فصل: فصل تقسيم الثمار و الزروع في خيبر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ذكر قصة صفية بنت حيي النضرية

كان من شأنها أنه لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير من المدينة كما تقدم، فذهب عامتهم إلى خيبر، وفيهم حيي بن أخطب، وبنو أبي الحقيق، وكانوا ذوي أموال وشرف في قومهم، وكانت صفية إذ ذاك طفلة دون البلوغ‏.‏

ثم لما تأهلت للتزويج تزوجها بعض بني عمها، فلما زفت إليه وأدخلت إليه بنى بها، ومضى على ذلك ليالي، رأت في منامها كأن قمر السماء قد سقط في حجرها، فقصت رؤياها على ابن عمها فلطم وجهها وقال‏:‏ أتتمنين ملك يثرب أن يصير بعلك، فما كان إلا مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصاره إياهم، فكانت صفية في جملة السبي، وكان زوجها في جملة القتلى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 223‏)‏

ولما اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصارت في حوزه وملكه كما سيأتي، وبنى بها بعد استبرائها وحلها، وجد أثر تلك اللطمة في خدها، فسألها ما شأنها، فذكرت له ما كانت رأت من تلك الرؤيا الصالحة رضي الله عنها وأرضاها‏.‏

قال البخاري‏:‏ حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال‏:‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح قريباً من خيبر بغلس، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين‏)‏‏)‏‏.‏

فخرجوا يسعون في السكك، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة، وسبى الذرية، وكان في السبي صفية، فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عتقها صداقها‏.‏

ورواه مسلم أيضاً من حديث حماد بن زيد، وله طرق عن أنس‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا آدم، عن شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، قال‏:‏ سمعت أنس بن مالك يقول‏:‏ سبى النبي صلى الله عليه وسلم صفية فأعتقها وتزوجها‏.‏

قال ثابت لأنس‏:‏ ما أصدقها‏؟‏

قال‏:‏ أصدقها نفسها فأعتقها‏.‏

تفرد به البخاري من هذا الوجه‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا عبد الغفار بن داود، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ح، وحدثنا أحمد بن عيسى، حدثنا ابن وهب، أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن عمرو مولى المطلب، عن أنس بن مالك قال‏:‏

قدمنا خيبر فلما فتح صلى الله عليه وسلم الحصن، ذُكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، وقد قتل زوجها وكانت عروساً، فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، فخرج بها حتى بلغ بها سُدَّ الصهباء حلت، فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صنع حيساً في نطع صغير، ثم قال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏آذن من حولك‏)‏‏)‏ فكانت تلك وليمته على صفية‏.‏

ثم خرجنا إلى المدينة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوي لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب‏.‏

تفرد به دون مسلم‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، أخبرني حميد أنه سمع أنساً يقول‏:‏ أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يُبنى عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولحم، وما كان فيها إلا أن أمر بلالاً بالأنطاع فبسطت، فألقي عليها التمر والأقط والسمن، فقال المسلمون‏:‏ إحدى أمهات المؤمنين أوما ملكت يمينه‏؟‏

فقالوا‏:‏ إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه‏.‏ فلما ارتحل وطأ لها خلفه، ومد الحجاب‏.‏

انفرد به البخاري‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ حدثنا مسدد، حدثنا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال‏:‏ صارت صفية لدحية الكلبي، ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 224‏)‏

وقال أبو داود‏:‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال‏:‏ حدثنا ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال‏:‏ جمع السبي - يعني‏:‏ بخيبر - فجاء دحية فقال‏:‏ يا رسول الله أعطني جارية من السبي، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اذهب فخذ جارية‏)‏‏)‏ فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا نبي الله أعطيت دحية، قال يعقوب‏:‏ صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير ما تصلح إلا لك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ادعوا بها‏)‏‏)‏ فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذ جارية من السبي غيرها‏)‏‏)‏ وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها وتزوجها‏.‏

وأخرجاه من حديث ابن علية‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ حدثنا محمد بن خلاد الباهلي، حدثنا بهز بن أسد، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن أنس قال‏:‏ وقع في سهم دحية جارية جميلة، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس، ثم دفعها إلى أم سلمة تصنعها وتهيئها‏.‏

قال حماد‏:‏ وأحسبه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وتعتد في بيتها صفية بنت حيي‏)‏‏)‏‏.‏

تفرد به أبو داود‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم القموص حصن بني أبي الحقيق، أُتي بصفية بنت حيي ابن أخطب، وأخرى معها، فمر بهما بلال - وهو الذي جاء بهما - على قتلى من قتلى يهود، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت، وصكت وجهها، وحثت التراب على رأسها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏أعزبوا عني هذه الشيطانة‏)‏‏)‏ وأمر بصفية فحيزت خلفه، وألقى عليها رداءه، فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال - فيما بلغني - حين رأى بتلك اليهودية ما رأى‏:‏ ‏(‏‏(‏أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ‏؟‏‏)‏‏)‏

وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، أن قمراً وقع في حجرها، فعرضت رؤياها على زوجها فقال‏:‏ ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمداً، فلطم وجهها لطمة خضَّر عينها منها‏.‏

فأُتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه، فسألها ‏(‏‏(‏ما هذا ‏؟‏‏)‏‏)‏ فأخبرته الخبر‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه فجحد أن يكون يعلم مكانه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة‏:‏ ‏(‏‏(‏أرأيت إن وجدناه عندك أقتلك ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤديه، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام، فقال‏:‏ عذبه حتى تستأصل ما عنده‏.‏

وكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 225‏)‏

 فصل محاصرة النبي عليه السلام أهل خيبر في حُصنيهم

قال ابن إسحاق‏:‏ وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم، حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم، وأن يحقن دماءهم ففعل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها‏:‏ الشق، والنطاة، والكتيبة، وجميع حصونهم إلا ما كان من ذينك الحصنين، فلما سمع أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم، ويحقن دماءهم، ويخلوا له الأموال ففعل‏.‏

وكان ممن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك، محيصة بن مسعود أخو بني حارثة، فلما نزل أهل خيبر على ذلك، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف، وقالوا‏:‏ نحن أعلم بها منكم، وأعمر لها، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم، وعامل أهل فدك بمثل ذلك‏.‏

 فصل

فتح حصونها وقسيمة أرضها

قال الواقدي‏:‏ لما تحولت اليهود من حصن ناعم وحصن الصعب بن معاذ، إلى قلعة الزبير، حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام، فجاء رجل من اليهود يُقال له‏:‏ غزَّال، فقال‏:‏ يا أبا القاسم، تُؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل النطاة، وتخرج إلى أهل الشق فإن أهل الشق قد هلكوا رعباً منك‏؟‏

قال‏:‏ فأمنه رسول الله على أهله وماله، فقال له اليهودي‏:‏ إنك لو أقمت شهراً تحاصرهم ما بالوا لك، إن لهم تحت الأرض دبولاً يخرجون بالليل فيشربون منها، ثم يرجعن إلى قلعتهم‏.‏

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع دبولهم، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال، وقتل من المسلمين يومئذ نفر، وأصيب من اليهود عشرة، وافتتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر حصون النطاة، وتحول إلى الشق وكان به حصون ذوات عدد‏.‏

فكان أول حصن بدأ به منها حصن أبي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على قلعة يقال لها‏:‏ سموان، فقاتل عليها أشد القتال، فخرج منهم رجل يقال له‏:‏ عزول، فدعا إلى البراز، فبرز إليه الحباب بن المنذر، فقطع يده اليمنى من نصف ذراعه، ووقع السيف من يده، وفر اليهودي راجعاً، فاتبعه الحباب فقطع عرقوبه‏.‏

وبرز منهم آخر، فقام إليه رجل من المسلمين فقتله اليهودي، فنهض إليه أبو دجانة فقتله، وأخذ سلبه، وأحجموا عن البراز، فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن، فدخلوه وأمامهم أبو دجانة، فوجدوا فيه أثاثاً، ومتاعاً، وغنماً، وطعاماً، وهرب من كان فيه من المقاتلة، وتقحموا الجزر كأنهم الضباب، حتى صاروا إلى حصن البزاة بالشق، وتمنعوا أشد الامتناع‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏/226‏)‏

فزحف إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فتراموا، ورمى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة، حتى أصاب نبلهم بنانه عليه الصلاة والسلام، فأخذ عليه السلام كفاً من الحصا، فرمى حصنهم بها، فرجف بهم، حتى ساخ في الأرض، وأخذهم المسلمون أخذاً باليد‏.‏

قال الواقدي‏:‏ ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأخبية، والوطيح، والسلالم، حصني ابن أبي الحقيق، وتحصنوا أشد التحصن، وجاء إليهم كل من كان انهزم من النطاة إلى الشق، فتحصنوا معهم في القموص وفي الكتيبة، وكان حصناً منيعاً، وفي الوطيح والسلالم، وجعلوا لا يطلعون من حصونهم حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصب المنجنيق عليهم‏.‏

فلما أيقنوا بالهلكة وقد حصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر يوماً، نزل إليه ابن أبي الحقيق فصالحه على حقن دمائهم، ويسيرهم ويخلون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من الأرض، والأموال، والصفراء، والبيضاء، والكراع، والحلقة، وعلى البر، إلا ما كان على ظهر إنسان - يعني لباسهم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله، إن كتمتم شيئاً، فصالحوه على ذلك‏.‏

قلت‏:‏ ولهذا لما كتموا، وكذبوا، وأخفوا ذلك المسك الذي كان فيه أموال جزيلة تبين أنه لا عهد لهم، فقتل ابني أبي الحقيق وطائفة من أهله، بسبب نقض العهود منهم والمواثيق‏.‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ حدثني أبو الحسن علي بن محمد المقري الإسفرايني، حدثنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب، حدثنا عبد الواحد بن غياث، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا عبيد الله بن عمر، فيما يحسب أبو سلمة، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر، حتى ألجأهم إلى قصرهم، فغلب على الأرض والزرع والنخل، فصالحوه على أن يجلوا منها، ولهم ما حملت ركابهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء، والبيضاء، و الحلقة، ويخرجون منها‏.‏

واشترط عليهم أن لا يكتموا، ولا يغيبوا شيئاً، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، فغيبوا مسكاً فيه مال وحلي لحيي بن أخطب، وكان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ لعم حيي‏:‏ ‏(‏‏(‏ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ أذهبته النفقات والحروب‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏العهد قريب، والمال أكثر من ذلك‏)‏‏)‏ فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير فمسه بعذاب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 227‏)‏

وقد كان حيي قبل ذلك دخل خربة، فقال‏:‏ قد رأيت حيياً يطوف في خربة ها هنا، فذهبوا فطافوا، فوجدوا المسك في الخربة، فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق، وأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب، وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وذراريهم، وقسَّم أموالهم بالنكث الذي نكثوا، وأراد إجلاءهم منهما‏.‏

فقالوا‏:‏ يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها، ونقوم عليها، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ونخيل، وشيء ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرصها عليهم، ثم يضمنهم الشطر، فشكوا إلى رسول الله شدة خرصه، وأرادوا أن يرشوه، فقال‏:‏ يا أعداء الله تطعموني السحت، والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي، ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم‏.‏

فقالوا‏:‏ بهذا قامت السموات والأرض‏.‏

قال‏:‏ فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعين صفية خضرة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا صفية ما هذه الخضرة ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقالت‏:‏ كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة، فرأيت كأن قمراً وقع في حجري، فأخبرته بذلك فلطمني، وقال‏:‏ تتمنين ملك يثرب‏.‏

قالت‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبغض الناس إلي، قَتَل زوجي وأبي، فما زال يعتذر إلي ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أباك ألَّب عليَّ العرب، وفعل ما فعل‏)‏‏)‏ حتى ذهب ذلك من نفسي‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقاً من تمر كل عام، وعشرين وسقاً من شعير، فلما كان في زمان عمر غشوا المسلمين، وألقوا ابن عمر من فوق بيت، ففدعوا يديه، فقال عمر‏:‏ من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها، فقسمها بينهم فقال رئيسهم‏:‏ لا تخرجنا، دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر‏.‏

فقال عمر‏:‏ أتراني سقط عليَّ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏كيف بك إذا وقصت بك راحلتك نحو الشام يوماً، ثم يوماً، ثم يوماً‏)‏‏)‏ وقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية‏.‏

وقد رواه أبو داود مختصراً من حديث حماد بن سلمة‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وعقله البخاري في كتابه، فقال‏:‏ ورواه حماد بن سلمة، قلت‏:‏ ولم أره في الأطراف، فالله أعلم‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ حدثني سليمان بن داود المهري، حدثنا ابن وهب، أخبرني أسامة بن زيد الليثي، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، قال‏:‏ لما فتحت خيبر سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرهم، على أن يعملوا على النصف مما خرج منها‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أقركم فيها على ذلك ما شئنا‏)‏‏)‏ فكانوا على ذلك، وكان التمر يقسم على السهمان من نصف خيبر، ويأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس، وكان أطعم كل امرأة من أزواجه من الخمس مائة وسق من تمر، وعشرين وسقاً من شعير‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 228‏)‏

فلما أراد عمر إخراج اليهود، أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهن‏:‏ من أحب منكن أن أقسم لها مائة وسق فيكون لها أصلها، وأرضها، وماؤها، ومن الزرع مزرعة عشرين وسقاً من شعير فعلنا، ومن أحب أن نعزل الذي لها في الخمس كما هو فعلنا‏.‏

وقد روى أبو داود من حديث محمد بن إسحاق‏:‏ حدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر قال‏:‏ أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أن يخرجهم إذا شاء، فمن كان له مال فليلحق به، فإني مخرج يهود فأخرجهم‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن جبير بن مطعم أخبره قال‏:‏ مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا‏:‏ أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن وهم بمنزلة واحدة منك، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد‏)‏‏)‏‏.‏

قال جبير بن مطعم‏:‏ ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئاً‏.‏

تفرد به دون مسلم‏.‏

وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن بني هاشم وبني عبد المطلب شيء واحد، إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام‏)‏‏)‏‏.‏

قال الشافعي‏:‏ دخلوا معهم في الشعب، وناصروهم في إسلامهم وجاهليتهم، قلت‏:‏ وقد ذم أبو طالب بني عبد شمس ونوفلاً حيث يقول‏:‏

جزى الله عنا عبد شمسٍ ونوفلاً * عقوبة شرٍ عاجلاً غيرَ آجلِ

وقال البخاري‏:‏ حدثنا الحسن بن إسحاق، ثنا محمد بن ثابت، ثنا زائدة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال‏:‏ قسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين، وللراجل سهماً، قال‏:‏ فسره نافع فقال‏:‏ إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، وإن لم يكن معه فرس فله سهم‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا محمد بن جعفر، أخبرني زيد، عن أبيه، أنه سمع عمر بن الخطاب يقول‏:‏ أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس بباناً ليس لهم شيء، ما فتحت على قرية إلا قسمتها، كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها‏.‏

وقد رواه البخاري أيضاً من حديث مالك وأبو داود، عن أحمد بن حنبل، عن ابن مهدي، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر به‏.‏

وهذا السياق يقتضي أن خيبر بكمالها قسمت بين الغانمين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 229‏)‏

وقد قال أبو داود‏:‏ ثنا ابن السرح، أنبأنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال‏:‏ بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال، وترك من ترك من أهلها على الجلاء بعد القتال‏.‏

وبهذا قال الزهري‏:‏ خمس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، ثم قسَّم سائرها على من شهدها، وفيما قاله الزهري نظر، فإن الصحيح أن خيبر جميعها لم تقسم، وإنما قسم نصفها بين الناس، كما سيأتي بيانه‏.‏

وقد احتج بهذا مالك، ومن تابعه، على أن الإمام مخير في الأراضي المغنومة، إن شاء قسَّمها، وإن شاء رصدها لمصالح المسلمين، وإن شاء قسَّم بعضها وأرصد بعضها، لما ينوبه في الحاجات والمصالح‏.‏

قال أبو داود‏:‏ حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن، ثنا أسد بن موسى، حدثنا يحيى بن زكريا، حدثني سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة، قال‏:‏ قسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين، نصفاً لنوائبه، ونصفاً بين المسلمين، قسَّمها بينهم على ثمانية عشر سهماً‏.‏

تفرد به أبو داود‏.‏

ثم رواه أبو داود من حديث بشير بن يسار مرسلاً، فعين نصف النوائب الوطيح، والكتيبة، والسلالم، وما حيز معها، ونصف المسلمين الشق، والنطاة، وما حيز معهما، وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حيز معهما‏.‏

وقال أيضاً حسين بن علي‏:‏ ثنا محمد بن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار مولى الأنصار، عن رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر، فقسمها على ستة وثلاثين سهماً، جمع كل سهم مائة سهم‏.‏

فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من ذلك، وعزل النصف الثاني لمن نزل به من الوفود، والأمور، ونوائب الناس‏.‏

تفرد به أبو داود‏.‏

قال أبو داود‏:‏ حدثنا محمد بن عيسى، ثنا مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد الأنصاري، سمعت أبي يعقوب بن مجمع يقول، عن عمه عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري، عن عمه مجمع بن حارثة الأنصاري - وكان أحد القراء الذين قرؤوا القرآن - قال‏:‏ قسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها، رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهماً، وكان الجيش ألفاً وخمسمائة، فيهم ثلثمائة فارس، فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهماً‏.‏

تفرد به أبو داود‏.‏

وقال مالك عن الزهري، أن سعيد بن المسيب أخبره، أن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح بعض خيبر عنوة‏.‏

ورواه أبو داود، ثم قال أبو داود‏:‏ قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد، أخبركم ابن وهب‏:‏ حدثني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، أن خيبر بعضها كان عنوة، وبعضها صلحاً، والكتيبة أكثرها عنوة وفيها صلح، قلت لمالك‏:‏ وما الكتيبة‏؟‏

قال‏:‏ أرض خيبر، وهي أربعون ألف عذق‏.‏

قال أبو داود‏:‏ والعذق‏:‏ النخلة، والعذق‏:‏ العرجون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 230‏)‏

ولهذا قال البخاري‏:‏ حدثنا محمد بن بشار، ثنا حرمي، ثنا شعبة، ثنا عمارة، عن عكرمة، عن عائشة قالت‏:‏ لما فتحت خيبر قلنا‏:‏ الآن نشبع من التمر‏.‏

حدثنا الحسن، ثنا قرة بن حبيب، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن ابن عمر قال‏:‏ ما شبعنا - يعني من التمر - حتى فتحنا خيبر‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ كانت الشق والنطاة في سهمان المسلمين، الشق ثلاثة عشر سهماً، ونطاة خمسة أسهم، قسم الجميع على ألف وثمانمائة سهم، ودفع ذلك إلى من شهد الحديبية من حضر خيبر ومن غاب عنها، ولم يغب عن خيبر ممن شهد الحديبية إلا جابر بن عبد الله فضرب له بسهمه‏.‏

قال‏:‏ وكان أهل الحديبية ألفاً وأربعمائة، وكان معهم مائتا فرس، لكل فرس سهمان، فصرف إلى كل مائة رجل سهم من ثمانية عشر سهماً، وزيد المائتا فارس أربعمائة سهم لخيولهم‏.‏

وهكذا رواه البيهقي من طريق سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن صالح بن كيسان، أنهم كانوا ألفاً وأربعمائة، معهما مائتا فرس‏.‏

قلت‏:‏ وضرب رسول الله معهم بسهم، وكان أول سهم من سهمان الشق مع عاصم بن عدي‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وكانت الكتيبة خمساً لله تعالى، وسهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وطعمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وطعمة أقوام مشوا في صلح أهل فدك، منهم محيصة بن مسعود، أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقاً من تمر، وثلاثين وسقاً من شعير‏.‏

قال‏:‏ وكان وادياها اللذان قسمت عليه يقال لهما‏:‏ وادي السرير، ووادي خاص‏.‏

ثم ذكر ابن إسحاق تفاصيل الإقطاعات منها، فأجاد وأفاد رحمه الله‏.‏

قال‏:‏ وكان الذي ولي قسمتها وحسابها جبار بن صخر بن أمية بن خنساء، أخو بني سلمة وزيد بن ثابت، رضي الله عنهما‏.‏

قلت‏:‏ وكان الأمير على خرص نخيل خيبر عبد الله بن رواحة، فخرصها سنتين، ثم لما قتل رضي الله عنه كما سيأتي في يوم مؤتة، ولي بعده جبار بن صخر رضي الله عنه‏.‏

وقد قال البخاري‏:‏ حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن عبد المجيد بن سهيل، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر فجاء بتمر جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أكل تمر خيبر هكذا ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 231‏)‏

قال البخاري‏:‏ وقال الدراوردي عن عبد المجيد، عن سعيد بن المسيب، أن أبا سعيد وأبا هريرة حدثاه‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي من الأنصار إلى خيبر وأمَّره عليها‏.‏

وعن عبد المجيد، عن أبي صالح السمان، عن أبي سعيد، وأبي هريرة مثله‏.‏

قلت‏:‏ كان سهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي أصاب مع المسلمين، مما قسم بخيبر وفدك بكمالها، وهي طائفة كبيرة من أرض خيبر، نزلوا من شدة رعبهم منه صلوات الله وسلامه عليه، فصالحوه وأموال بني النضير المتقدم، ذكرها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت هذه الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة‏.‏

وكان يعزل منها نفقة أهله لسنة، ثم يجعل ما بقي مجعل مال الله، يصرفه في الكراع، والسلاح، ومصالح المسلمين، فلما مات صلوات الله وسلامه عليه اعتقدت فاطمة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم - أو أكثرهن - أن هذه الأراضي تكون موروثة عنه، ولم يبلغهم ما ثبت عنه من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه فهو صدقة‏)‏‏)‏‏.‏

ولما طلبت فاطمة، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والعباس، نصيبهم من ذلك، وسألوا الصديق أن يسلمه إليهم، وذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا نورث ما تركنا صدقة‏)‏‏)‏‏.‏

وقال‏:‏ أنا أعول من كان يعول رسول الله، والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وصدق رضي الله عنه وأرضاه فإنه البار الراشد في ذلك التابع للحق‏.‏

وطلب العباس وعلي على لسان فاطمة، إذ قد فاتهم الميراث أن ينظرا في هذه الصدقة، وأن يصرفا ذلك في المصارف التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرفها فيها، فأبى عليهم الصديق ذلك، ورأى أن حقاً عليه أن يقوم فيما كان يقوم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يخرج من مسلكه ولا عن سنته‏.‏

فتغضبت فاطمة رضي الله عنها عليه في ذلك، ووجدت في نفسها بعض الموجدة ولم يكن لها ذلك، والصديق من قد عرفت هي والمسلمون، محله ومنزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيامه في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته، فجزاه الله عن نبيه وعن الإسلام وأهله خيراً‏.‏

وتوفيت فاطمة رضي الله عنها بعد ستة أشهر، ثم جدد على البيعة بعد ذلك، فلما كان أيام عمر بن الخطاب سألوه أن يفوض أمر هذه الصدقة إلى علي والعباس، وثقلوا عليه بجماعة من سادات الصحابة، ففعل عمر رضي الله عنه ذلك، وذلك لكثرة أشغاله، واتساع مملكته، وامتداد رعيته، فتغلب علي على عمه العباس فيها‏.‏

ثم تساوقا يختصمان إلى عمر، وقدما بين أيديهما جماعة من الصحابة، وسألا منه أن يقسمها بينهما، فينظر كل منهما فيما لا ينظر فيه الآخر، فامتنع عمر من ذلك أشد الامتناع، وخشي أن تكون هذه القسمة تشبه قسمة المواريث‏.‏

وقال‏:‏ انظرا فيها، وأنتما جميع فإن عجزتما عنها، فادفعاها إلي، والذي تقوم السماء والأرض بأمره لا أقضي فيها غير هذا‏.‏

فاستمرا فيها ومن بعدهما إلى ولدهما إلى أيام بني العباس، تصرف في المصارف التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفها فيها، أموال بني النضير، وفدك، وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 232‏)‏

 فصل تخصيص شيء من الغنيمة للعبيد والنساء ممن شهدوا خيبر‏.‏

وأما من شهد خيبر من العبيد، والنساء، فرضخ لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من الغنيمة، ولم يسهم لهم‏.‏

قال أبو داود‏:‏ حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا بشر بن المفضل، عن محمد بن زيد، حدثني عمير مولى أبي اللحم، قال‏:‏ شهدت خيبر مع سادتي، فكلموا فيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بي، فقلدت سيفاً، فإذا أنا أجره، فأخبر أني مملوك، فأمر لي بشيء من طريق المتاع‏.‏

ورواه الترمذي، والنسائي، جميعاً عن قتيبة، عن بشر بن المفضل به‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏

ورواه ابن ماجه، عن علي بن محمد، عن وكيع، عن هشام بن سعد، عن محمد بن زيد بن المهاجر، عن منقذ، عن عمير به‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء، فرضخ لهن من الفيء، ولم يضرب لهن بسهم، حدثني سليمان بن سحيم، عن أمية بنت أبي الصلت، عن امرأة من بني غفار قد سماها لي، قالت‏:‏

أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار، فقلنا‏:‏ يا رسول الله قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا - وهو يسير إلى خيبر - فنداوي الجرحى، ونعين المسلمين بما استطعنا؛ فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏على بركة الله‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ فخرجنا معه، قالت‏:‏ وكنت جارية حدثة السن، فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله، قالت‏:‏ فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح، ونزلت عن حقيبة رحله، قالت‏:‏ وإذا بها دم مني، وكانت أول حيضة حضتها، قالت فتقبضت إلى الناقة واستحيت‏.‏

فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي، ورأى الدم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما لك‏؟‏ لعلك نفست‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناء من ماء، فاطرحي فيه ملحاً، ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ فلما فتح الله خيبر، رضخ لنا من الفيء، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها، وعلقها بيده في عنقي، فوالله لا تفارقني أبداً‏.‏

وكانت في عنقها حتى ماتت، ثم أوصت أن تدفن معها‏.‏

قالت‏:‏ وكانت لا تطهر من حيضها، إلا جعلت في طهورها ملحاً، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت‏.‏

وهكذا رواه الإمام، وأبو داود، من حديث محمد بن إسحاق به‏.‏

قال شيخنا أبو الحجاج المزي في ‏(‏أطرافه‏)‏‏:‏ ورواه الواقدي، عن أبي بكر بن أبي سبرة، عن سليمان بن سحيم، عن أم علي بنت أبي الحكم، عن أمية بنت قيس بن أبي الصلت، عن النبي صلى الله عليه وسلم به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 233‏)‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حسن بن موسى، ثنا رافع بن سلمة الأشجعي، حدثني حشرج بن زياد، عن جدته أم أبيه، قالت‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة خيبر، وأنا سادسة ست نسوة، قالت‏:‏ فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن معه نساء‏.‏

قالت‏:‏ فأرسل إلينا فدعانا، قالت‏:‏ فرأينا في وجهه الغضب، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما أخرجكن وبأمر من خرجتن ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ خرجنا نناول السهام، ونسقي السويق، ومعنا دواء للجرحى، ونغزل الشعر، فنعين به في سبيل الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فمرن فانصرفن‏)‏‏)‏ قالت‏:‏ فلما فتح الله عليه خيبر أخرج لنا سهاماً كسهام الرجال، فقلت لها‏:‏ يا جدة وما الذي أخرج لكن‏؟‏ قالت‏:‏ تمراً‏.‏

قلت‏:‏ إنما أعطاهن من الحاصل، فأما أنه أسهم لهن في الأرض كسهام الرجال فلا ‏!‏ والله أعلم‏.‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ وفي كتابي عن أبي عبد الله الحافظ، أن عبد الله الأصبهاني أخبره‏:‏ حدثنا الحسين بن الجهم، ثنا الحسين بن الفرج، ثنا الواقدي، حدثني عبد السلام بن موسى بن جبير، عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن أنيس، قال‏:‏

خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، ومعي زوجتي وهي حبلى، فنفست في الطريق، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏انقع لها تمراً، فإذا انغمر فأمر به لتشربه‏)‏‏)‏ ففعلت، فما رأت شيئاً تكرهه‏.‏

فلما فتحنا خيبر أجدى النساء ولم يسهم لهن، فأجدى زوجتي وولدي الذي ولد، قال عبد السلام‏:‏ لست أدري غلام أو جارية‏.‏

ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب ومسلمو الحبشة المهاجرون

قال البخاري‏:‏ حدثنا محمد بن العلاء، ثنا أبو أسامة، ثنا يزيد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال‏:‏ بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهم أبو بردة، والآخر أبو رهم، إما قال في بضع، وإما قال في ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي‏.‏

فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فكان أناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة - سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس - وهي ممن قدم معنا - على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 234‏)‏

فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال حين رأى أسماء‏:‏ من هذه‏؟‏

قالت‏:‏ أسماء ابنة عميس‏.‏

قال عمر‏:‏ الحبشية هذه‏؟‏ البحرية هذه‏؟‏

قالت أسماء‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم‏.‏

فغضبت وقالت‏:‏ كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار - أو في أرض - البعداء والبغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيم الله لا أطعم طعاماً، ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله، ووالله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد عليه‏.‏

فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت‏:‏ يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا، قالت‏:‏ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فما قلتِ له ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ قلت‏:‏ كذا وكذا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ فلقد رأيت أبا موسى، وأهل السفينة، يأتوني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم، مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو بردة‏:‏ قالت أسماء‏:‏ فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني‏.‏

وقال أبو بردة‏:‏ عن أبي موسى، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أرَ منازلهم حين نزلوا بالنهار، ومنهم حكيم بن حزام، إذا لقي العدو - أو قال الخيل - قال لهم إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه مسلم، عن أبي كريب وعبد الله بن براد، عن أبي أسامة به‏.‏

ثم قال البخاري‏:‏ قال‏:‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا حفص بن غياث، ثنا يزيد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي موسى، قال‏:‏ قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن افتتح خيبر، فقسم لنا ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا‏.‏

تفرد به البخاري دون مسلم‏.‏

ورواه أبو داود، والترمذي، وصححه من حديث يزيد به‏.‏

وقد ذكر محمد بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي، يطلب منه من بقي من أصحابه بالحبشة، فقدموا صحبة جعفر، وقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر‏.‏

قال‏:‏ وقد ذكر سفيان بن عيينة، عن الأجلح، عن الشعبي، أن جعفر بن أبي طالب قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر، فقبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه والتزمه، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما أدري بأيهما أنا أُسر، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

هكذا رواه سفيان الثوري عن الأجلح، عن الشعبي مرسلاً‏.‏

وأسند البيهقي من طريق حسن بن حسين العرزمي، عن الأجلح، عن الشعبي، عن جابر قال‏:‏ لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، قدم جعفر من الحبشة، فتلقاه وقبَّل جبهته، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏والله ما أدري بأيهما أفرح، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 235‏)‏

ثم قال البيهقي‏:‏ حدثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا الحسين بن أبي إسماعيل العلوي، ثنا أحمد بن محمد البيروتي، ثنا محمد بن أحمد بن أبي طيبة، حدثني مكي بن إبراهيم الرعيني، ثنا سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر، قال‏:‏

لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة، تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر جعفر إليه حجل - قال مكي‏:‏ يعني مشى على رجل واحدة - إعظاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه، ثم قال البيهقي‏:‏ في إسناده من لا يعرف إلى الثوري‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان الذين تأخروا مع جعفر من أهل مكة، إلى أن قدموا معه خيبر ستة عشر رجلاً، وسرد أسماءهم، وأسماء نسائهم وهم‏:‏

جعفر بن أبي طالب الهاشمي، وامرأته أسماء بنت عميس، وابنه عبد الله ولد بالحبشة، وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد، وولداه سعيد وأمه بنت خالد، ولدا بأرض الحبشة، وأخوه عمرو بن سعيد بن العاص، ومسعيب بن أبي فاطمة، وكان إلى آل سعيد بن العاص‏.‏

قال‏:‏ وأبو موسى الأشعري، عبد الله بن قيس حليف آل عتبة بن ربيعة، وأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد الأسدي، وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل العبدري، وقد ماتت امرأته أم حرملة بنت عبد الأسود بأرض الحبشة، وابنا عمرو، وابنته خزيمة، ماتا بها رحمهم الله، وعامر بن أبي وقاص الزهري‏.‏

وعتبة بن مسعود حليف لهم من هذيل، والحارث بن خالد بن صخر التيمي، وقد هلكت بها امرأته ريطة بنت الحارث رحمها الله، وعثمان بن ربيعة بن أهبان الجمحي، ومحمية بن جزء الزبيدي حليف بني سهم، ومعمر بن عبد الله بن نضلة العدوي، وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس، ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس العامريان، ومع مالك هذا امرأته عمرة بنت السعدي، والحارث بن عبد شمس بن لقيط الفهري‏.‏

قلت‏:‏ ولم يذكر ابن إسحاق أسماء الأشعريين الذين كانوا مع أبي موسى الأشعري، وأخويه أبا بردة، وأبا رهم، وعمه أبا عامر، بل لم يذكر من الأشعريين غير أبي موسى، ولم يتعرض لذكر أخويه، وهما أسن منه، كما تقدم في صحيح البخاري، وكأن ابن إسحاق رحمه الله لم يطلع على حديث أبي موسى في ذلك، والله أعلم‏.‏

قال‏:‏ وقد كان معهم في السفينتين نساءٌ من نساء من هلك من المسلمين هنالك، وقد حرر ها هنا شيئاً كثيراً حسناً‏.‏

قال البخاري‏:‏ حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، سمعت الزهري، وسأله إسماعيل بن أمية قال‏:‏ أخبرني عنبسة بن سعيد، أن أبا هريرة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله - يعني أن يقسم له - فقال بعض بني سعيد بن العاص‏:‏ لا تعطه‏.‏

فقال أبو هريرة‏:‏ هذا قاتل ابن قوقل‏.‏

فقال‏:‏ واعجباً لو بر تدلى من قدوم الضال‏.‏

تفرد به دون مسلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 236‏)‏

قال البخاري‏:‏ ويذكر عن الزبيدي، عن الزهري، أخبرني عنبسة بن سعيد، أنه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاص، قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أباناً على سرية من المدينة قبل نجد‏.‏

قال أبو هريرة‏:‏ فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد ما افتتحها، وإن حزم خيلهم لليف‏.‏

قال أبو هريرة‏:‏ فقلت يا رسول الله لا تقسم لهم، فقال أبان‏:‏ وأنت بهذا يا وبر تحدر من رأس ضال‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبان اجلس‏)‏‏)‏ ولم يقسم لهم‏.‏

وقد أسند أبو داود هذا الحديث، عن سعيد بن منصور، عن إسماعيل بن عياش، عن محمد بن الوليد الزبيدي به نحوه‏.‏

ثم قال البخاري‏:‏ حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا عمرو بن يحيى بن سعيد، أخبرني جدي وهو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، أن أبان بن سعيد أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال أبو هريرة‏:‏

يا رسول الله هذا قاتل ابن قوقل، فقال أبان لأبي هريرة‏:‏ واعجباً لك يا وبر تردى من قدوم ضال، تنعي على امرء أكرمه الله بيدي، ومنعه أن يهينني بيده‏؟‏

هكذا رواه منفرداً به ها هنا‏.‏

وقال في الجهاد بعد حديث الحميدي‏:‏ عن سفيان، عن الزهري، عن عنبسة بن سعيد، عن أبي هريرة قال‏:‏ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد ما افتتحها، فقلت‏:‏ يا رسول الله أسهم لي، فقال بعض آل سعيد بن العاص‏:‏ لا تقسم له، فقلت‏:‏ يا رسول الله هذا قاتل ابن قوقل‏.‏ الحديث‏.‏

قال سفيان حدثنيه السعدي - يعني عمرو بن يحيى بن سعيد - عن جده عن أبي هريرة بهذا ففي هذا التصريح من أبي هريرة بأنه لم يشهد خيبر‏.‏ وتقدم في أول هذه الغزوة‏.‏

رواه الإمام أحمد من طريق عراك بن مالك، عن أبي هريرة، وأنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما افتتح خيبر، فكلم المسلمين فأشركونا في أسهامهم‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا روح، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عمار بن أبي عمار قال‏:‏ ما شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغنماً قط، إلا قسم لي، إلا خيبر فإنها كانت لأهل الحديبية خاصة‏.‏

قلت‏:‏ وكان أبو هريرة وأبو موسى جاءا بين الحديبية وخيبر‏.‏

وقد قال البخاري‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا معاوية بن عمرو، ثنا أبو إسحاق، عن مالك بن أنس، حدثني ثور، حدثني سالم مولى عبد الله بن مطيع، أنه سمع أبا هريرة يقول‏:‏ افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهباً ولا فضة، إنما غنمنا الإبل والبقر، والمتاع والحوائط‏.‏

ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى، ومعه عبد له يقال له‏:‏ مدعم أهداه له بعض بني الضبيب، فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه سهم عاثر حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس‏:‏ هنيئاً له بالشهادة‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 237‏)‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه ناراً‏)‏‏)‏‏.‏

فجاء رجل حين سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين، فقال‏:‏ هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏شراك أو شراكين من نار‏)‏‏)‏‏.‏

 قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر

قال البخاري‏:‏ رواه عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

ثم قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن يوسف، ثنا الليث، حدثني سعيد، عن أبي هريرة قال‏:‏ لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، هكذا أورده ها هنا مختصراً‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حجاج، ثنا ليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة قال‏:‏ لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏اجمعوا لي من كان ها هنا من يهود‏)‏‏)‏ فجمعوا له‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ نعم يا أبا القاسم‏.‏

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من أبوكم ‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ أبونا فلان‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏كذبتم بل أبوكم فلان‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ صدقت وبررت‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل أنتم صادقي عن شيء إذا سألتكم عنه ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من أهل النار ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقالوا‏:‏ نكون فيها يسيراً ثم تخلفونا فيها‏.‏

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏والله لا نخلفكم فيها أبداً‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال لهم‏:‏ ‏(‏‏(‏هل أنتم صادقي عن شيء إذا سألتكم ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقالوا‏:‏ نعم يا أبا القاسم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل جعلتم في هذه الشاة سماً ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما حملكم على ذلك ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ أردنا إن كنت كاذباً أن نستريح منك، وإن كنت نبياً لم يضرك‏.‏

وقد رواه البخاري في الجزية، عن عبد الله بن يوسف، وفي ‏(‏المغازي‏)‏ أيضاً عن قتيبة كلاهما عن الليث به‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الأصم قال‏:‏ حدثنا العباس بن محمد، قال‏:‏ حدثنا سعيد بن سليمان، ثنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن امرأة من يهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة‏.‏

فقال لأصحابه‏:‏ ‏(‏‏(‏أمسكوا فإنها مسمومة‏)‏‏)‏ وقال لها‏:‏ ‏(‏‏(‏ما حملك على ما صنعت ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ أردت أن أعلم إن كنت نبياً، فسيطلعك الله عليه، وإن كنت كاذباً أريح الناس منك‏.‏

قال‏:‏ فما عرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

رواه أبو داود، عن هارون بن عبد الله، عن سعيد بن سليمان به‏.‏

ثم روى البيهقي عن طريق عبد الملك بن أبي نضرة، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله نحو ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 238‏)‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا شريح، ثنا عباد، عن هلال - هو ابن خباب - عن عكرمة، عن ابن عباس، أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة، فأرسل إليها فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما حملك على ما صنعت ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ أحببت - أو أردت - إن كنت نبياً، فإن الله سيطلعك عليه، وإن لم تكن نبياً أريح الناس منك‏.‏

قال‏:‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد من ذلك شيئاً احتجم‏.‏

قال‏:‏ فسافر مرة، فلما أحرم وجد من ذلك شيئاً، فاحتجم‏.‏

تفرد به أحمد، وإسناده حسن‏.‏

وفي الصحيحين من حديث شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك، أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك قالت‏:‏ أردت لأقتلك‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما كان الله ليسلطك علي‏)‏‏)‏ أو قال‏:‏ ‏(‏‏(‏على ذلك‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ ألا تقتلها‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا‏)‏‏)‏‏.‏

قال أنس‏:‏ فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ حدثنا سليمان بن داود المهري، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال‏:‏ كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية، ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه‏.‏

ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ارفعوا أيديكم‏)‏‏)‏ وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة، فدعاها فقال لها‏:‏ ‏(‏‏(‏أسممت هذه الشاة ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت اليهودية‏:‏ من أخبرك‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أخبرتني هذه التي في يدي‏)‏‏)‏ وهي الذراع‏.‏

قالت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فما أردت بذلك ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ قلت إن كنت نبياً فلن يضرك، وإن لم تكن نبياً استرحنا منك‏.‏ فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة‏.‏

واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على كأهله من أجل الذي أكل من الشاة، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة، وهو مولى لبني بياضة من الأنصار‏.‏

ثم قال أبو داود‏:‏ حدثنا وهب بن بقية، ثنا خالد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية نحو حديث جابر‏.‏

قال‏:‏ فمات بشر بن البراء بن معرور، فأرسل إلى اليهودية فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما حملك على الذي صنعت ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فذكر نحو حديث جابر، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت، ولم يذكر أمر الحجامة‏.‏

قال البيهقي‏:‏ ورويناه من حديث حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال‏:‏ ويحتمل أنه لم يقتلها في الابتداء، ثم لما مات بشر بن البراء أمر بقتلها‏.‏

وروى البيهقي من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أن امرأة يهودية أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما هذه ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ هدية، وحذرت أن تقول صدقة فلا يأكل‏.‏

قال‏:‏ فأكل وأصحابه، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أمسكوا‏)‏‏)‏ ثم قال للمرأة‏:‏ ‏(‏‏(‏هل سممت ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ من أخبرك هذا‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا العظم لساقها‏)‏‏)‏ وهو في يده‏.‏

قالت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لم ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ أردت إن كنت كاذباً أن نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 239‏)‏

قال‏:‏ فاحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الكاهل، وأمر أصحابه فاحتجموا، ومات بعضهم‏.‏

قال الزهري‏:‏ فأسلمت، فتركها النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال البيهقي‏:‏ هذا مرسل، ولعله قد يكون عبد الرحمن حمله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه‏.‏

وذكر ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة، وكذلك موسى بن عقبة، عن الزهري قالوا‏:‏ لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، وقتل منهم من قتل، أهدت زينب بنت الحارث اليهودية وهي ابنة أخي مرحب لصفية شاة مصلية وسمتها، وأكثرت في الكتف والذراع، لأنه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور، وهو أحد بني سلمة، فقدمت إليهم الشاة المصلية، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف وانتهش منها، وتناول بشر عظماً فانتهش منه، فلما استرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته، استرط بشر بن البراء ما في فيه‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ارفعوا أيديكم، فإن كتف هذه الشاة يخبرني أني نعيت فيها‏)‏‏)‏‏.‏

فقال بشر بن البراء‏:‏ والذي أكرمك، لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت فما منعني أن ألفظها، إلا أني أعظمتك أن أبغضك طعامك، فلما أسغت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون استرطتها وفيها نعي‏.‏

فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول حتى يحول‏.‏

قال الزهري‏:‏ قال جابر‏:‏ واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، حجمه مولى بني بياضة بالقرن والشفرة، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه‏.‏

فقال‏:‏ ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عداداً، حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري‏)‏‏)‏ فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 240‏)‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقيل لها الذراع، فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة ثم جاءت بها‏.‏

فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع، فلاك منها مضغة، فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم‏)‏‏)‏ ثم دعا بها فاعترفت‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما حملك على ذلك ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت‏:‏ إن كان كذاباً استرحت منه، وإن كان نبياً فسيخبر‏.‏

قال‏:‏ فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بشر من أكلته التي أكل‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه - ودخلت عليه أخت بشر بن البراء بن معرور -‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أم بشر إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ الأبهر‏:‏ العرق المعلق بالقلب‏.‏

قال‏:‏ فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر البزار‏:‏ حدثنا هلال بن بشر، وسليمان بن يوسف الحراني، قالا‏:‏ ثنا أبو غياث سهل بن حماد، ثنا عبد الملك بن أبي نضرة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري أن يهودية أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة سميطاً‏.‏

فلما بسط القوم أيديهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أمسكوا فإن عضو من أعضائها يخبرني أنها مسمومة‏)‏‏)‏‏.‏

فأرسل إلى صاحبتها‏:‏ ‏(‏‏(‏أسممت طعامك ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما حملك على ذلك ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ إن كنت كذاباً أن أريح الناس منك، وإن كنت صادقاً علمت أن الله سيطلعك عليه‏.‏

فبسط يده وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلوا بسم الله‏)‏‏)‏ قال‏:‏ فأكلنا وذكرنا اسم الله فلم يضر أحداً منا‏.‏

ثم قال‏:‏ لا يروى عن عبد الملك بن أبي نضرة إلا من هذا الوجه‏.‏

قلت‏:‏ وفيه نكارة وغرابة شديدة، والله أعلم‏.‏

وذكر الواقدي‏:‏ أن عيينة بن حصن قبل أن يسلم رأى في منامه رؤيا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر خيبر، فطمع من رؤياه أن يقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيظفر به‏.‏

فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وجده قد افتتحها؛ فقال‏:‏ يا محمد أعطني ما غنمت من حلفائي - يعني‏:‏ أهل خيبر -‏.‏

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏كذبت رؤياك‏)‏‏)‏ وأخبره بما رأى‏.‏

فرجع عيينة فلقيه الحارث بن عوف فقال‏:‏ ألم أقل إنك توضع في غير شيء، والله ليظهرن محمد على ما بين المشرق والمغرب، وإن يهود كانوا يخبروننا بهذا، أشهد لسمعت أبا رافع سلام بن أبي الحقيق يقول‏:‏ إنا لنحسد محمداً على النبوة حيث خرجت من بني هارون، إنه لمرسل، ويهود لا تطاوعني على هذا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 241‏)‏

ولنا منه ذبحان، واحد بيثرب وآخر بخيبر‏.‏

قال الحارث‏:‏ قلت لسلام يملك الأرض ‏؟‏

قال‏:‏ نعم والتوراة التي أنزلت على موسى وما أحب أن تعلم يهود بقولي فيه‏.‏

فصل انصراف رسول الله إلى وادي القرى ومحاصرة أهله‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادي القرى، فحاصر أهله ليال ثم انصرف راجعاً إلى المدينة‏.‏

ثم ذكر من قصة مدعم وكيف جاءه سهم غارب فقتله، وقال الناس‏:‏ هنيئاً له الشهادة‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر لم يصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً‏)‏‏)‏‏.‏

وقد تقدم في ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ نحو ما ذكره ابن إسحاق والله أعلم‏.‏

وسيأتي ذكر قتاله عليه السلام بوادي القرى‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني‏:‏ أن رجلاً من أشجع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏صلوا على صاحبكم‏)‏‏)‏‏.‏

فتغير وجوه الناس من ذلك، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن صاحبكم غل في سبيل الله‏)‏‏)‏‏.‏

ففتشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز يهود ما يساوي درهمين‏.‏

وهكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث يحيى بن سعيد القطان‏.‏

ورواه أبو داود، وبشر بن المفضل، وابن ماجه، من حديث الليث بن سعد ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري به‏.‏

وقد ذكر البيهقي‏:‏ أن بني فزارة أرادوا أن يقاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من خيبر وتجمعوا لذلك، فبعث إليهم يواعدهم موضعاً معيناً فلما تحققوا ذلك هربوا كل مهرب؛ وذهبوا من طريقه كل مذهب‏.‏

وتقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلت صفية من استبرائها دخل بها بمكان يقال له‏:‏ سد الصهباء، في أثناء طريقه إلى المدينة؛ وأولم عليها بحيس‏.‏

وأقام ثلاثة أيام يبني عليه بها، وأسلمت فأعتقها وتزوجها وجعل عتاقها صداقها، وكانت إحدى أمهات المؤمنين كما فهمه الصحابة لما مد عليها الحجاب وهو مردفها وراءه رضي الله عنها‏.‏

وذكر محمد بن إسحاق في السيرة قال‏:‏ لما أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بخيبر - أو ببعض الطريق - وكانت التي جمّلتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 242‏)‏

وبات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له وبات أبو أيوب متوشحاً بسيفه يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطيف بالقبة، حتى أصبح، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما لك يا أبا أيوب ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ خفت عليك من هذه المرأة، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها، وكانت حديثة عهد بكفر فخفتها عليك‏.‏

فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب فذكر نومهم عن صلاة الصبح مرجعهم من خيبر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أولهم استيقاظاً فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ماذا صنعت بنا يا بلال ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏صدقت‏)‏‏)‏‏.‏

ثم اقتاد ناقته غير كثير ثم نزل، فتوضأ وصلى كما كان يصليها قبل ذلك‏.‏

وهكذا رواه مالك، عن الزهري، عن سعيد مرسلاً، وهذا مرسل من هذا الوجه‏.‏

وقد قال أبو داود‏:‏ حدثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر، فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرّس وقال لبلال‏:‏ ‏(‏‏(‏اكلأ لنا الليل‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فغلبت بلالاً عيناه وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظاً ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا بلال‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ فاقتادوا رواحلهم شيئاً، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بلالاً فأقام الصلاة وصلى لهم الصبح، فلما أن قضى الصلاة قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وأقم الصلاة لذكري‏}‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال يونس‏:‏ وكان ابن شهاب يقرأها كذلك‏.‏

وهكذا رواه مسلم عن حرملة بن يحيى عن عبد الله بن وهب به وفيه أن ذلك كان مرجعهم من خيبر‏.‏

وفي حديث شعبة عن جامع بن شداد، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة، عن ابن مسعود‏:‏ أن ذلك كان مرجعهم من الحديبية‏.‏

ففي رواية عنه أن بلالاً هو الذي كان يكلؤهم، وفي رواية عنه أنه هو الذي كان يكلؤهم‏.‏

قال الحافظ البيهقي‏:‏ فيحتمل أن ذلك كان مرتين‏.‏

قال‏:‏ وفي حديث عمران بن حصين، وأبي قتادة، نومهم عن الصلاة، وفيه حديث الميضاة فيحتمل أن ذلك إحدى هاتين المرتين أو مرة ثالثة‏.‏

قال‏:‏ وذكر الواقدي في حديث أبي قتادة أن ذلك كان مرجعهم من غزوة تبوك‏.‏

قال‏:‏ وروى زافر بن سليمان، عن شعبة، عن جامع بن شداد، عن عبد الرحمن، عن ابن مسعود أن ذلك كان مرجعهم من تبوك، فالله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 243‏)‏

ثم أورد البيهقي ما رواه صاحب الصحيح من قصة عوف الأعرابي، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين، في قصة نومهم عن الصلاة، وقصة المرأة صاحبة السطيحتين، وكيف أخذوا منهما ماء روى الجيش بكماله، ولم ينقص ذلك منهما شيئاً‏.‏

ثم ذكر ما رواه مسلم من حديث ثابت البناني عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، وهو حديث طويل، وفيه نومهم عن الصلاة، وتكثير الماء من تلك الميضاة‏.‏

وقد رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا عبد الواحد، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أبي موسى الأشعري قال‏:‏ لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبراً، وقال لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير‏:‏ الله أكبر لا إله إلا الله‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم‏)‏‏)‏‏.‏

وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعني وأنا أقول‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا عبد الله بن قيس‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ لبيك يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا حول ولا قوة إلا بالله‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه بقية الجماعة من طرق، عن عبد الرحمن بن مل أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري، والصواب أنه كان مرجعهم من خيبر، فإن أبا موسى إنما قدم بعد فتح خيبر كما تقدم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - قد أعطى ابن لقيم العبسي حين افتتح خيبر ما بها من دجاجة أو داجن، وكان فتح خيبر في صفر، فقال ابن لقيم في فتح خيبر‏:‏

رميت نطاة من الرسول بفيلقٍ * شهباء ذات مناكب وفقار

واستيقنت بالذلّ لما شيعت * ورجال أسلم وسطها وغفار

صبحت بني عمرو بن زرعة غدوة * والشق أظلم أهله بنهار

جرّت بأبطحها الذيول فلم تدع * إلا الدجاج تصيح بالأسحار

ولكل حصنٍ شاغل من خيلهم * من عبد الأشهل أو بني النجّار

ومهاجرين قد أعلموا سيماهم * فوق المغافر لم ينوا لفرار

ولقد علمت ليغلبن محمد * وليثوين بها إلى أصفار

فرّت يهود عند ذلك في الوغى * تحت العجاج غمائم الأبصار

‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 244‏)‏

 فصل من استشهد بخيبر من الصحابة

على ما ذكره ابن إسحاق بن يسار رحمه الله، وغيره من أصحاب المغازي‏.‏

فمن خير المهاجرين ربيعة بن أكثم بن سخبرة الأسدي مولى بني أمية، وثقيف بن عمرو، ورفاعة بن مسروح حلفاء بني أمية، وعبد الله بن الهبيب بن أهيب بن سحيم بن غيرة من بني سعد بن ليث، حليف بني أسد وابن أختهم‏.‏

ومن الأنصار بشر بن البراء بن معرور، من أكلة الشاة المسمومة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وفضيل بن النعمان السلميّان، ومسعود بن سعد بن قيس بن خالد بن عامر بن زريق الزرقي، ومحمود بن مسلمة الأشهلي، وأبو ضياح حارثة بن ثابت بن النعمان العمري‏.‏

والحارث بن حاطب، وعروة بن مرة بن سراقة، وأوس بن الفائد، وأنيف بن حبيب، وثابت بن أثلة، وطلحة، وعمارة بن عقبة رُمي بسهم فقتله‏.‏

وعامر بن الأكوع ثم سلمة بن عمرو بن الأكوع، أصابه طرف سيفه في ركبته فقتله رحمه الله كما تقدم، والأسود الراعي‏.‏

وقد أفرد ابن إسحاق ها هنا قصته وقد أسلفناها في أوائل الغزوة، ولله الحمد والمنة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وممن استشهد بخيبر فيما ذكره ابن شهاب من بني زهرة مسعود بن ربيعة، حليف لهم من القارة، ومن الأنصار ثم من بني عمرو بن عوف أوس بن قتادة، رضي الله عنهم أجمعين‏.‏

خبر الحجاج بن علاط البهزي

قال ابن إسحاق‏:‏ ولما فتحت خيبر كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاج بن علاط السلمي، ثم البهزي فقال‏:‏ يا رسول الله إن لي بمكة مالاً عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة - وكانت عنده، له منها معوض بن الحجاج - ومالاً متفرقاً في تجار أهل مكة، فائذن لي يا رسول الله‏.‏

فأذن له، فقال‏:‏ إنه لا بد لي يا رسول الله أن أقول‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏قل‏)‏‏)‏‏.‏

قال الحجاج‏:‏ فخرجت حتى إذا قدمت مكة، وجدت بثينة البيضاء رجالاً من قريش يستمعون الأخبار، ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بلغهم أنه قد سار إلى خيبر، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ريفاً ومنعة ورجالاً، وهم يتجسسون الأخبار من الركبان‏.‏

فلما رأوني قالوا‏:‏ الحجاج بن علاط - قال ولم يكونوا علموا بإسلامي - عنده والله الخبر‏.‏

أخبرنا يا أبا محمد فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر، وهي بلد يهود وريف الحجاز ‏؟‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم‏.‏

قال‏:‏ فالتبطوا بجنبي ناقتي يقولون‏:‏ إيه يا حجاج ‏؟‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ هُزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط‏.‏

وقد قتل أصحابه قتلاً لم يسمعوا بمثله قط، وأسر محمد أسراً وقالوا‏:‏ لا نقتله حتى نبعث به إلى مكة فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم‏.‏

قال‏:‏ فقاموا وصاحوا بمكة وقالوا‏:‏ قد جاءكم الخبر، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يُقدم به عليكم فيُقتل بين أظهركم‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي، فإني أريد أن أقدم خيبر، فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك‏.‏

قال‏:‏ فقاموا فجمعوا لي ما كان لي كأحث جمع سمعت به‏.‏

قال‏:‏ وجئت صاحبتي فقلت‏:‏ مالي، وكان عندها مال موضوع، فلعلي ألحق بخيبر فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار‏.‏

قال‏:‏ فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر وما جاءه عني، أقبل حتى وقف إلى جنبي وأنا في خيمة من خيم التجار، فقال‏:‏ يا حجاج ما هذا الذي جئت به ‏؟‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ وهل عندك حفظ لما وضعت عندك ‏؟‏

قال‏:‏ نعم ‏!‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ فاستأخر حتى ألقاك على خلاء، فإني في جمع مالي كما ترى فانصرف حتى أفرغ‏.‏

قال‏:‏ حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة وأجمعت الخروج لقيت العباس، فقلت‏:‏ احفظ علي حديثي يا أبا الفضل فإني أخشى الطلب ثلاثاً، ثم قل‏:‏ ما شئت‏.‏

قال‏:‏ أفعل‏.‏

قلت‏:‏ فإني والله تركت ابن أخيك عروساً على بنت ملكهم - يعني‏:‏ صفية بنت حيي - وقد افتتح خيبر وانتثل ما فيها وصارت له ولأصحابه‏.‏

قال‏:‏ ما تقول يا حجاج ‏؟‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ أي والله فاكتم عني ولقد أسلمت، وما جئت إلا لآخذ مالي فرقاً عليه من أن أغلب عليه، فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك فهو والله على ما تحب‏.‏

قال‏:‏ حتى إذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له، وتخلق وأخذ عصاه ثم خرج حتى أتى الكعبة فطاف بها، فلما رأوه قالوا‏:‏ يا أبا الفضل هذا والله التجلد لحر المصيبة ‏!‏

قال‏:‏ كلا والله الذي حلفتم به، لقد افتتح محمد خيبر، ونزل عروساً على بنت ملكهم، وأحرز أموالهم وما فيها وأصبحت له ولأصحابه‏.‏

قالوا‏:‏ من جاءك بهذا الخبر ‏؟‏

قال‏:‏ الذي جاءكم بما جاءكم به، ولقد دخل عليكم مسلماً وأخذ أمواله فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه فيكون معه‏.‏

فقالوا‏:‏ يا لعباد الله انفلت عدو الله، أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن‏.‏

قال‏:‏ ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 246‏)‏

هكذا ذكر ابن إسحاق هذه القصة منقطعة‏.‏

وقد أسند ذلك الإمام أحمد بن حنبل فقال‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، سمعت ثابتاً يحدث عن أنس قال‏:‏ لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال الحجاج بن علاط‏:‏ يا رسول الله إني لي بمكة مالاً، وإن لي بها أهلاً، وإني أريد أن آتيهم أفأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئاً ‏؟‏

فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء‏.‏

فأتى امرأته حين قدم فقال‏:‏ اجمعي لي ما كان عندك فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه، فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم‏.‏

قال‏:‏ وفشى ذلك بمكة فانقمع المسلمون، وأظهر المشركون فرحاً وسروراً‏.‏

قال‏:‏ وبلغ الخبر العباس فعقر وجعل لا يستطيع أن يقوم‏.‏

قال معمر‏:‏ فأخبرني عثمان الخزرجي عن مقسم قال‏:‏ فأخذ ابناً يقال له‏:‏ قثم، واستلقى ووضعه على صدره وهو يقول‏:‏

حبي قثم * شبه ذي الأنف الأشم * بني ذي النعم * بزعم من زعم

قال ثابت عن أنس‏:‏ ثم أرسل غلاماً له إلى حجاج بن علاط فقال‏:‏ ويلك ما جئت به وماذا تقول‏؟‏ فما وعد الله خير مما جئت به‏.‏

فقال حجاج بن علاط‏:‏ اقرأ على أبي الفضل السلام وقل له‏:‏ فليخل لي في بعض بيوته لآتيه فإن الخبر على ما يسره‏.‏

فجاء غلامه فلما بلغ الدار قال‏:‏ أبشر يا أبا الفضل‏.‏

قال‏:‏ فوثب العباس فرحاً حتى قبَّل بين عينيه، فأخبره ما قال حجاج فأعتقه‏.‏

قال‏:‏ ثم جاءه الحجاج فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افتتح خيبر، وغنم أموالهم، وجرت سهام الله في أموالهم، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي واتخذها لنفسه، وخيرها أن يعتقها وتكون زوجه أو تلحق بأهلها فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته‏.‏

قال‏:‏ ولكني جئت لمال كان ها هنا أردت أن أجمعه فأذهب به، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي أن أقول ما شئت، فاخفِ علي ثلاثاً ثم اذكر ما بدا لك‏.‏

قال‏:‏ فجمعت امرأته ما كان عندها من حلي أو متاع فجمعته ودفعته إليه ثم انشمر به، فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج فقال‏:‏ ما فعل زوجك ‏؟‏

فأخبرته أنه ذهب يوم كذا وكذا، وقالت‏:‏ لا يحزنك الله يا أبا الفضل لقد شق علينا الذي بلغك‏.‏

قال‏:‏ أجل لا يحزنني الله ولم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا، فتح الله خيبر على رسوله، وجرت فيها سهام الله واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه، فإن كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به‏.‏

قالت‏:‏ أظنك والله صادقاً ‏؟‏

قال‏:‏ فإني صادق والأمر على ما أخبرتك‏.‏

ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش وهم يقولون إذا مر بهم‏:‏ لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل‏.‏

قال‏:‏ لم يصيبني إلا خير بحمد الله، أخبرني الحجاج بن علاط أن خيبر فتحها الله على رسوله وجرت فيها سهام الله واصطفى صفية لنفسه، وقد سألني أن أخفي عنه ثلاثاً، وإنما جاء ليأخذ ماله وما كان له من شيء ها هنا ثم يذهب‏.‏

قال‏:‏ فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين، وخرج المسلمون من كان دخل بيته مكتئباً حتى أتى العباس فأخبرهم الخبر، فسر المسلمون ورد ما كان من كآبة أو غيظ أو حزن على المشركين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 247‏)‏

وهذا الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة سوى النسائي، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق به نحوه‏.‏

ورواه الحافظ البيهقي من طريق محمود بن غيلان، عن عبد الرزاق‏.‏

ورواه أيضاً من طريق يعقوب بن سفيان، عن زيد بن المبارك، عن محمد بن ثور، عن معمر به نحوه‏.‏

وكذلك ذكر موسى بن عقبة في مغازيه‏:‏ أن قريشاً كان بينهم تراهن عظيم وتبايع، منهم من يقول‏:‏ يظهر محمد وأصحابه، ومنهم من يقول‏:‏ يظهر الحليفان ويهود خيبر‏.‏

وكان الحجاج بن علاط السلمي، ثم البهزي قد أسلم وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح خيبر، وكان تحته أم شيبة أخت عبد الدار بن قصي، وكان الحجاج مكثراً من المال، وكانت له معادن أرض بني سليم‏.‏

فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر استأذن الحجاج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذهاب إلى مكة يجمع أمواله، فأذن له نحو ما تقدم، والله أعلم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ومما قيل من الشعر في غزوة خيبر قول حسان‏:‏

بئس ما قاتلت خيابر عما * جمعوا من مزارع ونخيل

كرهوا الموت فاستبيح حماهم * وأقروا فعل الذميم الذليل

أمن الموت يهربون فإن المو * ت موت الهزال غير جميل

وقال كعب بن مالك فيما ذكره ابن هشام عن أبي زيد الأنصاري‏:‏

ونحن وردنا خيبراً وفروضه * بكل فتى عاري الأشاجع مزود

جوادٍ لدى الغايات لا واهن القوى * جريء على الأعداء في كل مشهد

عظيم رماد القدر في كل شتوة * ضروب بنصل المشرفيّ المهند

يرى القتل مدحاً إن أصاب شهادة * من الله يرجوها وفوزاً بأحمد

يذود ويحمي عن ذمار محمدٍ * ويدفع عنه باللسان وباليد

وينصره من كل أمرٍ يريبه * يجود بنفس دون نفس محمد

يصدق بالأنباء بالغيب مخلصاً * يريد بذاك العز والفوز في غد

‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 248‏)‏

 فصل مروره صلى الله عليه وسلم بوادي القرى ومحاصرة اليهود ومصالحتهم

قال الواقدي‏:‏ حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي قد وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبداً أسود يقال له‏:‏ مدعم، وكان يُرحِّل لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فلما نزلنا بوادي القرى، انتهينا إلى يهود، وقدم إليها ناس من العرب، فبينا مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استقبلتنا يهود بالرمي حين نزلنا، ولم نكن على تعبية، وهم يصيحون في آطامهم، فيقبل سهم عاثر فأصاب مدعماً فقتله‏.‏

فقال الناس‏:‏ هنيئاً له بالجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه ناراً‏)‏‏)‏‏.‏

فلما سمع بذلك الناس، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏شراك من نار أو شراكان من نار‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا الحديث في الصحيحين من حديث مالك، عن ثور بن يزيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فعبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال، وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، و راية إلى الحباب بن المنذر، و راية إلى سهل بن حنيف، و راية إلى عباد بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام، وأخبرهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم، وحقنوا دماءهم، وحسابهم على الله‏.‏

قال‏:‏ فبرز رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر، فبرز إليه عليّ فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كل ما قتل منهم رجلاً دعى من بقي منهم إلى الإسلام‏.‏

ولقد كانت الصلاة تحضر ذلك اليوم فيصلي بأصحابه، ثم يعود فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله عز وجل ورسوله، وقاتلهم حتى أمسى، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا بأيديهم، وفتحها عنوة، وغنمهم الله أموالهم، وأصابوا أثاثاً ومتاعاً كثيراً‏.‏

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام، فقسم ما أصاب على أصحابه وترك الأرض والنخيل في أيدي اليهود وعاملهم عليها، فلما بلغ يهود تيماء ما وطئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وفدك ووادي القرى، صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية، وأقاموا بأيديهم أموالهم‏.‏

فلما كان عمر أخرج يهود خيبر وفدك، ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى، لأنهما داخلتان في أرض الشام، ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز، ومن وراء ذلك من الشام‏.‏

قال‏:‏ ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى المدينة بعد أن فرغ من خيبر ووادي القرى، وغنَّمه الله عز وجل‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 249‏)‏

قال الواقدي‏:‏ حدثني يعقوب بن محمد، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن الحارث بن عبد الله بن كعب، عن أم عمارة قالت‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجرف وهو يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تطرقوا النساء بعد صلاة العشاء‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ فذهب رجل من الحي فطرق أهله فوجد ما يكره، فخلى سبيلها ولم يهجر، وضنَّ بزوجته أن يفارقها، وكان له منها أولاد وكان يحبها، فعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى ما يكره‏.‏

 فصل تقسيم الثمار و الزروع في خيبر بين المسلمين و اليهود بالعدل‏.‏

ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر، عامل يهودها عليها على شطر ما يخرج منها من تمر أو زرع‏.‏

وقد ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث على أن يعملوها من أموالها، وفي بعضها، وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏نقركم ما شئنا‏)‏‏)‏‏.‏

وفي السنن‏:‏ أنه كان يبعث عليهم عبد الله بن رواحة يخرصها عليهم عند استواء ثمارها ثم يضمنهم إياه، فلما قتل عبد الله بن رواحة بمؤتة، بعث جبار بن صخر كما تقدم‏.‏

وموضع تحرير ألفاظه، وبيان طرقه، كتاب المزارعة من كتاب ‏(‏الأحكام‏)‏ إن شاء الله وبه الثقة‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ سألت ابن شهاب كيف أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر نخلهم‏؟‏

فأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال، وكانت خيبر مما أفاء الله عليه خمسها، وقسمها بين المسلمين، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال‏.‏

فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها، وتكون ثمارها بيننا وبينكم فأقركم ما أقركم الله‏)‏‏)‏ فقبلوا وكانوا على ذلك يعملونها‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيقسم ثمرها، ويعدل عليهم في الخرص، فلما توفَّى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، أقرها أبو بكر بأيديهم على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي‏.‏

ثم أقرهم عمر بن الخطاب صدراً من إمارته، ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي قبضه الله فيه‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان‏)‏‏)‏‏.‏

ففحص عمر عن ذلك، حتى بلغه الثبت، فأرسل إلى يهود فقال‏:‏ إن الله أذن لي في إجلائكم، وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏لا يجتمعن في جزيرة العرب دينان‏)‏‏)‏ فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأتني به أنفذه له، ومن لم يكن عنده عهد فليتجهز للجلاء، فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 250‏)‏

قلت‏:‏ قد ادعى يهود خيبر في أزمان متأخرة بعد الثلثمائة أن بأيديهم كتاباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أنه وضع الجزية عنهم، وقد اغتر بهذا الكتاب بعض العلماء حتى قال بإسقاط الجزية عنهم، من الشافعية الشيخ أبو علي خيرون، وهو كتاب مزور مكذوب مفتعل لا أصل له، وقد بينت بطلانه من وجوه عديدة في كتاب مفرد‏.‏

وقد تعرض لذكره وإبطاله جماعة من الأصحاب في كتبهم كابن الصباغ في مسائله، والشيخ أبي حامد في تعليقته، وصنف فيه ابن المسلمة جزءاً منفرداً للرد عليه، وقد تحركوا به بعد السبعمائة، وأظهروا كتاباً فيه نسخة ما ذكره الأصحاب في كتبهم‏.‏

وقد وقفت عليه فإذا هو مكذوب، فإن فيه شهادة سعد بن معاذ، وقد كان مات قبل زمن خيبر، وفيه شهادة معاوية بن أبي سفيان ولم يكن أسلم يومئذ‏.‏

وفي آخره‏:‏ وكتبه علي بن أبي طالب وهذا لحن وخطأ، وفيه وضع الجزية ولم تكن شرعت بعد، فإنها إنما شرعت أول ما شرعت وأخذ من أهل نجران‏.‏ وذكروا أنهم وفدوا في حدود سنة تسع، والله أعلم‏.‏

ثم قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال‏:‏ خرجت أنا، والزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها، فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا‏.‏

قال‏:‏ فعدي عليَّ تحت الليل، وأنا نائم على فراشي ففدعت يداي من مرفقي، فلما استصرخت عليَّ صاحباي فأتياني فسألاني‏:‏ من صنع هذا بك‏؟‏

فقلت‏:‏ لا أدري، فأصلحا من يدي، ثم قدما بي على عمر فقال‏:‏ هذا عمل يهود خيبر‏.‏

ثم قام في الناس خطيباً فقال‏:‏ أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا، وقد عدوا على عبد الله بن عمر، ففدعوا يديه كما بلغكم مع عدوتهم على الأنصاري قبله، لا نشك أنهم كانوا أصحابه، ليس لنا هناك عدو غيرهم، فمن كان له مال من خيبر فليلحق به، فإني مخرج يهود، فأخرجهم‏.‏

قلت‏:‏ كان لعمر بن الخطاب سهمه الذي بخيبر، وقد كان وقفه في سبيل الله، وشرط في الوقف ما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو ثابت في الصحيحين، وشرط أن يكون النظر فيه للأرشد فالأرشد من بناته وبنيه‏.‏

قال الحافظ البيهقي في ‏(‏الدلائل‏)‏‏:‏ جماع أبواب السرايا التي تذكر بعد فتح خيبر، وقبل عمرة القضية، وإن كان تاريخ بعضها ليس بالواضح عند أهل المغازي‏.‏

سرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا بهز، ثنا عكرمة بن عمار، ثنا أياس بن سلمة، حدثني أبي قال‏:‏ خرجنا مع أبي بكر بن أبي قحافة وأمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا، فغزونا بني فزارة، فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرَّسنا، فلما صلينا الصبح أمرنا أبو بكر فشننا الغارة فقتلنا على الماء من مر قبلنا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 251‏)‏

قال سلمة‏:‏ ثم نظرت إلى عنق من الناس، فيه من الذرية والنساء نحو الجبل، وأنا أعدو في آثارهم فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل‏.‏

قال‏:‏ فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر حتى أتيته على الماء، وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع من أدم، ومعها ابنة لها من أحسن العرب‏.‏

قال‏:‏ فنفلني أبو بكر بنتها‏.‏

قال‏:‏ فما كشفت لها ثوباً حتى قدمت المدينة، ثم بت فلم أكشف لها ثوباً‏.‏

قال‏:‏ فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق، فقال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏يا سلمة هب لي المرأة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فقلت والله يا رسول الله لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوباً‏.‏

قال‏:‏ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني، حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا سلمة هب لي المرأة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فقلت يا رسول الله والله لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوباً‏.‏

قال‏:‏ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني، حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق‏:‏ ‏(‏‏(‏فقال يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت يا رسول الله والله ما كشفت لها ثوباً وهي لك يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة، وفي أيديهم أسارى من المسلمين، ففداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة‏.‏

وقد رواه مسلم، والبيهقي، من حديث عكرمة بن عمار به‏.‏

سرية عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة وراء مكة بأربعة أميال

ثم أورد البيهقي من طريق الواقدي بأسانيده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ثلاثين راكباً إلى عجز هوازن بتربة، ومعه دليل من بني هلال، وكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار‏.‏

فلما انتهوا إلى بلادهم هربوا منهم، وكرَّ عمر راجعاً إلى المدينة، فقيل له‏:‏ هل لك في قتال خثعم‏؟‏

فقال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرني إلا بقتال هوازن في أرضهم‏.‏

 سرية عبد الله بن رواحة إلى يسير بن رزام اليهودي

ثم أورد من طريق إبراهيم بن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، ومن طريق موسى بن عقبة، عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن رواحة في ثلاثين راكباً، فيهم عبد الله بن رواحة إلى يسير بن رزام اليهودي، حتى أتوه بخيبر‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 252‏)‏

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجمع غطفان ليغزوه بهم، فأتوه فقالوا‏:‏ أرسلنا إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعملك على خيبر، فلم يزالوا به حتى تبعهم في ثلاثين رجلاً، مع كل رجل منهم رديف من المسلمين‏.‏

فلما بلغوا قرقرة نيار، وهي من خيبر على ستة أميال، ندم يسير بن رزام، فأهوى بيده إلى سيف عبد الله بن رواحة، ففطن له عبد الله بن رواحة فزجر بعيره‏.‏

ثم اقتحم يسوق بالقوم حتى استمكن من يسير ضرب رجله فقطعها، واقتحم يسير وفي يده مخراش من شوحط، فضرب به وجه عبد الله بن رواحة فشجه شجة مأمومة‏.‏

وانكفأ كل رجل من المسلمين على رديفه فقتله غير رجل واحد من اليهود أعجزهم شداً، ولم يصب من المسلمين أحد‏.‏

وبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شجة عبد الله بن رواحة فلم تقيح، ولم تؤذه حتى مات‏.‏