فصل: علاء الدين علي بن محمد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ثم دخلت سنة تسع عشرة وسبعمائة

استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها، وفي ليلة مستهل محرم هبت ريح شديدة بدمشق سقط بسببها شيء من الجدران، واقتلعت أشجاراً كثيرة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سادس عشرين المحرم خلع على جمال الدين بن القلانسي بوكالة بيت المال عوضاً عن ابن الشريشي‏.‏

وفي يوم الأربعاء الخامس من صفر درس بالناصرية الجوانية ابن صصرى عوضاً عن ابن الشريشي أيضاً، وحضر عنده الناس على العادة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/106‏)‏

وفي عاشره باشر شد الدواوين جمال الدين آقوش الرحبي عوضاً عن فخر الدين إياس، وكان آقوش متولي دمشق من سنة سبع وسبعمائة، وولي مكانه الأمير علم الدين طرقش الساكن بالعقبية‏.‏

وفي هذا اليوم نودي بالبلد بصوم الناس لأجل الخروج إلى الاستسقاء، وشرع في قراءة البخاري وتهيأ الناس ودعوا عقيب الصلوات وبعد الخطب، وابتهلوا إلى الله في الاستسقاء، فلما كان يوم السبت منتصف صفر، وكان سابع نيسان، خرج أهل البلد برمتهم إلى عند مسجد القدم، وخرج نائب السلطنة والأمراء مشاة يبكون ويتضرعون‏.‏

واجتمع الناس هنالك وكان مشهداً عظيماً، وخطب بالناس القاضي صدر الدين سليمان الجعفري وأمن الناس على دعائه، فلما أصبح الناس من اليوم الثاني جاءهم الغيث بإذن الله ورحمته ورأفته لا بحولهم ولا بقوتهم، ففرح الناس فرحاً شديداً وعم البلاد كلها ولله الحمد والمنة، وحده لا شريك له‏.‏

وفي أواخر الشهر شرعوا بإصلاح رخام الجامع وترميمه وحلى أبوابه وتحسين ما فيه‏.‏

وفي رابع عشر ربيع الآخر درس بالناصرية الجوانية ابن الشيرازي بتوقيع سلطاني، وأخذها من ابن صصرى وباشرها إلى أن مات‏.‏

وفي يوم الخميس سادس عشر جمادى الأولى باشر ابن شيخ السلامية فخر الدين أخو ناظر الجيش الحسبة بدمشق عوضاً عن ابن الحداد، وباشر ابن الحداد نظر الجامع بدلاً عن ابن شيخ السلامية، وخلع على كل منهما‏.‏

وفي بكرة الثلاثاء خامس جمادى الآخرة قدم من مصر إلى دمشق قاضي القضاة شرف الدين أبو عبد الله محمد إلى قاضي القضاة معين الدين أبي بكر بن الشيخ زكي الدين ظافر الهمداني المالكي، على قضاء المالكية بالشام، عوضاً عن ابن سلامة توفي، وكان بينهما ستة أشهر، ولكن تقليد هذا مؤرخ بآخر ربيع الأول، ولبس الخلعة وقرئ تقليده بالجامع‏.‏

وفي هذا الشهر درّس بالخاتونية البرانية القاضي بدر الدين بن نويرة الحنفي، وعمره خمس وعشرون سنة، عوضاً عن القاضي شمس الدين محمد قاضي ملطية توفي‏.‏

وفي يوم السبت خامس رمضان وصل إلى دمشق سيل عظيم أتلف شيئاً كثيراً، وارتفع حتى دخل من باب الفرج، ووصل إلى العقبية وانزعج الناس له، وانتقلوا من أماكنهم، ولم تطل مدته لأن أصله كان مطراً وقع بأرض وابل السوق والحسينية‏.‏

وفي هذا اليوم باشر طرقشي شد الدواوين بعد موت جمال الدين الرحبي، وباشر ولاية المدينة صارم الدين الجوكندار، وخلع عليهما‏.‏ولما كان يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من رمضان اجتمع القضاة وأعيان الفقهاء عند نائب السلطنة بدار السعادة وقرئ عليهم كتاب من السلطان يتضمن منع الشيخ تقي الدين بن تيمية من الفتيا بمسألة الطلاق، وانفصل المجلس على تأكيد المنع من ذلك‏.‏

وفي يوم الجمعة تاسع شوال خطب القاضي صدر الدين الداراني عوضاً عن بدر الدين بن ناصر الدين بن عبد السلام، بجامع جراح، وكان فيه خطيباً قبله فتولاه بدر الدين حسن العقرباني واستمر ولده في خطابة داريا التي كانت بيد أبيه من بعده‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/107‏)‏

وفي يوم السبت عشرة خرج الركب وأميرهم عز الدين أيبك المنصوري أمير علم، وحج فيها صدر الدين قاضي القضاة الحنفي، وبرهان الدين بن عبد الحق، وشرف الدين بن تيمية، ونجم الدين الدمشقي وهو قاضي الركب، ورضي الدين المنطيقي، وشمس الدين بن الزريز خطيب جامع القبيبات، وعبد الله بن رشيق المالكي وغيرهم‏.‏

وفيها‏:‏ حج سلطان الإسلام الملك الناصر محمد بن قلاوون ومعه جمع كثير من الأمراء، ووكيله كريم الدين وفخر الدين كاتب المماليك، وكاتب السر ابن الأثير، وقاضي القضاة ابن جماعة، وصاحب حماه الملك عماد الدين، والصاحب شمس الدين غبريال، في خدمة السلطان وكان في خدمته خلق كثير من الأعيان‏.‏

وفيها‏:‏ كانت وقعة عظيمة بين التتار بسبب أن ملكهم أبا سعيد كان قد ضاق ذرعاً بجوبان وعجز عن مسكه، فانتدب له جماعة من الأمراء عن أمره، منهم أبو يحيى خال أبيه، ودقماق وقرشي وغيرهم من أكابر الدولة، وأرادوا كبس جوبان فهرب وجاء إلى السلطان فأنهى إليه ما كان منهم‏.‏

وفي صحبته الوزير علي شاه، ولم يزل بالسلطان حتى رضي عن جوبان وأمده بجيش كثيف، وركب السلطان معه أيضاً والتقوا مع أولئك فكسروهم وأسروهم، وتحكم فيهم جوبان فقتل منهم إلى آخر هذه السنة نحواً من أربعين أميراً‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الشيخ المقري شهاب الدين

أبو عبد الله الحسين بن سليمان بن فزارة بن بدر الكفري الحنفي، ولد تقريباً في سنة سبع وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث وقرأ بنفسه كتاب الترمذي، وقرأ القراءات وتفرد بها مدة يشتغل الناس عليه، وجمع عليه السبع أكثر من عشرين طالباً‏.‏

وكان يعرف النحو والأدب وفنوناً كثيرة وكانت مجالسته حسنة، وله فوائد كثيرة، درس بالطرخانية أكثر من أربعين سنة، وناب في الحكم عن الأذرعي مدة ولايته، وكان خيراً مباركاً أضر في آخر عمره، وانقطع في بيته، مواظباً على التلاوة والذكر وإقراء القرآن إلى أن توفي ثالث عشر جمادى الأولى، وصلّي عليه بعد الظهر يومئذ بجامع دمشق، ودفن بقاسيون رحمه الله‏.‏

وفي هذا الشهر جاء الخبر بموت‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/108‏)‏

 الشيخ الإمام تاج الدين

عبد الرحمن بن محمد بن أبي حامد التبريزي الشافعي المعروف بالأفضلي، بعد رجوعه من الحج ببغداد في العشر الأول من صفر، وكان صالحاً فقيهاً مباركاً، وكان ينكر على رشيد الدولة ويحط عليه، ولما قتل قال‏:‏ كان قتله أنفع من قتل مائة ألف نصراني، وكان رشيد الدولة يريد أن يترضّاه فلم يقبل، وكان لا يقبل من أحد شيئاً، ولما توفي دفن بتربة الشونيزي، وكان قد قارب الستين رحمه الله‏.‏

 محيي الدين محمد بن مفضل بن فضل الله المصري

كاتب ملك الأمراء، ومستوفي الأوقاف، كان مشكور السيرة محبباً للعلماء والصلحاء، فيه كرم وخدمة كثيرة للناس، توفي في رابع عشرين من جمادى الأولى، ودفن بتربة ابن هلال بسفح قاسيون وله ست وأربعون سنة، وباشر بعده في وظيفته أمين الدين بن النحاس‏.‏

 الأمير الكبير غرلو بن عبد الله العادلي

كان من أكابر الدولة ومن الأمراء المقدمين الألوف، وقد ناب بدمشق عن أستاذه الملك العادل كتبغا نحواً من ثلاثة أشهر في سنة خمس وسبعين وستمائة، وأول سنة ست وتسعين، واستمر أميراً كبيراً إلى أن توفي في سابع جمادى الأولى يوم الخميس ودفن بتربته بشمالي جامع المظفري بقاسيون، وكان شهماً شجاعاً ناصحاً للإسلام وأهله، مات في عشر الستين‏.‏

 الأمير جمال الدين أقوش

الرحبي المنصوري، والي دمشق مدة طويلة، كان أصله من قرى إربل، وكان نصرانياً فسبي وبيع من نائب الرحبة، ثم انتقل إلى الملك المنصور فأعتقه وأمره، وتولى الولاية بدمشق نحواً من إحدى عشرة سنة ثم انتقل إلى شد الدواوين مدة أربعة أشهر، وكان محبوباً إلى العامة مدة ولايته‏.‏

 الخطيب صلاح الدين

يوسف بن محمد بن عبد اللطيف بن المعتزل الحموي، له تصانيف وفوائد، وكان خطيب جامع السوق الأسفل بحماه، وسمع من ابن طبرزد، توفي في جمادى الآخرة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/109‏)‏

 العلامة فخر الدين أبو عمرو

عثمان بن علي بن يحيى بن هبة الله بن إبراهيم بن المسلم بن علي الأنصاري الشافعي المعروف بابن بنت أبي سعد المصري، سمع الحديث وكان من بقايا العلماء، وناب في الحكم بالقاهرة، ووليّ مكانه في ميعاد جامع طولون الشيخ علاء الدين القونوي شيخ الشيوخ، وفي ميعاد الجامع الأزهر شمس الدين بن علان، كانت وفاته ليلة الأحد الرابع والعشرين من جمادى الآخرة، ودفن بمصر وله من العمر سبعون سنة‏.‏

الشيخ الصالح العابد

 أبو الفتح نصر بن سليمان بن عمر المنبجي، له زاوية بالحسينية يزار فيها ولا يخرج منها إلا إلى الجمعة، سمع الحديث، توفي يوم الثلاثاء بعد العصر السادس والعشرين من جمادى الآخرة، ودفن من الغد بزاويته المذكورة رحمه الله‏.‏

 الشيخ الصالح المعمر الرحلة

عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد بن إسماعيل بن عطاف بن مبارك بن علي بن أبي الجيش المقدسي الصالح المطعم، راوي صحيح البخاري وغيره، وقد سمع الكثير من مشايخ عدة وترجمه الشيخ علم الدين البرزالي في تاريخه توفي ليلة السبت رابع عشر ذي الحجة، وصلّي عليه بعد الظهر في اليوم المذكور بالجامع المظفري، ودفن بالساحة بالقرب من تربة المولهين، وله أربع وسبعون سنة رحمه الله تعالى‏.‏

 ثم دخلت سنة عشرين وسبعمائة

استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها، وكان السلطان في هذه السنة في الحج، وعاد إلى القاهرة يوم السبت ثاني عشر المحرم، ودقت البشائر، ورجع الصاحب شمس الدين على طريق الشام وصحبته الأمير ناصر الدين الخازندار، وعاد صاحب حماه مع السلطان إلى القاهرة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/110‏)‏

وأنعم عليه السلطان ولقب بالملك المؤيد، ورسم أن يخطب له على منابرها وأعمالها، وأن يخطب بالمقام العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي، على ما كان عليه عمه المنصور‏.‏

وفيها‏:‏ عمر ابن المرجاني شهاب الدين مسجد الخيف وأنفق عليه نحواً من عشرين ألفاً‏.‏

وفي المحرم استقال أمين الدين من نظر طرابلس وأقام بالقدس‏.‏

وفي آخر صفر باشر نيابة الحكم المالكي القاضي شمس الدين محمد بن أحمد القفصي، وكان قد قدم مع قاضي القضاة شرف الدين من مصر‏.‏

وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين من ربيع الأول ضربت عنق شخص يقال له عبد الله الرومي وكان غلاماً لبعض التجار، وكان قد لزم الجامع، ثم ادّعى النبوة واستتيب فلم يرجع فضربت عنقه وكان أشقر أزرق العينين جاهلاً، وكان قد خالطه شيطان حسن له ذلك، واضطرب عقله في نفس الأمر وهو في نفسه شيطان إنسي‏.‏

وفي يوم الاثنين ثاني ربيع الآخر عقد عقدُ السلطان على المرأة التي قدمت من بلاد القبجاق، وهي من بنات الملوك، وخلع على القاضي بدر الدين بن جماعة وكاتب السر وكريم الدين وجماعة الأمراء‏.‏

ووصلت العساكر في هذا الشهر إلى بلاد سيس وغرق في بحر جاهان من عساكر طرابلس نحو من ألف فارس، وجاءت مراسيم السلطان في هذا اليوم إلى الشام في الاحتياط على أخبار آل مهنا وإخراجهم من بلاد الإسلام، وذلك لغضب السلطان عليهم لعدم قدوم والدهم مهنا على السلطان‏.‏

وفي يوم الأربعاء رابع عشرين جمادى الأولى درس بالركنية الشيخ محي الدين الأسمر الحنفي وأخذت منه الجوهرية لشمس الدين البرقي الأعرج، وتدريس جامع القلعة لعماد الدين بن محيي الدين الطرسوسي، الذي ولي قضاء الحنفية بعد هذا، وأخذ من البرقي إمامة مسجد نور الدين له بحارة اليهود، ولعماد الدين بن الكيال، وإمامة الربوة الشيخ محمد الصبيبي‏.‏

وفي جمادى الآخرة اجتمعت الجيوش الإسلامية بأرض حلب نحواً من عشرين ألفاً، عليهم كلهم نائب حلب الطنبغا وفيهم نائب طرابلس شهاب الدين قرطبة‏.‏

فدخلوا بلاد الأرمن من إسكندرونة ففتحوا الثغر ثم تل حمدان ثم خاضوا جاهان فغرق منهم جماعة، ثم سلم الله من وصلوا إلى سيس فحاصروها وضيقوا على أهلها وأحرقوا دار الملك التي في البلد، وقطعوا أشجار البساتين وساقوا الأبقار والجواميس والأغنام وكذلك فعلوا بطرسوس، وخربوا الضياع والأماكن وأحرقوا الزروع‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/111‏)‏

ثم رجعوا فخاضوا النهر المذكور فلم يغرق منهم أحد، وأخرجوا بعد رجوعهم مهنا وأولاده من بلادهم وساقوا خلفه إلى عانة وحديثة، ثم بلغ الجيوش موت صاحب سيس وقيام ولده من بعد، فشنوا الغارات على بلاده وتابعوها وغنموا وأسروا إلا في المرة الرابعة فإنه قتل منهم جماعة‏.‏

وفي هذه السنة كانت وقعة عظيمة ببلاد المغرب بين المسلمين والفرنج فنصر الله المسلمين على أعدائهم، فقتلوا منهم خمسين ألفاً وأسروا خمسة آلاف، وكان في جملة القتلى خمسة وعشرين ملكاً من ملوك الإفرنج، وغنموا شيئاً كثيراً من الأموال‏.‏

يقال كان من جملة ما غنموا سبعون قنطاراً من الذهب والفضة، وإنما كان جيش الإسلام يومئذ ألفين وخمسمائة فارس غير الرماة، ولم يقتل منهم سوى إحدى عشر قتيلاً، وهذا من غريب ما وقع وعجيب ما سمع‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشرين رجب عقد مجلس بدار السعادة للشيخ تقي الدين بن تيمية بحضرة نائب السلطنة، وحضر فيه القضاة والمفتيون من المذاهب، وحضر الشيخ وعاتبوه على العود إلى الإفتاء بمسألة الطلاق، ثم حبس في القلعة فبقي فيها خمسة أشهر وثمانية عشر يوماً، ثم ورد مرسوم من السلطان بإخراجه يوم الاثنين يوم عاشوراء من سنة إحدى وعشرين كما سيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

وبعد ذلك بأربعة أيام أضيف شد الأوقاف إلى الأمير علاء الدين بن معبد إلى ما بيده من ولاية البر وعزل بدر الدين المنكورسي عن الشام‏.‏

وفي آخر شعبان مسك الأمير علاء الدين الجاولي نائب غزة وحمل إلى الإسكندرية لأنه اتهم أنه يريد الدخول إلى دار اليمن، واحتيط على حواصله وأمواله، وكان له بر وإحسان وأوقاف، وقد بنى بغزة جامعاً حسناً مليحاً‏.‏

وفي هذا الشهر أراق ملك التتر أبو سعيد الخمور وأبطل الحانات، وأظهر العدل والإحسان إلى الرعايا، وذلك أنه أصابهم برد عظيم وجاءهم سيل هائل فلجؤوا إلى الله عز وجل، وابتهلوا إليه فسلموا فتابوا وأنابوا وعملوا الخير عقيب ذلك‏.‏

وفي العشر الأول من شوال جرى الماء بالنهر الكريمي الذي اشتراه كريم الدين بخمسة وأربعين ألفاً وأجراه في جدول إلى جامعه بالقبيبات فعاش به الناس، وحصل به أنس إلى أهل تلك الناحية، ونصبت عليه الأشجار و البساتين، وعمل حوض كبير تجاه الجامع من الغرب يشرب منه الناس والدواب، وهو حوض كبير وعمل مطهرة، وحصل بذلك نفع كثير، ورفق زائد أثابه الله‏.‏

وخرج الركب في حادي عشر شوال وأميره الملك صلاح الدين بن الأوحد، وفيه زين الدين كتبغا الحاجب، وكمال الدين الزملكاني، والقاضي شمس الدين بن المعز، وقاضي حماه شرف الدين البازري، وقطب الدين ابن شيخ السلامية وبدر الدين بن العطار، وعلاء الدين بن غانم، ونور الدين السخاوي، وهو قاضي الركب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/112‏)‏

ومن المصريين قاضي الحنفية ابن الحريري، وقاضي الحنابلة ومجد الدين حرمي والشرف عيسى المالكي، وهو قاضي الركب‏.‏وفيه كملت عمارة الحمام الذي عمره الجيبغا غربي دار الطعم ودخله الناس‏.‏

وفي أواخر ذي الحجة وصل إلى دمشق من عند ملك التتر الخواجه مجد الدين إسماعيل بن محمد بن ياقوت السلامي، وفي صحبته هدايا وتحف لصاحب مصر من ملك التتر، وأشهر أنه إنما جاء ليصلح بين المسلمين والتتر، فتلقاه الجند والدولة، ونزل بدار السعادة يوماً واحداً، ثم سار إلى مصر‏.‏وفيها‏:‏ وقف الناس بعرفات موقفاً عظيماً لم يعهد مثله، أتوه من جميع أقطار الأرض، وكان مع العراقيين محامل كثيرة منها محمل قوم ما عليه من الذهب واللآلئ بألف ألف دينار مصرية، وهذا أمر عجيب‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الشيخ إبراهيم الدهستاني

وكان قد أسن وعمر، وكان يذكر أن عمره حين أخذت التتر بغداد أربعين سنة، وكان يحضر الجمعة هو وأصحابه تحت قبة النسر، إلى أن توفي ليلة الجمعة السابع والعشرين من ربيع الآخر بزاويته التي عند سوق الخيل بدمشق، ودفن بها وله من العمر مائة وأربع سنين، كما قال، فالله أعلم‏.‏

 الشيخ محمد بن محمود بن علي

الشحام المقرئ شيخ ميعاد ابن عامر، كان شيخاً حسناً بهياً مواظباً على تلاوة القرآن إلى أن توفي في ليلة توفي الدهستاني المذكور أو قبله بليلة رحمهما الله‏.‏

 الشيخ شمس الدين بن الصائغ اللغوي

هو أبو عبد الله محمد بن حسين بن سباع بن أبي بكر الجذامي المصري الأصل، ثم انتقل إلى دمشق، ولد تقريباً سنة خمس وأربعين وستمائة بمصر، وسمع الحديث وكان أديباً فاضلاً بارعاً بالنظم والنثر، وعلم العروض والبديع والنحو واللغة، وقد اختصر صحاح الجوهري، وشرح مقصورة بن دريد‏.‏

وله قصيدة تائية تشتمل على ألفي بيت فأكثر، ذكر فيها العلوم والصنائع، وكان حسن الأخلاق لطيف المحاورة والمحضارة، وكان يسكن بين درب الحبالين والفراش عند بستان القط توفي بداره يوم الاثنين ثالث شعبان ودفن بباب الصغير‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/113‏)‏

 ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وسبعمائة

استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها‏.‏

وفي أول يوم منها فتح حمام الزيت الذي في رأس درب الحجر، جدد عمارته رجل ساوي بعد ما كان قد درس ودثر من زمان الخوارزمية من نحو ثمانين سنة، وهو حمام جيد متسع‏.‏

وفي سادس المحرم وصلت هدية من ملك التتار أبي سعيد إلى السلطان صناديق وتحف ودقيق‏.‏

وفي يوم عاشوراء خرج الشيخ تقي الدين بن تيمية من القلعة بمرسوم السلطان وتوجه إلى داره، وكانت مدة إقامته خمسة أشهر وثمانية عشر يوماً رحمه الله‏.‏

وفي رابع ربيع الآخر وصل إلى دمشق القاضي كريم الدين وكيل السلطان فنزل بدار السعادة وقدم قاضي القضاة تقي الدين بن عوض الحاكم الحنبلي بمصر وهو ناظر الخزانة أيضاً، فنزل بالعادلية الكبيرة التي للشافعية، فأقام بها أياماً، ثم توجه إلى مصر‏:‏ جاء في بعض أشغال السلطان وزار القدس‏.‏

وفي هذا الشهر كان السلطان قد حفر بركة قريباً من الميدان وكان في جوارها كنيسة فأمر الوالي بهدمها، فلما هدمت تسلط الحرافيش وغيرهم على الكنائس بمصر يهدمون ما قدروا، عليه فانزعج السلطان لذلك وسأل القضاة ماذا يجب على من تعاطى ذلك منهم‏؟‏ فقالوا‏:‏ يعزر‏.‏

فأخرج جماعة من السجون ممن وجب عليه قتل فقطع وصلب وحرم وحزن وعاقب، موهماً أنه إنما عاقب من تعاطي تخريب ذلك، فسكن الناس وأمنت النصارى وظهروا بعد ما كانوا قد اختفوا أياماً‏.‏

وفيه‏:‏ ثارت الحرامية ببغداد ونهبوا سوق الثلاثاء وقت الظهر، فثار الناس وراءهم وقتلوا منهم قريباً من مائة وأسروا آخرين‏.‏

قال الشيخ علم الدين البرزالي ومن خطه نقلت‏:‏ وفي يوم الأربعاء السادس من جمادى الأولى خرج القضاة والأعيان والمفتيون إلى القابون ووقفوا على قبلة الجامع الذي أمر ببنائه القاضي كريم الدين وكيل السلطان بالمكان المذكور، وحرروا قبلته واتفقوا على أن تكون مثل قبلة جامع دمشق‏.‏

وفيه‏:‏ وقعت مراجعة من الأمير جوبان أحد المقدمين الكبار، بدمشق، وبين نائب السلطنة تنكز، فمسك جوبان ورفع إلى القلعة ليلتان، ثم حول إلى القاهرة فعوتب في ذلك، ثم أعطي خبزاً يليق به‏.‏

وذكر علم الدين أن في هذا اليوم وقع حريق عظيم في القاهرة في الدور الحسنة والأماكن المليحة المرتفعة، وبعض المساجد، وحصل للناس مشقة عظيمة من ذلك، وقنتوا في الصلوات ثم كشفوا عن القضية فإذا هو من قبل النصارى بسبب ما كان أحرق من كنائسهم وهدم، فقتل السلطان بعضهم وألزم النصارى أن يلبسوا الزرقاء على رؤوسهم وثيابهم كلها، وأن يحملوا الأجراس في الحمامات، وأن لا يستخدموا في شيء من الجهات، فسكن الأمر وبطل الحريق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/114‏)‏

وفي جمادى الآخرة خرب ملك التتار أبو سعيد البازار وزوج الخواطىء وأراق الخمور وعاقب في ذلك أشد العقوبة، وفرح المسلمون بذلك ودعوا له رحمه الله وسامحه‏.‏

وفي الثالث عشر من جمادى الآخرة أقيمت الجمعة بجامع القصب، وخطب به الشيخ علي المناخلي‏.‏

وفي يوم الخميس تاسع عشر جمادى الآخرة فتح الحمام الذي أنشأه تنكز تجاه جامعه، وأكري في كل يوم بأربعين درهماً لحسنه وكثرة ضوئه ورخامه‏.‏

وفي يوم السبت تاسع عشر رجب خربت كنيسة القرائيين التي تجاه حارة اليهود بعد إثبات كونها محدثة وجاءت المراسيم السلطانية بذلك‏.‏

وفي أواخر رجب نفذت الهدايا من السلطان إلى أبي سعيد ملك التتار، صحبة الخواجا مجد الدين السلامي، وفيها خمسون جملاً وخيول وحمار عتابي‏.‏

وفي منتصف رمضان أقيمت الجمعة بالجامع الكريمي بالقابون وشهدها يومئذ القضاة والصاحب وجماعة من الأعيان‏.‏

قال الشيخ علم الدين‏:‏ وقدم دمشق الشيخ قوام الدين أمير كاتب ابن الأمير العميد عمر الأكفاني القازاني، مدرّس مشهد الإمام أبي حنيفة ببغداد، في أول رمضان، وقد حج في هذه السنة وتوجه إلى مصر وأقام بها أشهراً ثم مر بدمشق متوجهاً إلى بغداد فنزل بالخاتونية الحنفية، وهو ذو فنون وبحث وأدب وفقه‏.‏

وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال وأميره شمس الدين حمزة التركماني، وقاضيه نجم الدين الدمشقي‏.‏

وفيها‏:‏ حج تنكز نائب الشام وفي صحبته جماعة من أهله، وقدم من مصر الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب لينوب عنه إلى أن يرجع، فنزل بالنجيبية البرانية‏.‏

وممن حج فيها‏:‏ الخطيب جلال الدين القزويني، وعز الدين حمزة بن القلانسي، وابن العز شمس الدين الحنفي، وجلال الدين بن حسام الدين الحنفي، وبهاء الدين بن علية، وعلم الدين البرزالي ودرّس ابن جماعة بزاوية الشافعي يوم الأربعاء ثامن عشر شوال عوضاً عن شهاب الدين أحمد بن محمد الأنصاري لسوء تصرفه، وخلع على ابن جماعة، وحضر عنده من الأعيان والعامة ما نشأ به جمعية الجمعة وأشعلت له شموع كثيرة وفرح الناس بزوال المعزول‏.‏

قال البرزالي ومن خطه نقلت‏:‏ وفي يوم الأحد سادس عشر شوال ذكر الدرس الإمام العلامة تقي الدين السبكي المحدث بالمدرسة الهكارية عوضاً عن ابن الأنصاري أيضاً، وحضر عنده جماعة منهم القونوي، وروى في الدرس حديث المتبايعين بالخيار، عن قاضي القضاة ابن جماعة‏.‏

وفي شوال عزل علاء الدين بن معبد عن ولاية البر وشد الأوقاف، وتولى ولاية الولاة بالبلاد القبلية بحوران عوضاً عن بكتمر لسفره إلى الحجاز، وباشر أخوه بدر الدين شد الأوقاف، والأمير علم الدين الطرقشي ولاية البر مع شد الدواوين، وتوجه ابن الأنصاري إلى حلب متولياً وكالة بيت المال عوضاً عن ناصر الدين أخي شرف الدين يعقوب ناظر حلب، بحكم ولاية التاج المذكور نظر الكرك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/115‏)‏

وفي يوم عيد الفطر كرب الأمير تمرتاش بن جوبان نائب أبي سعيد على بلاد الروم في قيسارية في جيش كثيف من التتار والتركمان والقرمان، ودخل بلاد سيس فقتل وسبى وحرق وخرب، وكان قد أرسل لنائب حلب الطنبغا ليجهز له جيوشاً ليكونون عوناً له على ذلك، فلم يمكنه ذلك بغير مرسوم السلطان‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الشيخ الصالح المقري

بقية السلف عفيف الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الحق بن عبد الله بن عبد الواحد بن علي القرشي المخزومي الدلاصي شيخ الحرم بمكة، أقام فيه أزيد من ستين سنة، يقرئ الناس القرآن احتساباً، وكانت وفاته ليلة الجمعة الرابع عشر من محرم بمكة، وله أزيد من تسعين سنة رحمه الله‏.‏

 الشيخ الفاضل شمس الدين أبو عبد الله

محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمداني، أبوه الصالحي المعروف بالسكاكيني، ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة بالصالحية، وقرأ بالروايات، واشتغل في مقدمة في النحو، ونظم قوياً وسمع الحديث، وخرج له الفخر ابن البعلبكي جزءاً عن شيوخه، ثم دخل في التشيع فقرأ على أبي صالح الحلي شيخ الشيعة، وصحب عدنان وقرأ عليه أولاده، وطلبه أمير المدينة النبوية الأمير منصور بن حماد فأقام عنده نحواً من سبع سنين‏.‏

ثم عاد إلى دمشق وقد ضعف وثقل سمعه، وله سؤال في الخبر أجابه به الشيخ تقي الدين بن تيمية، وكل فيه عنه غيره، وظهر له بعد موته كتاب فيه انتصار لليهود وأهل الأديان الفاسدة فغسله تقي الدين السبكي لما قدم دمشق قاضياً، وكان بخطه، ولما مات لم يشهد جنازته القاضي شمس الدين بن مسلم‏.‏

توفي يوم الجمعة سادس عشر صفر، ودفن بسفح قاسيون، وقتل ابنه قيماز على قذفه أمهات المؤمنين عائشة وغيرها رضي الله عنهن وقبح قاذفهن‏.‏

وفي يوم الجمعة مستهل رمضان صلّي بدمشق على غائبين وهم الشيخ نجم الدين عبد الله بن محمد الأصبهاني، توفي بمكة، وعلى جماعة توفوا بالمدينة النبوية منهم عبد الله بن أبي القاسم بن فرحون مدرس المالكية بها، والشيخ يحيى الكردي، والشيخ حسن المغربي السقا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/116‏)‏

 الشيخ الإمام العالم علاء الدين

علي بن سعيد بن سالم الأنصاري، إمام مشهد علي من جامع دمشق، كان بشوش الوجه متواضعاً حسن الصوت بالقراءة ملازماً لإقراء الكتاب العزيز بالجامع، وكان يؤم نائب السلطنة ولده العلامة، بهاء الدين محمد بن علي مدرس الأمينية، ومحتسب دمشق‏.‏

توفي ليلة الاثنين رابع رمضان ودفن بسفح قاسيون‏.‏

 الأمير حاجب الحجاب

زين الدين كتبغا المنصوري، حاجب دمشق، كان من خيار الأمراء وأكثرهم براً للفقراء، يحب الختم والمواعيد والمواليد وسماع الحديث، ويلزم أهله ويحسن إليهم، وكان ملازماً لشيخنا أبي العباس ابن يتيمة كثيراً، وكان يحج ويتصدق، توفي يوم الجمعة آخر النهار ثامن عشر شوال، ودفن من الغد بتربته قبلي القبيبات، وشهده خلق كثير وأثنوا عليه رحمه الله‏.‏

والشيخ بهاء الدين بن المقدسي والشيخ سعد الدين أبي زكريا يحيى المقدسي، والد الشيخ شمس الدين محمد بن سعد المحدث المشهور‏.‏

وسيف الدين الناسخ المنادي على الكتب، والشيخ أحمد الحرام المقرئ على الجنائز، وكان يكرر على التنبيه، ويسأل عن أشياء منا ما هو حسن ومنها ما ليس بحسن‏.‏

 ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين وسبعمائة

استهلت وأرباب الولايات هم المذكورون في التي قبلها، سوى والي البر بدمشق فإنه علم الدين طرقشي، وقد صرف ابن معبد إلى ولاية حوران لشهامته وصرامته وديانته وأمانته‏.‏

وفي المحرم حصلت زلزلة عظيمة بدمشق، وقى الله شرها، وقدم تنكز من الحجاز ليلة الثلاثاء حادي عشر المحرم، وكانت مدة غيبته ثلاثة أشهر‏.‏

وقدم ليلاً لئلا يتكلف أحد لقدومه، وسافر نائب الغيبة عنه قبله بيومين لئلا يكلفه بهدية ولا غيرها، وقدم مغلطاي عبد الواحد الجحدار أحد الأمراء بمصر بخلعة سنية من السلطان لتنكز فلبسها وقبل العتبة على العادة، وفي يوم الأربعاء سادس صفر درس الشيخ نجم الدين القفجازي بالظاهرية للحنيفة، وهو خطيب جامع تنكز، وحضر عنده القضاة والأعيان، ودرس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 58‏]‏‏.‏

وذلك بعد وفاة القاضي شمس الدين بن العز الحنفي، توفي مرجعه من الحجاز، وتولى بعده نيابة القضاء عماد الدين الطرسوسي، وهو زوج ابنته، وكان ينوب عنه في حال غيبته، فاستمر بعده، ثم ولي الحكم بعده، مستنيبه فيها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/117‏)‏

وفيه‏:‏ قدم الخوارزمي حاجباً عوضاً عن كتبغا، وفي ربيع الأول قدم إلى دمشق الشيخ قوام الدين مسعود بن الشيخ برهان الدين محمد بن الشيخ شرف الدين محمد الكرماني الحنفي، فنزل بالقصاعين وتردد إليه الطلبة ودخل إلى نائب السلطنة واجتمع به وهو شاب مولده سنة إحدى وسبعين وقد اجتمعت به، وكان عنده مشاركة في الفروع والأصول ودعواه أوسع من محصوله، وكانت لأبيه وجده مصنفات، ثم صار بعد مدة إلى مصر ومات بها كما سيأتي‏.‏

وفي ربيع الأول تكامل فتح إياس ومعاملتها وانتزاعها من أيدي الأرمن، وأخذ البرج الأطلس وبينه وبينها في البحر رمية، ونصف فأخذه المسلمون بإذن الله وخربوه، وكانت أبوابه مطلية بالحديد والرصاص، وعرض سوره ثلاثة عشر ذراعا بالنجار، وغنم المسلمون غنائم كثيرة جداً، وحاصروا كواره فقوى عليهم الحر والذباب، فرسم السلطان بعودهم فحرقوا ما كان معهم من المجانيق وأخذوا حديدها وأقبلوا سالمين غانمين، وكان معهم خلق كثير من المتطوعين‏.‏

وفي يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى كمل بسط داخل الجامع فاتسع على الناس، ولكن حصل حرج بحمل الأمتعة على خلاف العادة، فإن الناس كانوا يمرون وسط الرواق ويخرجون من باب البرادة، ومن شاء استمر يمشي إلى الباب الآخر بنعليه، ولم يكن ممنوعاً سوى المقصورة لا يمكن أحد الدخول إليها بالمداسات، بخلاف باقي الرواقات، فأمر نائب السلطة بتكميل بسطه بإشارة ناظره ابن مراحل‏.‏ وفي جمادى الآخرة رجعت العساكر من بلاد سيس ومقدمهم أقوش نائب الكرك‏.‏

وفي آخر رجب باشر القاضي محيي الدين بن إسماعيل بن جهبل نيابة الحكم عن ابن صصرى عوضاً عن الداراني الجعفري، واستغنى الداراني بخطبة جامع العقبية عنها‏.‏

وفي ثالث رجب ركب نائب السلطنة إلى خدمة السلطان فأكرمه وخلع عليه، وعاد في أول شعبان ففرح به الناس‏.‏

وفي رجب كملت عمارة الحمام الذي بناه الأمير علاء الدين بن صبيح جوار داره شمالي الشامية البرانية‏.‏

وفي يوم الاثنين تاسع شعبان عقد الأمير سيف الدين أبو بكر بن أرغون نائب السلطنة عقده على ابنة الناصر، وختن في هذا اليوم جماعة من أولاد الأمراء بين يديه، ومد سماطاً عظيماً، ونثرت الفضة على رؤوس المطهرين، وكان يوماً مشهوداً، ورسم السلطان في هذا اليوم وضع المكس عن المأكولات بمكة، وعوض صاحبها عن ذلك بإقطاع في بلد الصعيد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/118‏)‏

وفي أواخر رمضان كملت عمارة الحمام الذي بناه بهاء الدين بن عليم بزقاق الماجية من قاسيون بالقرب من سكنه، وانتفع به أهل تلك الناحية ومن جاورهم‏.‏

وخرج الركب الشامي يوم الخميس ثامن شوال وأميره سيف الدين بلبطي نائب الرحبة، وكان سكنه داخل باب الجابية بدرب ابن صبرة، وقاضيه شمس الدين بن النقيب قاضي حمص‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 القاضي شمس الدين بن العز الحنفي

أبو عبد الله محمد بن الشيخ شرف الدين أبي البركات محمد بن الشيخ عز الدين أبي العز صالح بن أبي العز بن وهيب بن عطاء بن جبير بن كابن بن وهيب الأذرعي الحنفي، أحد مشايخ الحنفية وأئمتهم وفضلائهم في فنون من العلوم متعددة، حكم نيابة نحواً من عشرين سنة‏.‏

وكان سديد الأحكام محمود السيرة، جيد الطريقة كريم الأخلاق كثير البر والصلة والإحسان إلى أصحابه وغيرهم، وخطب في جامع الأفرم مدة، وهو أول من خطب به ودرس بالمعظمية واليغمورية والقليجية والظاهرية، وكان ناظر أوقافها، وأذن للناس بالإفتاء، وكان كبيراً معظماً مهيباً‏.‏

توفي بعد مرجعه من الحج بأيام قلائل، يوم الخميس سلخ المحرم، وصلّي عليه يومئذ بعد الظهر بجامع الأفرم، ودفن عند المعظمية عند أقاربه، وكانت جنازته حافلة، وشهد له الناس بالخير وغبطوه لهذه الموتة رحمه الله‏.‏

ودرس بعده في الظاهرية نجم الدين الفقجازي، وفي المعظمية والقليجية والخطابة الأفرم ابنه علاء الدين، وباشر بعده نيابة الحكم القاضي عماد الدين الطرسوسي، مدرس القلعة‏.‏

 الشيخ الإمام العالم أبو إسحاق

بقية السلف رضي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري المكي الشافعي، إمام المقام أكثر من خمسين سنة، سمع الحديث من شيوخ بلده والواردين إليها ولم يكن له رحلة، وكان يفتي الناس من مدة طويلة، ويذكر أنه اختصر شرح السنة للبغوي‏.‏

توفي يوم السبت بعد الظهر ثامن ربيع الأول بمكة، ودفن من الغد، وكان من أئمة المشايخ‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/119‏)‏

شيخنا العلامة الزاهد ركن الدين

 بقية السلف ركن الدين أبو يحيى زكريا بن يوسف بن سليمان بن حماد البجلي الشافعي، نائب الخطابة، ومدرس الطيبية والأسدية، وله حلقة للاشتغال بالجامع، يحضر بها عنده الطلبة، كان يشتغل في الفرائض وغيرها، مواظباً على ذلك، توفي يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى عن سبعين سنة، ودفن قريباً من شيخه تاج الدين الفزاري رحمهما الله‏.‏

نصير الدين

 أبو محمد عبد الله بن وجيه الدين أبي عبد الله علي بن محمد بن علي بن أبي طالب بن سويد بن معالي ابن محمد بن أبي بكر الربعي التغلبي التكريتي أحد صدور دمشق، قدم أبوه قبله إليها وعظم في أيام الظاهر وقبله، وكان مولده في حدود خمسين وستمائة، ولهم الأموال الكثيرة والنعمة الباذخة، توفي يوم الخميس عشرين رجب، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله‏.‏

وفي يوم الأحد حادي عشر شوال توفي‏:‏

 شمس الدين محمد بن المغربي

التاجر السفار، باني خان الصنمين الذي على جادة الطريق للسبيل رحمه الله وتقبل منه، وهو في أحسن الأماكن وأنفعها‏.‏

 الشيخ الجليل نجم الدين

نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن محمد بن إسماعيل القرشي المعروف بابن عنقود المصري، كانت له وجاهة وإقدام على الدولة، توفي بكرة الجمعة ثالث عشرين شوال، ودفن بزاويته، وقام بعده فيها ابن أخيه‏.‏

 شمس الدين محمد بن الحسن

ابن الشيخ الفقيه محيي الدين أبو الهدى أحمد بن الشيخ شهاب الدين أبي شامة، ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة فأسمعه أبوه على المشايخ وقرأ القرآن واشتغل بالفقه وكان ينسخ ويكثر التلاوة ويحضر المدارس والسبع الكبير، توفي في سابع عشرين شوال، ودفن عند والده بمقابر باب الفراديس‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/120‏)‏

الشيخ العابد جلال الدين

 جلال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن زين الدين محمد بن أحمد بن محمود بن محمد العقيلي المعروف بابن القلانسي، ولد سنة أربع وخمسين وستمائة، وسمع على ابن عبد الدائم جزء ابن عرفة، ورواه غير مرة، وسمع على غيره أيضاً، واشتغل بصناعة الكتابة والإنشاء ثم انقطع وترك ذلك كله وأقبل على العبادة والزهادة، وبنى له الأمراء بمصر زاوية وترددوا إليه‏.‏

وكان فيه بشاشة وفصاحة، وكان ثقيل السمع، ثم انتقل إلى القدس وقدم دمشق مرة فاجتمع به الناس وأكرموه، وحدث بها ثم عاد إلى القدس وتوفي بها ليلة الأحد ثالث ذي القعدة، ودفن بمقابر ماملي رحمه الله، وهو خال المحتسب عز الدين بن القلانسي، وهذا خال الصاحب تقي الدين بن مراحل‏.‏

الشيخ الإمام قطب الدين

 محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر السنباطي المصري، اختصر الروضة وصنف كتاب التعجيز ودرّس بالفاضلية وناب في الحكم بمصر، وكان من أعيان الفقهاء، توفي يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة عن سبعين سنة، وحضر بعده تدريس الفاضلية ضياء الدين المنادي، نائب الحكم بالقاهرة وحضر عنده ابن جماعة، والأعيان والله أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة

استهلت بيوم الأحد في كانون الأصم، والحكام هم المذكورون في التي قبلها، غير أن والي البر بدمشق هو الأمير علاء الدين علي بن الحسن المرواني، باشرها في صفر من السنة الماضية‏.‏

وفي صفر من هذه السنة باشر ولاية المدينة الأمير شهاب الدين بن يرق عوضاً عن صارم الدين الجوكنداري‏.‏

وفي صفر عوفي القاضي كريم الدين وكيل السلطان من مرض كان قد أصابه، فزينت القاهرة وأشعلت الشموع وجمع الفقراء بالمارستان المنصوري ليأخذوا من صدقته‏.‏

فمات بعضهم من الزحام في سلخ ربيع الأول، ودرّس الإمام العلاّمة المحدّث تقي الدين السبكي الشافعي بالمنصورية بالقاهرة عوضاً عن القاضي جمال الدين الزرعي، بمقتضى انتقاله إلى دمشق، وحضر عنده علاء الدين شيخ الشيوخ القونوي الشافعي عوضاً عن النجم ابن صصرى، في يوم الجمعة رابع جمادى الأولى، فنزل العادلية وقد قدم على القضاة ومشيخة الشيوخ وقضاء العساكر وتدريس العادلية والغزالية والأتابكية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/121‏)‏

وفي يوم الأحد مسك القاضي كريم الدين بن عبد الكريم بن هبة الله بن الشديد وكيل السلطان وكان قد بلغ من المنزلة والمكانة عند السلطان ما لم يصل إليه غيره من الوزراء الكبار واحتيط على أمواله وحواصله، ورسم عليه عند نائب السلطنة، ثم رسم له أن يكون بتربته التي بالقرافة، ثم نفي إلى الشوبك وأنعم عليه بشيء من المال، ثم أذن له بالإقامة بالقدس الشريف برباطه‏.‏

ومسك ابن أخيه كريم الدين الصغير ناظر الدواوين، وأخذت أمواله وحبس في البرج، وفرح العامة بذلك ودعوا للسلطان سبب مسكهما، ثم أخرج إلى صفد‏.‏

وطلب من القدس أمين الملك عبد الله فوليّ الوزارة بمصر وخلع عليه عوداً على بدء، وفرح العامة بذلك وأشعلوا له الشموع، وطلب الصاحب بدر الدين غبريال من دمشق فركب ومعه أموال كثيرة، ثم خوّل أموال كريم الدين الكبير، وعاد إلى دمشق مكرماً‏.‏

وقدم القاضي معين الدين بن الحشيشي على نظر الجيوش الشامية عوضاً عن القطب بن شيخ السلامية عزل عنها، ورسم عليه في العذراوية نحواً من عشرين يوماً ثم أذن له في الانصراف إلى منزله مصروفاً عنها‏.‏

وفي جمادى الأولى عزل طرقشي عن شد الدواوين وتولاها الأمير بكتمر‏.‏

وفي ثاني جمادى الآخرة باشر ابن جهبل نيابة الحكم عن الزرعي، وكان قد باشر قبلها بأيام نظر الأيتام عوضاً عن ابن هلال‏.‏

وفي شعبان أعيد الطرقشي إلى الشد وسافر بكتمر إلى نيابة الإسكندرية، وكان بها إلى أن توفي‏.‏

وفي رمضان قدم جماعة من حجاج الشرق وفيهم بنت الملك أبغا بن هولاكو، وأخت أرغون وعمة قازان وخربندا، فأكرمت وأنزلت بالقصر الأبلق، وأجريت عليها الإقامات والنفقات إلى أوان الحج، وخرج الركب يوم الاثنين ثامن شوال وأميره قطلجا الأيوبكري، الذي بالقصاعين وقاضي الركب شمس الدين قاضي القضاة ابن مسلم الحنبلي‏.‏

وحج معهم جمال الدين المزي، وعماد الدين بن الشيرجي، وأمين الدين الوافي، وفخر الدين البعلبكي، وجماعة، وفوض الكلام في ذلك إلى شرف الدين بن سعد الدين بن نجيح‏.‏

كذا أخبرني شهاب الدين الظاهري‏.‏

ومن المصريين قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وولده عز الدين وفخر الدين كاتب المماليك، وشمس الدين الحارثي، وشهاب الدين الأذرعي، وعلاء الدين الفارسي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/122‏)‏

وفي شوال باشر تقي الدين السبكي مشيخة دار الحديث الظاهرية بالقاهرة بعد زكي الدين المنادي ويقال له عبد العظيم بن الحافظ شرف الدين الدمياطي، ثم انتزعت من السبكي لفتح الدين بن سيد الناس اليعمري، باشرها في ذي القعدة‏.‏

وفي يوم الخميس مستهل ذي الحجة خلع على قطب الدين ابن شيخ السلامية وأعيد إلى نظر الجيش مصاحباً لمعين الدين بن الحشيشي، ثم بعد مدة مديدة استقل قطب الدين بالنظر وحده وعزل ابن حشيش‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الإمام المؤرخ كمال الدين الفوطي

أبو الفضل عبد الرزاق أحمد بن محمد بن أحمد بن الفوطي عمر بن أبي المعالي الشيباني البغدادي، المعروف بابن الفوطي، وهو جده لأمه، ولد سنة اثنتين وأربعين وستمائة ببغداد، وأسر في واقعة التتار ثم تخلص من الأسر، فكان مشارفاً على الكتب بالمستنصرية، وقد صنف تاريخاً في خمس وخمسين مجلداً، وآخر في نحو عشرين، وله مصنفات كثيرة، وشعر حسن، وقد سمع الحسن من محيي الدين بن الجوزي، توفي ثالث المحرم ودفن بالشونيزية‏.‏

 قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى

أبو العباس أحمد بن العدل عماد الدين بن محمد بن العدل أمين الدين سالم بن الحافظ المحدث بهاء الدين أبي المواهب بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن الحسن بن محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن صصرى التغلبي الربعي الشافعي قاضي القضاة بالشام، ولد في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وستمائة‏.‏

وسمع الحديث واشتغل وحصل وكتب عن القاضي شمس الدين بن خلكان وفيات الأعيان، وسمعها عليه، وتفقه بالشيخ تاج الدين الفزاري، وعلى أخيه شرف الدين في النحو، وكان له يد في الإنشاء وحسن العبارة، ودرذس بالعادلية الصغيرة سنة ثنتين وثمانين، وبالأمينية سنة تسعين، وبالغزالية سنة أربع وتسعين‏.‏

وتولى قضاء العساكر في دولة العادل كتبغا، ثم تولى قضاء الشام سنة ثنتين وسبعمائة، بعد ابن جماعة حين طلب لقضاء مصر، بعد ابن دقيق العيد‏.‏

ثم أضيف إليه مشيخة الشيوخ مع تدريس العادلية والغزالية والأتابكية، وكلها مناصب دنيوية انسلخ منها وانسلخت منه، ومضى عنها وتركها لغيره، وأكبر أمنيته بعد وفاته أنه لم يكن تولاها وهي متاع قليل من حبيب مفارق، وقد كان رئيساً محتشماً وقوراً كريماً جميل الأخلاق، معظماً عند السلطان والدولة‏.‏

توفي فجأة ببستانه بالسهم ليلة الخميس سادس عشر ربيع الأول وصلّي عليه بالجامع المظفري، وحضر جنازته نائب السلطنة والقضاة والأمراء والأعيان، وكانت جنازته حافلة ودفن بتربتهم عند الركنية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/123‏)‏

 علاء الدين علي بن محمد

ابن عثمان بن أحمد بن أبي المنى بن محمد بن نحلة الدمشقي الشافعي، ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة وقرأ ‏(‏المحرر‏)‏، ولازم الشيخ زين الدين الفارقي ودرّس بالدولعية والركنية، وناظر بيت المال، وابتنى داراً حسنة إلى جانب الركنية، ومات وتركها في ربيع الأول، ودرّس بعده بالدولعية القاضي جمال الدين بن جملة، وبالركنية القاضي ركن الدين الخراساني‏.‏

وفي ربيع الأول قتل‏:‏

 الشيخ ضياء الدين

عبد الله الزربندي النحوي، كان قد اضطرب عقله فسافر من دمشق إلى القاهرة فأشار شيخ الشيوخ القونوي فأودع بالمارستان فلم يوافق ثم دخل إلى القلعة وبيده سيف مسلول فقتل نصرانياً، فحمل إلى السلطان وظنوه جاسوساً فأمر بشنقه فشنق، وكنت ممن اشتغل عليه في النحو‏.‏

 الشيخ الصالح المقري الفاضل

شهاب الدين أحمد بن الطبيب بن عبيد الله الحلي العزيزي الفوارسي المعروف بابن الحلبية، سمع من خطيب مرداو ابن عبد الدائم، واشتغل وحصل وأقرأ الناس، وكانت وفاته في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة، ودفن بالسفح‏.‏

 شهاب الدين أحمد بن محمد

ابن قطنية الذرعي التاجر المشهور بكثرة الأموال والبضائع والمتاجر، قيل بلغت زكاة ماله في سنة قازان خمسة وعشرين ألف دينار، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بتربته التي بباب بستانه المسمى بالمرفع عند ثورا، في طريق القابون، وهي تربة هائلة، وكانت له أملاك‏.‏

 القاضي الإمام جمال الدين

أبو بكر بن عباس بن عبد الله الخابوري، قاضي بعلبك، وأكبر أصحاب الشيخ تاج الدين الفزاري، قدم من بعلبك ليلتقي بالقاضي الذرعي فمات بالمدرسة البادرائية ليلة السبت السابع جمادى الأولى ودفن بقاسيون، وله من العمر سبعون سنة أضغاث حلم‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/124‏)‏

 الشيخ المعمر المسن جمال الدين

عمر بن إلياس بن الرشيد البعلبكي التاجر، ولد سنة ثنتين وستمائة، وتوفي في ثاني عشر جمادى الأولى عن مائة وعشرين سنة، ودفن بمطحا رحمه الله‏.‏

 الشيخ الإمام المحدث صفي الدين القرافي

صفي الدين أبو الثناء محمود بن أبي بكر بن محمد الحسني بن يحيى بن الحسين الأرموي، الصوفي، ولد سنة ست وأربعين وستمائة، وسمع الكثير ورحل وطلب وكتب الكثير، وذيل على ‏(‏النهاية‏)‏ لابن الأثير، وكان قد قرأ ‏(‏التنبيه‏)‏ واشتغل في اللغة فحصل منها طرفاً جيداً‏.‏

ثم اضطرب عقله في سنة سبع وسبعين وغلبت عليه السوداء، وكان يفيق منها في بعض الأحيان فيذاكر صحيحاً ثم يعترضه المرض المذكور، ولم يزل كذلك حتى توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة في المارستان النوري، ودفن بباب الصغير‏.‏

 الخاتون المصونة

خاتون بنت الملك الصالح إسماعيل ابن العادل بن أبي بكر بن أيوب بن شادي بدارها، وتعرف بدار كافور، وكانت رئيسة محترمة، ولم تتزوج قط، وليس في طبقتها من بني أيوب غيرها في هذا الحين، توفيت يوم الخميس الحادي والعشرين من شعبان، ودفنت بتربة أم الصالح رحمهما الله‏.‏

 شيخنا الجليل المعمر الرحلة بهاء الدين

بهاء الدين أبو القاسم ابن الشيخ بدر الدين أبي غالب المظفر بن نجم الدين بن أبي الثناء محمود ابن الإمام تاج الأمناء أبي الفضل أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر الدمشقي الطبيب المعمر، ولد سنة تسع وعشرين وستمائة، سمع حضوراً وسماعاً على الكثير من المشايخ، وقد خرج له الحافظ علم الدين البرزالي مشيخة سمعناها عليه في سنة وفاته، وكذلك خرج له الحافظ صلاح الدين العلائي عوالي من حديثه، وكتب له المحدث المفيد ناصر الدين بن طغربك مشيخة في سبع مجلدات تشتمل على خمسمائة وسبعين شيخاً، سماعاً وإجازة وقرئت عليه فسمعها الحافظ وغيرهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/125‏)‏

قال البرزالي‏:‏ وقد قرأت عليه ثلاثاً وعشرين مجلداً بحذف المكررات، ومن الأجزاء خمسمائة وخمسين جزء بالمكررات‏.‏

قال‏:‏ وكان قد اشتغل بالطب، وكان يعالج الناس بغير أجرة، وكان يحفظ كثيراً من الأحاديث والحكايات والأشعار، وله نظم وخدم من عدة جهات الكتابة، ثم ترك ذلك ولزم بيته، وإسماع الحديث وتفرد في آخر عمره في أشياء كثيرة، وكان سهلاً في التسميع، ووقف آخر عمره داره دار حديث، وخص الحافظ البرزالي والمزي بشيء من بره، وكانت وفاته يوم الاثنين وقت الظهر خامس وعشرين شعبان، ودفن بقاسيون رحمه الله‏.‏

 الوزير ثم الأمير نجم الدين

حمد بن الشيخ فخر الدين عثمان بن أبي القاسم البصراوي الحنفي، درس ببصرى بعد عمه القاضي صدر الدين الحنفي، ثم ولي الحسبة بدمشق ونظر الخزانة، ثم ولي الوزارة، ثم سأل الإقالة منها فعوض بإمرية عشرة عنها بإقطاع هائل، وعومل في ذلك معاملة الوزراء في حرمته ولبسته، حتى كانت وفاته ببصرى يوم الخميس ثامن عشرين شعبان، ودفن هناك، وكان كريماً ممدحاً وهاباً نهاباً كثير الصدقة والإحسان إلى الناس، ترك أموالاً وأولاداً ثم تفانوا كلهم بعده وتفرقت أمواله، ونكحت نساؤه وسكنت منازله‏.‏

 الأمير صارم الدين بن قراسنقر الجوكندار

مشد الخاص، ثم ولي بدمشق ولاية ثم عزل عنها قبل موته بستة أشهر، توفي تاسع رمضان ودفن بتربته المشرفة المبيضة شرقي مسجد النارنج كان قد أعدها لنفسه‏.‏

 الشيخ أحمد الأعقف الحريري

شهاب الدين أحمد بن حامد بن سعيد التنوخي الحريري، ولد سنة أربع وأربعين وستمائة، واشتغل في صباه على الشيخ تاج الدين الفزاري في التنبيه، ثم صحب الحريرية وخدمهم ولزم مصاحبة الشيخ نجم الدين بن إسرائيل، وسمع الحديث، وحج غير مرة، وكان مليح الشكل كثير التودد إلى الناس، حسن الأخلاق، توفي يوم الأحد ثالث عشرين رمضان بزاويته بالمزة، ودفن بمقبرة المزة، وكانت جنازته حافلة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/126‏)‏

وفي يوم الجمعة ثامن عشرين رمضان صلّي بدمشق على غائب وهو الشيخ هارون المقدسي، توفي ببعلبك في العشر الأخير من رمضان، وكان صالحاً مشهوراً عند الفقراء، وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة توفي‏:‏

 الشيخ المقري أبو عبد الله

محمد بن إبراهيم بن يوسف بن غصن الأنصاري القصري ثم السبتي بالقدس، ودفن بماملي، وكانت له جنازة حافلة حضرها كريم الدين والناس مشاة، ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وكان شيخاً مهيباً أحمر اللحية من الحناء، اجتمعت به وبحثت معه في هذه السنة حين زرت القدس الشريف، وهي أول زيارة زرته، وكان مالكي المذهب، قد قرأ الموطأ في ثمانية أشهر، وأخذ النحو عن أبي الربيع شارح المجمل للزجاجي من طريق شريح‏.‏

 شيخنا الأصيل شمس الدين

شمس الدين أبو نصر بن محمد بن عماد الدين أبي الفضل محمد بن شمس الدين أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن يحيى بن بندار بن مميل الشيرازي، مولده في شوال سنة تسع وعشرين وستمائة، وسمع الكثير وأسمع وأفاد في علية شيخنا المزي تغمده الله برحمته، قرأ عليه عدة أجزاء بنفسه أثابه الله وكان شيخاً حسناً خيراً مباركاً متواضعاً، يذهب الربعات والمصاحف، له في ذلك يد طولى، ولم يتدنس بشيء من الولايات، ولا تدنس بشيء من وظائف المدارس ولا الشهادات، إلى أن توفي في يوم عرفة ببستانه من المزة، وصلّي عليه بجامعها ودفن بتربتها رحمه الله‏.‏

 الشيخ العابد أبو بكر

أبو بكر بن أيوب بن سعد الذرعي الحنبلي، قيم الجوزية، كان رجلاً صالحاً متعبداً قليل التكلف، وكان فاضلاً، وقد سمع شيئاَ من دلائل النبوة عن الرشيدي العامري، توفي فجأة ليلة الأحد تاسع عشر ذي الحجة بالمدرسة الجوزية، وصلّي عليه بعد الظهر بالجامع، ودفن بباب الصغير وكانت جنازته حافلة، وأثنى عليه الناس خيراً رحمه الله، وهو والد العلامة شمس الدين محمد بن قيم الجوزية صاحب المصنفات الكثيرة النافعة الكافية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/127‏)‏

 الأمير علاء الدين بن شرف الدين

محمود بن إسماعيل بن معبد البعلبكي أحد أمراء الطبلخانات، كان والده تاجراً ببعلبك فنشأ ولده هذا واتصل بالدولة، علت منزلته، حتى أعطي طبلخانة وباشر ولاية البريد بدمشق مع شد الأوقاف ثم صرف إلى ولاية الولاة بحوران، فاعترضه مرض، وكان سبط البدن عبله، فسأل أن يقال فأجيب فأقام ببستانه بالمزة إلى أن توفي في خامس عشرين ذي الحجة، وصلّي عليه هناك، ودفن بمقبرة المزة، كان من خيار الأمراء وأحسنهم، مع ديانة وخير سامحه الله‏.‏

وفي هذا اليوم توفي‏:‏

 الفقيه الناسك شرف الدين الحراني

شرف الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن سعد الله بن عبد الأحد بن سعد الله بن عبد القاهر بن عبد الواحد بن عمر الحراني، المعروف بابن النجيح، توفي في وادي بني سالم، فحمل إلى المدينة فغسل وصلّي عليه في الروضة ودفن بالبقيع شرقي قبر عقيل، فغبطه الناس في هذه الموتة وهذا القبر، رحمه الله‏.‏

وكان ممن غبطه الشيخ شمس الدين بن مسلم قاضي الحنابلة، فمات بعده ودفن عنده وذلك بعده بثلاث سنين رحمهما الله‏.‏

وجاء يوم حضر جنازة الشيخ شرف الدين محمد المذكور شرف الدين بن أبي العز الحنفي قبل ذلك بجمعة، مرجعه من الحج بعد انفصاله عن مكة بمرحلتين، فغبط الميت المذكور بتلك الموتة فرزق مثلها بالمدينة‏.‏

وقد كان شرف الدين بن نجيح هذا قد صحب شيخنا العلام تقي الدين بن تيمية، وكان معه في مواطن كبار صعبة لا يستطيع الإقدام عليها إلا الأبطال الخلص الخواص، وسجن معه، وكان من أكبر خدامه وخواص أصحابه، ينال فيه الأذى وأوذي بسببه مرات، وكلما له في ازدياد محبة فيه وصبراً على أذى أعدائه‏.‏

وقد كان هذا الرجل في نفسه وعند الناس جيداً مشكور السيرة جيد العقل والفهم، عظيم الديانة والزهد، ولهذا كانت عاقبته هذه الموتة عقيب الحج، وصلّي عليه بروضة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفن بالبقيع بقيع الفرقد بالمدينة النبوية، فختم له بصالح عمله، وقد كان كثير من السلف يتمنى أن يموت عقيب عمل صالح يعمله، وكانت له جنازة حافلة رحمه الله تعالى، والله سبحانه أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وعشرين وسبعمائة

استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها‏:‏ الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله العباسي، وسلطان البلاد الملك الناصر، ونائبه بمصر سيف الدين أرغون ووزيره أمين الملك، وقضاته بمصر هم المذكورون في التي قبلها، ونائبه بالشام تنكز، وقضاة الشام الشافعي جمال الدين الذرعي، والحنفي الصدر علي البصراوي، والمالكي شرف الدين الهمداني‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/128‏)‏

والحنبلي شمس الدين بن مسلم، وخطيب الجامع الأموي جلال الدين القزويني، ووكيل بيت المال جمال الدين بن القلانسي، ومحتسب البلد فخر الدين بن شيخ السلامية، وناظر الدواوين شمس الدين غبريال ومشد الدواوين علم الدين طرقشي، وناظر الجيش قطب الدين بن شيخ السلامية، ومعين الدين بن الخشيش، وكاتب السر شهاب الدين محمود، ونقيب الأشراف شرف الدين بن عدنان، وناظر الجامع بدر الدين بن الحداد، وناظر الخزانة عز الدين بن القلانسي، ووالي البر علاء الدين بن المرواني، ووالي دمشق شهاب الدين برق‏.‏

وفي خامس عشر ربيع الأول باشر عز الدين بن القلانسي الحسبة عوضاً عن ابن شيخ السلامية مع نظر الخزانة، وفي هذا الشهر حمل كريم الدين وكيل السلطان من القدس إلى الديار المصرية، فاعتقل ثم أخذت منه أموال وذخائر كثيرة، ثم نفي إلى الصعيد وأجري عليه نفقات سلطانية له ولمن معه من عياله، وطلب كريم الدين الصغير وصودر بأموال جمة‏.‏

وفي يوم الجمعة الحادي عشر من ربيع الآخر قرئ كتاب السلطان بالمقصورة من الجامع الأموي بحضرة نائب السلطنة والقضاة، يتضمن إطلاق مكس الغلة بالشام المحروس جميعه، فكثرت الأدعية للسلطان، وقدم البريد إلى نائب الشام يوم الجمعة خامس عشرين ربيع الآخر بعزل قاضي الشافعية الذرعي‏.‏

فبلغه ذلك فامتنع بنفسه من الحكم، وأقام بالعادلية بعد العزل خمسة عشر يوماً ثم انتقل منها إلى الأتابكية، واستمرت بيده مشيخة الشيوخ وتدريس الأتابكية، واستدعى نائب السلطان شيخنا الإمام الزاهد برهان الدين الفزاري، فعرض عليه القضاء فامتنع فألح عليه بكل ممكن فأبى وخرج من عنده فأرسل في أثره الأعيان إلى مدرسته فدخلوا عليه بكل حيلة فامتنع من قبول الولاية، وصمم أشد التصميم جزاه الله خيراً عن مروءته‏.‏

فلما كان يوم الجمعة جاء البريد فأخبر بتوليته قضاء الشام، وفي هذا اليوم خلع على تقي الدين سليمان بن مراجل بنظر الجامع عوضاً عن بدر الدين بن الحداد توفي، وأخذ من ابن مراجل نظر المارستان الصغير لبدر الدين بن العطار، وخسف القمر ليلة الخميس للنصف من جمادى الآخرة بعد العشاء، فصلى الخطيب صلاة الكسوف بأربع سور‏:‏ ق، واقتربت، والوقعة، والقيامة، ثم صلى العشاء ثم خطب بعدها ثم أصبح فصلى بالناس الصبح، ثم ركب على البريد إلى مصر فرزق من السلطان فتولاه وولاه بعد أيام القضاء، ثم كرّ راجعاً إلى الشام فدخل دمشق في خامس رجب على القضاء مع الخطابة وتدريس العادلية والغزالية، فباشر ذلك كله، وأخذت منه الأمينية فدرّس فيها جمال الدين بن القلانسي، مع وكالة بيت المال، وأضيف إليه قضاء العساكر وخوطب بقاضي القضاة جلال الدين القزويني‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/129‏)‏

وفيها‏:‏ قدم ملك التكرور إلى القاهرة بسبب الحج في خامس عشرين رجب، فنزل بالقرافة ومعه من المغاربة والخدم نحو من عشرين ألفاً، ومعهم ذهب كثير بحيث إنه نزل سعر الذهب درهمين في كل مثقال، ويقال له الملك الأشرف موسى بن أبي بكر، وهو شاب جميل الصورة، له مملكة متسعة مسيرة ثلاث سنين‏.‏

ويذكر أن تحت يده أربعة وعشرين ملكاً، كل ملك تحت يده خلق وعساكر، ولما دخل قلعة الجبل ليسلم على السلطان أمر بتقبيل الأرض فامتنع من ذلك، فأكرمه السلطان، ولم يمكن من الجلوس أيضاً حتى خرج من بين يدي السلطان وأحضر له حصان أشهب بزناري أطلس أصفر، وهيئت له هجن وآلات كثيرة تليق بمثله‏.‏

وأرسل هو إلى السلطان أيضاً بهدايا كثيرة من جملتها أربعون ألف دينار، إلى النائب بنحو عشرة آلاف دينار، وتحف كثيرة‏.‏

وفي شعبان ورمضان زاد النيل بمصر زيادة عظيمة، لم ير مثلها من نحو مائة سنة أو أزيد منها ومكث على الأراضي نحو ثلاثة أشهر ونصف، وغرق أقصاباً كثيرة، ولكن كان نفعه أعظم من ضره‏.‏

وفي يوم الخميس ثامن عشر شعبان استناب القاضي جلال الدين القزويني نائبين في الحكم، وهما يوسف بن إبراهيم بن جملة المحجي الصالحي، وقد ولي القضاء فيما بعد ذلك كما سيأتي، ومحمد بن علي بن إبراهيم المصري، وحكما يومئذ، ومن الغد جاء البريد ومعه تقليد قضاء حلب للشيخ كمال الدين بن الزملكاني، فاستدعاه نائب السلطنة وفاوضه في ذلك فامتنع‏.‏

فراجعه النائب ثم راجع السلطان فجاء البريد في ثاني عشر رمضان بإمضاء الولاية فشرع للتأهب لبلاد حلب، وتمادى في ذلك حتى كان خروجه إليها في بكرة يوم الخميس رابع عشر شوال‏.‏

ودخل حلب يوم الثلاثاء سادس عشرين شوال فأكرم إكراماً زائداً، ودرّس بها وألقى علوماً أكبر من تلك البلاد، وحصل لهم الشرف بفنونه وفوائده، وحصل لأهل الشام الأسف على دروسه الأنيقة الفائقة، وما أحسن ما قال الشاعر وهو شمس الدين محمد الحناط في قصيدة له مطولة أولها قوله‏:‏

أسفت لفقدك جلق الفيحاء * وتباشرت بقدومك الشهباء

وفي ثاني عشر رمضان عزل أمين الملك عن وزارة مصر وأضيفت الوزارة إلى الأمير علاء الدين مغلطاي الحمالي، أستاذ دار السلطان‏.‏

وفي أواخر رمضان طلب الصاحب شمس الدين غبريال إلى القاهرة فولي بها نظر الدواوين عوضاً عن كريم الدين الصغير، وقدم كريم الدين المذكور إلى دمشق في شوال، فنزل بدار العدل من القصاعين‏.‏

وولى سيف الدين قديدار ولاية مصر، وهو شهم سفاك للدماء، فأراق الخمور وأحرق الحشيشة وأمسك الشطار، واستقامت به أحوال القاهرة ومصر، وكان هذا الرجل ملازماً لابن تيمية مدة مقامه بمصر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/130‏)‏

وفي رمضان قدم إلى مصر الشيخ نجم الدين عبد الرحيم بن الشحام الموصلي من بلاد السلطان أزبك، وعنده فنون من علم الطب وغيره، ومعه كتاب بالوصية به فأعطي تدريس الظاهرية البرانية نزل له عنها جمال الدين بن القلانسي، فباشرها في مستهل ذي الحجة، ثم درّس بالجاروضية‏.‏

ثم خرج الركب في تاسع شوال وأميره كوكنجبار المحمدي، وقاضيه شهاب الدين الظاهري‏.‏

وممن خرج إلى الحج‏:‏ برهان الدين الفزاري، وشهاب الدين قرطاي الناصري نائب طرابلس، وصاروحا وشهرى وغيرهم‏.‏

وفي نصف شوال زاد السلطان في عدة الفقهاء بمدرسته الناصرية، كان فيها من كل مذهب ثلاثون ثلاثون، فزادهم إلى أربعة وخمسين من كل مذهب، وزادهم في الجوامك أيضاً‏.‏

وفي الثالث والعشرين منه وجد كريم الدين الكبير وكيل السلطان قد شنق نفسه داخل خزانة له قد أغلقها عليه من داخل‏:‏ ربط حلقه في حبل وكان تحت رجليه قفص فدفع القفص برجليه فمات في مدينة أسوان، وستأتي ترجمته‏.‏

وفي سابع عشر ذي القعدة زينت دمشق بسبب عافية السلطان من مرض كان قد أشفى منه على الموت، وفي ذي القعدة درّس جمال الدين بن القلانسي بالظاهرية الجوانية عوضاً عن ابن الزملكاني، سافر على قضاء حلب، وحضر عنده القاضي القزويني، وجاء كتاب صادق من بغداد إلى المولى شمس بن حسان يذكر فيه أن الأمير جوبان أعطى الأمير محمد حسيناه قدحاً فيه خمر ليشربه، فامتنع من ذلك أشد الامتناع، فألح عليه وأقسم فأبى أشد الإباء‏.‏

فقال له‏:‏ إن لم تشربها وإلا كلفتك أن تحمل ثلاثين توماناً، فقال‏:‏ نعم أحمل ولا أشربها، فكتب عليه حجة بذلك، وخرج من عنده إلى أمير آخر يقال له‏:‏ بكتي، فاستقرض منه ذلك المال ثلاثين توماناً فأبى أن يقرضه إلا بربح عشرة توامين، فاتفقا على ذلك، فبعث بكتي إلى جوبان يقول له‏:‏ المال الذي طلبته من حسيناه عندي فإن رسمت حملته إلى الخزانة الشريفة، وإن رسمت تفرقه على الجيش‏.‏

فأرسل جوبان إلى محمد حسيناه فأحضره عنده فقال له‏:‏ تزن أربعين توماناً ولا تشرب قدحاً من خمر‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فأعجبه ذلك منه ومزق الحجة المكتوبة عليه، وحظي عنده وحكمه في أموره كلها، وولاه ولايات كتابه، وحصل لجوبان إقلاع ورجوع عن كثير مما كان يتعاطاه، رحم الله حسيناه‏.‏

وفي هذه السنة كانت فتنة بأصبهان قتل بسببها ألوف من أهلها، واستمرت الحرب بينهم شهوراً‏.‏

وفيها‏:‏ كان غلاء مفرط بدمشق، بلغت الغرارة مائتين وعشرين، وقلت الأقوات‏.‏

ولولا أن الله أقام للناس من يحمل لهم الغلة من مصر لاشتد الغلاء وزاد أضعاف ذلك، فكان مات أكثر الناس، واستمر ذلك مدة شهور من هذه السنة، وإلى أثناء سنة خمس وعشرين، حتى قدمت الغلات ورخصت الأسعار ولله الحمد والمنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/131‏)‏

 من الأعيان‏:‏

توفي في مستهل المحرم‏:‏

 بدر الدين بن ممدوح بن أحمد الحنفي

قاضي قلعة الروم بالحجاز الشريف، وقد كان عبداً صالحاً، حج مرات عديدة، وربما أحرم من قلعة الروم أو حرم بيت المقدس، وصلّي عليه بدمشق صلاة الغائب، وعلى شرف الدين بن العز، وعلى شرف الدين بن نجيح توفوا في أقل من نصف شهر كلهم بطريق الحجاز بعد فراغهم من الحج، وذلك أنهم غبطوا ابن نجيح صاحب الشيخ تقي الدين بن تيمية بتلك الموتة كما تقدم، فرزقوها فماتوا عقيب عملهم الصالح بعد الحج‏.‏

 الحجة الكبيرة خوندا بنت مكية

زوجة الملك الناصر، وقد كانت زوجة أخيه الملك الأشرف ثم هجرها الناصر وأخرجها من القلعة، وكانت جنازتها حافلة، ودفنت بتربتها التي أنشأتها‏.‏

 الشيخ محمد بن جعفر بن فرعوش

ويقال له اللباد ويعرف بالمؤله، كان يقرئ الناس بالجامع نحواً من أربعين سنة، وقد قرأت عليه شيئاً من القراءات، وكان يعلم الصغار عقد الراء والحروف والمتقنة كالراء ونحوها، وكان متقللاً من الدنيا لا يقتني شيئاً، وليس له بيت ولا خزانة، إنما كان يأكل في السوق وينام في الجامع، توفي في مستهل صفر وقد جاوز السبعين، ودفن في باب الفراديس رحمه الله‏.‏

وفي هذا اليوم توفي بمصر‏:‏

 الشيخ أيوب السعودي

وقد قارب المائة، أدرك الشيخ أبا السعود وكانت جنازته مشهودة‏.‏

ودفن بتربة شيخه بالقرافة وكتب عنه قاضي القضاة تقي الدين السبكي في حياته، وذكر الشيخ أبو بكر الرحبي أنه لم ير مثل جنازته بالقاهرة منذ سكنها رحمه الله‏.‏

 الشيخ الإمام الزاهد نور الدين

أبو الحسن علي بن يعقوب بن جبريل البكري المصري الشافعي، له تصانيف، وقرأ مسند الشافعي على وزيرة بنت المنجا، ثم إنه أقام بمصر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/132‏)‏

وقد كان في جملة من ينكر على شيخ الإسلام ابن تيمية، أراد بعض الدولة قتله فهرب واختفى عنده كما تقدم لما كان ابن تيمية مقيماً بمصر، وما مثاله إلا مثال ساقية ضعيفة كدرة لاطمت بحراً عظيماً صافياً، أو رملة أرادت زوال جبل، وقد أضحك العقلاء عليه، وقد أراد السلطان قتله فشفع فيه بعض الأمراء، ثم أنكر مرة شيئاً على الدولة فنفى من القاهرة إلى بلدة يقال لها‏:‏ ديروط، فكان بها حتى توفي يوم الاثنين سابع ربيع الآخر، ودفن بالقرافة، وكانت جنازته مشهورة غير مشهودة، وكان شيخه ينكر عليه إنكاره على ابن تيمية، ويقول له أنت لا تحسن أن تتكلم‏.‏

 الشيخ محمد الباجريقي

الذي تنسب إليه الفرقة الضالة الباجريقية، والمشهور عنهم إنكار الصانع جل جلاله، وتقدست أسماؤه وقد كان والده جمال الدين بن عبد الرحيم بن عمر الموصلي رجلاً صالحاً من علماء الشافعية، ودرس في أماكن بدمشق، ونشأ ولده هذا بين الفقهاء واشتغل بعض شيء ثم أقبل على السلوك ولازم جماعة يعتقدونه ويزورونه ويرزقونه ممن هو على طريقه، وآخرون لا يفهمونه‏.‏

ثم حكم القاضي المالكي بإراقة دمه فهرب إلى الشرق، ثم إنه أثبت عداوة بينه وبين الشهود فحكم الحنبلي بحقن دمه فأقام بالقانون مدة سنين حتى كانت وفاته ليلة الأربعاء سادس عشر ربيع الآخر، ودفن بالقرب من مغارة الدم بسفح قاسيون في قبة في أعلى ذيل الجبل تحت المغارة، وله من العمر ستون سنة‏.‏

 شيخنا القاضي أبو زكريا

محي الدين أبو زكريا يحيى بن الفاضل جمال الدين إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي اشتغل على النواوي ولازم ابن المقدسي، وولي الحكم بزرع وغيرها، ثم قام بدمشق يشتغل في الجامع، ودرس في الصارمية وأعاد في مدارس عدة إلى أن توفي في سلخ ربيع الآخر ودفن بقاسيون، وقد قارب الثمانين رحمه الله، وسمع كثيراً، وخرج له الذهبي شيئاً وسمعنا عليه الدار قطني وغيره‏.‏

الفقيه الكبير الصدر الإمام العالم الخطيب بالجامع

 بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد بن الحداد الآمدي الحنبلي، سمع الحديث واشتغل وحفظ المحرر في مذهب أحمد وبرع على ابن حمدان وشرحه عليه في مدة سنين، وقد كان ابن حمدان يثني عليه كثيراً وعلى ذهنه وذكائه، ثم اشتغل بالكتابة ولزم خدمة الأمير قراسنقر بحلب، فولاه نظر الأوقاف وخطابة حلب بجامعها الأعظم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/133‏)‏

ثم لما صار إلى دمشق ولاه خطابة الأموي فاستمر خطيباً فيها اثنين وأربعين يوماً، ثم أعيد إليها جلال الدين القزويني، ثم ولي نظر المارستان والحسبة ونظر الجامع الأموي، وعين لقضاء الحنابلة في وقت، ثم توفي ليلة الأربعاء سابع جمادى الآخرة ودفن بباب الصغير رحمه الله‏.‏

 الكاتب المفيد قطب الدين

أحمد بن مفضل بن فضل الله المصري، أخو محيي الدين كاتب تنكز، والد الصاحب علم الدين كان خبيراً بالكتابة وقد ولي استيفاء الأوقاف بعد أخيه، وكان أسن من أخيه، وهو الذي علّمه صناعة الكتابة وغيرها، توفي ليلة الاثنين ثاني رجب وعمل عزاؤه بالسميساطية، وكان مباشر أوقافها‏.‏

الأمير الكبير ملك العرب

 محمد بن عيسى بن مهنا أخو مهنا، توفي بسلمية يوم السبت سابع رجب، وقد جاوز الستين كان مليح الشكل حسن السيرة عاملاً عارفاً رحمه الله‏.‏

وفي هذا الشهر وصل الخبر إلى دمشق بموت‏:‏

 الوزير الكبير علي شاه بن أبي بكر التبريزي

وزير أبي سعيد بعد قتل سعد الدين الساوي، وكان شيخاً جليلاً فيه دين وخير، وحمل إلى تبريز فدفن بها في الشهر الماضي رحمه الله‏.‏

 الأمير سيف الدين بكتمر

والي الولاة صاحب الأوقاف في بلدان شتى‏:‏ من ذلك مدرسة بالصلب، وله درس بمدرسة أبي عمر وغير ذلك، توفي بالإسكندرية، وهو نائبها خامس رمضان رحمه الله‏.‏

 شرف الدين أبو عبد الله

محمد ابن الشيخ الإمام العلامة زين الدين بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الحنبلي، أخو قاضي القضاة علاء الدين، سمع الحديث ودرس وأفتى، وصحب الشيخ تقي الدين بن تيمية، وكان فيه دين ومودة وكرم وقضاء حقوق كثيرة، توفي ليلة الاثنين رابع شوال، وكان مولده في سنة خمس وسبعين وستمائة، ودفن بتربتهم بالصالحية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/134‏)‏

 الشيخ حسن الكردي الموله

كان يخالط النجاسات والقاذورات، ويمشي حافياً، وربما تكلم بشيء من الهذيانات التي تشبه علم المغيبات، وللناس فيه اعتقاد كما هو المعروف من أهل العمى والضلالات، مات في شوال‏.‏

 كريم الدين الذي كان وكيل السلطان

عبد الكريم بن العلم هبة الله المسلماني، حصل له من الأموال والتقدم والمكانة الخطيرة عند السلطان ما لم يحصل لغيره في دولة الأتراك، وقد وقف الجامعين بدمشق أحدهما جامع القبيبات والحوض الكبير الذي تجاه باب الجامع، واشترى له نهر ماء بخمسين ألفاً فانتفع به الناس انتفاعاً كثيراً، ووجدوا رفقا، والثاني الجامع الذي بالقابون‏.‏

وله صدقات كثيرة تقبل الله منه وعفا عنه، وقد مسك في آخر عمره ثم صودر ونفي إلى الشوبك، ثم إلى القدس، ثم الصعيد فخنق نفسه كما قيل بعمامته بمدينة أسوان، وذلك في الثالث والعشرين من شوال، وقد كان حسن الشكل تام القامة، ووجد له بعد موته ذخائر كثيرة سامحه الله‏.‏

الشيخ الإمام العالم علاء الدين

 علي بن إبراهيم بن داود بن سليمان بن العطار، شيخ دار الحديث النورية، ومدرس القوصية بالجامع، ولد يوم عيد الفطر سنة أربع وخمسين وستمائة، وسمع الحديث واشتغل على الشيخ محيي الدين النواوي ولازمه حتى كان يقال له مختصر النواوي‏.‏

وله مصنفات وفوائد ومجاميع وتخاريج، وباشر مشيخة النورية من سنة أربع وتسعين إلى هذه السنة، مدة ثلاثين سنة، توفي يوم الاثنين منها مستهل ذي الحجة فولي بعده النورية علم الدين البرزالي، وتولى الغوصية شهاب الدين بن حرز الله وصلّي عليه بالجامع، ودفن بقاسيون رحمه الله، والله سبحانه أعلم‏.‏