فصل: صفة خاتم النبوة الذي بين كتفيه صلَّى الله عليه وسلَّم‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ذكر شَعره عليه السلام‏.‏

قد ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال‏:‏ كان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، فسدل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم فرق بعده‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا حماد بن خالد، ثنا مالك، ثنا زياد بن سعد عن الزهري، عن أنس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سدل ناصيته ما شاء أن يسدل، ثم فرق بعد‏.‏

تفرَّد به من هذا الوجه‏.‏

وقال محمد بن إسحاق بن جعفر بن الزبير عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ أنا فرقت لرسول الله رأسه، صدعت فرقه عن يافوخه وأرسلت ناصيته بين عينيه‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقد قال محمد بن جعفر بن الزبير - وكان فقيهاً مسلماً -‏:‏ ما هي إلا سيما من سيما النصارى تمسكت بها النصارى من الناس‏.‏

وثبت في الصحيحين عن البراء أن رسول الله كان يضرب شعره إلى منكبيه‏.‏

وجاء في الصحيح عنه وعن غيره‏:‏ إلى أنصاف أذنيه‏.‏

ولا منافاة بين الحالين، فإن الشعر تارة يطول، وتارة يقصر منه، فكلٌ حكى بحسب ما رأى‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا ابن نفيل، ثنا عبد الرحمن ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ كان شعر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فوق الوفرة ودون الجمة‏.‏

وقد ثبت أنه عليه السلام حلق جميع رأسه في حجة الوداع، وقد مات بعد ذلك بأحد وثمانين يوماً - صلوات الله وسلامه عليه - دائماً إلى يوم الدين‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ ثنا عبد الله بن مسلم ويحيى بن عبد الحميد قالا‏:‏ ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال‏:‏ قالت أم هانئ‏:‏ قدم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مكة قدمة وله أربع غدائر - تعني‏:‏ ضفائر -‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/24‏)‏

وروى التّرمذيّ من حديث سفيان بن عيينة، وثبت في الصحيحين من حديث ربيعة عن أنس قال بعد ذكره شعر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه ليس بالسبط ولا بالقطط قال‏:‏ وتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء‏.‏

وفي صحيح البخاري من حديث أيوب عن ابن سيرين أنه قال‏:‏ قلت لأنس‏:‏ أخضب رسول الله‏؟‏

قال‏:‏ إنه لم يرَ من الشيب إلا قليلاً‏.‏

وكذا روى هو ومسلم من طريق حماد بن زيد عن ثابت، عن أنس‏.‏

وقال حماد بن سلمة عن ثابت‏:‏ قيل لأنس‏:‏ هل كان شاب رسول الله‏؟‏

فقال‏:‏ ما شانه الله بالشيب ما كان في رأسه إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة شعرة‏.‏

وعند مسلم من طريق المثنى بن سعيد عن قتادة، عن أنس أن رسول الله لم يختضب إنما كان شمط عند العنفقة يسيراً، وفي الصدغين يسيراً، وفي الرأس يسيراً‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا أبو نعيم، ثنا همام عن قتادة قال‏:‏ سألت أنساً هل خضب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏؟‏

قال‏:‏ لا، إنما كان شيء في صدغيه‏.‏

وروى البخاري عن عصام بن خالد، عن جرير بن عثمان قال‏:‏ قلت لعبد الله بن بسر السلميّ رأيت رسول الله أكان شيخاً‏؟‏

قال‏:‏ كان في عنفقته شعرات بيض‏.‏

وتقدم عن جابر بن سمرة مثله‏.‏

وفي الصحيحين من حديث أبي إسحاق عن أبي جحيفة قال‏:‏ رأيت رسول الله هذه منه بيضاء - يعني‏:‏ عنفقته -‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ ثنا عبد الله بن عثمان عن أبي حمزة السكري، عن عثمان بن عبد الله بن موهب القرشي قال‏:‏ دخلنا على أم سلمة، فأخرجت إلينا من شعر رسول الله فإذا هو أحمر مصبوغ بالحناء والكتم‏.‏

رواه البخاري عن إسماعيل بن موسى، عن سلام ابن أبي مطيع، عن عثمان بن عبد الله بن موهب، عن أم سلمة به‏.‏

وقال البيهقيّ‏:‏ أنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصَّغانيّ، ثنا يحيى بن بكير، ثنا إسرائيل عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال‏:‏ كان عند أم سلمة جلجل من فضة ضخم فيه من شعر رسول الله، فكان إذا أصاب إنساناً الحمى بعث إليها فحضحضته فيه، ثم ينضحه الرجل على وجهه‏.‏

قال‏:‏ فبعثني أهلي إليها، فأخرجته فإذا هو هكذا - وأشار إسرائيل بثلاث أصابع - وكان فيه خمس شعرات حمر‏.‏

رواه البخاري عن مالك بن إسماعيل، عن إسرائيل‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ ثنا أبو نعيم، ثنا عبيد الله بن إياد، حدثني إياد عن أبي رمثة قال‏:‏ انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلما رأيته قال‏:‏ هل تدري من هذا‏؟‏

قلت‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ إن هذا رسول الله، فاقشعررت حين قال ذلك، وكنت أظن أن رسول صلَّى الله عليه وسلَّم شيء لا يشبه الناس، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء، وعليه بردان أخضران‏.‏

ورواه أبو داود والتّرمذيّ والنسائي من حديث عبيد الله بن إياد بن لقيط عن أبيه، عن أبي رمثة - واسمه‏:‏ حبيب بن حيان - ويقال‏:‏ رفاعة بن يثربي‏.‏

وقال التّرمذيّ‏:‏ غريب لا نعرفه إلا من حديث إياد كذا قال‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/25‏)‏

وقد رواه النسائي أيضاً من حديث سفيان الثوري وعبد الملك بن عمير، كلاهما عن إياد بن لقيط به ببعضه‏.‏

ورواه يعقوب بن سفيان أيضاً عن محمد بن عبد الله المخرميّ، عن أبي سفيان الحميريّ، عن الضحاك بن حمزة بن غيلان بن جامع، عن إياد بن لقيط بن أبي رمثة قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخضب بالحناء والكتم، وكان شعره يبلغ كتفيه أو منكبيه‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا عبد الرحيم بن مطرف بن سفيان، ثنا عمرو بن محمد، أنا ابن أبي داود عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يلبس النعال السبتية، ويصفّر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل ذلك‏.‏

ورواه النسائي عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي، عن عمرو بن محمد المنقريّ به‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر البيهقيّ‏:‏ أنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، ثنا الحسن بن محمد بن زياد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا يحيى بن آدم‏.‏

ح وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل، أنا عبد الله بن جعفر، أنا يعقوب بن سفيان، حدثني أبو جعفر محمد بن عمر بن الوليد الكندي الكوفي، ثنا يحيى بن آدم، ثنا شريك عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال‏:‏ كان شيب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نحواً من عشرين شعرة‏.‏

وفي رواية إسحاق‏:‏ رأيت شيب رسول الله نحواً من عشرين شعرة بيضاء في مقدمه‏.‏

قال البيهقيّ‏:‏ وحدثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أحمد بن سلمان الفقيه، ثنا هلال بن العلاء الرقي، ثنا حسين بن عياش الرقي، ثنا جعفر بن برقان، ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل قال‏:‏ قدم أنس بن مالك المدينة، وعمر بن عبد العزيز وال عليها فبعث إليه عمر وقال للرسول‏:‏ سله هل خضب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فإني رأيت شعراً من شعره قد لوِّن‏.‏

فقال أنس‏:‏ إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد منع بالسواد، ولو عددت ما أقبل على من شيبه في رأسه ولحيته ما كنت أزيد على إحدى عشرة شيبة، وإنما هو الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو الذي غيَّر لونه‏.‏

قلت‏:‏ ونفي أنس للخضاب معارض بما تقدم عن غيره من إثباته، والقاعدة المقررة أن الإثبات مقدم على النفي، لأن المثبت معه زيادة علم ليست عند النافي، وهكذا إثبات غيره لزيادة ما ذكر من السبب مقدم، لا سيما عن ابن عمر الذي المظنون أنه تلقى ذلك عن أخته أم المؤمنين حفصة، فإن اطلاعها أتم من إطلاع أنس، لأنها ربما أنها فلَّت رأسه الكريم عليه الصلاة والسلام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/26‏)‏

 ما ورد في منكبيه وساعديه وإبطيه وقدميه وكعبيه صلَّى الله عليه وسلَّم

قد تقدَّم ما أخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مربوعاً بعيداً ما بين المنكبين‏.‏

وروى البخاري عن أبي النعمان، عن جرير، عن قتادة، عن أنس قال‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ضخم الرأس والقدمين سبط الكفين‏.‏

وتقدم من غير وجه أنه عليه السلام كان شثن الكفين والقدمين‏.‏

وفي رواية‏:‏ ضخم الكفين والقدمين‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ ثنا آدم وعاصم بن علي قالا‏:‏ ثنا ابن أبي ذئب، ثنا صالح - مولى التوأمة - قال‏:‏ كان أبو هريرة ينعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ كان شَبْحَ الذراعين بعيد ما بين المنكبين، أهدب أشفار العينين‏.‏

وفي حديث نافع بن جبير عن علي قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم شثن الكفين والقدمين، ضخم الكراديس، طويل المسربة‏.‏

وتقدم في حديث حجاج عن سماك، عن جابر بن سمرة قال‏:‏ كان في ساقي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حموشة‏.‏

أي‏:‏ لم يكونا ضخمين‏.‏

وقال سراقة بن مالك بن جعشم‏:‏ فنظرت إلى ساقيه‏.‏

وفي رواية‏:‏ قدميه في الغرز - يعني‏:‏ الركاب - كأنهما جُمَّارة - أي‏:‏ جمارة النخل من بياضهما -‏.‏

وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة‏:‏ كان ضليع الفم - وفسَّره‏:‏ بأنه عظيم الفم -، أشكل العينين - وفسَّره‏:‏ بأنه طويل شق العينين -، منهوس العقب - وفسَّره‏:‏ بأنه قليل لحم العقب - وهذا أنسب وأحسن في حق الرجال‏.‏

وقال الحارث ابن أبي أسامة‏:‏ ثنا عبد الله بن بكر، ثنا حميد عن أنس قال‏:‏ أخذت أم سليم بيدي مقدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة فقالت‏:‏ يا رسول الله هذا أنس غلام كاتب يخدمك‏.‏

قال‏:‏ فخدمته تسع سنين، فما قال لشيء صنعت‏:‏ ‏(‏‏(‏أسأت، ولا بئس ما صنعت‏)‏‏)‏ ولا مسست شيئاً قط خزاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله، ولا شممت رائحة قط مسكاً ولا عنبراً أطيب من رائحة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وهكذا رواه معتمر بن سليمان، وعلي بن عاصم، ومروان بن معاوية الفزاريّ، وإبراهيم بن طهمان، كلهم عن حميد، عن أنس في لين كفه عليه السلام وطيب رائحته - صلاة الله وسلامه عليه -‏.‏

وفي حديث الزُّبيدي عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة أن رسول الله كان يطأ بقدمه كلها ليس لها أخمص، وقد جاء خلاف هذا كما سيأتي‏.‏

وقال يزيد بن هارون‏:‏ حدثني عبد الله بن يزيد بن مقسم قال‏:‏ حدثتني عمتي سارة بنت مقسم عن ميمونة بنت كردم قالت‏:‏ رأيت رسول الله بمكة وهو على ناقة، وأنا مع أبي، وبيد رسول الله درة كدرة الكتاب، فدنا منه أبي فأخذ يقدمه، فأقر له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قالت‏:‏ فما نسيت طول إصبع قدمه السبابة على سائر أصابعه‏.‏

ورواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون مطولاً‏.‏

ورواه أبو داود من حديث يزيد بن هارون ببعضه، وعن أحمد بن صالح عن عبد الرزاق، عن ابن جريح، عن إبراهيم بن ميسرة، عن خالته عنها‏.‏

ورواه ابن ماجه من وجه آخر عنها، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/27‏)‏

وقال البيهقيّ‏:‏ أنا علي بن أحمد بن عبد الله بن بشران، أنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا محمد بن إسحاق أبو بكر، ثنا سلمة بن حفص السعدي، ثنا يحيى بن اليمان، ثنا إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة قال‏:‏ كانت إصبع لرسول الله خنصره من رجله متظاهرة‏.‏

وهذا حديث غريب‏.‏

 قوامه عليه السلام وطيب رائحته

في صحيح البخاريّ من حديث ربيعة عن أنس قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ربعة من القوم ليس بالطَّويل ولا بالقصير‏.‏

وقال أبو إسحاق‏:‏ عن البراء كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ليس بالطَّويل ولا بالقصير‏.‏

أخرجاه في الصَّحيحين‏.‏

وقال نافع بن جبير عن علي‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليس بالطَّويل ولا بالقصير، لم أر قبله ولا بعده مثله‏.‏

وقال سعيد بن منصور عن خالد بن عبد الله، عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليس بالطَّويل ولا بالقصير، وهو إلى الطُّول أقرب، وكان عرقه كاللؤلؤ، الحديث‏.‏

وقال سعيد عن روح بن قيس، عن خالد بن خالد التَّميميّ، عن يوسف بن مازن الرَّاسبيّ، عن علي قال‏:‏ كان رسول الله ليس بالذَّاهب طولاً وفوق الربعة، إذا جاء مع القوم غمرهم، وكان عرقه في وجهه كاللؤلؤ، الحديث‏.‏

وقال الزُّبيدي عن الزهريّ، عن سعيد، عن أبي هريرة قال‏:‏ كان رسول الله ربعة وهو إلى الطُّول أقرب، وكان يقبل جميعاً ويدبر جميعاً، لم أرَ قبله ولا بعده مثله‏.‏

وثبت في البخاريّ من حديث حماد بن زيد عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ ما مسست بيدي ديباجاً، ولا حريراً، ولا شيئاً ألين من كفِّ رسول الله، ولا شممت رائحةً أطيب من ريح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

ورواه مسلم من حديث سليمان بن المغيرة‏:‏ عن ثابت، عن أنس به‏.‏

ورواه مسلم أيضاً من حديث حماد بن سلمة، وسليمان بن المغيرة عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ كان رسول الله أزهر اللَّون كأنَّ عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، وما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كفِّ رسول الله، ولا شممت مسكاً ولا عنبراً، أطيب من رائحة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا ابن أبي عدي، ثنا حميد عن أنس قال‏:‏ ما مسست شيئاً قط خزاً ولا حريراً ألين من كفِّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا شممت رائحةً أطيب من ريح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

والإسناد ثلاثي على شرط الصحيحين، ولم يخرِّجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ أنَّا عمرو بن حماد بن طلحة الفناد‏.‏

وأخرجه البيهقيّ من حديث أحمد بن حازم ابن أبي عروة عنه قال‏:‏ ثنا أسباط بن نصر عن سماك، عن جابر بن سمرة قال‏:‏ صليت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحداً، واحداً قال‏:‏ وأما أنا فمسح خدي، فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جونة عطار‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 6/28‏)‏

ورواه مسلم عن عمرة بن حماد به نحوه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة وحجاج، أخبرني شعبة عن الحكم سمعت أبا جحيفة قال‏:‏ خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالهاجرة السلميّ البطحاء، فتوضأ وصلَّى الظهر ركعتين، وبين يديه عنزة‏.‏

زاد فيه عون عن أبيه‏:‏ يمر من ورائها الحمار والمرأة‏.‏

قال حجاج في الحديث‏:‏ ثم قام الناس فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم‏.‏

قال‏:‏ فأخذت يده فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحاً من المسك‏.‏

وهكذا رواه البخاري عن الحسن بن منصور، عن حجاج بن محمد الأعورعن شعبة فذكر مثله سواء، وأصل الحديث في الصحيحين أيضاً‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يزيد بن هارون، أنا هشام بن حسان وشعبة وشريك عن يعلى بن عطاء، عن جابر بن يزيد، عن أبيه - يعني‏:‏ يزيد بن الأسود - قال‏:‏ صلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمنى فانحرف فرأى رجلين من وراء الناس، فدعا بهما فجيئا ترعد فرائصهما‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما منعكما أن تصليا مع الناس‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالا‏:‏ يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في الرحال‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فلا تفعلا، إذا صلَّى أحدكم في رحله، ثم أدرك الصلاة مع الإمام فليصلها معه فإنها له نافلة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فقال أحدهما‏:‏ استغفر لي يا رسول الله فاستغفر له‏.‏

قال‏:‏ ونهض الناس إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونهضت معهم وأنا يومئذ أشب الرجال وأجلده‏.‏

قال‏:‏ فما زلت أزحم الناس حتى وصلت إلى رسول الله فأخذت بيده فوضعتها إما على وجهي أو صدري‏.‏

قال‏:‏ فما وجدت شيئاً أطيب ولا أبرد من يد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال‏:‏ وهو يومئذ في مسجد الخيف‏.‏

ثم رواه أيضاً عن أسود بن عامر وأبي النضر عن شعبة، عن يعلى بن عطاء سمعت جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه أنه صلَّى مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الصبح، فذكر الحديث‏.‏

قال‏:‏ ثم ثار الناس يأخذون بيده يمسحون بها وجوههم‏.‏

قال‏:‏ فأخذت بيده فمسحت بها وجهي، فوجدتها أبرد من الثلج، وأطيب ريحاً من المسك‏.‏

وقد رواه أبو داود من حديث شعبة والتّرمذيّ، والنسائي، من حديث هشيم عن يعلى به‏.‏

وقال التّرمذيّ‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو نعيم، ثنا مسعر عن عبد الجبار بن وائل بن حجر قال‏:‏ حدثني أهلي عن أبي قال‏:‏ أتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بدلو من ماء فشرب منه، ثم مجَّ في الدلو ثم صب في البئر، أو شرب من الدلو ثم مجَّ في البئر، ففاح منها ريح المسك‏.‏

وهذا رواه البيهقيّ من طريق يعقوب بن سفيان عن أبي النعيم - وهو الفضل بن دكين -‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا هاشم، ثنا سليمان عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا صلَّى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيها فربما جاءوه في الغداة الباردة، فيمس يده فيها‏.‏

ورواه مسلم من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/29‏)‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حجين بن المثنى، ثنا عبد العزيز - يعني‏:‏ ابن أبي سلمة الماجشون - عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست فيه‏.‏

قال‏:‏ فجاء ذات يوم فنام على فراشها، فأتت فقيل لها‏:‏ هذا رسول الله نائم في بيتك على فراشك‏.‏

قال‏:‏ فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش، ففتحت عبيرتها، فجعلت تنشف ذلك العرق فتصره في قواريرها، ففزع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما تصنعين يا أم سليم‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقالت‏:‏ يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أصبت‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه مسلم عن محمد بن رافع، عن حجين به‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا هاشم بن القاسم، ثنا سليمان عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ دخل علينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال عندنا فعرق، وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها، فاستيقظ رسول الله فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب‏.‏

ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا إسحاق بن منصور - يعني‏:‏ السَّلوليّ - ثنا عمارة - يعني‏:‏ ابن زاذان - عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ كان رسول الله يقيل عند أم سليم، وكان من أكثر الناس عرقاً، فاتخذت له نطعاً وكان يقيل عليه، وحطت بين رجليه حطاً وكانت تنشف العرق فتأخذه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما هذا يا أم سليم‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ عرقك يا رسول الله أجعله في طيبي‏.‏

قال‏:‏ فدعا لها بدعاء حسن‏.‏

تفرَّد به أحمد من هذا الوجه‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا محمد بن عبد الله، ثنا حميد عن أنس قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا نام ذا عرق، فتأخذ عرقه بقطنة في قارورة فتجعله في مسكها‏.‏

وهذا إسناد ثلاثي على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه، ولا أحد منهما‏.‏

وقال البيهقيّ‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عمرو المغربي، أنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة‏.‏

وقال مسلم‏:‏ ثنا أبو بكر ابن شيبة، ثنا عفان، ثنا وهيب، ثنا أيوب عن أبي قلابة، عن أنس، عن أم سليم أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يأتيها فيقيل عندها، فتبسط له نطعاً فيقيل عليه، وكان كثير العرق، فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أم سليم ما هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقالت‏:‏ عرقك أدُوف به طيبي‏.‏

لفظ مسلم‏.‏

وقال أبو يعلى الموصليّ في مسنده‏:‏ ثنا بسر، ثنا حليس بن غالب، ثنا سفيان الثوري عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال‏:‏ جاء رجل إلى رسول الله فقال‏:‏ يا رسول الله إني زوجت ابنتي وأنا أحب أن تعينني بشيء قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما عندي شيء ولكن إذا كان غد فأتني بقارورة واسعة الرأس، وعود شجرة وآية بيني وبينك أن تدق ناحية الباب‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأتاه بقارورة واسعة الرأس، وعود شجرة‏.‏

قال‏:‏ فجعل يسلت العرق من ذراعيه حتى امتلأت القارورة‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فخذها ومُر ابنتك أن تغمس هذا العود في القارورة وتطيب به‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فكانت إذا تطيَّبت به شمَّ أهل المدينة رائحة الطيب، فسموا بيوت المطيبين‏.‏

هذا حديث غريب جداً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/30‏)‏

وقد قال الحافظ أبو بكر البزَّار‏:‏ ثنا محمد بن هشام، ثنا موسى بن عبد الله، ثنا عمر بن سعيد عن سعيد، عن قتادة، عن أنس قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا مرَّ في طريق من طرق المدينة وجدوا منه رائحة الطيب‏.‏

وقالوا‏:‏ مرَّ رسول الله في هذا الطريق‏.‏

ثم قال‏:‏ وهذا الحديث رواه أيضاً معاذ بن هشام عن أبيه، عن قتادة، عن أنس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يعرف بريح الطيب، كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم طيباً وريحه طيب، وكان مع ذلك يحب الطيب أيضاً‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو عبيدة عن سلام أبي المنذر، عن ثابت، عن أنس أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏حبِّب إلى النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة‏)‏‏)‏‏.‏

ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا سلام أبو المنذر القاري عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنما حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه النسائي بهذا اللفظ عن الحسين بن عيسى القرشي، عن عفان بن مسلم، عن سلام بن سليمان أبي المنذر القاري البصري، عن ثابت، عن أنس فذكره‏.‏

وقد روى من وجه آخر بلفظ‏:‏ ‏(‏‏(‏حبب إلي من دنياكم ثلاث‏:‏ الطيب والنساء وجعل قرة عيني في الصلاة‏)‏‏)‏‏.‏

وليس بمحفوظ بهذا فإن الصلاة ليست من أمور الدنيا، وإنما هي من أهم شؤون الآخرة، والله أعلم‏.‏

 صفة خاتم النبوة الذي بين كتفيه صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال البخاري‏:‏ ثنا محمد بن عبيد الله، ثنا حاتم عن الجعد قال‏:‏ سمعت السائب بن يزيد يقول‏:‏ ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت‏:‏ يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، وتوضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم بين كتفيه مثل زر الحجلة‏.‏

وهكذا رواه مسلم عن قتيبة ومحمد بن عباد، كلاهما عن حاتم بن إسماعيل به‏.‏

ثم قال البخاري‏:‏ الحجلة من حجلة الفرس الذي بين عينيه‏.‏

وقال إبراهيم بن حمزة‏:‏ رز الحجلة‏.‏

قال أبو عبد الله‏:‏ الرز الراء قبل الزاي‏.‏

وقال مسلم‏:‏ ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا عبيد الله عن إسرائيل، عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا ادَّهن لم يتبين، وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية‏.‏

فقال رجل‏:‏ وجهه مثل السيف‏؟‏

قال‏:‏ لا‏!‏ بل كان المثل الشمس والقمر وكان مستديراً، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده‏.‏

حدثنا محمد بن المثنى، ثنا محمد بن حزم، ثنا شعبة عن سماك سمعت جابر بن سمرة قال‏:‏ رأيت خاتماً في ظهر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كأنه بيضة حمام‏.‏

وحدثنا ابن نمير، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا حسن بن صالح عن سماك بهذا الإسناد مثله‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الرزاق، أنا معمر عن عاصم بن سليمان، عن عبد الله بن السرجس قال‏:‏ ترون هذا الشيخ - يعني‏:‏ نفسه - كلمت نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأكلت معه، ورأيت العلامة التي بين كتفيه، وهي في طرف نغض كتفه اليسرى، كأنه جمع - بمعنى‏:‏ الكف المجتمع وقال بيده‏:‏ فقبضها - عليه خيلان كهيئة الثواليل‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/31‏)‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا هاشم بن القاسم وأسود بن عامر قالا‏:‏ ثنا شريك عن عاصم، عن عبد الله بن السرجس قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وسلَّمت عليه، وأكلت معه، وشربت من شرابه، ورأيت خاتم النبوة‏.‏

قال هاشم‏:‏ في نغض كتفه اليسرى كأنه جمع فيه خيلان سود كأنها الثآليل‏.‏

ورواه عن غندر، عن شعبة، عن عاصم، عن عبد الله بن السرجس، فذكر الحديث‏.‏

وشكَّ شعبة في أنه هل هو في نغض الكتف اليمنى أو اليسرى‏.‏

وقد رواه مسلم من حديث حماد بن زيد وعلي بن مسهر وعبد الواحد بن زياد، ثلاثتهم عن عاصم، عن عبد الله بن الرجس قال‏:‏ أتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأكلت معه خبزاً ولحماً - أو قال‏:‏ ثريداً -‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله غفر الله لك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ولك‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ أستغفر لك يا رسول الله‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏!‏ ولكم‏)‏‏)‏ ثمَّ تلا هذه الآية ‏{‏وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}‏‏.‏ ‏[‏محمَّد‏:‏ 19‏]‏‏.‏

قال‏:‏ ثم درت خلفه، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى جمعاً عليه خيلان كأمثال الثآليل‏.‏

وقال أبو داود الطَّيالسيّ‏:‏ ثنا قرة بن خالد، ثنا معاوية بن قرة عن أبيه قال‏:‏ أتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقلت‏:‏ يا رسول الله أرني خاتم الخاتم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدخل يدك‏)‏‏)‏‏.‏

فأدخلت يدي في جربانه، فجعلت ألمس أنظر إلى الخاتم الرجس، فإذا هو على نغض كتفه مثل البيضة، فما منعه ذاك أن جعل يدعو لي وإن يدي لفي جربانه‏.‏

ورواه النسائي عن أحمد بن سعيد، عن وهب بن جرير، عن قرة بن خالد به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا وكيع، ثنا سفيان عن إياد بن لقيط السَّدوسيّ، عن أبي رمثة التيمي قال‏:‏ خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرأيت برأسه ردع حناء، ورأيت على كتفه مثل التفاحة‏.‏

فقال أبي‏:‏ إني طبيب أفلا أطبها لك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏طبيبها الذي خلقها‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وقال لأبي‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا ابنك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه‏)‏‏)‏‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ ثنا أبو نعيم، ثنا عبيد الله بن زياد، حدثني أبي عن أبي ربيعة أو رمثة قال‏:‏ انطلقت مع أبي نحو النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فنظر إلى مثل السلعة بين كتفيه فقال‏:‏ يا رسول الله إني كأطب الرجال أفأعالجها لك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا طبيبها الذي خلقها‏)‏‏)‏‏.‏

قال البيهقيّ، وقال الثوري عن إياد بن لقيط‏:‏ في هذا الحديث فإذا خلف كتفيه مثل التفاحة‏.‏

وقال عاصم بن بهدلة عن أبي رمثة‏:‏ فإذا في نغض كتفه مثل بعرة البعير أو بيضة الحمامة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/32‏)‏

ثم روى البيهقيّ من حديث سماك بن حرب عن سلامة العجلي، عن سلمان الفارسي قال‏:‏ أتيت رسول الله فألقى إليَّ رداءه وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا سلمان انظر إلى ما أمرت به‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمامة‏.‏

وروى يعقوب بن سفيان عن الحميدي، عن يحيى بن سليم، عن أبي خيثم، عن سعيد ابن أبي راشد، عن التَّنوخيّ الذي بعثه هرقل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو بتبوك، فذكر الحديث كما قدمناه في غزوة تبوك إلى أن قال‏:‏ فحلَّ حبوته عن ظهره ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ههنا امض لما أمرت به‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فجلت في ظهره الرجس أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف، مثل الحجمة الضخمة‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا عبد الله بن ميسرة، ثنا عتاب سمعت أبا سعيد يقول‏:‏ الخاتم الذي بين كتفي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لحمة نابتة‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا شريح، ثنا أبو ليلى عبد الله بن ميسرة الخراساني عن غياث البكري قال‏:‏ كنا نجالس أبا سعيد الخدريّ بالمدينة فسألته عن خاتم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الذي كان بين كتفيه‏.‏

فقال‏:‏ بإصبعه السبابة هكذا لحم ناشز بين كتفيه صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

تفرَّد به أحمد من هذا الوجه‏.‏

وقد ذكر الحافظ أبو الخطاب بن دحية المصري في كتابه ‏(‏التنوير في مولد البشير النذير‏)‏ عن أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن بشر - المعروف‏:‏ بالحكيم التّرمذيّ - أنه قال‏:‏ كان الخاتم الذي بين كتفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كأنه بيضة حمامة مكتوب في باطنها‏:‏ الله وحده، وفي ظاهرها‏:‏ توجَّه حيث شئت فإنك منصور‏.‏

ثم قال‏:‏ وهذا غريب واستنكره‏.‏

قال‏:‏ وقيل‏:‏ كان من نور ذكره الإمام أبو زكريا يحيى بن مالك بن عائذ في كتابه ‏(‏تنقل الأنوار‏)‏ وحكى أقوالاً غريبة غير ذلك‏.‏

ومن أحسن ما ذكره ابن دحية رحمه الله وغيره من العلماء قبله في الحكمة في كون الخاتم كان بين كتفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ إشارة إلى أنه لا نبي بعدك يأتي من ورائك‏.‏

قال‏:‏ وقيل‏:‏ كان على نغض كتفه لأنه يقال‏:‏ هو الموضع الذي يدخل الشيطان منه إلى الإنسان، فكان هذا عصمة له عليه السلام من الشيطان‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/33‏)‏

قلت‏:‏ وقد ذكرنا الأحاديث الدالة على أنه لا نبي بعده عليه السلام ولا رسول عند تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 40‏]‏‏.‏

 باب أحاديث متفرقة وردت في صفة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم

قد تقدَّم في رواية نافع بن جبير عن علي ابن أبي طالب أنه قال‏:‏ لم أر قبله ولا بعده مثله‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن مسلم القعنبي وسعيد بن منصور، ثنا عمر بن يونس، ثنا عمر بن عبد الله مولى عفرة، حدَّثني إبراهيم بن محمد - من ولد علي - قال‏:‏ كان علي إذا نعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ لم يكن بالطَّويل الممغط، ولا بالقصير المتردد، وكان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط، ولا بالسبط، كان جعداً رجلاً، ولم يكن بالمطهَّم، ولا بالمكلثم، وكان في الوجه تدوير أبيض مشرباً، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، أجرد ذو مسربة، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معاً بين كتفيه خاتم النبوة، أجود النَّاس كفاً، وأرحب النَّاس صدراً، وأصدق النَّاس لهجة، وأوفى النَّاس ذمةً، وألينهم عريكةً، وألزمهم عشرةً، من رآه بديهةً هابه، ومن خالطه معرفةً أحبه، يقول ناعته‏:‏ لم أرَ قبله ولا بعده مثله‏.‏

وقد روى هذا الحديث الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب ‏(‏الغريب‏)‏، ثم روى عن الكسائيّ، والأصمعي، وأبي عمرو تفسير غريبه‏.‏

وحاصل ما ذكره مما فيه غرابة‏:‏

أن المطهم‏:‏ هو الممتلئ الجسم‏.‏

والمكلثم‏:‏ شديد تدوير الوجه - يعني‏:‏ لم يكن بالسَّمين الناهض، ولم يكن ضعيفاً - بل كان بين ذلك - ولم يكن وجهه في غاية التدوير بل فيه سهولة وهي أحل عند العرب ومن يعرف‏.‏

وكان أبيض مشرّباً حمرة‏:‏ وهي أحسن اللَّون، ولهذا لم يكن أمهق اللَّون‏.‏

والأدعج هو شديد سواد الحدقة‏.‏

وجليل المشاش هو عظيم رءوس العظام مثل الركبتين، والمرفقين، والمنكبين، والكتد الكاهل وما يليه من الجسد‏.‏

وقوله‏:‏ شثن الكفين، أي غليظهما‏.‏

وتقلع في مشيته أي شديد المشية‏.‏

وتقدم الكلام على الشكلة، والشهلة، والفرق بينهما‏.‏

والأهدب طويل أشفار العين‏.‏

وجاء في حديث أنه كان شبح الذراعين يعني غليظهما، والله تعالى أعلم‏.‏

حديث أم معبد في ذلك

قد تقدَّم الحديث بتمامه في الهجرة من مكة إلى المدينة حين ورد عليها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومعه أبو بكر، ومولاه عامر بن فهيرة، ودليلهم عبد الله بن أريقط الديليّ، فسألوها هل عندها لبن أو لحم يشترونه منها ‏؟‏

فلم يجدوا عندها شيئاً، وقالت‏:‏ لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى‏.‏

وكانوا ممحلين، فنظر إلى شاة في كسر خيمتها فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما هذه الشاة يا أم معبد‏؟‏‏)‏‏)‏

فقالت‏:‏ خلَّفها الجهد‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أتأذنين أن أحلبها‏؟‏‏)‏‏)‏

فقالت‏:‏ إن كان بها حلب، فاحلبها، فدعا بالشَّاة فمسحها، وذكر اسم الله، فذكر الحديث في حلبه منها ما كفاهم أجمعين، ثم حلبها وترك عندها إناءها ملأى، وكان يربض الرَّهط، فلما جاء بعلها استنكر اللبن‏.‏

وقال‏:‏ من أين لك هذا يا أم معبد، ولا حلوبة في البيت، والشاء عازب ‏؟‏

فقالت‏:‏ لا والله إنَّه مرَّ بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت‏.‏

فقال‏:‏ صفيه لي، فوالله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلب‏.‏

فقالت‏:‏ رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، حسن الخلق، مليح الوجه، لم تعبه ثجلة، ولم تزربه صعلة، قسيم وسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، أحور، أكحل، أزج، أقرن، في عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلَّم سما وعلاه البهاء، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن، أبهى الناس وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة لا تشنؤه عين من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قداً، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند‏.‏

فقال بعلها‏:‏ هذا والله صاحب قريش الذي تطلب، ولو صادفته لالتمست أن أصحبه، ولأجهدن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/34‏)‏

قال‏:‏ وأصبح صوت بمكة عال بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرون من يقوله وهو يقول‏:‏

جزى الله ربُّ النَّاسِ خيرَ جزائِهِ * رفيقين حلا خيمتي أمَّ معْبدِ

هما نزلا بالبرِّ وارتحلا بهِ * فأفلحَ منْ أمسى رفيقَ محمدِ

فيالِ قصيٍ ما زوى اللهُ عنكم * بهِ من فعالٍ لا تجازى وسؤْدُدِ

سلُوا أختكم عن شاتها وإنائها * فإنَّكموا إنْ تسألوا الشَّاة تشهدِ

دعاها بشاةٍ حائلٍ فتحلَّبتْ * لهُ بصريحٍ ضرَّة الشَّاة مُزْبدِ

فغادره رهناً لديها لحالبٍ * يدرَّ لها في مصدرٍ ثمَّ موردِ

وقد قدَّمنا جواب حسان بن ثابت لهذا الشعر المبارك بمثله في الحسن‏.‏

والمقصود‏:‏ أن الحافظ البيهقيّ روى هذا الحديث من طريق عبد الملك بن وهب المذحجي قال‏:‏ ثنا الحسن بن الصباح عن أبي معبد الخزاعيّ - فذكر الحديث بطوله كما قدمناه بألفاظه -‏.‏

وقد رواه الحافظ يعقوب بن سفيان الفسوي، والحافظ أبو نعيم في كتابه ‏(‏دلائل النبوة‏)‏ قال عبد الملك‏:‏ فبلغني أن أبا معبد أسلم بعد ذلك، وأن أم معبد هاجرت وأسلمت، ثم إن الحافظ البيهقيّ أتبع هذا الحديث بذكر غريبه، وقد ذكرناه في الحواشي فيما سبق ونحن نذكر ههنا نكتاً من ذلك‏.‏

فقولها‏:‏ ظاهر الوضاءة‏:‏ أي ظاهر الجمال‏.‏

أبلج الوجه‏:‏ أي مشرق الوجه مضيئه‏.‏

لم تعبه ثجلة‏:‏ قال أبو عبيد‏:‏ هو كبر البطن، وقال غيره‏:‏ كبر الرأس، وردَّ أبو عبيدة رواية من روى‏:‏ لم تعبه نحلة - يعني‏:‏ من النحول - وهو الضعف‏.‏

قلت‏:‏ وهذا هو الذي فسر به البيهقيّ الحديث‏.‏

والصحيح‏:‏ قول أبي عبيدة، ولو قيل‏:‏ إنه كبر الرأس لكان قوياً‏.‏

وذلك لقولها بعده‏:‏ لو تزر به صعلة، وهو صغر الرأس بلا خلاف، ومنه يقال لولد النعامة‏:‏ صعل لصغر رأسه، ويقال له‏:‏ الظليم‏.‏

وأما البيهقيّ فرواه‏:‏ لم تعبه نحلة - يعني‏:‏ من الضعف - كما فسره‏.‏

ولم تزر به صعلة‏:‏ وهو الحاصرة يريد أنه ضرب من الرجال، ليس بمشفح ولا ناحل‏.‏

قال‏:‏ ويروى‏:‏ لم تعبه ثجلة، وهو كبر البطن‏.‏

ولم تزر به صعلة‏:‏ وهو صغر الرأس‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/35‏)‏

وأما الوسيم‏:‏ فهو حسن الخلق، وكذلك القسيم أيضاً‏.‏

والدعج‏:‏ شدة سواد الحدقة‏.‏

والوطف‏:‏ طول أشفار العينين‏.‏

ورواه القتيبي في أشفاره عَطف، وتبعه البيهقيّ في ذلك‏.‏

قال ابن قتيبة‏:‏ ولا أعرف ما هذا لأنه وقع في روايته غلط فحار في تفسيره، والصواب ما ذكرناه والله أعلم‏.‏

وفي صوته صحل‏:‏ وهو بحة يسيرة، وهي أحلى في الصوت من أن يكون حاداً‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ وبالصحل يوصف الظباء، قال‏:‏ ومن روى‏:‏ في صوته صهل، فقد غلط فإن ذلك لا يكون إلا في الخيل، ولا يكون في الإنسان‏.‏

قلت‏:‏ وهو الذي أورده البيهقيّ‏.‏

قال‏:‏ ويروى‏:‏ صحل‏.‏

والصواب قول أبي عبيد، والله أعلم‏.‏

وأما قولها‏:‏ أحور فمستغرب في صفة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو قبل في العين يزينها لا يشينها كالحول‏.‏

وقولها‏:‏ أكحل قد تقدم له شاهد‏.‏

وقولها‏:‏ أزج قال أبو عبيد‏:‏ هو المتقوِّس الحاجبين‏.‏

قال‏:‏ وأما قولها‏:‏ أقرن‏:‏ فهو التقاء الحاجبين بين العينين‏.‏

قال‏:‏ ولا يعرف هذا في صفة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلا في هذا الحديث قال‏:‏ والمعروف في صفته عليه السلام أنه أبلج الحاجبين‏.‏

في عنقه سطع‏:‏ قال أبو عبيد‏:‏ أي طول، وقال غيره‏:‏ نور‏.‏

قلت‏:‏ والجمع ممكن، بل متعين‏.‏

وقولها‏:‏ إذا صمت فعليه الوقار‏:‏ أي الهيبة عليه في حال صمته وسكوته‏.‏

وإذا تكلَّم سما‏:‏ أي علا على الناس‏.‏

وعلاه البهاء‏:‏ أي في حال كلامه‏.‏

حلو المنطق فصل‏:‏ أي فصيح بليغ، يفصل الكلام ويبينه‏.‏

لا نزر ولا هذر‏:‏ أي لا قليل ولا كثير‏.‏

كأن منطقه خرزات نظم‏:‏ يعني‏:‏ الذي من حسنه، وبلاغته، وفصاحته، وبيانه، وحلاوة لسانه‏.‏

أبهى الناس وأجمله من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب‏:‏ أي هو مليح من بعيد ومن قريب‏.‏

وذكرت أنه لا طويل ولا قصير، بل هو أحسن من هذا ومن هذا‏.‏

وذكرت أن أصحابه يعظمونه ويخدمونه، ويبادرون إلى طاعته، وما ذلك إلا لجلالته عندهم، وعظمته في نفوسهم، ومحبتهم له‏.‏

وأنه ليس بعابس‏:‏ أي ليس يعبس‏.‏

ولا يفند أحداً‏:‏ أي يهجنه ويستقل عقله، بل جميل المعاشرة، حسن الصحبة، صاحبه كريم عليه، وهو حبيب إليه - صلَّى الله عليه -‏.‏

حديث هند ابن أبي هالة في ذلك

وهند هذا هو ربيب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمه خديجة بنت خويلد، وأبوه أبو هالة، كما قدمنا بيانه‏.‏

قال يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ رحمه الله‏:‏ حدثنا سعيد بن حماد الأنصاري المصري، وأبو غسان مالك بن إسماعيل الهندي قالا‏:‏ ثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي قال‏:‏ حدثني رجل بمكة عن ابن لأبي هالة التَّميميّ، عن الحسن بن علي قال‏:‏ سألت خالي هند ابن أبي هالة - وكان وصَّافاً - عن حلية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئاً أتعلَّق به -‏.‏

فقال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فخماً مفخَّماً، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إذا تفرَّقت عقيصته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه، ذا وفرة، أزهر اللَّون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، أدعج سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب مفلج الأسنان، دقيق المسربة كأنه عنقه جيد دمية في صفاء - يعني‏:‏ الفضة -، معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، سبط الغضب، شثن الكفين والقدمين، سابل الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال قلعاً يخطو تكفياً ويمشي هوناً، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره السماء، جلَّ نظره الملاحظة يسوق أصحابه يبدأ من لقيه بالسلام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/36‏)‏

قلت‏:‏ صف لي منطقه‏.‏

قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، يتكلم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير، دمث ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت لا يذم منها شيئاً ولا يمدحه، ولا يقوم لغضبه إذا تعرَّض للحق شيء حتى ينتصر له‏.‏

وفي رواية‏:‏ لا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعرَّض للحق لم يعرفه أحد، ولم يقيم لغضبه شيء حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجَّب قلَّبها، وإذا تحدَّث يصل بها، يضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضَّ طرفه، جلَّ ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حبِّ الغمام‏.‏

قال الحسن‏:‏ فكتمتها الحسين بن علي زماناً ثم حدثته، فوجدته قد سبقني إليه فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله، ومخرجه، ومجلسه، وشكله فلم يدع منه شيئاً‏.‏

قال الحسن‏:‏ سألت أبي عن دخول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ كان دخوله لنفسه مأذون له في ذلك، وكان إذا أوى إلى منزله جزَّأ دخوله ثلاثة أجزاء‏:‏ جزءاً لله، وجزءاً لأهله، وجزءاً لنفسه، ثم جزَّأ جزأه بين الناس فردَّ ذلك على العامة والخاصة لا يدَّخر عنهم شيئاً، وكان من سيرته في جزء الأمة‏:‏ إيثار أهل الفضل بأدبه وقسَّمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم، والأمة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏ليبلِّغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من بلَّغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه، ثبَّت الله قدميه يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون عليه زواراً، ولا يفترقون إلا عن ذواق‏.‏

وفي رواية‏:‏ ولا يتفرقون إلا عن ذوق، ويخرجون أدلة - يعني‏:‏ فقهاء -‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/37‏)‏

قال‏:‏ وسألته عن مخرجه، كيف كان يصنع فيه‏؟‏

فقال‏:‏ كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يخزن لسانه إلا بما يعينهم ويؤلِّفهم ولا ينفِّرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خاتمه، يتفقَّد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسِّن الحسن ويقوِّيه، ويقبِّح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، لكلِّ حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة‏.‏

قال‏:‏ فسألته عن مجلسه، كيف كان‏؟‏

فقال‏:‏ كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطِّن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم منه عليه منه، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يردّه إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فصار لهم أباً وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حكم، وحياء، وصبر، وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنشى فلتاته متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين يوقِّرون فيه الكبير ويرحمون الصغير، يؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب‏.‏

قال‏:‏ فسألته عن سيرته في جلسائه‏.‏

فقال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظٍ ولا غليظٍ، ولا سخّاب ولا فحَّاش، ولا عيَّاب ولا مزَّاح، يتغافل عمَّا لا يشتهى، ولا يؤيس منه راجيه، ولا يخيب فيه قد ترك نفسه من ثلاث‏:‏ المِراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث‏:‏ كان لا يذم أحداً ولا يعيِّره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلَّم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلَّم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطَّير، فإذا سكت تكلَّموا، ولا يتنازعون عنده، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجَّب مما يتعجَّبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم في المنطق ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا رأيتم طالب حاجة فارفدوه‏)‏‏)‏ ولا، يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/38‏)‏

قال‏:‏ فسألته كيف كان سكوته‏.‏

قال‏:‏ كان سكوته على أربع‏:‏ الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكر، فأما تقديره‏:‏ ففي تسويته النظر والاستماع بين الناس، وأما تذكره - أو قال‏:‏ تفكره -‏:‏ ففيما يبقى ويفنى، وجُمع له لله الحلم، والصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع‏:‏ أخذه بالحسنى، والقيام لهم فيما جمع لهم الدنيا والآخرة صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو عيسى التّرمذيّ رحمه الله في كتاب ‏(‏شمائل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏)‏ عن سفيان بن وكيع بن الجراح، عن جميع بن عمر بن عبد الرَّحمن العجلي، حدثني رجل من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله سماه غيره يزيد بن عمر، عن ابن لأبي هالة، عن الحسن بن علي قال‏:‏ سألت خالي فذكره، وفيه حديثه عن أخيه الحسين، عن أبيه علي ابن أبي طالب‏.‏

وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقيّ في ‏(‏الدلائل‏)‏ عن أبي عبد الله الحاكم النّيسابوريّ لفظاً وقراءةً عليه، أنا أبو محمد الحسن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب القعنبيّ، صاحب كتاب ‏(‏النسب‏)‏ ببغداد‏:‏ حدَّثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب أبو محمد بالمدينة سنة ست وستين ومائتين، حدَّثني علي بن جعفر بن محمد، عن أخيه موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن علي بن الحسين قال‏:‏ قال الحسن‏:‏ سألت خالي هند ابن أبي هالة فذكره‏.‏

قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي -رحمه الله - في كتابه ‏(‏الأطراف‏)‏ بعد ذكره ما تقدم من هاتين الطريقين‏:‏ وروى إسماعيل بن مسلم بن قعنب القعنبي عن إسحاق بن صالح المخزومي، عن يعقوب التيميّ، عن عبد الله بن عباس أنه قال لهند ابن أبي هالة - وكان وصَّافاً لرسول الله -‏:‏ صف لنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فذكر بعض هذا الحديث‏.‏

وقد روى الحافظ البيهقيّ من طريق صبيح بن عبد الله الفرغاني - وهو ضعيف - عن عبد العزيز بن عبد الصَّمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة حديثاً مطوَّلاً في صفة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قريباً من حديث هند بن أبي هالة‏.‏

وسرده البيهقيّ بتمامه، وفي أثنائه تفسير ما فيه من الغريب، وفيما ذكرناه غنية عنه، والله تعالى أعلم‏.‏

وروى البخاريّ عن أبي عاصم الضَّحاك، عن عمر بن سعيد بن أحمد بن حسين، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث قال‏:‏ صلَّى أبو بكر العصر بعد موت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بليالٍ، فخرج هو وعلي يمشيان فإذا الحسن بن علي يلعب مع الغلمان قال‏:‏ فاحتمله أبو بكر على كاهله وجعل يقول‏:‏ بأبي شبيهٌ بالنَّبيّ ليس شبيهاً بعليّ، وعلي يضحك منهما رضي الله عنهما‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/39‏)‏

وقال البخاريّ‏:‏ ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا إسماعيل عن أبي جحيفة قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكان الحسن بن علي يشبهه‏.‏

وروى البيهقيّ عن أبي علي الروذباري، عن عبد الله بن جعفر بن شوذب الواسطيّ، عن شعيب بن أيوب الصريفيني، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانىء، عن علي رضي الله عنه قال‏:‏ الحسن أشبه برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما كان أسفل من ذلك‏.‏

 باب ذكر أخلاقه وشمائله الطَّاهرة صلَّى الله عليه وسلَّم

قد قدَّمنا طيب أصله ومحتده، وطهارة نسبه ومولده، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ‏}‏‏.‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 124‏]‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدَّثنا قتيبة، ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو، عن سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بُعثت من خير قرون بني آدم قرناً بعد قرن، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه‏)‏‏)‏‏.‏

وفي صحيح مسلم عن واثلة بن الأسقع قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ الله اصطفى قريشاً من بني إسماعيل، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الله تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون * وإنَّ لك لأجراً غير ممنون * وإنَّك لعلى خلق عظيم‏)‏‏)‏‏.‏ ‏[‏القلم‏:‏ 1-4‏]‏‏.‏

قال العوفيّ عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ‏}‏‏:‏ يعني‏:‏ وإنَّك لعلى دين عظيم، وهو الإسلام‏.‏

وهكذا قال مجاهد، وابن مالك، والسدي، والضحَّاك، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏.‏

وقال عطية‏:‏ لعلى أدب عظيم‏.‏

وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث قتادة عن زرارة ابن أبي أوفى، عن سعد بن هشام قال‏:‏ سألت عائشة أم المؤمنين فقلت‏:‏ أخبريني عن خلق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقالت‏:‏ أما تقرأ القرآن ‏؟‏

قلت‏:‏ بلى ‏!‏

فقالت‏:‏ كان خلقه القرآن‏.‏

وقد روى الإمام أحمد عن إسماعيل بن علية، عن يونس بن عبيد، عن الحسن البصري قال‏:‏ وسئلت عائشة عن خلق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقالت‏:‏ كان خلقه القرآن‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/40‏)‏

وروى الإمام أحمد عن عبد الرَّحمن ابن مهدي، والنسائي من حديثه، وابن جرير من حديث ابن وهب، كلاهما عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير قال‏:‏ حججت فدخلت على عائشة فسألتها عن خلق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقالت‏:‏ كان خلقه القرآن‏.‏

ومعنى هذا‏:‏ أنه عليه السلام مهما أمره به القرآن العظيم امتثله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الأخلاق الجبلية الأصلية العظيمة التي لم يكن أحد من البشر ولا يكون على أجمل منها، وشرع له الدِّين العظيم الذي لم يشرعه لأحد قبله، وهو مع ذلك خاتم النَّبيّين فلا رسول بعده ولا نبي صلَّى الله عليه وسلَّم فكان فيه من الحياء، والكرم، والشَّجاعة، والحلم، والصفح، والرحمة، وسائر الأخلاق الكاملة ما لا يحدُّ، ولا يمكن وصفه‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ ثنا سليمان، ثنا عبد الرَّحمن، ثنا الحسن بن يحيى، ثنا زيد بن واقد عن بشر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدَّرداء قال‏:‏ سألت عائشة عن خلق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقالت‏:‏ كان خلقه القرآن يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه‏.‏

وقال البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو عبد الله الحافظ، أنَّا أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، أنَّا قيس بن أنيف، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران، عن زيد بن بابنوس قال‏:‏ قلنا لعائشة‏:‏ يا أم المؤمنين، كيف كان خلق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -‏؟‏

قالت‏:‏ كان خلق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - القرآن‏.‏

ثم قالت‏:‏ أتقرأ سورة المؤمنون‏؟‏ إقرأ قد ‏(‏‏(‏أفلح المؤمنون‏)‏‏)‏ إلى العشر‏.‏

قالت‏:‏ هكذا كان خُلُق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -‏.‏

وهكذا رواه النَّسائي عن قتيبة‏.‏

وروى البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ‏}‏‏.‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 199‏]‏‏.‏

قال‏:‏ أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا سعيد بن منصور، ثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق‏)‏‏)‏ تفرد به أحمد‏.‏

ورواه الحافظ أبو بكر الخرائطي في كتابه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏وإنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق‏)‏‏)‏‏.‏

وتقدَّم ما رواه البخاريّ من حديث أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحسن النَّاس وجهاً، وأحسن النَّاس خُلقاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/41‏)‏

وقال مالك عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنها قالت‏:‏ ما خُيِّر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين أمرين، إلا أخذ أيسرهما مالم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها‏.‏

ورواه البخاريّ ومسلم من حديث مالك‏.‏

وروى مسلم عن أبي كريب، عن أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ ما ضرب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيده شيئاً قط لا عبداً، ولا امرأةً، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه شيء فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله - عز وجل -‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا عبد الرَّزاق، أنَّا معمر عن الزُّهريّ، عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ ما ضرب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيده خادماً له قط، ولا امرأةً، ولا ضرب بيده شيئاً إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خُيِّر بين شيئين قط إلا كان أحبَّهما إليه أيسرهما، حتى يكون إثماً، فإذا كان إثماً كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يُؤتى إليه، حتى تنتهك حرمات الله فيكون هو ينتقم لله - عز وجل -‏.‏

وقال أبو داود الطَّيالسيّ‏:‏ ثنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت أبا عبد الله الجدلي يقول‏:‏ سمعت عائشة وسألتها عن خُلق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقالت‏:‏ لم يكن فاحشاً، ولا متفحِّشاً، ولا سخَّاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسَّيئة السَّيئة، ولكن يعفو ويصفح - أو قال‏:‏ يعفو ويغفر - شكَّ أبو داود‏.‏

ورواه التّرمذيّ من حديث شعبة وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ ثنا آدم وعاصم بن علي قالا‏:‏ ثنا ابن أبي ذئب، ثنا صالح مولى التوأمة قال‏:‏ كان أبو هريرة ينعت رسول الله قال‏:‏ كان يقبل جميعاً، ويدبر جميعاً، بأبي وأمي لم يكن فاحشاً، ولا متفحِّشاً، ولا سخَّاباً في الأسواق‏.‏

زاد آدم‏:‏ ولم أرَ مثله قبله، ولم أرَ مثله بعده‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا عبدان عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ لم يكن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فاحشاً، ولا متفحِّشاً وكان يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ من خياركم أحسنكم أخلاقاً‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه مسلم من حديث الأعمش به‏.‏

وقد روى البخاريّ من حديث فليح بن سليمان عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمر أنه قال‏:‏ إنَّ رسول الله موصوف في التوراة بما هو موصوف في القرآن‏:‏ يا أيُّها النَّبيّ إنَّا أرسلناك شاهداً، ومبشِّراً، ونذيراً، وحرزاً للأميِّين، أنت عبدي ورسولي، سمَّيتك المتوكل، ليس بفظٍّ، ولا غليظ، ولا سخَّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسَّيئة السَّيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه حتى يُقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح أعينا عمياً، وآذاناً صمَّاً، وقلوباً غُلفاً‏.‏

وقد روي عن عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/42‏)‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا مسدد، ثنا يحيى عن شعبة، عن قتادة، عن عبد الله ابن أبي عتبة، عن أبي سعيد قال‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أشدّ حياء من العذراء في خدرها‏.‏

حدَّثنا ابن بشار قال‏:‏ ثنا يحيى، وعبد الرحمن قالا‏:‏ ثنا شعبة مثله‏:‏ وإذا كره شيئاً عرف ذلك في وجهه‏.‏

هليّ عن محمد بن عبيد عن‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو عامر، ثنا فليح عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك قال‏:‏ لم يكن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم- سبَّاباً، ولا لعَّاناً ولا فاحشاً، كان يقول لأحدنا عند المعاتبة‏:‏ ‏(‏‏(‏ماله تربت جبينه‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه البخاري عن محمد بن سنان، عن فليح‏.‏

وفي الصَّحيحين واللفظ لمسلم من حديث حماد بن زيد عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحسن النَّاس، وكان أجود النَّاس، وكان أشجع النَّاس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصَّوت فتلقَّاهم رسول الله راجعاً وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري في عنقه السَّيف وهو يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لم تراعوا، لم تراعوا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وجدناه بحراً، أو إنَّه لبحر‏.‏

قال‏:‏ وكان فرساً يبطأ‏.‏

ثم قال مسلم‏:‏ ثنا بكر ابن أبي شيبة، ثنا وكيع عن سعيد، عن قتادة، عن أنس قال‏:‏ كان فزع بالمدينة، فاستعار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرساً لأبي طلحة يقال له‏:‏ مندوب، فركبه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما رأينا من فزع، وإن وجدناه لبحراً‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ كنَّا إذا اشتدَّ البأس اتَّقينا برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقال أبو إسحاق السبيعي عن حارثة بن مضرب، عن علي ابن أبي طالب قال‏:‏ لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان أشدّ الناس بأساً‏.‏

رواه أحمد والبيهقيّ، وتقدم في غزوة هوازن أنه عليه السلام لما فرَّ جمهور أصحابه يومئذ ثبت وهو راكب بغلته، وهو ينوه باسمه الشريف يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أنا النَّبيّ لا كذب، أنا ابن عبد المطلب‏)‏‏)‏ وهو مع ذلك يركِّضها إلى نحور الأعداء، وهذا في غاية ما يكون من الشَّجاعة العظيمة، والتوكل التام - صلوات الله عليه -‏.‏

وفي صحيح مسلم من حديث إسماعيل بن علية عن عبد العزيز، عن أنس قال‏:‏ لما قدم رسول الله المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بنا إلى رسول الله فقال‏:‏ يا رسول الله إن أنساً غلام كيِّس فليخدمك‏.‏

قال‏:‏ فخدمته في السَّفر والحضر، والله ما قال لي لشيء صنعته‏:‏ ‏(‏‏(‏لِمَ صنعت هذا هكذا‏)‏‏)‏ ولا لشيء لم أصنعه‏:‏ ‏(‏‏(‏لِمَ لم تصنع هذا هكذا‏)‏‏)‏‏.‏

وله من حديث سعيد ابن أبي بردة عن أنس قال‏:‏ خدمت رسول الله تسع سنين فما أعلمه قال لي قط‏:‏ ‏(‏‏(‏لِمَ فعلت كذا وكذا‏)‏‏)‏ ولا عاب علي شيئاً قط‏.‏

وله من حديث عكرمة بن عمار عن إسحاق قال أنس‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من أحسن الناس خلقاً فأرسلني يوماً لحاجة فقلت‏:‏ والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فخرجت حتى أمرُّ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد قبض بقفاي من ورائي قال‏:‏ فنظرت إليه وهو يضحك فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أنيس ذهبت حيث أمرتك‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ نعم‏!‏ أنا أذهب يا رسول الله‏.‏

قال أنس‏:‏ والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته‏:‏ ‏(‏‏(‏لِمَ صنعت كذا وكذا‏)‏‏)‏، أو لشيء تركته ‏(‏‏(‏هلا فعلت كذا وكذا‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/43‏)‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا كثير، ثنا هشام، ثنا جعفر، ثنا عمران القصير عن أنس بن مالك قال‏:‏ خدمت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عشر سنين، فما أمرني بأمر فتوانيت عنه، أو ضيعته فلامني، وإن لامني أحد من أهله إلا قال‏:‏ ‏(‏‏(‏دعوه فلو قدر - أو قال‏:‏ قضي - أن يكون كان‏)‏‏)‏‏.‏

ثم رواه أحمد عن علي بن ثابت، عن جعفر هو ابن برقان، عن عمران البصريّ - وهو القصير - عن أنس فذكره، تفرَّد به الإمام أحمد‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الصَّمد، ثنا أبي، ثنا أبو التياح، ثنا أنس قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحسن الناس خُلقاً، وكان لي أخ يقال له‏:‏ أبو عمير قال‏:‏ أحسبه قال‏:‏ فطيماً، قال‏:‏ فكان إذا جاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرآه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أبا عمير ما فعل النغير‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ نغرٌ كان يلعب به‏.‏

قال‏:‏ فربما تحضر الصَّلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينضح، ثم يقوم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونقوم خلفه يصلي بنا‏.‏

قال‏:‏ وكان بساطهم من جريد النخل‏.‏

وقد رواه الجماعة إلا أبا داود من طرق عن أبي التياح يزيد بن حميد، عن أنس بنحوه‏.‏

وثبت في الصَّحيحين من حديث الزُّهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أجود النَّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أجود بالخير من الريح المرسلة‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو كامل، ثنا حماد بن زيد، ثنا سلم العلوي سمعت أنس بن مالك أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم رأى على رجل صفرة فكرهها قال‏:‏ فلما قام قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو أمرتم هذا أن يغسل عنه هذه الصفرة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وكان لا يكاد يواجه أحداً بشيء يكرهه‏.‏

وقد رواه أبو داود والتّرمذيّ في ‏(‏الشمائل‏)‏، والنَّسائي في ‏(‏اليوم والليلة‏)‏ من حديث حماد بن زيد عن سلم بن قيس العلويّ البصريّ‏.‏

قال أبو داود‏:‏ وليس من ولد علي ابن أبي طالب، وكان يبصر في النجوم، وقد شهد عند عديّ بن أرطأة على رؤية الهلال فلم يجز شهادته‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا يحيى بن عبد الحميد الحمانيّ، ثنا الأعمش عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة قالت‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا بلغه عن رجل شيء لم يقل‏:‏ ما بال فلان يقول، ولكن يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏ما بال أقوامٍ يقولون‏:‏ كذا وكذا‏)‏‏)‏‏.‏

وثبت في الصَّحيح أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يبلِّغني أحد عن أحد شيئاً، إني أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصَّدر‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/44‏)‏

وقال مالك عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال‏:‏ كنت أمشي مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعليه برد غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذاً شديداً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإذا قد أثَّرت بها حاشية البرد من شدة جبذته‏.‏

ثم قال‏:‏ يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك‏.‏

قال‏:‏ فالتفت إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فضحك ثم أمر له بعطاء‏.‏

أخرجاه من حديث مالك‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا زيد بن الحباب، أخبرني محمد بن هلال القرشيّ عن أبيه أنه سمع أبا هريرة يقول‏:‏ كنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المسجد فلمَّا قام قمنا معه، فجاء أعرابي فقال‏:‏ أعطني يا محمد‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا‏!‏ وأستغفر الله‏)‏‏)‏‏.‏

فجذبه بحجزته فخدشه‏.‏

قال‏:‏ فهموا به‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏دعوه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ثم أعطاه قال‏:‏ فكانت يمينه‏:‏ ‏(‏‏(‏لا‏!‏ وأستغفر الله‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى أصل هذا الحديث أبو داود، والنَّسائي، وابن ماجه من طرق عن محمد بن هلال ابن أبي هلال مولى بني كعب، عن أبيه، عن أبي هريرة بنحوه‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ ثنا عبد الله بن موسى، عن شيبان، عن الأعمش، عن ثمامة بن عتبة، عن زيد بن أرقم قال‏:‏ كان رجل من الأنصار يدخل على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويأتمنه، وأنه عقد له عقداً وألقاه في بئر، فصرع ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأتاه ملكان يعودانه، فأخبراه أن فلاناً عقد له عقداً وهي في بئر فلان ولقد اصفرَّ الماء من شدة عقده، فأرسل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فاستخرج العقد فوجد الماء قد اصفرَّ فحلَّ العقد، ونام النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلقد رأيت الرَّجل بعد ذلك يدخل على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فما رأيته في وجه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتى مات‏.‏

قلت‏:‏ والمشهور في الصَّحيح‏:‏ أن لبيد بن الأعصم اليهودي هو الذي سحر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مشط، ومثاقة في جفّ طلعة ذكر تحت بئر ذروان، وأن الحال استمر نحو ستة أشهر حتى أنزل الله سورتي المعوذتين، ويقال‏:‏ إنَّ آياتهما إحدى عشرة آية، وأنَّ عقد ذلك الذي سحر فيه كان إحدى عشرة عقدة، وقد بسطنا ذلك في كتابنا ‏(‏التفسير‏)‏ بما فيه كفاية، والله أعلم‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ ثنا أبو نعيم، ثنا عمران بن زيد أبو يحيى الملائي، ثنا زيد العمي عن أنس ابن مالك قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا صافح أو صافحه الرَّجل لا ينزع يده من يده حتى يكون الرَّجل ينزع يده، وإن استقبله بوجه لا يصرفه عنه حتى يكون الرجل ينصرف عنه، ولا يرى مقدِّماً ركبتيه بين يدي جليس له‏.‏

ورواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث عمران بن زيد الثعلبي أبي يحيى الطَّويل الكوفيّ عن زيد بن الحواريّ العميّ، عن أنس به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/45‏)‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا أحمد بن منيع، ثنا أبو قطن، ثنا مبارك بن فضالة عن ثابت البنانيّ، عن أنس بن مالك قال‏:‏ ما رأيت رجلاً قط التقم أذن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما رأيت رسول الله آخذاً بيده رجل فترك يده حتى يكون الرَّجل هو الذي يدع يده‏.‏

تفرَّد به أبو داود‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ وحدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا‏:‏ ثنا شعبة قال ابن جعفر في حديثه‏:‏ قال‏:‏ سمعت علي بن يزيد قال‏:‏ قال أنس بن مالك‏:‏ إن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة لتجيء فتأخذ بيد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت‏.‏

ورواه ابن ماجه من حديث شعبة‏.‏

وقد رواه البخاري في كتاب ‏(‏الأدب‏)‏ من صحيحه معلقاً فقال‏:‏ وقال محمد بن عيسى - هو ابن الطباع -‏:‏ ثنا هشيم فذكره‏.‏

وقال الطَّبرانيّ‏:‏ ثنا أبو شعيب الحرَّانيّ، ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، ثنا أيوب بن نهيك سمعت عطاء ابن أبي رباح، سمعت ابن عمر، سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأى صاحب بزّ فاشترى منه قميصاً بأربعة دراهم، فخرج وهو عليه، فإذا رجل من الأنصار فقال‏:‏ يا رسول الله إكسني قميصاً، كساك الله من ثياب الجنة، فنزع القميصص فكساه إيَّاه، ثم رجع إلى صاحب الحانوت فاشترى منه قميصاً بأربعة دراهم، وبقي معه درهمان، فإذا هو بجارية في الطَّريق تبكي‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما يبكيك‏؟‏‏)‏‏)‏

فقالت‏:‏ يا رسول الله دفع إليَّ أهلي درهمين اشتري بهما دقيقاً فهلكا، فدفع إليها رسول الله الدِّرهمين الباقيين، ثم انقلب وهي تبكي فدعاها‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما يبكيك وقد أخذت الدرهمين‏؟‏‏)‏‏)‏

فقالت‏:‏ أخاف أن يضربوني، فمشى معها إلى أهلها فسلَّم فعرفوا صوته، ثم عاد فسلَّم، ثم عاد فسلَّم ثم عاد فثلث فردُّوا فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أسمعتم أول السَّلام‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ نعم‏!‏ ولكن أحببنا أن تزيدنا من السَّلام، فما أشخصك بأبينا وأمنا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أشفقت هذه الجارية أن تضربوها‏)‏‏)‏‏.‏

فقال صاحبها‏:‏ هي حرَّة لوجه الله لممشاك معها، فبشَّرهم رسول الله بالخير والجنَّة‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لقد بارك في العشرة، كسا الله نبيه قميصاً، ورجلاً من الأنصار قميصاً، وأعتق الله منها رقبة، وأحمد الله هو الذي رزقنا هذا بقدرته‏)‏‏)‏‏.‏

هكذا رواه الطَّبرانيّ، وفي إسناده‏:‏ أيوب بن نهيك الحلبي، وقد ضعَّفه أبو حاتم‏.‏

وقال أبو زرعة‏:‏ منكر الحديث‏.‏

وقال الأزدي‏:‏ متروك‏.‏

وثبت في الصحيحين من حديث الأعمش عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال‏:‏ ما عاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه‏.‏

وقال الثوري عن الأسود بن قيس، عن شيخ العوفيّ، عن جابر قال‏:‏ أتانا رسول الله في منزلنا فذبحنا له شاة‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كأنهم علموا أنَّا نحب اللَّحم، الحديث‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/46‏)‏

وقال محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة، عن عمر بن عبد العزيز، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا جلس يتحدَّث كثيراً ما يرفع طرفه إلى السَّماء‏.‏

وهكذا رواه أبو داود‏:‏ في كتاب ‏(‏الأدب‏)‏ من سننه من حديث محمد بن إسحاق به‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ حدَّثنا سلمة بن شعيب، ثنا عبد الله بن إبراهيم، ثنا إسحاق بن محمد الأنصاريّ عن ربيح بن عبد الرَّحمن، عن أبيه، عن جده أبي سعيد الخدريّ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا جلس احتبى بيده‏.‏

ورواه البزَّار في مسنده ولفظه‏:‏ كان إذا جلس نصب ركبتيه، واحتبى بيديه‏.‏

ثم قال أبو داود‏:‏ ثنا حفص بن عمر، وموسى بن إسماعيل قالا‏:‏ ثنا عبد الرَّحمن بن حسَّان العنبريّ، حدَّثني جدتاي صفية ودحيبة ابنتا عليبة قال‏:‏ موسى ابنة حرملة، وكانتا ربيبتي قيلة بنت مخرمة، وكانت جدة أبيهما أنها أخبرتهما أنها رأت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو قاعد القرفصاء، قالت‏:‏ فلما رأيت رسول الله المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق‏.‏

ورواه التّرمذيّ في ‏(‏الشمائل‏)‏ وفي ‏(‏الجامع‏)‏ عن عبد بن حميد، عن عفَّان بن مسلم بن عبد الله بن حسَّان به، وهو قطعة من حديث طويل قد ساقه الطَّبرانيّ بتمامه في ‏(‏معجمه الكبير‏)‏‏.‏

وقال البخاريّ‏:‏ ثنا الحسن بن الصَّباح البزَّار، ثنا سفيان عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يحدِّث حديثاً لو عدَّه العاد لأحصاه‏.‏

قال البخاري‏:‏ وقال الليث‏:‏ حدَّثني يونس عن ابن شهاب، أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة أنها قالت‏:‏ ألا أعجبك أبو فلان، جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدِّث عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يسمعني ذلك، وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكن يسرد الحديث كسردكم‏.‏

وقد رواه أحمد عن علي بن إسحاق، ومسلم عن حرملة، وأبو داود عن سليمان بن داود، كلهم عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد به، وفي روايتهم‏:‏ ألا أعجبك من أبي هريرة فذكرت نحوه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا وكيع عن سفيان، عن أسامة، عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ كان كلام النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فصلاً يفهمه كل أحد لم يكن يسرد سرداً‏.‏

وقد رواه أبو داود عن ابن أبي شيبة، عن وكيع‏.‏

وقال أبو يعلى‏:‏ ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، ثنا عبد الله بن مسعر، حدثني شيخ أنه سمع جابر بن عبد الله - أو ابن عمر - يقول‏:‏ كان في كلام النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ترتيل، أو ترسيل‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا عبد الصَّمد، حدَّثنا عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا تكلم بكلمة رددها ثلاثاً، وإذا أتى قوماً يسلم عليهم سلَّم ثلاثاً‏.‏

ورواه البخاري من حديث عبد الصَّمد‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا أبو سعيد ابن أبي مريم، ثنا عبد الله بن المثنى سمعت ثمامة بن أنس يذكر أن أنساً كان إذا تكلم تكلم ثلاثاً، ويذكر أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا تكلَّم تكلَّم ثلاثاً، وكان يستأذن ثلاثاً‏.‏

وجاء في الحديث الذي رواه التّرمذيّ‏:‏ عن عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا تكلَّم يعيد الكلمة ثلاثاً لتعقل عنه‏.‏

ثم قال التّرمذيّ‏:‏ حسن صحيح غريب‏.‏

وفي الصَّحيح أنَّه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أوتيت جوامع الكلم، وأختصر الحكم اختصارا‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/47‏)‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا حجاج، حدَّثنا ليث، حدَّثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب أنَّ أبا هريرة قال‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏بُعثت بجوامع الكلم، ونُصرت بالرُّعب، وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه البخاريّ من حديث اللَّيث‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدَّثنا إسحاق بن عيسى، ثنا ابن لهيعة عن عبد الرَّحمن الأعرج، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏نُصرت بالرُّعب، وأُوتيت جوامع الكلم، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي‏)‏‏)‏‏.‏

تفرَّد به أحمد من هذا الوجه‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدَّثنا يزيد، ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏نُصرت بالرُّعب، وأُوتيت جوامع الكلم، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وبينا أنا نائم أُتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلَّت في يدي‏)‏‏)‏‏.‏

تفرَّد به أحمد من هذا الوجه، وهو على شرط مسلم‏.‏

وثبت في الصَّحيحين من حديث ابن وهب عن عمرو بن الحرث، حدَّثني أبو النضر عن سليمان بن يسار، عن عائشة قالت‏:‏ ما رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم‏.‏

وقال التّرمذيّ‏:‏ ثنا قتيبة، ثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن الحرث بن جزء قال‏:‏ ما رأيت أحداً أكثر تبسُّماً من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -

ثم رواه من حديث اللَّيث عن يزيد ابن أبي حبيب، عن عبد الله بن الحرث بن جزء قال‏:‏ ما كان ضحك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا تبسُّماً، ثم قال‏:‏ صحيح‏.‏

وقال مسلم‏:‏ ثنا يحيى بن يحيى، ثنا أبو خيثمة عن سماك بن حرب قلت لجابر بن سمرة‏:‏ أكنت تجالس رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ‏؟‏

قال‏:‏ نعم كثيراً كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشَّمس فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدَّثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون، ويتبسَّم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقال أبو داود الطَّيالسيّ‏:‏ ثنا شريك وقيس بن سعد عن سماك بن حرب قال‏:‏ قلت لجابر بن سمرة‏:‏ أكنت تجالس النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ‏؟‏

قال‏:‏ نعم، كان قليل الصَّمت، قليل الضَّحك، فكان أصحابه ربما يتناشدون الشعر عنده، وربما قال الشيء من أمورهم فيضحكون، وربما يتبسَّم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/48‏)‏

وقال الحافظ أبو بكر البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد ابن أبي عمرو قالا‏:‏ ثنا أبو العبَّاس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق، أنَّا أبو عبد الرَّحمن المقريّ، ثنا اللَّيث بن سعد عن الوليد ابن أبي الوليد أن سليمان بن خارجة أخبره عن خارجة بن زيد - يعني‏:‏ ابن ثابت - أنَّ نفراً دخلوا على أبيه فقالوا‏:‏ حدِّثنا عن بعض أخلاق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقال‏:‏ كنت جاره، فكان إذا نزل الوحي بعث إليّ فآتيه فأكتب الوحي، وكنَّا إذا ذكرنا الدُّنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطَّعام ذكره معنا، فكل هذا نحدِّثكم عنه‏.‏

ورواه التّرمذيّ في ‏(‏الشَّمائل‏)‏ عن عباس الدوريّ، عن أبي عبد الرَّحمن، عن عبد الله بن يزيد المقريّ به نحوه‏.‏