فصل: سنة تسع وثلاثين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


حديث آخر عن رجلين من الصحابة

قال الهيثم بن عدي في كتاب ‏(‏الخوارج‏)‏‏:‏ حدثني سليمان بن المغيرة، عن حبيب بن هلال قال‏:‏ أقبل رجلان من أهل الحجاز حتى قدما العراق، فقيل لهما‏:‏ ما أقدمكما العراق‏؟‏

قالا‏:‏ رجونا أن ندرك هؤلاء القوم الذين ذكرهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدنا علي بن أبي طالب قد سبقنا إليهم - يعنيان‏:‏ أهل النهروان -‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/338‏)‏

حديث في مدح علي رضي الله عنه على قتال الخوارج

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حسين بن محمد، ثنا فطر، عن إسماعيل بن رجاء بن ربيعة الزبيدي، عن أبيه قال‏:‏ سمعت أبا سعيد يقول‏:‏ كنا جلوساً ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج علينا من بيوت بعض نسائه قال‏:‏ فقمنا معه، فانقطعت نعله فتخلف عليها علي يخصفها، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضينا معه، ثم قام ينتظره وقمنا معه، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله‏)‏‏)‏‏.‏

فاستشرف لها وفيهم أبو بكر وعمر‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا ولكنه خاصف النعل‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فجئنا نبشره‏.‏

قال‏:‏ فكأنه قد سمعه‏.‏

ورواه أحمد‏:‏ عن وكيع وأبي أسامة، عن فطر بن خليفة، فأما الحديث الذي قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ حدثنا إسماعيل بن موسى، ثنا الربيع بن سهل، عن سعيد بن عبيد، عن علي بن ربيعة قال‏:‏ سمعت علياً على منبركم هذا يقول‏:‏ عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين‏.‏

وقد رواه أبو بكر بن المقرئ، عن الجد بن عبادة البصري، عن يعقوب بن عباد، عن الربيع بن سهل الفزاري به، فإنه حديث غريب ومنكر، على أنه قد روي من طرق عن علي وعن غيره ولا تخلو واحدة منها عن ضعف‏.‏

والمراد بالناكثين يعني‏:‏ أهل الجمل، وبالقاسطين أهل الشام، وأما المارقون فالخوارج لأنهم مرقوا من الدين‏.‏

وقد رواه الحافظ أبو أحمد بن عدي في ‏(‏كامله‏)‏‏:‏ عن أحمد بن حفص البغدادي، عن سليمان بن يوسف، عن عبيد الله بن موسى، عن فطر، عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم، عن علقمة، عن علي قال‏:‏ أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي‏:‏ أخبرني الأزهري، ثنا محمد بن المظفر، ثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال‏:‏ وجدت في كتاب جدي محمد بن ثابت، ثنا شعيب بن الحسن السلمي، عن جعفر الأحمر، عن يونس بن الأرقم، عن أبان، عن خليد المصري قال‏:‏

سمعت علياً أمير المؤمنين يقول يوم النهروان‏:‏ أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين‏.‏

وقد رواه الحافظ أبو القاسم بن عساكر من حديث محمد بن فرج الجنديسابوري، أنا هارون بن إسحاق، ثنا أبو غسان، عن جعفر - أحسبه الأحمر - عن عبد الجبار الهمداني، عن أنس بن عمرو، عن أبيه، عن علي قال‏:‏ أمرت بقتال ثلاثة المارقين والقاسطين والناكثين‏.‏

وقال الحاكم أو عبد الله‏:‏ أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن غنم الحنظلي بقنطرة بردان، ثنا محمد الحسن بن عطية بن سعد العوفي، حدثني أبي، حدثني عمي، عن عمرو بن عطية بن سعد، عن أخيه الحسن بن عطية، حدثني جدي بن جنادة، عن علي رضي الله عنه قال‏:‏ أمرت بقتال ثلاثة؛ القاسطين والناكثين والمارقين‏.‏

فأما القاسطون فأهل الشام، وأما الناكثون فذكرهم، وأما المارقون فأهل النهروان - يعني‏:‏ الحرورية -‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/339‏)‏

وقال الحافظ ابن عساكر‏:‏ أنا أبو القسم زاهر بن طاهر، أنا أبو سعد الأديب، أنا السيد أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين، ثنا محمد بن أحمد الصوفي، ثنا محمد بن عمرو الباهلي، ثنا كثير بن يحيى، ثنا أبو عوانة، عن أبي الجارود، عن زيد بن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي قال‏:‏ أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين‏.‏

حديث ابن مسعود في ذلك

قال الحافظ‏:‏ حدثنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسن الفقيه، أنا الحسن بن علي، ثنا زكريا بن يحيى الخراز المقرئ، ثنا إسماعيل بن عباد المقرىء، ثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى منزل أم سلمة فجاء علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أم سلمة هذا والله قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي‏)‏‏)‏‏.‏

حديث أبي سعيد في ذلك

قال الحاكم‏:‏ حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني، ثنا الحسين بن الحكم الحيري، ثنا إسماعيل بن أبان، ثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أمرتنا بقتال هؤلاء، فمع من‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏مع علي بن أبي طالب معه يقتل عمار بن ياسر‏)‏‏)‏‏.‏

حديث أبي أيوب في ذلك

قال الحاكم‏:‏ أنا أبو الحسن علي بن حماد المعدل، ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، ثنا عبد العزيز بن الخطاب، ثنا محمد بن كثير، عن الحرث بن خضيرة، عن أبي صادق، عن مخنف بن سليمان قال‏:‏ أتينا أبا أيوب فقلنا‏:‏ قاتلت بسيفك المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جئت تقاتل المسلمين‏؟‏

فقال‏:‏ أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين‏.‏

قال الحاكم‏:‏ وحدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، ثنا الحسن بن علي بن شبيب العمري، ثنا محمد بن حميد، ثنا سلمة بن الفضل، حدثني أبو زيد الأموي، عن عتاب بن ثعلبة في خلافة عمر بن الخطاب قال‏:‏ أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين مع علي بن أبي طالب‏.‏

وقال الخطيب البغدادي‏:‏ حدثنا الحسن بن علي بن عبد الله المقرئ، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف، ثنا محمد بن جعفر المطيري، ثنا أحمد بن عبد الله المؤدب بسر من رأى، ثنا المعلى بن عبد الرحمن ببغداد، ثنا شريك، عن سليمان بن مهران، عن الأعمش، عن علقمة والأسود قالا‏:‏

أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين، فقلنا له‏:‏ يا أبا أيوب‏!‏ إن الله أكرمك بنزول محمد صلى الله عليه وسلم وبمجيء ناقته تفضلاً من الله وإكراماً لك حين أناخت ببابك دون الناس‏.‏

ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله ‏؟‏‏(‏ج/ص‏:‏ 7/340‏)‏

فقال‏:‏ يا هذا، إن الرائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي، بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين‏.‏

فأما الناكثون‏:‏ فقد قاتلناهم وهم أهل الجمل، طلحة والزبير، وأما القاسطون‏:‏ فهذا منصرفنا من عندهم - يعني‏:‏ معاوية وعمراً - وأما المارقون‏:‏ فهم أهل الطرقات، وأهل السعيفات، وأهل النخيلات، وأهل النهروان، والله ما أدري أين هم ولكن لا بد من قتالهم إن شاء الله‏.‏

قال‏:‏ وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار‏:‏ ‏(‏‏(‏يا عمار تقتلك الفئة الباغية، وأنت مذ ذاك مع الحق والحق معك، يا عمار بن ياسر إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس غيره فاسلك مع علي فإنه لن يدليك في ردىً ولن يخرجك من هدىً، يا عمار من تقلد سيفاً أعان به علياً على عدوه قلده الله يوم القيامة وشاحين من در، ومن تقلد سيفاً أعان به عدو علي عليه قلده الله يوم القيامة وشاحين من نار‏)‏‏)‏‏.‏

فقلنا‏:‏ يا هذا‏!‏ حسبك رحمك الله، حسبك رحمك الله، هذا السياق الظاهر أنه موضوع، وآفته من جهة المعلى بن عبد الرحمن، فإنه متروك الحديث‏.‏

 فصل خطبة علي رضي الله عنه بعد انصرافه من النهروان

قال الهيثم بن عدي في كتابه الذي جمعه في الخوارج وهو من أحسن ما صنف في ذلك قال‏:‏ وذكر عيسى بن دآب قال‏:‏ لما انصرف علي رضي الله عنه من النهروان قام في الناس خطيباً، فقال‏:‏ بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

أما بعد فإن الله قد أعز نصركم فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم من أهل الشام‏.‏

فقاموا إليه، فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين نفذت نبالنا، وكلت سيوفنا، ونصلت أسنتنا، فانصرف بنا إلى مصرنا حتى نستعد بأحسن عدتنا، ولعل أمير المؤمنين يزيد في عدتنا عدة من فارقنا وهلك منا، فإنه أقوى لنا على عدونا - وكان الذي تكلم بهذا الأشعث بن قيس الكندي - فبايعهم وأقبل بالناس حتى نزل بالنخيلة، وأمرهم أن يلزموا معسكرهم ويوطنوا أنفسهم على جهاد عدوهم، ويقلوا زيارة نسائهم وأبنائهم، فأقاموا معه أياماً متمسكين برأيه وقوله، ثم تسللوا حتى لم يبق منهم أحد إلا رؤوس أصحابه‏.‏

فقام علي فيهم خطيباً فقال‏:‏ الحمد لله فاطر الخلق وفالق الأصباح وناشر الموتى، وباعث من في القبور، وأشهد أن لا إله الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‏.‏

وأوصيكم بتقوى الله، فإن أفضل ما توسل به العبد الإيمان، والجهاد في سبيله، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة، وإقام الصلاة، فإنها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها من فريضته، وصوم شهر رمضان فإنه جنة من عذابه، وحج البيت فإنه منفاة للفقر مدحضة للذنب‏.‏

وصلة الرحم فإنها مثراة في المال، منسأة في الأجل، محبة في الأهل، وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة وتطفئ غضب الرب، وصنع المعروف فإنه يدفع ميتة السوء ويقي مصارع الهول‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/341‏)‏

أفيضوا في ذكر الله فإنه أحسن الذكر، وارغبوا فيما وعد المتقون فإن وعد الله أصدق الوعد، واقتدوا بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم فإنه أفضل الهدى، واستسنوا بسنته فإنها أفضل السنن‏.‏

وتعلموا كتاب الله فإنه أفضل الحديث، وتفقهوا في الدين فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص‏.‏

وإذا قرىء عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون، وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم به لعلكم تهتدون، فإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الجائر الذي لا يستقيم عن جهله‏.‏

بل قد رأيت أن الحجة أعظم، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه على هذا الجاهل المتحير في جهله، وكلاهما مضلل مثبور‏.‏

لا ترتابوا فتشكوا، ولا تشكوا فتكفروا، ولا ترخصوا لأنفسكم فتذهلوا، ولا تذهلوا في الحق فتخسروا‏.‏

ألا وإن من الحزم أن تثقوا، ومن الثقة أن لا تغتروا، وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه وإن أغشكم لنفسه أعصاكم لربه، من يطع الله يأمن ويستبشر، ومن يعص الله يخف ويندم‏.‏

ثم سلوا الله اليقين وارغبوا إليه في العافية، وخير ما دام في القلب اليقين، إن عوازم الأمور أفضلها، وإن محدثاتها شرارها، وكل محدث بدعة، وكل محدث مبتدع، ومن ابتدع فقد ضيع‏.‏

وما أحدث محدث بدعة إلا ترك بها سنة المغبون من غبن دينه، والمغبون من خسر نفسه‏.‏

وإن الريا من الشرك، وإن الإخلاص من العمل والإيمان، ومجالس اللهو تنسي القرآن ويحضرها الشيطان، وتدعو إلى كل غي، ومجالسة النساء تزيغ القلوب وتطمح إليه الأبصار، وهي مصائد الشيطان‏.‏

فأصدقوا الله فأن الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب للإيمان، ألا إن الصدق على شرف منجاة وكرامة، وإن الكذب على شرف رديء وهلكه‏.‏

ألا وقولوا الحق تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم، وصلوا أرحام من قطعكم، وعودوا بالفضل على من حرمكم‏.‏

وإذا عاهدتم فأوفوا، وإذا حكمتم فاعدلوا، ولا تفاخروا بالآباء، ولا تنابزوا بالألقاب، ولا تمازحوا، ولا يغضب بعضكم بعضاً‏.‏

وأعينوا الضعيف، والمظلوم، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والسائلين، وفي الرقاب، وارحموا الأرملة واليتيم، وأفشوا السلام، وردوا التحية على أهلها بمثلها أو بأحسن منها‏.‏

{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 2‏]‏ وأكرموا الضيف، وأحسنوا إلى الجار، وعودوا المرضى، وشيعوا الجنائز، وكونوا عباد الله إخواناً‏.‏

أما بعد، فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أظلت وأشرفت بإطلاع، وإن المضمار اليوم وغداً السباق، وإن السبقة الجنة والغاية النار‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/342‏)‏

ألا وإنكم في أيام مهل من ورائها أجل يحثه عجل، فمن أخلص لله عمله في أيام مهله قبل حضور أجله فقد أحسن عمله ونال أمله، ومن قصر عن ذلك فقد خسر عمله وخاب أمله، وضره أمله، فاعملوا في الرغبة والرهبة، فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا الله واجمعوا معها رهبة‏.‏

وإن نزلت بكم رهبة فاذكروا الله واجمعوا معها رغبة، فإن الله قد تأذن المسلمين بالحسنى، ولمن شكر بالزيادة‏.‏

وإني لم أر مثل الجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها، ولا أكثر مكتسباً من شيء كسبه ليوم تدخر فيه الدخائر، وتبلى فيه السرائر، وتجتمع في الكبائر، وإنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل، ومن لا يستقيم به الهدى يجر به الضلال، ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك، ومن لا ينفعه حاضره فعازبه عنه أعور، وغائبه عنه أعجز، وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد‏.‏

ألا وإن أخوف ما أخاف عليكم اثنان‏:‏ طول الأمل، واتباع الهوى‏.‏

فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيبعد عن الحق، ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة إن استطعتم، ولا تكونوا من بني الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل‏.‏

وهذه خطبة بليغة نافعة جامعة للخير، ناهية عن الشر‏.‏

وقد روي لها شواهد من وجوه أخر متصلة، ولله الحمد والمنة‏.‏

وقد ذكر ابن جرير‏:‏ أن علياً رضي الله عنه لما نكل أهل العراق عن الذهاب إلى الشام خطبهم فوبخهم وأنبهم وتوعدهم وهددهم وتلا عليهم آيات في الجهاد من سور متفرقة، وحث على المسير إلى عدوهم فأبوا من ذلك وخالفوا ولم يوافقوه، واستمروا في بلادهم، وتفرقوا عنه هاهنا وهاهنا، فدخل على الكوفة‏.‏

فصل ما جرى من أحداث في قصة التحكيم‏.‏

وقد ذكر الهيثم بن عدي‏:‏ أنه خرج على علي بعد النهروان يقال له الحارث بن راشد الناجي، قدم مع أهل البصرة‏.‏

فقال لعلي‏:‏ إنك قد قاتلت أهل النهروان في كونهم أنكروا عليك قصة التحكيم، وتزعم أنك قد أعطيت أهل الشام عهودك ومواثيقك، وأنك لست بناقضها، وهذان الحكمان قد اتفقا على خلعك ثم اختلفا في ولاية معاوية فولاه عمر وامتنع أبو موسى من ذلك، فأنت مخلوع باتفاقهما وأنا قد خلعتك وخلعت معاوية معك‏.‏

وتبع الحارث هذا بشر كثير من قومه - بني ناجية وغيرهم - وتحيزوا ناحية، فبعث إليهم على معقل بن قيس الرماحي في جيش كثيف فقتلهم معقل قتلاً ذريعاً‏.‏

وسبى من بني ناجية خمسمائة أهل بيت فقدم بهم ليقدم بهم على علي فتلقاه رجل يقال له‏:‏ مصقلة بن هبيرة أبو المغلس - وكان عاملاً لعلي على بعض الأقاليم - فتضرروا إليه وشكوا ما هم فيه من السبي‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/343‏)‏

فاشتراهم مصقلة من معقل بخمسمائة ألف درهم وأعتقهم، فطالبه بالثمن فهرب منه إلى ابن عباس بالبصرة‏.‏

فكتب معقل إلى ابن عباس فقال له مصقلة‏:‏ إني إنما جئت لأدفع ثمنهم إليك، ثم هرب منه إلى علي، فكتب ابن عباس ومعقل إلى علي فطالبه علي فدفع من الثمن مائتي ألف ثم انشمر هارباً فلحق بمعاوية بن أبي سفيان بالشام‏.‏

فأمضى علي عتقهم وقال‏:‏ ما بقي من المال في ذمة مصقلة‏؟‏ وأمر بداره في الكوفة فهدمت‏.‏

وقد روى الهيثم، عن سفيان الثوري وإسرائيل، عن عمار الدهني، عن أبي الطفيل‏:‏ أن بني ناجية ارتدوا فبعث إليهم‏:‏ معقل بن قيس فسباهم، فاشتراهم مصقله من علي بثلاثمائة ألف فأعتقهم ثم هرب إلى معاوية‏.‏

قال الهيثم‏:‏ وهذا قول الشيعة، ولم يسمع بحي من العرب ارتدوا بعد الردة التي كانت في أيام الصديق‏.‏

وقال الهيثم‏:‏ حدثني عبد الله بن تميم بن طرفة الطائي، حدثني أبي‏:‏ أن عدي بن حاتم قال مرة لعلي بن أبي طالب وهو يخطب‏:‏ قتلت أهل النهروان على إنكار الحكومة، وقتلت الحريث بن راشد على مسألتهم إياك أيضاً الحكومة، والله ما بينهما موضع قدم‏.‏

فقال له علي‏:‏ اسكت إنما كنت أعرابياً تأكل الضبع بجبل طيء بالأمس‏.‏

فقال له عدي‏:‏ وأنت والله قد رأيناك بالأمس تأكل البلح بالمدينة‏.‏

قال الهيثم‏:‏ ثم خرج على علي رجل من أهل البصرة فقتل، فأمر أصحابه عليهم الأشرس بن عوف الشيباني، فقتل هو وأصحابه‏.‏

قال‏:‏ ثم خرج على علي الأشهب بن بشر البجلي، ثم أحد عرينة من أهل الكوفة فقتل هو وأصحابه‏.‏

قال‏:‏ ثم خرج على علي سعيد بن نغد التميمي، ثم من بني ثعلبة من أهل الكوفة فقتل بقنطرة درربجان فوق المدائن‏.‏

قال الهيثم‏:‏ أخبرني بذلك عبد الله بن عياش عن مشيخته‏.‏

فصل قتاله للخوارج كان سنة سبع وثلاثين‏.‏

ذكر ابن جرير، عن أبي مخنف لوط بن يحيى - وهو أحد أئمة هذا الشأن - أن قتال علي للخوارج يوم النهروان، كان في هذه السنة - أعني‏:‏ سنة سبع وثلاثين -‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وأكثر أهل السير على أن ذلك كان في سنة ثمان وثلاثين، وصححه ابن جرير‏.‏

قلت‏:‏ وهو الأشبه كما سننبه عليه في السنة الآتية إن شاء الله تعالى‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وحج بالناس في هذه السنة - يعني‏:‏ سنة سبع وثلاثين - عبيد الله بن عباس نائب علي على اليمن ومخالفيها‏.‏

وكان نائب مكة قثم بن العباس، وعلى المدينة تمام بن عباس، وقيل‏:‏ سهل بن حنيف، وعلى البصرة عبد الله بن عباس، وعلى قضائها أبو الأسود الدؤلي، وعلى مصر محمد بن أبي بكر، وعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين مقيم بالكوفة، ومعاوية بن أبي سفيان مستحوذ على الشام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/344‏)‏

قلت‏:‏ ومن نيته أن يأخذ مصر من محمد بن أبي بكر‏.‏

 ذكر من توفي فيها من الأعيان‏:‏

خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة، كان قد أصابه سبي في الجاهلية فاشترته أنمار الخزاعية التي كانت تختن النساء، وهي أم سباع بن عبد العزى الذي قتله حمزة يوم أحد وحالف بني زهرة‏.‏

أسلم خباب قديماً قبل دار الأرقم، وكان ممن يؤدي في الله فيصبر ويحتسب، وهاجر وشهد بدراً وما بعدها من المشاهد‏.‏

قال الشعبي‏:‏ دخل يوماً على عمر فأكرم مجلسه وقال‏:‏ ما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا بلال‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن بلالاً كان يؤذى وكان له من يمنعه، وإني كنت لا ناصر لي والله لقد سلقوني يوماً في نار أججوها ووضع رجل على صدري فما اتقيت الأرض إلا بظهري، ثم كشف عن ظهره فإذا هو برص رضي الله عنه‏.‏

ولما مرض دخل عليه أناس من الصحابة يعودونه فقالوا‏:‏ أبشر غداً تلقى الأحبة محمداً وحزبه‏.‏

فقال‏:‏ والله إن إخواني مضوا ولم يأكلوا من دنياهم شيئاً، وإنا قد أينعت لنا ثمرتها فنحن نهدبها، فهذا الذي يهمني‏.‏

قال‏:‏ وتوفي بالكوفة في هذه السنة عن ثلاث وستين سنة وهو أول من دفن بظاهر الكوفة‏.‏

خزيمة بن ثابت

ابن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة الأنصاري ذو الشهادتين وكانت راية بني حطمة معه يوم الفتح، وشهد صفين مع علي، وقتل يومئذٍ رضي الله عنه‏.‏

سفينة

مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قدمنا ترجمته في الموالي المنسوبين إليه صلوات الله وسلامه عليه‏.‏

عبد الله بن الأرقم بن أبي الأرقم

أسلم عام الفتح وكتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد تقدم مع كتاب الوحي‏.‏

عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، قتل يوم صفين وكان أمير الميمنة لعلي فصارت إمرتها للأشتر النخعي‏.‏

عبد الله بن خباب بن الأرت‏.‏ ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان موصوفاً بالخير، قتله الخوارج كما قدمنا بالنهروان في هذه السنة، فلما جاء علي قال لهم‏:‏ أعطونا قتلته ثم أنتم آمنون‏.‏

فقالوا‏:‏ كلنا قتله، فقاتلهم‏.‏

عبد الله بن سعد بن أبي سرح‏:‏ أحد كتّاب الوحي أيضاً، أسلم قديماً وكتب الوحي ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام عام الفتح واستأمن له عثمان - وكان أخاه لأمه - وحسن إسلامه وقد ولاه عثمان نيابة مصر بعد موت عمرو بن العاص، فغزا إفريقية وبلاد النوبة، وفتح الأندلس وغزا ذات الصواري مع الروم في البحر فقتل منهم ما صبغ وجه الماء من الدماء‏.‏

ثم لما حصر عثمان تغلب عليه محمد بن أبي حذيفة وأخرجه من مصر فمات في هذه السنة وهو معتزل علياً ومعاوية، في صلاة الفجر بين التسليمتين رضي الله عنه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/ 345‏)‏

عمار بن ياسر أبو اليقظان العبسي

من عبس اليمن، وهو حليف بني مخزوم، أسلم قديماً وكان ممن يعذب في الله هو وأبوه وأمه سمية‏.‏

ويقال‏:‏ إنه أول من اتخذ مسجداً في بيته يتعبد فيه، وقد شهد بدراً وما بعدها وقد قدمنا كيفية مقتله يوم صفين وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تقتلك الفئة الباغية‏)‏‏)‏‏.‏

وروى الترمذي من حديث الحسن عن أنس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة، علي وعمار وسلمان‏)‏‏)‏‏.‏

وفي الحديث الآخر الذي رواه الثوري وقيس بن الربيع، وشريك القاضي وغيرهم عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي‏:‏ أن عماراً استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏مرحباً بالطيب المطيب‏)‏‏)‏‏.‏

وقال إبراهيم بن الحسين‏:‏ حدثنا يحيى، حدثني نصر، ثنا سفيان الثوري، عن أبي الأعمش، عن أبي عمار، عن عمرو بن شرحبيل، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏لقد ملئ عمار إيماناً من قدمه إلى مشاشه‏)‏‏)‏‏.‏

وحدثنا يحيى بن معلى، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة أنها قالت‏:‏ ما من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشاء أن أقول فيه إلا عمار بن ياسر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إن عمار بن ياسر حُشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنه إيماناً‏)‏‏)‏‏.‏

وحدثنا يحيى، ثنا عمرو بن عون أنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن سلمة بن كهيل، عن علقمة قال‏:‏ أتيت أهل الشام فلقيت خالد بن الوليد فحدثني قال‏:‏ كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام في شيء فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏

‏(‏‏(‏يا خالد‏!‏ لا تؤذ عماراً فإنه من يبغض عماراً يبغضه الله ومن يعاد عماراً يعاده الله‏)‏‏)‏ قال‏:‏ فعرضت له بعد ذلك فسللت ما في نفسه‏.‏

وله أحاديث كثيرة في فضائله رضي الله عنه قتل بصفين عن إحدى، وقيل‏:‏ ثلاث، وقيل‏:‏ أربع وتسعين سنة طعنه أبو الغادية فسقط ثم أكب عليه رجل فاحتز رأسه، ثم اختصما إلى معاوية أيهما قتله فقال لهما عمرو بن العاص‏:‏ اندرا فوالله إنكما لتختصمان في النار، فسمعها منه معاوية فلامه على تسميعه إياهما ذلك‏.‏

فقال له عمرو‏:‏ والله إنك لتعلم ذلك، ولوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ حدثني الحسن بن الحسين بن عمارة عن أبي إسحاق، عن عاصم‏:‏ أن علياً صلى عليه ولم يغسله وصلى مع علي هاشم بن عتبة، فكان عمار مما يلي علياً، وهاشم إلى نحو القبلة‏.‏

قالوا‏:‏ وقبر هنالك، وكان آدم اللون، طويلاً بعيداً ما بين المنكبين‏:‏ أشهل العينين، رجلاً لا يغير شيبه رضي الله عنه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/346‏)‏

الربيع بن معوذ بن عفراء

أسلمت قديماً وكانت تخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزوات فتداوي الجرحى، وتسقي الماء للكلمى، وروت أحاديث كثيرة‏.‏

وقد قتل في هذه السنة في أيام صفين خلق كثير وجم غفير، فقيل‏:‏ قتل من أهل الشام خمسة وأربعون ألفاً ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً‏.‏

وقيل‏:‏ قتل من أهل العراق أربعون ألفاً - من مائة وعشرين ألفاً - وقيل من أهل الشام عشرون ألفاً من ستين ألفاً وبالجملة فقد كان فيهم أعيان ومشاهير يطول استقصاؤهم وفيما ذكرنا كفاية والله تعالى أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين

فيها‏:‏ بعث معاوية عمرو بن العاص إلى ديار مصر فأخذها من محمد بن أبي بكر واستناب معاوية عمراً عليها، وذلك كما سنبينه‏.‏

وقد كان علي رضي الله عنه استناب عليها قيس بن سعد بن عبادة وانتزعها من يد محمد بن أبي حذيفة حين كان استحوذ عليها ومنع عبد الله بن سعد بن أبي سرح من التصرف فيها، حين حصر عثمان - وقد كان عثمان استخلفه عليها وعزل عنها عمرو بن العاص - وعمرو كان هو الذي افتتحها كما قدمنا ذكر ذلك‏.‏

ثم إن علياً عزل قيس بن سعد عنها وولى عليها محمد بن أبي بكر وقد ندم علي على عزل قيس بن سعد عنها، وذلك أنه كان كفواً لمعاوية وعمرو، ولما ولي محمد بن أبي بكر لم يكن فيه قوة تعادل معاوية وعمراً، وحين عزل قيس بن سعد عنها رجع إلى المدينة ثم سار إلى علي بالعراق فكان معه‏.‏

وكان معاوية يقول‏:‏ والله لقيس بن سعد عند علي أبغض إليّ من مائة ألف مقاتل بدله عنده، فشهد معه صفين فلما فرغ علي من صفين وبلغه أن أهل مصر قد استخفوا بمحمد بن أبي بكر لكونه شاب ابن ست وعشرين سنة أو نحو ذلك عزم على رد مصر إلى قيس بن سعد، وكان قد جعله على شرطته أو إلى الأشتر النخعي وقد كان نائبه على الموصل ونصيبين، فكتب إليه بعد صفين فاستقدمه عليه ثم ولاه مصر‏.‏

فلما بلغ معاوية تولية علي للأشتر النخعي ديار مصر بدل محمد بن أبي بكر عظم ذلك عليه، وذلك أنه كان قد طمع في مصر واستنزاعها من يد محمد ابن أبي بكر، وعلم أن الأشتر سيمنعها منه لحزمه وشجاعته‏.‏

فلما سار الأشتر إليها وانتهى إلى القلزم استقبله الخانسار وهو مقدم على الخراج فقدم إليه طعاماً وسقاه شراباً من عسل فمات منه، فلما بلغ ذلك معاوية وعمراً وأهل الشام قالوا‏:‏ إن لله جنوداً من عسل‏.‏

وقد ذكر ابن جرير في ‏(‏تاريخه‏)‏‏:‏ أن معاوية كان قد تقدم إلى هذا الرجل في أن يحتال على الأشتر ليقتله ووعده على ذلك بأمور ففعل ذلك، وفي هذا نظر‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/347‏)‏

وبتقدير صحته فمعاوية يستجيز قتل الأشتر لأنه من قتلة عثمان رضي الله عنه‏.‏

والمقصود‏:‏ أن معاوية وأهل الشام فرحوا فرحاً شديداً بموت الأشتر النخعي، ولما بلغ ذلك علياً تأسف على شجاعته وغنائه، وكتب إلى محمد بن أبي بكر باستقراره واستمراره بديار مصر، غير أنه ضعف جأشه مع ما كان فيه من الخلاف عليه من العثمانية الذين ببلد خربتا‏.‏

وقد كانوا استفحل أمرهم حين انصرف علي من صفين، وحين كان من أمر التحكيم ما كان، وحين نكل أهل العراق عن قتال أهل الشام، وقد كان أهل الشام حين انقضت الحكومة بدومة الجندل سلموا على معاوية بالخلافة وقوي أمرهم جداً‏.‏

فعند ذلك جمع معاوية أمراءه عمرو بن العاص، وشرحبيل بن السمط، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والضحاك بن قيس، وبسر بن أبي أرطاة، وأبا الأعور السلمي، وحمزة بن سنان الهمداني وغيرهم‏.‏

فاستشارهم في المسير إلى ديار مصر فاستجابوا له وقالوا‏:‏ سر حيث شئت فنحن معك، وعين معاوية نيابتها لعمرو بن العاص إذا فتحها ففرح بذلك عمرو بن العاص، ثم قال عمرو لمعاوية‏:‏ أرى أن تبعث إليهم رجالاً مع رجل مأمون عارف بالحرب، فإن بها جماعة ممن يوالي عثمان فيساعدونه على حرب من خالفهم‏.‏

فقال معاوية‏:‏ لكن أرى أن أبعث إلى شيعتنا ممن هنالك كتاباً يعلمهم بقدومهم عليهم، ونبعث إلى مخالفينا كتاباً ندعوهم فيه إلى الصلح‏.‏

وقال معاوية‏:‏ إنك يا عمرو رجل بورك لك في العجلة وإني امرؤ بورك لي في التؤدة‏.‏

فقال عمرو‏:‏ افعل ما أراك الله، فوالله ما أمرك وأمرهم إلا سيصير إلى الحرب العوان‏.‏

فكتب عند ذلك معاوية إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري، وإلى معاوية بن خديج السكوني - وهما‏:‏ رئيسا العثمانية ببلاد مصر ممن لم يبايع علياً ولم يأتمر بأمر نوابه بمصر في نحو من عشرة آلاف - يخبرهم بقدوم الجيش عليهم سريعاً، وبعث به مع مولى له يقال له‏:‏ سبيع‏.‏

فلما وصل الكتاب إلى مسلمة ومعاوية بن خديج فرحا به وردا جوابه بالاستبشار والمعاونة والمناصرة له ولمن يبعثه من الجيوش والجند والمدد إن شاء الله تعالى‏.‏

فعند ذلك جهز معاوية عمرو بن العاص في ستة آلاف، وخرج معاوية مودعاً وأوصاه بتقوى الله والرفق والمهل والتؤدة، وأن يقتل من قاتل ويعفو عمن أدبر، وأن يدعو الناس إلى الصلح والجماعة، فإذا أنت ظهرت فليكن أنصارك آثر الناس عندك‏.‏

فسار عمرو بن العاص إلى مصر، فلما قدمها اجتمعت عليه العثمانية فقادهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/348‏)‏

وكتب عمرو بن العاص إلى محمد بن أبي بكر‏:‏ أما بعد فتنح فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر، فإن الناس قد اجتمعوا بهذه البلاد على خلافك ورفض أمرك، وندموا على اتباعك، فهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان، فاخرج منها فإني لك لمن الناصحين والسلام‏.‏

وبعث إليه عمرو أيضاً بكتاب معاوية إليه‏:‏ أما بعد فإن غب البغي والظلم عظيم الوبال، وإن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا والتبعة الموبقة في الآخرة وإنا لا نعلم أحداً كان أشد خلافاً على عثمان منك حين تطعن بمشاقصك بين خششائه وأوداجه، ثم إنك تظن أني عنك نائم أو ناسٍ ذلك لك، حتى تأتي فتأمر على بلاد أنت بها جاري وجل أهلها أنصاري، وقد بعثت إليك بجيوش يتقربون إلى الله بجهادك ولن يسلمك الله من القصاص أينما كنت والسلام‏.‏

قال‏:‏ فطوى محمد بن أبي بكر الكتابين وبعث بهما إلى علي وأعلمه بقدوم عمرو إلى مصر في جيش من قبل معاوية، فإن كانت لك بأرض مصر حاجة فابعث إليّ بأموال ورجال والسلام‏.‏

فكتب إليه يأمره بالصبر وبمجاهدة العدو، وأنه سيبعث إليه الرجال والأموال، ويمده بما أمكنه من الجيوش‏.‏

وكتب محمد بن أبي بكر كتاباً إلى معاوية في جواب ما قال وفيه غلظة، وكذلك كتب إلى عمرو بن العاص وفيه كلام غليظ، وقام محمد بن أبي بكر في الناس فخطبهم وحثهم على الجهاد ومناجزة من قصدهم من أهل الشام، وتقدم عمرو بن العاص إلى مصر في جيوشه، ومن لحق به من العثمانية المصريين، والجميع في قريب من ستة عشر ألفاً‏.‏

وركب محمد بن أبي بكر في ألفي فارس الذين انتدبوا معه من المصريين، وقدم على جيشه بين يديه كنانة بن بشر فجعل لا يلقاه أحد من الشاميين إلا قاتلهم حتى يلحقهم مغلوبين إلى عمرو بن العاص‏.‏

فبعث عمرو بن العاص إليه معاوية بن خديج فجاءه من ورائه وأقبل إليه الشاميون حتى أحاطوا به من كل جانب، فترجل عند ذلك كنانة وهو يتلو‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً‏}‏ الآية ‏[‏آل عمران‏:‏ 145‏]‏‏.‏

ثم قاتل حتى قتل وتفرق أصحاب محمد بن أبي بكر عنه ورجع يمشي فرأى خربة فآوى إليها ودخل عمرو بن العاص فسطاط مصر وذهب معاوية بن خديج في طلب محمد بن أبي بكر فمر بعلوج في الطريق فقال لهم‏:‏ هل مر بكم أحد تستنكرونه‏؟‏

قالوا‏:‏ لا ‏!‏‏.‏

فقال رجل منهم‏:‏ إني رأيت رجلاً جالساً في هذه الخربة‏.‏

فقال‏:‏ هو هو ورب الكعبة‏:‏ فدخلوا عليه فاستخرجوه منها - وقد كاد يموت عطشاً - فانطلق أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص - وكان قد قدم معه إلى مصر - فقال‏:‏ أيقتل أخي صبراً ‏؟‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/349‏)‏

فبعث عمرو بن العاص إلى معاوية بن خديج أن يأتيه بمحمد بن أبي بكر ولا يقتله‏.‏

فقال معاوية‏:‏ كلا والله، أيقتلون كنانة بن بشر وأترك محمد بن أبي بكر، وقد كان ممن قتل عثمان وقد سألهم عثمان الماء، وقد سألهم محمد بن أبي بكر أن يسقوه شربة من الماء‏.‏

فقال معاوية‏:‏ لا سقاني الله إن سقيتك قطرة من الماء أبداً، إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائماً محرماً فتلقاه الله بالرحيق المختوم‏.‏

وقد ذكر ابن جرير وغيره‏:‏ أن محمد بن أبي بكر نال من معاوية بن خديج هذا ومن عمرو بن العاص، ومن معاوية، ومن عثمان بن عفان أيضاً، فعند ذلك غضب معاوية بن خديج فقدمه فقتله ثم جعله في جيفة حمار فأحرقه بالنار‏.‏

فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعاً شديداً وضمت عياله إليها، وكان فيهم ابنه القاسم وجعلت تدعو على معاوية وعمرو بن العاص دبر الصلوات‏.‏

وذكر الواقدي أن عمرو بن العاص قدم مصر في أربعة آلاف فيهم أبو الأعور السلمي فالتقوا مع المصريين بالمسناة فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى قتل كنانة بن بشر بن عتاب التجيببي، فهرب عند ذلك محمد بن أبي بكر فاختبأ عند رجل يقال له‏:‏ جبلة بن مسروق، فدل عليه فجاء معاوية بن خديج وأصحابه فأحاطوا به فخرج إليهم محمد بن أبي بكر فقاتل حتى قتل‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وكان ذلك في صفر من هذه السنة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ ولما قتل محمد بن أبي بكر بعث علي الأشتر النخعي إلى مصر فمات في الطريق فالله أعلم‏.‏

قال‏:‏ وكانت أذرح في شعبان في هذه السنة أيضاً، وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية يخبره بما كان من الأمر وأن الله قد فتح عليه بلاد مصر ورجعوا إلى السمع والطاعة واجتماع الجماعة، وبما عهد لهم من الأمر‏.‏

وقد زعم هشام بن محمد الكلبي أن محمد بن أبي حذيفة بن عتبة مسك بعد مقتل محمد بن أبي بكر - وكان من جملة المحرضين على قتل عثمان - فبعثه عمرو بن العاص إلى معاوية ولم يبادر إلى قتله لأنه ابن خال معاوية، فحبسه معاوية بفلسطين فهرب من السجن، فلحقه رجل يقال له عبد الله بن عمر بن ظلام بأرض البلقاء‏.‏

فاختفى محمد بغار فجاءت حمر وحش لتأوي إليه فلما رأته فيه نفرت فتعجب من نفرها جماعة من الحصادين هنالك، فذهبوا إلى الغار فوجدوه فيه، فجاء أولئك إليه فخشي عبد الله بن عمرو بن ظلام أن يرده إلى معاوية فيعفو عنه، فضرب عنقه، هكذا ذكر ذلك ابن الكلبي‏.‏

وقد ذكر الواقدي وغيره أن محمد بن أبي حذيفة قتل في سنة ست وثلاثين كما قدمنا‏.‏ فالله أعلم‏.‏

وقال إبراهيم بن الحسين بن ديزيل في كتابه‏:‏ ثنا عبد الله بن صالح، حدثني ابن لهيعة، عن يزيد ابن أبي حبيب أن عمرو بن العاص استحل مال قبطي من قبط مصر لأنه استقر عنده أنه كان يظهر الروم على عورات المسلمين - يكتب إليهم بذلك - فاستخرج منه بضعاً وخمسين أردباً دنانير‏.‏

قال أبو صالح‏:‏ والأردب ست ويبات الويبة مثل القفيز واعتبرنا الويبة فوجدناها تسعاً وثلاثين ألف دينار‏.‏

قلت‏:‏ فعلى هذا يكون يبلغ ما كان أخذ من القبطي ما يقارب ثلاثة عشر ألف ألف دينار‏.‏

قال أبو مخنف بإسناده‏:‏ ولما بلغ علي بن أبي طالب مقتل محمد بن أبي بكر وما كان بمصر من الأمر، وتملك عمرو لها، واجتماع الناس عليه وعلى معاوية قام في الناس خطيباً فحثهم على الجهاد والصبر والمسير إلى أعدائهم من الشاميين والمصريين، وواعدهم الجرعة بين الكوفة والحيرة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/350‏)‏

فلما كان الغد خرج يمشي إليها حتى نزلها فلم يخرج إليه أحد من الجيش، فلما كان العشي بعث إلى أشراف الناس فدخلوا عليه وهو حزين كئيب فقام فيهم خطيباً فقال‏:‏ الحمد لله على ما قضى من أمر وقدر من فعل وابتلاني بكم و بمن لا يطيع إذا أمرتُ، ولا يجيب إذا دعوتُ، أو ليس عجباً أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه بغير عطاء ولا معونة، ويجيبونه في السنة مرتين والثلاث إلى أي وجه شاء‏؟‏

وأنا أدعوكم وأنتم أولو النهي وبقية الناس على المعونة وطائفة من العطاء فتفرقون عني وتعصونني وتختلفون عليّ‏؟‏

فقام إليه مالك بن كعب الأوسي فندب الناس إلى امتثال أمر علي والسمع والطاعة فانتدب ألفان فأمر عليهم مالك بن كعب هذا فسار بهم خمساً، ثم قدم على علي جماعة ممن كان مع محمد بن أبي بكر بمصر فأخبروه كيف وقع الأمر وكيف قتل محمد بن أبي بكر وكيف استقر أمر عمرو بها‏.‏

فبعث إلى مالك بن كعب فرده من الطريق - وذلك أنه خشي عليهم من أهل الشام قبل وصولهم إلى مصر واستقر أمر العراقيين على مخالفة علي فيما يأمرهم به وينهاهم عنه، والخروج عليه والبعد عن أحكامه وأقواله وأفعاله، لجهلهم وقلة عقلهم وجفائهم وغلظتهم وفجور كثير منهم‏.‏

فكتب علي عند ذلك إلى ابن عباس - وهو نائبه على البصرة - يشكو إليه ما يلقاه من الناس من المخالفة والمعاندة، فرد عليه ابن عباس يسليه في ذلك، ويعزيه في محمد بن أبي بكر ويحثه على تلافي الناس والصبر على مسيئهم، فإن ثواب الله خير من الدنيا‏.‏

ثم ركب ابن عباس من البصرة إلى علي وهو بالكوفة واستخلف ابن عباس على البصرة زياداً‏.‏

وفي هذا الحين بعث معاوية بن أبي سفيان كتاباً مع عبد الله بن عمرو الحضرمي إلى أهل البصرة يدعوهم إلى الإقرار بما حكم له عمرو بن العاص‏.‏

فلما قدمها نزل على بني تميم فأجاروه فنهض إليه زياد وبعث إليه أعين بن ضبيعة في جماعة من الناس فساروا إليهم فاقتتلوا فقتل أعين بن ضبيعة، فكتب زياد إلى علي يعلمه بما وقع بالبصرة بعد خروج ابن عباس منها‏.‏

فبعث عند ذلك علي جارية بن قدامة التميمي في خمسين رجلاً إلى قومه بني تميم، وكتب معه كتاباً إليهم فرجع أكثرهم عن ابن الحضرمي وقصده جارية فحصره في دار هو وجماعة معه‏.‏

قيل‏:‏ كان عددهم أربعين، وقيل‏:‏ سبعين، فحرقهم بالنار بعد أن أعذر إليهم وأنذرهم فلم يقبلوا ولم يرجعوا عما جاؤوا له‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/351‏)‏

 فصل قتال علي رضي الله عنه لأهل النهروان سنة ثمان وثلاثين‏.‏

وقد صحح ابن جرير أن قتال علي لأهل النهروان كان في هذه السنة، وكذلك خروج الحريث بن راشد الناجي كان في هذه السنة أيضاً‏.‏

وكان مع الحريث ثلاثمائة رجل من قومه بني ناجية - وكان مع علي بالكوفة - فجاء إلى علي فقام بين يديه وقال‏:‏ والله يا علي لا أطيع أمرك ولا أصلي خلفك، إني لك غداً لمفارق‏.‏

فقال له علي‏:‏ ثكلتك أمك إذاً تعصي ربك وتنقض عهدك ولا تضر إلا نفسك، ولم تفعل ذلك‏؟‏

قال‏:‏ لأنك حكمت في الكتاب وضعفت عن قيام الحق إذ جد الجد، وركنت إلى القوم الظالمين، فأنا عليك زاري وعليك ناقم، وإنا لكم جميعاً مباينون‏.‏

ثم رجع إلى أصحابه فسار بهم نحو بلاد البصرة فبعث إليهم معقل بن قيس ثم أردفه بخالد بن معدان الطائي - وكان من أهل الصلاح والدين والبأس والنجدة - وأمره أن يسمع له ويطيع‏.‏

فلما اجتمعوا صاروا جيشاً واحداً، ثم خرجوا في آثار الحريث وأصحابه فلحقوهم - وقد أخذوا في جبال رامهرمز -‏.‏

قال‏:‏ فصففنا لهم ثم أقبلنا إليهم فجعل معقل على ميمنته يزيد بن معقل، وعلى ميسرته منجاب بن راشد الضبي، ووقف الحريث فيمن معه من العرب فكانوا ميمنة، وجعل من اتبعه من الأكراد والعلوج ميسرة‏.‏

قال‏:‏ وسار فينا معقل بن قيس فقال‏:‏ عباد الله‏!‏ لا تبدؤا القوم وغضوا أبصاركم، وأقلوا الكلام، ووطنوا أنفسكم على الطعن والضرب، وأبشروا في قتالكم بالأجرة إنما تقاتلون مارقة مرقت من الدين، وعلوجاً كسروا الخراج، ولصوصاً وأكراداً، فإذا حملت فشدوا شدة رجل واحد‏.‏

ثم تقدم فحرك دابته تحريكتين ثم حمل عليهم في الثالثة وحملنا معه جميعنا، فوالله ما صبروا لنا ساعة واحدة حتى ولوا منهزمين، وقتلنا من العلوج والأكراد نحواً من ثلثمائة، وفر الحريث منهزماً حتى لحق بأساف - وبها جماعة من قومه كثيرة - فاتبعوه فقتلوه مع جماعة من أصحابه بسيف البحر، قتله النعمان بن صهبان، وقتل معه في المعركة مائة وسبعون رجلاً‏.‏

ثم ذكر ابن جرير وقعات كثيرة كانت بين أصحاب علي والخوارج فيها أيضاً‏.‏

ثم قال‏:‏ حدثني عمر بن شيبة ثنا أبو الحسن - يعني‏:‏ المدائني - علي بن محمد بن علي بن مجاهد قال‏:‏

قال الشعبي‏:‏ لما قتل علي أهل النهر خالفه قوم كثير، وانتقضت أطرافه وخالفه بنو ناجية، وقدم ابن الحضرمي إلى البصرة، وانتقض أهل الجبال، وطمع أهل الخراج في كسره وأخرجوا سهل بن حُنيف من فارس - وكان عاملاً عليها - فأشار عليه ابن عباس بزياد بن أبيه أن يوليه إياها فولاه إياها فسار إليها في السنة الآتية في جمع كثير، فوطئهم حتى أدوا الخراج‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/352‏)‏

قال ابن جرير وغيره‏:‏ وحج بالناس في هذه السنة قثم بن العباس، نائب علي على مكة، وأخوه عبيد الله بن عباس نائب اليمن، وأخوهما عبد الله نائب البصرة، وأخوهم تمام بن عباس نائب المدينة، وعلى خراسان خالد بن قرة اليربوعي‏.‏

وقيل‏:‏ ابن أبزي، وأما مصر فقد استقرت بيد معاوية فاستناب عليها عمرو بن العاص‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان‏:‏

سهل بن حُنيف

ابن واهب بن العليم بن ثعلبة الأنصاري الأوسي، شهد بدراً، وثبت يوم أُحُد، وحضر بقية المشاهد، وكان صاحباً لعلي بن أبي طالب، وقد شهد معه مشاهده كلها أيضاً غير الجمل فإنه كان قد استخلفه على المدينة، ومات سهل بن حُنيف في سنة ثمان وثلاثين بالكوفة، وصلى عليه علي فكبر خمساً وقيل‏:‏ ستاً‏.‏

وقال‏:‏ إنه من أهل بدر رضي الله عنه‏.‏

صنوان بن بيضاء أخو سهيل بن بيضاء

شهد المشاهد كلها وتوفي في هذه السنة في رمضانها وليس له عقب‏.‏

صهيب بن سنان بن مالك

الرومي وأصله من اليمن أبو يحيى بن قاسط، وكان أبوه أو عمه عاملاً لكسرى على الأيلة، وكانت منازلهم على دجلة عند الموصل‏.‏

وقيل‏:‏ على الفرات، فأغارت على بلادهم الروم فأسرته وهو صغير، فأقام عندهم حيناً ثم اشترته بنو كلب فحملوه إلى مكة فابتاعه عبد الله بن جدعان فأعتقه وأقام بمكة حيناً‏.‏

فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن به، وكان ممن أسلم قديماً هو وعمار في يوم واحد بعد بضعة وثلاثين رجلاً، وكان من المستضعفين الذين يعذبون في الله عز وجل‏.‏

ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر صهيب بعده بأيام فلحقه قوم من المشركين يريدون أن يصدوه عن الهجرة‏.‏

فلما أحس بهم نثل كنانته فوضعها بين يديه وقال‏:‏ والله لقد علمتم أني مِنْ أرماكم، ووالله لا تصلون إليّ حتى أقتل بكل سهم من هذه رجلاً منكم، ثم أقاتلكم بسيفي حتى أقتل‏.‏

وإن كنتم تريدون المال فأنا أدلكم على مالي هو مدفون في مكان كذا وكذا، فانصرفوا عنه فأخذوا ماله‏.‏

فلما قدم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ربح البيع أبا يحيى‏)‏‏)‏، وأنزل الله‏:‏ ‏(‏‏(‏ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/353‏)‏

وشهد بدراً وأُحداً وما بعدهما، ولما جعل عمر الأمر شورى كان هو الذي يصلي بالناس حتى تعين عثمان، وهو الذي وليّ الصلاة على عمر - وكان له صاحباً - وكان أحمر شديد الحمرة ليس بالطويل ولا بالقصير، أقرن الحاجبين، كثير الشعر، وكان لسانه فيه عجمة شديدة‏.‏

وكان مع فضله ودينه فيه دعابة وفكاهة وانشراح، رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه يأكل بقثاء رطباً وهو أرمد إحدى العينين‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أتأكل رطباً وأنت أرمد ‏؟‏‏)‏‏)‏

فقال‏:‏ إنما آكل من ناحية عيني الصحيحة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكانت وفاته بالمدينة سنة ثمان وثلاثين، وقيل‏:‏ سنة تسع وثلاثين، وقد نيف على السبعين‏.‏

محمد بن أبي بكر الصدّيق

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع تحت الشجرة عند الحرم وأمه أسماء بنت عميس، ولما احتضر الصديق أوصى أن تغسله فغسلته، ثم لما انقضت عدتها تزوجها علي فنشأ في حجره‏.‏

فلما صارت إليه الخلافة استنابه على بلاد مصر بعد قيس بن سعد بن عُبادة كما قدمنا‏.‏

فلما كانت هذه السنة بعث معاوية عمر بن العاص فاستلب منه بلاد مصر وقتل محمد بن أبي بكركما تقدم، وله من العمر دون الثلاثين، رحمه الله ورضي الله عنه‏.‏

أسماء بنت عميس

ابن معبد بن الحارث الخثعمية، أسلمت بمكة وهاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة وقدمت معه إلى خيبر، ولها منه عبد الله، ومحمد، وعون‏.‏

ولما قتل جعفر بمؤتة تزوجها بعده أبو بكر الصديق فولدت منه محمد بن أبي بكر أمير مصر، ثم لما مات الصديق تزوجها بعده علي بن أبي طالب فولدت له يحيى وعوناً، وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها‏.‏

وكذلك هي أخت أم الفضل امرأة العباس لأمها، وكان لها من الأخوات لأمها تسع أخوات، وهي أخت سلمى بنت عميس امرأة العباس التي له منها بنت اسمها عمارة‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وثلاثين

فيها‏:‏ جهز معاوية بن أبي سفيان جيوشاً كثيرة ففرقها في أطراف معاملات علي بن أبي طالب، وذلك أن معاوية رأى بعد أن ولاه عمرو بن العاص بعد اتفاقه مع أبي موسى على عزل علي، أن ولايته وقعت الموقع، فهو الذي يجب طاعته فيما يعتقده، ولأن جيوش علي من أهل العراق لا تطيعه في كثير من الأمر ولا يأتمرون بأمره‏.‏

فلا يحصل بمباشرته المقصود من الإمارة والحالة هذه، فهو يزعم أنه أولى منه إذ كان الأمر كذلك‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/354‏)‏

وكان ممن بعث في هذه السنة النعمان بن بشير في ألفي فارس إلى عين التمر، وعليها مالك بن كعب الأرحبي في ألف فارس مسلحة لعلي، فلما سمعوا بقدوم الشاميين أرفضوا عنه فلم يبق مع مالك بن كعب إلا مائة رجل‏.‏

فكتب عند ذلك إلى علي يعلمه بما كان من الأمر، فندب علي الناس إلى مالك بن كعب فتثاقلوا ونكلوا عنه ولم يجيبوا إلى الخروج، فخطبهم علي عند ذلك فقال في خطبته‏:‏

يا أهل الكوفة‏!‏ كلما سمعتم بمنسرٍ من مناسر أهل الشام انجحر كل منكم في بيته، وغلق عليه بابه، انجحار الضـب في جحره، والضبع في وجاره، المغرورُ والله من غررتموه، ولمن فارقكم فاز بالسهم الأصيب، لا أحرار عند النداء، ولا إخوان ثقةٍ عند النجاة، إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا منيتُ به منكم، عميُّ لا تبصرون، وبكْم لا تنطقون، وصمُّ لا تسمعون، إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

ودهمهم النعمان بن بشير فاقتتلوا قتالاً شديداً، وليس مع مالك بن كعب إلا مائة رجل قد كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا، فبينا هم كذلك إذ جاءهم نجدة من جهة مخنف بن سليم مع ابنه عبد الرحمن بن مخنف في خمسين رجلاً، فلما رآهم الشاميون ظنوا أنهم مدد عظيم ففروا هراباً، فاتبعهم مالك بن كعب فقتل منهم ثلاثة أنفس وذهب الباقون على وجوههم ولم يتم لهم أمر من هذا الوجه‏.‏

وفيها‏:‏ بعث معاوية سفيان بن عوف في ستة آلاف وأمره بأن يأتي هيت فيغير عليها، ثم يأتي الأنبار والمدائن، فسار حتى انتهى إلى هيت فلم يجد بها أحداً، ثم إلى الأنبار وفيها مسلحة لعلي نحو من خمسمائة، فتفرقوا ولم يبق منهم إلا مائة رجل‏.‏

فقاتلوا مع قلتهم وصبروا حتى قتل أميرهم - وهو أشرس بن حسان البلوي - في ثلاثين رجلاً من أصحابه، واحتملوا ما كان بالأنبار من الأموال وكروا راجعين إلى الشام‏.‏

فلما بلغ الخبر علياً رضي الله عنه ركب بنفسه فنزل بالنخيلة فقال له الناس‏:‏ نحن نكفيك ذلك يا أمير المؤمنين‏.‏

فقال‏:‏ والله ما تكفونني ولا أنفسكم‏.‏ وسرح سعد بن قيس في أثر القوم فسار وراءهم حتى بلغ هيت فلم يلحقهم فرجع‏.‏

وفيها‏:‏ بعث معاوية عبد الله بن مسعدة الفزاري في ألف وسبعمائة إلى تيماء وأمره أن يصدق أهل البوادي ومن امتنع من إعطائه فليقتله ثم يأتي المدينة ومكة والحجاز‏.‏

فسار إلى تيماء واجتمع عليه بشر كثير، فلما بلغ علياً بعث المسيب بن نجيبة الفزاري في ألفي رجل فالتقوا بتيماء فاقتتلوا قتالاً شديداً عند زوال الشمس‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/355‏)‏

وحمل المسيب بن نجية على ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات وهو لا يريد قتله بل يقول له‏:‏ النجا النجا، فانحاز ابن مسعدة في طائفة من قومه إلى حصن هناك فتحصنوا به وهرب بقيتهم إلى الشام، وانتهبت الأعراب ما كان جمعه ابن نجية من إبل الصدقة، وحاصرهم المسيب بن نجية ثلاثة أيام ثم ألقى الحطب على الباب وألهب فيه النار‏.‏

فلما أحسوا بالهلاك أشرفوا من الحصن، ومتوا إليه بأنهم من قومه فَرَقَ لهم وأطفأ النار، فلما كان الليل فتح باب الحصن وخرجوا هراباً إلى الشام، فقال عبد الرحمن بن شبيب للمسيب بن نجية‏:‏ سر حتى ألحقهم‏!‏

فقال‏:‏ لا‏!‏

فقال‏:‏ غششت أمير المؤمنين داهنت في أمرهم‏.‏

وفيها‏:‏ وجَّه معاوية الضحاك بن قيس في ثلاثة آلاف وأمره أن يغير على أطراف جيش علي، فجهز علي حجر بن عدي في أربعة آلاف، وأنفق فيهم خمسين درهماً خمسين درهماً، فالتقوا بتدمر فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلاً، ومن أصحاب حجر بن عدي رجلان، وغشيهم الليل فتفرقوا، واستمر الضحاك بأصحابه فاراً إلى الشام‏.‏

وفيها‏:‏ سار معاوية بنفسه في جيش كثيف حتى بلغ دجلة ثم كر راجعاً‏.‏

ذكره محمد بن سعد عن الواقدي بإسناده وأبو معشر أيضاً‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ولى علي بن أبي طالب زياد بن أبيه على أرض فارس، وكانوا قد منعوا الخراج والطاعة،‏.‏

وسبب ذلك حين قتل ابن الحضرمي وأصحابه بالنار حين حرقهم جارية بن قدامة في تلك الدار كما قدمنا، فلما اشتهر هذا الصنيع في البلاد تشوش قلوب كثير من الناس على علي، واختلفوا على علي، ومنع أكثر أهل تلك النواحي خراجهم، ولا سيما أهل فارس فإنهم تمردوا وأخرجوا عاملهم سهل بن حُنيف - كما تقدم في العام الماضي - من بين أظهرهم‏.‏

فاستشار علي الناس فيمن يوليه عليهم، فأشار ابن عباس وجارية بن قدامة أن يولي عليهم زياد بن أبيه، فإنه صليب الرأي، عالم بالسياسة‏.‏

فقال علي‏:‏ هو لها، فولاه فارس وكرمان وجهزه إليهما في أربعة آلاف فارس، فسار إليها في هذه السنة فدوخ أهلها وقهرهم حتى استقاموا وأدوا الخراج وما كان عليهم من الحقوق، ورجعوا إلى السمع والطاعة، وسار فيهم بالمعدلة والأمانة، حتى كان أهل تلك البلاد يقولون‏:‏

ما رأينا سيرة أشبه بسيرة كسرى أنوشروان من سيرة هذا العربي في اللين والمداراة والعلم بما يأتي، وصفت له تلك البلاد بعدله وعلمه وصرامته، واتخذ للمال قلعة حصينة، فكانت تعرفه بقلعة زياد، ثم لما تحصن فيها منصور اليشكري فيما بعد ذلك عرفت به فكان يقال لها‏:‏ قلعة منصور‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وفي هذه السنة بعث علي بن أبي طالب عبد الله بن عباس على الموسم وبعث معاوية يزيد بن سخبرة الرهاوي ليقيم للناس الحج، فلما اجتمعا بمكة تنازعا وأبى كل واحد منهما أن يسلم لصاحبه فاصطلحا على شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الحجبي فحج بالناس وصلى بهم في أيام الموسم‏.‏

قال أبو الحسن المدائني‏:‏ لم يشهد عبد الله بن عباس الموسم في أيام علي حتى قتل، والذي نازعه يزيد بن سخبرة إنما هو قثم بن العباس حتى اصطلحا على شيبة بن عثمان‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/356‏)‏

قال ابن جرير‏:‏ وكما قال أبو الحسن المدائني قال أبو مصعب‏:‏ قال ابن جرير‏:‏ وأما عمال علي على الأمصار فهم الذين ذكرنا في السنة الماضية غير أن ابن عباس كان قد سار من البصرة إلى الكوفة واستخلف على البصرة زياد بن أبيه ثم سار زياد في هذه السنة إلى فارس وكرمان كما ذكرنا‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان‏:‏ سعد القرظي

مؤذن مسجد قبا، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وَليَّ عمر الخلافة ولاه أذان المسجد النبوي وكان أصله مولى لعمار بن ياسر، وهو الذي كان يحمل العنزة بين يدي أبي بكر وعمر وعلي إلى المصلى يوم العيد وبقي الأذان في ذريته مدة طويلة‏.‏

عقبة بن عمرو بن ثعلبة

أبو مسعود البدري سكن ماء بدر ولم يشهد الوقعة بها على الصحيح، وقد شهد العقبة، وهو من سادات الصحابة وكان ينوب لعلي بالكوفة إذا خرج لصفين وغيرها‏.‏

 سنة أربعين من الهجرة

قال ابن جرير‏:‏ فممَّا كان في هذه السنة من الأمور الجليلة توجيه معاوية بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز، فذكر عن زياد بن عبد الله البكائي عن عوانة قال‏:‏

أرسل معاوية بعد تحكيم الحكمين بسر بن أبي أرطاة -هو رجل من بني عامر بن لؤي - في جيش فساروا من الشام حتى قدموا المدينة - وعامل علي عليها يومئذ أبو أيوب - ففر منهم أبو أيوب فأتى علياً بالكوفة، ودخل بسر المدينة ولم يقاتله أحد، فصعد منبرها فنادى على المنبر‏:‏ يا دينار، ويا نجار، ويا رزيق شيخي شيخي عهدي به ها هنا بالأمس فأين هو‏؟‏ - يعني‏:‏ عثمان بن عفان - ثم قال‏:‏

يا أهل المدينة والله لولا ما عهد إليَّ معاوية ما تركتُ بها محتلماً إلا قتلته، ثم بايع أهل المدينة وأرسل إلى بني سلمة فقال‏:‏ والله مالكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله - يعني حتى يبايعه -‏.‏

فانطلق جابر إلى أم سلمة فقال لها‏:‏ ماذا ترين إني خشيت أن أقتل وهذه بيعة ضلالة‏؟‏

فقالت‏:‏ أرى أن تبايع فإني قد أمرت ابني عمر وختني عبد الله بن زمعة - وهو زوج ابنتها زينب - أن يبايعا فأتاه جابر فبايعه‏.‏

قال‏:‏ وهدم بسر دوراً بالمدينة ثم مضى حتى أتى مكة فخافه أبو موسى الأشعري أن يقتله فقال له بسر‏:‏ ما كنت لأفعل بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فخلى عنه‏.‏

وكتب أبو موسى قبل ذلك إلى أهل اليمن أن خيلاً مبعوثة من عند معاوية تقتل من أبى أن يقر بالحكومة، ثم مضى بسر إلى اليمن وعليها عبيد الله بن عباس ففر إلى الكوفة حتى لحق بعلي، واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد الله بن المدان الحاوي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/357‏)‏

فلما دخل بسر اليمن قتله وقتل ابنه، ولقي بسر ثقل عبيد الله ابن عباس وفيه ابنان صغيران له فقتلهما وهما‏:‏ عبد الرحمن، وقثم‏.‏

ويقال‏:‏ إن بسراً قتل خلقاً من شيعة علي في مسيره هذا، وهذا الخبر مشهور عند أصحاب المغازي والسير، وفي صحته عندي نظر والله تعالى أعلم‏.‏

ولما بلغ علياً خبر بسر وجه جارية بن قدامة في ألفين، ووهب بن مسعود في ألفين، فسار جارية حتى بلغ نجران فخرق بها وقتل ناساً من شيعة عثمان، وهرب بسر وأصحابه فاتبعهم حتى بلغ مكة، فقال لهم جارية‏:‏ بايعوا فقالوا‏:‏ لمن نبايع وقد هلك أمير المؤمنين فلمن نبايع‏؟‏

فقال‏:‏ بايعوا لمن بايع له أصحاب علي، فتثاقلوا ثم بايعوا من خوف‏.‏

ثم سار حتى أتى المدينة وأبو هريرة يصلي بهم فهرب منه فقال جارية‏:‏ والله لو أخذت أبا سنور لضربت عنقه، ثم قال لأهل المدينة‏:‏ بايعوا للحسن بن علي، فبايعوا وأقام عندهم ثم خرج منصرفاً إلى الكوفة، وعاد أبو هريرة يصلي بهم‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وفي هذه السنة جرت بين علي ومعاوية المهادنة بعد مكاتبات يطول ذكرها على وضع الحرب بينهما، وأن يكون ملك العراق لعلي، ولمعاوية الشام، ولا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزوة‏.‏

ثم ذكر عن زياد عن ابن إسحاق ما هذا مضمونه أن معاوية كتب إلى علي‏:‏ أما بعد فإن الأمة قد قتل بعضها بعضاً - يعني‏:‏ فلك العراق ولي الشام - فأقر بذلك علي رضي الله عنه‏.‏

وأمسك كل واحد منهما عن قتال الآخر، وبعث الجيوش إلى بلاده، واستقر الأمر على ذلك‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وفي هذه السنة خرج ابن عباس من البصرة إلى مكة وترك العمل في قول عامة أهل السير، وقد أنكر ذلك بعضهم وزعم أنه لم يزل عاملاً على البصرة حتى صالح علي معاوية، وأنه كان شاهداً للصلح، ممن نص على ذلك أبو عبيدة كما سيأتي‏.‏

ثم ذكر ابن جرير سبب خروج ابن عباس عن البصرة وذلك أنه كلم أبا الأسود الدؤلي القاضي بكلام فيه غض من أبي الأسود فكتب أبو الأسود إلى علي يشكو إليه ابن عباس وينال من عرضه فإنه تناول شيئاً من أموال بيت المال‏.‏

فبعث علي إلى ابن عباس فعاتبه في ذلك وحرر عليه التبعة فغضب ابن عباس من ذلك وكتب إلى علي‏:‏ ابعث إلى عملك من أحببت فإني ظاعن عنه والسلام‏.‏

ثم سار ابن عباس إلى مكة مع أخواله بني هلال وتبعهم قيس كلها، وقد أخذ شيئاً من بيت المال مما كان اجتمع له من العمالة والفيء، ولما سار تبعه أقوام أخر فلحقهم بنو غنم وأرادوا منعهم من المسير فكان بينهم قتال، ثم تحاجزوا ودخل ابن عباس مكة‏.‏

 ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وما ورد من الأحاديث النبوية من الأخبار بمقتله وكيفيته‏:‏

كان أمير المؤمنين رضي الله عنه قد تنغصت عليه الأمور، واضطرب عليه جيشه، وخالفه أهل العراق، ونكلوا عن القيام معه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/358‏)‏

واستفحل أمر أهل الشام، وصالوا وجالوا يميناً وشمالاً، زاعمين أن الإمرة لمعاوية بمقتضى حكم الحكمين في خلعهما علياً وتولية عمرو بن العاص معاوية عند خلو الإمرة عن أحد، وقد كان أهل الشام بعد التحكيم يسمون معاوية الأمير‏.‏

وكلما ازداد أهل الشام قوة ضعف جأش أهل العراق، هذا وأميرهم علي بن أبي طالب خير أهل الأرض في ذلك الزمان، أعبدهم وأزهدهم، وأعلمهم وأخشاهم لله عز وجل، ومع هذا كله خذلوه وتخلوا عنه حتى كره الحياة وتمنى الموت، وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن، فكان يكثر أن يقول‏:‏ ما يحبس أشقاها، أي ما ينتظر‏؟‏ ماله لا يقتل‏؟‏ ثم يقول‏:‏ والله لتخضبن هذه ويشير إلى لحيته من هذه ويشير إلى هامته‏.‏

كما قال البيهقي‏:‏ عن الحاكم، عن الأصم، عن محمد بن إسحاق الصنعاني، ثنا أبو الحراب الأحوص بن جواب، ثنا عمار بن زريق، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد قال‏:‏

قال علي‏:‏ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه للحيته من رأسه فما يحبس أشقاها‏؟‏

فقال عبد الله بن سبع‏:‏ والله يا أمير المؤمنين لو أن رجلاً فعل ذلك لأبدنا عترته‏.‏

فقال‏:‏ أنشدكم بالله أن يقتل بي غير قاتلي‏.‏

فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين ألا تستخلف‏؟‏

فقال‏:‏ لا ولكن أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قالوا‏:‏ فما تقول لربك إذا لقيته وقد تركتنا هملاً‏؟‏‏.‏

أقول‏:‏ اللهم استخلفتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني وتركتك فيهم فإن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم‏.‏

طريق أخرى

قال أبو داود الطيالسي في ‏(‏مسنده‏)‏‏:‏ ثنا شريك عن عثمان بن المغيرة عن زيد بن وهب‏.‏

قال‏:‏ جاءت الخوارج إلى علي فقالوا له‏:‏ اتق الله فإنك ميت‏.‏

قال‏:‏ لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ولكن مقتول من ضربةٍ على هذه تخضب هذه - وأشار بيده إلى لحيته - عهد معهود وقضى مقضي، وقد خاب من افترى‏.‏

طريق أخرى عنه

قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ ثنا سويد بن سعيد، ثنا رشدين بن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة، عن عثمان بن صهيب، عن أبيه قال‏:‏

قال علي‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من أشقى الأولين ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ عاقر الناقة‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏صدقت فمن أشقى الآخرين ‏؟‏‏)‏‏)‏

قلت‏:‏ لا علم لي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الذي يضربك على هذه - وأشار بيده - على يافوخه فيخضب هذه من هذه‏)‏‏)‏ يعني لحيته من دم رأسه قال‏:‏ فكان يقول‏:‏ وددت أنه قد انبعث أشقاكم‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/359‏)‏

طريق أخرى عن علي

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن سبع قال‏:‏ سمعت علياً يقول‏:‏ لتخضبن هذه من هذه فما ينتظر بي إلا شقي‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، أخبرنا نبد عترته‏.‏

قال‏:‏ إذاً تقتلون بي غير قاتلي‏.‏

قالوا‏:‏ فما تقول لربك إذا أتيته ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ أقول‏:‏ اللهم تركتني فيهم ما بدا لك ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، إن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أسود بن عامر، ثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن عبد الله بن سبعٍ قال‏:‏ خطبنا علي فقال‏:‏ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه‏.‏

قال‏:‏ فقال الناس‏:‏ فأعلمنا من هو والله لنبيدنه أو لنبيدن عترته‏.‏

قال‏:‏ أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي‏.‏

قالوا‏:‏ إن كنت علمت ذلك فاستخلف‏.‏

قال‏:‏ لا، ولكن أكلكم إلى ما وكلكم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏

طريق أخرى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا هشم بن القاسم، ثنا محمد - يعني‏:‏ ابن راشد - عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري - وكان أبو فضالة من أهل بدر -، وقال‏:‏

خرجت مع أبي عائداً لعلي بن أبي طالب من مرض أصابه ثقل منه‏.‏

قال فقال له أبي‏:‏ ما يقيمك بمنزلك هذا لو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة‏؟‏ تحمل إلى المدينة فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك‏.‏

فقال علي‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن لا أموت حتى أؤمر ثم تخضب هذه - يعني لحيته - من دم هذه - يعني هامته -‏.‏

قال‏:‏ فقتل أبو فضالة يوم صفين، تفرد به أحمد أيضاً‏.‏

وقد رواه البيهقي في ‏(‏الدلائل‏)‏ عن الحاكم، عن الأصم، عن الحسن بن مكرم، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/360‏)‏

طريق أخرى عنه

قال الحافظ أبو بكر البزار في ‏(‏مسنده‏)‏‏:‏ حدثنا أحمد بن أبان القرشي، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا كوفي يقال له‏:‏ عبد الملك بن أعين، عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال‏:‏ سمعت علي بن أبي طالب يقول‏:‏

قال لي عبد الله بن سلام وقد وضعت رجلي في غرز الركاب لا تأتي العراق فإنك إن أتيتها أصابك بها ذباب السيف‏.‏

قال‏:‏ وأيم الله لقد قالها ولقد قالها النبي صلى الله عليه وسلم لي قبله‏.‏

قال أبو الأسود‏:‏ فقلت‏:‏ تالله ما رأيت رجلاً محارباً يحدث بهذا قبلك غيرك‏.‏

ثم قال البزار‏:‏ ولا نعلم رواه إلا علي بن أبي طالب بهذا الإسناد، ولا نعلم رواه إلا عبد الملك بن أعين عن أبي حرب، ولا رواه عنه إلا ابن عيينة‏.‏ هكذا قال‏.‏

قال‏:‏ وقد رأيت من الطرق المتعددة خلاف ذلك‏.‏

وقال البيهقي بعد ذكره طرفاً من هذه الطرق‏:‏ وقد رويناه في كتاب ‏(‏السنن‏)‏ بإسناد صحيح عن زيد بن أسلم، عن أبي سنان الدؤلي، عن علي في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقتله‏.‏

حديث آخر في ذلك

قال الخطيب البغدادي‏:‏ أخبرني علي بن القاسم البصري، ثنا علي بن إسحاق المارداني، أنا محمد بن إسحاق الصنعاني، ثنا إسماعيل بن أبان الوراق، ثنا ناصح بن عبد الله المحلمي، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏من أشقى الأولين ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ عاقر الناقة‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فمن أشقى الآخرين ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏قاتلك‏)‏‏)‏‏.‏

حديث آخر في معنى ذلك

وروى البيهقي من طريق فطر بن خليفة وعبد العزيز بن سياه كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة الحماني قال‏:‏ سمعت علياً على المنبر وهو يقول‏:‏ والله إنه لعهد النبي الأمي إليّ إن الأمة ستغدر بك بعدي‏.‏

قال البخاري‏:‏ ثعلبة بن زيد الحماني في حديثه هذا نظر‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وقد رويناه بإسناد آخر عن علي إن كان محفوظاً‏.‏

أخبرنا أبو علي الروذباري، أنا أبو محمد بن شوذب الواسطي بها، ثنا شعيب بن أيوب، ثنا عمرو بن عون، عن هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي إدريس الأزدي، عن علي قال‏:‏ إن مما عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستغدر بك بعدي‏.‏

قال البيهقي‏:‏ فإن صح فيحتمل أن يكون المراد به والله أعلم في خروج من خرج عليه ثم في قتله‏.‏

وقال الأعمش‏:‏ عن عمرو بن مرة بن عبد الله بن الحارث، عن زهير بن الأرقم‏.‏

قال‏:‏ خطبنا علي يوم جمعة فقال‏:‏ نبئت أن بسراً قد طلع اليمن، وإني والله لأحسب أن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم، وما يظهرون عليكم إلا بعصيانكم إمامكم وطاعتهم إمامهم، وخيانتكم وأمانتهم، وإفسادكم في أرضكم وإصلاحهم‏.‏

قد بعثت فلاناً فخان وغدر، وبعثت فلاناً فخان وغدر، وبعث المال إلى معاوية لو ائتمنت أحدكم على قدح لأخذ علاقته، اللهم سئمتهم وسئموني، وكرهتهم وكرهوني، اللهم فأرحهم مني وأرحني منهم‏.‏

قال‏:‏ فما صلى الجمعة الأخرى حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/361‏)‏

 صفة مقتله رضي الله عنه

ذكر ابن جرير، وغير واحد من علماء التاريخ والسير وأيام الناس‏:‏ أن ثلاثة من الخوارج وهم‏:‏ عبد الرحمن بن عمرو المعروف‏:‏ بابن ملجم الحميري ثم الكندي، حليف بني حنيفة من كندة المصري، وكان أسمر حسن الوجه، أبلح شعره مع شحمة أذنيه، وفي وجهه أثر السجود‏.‏

والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكر التميمي أيضاً - اجتمعوا فتذاكروا قتل علي إخوانهم من أهل النهروان فترحموا عليهم‏.‏

وقالوا‏:‏ ماذا نصنع بالبقاء بعدهم‏؟‏ كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلال فقتلناهم فأرحنا منهم البلاد وأخذنا منهم ثأر إخواننا‏؟‏

فقال ابن ملجم‏:‏ أما أنا فأكفيكم علي بن أبي طالب‏.‏

وقال البرك‏:‏ وأنا أكفيكم معاوية‏.‏

وقال عمرو بن بكر‏:‏ وأنا أكفيكم عمرو بن العاص‏.‏

فتعاهدوا وتواثقوا أن لا ينكص رجل منهم عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه، فأخذوا أسيافهم فسمّوها واتعدوا لسبع عشرة من رمضان أن يبيت كل واحد منهم صاحبه في بلده الذي هو فيه‏.‏

فأما ابن ملجم فسار إلى الكوفة فدخلها وكتم أمره حتى عن أصحابه من الخوارج الذين هم بها، فبينما هو جالس في قوم من بني الرباب يتذاكرون قتلاهم يوم النهروان إذ أقبلت امرأة منهم يقال‏:‏ قطام بنت الشجنة‏.‏

قد قتل علي يوم النهروان أباها وأخاها، وكانت فائقة الجمال مشهورة به، وكانت قد انقطعت في المسجد الجامع تتعبد فيه‏.‏

فلما رآها ابن ملجم سلبت عقله ونسي حاجته التي جاء لها، وخطبها إلى نفسها فاشترطت عليه ثلاثة آلاف درهم وخادماً وقينة، وأن يقتل لها علي بن أبي طالب‏.‏

قال‏:‏ فهو لك ووالله ما جاء بي إلى هذه البلدة إلا قتل علي، فتزوجها ودخل بها ثم شرعت تحرضه على ذلك وندبت له رجلاً من قومها، من تيم الرباب يقال له‏:‏ وردان، ليكون معه ردءاً، واستمال عبد الرحمن بن ملجم رجلاً آخر يقال له‏:‏ شبيب بن نجدة الأشجعي الحروري قال له ابن ملجم‏:‏ هل لك في شرف الدنيا والآخرة‏؟‏

فقال‏:‏ وما ذاك‏:‏ قال‏؟‏ قتل علي‏.‏

فقال‏:‏ ثكلتك أمك، لقد جئت شيئاً إذاً كيف تقدر عليه‏؟‏

قال‏:‏ أكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/362‏)‏

فقال‏:‏ ويحك لو غير علي كان أهون عليّ‏؟‏ قد عرفت سابقته في الإسلام وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أجدني أنشرح صدراً لقتله‏.‏

فقال‏:‏ أما تعلم أنه قتل أهل النهروان‏؟‏

فقال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فنقتله بمن قتل من إخواننا‏.‏

فأجابه إلى ذلك بعد لأي ودخل شهر رمضان فواعدهم ابن ملجم ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت‏.‏

وقال‏:‏ هذه الليلة التي واعدت أصحابي فيها أن يثأروا بمعاوية وعمرو بن العاص فجاء هؤلاء الثلاثة - وهم‏:‏ ابن ملجم، ووردان، وشبيب، وهم مشتملون على سيوفهم فجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فلما خرج جعل ينهض الناس من النوم إلى الصلاة‏.‏

ويقول‏:‏ الصلاة الصلاة فثار إليه شبيب بالسيف فضربه فوقع في الطاق، فضربه ابن ملجم بالسيف على قرنه فسال دمه على لحيته رضي الله عنه‏.‏

ولما ضربه ابن ملجم قال‏:‏ لا حكم إلا لله ليس لك يا علي ولا لأصحابك، وجعل يتلو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 207‏]‏‏.‏

ونادى علي‏:‏ عليكم به، وهرب وردان فأدركه رجل من حضرموت فقتله، وذهب شبيب فنجا بنفسه وفات الناس، وُمسك ابن ملجم وقدم على جعدة بن هبيرة بن أبي وهب فصلى بالناس صلاة الفجر، وحمل علي إلى منزله، وحمل إليه عبد الرحمن بن ملجم فأوقف بين يديه وهو مكتوف - قبحه الله - فقال له‏:‏ أي عدو الله ألم أحسن إليك‏؟‏

قال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فما حملك على هذا‏؟‏

قال‏:‏ شحذته أربعين صباحاً وسألت الله أن يقتل به شر خلقه‏.‏

فقال له علي‏:‏ لا أراك إلا مقتولاً به، ولا أراك إلا من شر خلق الله‏.‏

ثم قال‏:‏ إن مت فاقتلوه وإن عشت فأنا أعلم كيف أصنع به‏.‏

فقال جندب بن عبد الله‏:‏ يا أمير المؤمنين إن مت نبايع الحسن‏؟‏

فقال‏:‏ لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر‏.‏

ولما احتضر علي جعل يكثر من قول لا إله إلا الله، لا يتلفظ بغيرها‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن آخر ما تكلم به‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ‏}‏ ‏[‏الزلزلة‏:‏ 7‏]‏‏.‏

وقد أوصى ولديه الحسن والحسين بتقوى الله والصلاة، والزكاة، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش‏.‏

ووصاهما بأخيهما محمد بن الحنفية، ووصاه بما وصاهما به، وأن يعظمهما ولا يقطع أمراً دونهما وكتب ذلك كله في كتاب وصيته رضي الله عنه وأرضاه‏.‏

وصورة الوصية‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏!‏

هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/363‏)‏

أوصيك يا حسن وجميع ولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام‏)‏‏)‏ انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوا ليهوِّن الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام فلا تعفو أفواهم ولا يضيعن بحضرتكم، والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم‏.‏

والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم، والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا، والله الله في شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار‏.‏

والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب، والله الله في ذمة نبيكم لا تظلمن بين ظهرانيكم‏.‏

والله الله في أصحاب نبيكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بهم، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معاشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت أيمانكم‏)‏‏)‏‏.‏

الصلاة الصلاة لا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسناً كما أمركم الله‏.‏

ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الآثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب‏.‏

حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ عليكم نبيكم، أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله‏.‏

ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض، في شهر رمضان سنة أربعين‏.‏

وقد غسله ابناه الحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر، وصلى عليه الحسن فكبر عليه تسع تكبيرات‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا شريك، عن عمران بن ظبيان، عن أبي يحيى قال‏:‏ لما ضرب ابن ملجم علياً قال لهم‏:‏ افعلوا به كما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل برجل أراد قتله فقال‏:‏ اقتلوه ثم حرقوه‏.‏

وقد روي أن أم كلثوم قالت لابن ملجم وهو واقف‏:‏ ويحك ‏!‏لم ضربت أمير المؤمنين‏؟‏

قال‏:‏ إنما ضربت أباك‏.‏

فقالت‏:‏ إنه لا بأس عليه‏.‏

فقال‏:‏ لم تبكين‏؟‏ والله لقد ضربته ضربة لو أصابت أهل المصر لماتوا أجمعين، والله لقد سمعت هذا السيف شهراً، ولقد اشتريته بألف وسممته بألف‏.‏

قال الهيثم بن عدي‏:‏ حدثني رجل من بجيلة عن مشيخة قومه‏:‏ أن عبد الرحمن بن ملجم رأى امرأة من تيم الرباب يقول لها‏:‏ قطام، كانت من أجمل النساء ترى رأي الخوارج‏.‏

قد قتل علي قومها على هذا الرأي فلما أبصرها عشقها فخطبها فقالت‏:‏ لا أتزوجك إلا على ثلاثة آلاف وعبد وقينة، فتزوجها على ذلك‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/364‏)‏

فلما بنى بها قالت له‏:‏ يا هذا قد فرعت فأفرع فخرج ملبساً سلاحه وخرجت معه فضربت له قبة في المسجد وخرج علي يقول‏:‏ الصلاة الصلاة، فاتبعه عبد الرحمن فضربه بالسيف على قرن رأسه‏.‏

فقال الشاعر‏:‏ قال ابن جرير‏:‏ هو ابن مياس المرادي‏.‏

فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة * كمهر قطام بينّاً غير معجم

ثلاثة آلاف وعبد وقينةٌ * وقتل علي بالحسام المصمم

فلا مهر أغلا من علي وإن غلا * ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم

وقد عزى ابن جرير هذه الأبيات إلى ابن شاس المرادي وأنشد له ابن جرير في قتلهم علياً‏:‏

ونحن ضربنا مالك الخير حيدراً * أبا حسنٍ مأمومة فتقطرا

ونحن خلعنا ملكه من نظامه * بضربة سيفٍ إذ علا وتجبرا

ونحن كرامٌ في الهياج أعزةٌ * إذا الموتُ بالموتِ ارتدى وتأزرا

وقد امتدح ابن ملجم بعض الخوارج المتأخرين في زمن التابعين وهو عمران بن حطان وكان أحد العباد ممن يروي عن عائشة في ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ فقال فيه‏:‏

يا ضربةً من تقيٍ ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره يوماً فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا

وأما صاحب معاوية - وهو البرك - فإنه حمل عليه وهو خارج إلى صلاة الفجر في هذا اليوم فضربه بالسيف، وقيل‏:‏ بخنجر مسموم، فجاءت الضربة في وركه فجرحت إليته ومسك الخارجي فقتل‏.‏

وقد قال لمعاوية‏:‏ اتركني فإني أبشرك ببشارة‏.‏

فقال‏:‏ وما هي‏؟‏

فقال‏:‏ إن أخي قد قتل في هذا اليوم علي بن أبي طالب‏.‏

قال‏:‏ فلعله لم يقدر عليه

قال‏:‏ بلى إنه لا حرس معه، فأمر به فقتل، وجاء الطبيب فقال لمعاوية‏:‏ إن جرحك مسموم، فإما أن أكويك، وأما أن أسقيك شربة فيذهب السم ولكن ينقطع نسلك‏.‏

فقال معاوية‏:‏ أما النار فلا طاقة لي بها، وأما النسل ففي يزيد وعبد الله ما تقر به عيني‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/365‏)‏

فسقاه شربة فبرأ من ألمه وجراحه واستقل وسلم رضي الله عنه‏.‏

ومن حينئذ عملت المقصورة في المسجد الجامع وجعل الحرس حولها في حال السجود، فكان أول من اتخذها معاوية لهذه الحادثة‏.‏

وأما صاحب عمرو بن العاص - وهو عمرو بن بكر - فإنه كمن له ليخرج إلى الصلاة، فاتفق أن عرض لعمرو بن العاص مغص شديد في ذلك اليوم فلم يخرج إلا نائبه إلى الصلاة، وهو خارجة بن أبي حبيبة من بني عامر بن لؤي، وكان على شرطة عمرو بن العاص فحمل عليه الخارجي فقتله وهو يعتقده عمرو بن العاص‏.‏

فلما أخذ الخارجي قال‏:‏ أردت عمراً وأراد الله خارجة، فأرسلها مثلاً، وقتل قبحه الله‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن الذي قالها عمرو بن العاص، وذلك حين جيء بالخارجي فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏

قالوا‏:‏ قتل نائبك خارجة، ثم أمر به فضربت عنقه‏.‏

والمقصود‏:‏ أن علياً رضي الله عنه لما مات صلى عليه ابنه الحسن فكبر عليه تسع تكبيرات، ودفن بدار الإمارة بالكوفة خوفاً عليه من الخوارج أن ينبشوا عن جثته، هذا هو المشهور‏.‏

ومن قال‏:‏ إنه حمل على راحلته فذهبت به فلا يدري أين ذهب فقد أخطأ وتكلف ما لا علم له به ولا يسيغه عقل ولا شرع‏.‏

وما يعتقده كثير من جهلة الروافض من أن قبره بمشهد النجف فلا دليل على ذلك ولا أصل له، ويقال‏:‏ إنما ذاك قبر المغيرة بن شعبة، حكاه الخطيب البغدادي، عن أبي نعيم الحافظ، عن أبي بكر الطلحي، عن محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ، عن مطر أنه قال‏:‏ لو علمت الشيعة قبر هذا الذي يعظمونه بالنجف لرجموه بالحجارة، هذا قبر المغيرة بن شعبة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال‏:‏ سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر كم كان سن علي يوم قتل‏؟‏

قال‏:‏ ثلاثاً وستين سنة‏.‏

قلت‏:‏ أين دفن‏؟‏

قال‏:‏ دفن بالكوفة ليلاً وقد غبي عن دفنه‏.‏

وفي رواية عن جعفر الصادق‏:‏ أنه كان عمره ثمانية وخمسين سنة‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن علياً دفن قبلي المسجد الجامع من الكوفة‏.‏

قاله الواقدي‏:‏ والمشهور بدار الإمارة‏.‏

وقد حكى الخطيب البغدادي، عن أبي نعيم الفضل بن دكين‏:‏ أن الحسن والحسين حولاه فنقلاه إلى المدينة فدفناه بالبقيع عند قبر فاطمة‏.‏

وقيل‏:‏ إنهم لما حملوه على البعير ضل منهم فأخذته طيء يظنونه مالاً، فلما رأوا أن الذي في الصندوق ميت ولم يعرفوه دفنوا الصندوق بما فيه فلا يعلم أحد أين قبره، حكاه الخطيب أيضاً‏.‏

وروى الحافظ ابن عساكر، عن الحسن قال‏:‏ دفنت علياً في حجرة من دور آل جعدة‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/366‏)‏

وعن عبد الملك بن عمير قال‏:‏ لما حفر خالد بن عبد الله أساس دار ابنه يزيد استخرجوا شيخاً مدفوناً أبيض الرأس واللحية كأنما دفن بالأمس فهّم بإحراقه، ثم صرفه الله عن ذلك فاستدعى بقباطي فلفه فيها وطيبه وتركه مكانه‏.‏

قالوا‏:‏ وذلك المكان بحذاء باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد في بيت إسكاف وما يكاد يقر في ذلك الموضع أحد إلا انتقل منه‏.‏

وعن جعفر بن محمد الصادق‏:‏

قال‏:‏ صلّي على علي ليلاً ودفن بالكوفة، وعميَ موضع قبره ولكنه عند قصر الإمارة‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ شهد دفنه في الليل الحسن، والحسين، وابن الحنفية، وعبد الله بن جعفر وغيرهم من أهل بيتهم، فدفنوه في ظاهر الكوفة وعموا قبره خيفة عليه من الخوارج وغيرهم، وحاصل الأمر أن علياً قتل يوم الجمعة سَحَراً وذلك لسبع عشرة خلت من رمضان من سنة أربعين‏.‏

وقيل‏:‏ إنه قتل في ربيع الأول والأول هو الأصح الأشهر والله أعلم‏.‏

ودفن بالكوفة عن ثلاث وستين سنة وصححه الواقدي، وابن جرير وغير واحد‏.‏

وقيل‏:‏ عن خمس وستين‏.‏

وقيل‏:‏ عن ثمان وستين سنة رضي الله عنه، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر‏.‏

فلما مات علي رضي الله عنه استدعى الحسن بابن ملجم فقال له ابن ملجم‏:‏ إني أعرض عليك خصلة‏.‏

قال‏:‏ وما هي‏؟‏

قال‏:‏ إني كنت عاهدت الله عند الحطيم أن أقتل علياً ومعاوية أو أموت دونهما، فإن خليتني ذهبت إلى معاوية على أني لم أقتله أو قتلته وبقيت فلله علي أن أرجع إليك حتى أضع يدي في يدك‏.‏

فقال له الحسن‏:‏ كلا والله حتى تعاين النار، ثم قدمه فقتله، ثم أخذه الناس فأدرجوه في بواري ثم أحرقوه بالنار‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن عبد الله بن جعفر قطع يديه ورجليه وكحلت عيناه، وهو مع ذلك يقرأ سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى آخرها، ثم جاؤوا ليقطعوا لسانه فجزع وقال‏:‏ إني أخشى أن تمر علي ساعة لا أذكر الله فيها، ثم قطعوا لسانه، ثم قتلوه، ثم حرقوه في قوصرة والله أعلم‏.‏

وروى ابن جرير قال‏:‏ حدثني الحارث، ثنا ابن سعد، عن محمد بن عمر قال‏:‏ ضرب علي يوم الجمعة فمكث يوم الجمعة، وليلة السبت، وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين سنة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وهو المثبت عندنا والله أعلم بالصواب‏.‏