متى طلب أجاب، ونزلت نوابه من حصونهم وبقوا مستعدين لقتال التتار، وخرج الملك المنصور من مصر في أواخر جمادى الآخرة ومعه العساكر‏.‏

وفي يوم الجمعة الثالث من جمادى الآخرة قرئ على منبر جامع دمشق كتاب من السلطان أنه قد عهد إلى ولده علي، ولقب بالملك الصالح، فلما فرغ من قراءة الكتاب جاءت البريدية فأخبروا برجوع التتار من حلب إلى بلادهم، وذلك لما بلغهم من اتفاق كلمة المسلمين، ففرح المسلمون بذلك ولله الحمد، وعاد المنصور إلى مصر وكان قد وصل إلى غزة، أراد بذلك تخفيف الوطأة عن الشام فوصل إلى مصر في نصف شعبان‏.‏

وفي جمادى الآخرة أعيد برهان الدين السنجاري إلى وزارة مصر ورجع فخر الدين بن لقمان إلى كتابة الإنشاء‏.‏

وفي أواخر رمضان أعيد إلى القضاء ابن رزين وعزل ابن بنت الأعز، وأعيد القاضي نفيس الدين بن شكر المالكي، ومعين الدين الحنفي، وتولي قضاء الحنابلة عز الدين المقدسي‏.‏

وفي ذي الحجة جاء تقليد ابن خلكان بإضافة المعاملة الحلبية إليه يستنيب فيها من شاء من نوابه‏.‏

وفي مستهل ذي الحجة خرج الملك المنصور من بلاد مصر بالعساكر قاصداً الشام، واستناب على مصر ولده الملك الصالح علي بن المنصور إلى حين رجوعه‏.‏

قال الشيخ قطب الدين‏:‏ وفي يوم عرفة وقع بمصر برد كبار أتلف شيئاً كثيراً من المغلات، ووقعت صاعقة بالإسكندرية وأخرى في يومها تحت الجبل الأحمر على صخرة فأحرقتها، فأخذ ذلك الحديد فسبك فخرج منه أواقي بالرطل المصري‏.‏

وجاء السلطان فنزل بعساكره تجاه عكا، فخافت الفرنج منه خوفاً شديداً وراسلوه في طلب تحديد الهدنة، وجاء الأمير عيسى بن مهنا من بلاد العراق إلى خدمة المنصور، وهو بهذه المنزلة فتلقاه السلطان بجيشه وأكرمه واحترمه وعامله بالصفح والعفو والإحسان‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الأمير الكبير جمال الدين آقوش الشمسي

أحد أمراء الإسلام وهو الذي باشر قتل كتبغانوين أحد مقدمي التتار، وهو المطاع فيهم يوم عين جالوت، وهو الذي مسك عز الدين أيدمر الظاهري في حلب من السنة الماضية، وكانت وفاته بها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/342‏)‏

 الشيخ الصالح داود بن حاتم

ابن عمر الحبال، كان حنبلي المذهب له كرامات وأحوال صالحة ومكاشفات صادقة، وأصل آبائه من حران، وكانت إقامته ببعلبك، وتوفي فيها رحمه الله عن ست وتسعين سنة، وقد أثنى عليه الشيخ قطب الدين ابن الشيخ الفقيه اليونيني‏.‏

 الأمير الكبير

نور الدين علي بن عمر أبو الحسن الطوري، كان من أكابر الأمراء، وقد نيف على تسعين سنة وكانت وفاته بسبب أنه وقع يوم مصاف سنقر الأشقر تحت سنابك الخيل فمكث بعد ذلك متمرضاً إلى أن مات بعد شهرين ودفن بسفح قاسيون‏.‏

 الجزار الشاعر

يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد بن علي جمال الدين أبو الحسين المصري، الشاعر الماجن، المعروف بالجزار‏.‏

مدح الملوك والوزراء والأمراء، وكان ماجناً ظريفاً حلو المناظرة، وله في حدود ستمائة بعدها بسنة أو سنتين، وتوفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شوال من هذه السنة‏.‏

ومن شعره‏:‏

أدركوني فبي من البرد همٌ * ليس ينسى وفي حشاي التهاب

ألبستني الأطماع وهماً فها * جسمي عارٍ ولي فرى وثياب

كلما ازرق لون جسمي من الـ * ـبرد تخيلت أنه سنجاب

وقال وقد تزوج أبوه بعجوزة‏:‏

تزوج الشيخ أبي شيخةٍ * ليس لها عقلٌ ولا ذهن

كأنها في فرشها رمة * وشعرها من حولها قطن

وقال لي كم سنها * قلت ليس في فمنها سن

لو أسفرت غربها في الدجى * ما جسرت تبصرها الجن

‏(‏ج/ص‏:‏ 13/343‏)‏

 ثم دخلت سنة ثمانين وستمائة من الهجرة

استهلت والخليفة الحاكم وسلطان البلاد الملك المنصور قلاوون‏.‏ وفي عاشر المحرم انعقدت الهدنة بين أهل عكا والمرقب والسلطان، وكان نازلاً على الروحاء وقد قبض على جماعة من الأمراء ممن كان معه، وهرب آخرون إلى قلعة صهيون إلى خدمة سنقر الأشقر، ودخل المنصور إلى دمشق في التاسع عشر من المحرم فنزل القلعة وقد زينت له البلد، وفي التاسع والعشرين من المحرم أعاد القضاء إلى عز الدين بن الصائغ وعزل ابن خلكان‏.‏

وفي أول صفر باشر قضاء الحنابلة نجم الدين ابن الشيخ شمس بن أبي عمر، وقد كان المنصب شاغراً منذ عزل والده نفسه عن القضاء، وتولى قضاء حلب في هذا الشهر تاج الدين يحيى بن محمد بن إسماعيل الكردي‏.‏

وجلس الملك المنصور في دار العدل في هذا الشهر فحكم وأنصف المظلوم من الظالم، وقدم عليه صاحب حماة فتلقاه المنصور بنفسه في موكبه، ونزل بداره بباب الفراديس‏.‏

وفي ربيع الأول وقع الصلح بين الملك المنصور قلاوون وبين سنقر الأشقر الملك الكامل على أن يسلم للسلطان شيزر ويعوضه عنها بإنطاكية، وكفر طاب، وشفر بكاس وغير ذلك، وعلى أن يقيم على ما بيده ستمائة فارس، وتحالفا على ذلك، ودقت البشائر لذلك، وكذلك تصالح صاحب الكرك والملك المنصور خضر بن الظاهر على تقرير ما بيده ونودي بذلك في البلاد‏.‏

وفي العشر الأول من هذا الشهر ضمن الخمر والزنا بدمشق، وجعل عليه ديوان ومشد، فقام في إبطال ذلك جماعة من العلماء والصلحاء والعباد، فأبطل بعد عشرين يوماً وأريقت الخمور وأقيمت الحدود ولله الحمد والمنة‏.‏

وفي تاسع عشر ربيع الأول وصلت الخاتون بكرة خان زوجة الملك الظاهر ومعها ولدها السعيد قد نقلته من قرية المساجد بالقرب من الكرك لتدفنه عند أبيه بالتربة الظاهرية، فرفع بحبال من السور ودفن عند والده الظاهر، ونزلت أمه بدار صاحب حمص، وهيئت لها الإقامات وعمل عزاء ولدها يوم الحادي والعشرين من ربيع الآخر بالتربة المذكورة، وحضر السلطان المنصور وأرباب الدولة والقراء والوعاظ‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/344‏)‏

وفي أواخر ربيع الآخر عزل التقي بن توبة التكريتي من الوزارة بدمشق وباشرها بعده تاج الدين السهنوري، وكتب السلطان المنصور إلى مصر وغيرها من البلاد يستدعي الجيوش لأجل اقتراب مجيء التتار، فدخل أحمد بن حجي ومعه بشر كثير من الأعراب، وجاء صاحب الكرك الملك المسعود نجدة للسلطان يوم السبت الثاني عشر من جمادى الآخرة‏.‏

وقدم الناس عليه ووفدوا إليه من كل مكان، وجاءته التركمان والأعراب وغيرهم، وكثرت الأراجيف بدمشق، وكثرت العساكر بها وجفل الناس من بلاد حلب وتلك لنواحي، وتركوا الغلات والأموال خوفاً من أن يدهمهم العدو من التتار‏.‏

ووصلت التتر صحبة منكوتمر بن هولاكو إلى عنتاب، وسارت العساكر المنصورة إلى نواحي حلب يتبع بعضها بعضاً، ونازلت التتار بالرحبة في أواخر جمادى الآخرة جماعة من الأعراب، وكان فيهم ملك التتار إبغا مختفياً ينظر ماذا يفعل أصحابه، وكيف يقاتلون أعداءه‏.‏

ثم خرج المنصور من دمشق وكان خروجه منها في أواخر جمادى وقنت الخطباء والأئمة بالجوامع والمساجد في الصلوات وغيرها، وجاء مرسوم من السلطان باستسلام أهل الذمة من الدواوين والكتبة‏.‏

ومن لا يسلم يصلب، فأسلموا كرهاً وكانوا يقولون آمنا وحكم الحاكم بإسلامنا بعد أن عرض من امتنع منهم على الصلب بسوق الخيل، وجعلت الحبال في أعناقهم، فأجابوا والحالة هذه، ولما انتهى الملك المنصور إلى حمص كتب إلى الملك الكامل سنقر الأشقر يطلبه إليه نجدة فجاء إلى خدمته فأكرمه السلطان واحترمه ورتب له الإقامات‏.‏

وتكاملت الجيوش كلها في صحبة الملك المنصور عازمين على لقاء العدو لا محالة مخلصين في ذلك، واجتمع الناس بعد خروج الملك في جامع دمشق ووضعوا المصحف العثماني بين أيديهم، وجعلوا يبتهلون إلى الله تعالى في نصرة الإسلام وأهله على الأعداء، وخرجوا كذلك والمصحف على رؤوسهم إلى المصلى يدعون ويبتهلون ويبكون، وأقبلت التتار قليلاً قليلاً فلما وصلوا حماه أحرقوا بستان الملك وقصره وما هنالك من المساكن‏.‏

والسلطان المنصور مخيم بحمص في عساكر من الأتراك والتركمان وغيرهم جحفل كثير جداً، وأقبلت التتار في مائة ألف مقاتل أو يزيدون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏

 وقعة حمص

لما كان يوم الخميس رابع عشر رجب التقى الجمعان وتواجه الخصمان عند طلوع الشمس وعسكر التتر في مائة ألف فارس وعسكر المسلمين على النصف من ذلك أو يزيد قليلاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/345‏)‏

والجميع فيما بين مشهد خالد بن الوليد إلى الرستن فاقتتلوا قتالاً عظيماً لم ير مثله من أعصار متطاولة، فاستظهر التتار أول النهار، وكسروا الميسرة واضطربت الميمنة أيضاً وبالله المستعان‏.‏

وكسر جناح القلب الأيسر وثبت السلطان ثباتاً عظيماً جداً في جماعة قليلة، وقد انهزم كثير من عسكر المسلمين، والتتار في آثارهم حتى وصلوا وراءهم إلى بحيرة حمص ووصلوا حمص وهي مغلقة الأبواب، فقتلوا خلقاً من العامة وغيرهم، وأشرف المسلمون على خطة عظيمة من الهلاك، ثم إن أعيان الأمراء من الشجعان والفرسان تآمروا فيما بينهم مثل سنقر الأشقر، وبيسرى، وطيبرس الوزيري، وبدر الدين أمير سلاح، وايتمش السعدي، وحسام الدين لاجين، وحسام الدين طرنطاي، والدوايداري وأمثالهم‏.‏

لما رأوا ثبات السلطان ردوا إلى السلطان وحملوا حملات متعددة صادقة، ولم يزالوا يتابعون الحملة بعد الحملة حتى كسر الله بحوله وقوته التتر، وجرح منكوتمر، وجاءهم الأمير عيسى بن مهنا من ناحية العرض فصدم التتر فأضربت الجيوش لصدمته، وتمت الهزيمة ولله الحمد‏.‏

وقتلوا من التتار مقتلة عظيمة جداً، ورجعت من التتار الذين اتبعوا المنهزمين من المسلمين فوجدوا أصحابهم قد كسروا، والعساكر في آثارهم يقتلون ويأسرون، والسلطان ثابت في مكانه تحت السناجق، والكوسات تضرب خلفه وما معه إلا ألف فارس‏.‏

فطمعوا فيه فقاتلوه فثبت لهم ثباتاً عظيماً فانهزموا من بين يديه فلحقهم فقتل أكثرهم، وكان ذلك تمام النصر، وكان انهزام التتار قبل الغروب، وافترقوا فرقتين أخذت فرقة منهم إلى ناحية سلمية والبرية، والأخرى إلى ناحية حلب والفرات‏.‏

فأرسل السلطان في آثارهم من يتبعهم وجاءت البطاقة بالبشارة بما وقع من النصر إلى دمشق يوم الجمعة خامس عشر رجب، فدقت البشائر وزينت البلد وأوقدت الشموع وفرح الناس‏.‏

فلما أصبح الناس يوم السبت أقبلت طائفة من المنهزمين منهم بيليك الناصري، والحالق وغيرهم، فأخبروا الناس بما شاهدوه من الهزيمة في أول الأمر، ولم يكونوا شاهدوا بعد ذلك، فبقي الناس في قلق عظيم، وخوف شديد، وتهيأ ناس كثير للهرب‏.‏

فبينما الناس في ذلك إذ أقبلت البريدية فأخبروا الناس بصورة ما وقع في أول الأمر وآخره، فتراجع الناس وفرحوا فرحاً شديداً ولله الحمد والمنة‏.‏

ثم دخل السلطان إلى دمشق الثاني والعشرين من رجب، وبين يديه الأسارى بأيديهم الرماح عليها شقف رؤوس القتلى، وكان يوماً مشهوداً، ومع السلطان طائفة من أصحاب سنقر الأشقر منهم علم الدين الدويداري، فنزل السلطان بالقلعة مؤيداً منصوراً، وقد كثرت له المحبة والأدعية، وكان سنقر الأشقر ودع السلطان من حمص ورجع إلى صهيون‏.‏

وأما التتر فإنهم انهزموا في أسوا حال وأتعسه يتخطفون من كل جانب، ويقتلون من كل فج، حتى وصلوا إلى الفرات فغرق أكثرهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/346‏)‏

ونزل إليهم أهل البيرة فقتلوا منهم خلقاً كثيراً وأسروا آخرين والجيوش في آثارهم يطردونهم عن البلاد حتى أراح الله منهم الناس‏.‏

وقد استشهد في هذه الوقعة جماعة من سادات الأمراء منهم الأمير الكبير الحاج عز الدين ازدمر جمدار، وهو الذي جرح ملك التتار يومئذ منكوتمر، فإنه خاطر بنفسه وأوهم أنه مقفز إليه وقلب رمحه حتى وصل إليه فطعنه فجرحه فقتلوه رحمه الله، ودفن بالقرب من مشهد خالد‏.‏

وخرج السلطان من دمشق قاصداً الديار المصرية يوم الأحد ثاني شعبان والناس يدعون له، وخرج معه علم الدين الدويداري، ثم عاد من غزة وقد ولاه المشد في الشام والنظر في المصالح، ودخل السلطان إلى مصر في ثاني عشر شعبان‏.‏

وفي سلخ شعبان ولي قضاء مصر والقاهرة للقاضي وجيه الدين البهنسي الشافعي، وفي يوم الأحد سابع رمضان فتحت المدرسة الجوهرية بدمشق في حياة منشئها وواقفها الشيخ نجم الدين محمد بن عباس بن أبي المكارم التميمي الجوهري، ودرس بها قاضي الحنفية حسام الدين الرازي‏.‏

وفي بكرة يوم السبت التاسع والعشرين من شعبان وقعت مأذنة مدرسة أبي عمر بقاسيون على المسجد العتيق فمات شخص واحد، وسلم الله تعالى بقية الجماعة‏.‏

وفي عاشر رمضان وقع بدمشق ثلج عظيم وبرد كثير مع هواء شديد، بحيث إنه ارتفع عن الأرض نحواً من ذراع، وفسدت الخضراوات، وتعطل على الناس معايش كثيرة‏.‏

وفي شوال وصل صاحب سنجار إلى دمشق مقفزاً من التتار داخلاً في طاعة السلطان بأهله وماله، فتلقاه نائب البلد وأكرمه وسيره إلى مصر معززاً مكرماً‏.‏

وفي شوال عقد مجلس بسبب أهل الذمة من الكتاب الذين كانوا قد أسلموا كرهاً وقد كتب لهم جماعة من المفتيين بأنهم كانوا مكرهين فلهم الرجوع إلى دينهم، وأثبت الإكراه بين يدي القاضي جمال الدين بن أبي يعقوب المالكي، فعاد أكثرهم إلى دينهم وضربت عليهم الجزية كما كانوا، سود الله وجوههم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه‏.‏

وقيل‏:‏ إنهم غرموا مالاً جزيلاً جملة مستكثرة على ذلك، قبحهم الله‏.‏

وفي ذي القعدة قبض السلطان على أيتمش السعدي وسجنه بقلعة الجبل، وقبض نائبة بدمشق على سيف الدين بلبان الهاروني وسجنه بقلعتها‏.‏

وفي بكرة الخميس التاسع والعشرين من ذي القعدة، وهو العاشر من آذار، استسقى الناس بالمصلى بدمشق فسقوا بعد عشرة أيام‏.‏

وفي هذه السنة أخرج الملك المنصور جميع آل الملك الظاهر من النساء والولدان والخدام من الديار المصرية إلى الكرك ليكونوا في كنف الملك المسعود خضر بن الظاهر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/347‏)‏

 من الأعيان‏:‏

 أبغا ملك التتار بن هولاكو خان

ابن تولى بن جنكيز خان، كان عالي الهمة بعيد الغور له رأي وتدبير، وبلغ من العمر خمسين سنة، ومدة ملكه ثماني عشرة سنة، ولم يكن بعد والده في التدبير والحزم مثله، ولم تكن وقعة حمص هذه برأيه ولا عن مشورته، ولكن أخوه منكوتمر أحب ذلك فلم يخالفه‏.‏

ورأيت في بعض تاريخ البغاددة أن قدوم منكوتمر إلى الشام إنما كان عن مكاتبة سنقر الأشقر إليه فالله أعلم‏.‏

وقد جاء إبغا هذا بنفسه فنزل قريباً من الفرات ليرى ماذا يكون من الأمر، فلما جرى عليهم ما جرى ساءه ذلك ومات غماً وحزناً‏.‏

توفي بين العيدين من هذه السنة، وقام بالملك بعده ولده السلطان أحمد‏.‏

وفيها توفي‏:‏

 قاضي القضاة محمد

نجم الدين أبو بكر بن قاضي القضاة صدر الدين أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين يحيى بن هبة الله بن الحسن بن يحيى بن محمد بن علي الشافعي بن سني الدولة، ولد سنة ست عشرة وستمائة، وسمع الحديث وبرع في المذهب، وناب عن أبيه فشكرت سيرته، واستقل بالقضاء في الدولة المظفرية فحمد أيضاً، وكان الشيخ شهاب الدين ينال منه ومن أبيه‏.‏

وقال البرزالي‏:‏ كان شديداً في الأحكام متحرياً، وقد ألزم بالمقام بمصر فدرس بجامع مصر، ثم عاد إلى دمشق فدرس بالأمينية والركنية، وباشر قضاء حلب، وعاد إلى دمشق، وولاه سنجر قضاء دمشق، ثم عزل بابن خلكان كما تقدم‏.‏

ثم كانت وفاته يوم الثلاثاء من المحرم، ودفن من الغد يوم تاسوعاء بتربة جده بقاسيون‏.‏

وفي عاشر المحرم توفي‏:‏

 قاضي القضاة صدر الدين عمر

ابن القاضي تاج الدين عبد الوهاب بن خلف بن أبي القاسم الغلابي ابن بنت الأعز المصري، كان فاضلاً بارعاً عارفاً بالمذهب، متحرياً في الأحكام كأبيه، ودفن بالقرافة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/348‏)‏

 الشيخ إبراهيم بن سعيد الشاغوري

الموله المعروف بالجيعانة، كان مشهوراً بدمشق، ويذكر له أحوال ومكاشفات على ألسنة العوام ومن لا يعقل، ولم يكن ممن يحافظ على الصلوات ولا يصوم مع الناس، ومع هذا كان كثير من العوام وغيرهم يعتقدونه‏.‏

توفي يوم الأحد سابع جمادى الأولى، ودفن بتربة المولهين بسفح قاسيون عند الشيخ يوسف القيميني‏.‏

وقد توفي الشيخ يوسف قبله بمدة، وكان الشيخ يوسف يسكن إقمين حمام نور الدين الشهيد بالبزوريين، وكان يجلس على النجاسات والقذر، وكان يلبس ثياباً بداوية تجحف على النجاسات في الأزقة، وكان له قبول من الناس ومحبة وطاعة، وكان العوام يغالون في محبته واعتقاده، وكان لا يصلي ولا يتقي نجاسة، ومن جاءه زائراً جلس عند باب الأقمين على النجاسة، وكان العوام يذكرون له مكاشفات وكرامات‏.‏

وكل ذلك خرافات من خرافات العوام وأهل الهديان كما يعتقدون ذلك في غيره من المجانين والمولهين‏.‏

ولما مات الشيخ يوسف القميني خرج خلق في جنازته من العوام وغيرهم، وكانت جنازته حافلة بهم، وحمل على أعناق الرجال إلى سفح قاسيون، وبين يديه غوغاء وغوش كثير وتهليل وأمور لا تجوز من فعل العوام، حتى جاؤوا به إلى تربة المولهين بقاسيون فدفنوه بها، وقد اعتنى بعض العوام بقبره فعمل عليه حجارة منقوشة وعمل على قبره سقفاً مقرنصاً بالدهان وأنواعه‏.‏

وعمل عليه مقصورة وأبواباً، وغالى فيه مغالاة زائدة، ومكث هو وجماعة مجاورون عنده مدة في قراءة وتهليل، ويطبخ لهم الطبيخ فيأكلون ويشربون هناك‏.‏

والمقصود أن الشيخ إبراهيم الجيعانة لما مات الشيخ يوسف الأقميني جاء من الشاغور إلى باب الصغير في جماعة من أتباعه، وهم في صراخ وضجة وغوش كثير، وهم يقولون‏:‏ أذن لنا في دخول البلد أذن لنا في دخول البلد، يكررون ذلك، فقيل له في ذلك فقال‏:‏

لي عشرون سنة ما دخلت داخل سور دمشق، لأني كنت كلما أتيت باباً من أبوابها أجد هذا السبع رابضاً بالباب فلا أستطيع الدخول خوفاً منه‏.‏

فلما مات أذن لنا في الدخول، وهذا كله ترويج على الطغام والعوام من الهمج الرعاع، الذين هم أتباع كل ناعق‏.‏

وقيل‏:‏ إن الشيخ يوسف كان يرسل إلى الجيعانة مما يأتيه من الفتوح والله سبحانه أعلم بأحوال العباد، وإليه المنقلب والمآب، وعليه الحساب‏.‏

وقد ذكرنا أنه استشهد في وقعة حمص جماعة من الأمراء منهم الأمير عز الدين أزدمر السلحداري عن نحو من ستين سنة، وكان من خيار الأمراء وله همة عالية ينبغي أن ينال بها مكاناً عالياً في الجنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/349‏)‏

قاضي القضاة

 تقي الدين أبو عبد الله محمد بن الحسين بن رزين بن موسى العامري الحموي الشافعي، ولد سنة ثلاث وستمائة، وقد سمع الحديث وانتفع بالشيخ تقي الدين بن الصلاح، وأم بدار الحديث مدة، ودرس بالشامية، وولي وكالة بيت المال بدمشق‏.‏

ثم سار إلى مصر فدرس بها بعدة مدارس، وولي الحكم بها، وكان مشكوراً، توفي ليلة الأحد ثالث رجب منها، ودفن بالمقطم‏.‏

وفي يوم السبت السابع الرابع والعشرين من ذي القعدة توفي‏:‏

 الملك الأشرف

مظفر الدين موسى بن الملك الزاهر محيي الدين داود المجاهد بن أسد الدين شيركوه بن الناصر ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شاذي ابن صاحب حمص، ودفن بتربتهم بقاسيون‏.‏

وفي ذي القعدة توفي‏:‏

 الشيخ جمال الدين الإسكندري

الحاسب بدمشق، وكان له مكتب تحت منارة كيروز، وقد انتفع به خلق كثير، وكان شيخ الحساب في وقته رحمه الله‏.‏

 الشيخ علم الدين أبو الحسن

محمد بن الإمام أبي علي الحسين بن عيسى بن عبد الله بن رشيق الربعي المالكي المصري، ودفن بالقرافة، وكانت له جنازة حافلة، وقد كان فقيهاً مفتياً، سمع الحديث وبلغ خمساً وثمانين سنة‏.‏

وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين من ذي الحجة توفي‏:‏

 الصدر الكبير أبو الغنائم المُسلَّم

محمد بن المسلم مكي بن خلف بن غيلان، القيسي الدمشقي، مولده سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وكان من الرؤساء الكبار، وأهل البيوتات، وقد ولي نظر الدواوين بدمشق وغير ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/350‏)‏

ثم ترك ذلك كله، وأقبل على العبادة وكتابة الحديث، وكان يكتب سريعاً يكتب في اليوم الواحد ثلاث كراريس، وقد أسمع مسند الإمام أحمد ثلاث مرات، وحدث بصحيح مسلم وجامع الترمذي وغير ذلك، وسمع منه البرازلي والمري وابن تيمية، ودفن من يومه بسفح قاسيون عن ست وثمانين سنة رحمهم الله جميعاً‏.‏

 الشيخ صفي الدين

أبو القاسم بن محمد بن عثمان بن محمد التميمي الحنفي، شيخ الحنفية ببصرى، ومدرس الأمينية بها مدة سنين كثيرة، كان بارعاً فاضلاً عالماً عابداً منقطعاً عن الناس، وهو والد قاضي القضاة صدر الدين علي، وقد عمر دهراً طويلاً، فإنه ولد في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وتوفي ليلة نصف شعبان من هذه السنة عن تسع وتسعين سنة رحمه الله‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وثمانين وستمائة

استهلت والخليفة الحاكم بأمر الله والسلطان الملك المنصور قلاوون‏.‏

وفيها‏:‏ أرسل ملك التتار أحمد إلى الملك المنصور يطلب منه المصالحة وحقن الدماء فيما بينهم، وجاء في الرسلية الشيخ قطب الدين الشيرازي أحد تلامذة النصير الطوسي، فأجاب المنصور إلى ذلك وكتب المكاتبات إلى ملك التتر بذلك‏.‏

وفي مستهل صفر قبض السلطان على الأمير الكبير بدر الدين بيسرى السعدي، وعلى الأمير علاء الدين السعدي الشمسي أيضاً‏.‏

وفيها‏:‏ درس القاضي بدر الدين بن جماعة بالقيمرية والشيخ شمس الدين بن الصفي الحريري، بالسرحانية وعلاء الدين بن الزملكاني بالأمينية‏.‏

وفي يوم الاثنين الحادي عشر من رمضان وقع حريق باللبادين عظيم، وحضر نائب السلطنة إذ ذاك الأمير حسام الدين لاجين السلحدار وجماعة كثيرة من الأمراء، وكانت ليلة هائلة جداً وقى الله شرها، واستدرك بعد ذلك أمرها القاضي نجم الدين بن النحاس ناظر الجامع، فأصلح الأمر وسد وأعاد البناء أحسن مما كان، ولله الحمد والمنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/351‏)‏

 من الأعيان‏:‏

 الشيخ الصالح بقية السلف إبراهيم بن الدرحي

برهان الدين أبو إسحاق بن الشيخ صفي الدين أبي الفدا إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن علوي بن الرضى الحنفي إمام المعزية بالكشك‏.‏

وأسمع من جماعة منهم الكندي بن الحرستاني ولكن لم يظهر سماعه منهما إلا بعد وفاته، وقد أجاز له أبو نصر الصيدلاني وعفيفة الفارقانية وابن الميداني، وكان رجلاً صالحاً محباً لإسماع الحديث، كثير البر بالطلبة له، وقد قرأ عليه الحافظ جمال الدين المزي معجم الطبراني الكبير، وسمعه منه بقراءة الحافظ البرزالي وجماعة كثيرون‏.‏

وكان مولده في سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وتوفي يوم الأحد سابع صفر، وهو اليوم الذي قدم فيه الحجاج إلى دمشق من الحجاز، وكان هو معهم فمات بعد استقراره بدمشق‏.‏

 القاضي أمين الدين الأشتري

أبو العباس أحمد بن شمس الدين أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الجبار بن طلحة الحلبي المعروف بالأشتري الشافعي، المحدث، سمع الكثير وحصل ووقف أجزاء بدار الحديث الأشرفية وكان الشيخ محيي الدين النووي يثني عليه، ويرسل إليه الصبيان ليقرأوا عليه في بيته لأمانته عنده، وصيانته وديانته‏.‏

 الشيخ برهان الدين أبو الثناء

محمود بن عبد الله بن عبد الرحمن المراغي الشافعي، مدرس الفلكية، كان فاضلاً بارعاً، عرض عليه القضاء فلم يقبل، توفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الآخر عن ست وسبعين سنة، وسمع الحديث وأسمعه، ودرس بعده بالفلكية القاضي بهاء الدين بن الزكي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/352‏)‏

 القاضي الإمام العلامة شيخ القراء زين الدين

أبو محمد بن عبد السلام بن علي بن عمر الزواوي المالكي، قاضي قضاة المالكية بدمشق، وهو أول من باشر القضاء بها، وعزل نفسه عنها تورعاً وزهادة، واستمر بلا ولاية ثمان سنين، ثم كانت وفاته ليلة الثلاثاء ثامن رجب منها عن ثلاث وثمانين سنة، وقد سمع الحديث واشتغل على السنجاري وابن الحاجب‏.‏

 الشيخ صلاح الدين

محمد بن القاضي شمس الدين علي بن محمود بن علي الشهرزوري، مدرس القيمرية وابن مدرسها، توفي في أواخر رجب، وتوفي أخوه شرف الدين بعده بشهر، ودرس بالقيمرية بعد الصلاح المذكور القاضي بدر الدين بن جماعة‏.‏

 ابن خلكان قاضي القضاة

شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان الأربلي الشافعي أحد الأئمة الفضلاء، والسادة العلماء، والصدور الرؤساء، وهو أول من جدد في أيامه قضاء القضاة من سائر المذاهب، فاشتغلوا بالأحكام بعد ما كانوا نواباً له‏.‏

وقد كان المنصب بينه وبين ابن الصائغ دولاً يعزل هذا تارة ويولىّ هذا، ويعزل هذا ويولىّ هذا، وقد درس ابن خلكان في عدة مدارس لم تجتمع لغيره، ولم يبق معه في آخر وقت سوى الأمينية، وبيد ابنه كمال الدين موسى النجيبية‏.‏

توفي ابن خلكان بالمدرسة النجيبية المذكورة بإيوانها يوم السبت آخر النهار، في السادس والعشرين من رجب، ودفن من الغد بسفح قاسيون عن ثلاث وسبعين سنة‏.‏

وقد كان ينظم نظماً حسناً رائقاً، وقد كانت محاضرته في غاية الحسن، وله ‏(‏التاريخ المفيد‏)‏ الذي رسم بوفيات الأعيان من أبدع المصنفات، والله سبحانه أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وستمائة

فيها‏:‏ قدم الملك المنصور إلى دمشق في يوم الجمعة سابع رجب في أبهة عظيمة، وكان يوماً مشهوداً‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 13/353‏)‏

وفيها‏:‏ ولى الخطابة بدمشق الشيخ عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي عوضاً عن محيي الدين بن الحرستاني الذي توفي فيها كما سيأتي، وخطب يوم الجمعة الحادي والعشرين من رجب من هذه السنة‏.‏

وفي هذا اليوم قبل الصلاة احتيط على القاضي عز الدين بن الصائغ بالقلعة وأثبت ابن الحصري نائب الحنفي محضراً يتضمن أن عنده وديعة بمقدار ثمانية آلاف دينار، من جهة ابن الإسكاف‏.‏

وكان الذي أثار ذلك شخص قدم من حلب يقال له تاج الدين بن السنجاري، وولي القضاء بعده بهاء الدين يوسف بن محيي الدين بن الزكي، وحكم يوم الأحد ثالث وعشرين رجب، ومنع الناس من زيارة ابن الصائغ، وسعى بمحضر آخر أن عنده وديعة بقيمة خمسة وعشرين ألف دينار للصالح إسماعيل بن أسد الدين، وقام في ذلك ابن الشاكري والجمال بن الحموي وآخرون، وتكلموا في قضية ثالثة‏.‏

ثم عقد له مجلس تأله فيه شدة شديدة، وتعصبوا عليه ثم أعيد إلى اعتقاله، وقام في صفة نائب السلطنة حسام الدين لاجين وجماعة من الأمراء، فكلموا فيه السلطان فأطلقه وخرج إلى منزله، وجاء الناس إلى تهنئته يوم الاثنين الثالث والعشرين من شعبان، وانتقل من العادلية إلى داره بدرب النقاشة، وكان عامة جلوسه في المسجد تجاه داره‏.‏

وفي رجب باشر حسبة دمشق جمال الدين بن صصرى‏.‏

وفي شعبان درس الخطيب جمال الدين بن عبد الكافي بالغزالية عوضاً عن الخطيب ابن الحرستاني، وأخذ منه الدولعية لكمال الدين بن النجار، الذي كان وكيل بيت المال، ثم أخذ شمس الدين الأربلي تدريس الغزالية من ابن عبد الكافي المذكور‏.‏

وفي آخر شعبان باشر نيابة الحكم عن ابن الزكي شرف الدين أحمد بن نعمة المقدسي أحد أئمة الفضلاء، وسادات العلماء المصنفين‏.‏

ولما توفي أخوه شمس الدين محمد في شوال ولي مكانه تدريس الشامية البرانية، وأخذت منه العادلية الصغيرة، فدرس فيها القاضي نجم الدين أحمد بن صصرى التغلبي في ذي القعدة، وأخذت من شرف الدين أيضاً الرواحية فدرس فيها نجم الدين البيابي نائب الحكم رحمهم الله أجمعين‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الصدر الكبير عماد الدين أبو الفضل

محمد بن القاضي شمس الدين أبي نصر محمد بن هبة الله بن الشيرازي، صاحب الطريقة المنسوبة في الكتابة، سمع الحديث وكان من رؤساء دمشق وأعيانها توفي في صفر منها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/254‏)‏

 شيخ الجبل الشيخ العلاّمة شيخ الإسلام

شمس الدين أبو محمد عبد الرحمن بن الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي، أول من ولي قضاء الحنابلة بدمشق، ثم تركه وتولاه ابنه نجم الدين، وتدريس الأشرفية بالجبل، وقد سمع الحديث الكثير، وكان من علماء الناس وأكثرهم ديانة وأمانة في عصره، مع هدى وسمت صالح حسن، وخشوع ووقار‏.‏

توفي ليلة الثلاثاء سلخ ربيع الآخر من هذه السنة عن خمس وثمانين سنة، ودفن بمقبرة والده رحمهم الله‏.‏

 ابن أبي جعوان

العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عباس بن أبي جعوان الأنصاري الدمشقي المحدث الفقيه الشافعي البارع في النحو واللغة، سمعت شيخنا تقي الدين ابن تيمية وشيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول كل منهما للآخر‏:‏ هذا الرجل قرأ مسند الإمام أحمد وهما يسمعان فلم يضبط عليه لحنة متفقاً عليها، وناهيك بهذين ثناء على هذا وهما هما‏.‏

 الخطيب محيي الدين

يحيى بن الخطيب قاضي القضاة عماد الدين عبد الكريم قاضي القضاة جمال الدين بن الحرستاني الشافعي خطيب دمشق ومدرس الغزالية، كان فاضلاً بارعاً أفتى ودرس وولي الخطابة والغزالية بعد أبيه، وحضر جنازته نائب السلطنة وخلق كثير، توفي في جمادى الآخرة عن ثمان وستين سنة، ودفن بقاسيون‏.‏

وفي خامس رجب توفي‏:‏

 الأمير الكبير ملك عرب أل مثرى

أحمد بن حجى بمدينة بصرى، وصلى عليه بدمشق صلاة الغائب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/355‏)‏

 الشيخ الإمام العالم شهاب الدين

عبد الحليم بن الشيخ الإمام العلامة مجد الدين عبد الله بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني، والد شيخنا العلامة العلم تقي الدين بن تيمية، مفتي الفرق، الفارق بين الفرق، كان له فضيلة حسنة، ولديه فضائل كثيرة، وكان له كرسي بجامع دمشق يتكلم عليه عن ظاهر قلبه، وولي مشيخة دار الحديث السكرية بالقصاعين، وبها كان سكنه‏.‏

ثم درس ولده الشيخ تقي الدين بها بعده في السنة الآتية كما سيأتي، ودفن بمقابر الصوفية رحمه الله‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وستمائة

في يوم الاثنين ثاني المحرم منها درس الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني بدار الحديث السكرية التي بالقصاعين، وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي الشافعي، والشيخ تاج الدين الفزاري شيخ الشافعية، والشيخ زين الدين بن المرحل، وزين الدين بن المنجا الحنبلي‏.‏

وكان درساً هائلاً، وقد كتبه الشيخ تاج الدين الفزاري بخطه لكثرة فوائده، وكثرة ما استحسنه الحاضرون‏.‏

وقد أطنب الحاضرون في شكره على حداثة سنه وصغره، فإنه كان عمره إذ ذاك عشرين سنة وسنتين‏.‏

ثم جلس الشيخ تقي الدين المذكور أيضاً يوم الجمعة عاشر صفر بالجامع الأموي بعد صلاة الجمعة على منبر قد هيىء له لتفسير القرآن العزيز، فابتدأ من أوله في تفسيره، وكان يجتمع عنده الخلق الكثير والجم الغفير من كثرة ما كان يورد من العلوم المتنوعة المحررة مع الديانة والزهادة والعبادة سارت بذكره الركبان في سائر الأقاليم والبلدان، واستمر على ذلك مدة سنين متطاولة‏.‏

وفيها‏:‏ قدم السلطان إلى دمشق من مصر يوم السبت ثاني عشر جمادى الآخرة، فجاء صاحب حماه الملك المنصور إلى خدمته فتلقاه السلطان في موكبه وأكرمه، فلما كان ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان وقع مطر عظيم بدمشق، ورعد وبرق، وجاء سيل عظيم جداً حتى كسر أقفال باب الفراديس، وارتفع الماء ارتفاعاً كثيراً، بحيث أغرق خلقاً كثيراً، وأخذ جمال الجيش المصري وأثقالهم، فخرج السلطان إلى الديار المصرية بعد ثلاثة أيام، وتولى مشد الدواوين الأمير شمس الدين سنقر عوضاً عن الدويدراي علم الدين سنجر‏.‏

وفيها‏:‏ اختلف التتار فيما بينهم على ملكهم السلطان أحمد فعزلوه عنهم وقتلوه، وملكوا عليهم السلطان أرغون بن أبغا، ونادوا بذلك في جيشهم، وتأطدت أحوالهم، ومشت أمورهم على ذلك، وبادت دولة السلطان أحمد‏.‏

وقامت دولة أرغون بن أبغا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/356‏)‏

 من الأعيان‏:‏

 الشيخ طالب الرفاعي بقصر حجاج

وله زاوية مشهورة به، وكان يزور بعض المريدين فمات‏.‏

وفيها مات‏:‏

 القاضي الإمام عز الدين أبو المفاخر

محمد بن شرف الدين عبد القادر بن عفيف الدين عبد الخالق بن خليل الأنصاري الدمشقي ولي القضاء بدمشق مرتين، عزل بابن خلكان، ثم عزل ابن خلكان به ثانية، ثم عزل وسجن، وولي بعده بهاء الدين بن الزكي، وبقي معزولاً إلى أن توفي ببستانه في تاسع ربيع الأول‏.‏

وصُلي عليه بسوق الخيل، ودفن بسفح قاسيون، وكان مولده سنة ثمان وعشرين وستمائة، وكان مشكور السيرة، له عقل وتدبير واعتقاد كثير في الصالحين، وقد سمع الحديث له ابن بلبان مشيخة قرأها ابن جعوان عليه، ودرس بعده بالعزروية الشيخ زين الدين عمر بن مكي بن المرحل، وكيل بيت المال، ودرس ابنه محيي الدين أحمد بالعمادية وزاوية الكلاسة من جامع دمشق‏.‏

ثم توفي ابنه أحمد هذا بعده في يوم الأربعاء ثامن رجب، فدرس بالعمادية والدماغية الشيخ زين الدين بن الفارقي شيخ دار الحديث نيابة عن أولاد القاضي عز الدين بن الصائغ بدر الدين وعلاء الدين‏.‏

وفيها توفي‏:‏

 الملك السعيد فتح الدين

عبد الملك بن الملك الصالح أبي الحسن إسماعيل بن الملك العادل، وهو والد الملك الكامل ناصر الدين محمد، في ليلة الاثنين ثالث رمضان، ودفن من الغد بتربة أم الصالح، وكان من خيار الأمراء محترماً كبيراً رئيساً، روى الموطأ عن يحيى بن بكير عن مكرم بن أبي الصقر، وسمع ابن الليثي وغيره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/357‏)‏

 القاضي نجم الدين عمر بن نصر بن منصور

البياني الشافعي، توفي في شوال منها، وكان فاضلاً، ولي قضاء زرع ثم قضاء حلب، ثم ناب في دمشق ودرس بالرواحية وباشرها بعده شمس الدين عبد الرحمن بن نوح المقدسي، يوم عاشر شوال‏.‏

وفي هذا اليوم توفي بحماة ملكها‏:‏

 الملك المنصور ناصر الدين

محمد بن محمود بن عمر بن ملكشاه بن أيوب، ولد سنة ثلاثين وستمائة، وتملك حماه سنة ثنتين وأربعين، وله عشر سنين، فمكث في الملك أزيد من أربعين سنة، وكان له بر وصدقات، وقد أعتق في بعض موته خلقاً من الأرقاء، وقام في الملك بعده ولده الملك المظفر بتقليد الملك المنصور له بذلك‏.‏

 القاضي جمال الدين أبو يعقوب

يوسف بن عبد الله بن عمر الرازي، قاضي قضاة المالكية، ومدرسهم بعد القاضي زين الزواوي الذي عزل نفسه، وقد كان ينوب عنه فاستقل بعده بالحكم، توفي في الخامس من ذي القعدة وهو في طريق الحجاز، وكان عالماً فاضلاً قليل التكليف والتكلف‏.‏

وقد شغر المنصب بعده ثلاث سنين ودرس بعده للمالكية الشيخ جمال الدين الشريشي، وبعده أبو إسحاق اللوري، وبعده بدر الدين أبو بكر البريسي، ثم لما وصل القاضي جمال الدين بن سليمان حاكماً درس بالمدارس والله سبحانه أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وثمانين وستمائة

في أواخر المحرم قدم الملك المنصور إلى دمشق ومعه الجيوش وجاء إلى خدمته صاحب حماه الملك المظفر بن المنصور فتلقاه بجميع الجيوش، وخلع عليه خلعة الملوك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/358‏)‏

ثم سافر السلطان بالعساكر المصرية والشامية فنزل المرقب ففتحه الله عليهم في يوم الجمعة ثامن عشر صفر، وجاءت البشارة بذلك إلى دمشق فدقت البشائر وزينت البلد وفرح المسلمون بذلك، لأن هذا الحصن كان مضرة على المسلمين، ولم يتفق فتحه لأحد من ملوك الإسلام لا للملك صلاح الدين، ولا للملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري، وفتح حوله بلنياس ومرقب وهي بلدة صغيرة إلى جانب البحر عند حصن منيع جداً لا يصل إليه سهم ولا حجر منجنيق، فأرسل إلى صاحب طرابلس فهدمه تقرباً إلى السلطان الملك المنصور، واستنقذ المنصور خلقاً كثيراً من أسارى المسلمين، الذين كانوا عند الفرنج، ولله الحمد‏.‏

ثم عاد المنصور إلى دمشق، ثم سافر بالعساكر المصرية إلى القاهرة‏.‏

وفي أواخر جمادى الآخرة ولد للمنصور ولده الملك الناصر محمد بن قلاوون‏.‏

وفيها‏:‏ عزل محيي الدين ابن النحاس عن نظر الجامع ووليه عز الدين بن محيي الدين بن الزكي، وباشر ابن النحاس الوزارة عوضاً عن التقي توبة التكريتي، وطلب التقي توبة إلى الديار المصرية وأحيط على أمواله وأملاكه، وعزل سيف الدين طوغان عن ولاية المدينة دمشق، وباشرها عز الدين بن أبي الهيجاء‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الشيخ عز الدين محمد بن علي

ابن إبراهيم بن شداد، توفي في صفر، وكان فاضلاً مشهوراً، له كتاب سيرة الملك الظاهر، وكان معتنياً بالتاريخ‏.‏

 البندقداري

أستاذ الملك الظاهر بيبرس، وهو الأمير الكبير علاء الدين أيديكين البندقداري الصالحي، كان من خيار الأمراء سامحه الله‏.‏

توفي في ربيع الآخر منها، وقد كان الصالح نجم الدين صادر البندقداري هذا، وأخذ منه مملوكه بيبرس فأضافه إليه لشهامته ونهضته، فتقدم عنده على أستاذه وغيره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/359‏)‏

 الشيخ الصالح العابد الزاهد

شرف الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن إسماعيل الأخميمي، كانت له جنازة هائلة، ودفن بقاسيون رحمه الله‏.‏

 ابن عامر المقري

الذي ينسب إليه الميعاد الكبير، الشيخ الصالح المقري شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عامر بن أبي بكر الغسولي الحنبلي، سمع الحديث من الشيخ موفق الدين بن قدامة وغيره، وكان يعمل الميعاد ليلة الأحد، فإذا فرغوا من ذلك دعا بهم ثم وعظهم‏.‏

توفي يوم الأربعاء حادي عشر جمادى الآخرة ودفن بالقرب من تربة الشيخ عبد الله الأرمني‏.‏

 القاضي عماد الدين

داود بن يحيى بن كامل القرشي النصروي الحنفي، مدرس العزية بالكشك، وناب في الحكم عن مجد الدين بن العديم، وسمع الحديث وتوفي ليلة النصف من شعبان، وهو والد الشيخ نجم الدين القجقازي، شيخ الحنفية، وخطيب جامع تنكر‏.‏

 الشيخ حسن الرومي

شيخ سعيد السعداء بالقاهرة‏.‏

وقد وليها بعده شمس الدين الأتابكي‏.‏

الرشيد سعيد بن علي بن سعيد، الشيخ رشيد الدين الحنفي مدرس الشبلية، وله تصانيف مفيدة كثيرة، ونظم حسن‏.‏

فمن ذلك قوله‏:‏

قل لمن يحذر أن تدركه * نكبات الدهر لا يغني الحذر

أذهب الحزن اعتقادي * أن كل شيء بقضاءٍ وقدر

ومن شعره قوله‏:‏

إلهي لك الحمد الذي أنت أهله * على نعم منها الهداية للحمد

صحيحاً خلقت الجسم مني مسلماً * ولطفلك بي ما زال مذ كنت في المهد

وكنت يتيماً قد أحاط بي الردى * فآويت واستنقذت من كل ما يردي

وهبت لي العقل الذي بضيائه * إلى كل خير يهتدي طالب الرشد

‏(‏ج/ص‏:‏ 13/360‏)‏

ووفقت للإسلام قلبي ومنطقي * فيا نعمة قد حل موقعها عندي

ولو رمت جهدي أن أجازى فضيلةً * فضلت بها لم يجز أطرافها جهدي

ألست الذي أرجو حنانك عندما * يخلفني الأهلون وحدي في لحدي

فجلي بلطف منك يهدي سريرتي * وقلبي ويدينني إليك بلا بعد

توفي يوم السبت ثالث رمضان، وصلّي عليه العصر بالجامع المظفري، ودفن بالسفح‏.‏

 أبو القاسم علي بن بلبان بن عبد الله

الناصري المحدث المفيد الماهر، توفي يوم الخميس مستهل رمضان‏.‏

 الأمير مجير الدين

محمد بن يعقوب بن علي المعروف بابن تميم الحموي الشاعر، صاحب الديوان في الشعر، فمن شعره قوله‏:‏

عاينت ورد الروض يلطم خده * ويقول قولاً في البنفسج يحنق

لا تقربوه وإن تضوع نشره * ما بينكم فهو العدو الأزرق

 الشيخ العارف شرف الدين

أبو عبد الله محمد بن الشيخ عثمان بن علي الرومي، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون، ومن عندهم خرج الشيخ جمال الدين محمد الساوحي وحلق ودخل في ذي الجوالقية وصار شيخهم ومقدمهم‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وثمانين وستمائة

استهلت والخليفة الحاكم أبو العباس أحمد، والسلطان الملك المنصور قلاوون، ونائبه بالشام الأمير حسام الدين لاجين السلحداري المنصوري، والأمير بدر الدين الصوابي محاصر مدينة الكرك في أواخر السنة الماضية، وقدم عليه من مصر عسكر صحبة الأمير حسام الدين طرقطاي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/361‏)‏

فاجتمعوا على حصار الكرك حتى أنزلوا منها صاحبها الملك المسعود خضر بن الملك الظاهر، في مستهل صفر، وجاءت البشارة بذلك إلى دمشق، فدقت البشائر ثلاثة أيام، وعاد طرقطاي بالملك خضر وأهل بيته إلى الديار المصرية، كما فعل الملك الظاهر أبوه بالملك المغيث عمر بن العادل، كما تقدم ذلك‏.‏

واستناب في الكرك نائباً عن أمر المنصور، ورتب أمورها وأجلوا منها خلقاً من الكركيين، واستخدموا بقلعة دمشق‏.‏

ولما اقترب دخول آل الظاهر إلى القاهرة تلقاهم المنصور فأكرم لقياهم وأحسن إلى الأخوين نجم الدين خضر، وبدر الدين سلامش، وجعلهما يركبان مع ابنيه علي والأشرف خليل، وجعل عليهما عيوناً يرصدون ما يفعلان، وأنزلا الدور بالقلعة وأجرى عليهم من الرواتب والنفقات ما يكفيهم وزيادة كثيرة‏.‏

وكتب الأمير بدر الدين بكتوت العلائي وهو مجرد بحمص إلى نائب دمشق لاجين، أنه قد انعقد زوبعة في يوم الخميس سابع صفر بأرض حمص ثم ارتفعت في السماء كهيئة العمود والحية العظيمة، وجعلت تختطف الحجارة الكبار، ثم تصعد بها في الجو كأنها سهام النشاب وحملت شيئاً كثيراً من الجمال بأحمالها، والأثاث والخيام والدواب، ففقد الناس من ذلك شيئاً كثيراً، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وفي هذا اليوم وقع مطر عظيم في دمشق وجاء سيل كثير ولا سيما في الصالحية‏.‏

وفيها‏:‏ أعيد علم الدين الدويداري إلى مشد الدواوين بدمشق، والصاحب تقي الدين بن توبة إلى الوزارة بدمشق‏.‏

وفيها‏:‏ تولى قضاء المالكية بمصر زين الدين بن أبي مخلوف البريدي عوضاً عن القاضي تقي الدين بن شاس الذي توفي بها‏.‏

وفيها‏:‏ درس بالغزالية بدر الدين بن جماعة انتزعها من يد شمس الدين إمام الكلاسة، الذي كان ينوب عن شمس الدين الأيكي، والأيكي شيخ سعيد السعدا، باشرها شهراً ثم جاء مرسوم بإعادتها إلى الأيكي، وأنه قد استناب عنه جمال الدين الباجريقي، فباشرها الباجريقي في ثالث رجب‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن شيبان

ابن تغلب الشيباني أحد مشايخ الحديث المسندين المعمرين بدمشق، توفي بصفر عن ثمان وثمانين سنة، ودفن بقاسيون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/362‏)‏

الشيخ الإمام العالم البارع

 الشيخ جمال الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن بحمان البكري الشريشي المالكي، ولد بشريش سنة إحدى وستمائة، ورحل إلى العراق فسمع بها الحديث من المشايخ والقطيعي وابن زوربة وابن الليثي وغيرهم، واشتغل وحصل وساد أهل زمانه‏.‏

ثم عاد إلى مصر فدرس بالفاضلية، ثم أقام بالقدس شيخ الحرم، ثم جاء إلى دمشق فولي مشيخة الحديث بتربة أم الصالح، ومشيخة الرباط الناصري بالسفح، ومشيخة المالكية، وعرض عليه القضاء فلم يقبل‏.‏

توفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من رجب بالرباط الناصري بقاسيون، ودفن بسفح قاسيون تجاه الناصرية وكانت جنازته حافلة جداً‏.‏

 قاضي القضاة

يوسف ابن قاضي القضاة محيي الدين أبي الفضل يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز بن علي بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان، القرشي الدمشقي المعروف بابن الزكي الشافعي، كان فاضلاً مبرزاً، وهو آخر من ولي القضاء من بني الزكي إلى يومنا هذا، ولد في سنة أربعين وسمع الحديث‏.‏

توفي ليلة الاثنين حادي عشر ذي الحجة، ودفن بقاسيون، وتولى بعده ابن الخوي شهاب الدين‏.‏

 الشيخ مجد الدين

يوسف بن محمد بن محمد بن عبد الله المصري ثم الدمشقي الشافعي الكاتب المعروف بابن المهتار، كان فاضلاً في الحديث والأدب، يكتب كتابة حسنة جداً، وتولى مشيخة دار الحديث النورية، وقد سمع الكثير وانتفع الناس به وبكتابته، توفي عاشر ذي الحجة ودفن بباب الفراديس‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/363‏)‏

الشاعر الأديب

 شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن محمد المعروف بابن الخيمي، كانت له مشاركة في علوم كثيرة، ويد طولى في النظم الرائق، الفائق جاوز الثمانين وقد تنازع هو نجم الدين بن إسرائيل في قصيدة بائية فتحاكما إلى ابن الفارض فأمرهما بنظم أبيات على وزنها فنظم كل منهما فأحسن، ولكن لابن الخيمي يد طولى عليه‏.‏

وكذلك فعل ابن خلكان، وامتدحه على وزنها بأبيات حسان، وقد أطال ترجمته الجزري في كتابه‏.‏

وفيها كانت وفاة‏:‏

 الحاج شرف الدين

ابن مري، والد الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله‏.‏

 يعقوب بن عبد الحق

أبو يوسف المديني سلطان بلاد المغرب، خرج على الواثق بالله أبي دبوس فسلبه الملك بظاهر مراكش، واستحوذ على بلاد الأندلس والجزيرة الخضراء، في سنة ثمان وستين وستمائة، واستمرت أيامه إلى محرم هذه السنة، وزالت على يديه دولة الموحدين بها‏.‏

 البيضاوي صاحب التصانيف

هو القاضي الإمام العلامة ناصر الدين عبد الله بن عمر الشيرازي، قاضيها وعالمها وعالم أذربيجان وتلك النواحي، مات بتبريز سنة خمس وثمانين وستمائة‏.‏

ومن مصنفاته‏:‏ ‏(‏المنهاج في أصول الفقه‏)‏، وهو مشهور، وقد شرحه غير واحد، وله‏:‏ ‏(‏شرح التنبيه‏)‏ في أربع مجلدات، وله‏:‏ ‏(‏الغاية القصوى في دراية الفتوى‏)‏، و‏(‏شرح المنتخب‏)‏ و‏(‏الكافية في المنطق‏)‏، وله‏:‏ ‏(‏الطوالع‏)‏ و‏(‏شرح المحصول‏)‏ أيضاً، وله غير ذلك من التصانيف المفيدة، وقد أوصى إلى القطب الشيرازي أن يدفن بجانبه بتبريز والله سبحانه أعلم‏.‏