فصل: قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 قصة عدي بن حاتم الطائي

قال البخاري في ‏(‏الصحيح‏)‏‏:‏ وفد طيء وحديث عدي بن حاتم‏:‏ حدَّثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبو عوانة، ثنا عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث، عن عدي بن حاتم قال‏:‏ أتينا عمر بن الخطاب في وفد فجعل يدعو رجلاً رجلاً يسميهم، فقلت‏:‏ أما تعرفني يا أمير المؤمنين‏؟‏

قال‏:‏ بلى، أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا‏.‏

فقال عدي‏:‏ لا أبالي إذاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/76‏)‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ وأما عدي بن حاتم فكان يقول‏:‏ فيما بلغني ما رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين سمع به مني، أما أنا فكنت امرءا شريفاً، وكنت نصرانياً، وكنت أسير في قومي بالمرباع، وكنت في نفسي على دين، وكنت ملكاً في قومي لما كان يصنع بي، فلما سمعت برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كرهته، فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيا لإبلي‏:‏ لا أبالك، أعدد لي من إبلي أجمالاً ذللاً سماناً، فاحتبسها قريباً مني، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني، ففعل، ثم أنه أتاني ذات غداة فقال‏:‏ يا عدي ما كنت صانعاً إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن، فإني قد رأيت رايات، فسألت عنها فقالوا‏:‏ هذه جيوش محمد‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ فقرب إلي أجمالي، فقربها، فاحتملت بأهلي وولدي، ثم قلت‏:‏ ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام، فسلكت الحوشية، وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر، فلما قدمت الشام أقمت بها، وتخالفني خيل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فتصيبت ابنة حاتم فيمن أصابت فقدم بها على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سبايا من طيء، وقد بلغ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هربي إلى الشام‏.‏

قال‏:‏ فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس بها، فمرَّ بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقامت إليه وكانت امرأة جزلة‏.‏

فقالت‏:‏ يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن عليّ منَّ الله عليك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ومن وافدك‏؟‏‏)‏‏)‏

قالت‏:‏ عدي بن حاتم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الفار من الله ورسوله‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ ثم مضى وتركني، حتَّى إذا كان الغد مرَّ بي فقلت له مثل ذلك، وقال لي مثل ما قال بالأمس‏.‏

قالت‏:‏ حتَّى إذا كان بعد الغد مرَّ بي، وقد يئست فأشار إلي رجل خلفه أن قومي فكلِّميه‏.‏

قالت‏:‏ فقمت إليه فقلت‏:‏ يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن عليَّ منَّ الله عليك‏.‏

فقال صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتَّى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتَّى يبلغك إلى بلادك ثمَّ آذنيني‏)‏‏)‏

فسألت عن الرجل الذي أشار إلي أن كلميه فقيل لي‏:‏ علي ابن أبي طالب‏.‏

قالت‏:‏ فقمت حتَّى قدم من بلي أو قضاعة قالت‏:‏ وإنما أريد أن آتي أخي بالشام، فجئت فقلت‏:‏ يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ، قالت‏:‏ فكساني وحملني وأعطاني نفقة، فخرجت معهم حتَّى قدمت الشام‏.‏

قال عدي‏:‏ فوالله إني لقاعد في أهلي فنظرت إلى ظعينة تصوب إلى قومنا، قال‏:‏ فقلت‏:‏ ابنة حاتم قال‏:‏ فإذا هي هي، فلما وقفت علي استحلت تقول‏:‏ القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك، وتركت بقية والدك عورتك‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ أي أخية لا تقولي إلا خيراً فوالله مالي من عذر لقد صنعت ما ذكرت‏.‏

قال‏:‏ ثمَّ نزلت فأقامت عندي‏.‏

فقلت لها وكانت امرأة حازمة‏:‏ ماذا ترين في أمر هذا الرجل‏؟‏

قالت‏:‏ أرى والله أن تلحق به سريعاً فإن يكن الرجل نبياً فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكاً فلن تزل في عز اليمن وأنت أنت‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/77‏)‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ والله إن هذا الرأي‏.‏

قال‏:‏ فخرجت حتَّى أقدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده، فسلمت عليه، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من الرجل‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ عدي بن حاتم فقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وانطلق بي إلى بيته، فوالله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة، فاستوقفته فوقف لها طويلاً تكلِّمه في حاجتها‏.‏

قال‏:‏ قلت في نفسي‏:‏ والله ما هذا بملك‏.‏

قال‏:‏ ثم مضى بي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفاً فقذفها إليَّ‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اجلس على هذه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ بل أنت فاجلس عليها‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل أنت‏)‏‏)‏‏.‏

فجلست وجلس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالأرض‏.‏

قال‏:‏ قلت في نفسي‏:‏ والله ما هذا بأمر ملك‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسياً‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ بلى‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أولم تكن تسير في قومك بالمرباع ‏!‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ أجل‏!‏والله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتَّى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتَّى تزور هذا البيت لا تخاف، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه إنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأسلمت‏.‏

قال‏:‏ فكان عدي يقول‏:‏ مضت اثنتان وبقيت الثالثة، والله لتكونن وقد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت، ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتَّى هذا البيت، وأيم الله لتكونن الثالثة ليفيض المال حتَّى لا يوجد من يأخذه‏.‏

هكذا أورد ابن إسحاق رحمه الله هذا السياق بلا إسناد، وله شواهد من وجوه أخر‏.‏

فقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا محمد بن جعفر، حدَّثنا شعبة، سمعت سماك بن حرب، سمعت عباد بن حبيش يحدِّث عن عدي بن حاتم قال‏:‏ جاءت خيل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا بعقرب فأخذوا عمتي وناساً، فلما أتوا بهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قال‏:‏ فصفوا له‏.‏

قالت‏:‏ يا رسول الله بان الوافد وانقطع الولد، وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة، فمنَّ علي منَّ الله عليك‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ومن وافدك‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ عدي بن حاتم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الذي فرَّ من الله ورسوله‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ فمنَّ علي، فلما رجع ورجل إلى جنبه - ترى أنه علي -‏.‏

قال‏:‏ سليه حملاناً قال‏:‏ فسألته، فأمر لها‏.‏

قال عدي‏:‏ فأتتني، فقالت‏:‏ لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها، وقالت‏:‏ إيته راغباً أو راهباً، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه‏.‏

قال‏:‏ فأتيته فإذا عنده امرأة وصبيان، أو صبي، فذكر قربهم منه فعرفت أنه ليس ملك كسرى، ولا قيصر‏.‏

فقال له‏:‏ ‏(‏‏(‏يا عدي بن حاتم ما أفرك‏؟‏ أفرك أن يقال‏:‏ لا إله إلا الله فهل من إله إلا الله، ما أفرك‏؟‏ أفرك أن يقال‏:‏ الله أكبر فهل شيء هو أكبر من الله عز وجل‏)‏‏)‏‏.‏

فأسلمت فرأيت وجهه استبشر‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ المغضوب عليهم اليهود، وإن الضَّالِّين النصارى‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ثم سألوه، فحمد الله أثنى عليه، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما بعد فلكم أيها النَّاس أن ترضخوا من الفضل ارتضخ امرؤ بصاع، ببعض صاع، بقبضة، ببعض قبضة‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/78‏)‏‏.‏

قال شعبة‏:‏ وأكثر علمي أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بتمرة، بشق تمرة وإن أحدكم لاقى الله فقائل، ما أقول ألم أجعلك سميعاً بصيراً، ألم أجعل لك مالاً وولداً، فماذا قدمت‏؟‏ فينظر من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فلا يجد شيئاً فما يتقي النار إلا بوجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوه فبكلمة لينة إني لا أخشى عليكم الفاقة، لينصرنكم الله وليعطينكم أو ليفتحن عليكم حتَّى تسير الظعينة بين الحيرة ويثرب، إن أكثر ما يخاف السرق على ظعينتها‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه التِّرمذي من حديث شعبة وعمرو بن أبي قيس، كلاهما عن سماك ثم قال‏:‏ حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك‏.‏

وقال الإمام أحمد أيضاً‏:‏ حدَّثنا يزيد، أنبأنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة - هو ابن حذيفة - عن رجل قال‏:‏ قلت لعدي بن حاتم‏:‏ حديث بلغني عنك أحب أن أسمعه منك‏.‏

قال‏:‏ نعم‏!‏لما بلغني خروج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كرهت خروجه كراهية شديدة، فخرجت حتَّى وقعت ناحية الرُّوم - وفي رواية‏:‏ حتَّى قدمت على قيصر -‏.‏

قال‏:‏ فكرهت مكاني ذلك أشد من كراهيتي لخروجه‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ والله لو أتيت هذا الرجل فإن كان كاذباً لم يضرني، وإن كان صادقاً علمت‏.‏

قال‏:‏ فقدمت فأتيته فلما قدمت قال النَّاس‏:‏ عدي بن حاتم‏؟‏ فدخلت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏يا عدي بن حاتم أسلم تسلم ثلاثاً‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ إني علي دين‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنا أعلم بدينك منك‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ أنت تعلم بديني مني‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم ألست من الركوسية، وأنت تأكل مرباع قومك‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ بلى ‏!‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا لا يحل لك في دينك‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ نعم‏!‏فلم يعد أن قالها فتواضعت لها‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما أني أعلم الذي يمنعك من الإسلام تقول‏:‏ إنما اتبعه ضعفة النَّاس، ومن لا قوة لهم، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ لم أرها وقد سمعت بها‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فوالذي نفسي بيده ليتمنَّ الله هذا الأمر حتَّى تخرج الظعينة من الحيرة حتَّى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ كنوز ابن هرمز‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏!‏كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتَّى لا يقبله أحد‏)‏‏)‏‏.‏

قال عدي بن حاتم‏:‏ فهذه الظعينة تخرج‏!‏من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله قد قالها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/79‏)‏

ثم قال أحمد‏:‏ حدَّثنا يونس بن محمد، حدَّثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، عن رجل، وقال حماد وهشام عن محمد ابن أبي عبيدة، ولم يذكر عن رجل‏.‏

قال‏:‏ كنت أسأل النَّاس عن حديث عدي بن حاتم، وهو إلى جنبي ولا أسأله‏.‏

قال‏:‏ فأتيته فسألته‏.‏

فقال‏:‏ نعم‏!‏فذكر الحديث‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي‏:‏ أنبانا أبو عمرو الأديب أنبانا أبو بكر الإسماعيلي، أخبرني الحسن بن سفيان، حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا النضر بن شميل، أنبأنا إسرائيل، أنبأنا سعد الطَّائي، أنبأنا محل بن خليفة عن عدي بن حاتم قال‏:‏ بينا أنا عند النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذ أتاه رجل فشكى إليه الفاقة، وأتاه آخر فشكى إليه قطع السبيل‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا عدي بن حاتم هل رأيت الحيرة‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ لم أرها وقد أنبئت عنها‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتَّى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله عز وجل‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت في نفسي‏:‏ فإن ذعار طيء - الذين سعروا البلاد -‏.‏

‏(‏‏(‏ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى بن هرمز‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ كسرى بن هرمز‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه ليس بيه وبينه ترجمان فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم‏)‏‏)‏‏.‏

قال عدي‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا شق تمرة فبكلمة طيبة‏)‏‏)‏‏.‏

قال عدي‏:‏ فقد رأيت الظعينة ترتحل من الكوفة حتَّى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله عز وجل، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة سترون ما قال أبو القاسم صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقد رواه البخاري عن محمد بن الحكم عن النَّضر بن شميل به بطوله‏.‏

وقد رواه من وجه آخر عن سعدان بن بشر، عن سعد أبي مجاهد الطائي، عن محل بن خليفة، عن عدي به‏.‏

ورواه الإمام أحمد والنسائي من حديث شعبة عن سعد أبي مجاهد الطَّائي به‏.‏

وممن روى هذه القصة عن عدي عامر بن شرحبيل الشعبي فذكر نحوه‏.‏

وقال‏:‏ لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها‏.‏

وثبت في صحيح البخاري من حديث شعبة‏.‏

وعند مسلم من حديث زهير بن معاوية كلاهما عن أبي إسحاق عن عبد الله بن معقل بن مقرن المزني عن عدي بن حاتم قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏اتقوا النار ولو بشق تمرة‏)‏‏)‏‏.‏

ولفظ مسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل‏)‏‏)‏‏.‏

طريق أخرى فيها شاهد لما تقدَّم‏.‏

وقد قال الحافظ البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدَّثني أبو بكر ابن محمد بن عبد الله بن يوسف، ثنا أبو سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد الكوفي، ثنا ضرار بن صرد، ثنا عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعي قال‏:‏ قال علي ابن أبي طالب‏:‏ يا سبحان الله‏!‏ما أزهد كثيراً من النَّاس في خير، عجباً لرجل يجيئه أخوه المسلم في الحاجة فلا يرى نفسه للخير أهلاً، فلو كان لا يرجو ثواباً ولا يخشى عقاباً لكان ينبغي له أن يسارع في مكارم الأخلاق، فإنها تدل على سبيل النجاح‏.‏

فقام إليه رجل فقال‏:‏ فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين سمعته من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال‏:‏ نعم‏!‏وما هو خير منه لما أتى بسبايا طيء وقفت جارية حمراء لعساء، ذلفاء، عيطاء، شماء الأنف، معتدلة القامة، والهامة، درماء الكعبين، خدلة الساقين، لفاء الفخذين، خميصة الخصرين، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين‏.‏

قال‏:‏ فلما رأيتها أعجبت بها، وقلت‏:‏ لأطلبنَّ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يجعلها في فيئي، فلما تكلمت أنسيت جمالها لما رأيت من فصاحتها‏.‏

فقالت‏:‏ يا محمد إن رأيت أن تخلي عنا، ولا تشمت بنا أحياء العرب، فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يحمي الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضَّيف، ويطعم الطَّعام، ويفشي السَّلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم طيء‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه، خلوا عنها فإنَّ أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق‏)‏‏)‏‏.‏

فقام أبو بردة ابن نيار فقال‏:‏ يا رسول الله تحب مكارم الأخلاق‏؟‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏والذي نفسي بيده لا يدخل أحد الجَّنة إلاّ بحسن الخلق‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/80‏)‏

هذا حديث حسن المتن، غريب الإسناد جداً، عزيز المخرج‏.‏

وقد ذكرنا ترجمة حاتم طيء أيام الجاهلية عند ذكرنا من مات من أعيان المشهورين فيها، وما كان يسديه حاتم إلى النَّاس من المكارم، والإحسان، إلا أن نفع ذلك في الآخرة معذوق بالإيمان، وهو ممن لم يقل يوماً من الدهر، رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين‏.‏

وقد زعم الواقدي أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعث علي ابن أبي طالب في ربيع الآخر من سنة تسع إلى بلاد طيء، فجاء معه بسبايا فيهم أخت عدي بن حاتم، وجاء معه بسيفين كانا في بيت الصنم، يقال لأحدهما‏:‏ الرسوب، والآخر‏:‏ المخذم، كان الحارث ابن أبي سمر قد نذرهما لذلك الصنم‏.‏

قال البخاري رحمه الله‏:‏

 قصة دوس والطفيل بن عمرو

حدَّثنا أبو نعيم، ثنا سفيان عن ابن ذكوان هو - عبد الله بن زياد - عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة قال‏:‏ جاء الطفيل بن عمرو إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ إنَّ دوساً قد هلكت، وعصت، وأبت، فادع الله عليهم‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم أهد دوسا، وأت بهم‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/81‏)‏

انفرد به البخاري من هذا الوجه، ثم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن العلاء حدَّثنا أبو أسامة، حدَّثنا إسماعيل عن قيس، عن أبي هريرة قال‏:‏ لما قدمت على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قلت في الطريق‏:‏

يا لَيلَة مِنْ طُولهَا وَعَنَائِها * على أَنَّها مِن دارَةِ الكُفرِ نجَتْ

وأبق لي غلام في الطريق، فلما قدمت على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبايعته فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا هريرة هذا غلامك‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ هو حرٌّ لوجه الله عز وجل، فأعتقته‏.‏

انفرد به البخاري من حديث إسماعيل ابن أبي خالد، عن قيس ابن أبي حازم، وهذا الذي ذكره البخاري من قدوم الطفيل بن عمرو، فقد كان قبل الهجرة، ثم إن قدر قدومه بعد الهجرة فقد كان قبل الفتح، لأن دوساً قدموا ومعهم أبو هريرة، وكان قدوم أبي هريرة ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم محاصر خيبر، ثم ارتحل أبو هريرة حتَّى قدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خيبر بعد الفتح، فرضخ لهم شيئاً من الغنيمة، وقد قدَّمنا ذلك كله مطولاً في مواضعه‏.‏

قال البخاري رحمه الله‏:‏

 قدوم االأشعريين وأهل اليمن

ثم روى من حديث شعبة عن سليمان بن مهران الأعمش، عن ذكوان أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة، وألين قلوبا، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه مسلم من حديث شعبة‏.‏

ثم رواه البخاري‏:‏ عن أبي اليمان، عن شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أتاكم أهل اليمن أضعف قلوباً، وأرق أفئدةً، الفقة يمان، والحكمة يمانية‏)‏‏)‏‏.‏

ثم روى عن إسماعيل، عن سليمان، عن ثور، عن أبي المغيث، عن أبي هريرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الإيمان يمان، والفتنة هاهنا، ها هنا يطلع قرن الشَّيطان‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه مسلم عن شعيب، عن الزُّهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة‏.‏

ثم روى البخاري من حديث شعبة عن إسماعيل، عن قيس، عن أبي مسعود أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الإيمان هاهنا‏)‏‏)‏، وأشار بيده إلى اليمن ‏(‏‏(‏والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل من حيث يطلع قرنا الشَّيطان، ربيعة، ومضر‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه البخاري أيضاً ومسلم، من حديث إسماعيل ابن ابي خالد، عن قيس ابن ابي حازم، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/82‏)‏

ثم روى من حديث سفيان الثوري، عن أبي صخرة جامع بن شداد، ثنا صفوان بن محرز، عن عمران بن حصين قال‏:‏ جاءت بنو تميم إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أبشروا يا بني تميم‏)‏‏)‏‏.‏

فقالوا‏:‏ أما إذ بشرتنا، فأعطنا، فتغير وجه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فجاء ناس من أهل اليمن فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اقبلوا البشرى، إذ لم يقبلها بنو تميم‏)‏‏)‏‏.‏

فقالوا‏:‏ قبلنا يا رسول الله‏.‏

وقد رواه التِّرمذي، والنسائي من حديث الثوري به‏.‏

وهذا كله مما يدل على فضل وفود أهل اليمن، وليس فيه تعرض لوقت وفودهم، ووفد بني تميم وإن كان متأخراً قدومهم، لا يلزم من هذا أن يكون مقارناً لقدوم الأشعريين، بل الأشعريين متقدم وفدهم على هذا، فإنهم قدموا صحبة أبي موسى الأشعريّ، في صحبة جعفر ابن أبي طالب وأصحابه من المهاجرين الذين كانوا بالحبشة، وذلك كله حين فتح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خيبر، كما قدمناه مبسوطا في موضعه‏.‏

وتقدم قوله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏والله ما أدري بأيهما أسر، أبقدوم جعفر، أو بفتح خيبر‏)‏‏)‏‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

قال البخاري‏:‏

 قصة عمان والبحرين

حدَّثنا قتيبة بن سعيد، ثنا سفيان، سمع محمد بن المنكدر، سمع جابر بن عبد الله يقول‏:‏ قال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا، وهكذا، وهكذا‏)‏‏)‏ ثلاثاً‏.‏

فلم يقدم مال البحرين حتَّى قبض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما قدم على أبي بكر أمر منادياً فنادى من كان له عند النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم دين، أو عدة، فليأتني، قال جابر‏:‏ فجئت أبا بكر فأخبرته أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا، وهكذا ثلاثاً‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأعرض عني، قال جابر‏:‏ فلقيت أبا بكر بعد ذلك فسألته فلم يعطني، ثم أتيته فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة فلم يعطني‏.‏

فقلت له‏:‏ قد أتيتك فلم تعطني، ثم أتيتك فلم تعطني، فأما أن تعطني، وإما أن تبخل عني‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ تبخل عني‏؟‏

قال‏:‏ وأي داء أدوأ من البخل‏؟‏

قالها‏:‏ ثلاثاً، ما منعتك من مرة، إلا وأنا أريد أن أعطيك‏.‏

وهكذا رواه البخاري هاهنا، وقد رواه مسلم عن عمرو الناقد، عن سفيان بن عيينة به‏.‏

ثم قال البخاري بعده‏:‏ وعن عمرو، عن محمد بن علي سمعت جابر بن عبد لله يقول‏:‏ جئته فقال لي أبو بكر‏:‏ عدَّها، فعددتها، فوجدتها خمسمائة، فقال‏:‏ خذ مثلها مرتين‏.‏

وقد رواه البخاري أيضاً، عن علي بن المديني، عن سفيان هو - ابن عيينة -، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي أبي جعفر الباقر، عن جابر، كروايته له، عن قتيبة‏.‏

ورواه أيضاً هو ومسلم من طرق أخر، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن محمد بن علي، عن جابر بنحوه‏.‏

وفي رواية أخرى له‏:‏ أنه أمره فحثى بيديه من دراهم فعدها، فإذا هي خمسمائة، فأضعفها له مرتين - يعني‏:‏ فكان جملة ما أعطاه ألفاً وخمسمائة درهم -‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/83‏)‏

 وفود فروة بن مسيك المرادي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقدم فروة بن مسيك المرادي مفارقاً لملوك كندة، ومباعداً لهم إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد كان بين قومه مراد وبين همدان وقعة قبيل الإسلام، أصابت همدان من قومه حتَّى أثخنوهم، وكان ذلك في يوم يقال له‏:‏ الردم، وكان الذي قاد همدان إليهم الأجدع بن مالك‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ ويقال مالك بن خريم الهمداني‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فقال فروة بن مسيك في ذلك اليوم‏:‏

مررْن على لفاتٍ وهنَّ خُوصٌ * ينازعن الأعنة ينتحينا

فإنّ نغلب فغلابون قِدماً * وإنّ نغلب فغير مغلبينا

وما إنّ طبنا جبنَّ ولكنْ * منايانا وطعمة آخرينا

كذاك الدهر دَولته سجال * تكزَّ صروفه حينا فحينا

فبينا ما نسّر به ونرضى * ولو لبست غضارته سنينا

إذا انقلبت به كرّات دهر * فألفى في الأولى غُبطوا طحيناً

فمن يغبط بريب الدهر منهم * يجد ريب الزمان له خؤنا

فلو خلد الملوك إذا خلدنا * ولو بقي الكرام إذاً بقينا

فأفنى ذلكم سرَوات قومي * كما أفنى القرون الأولينا

قال ابن إسحاق‏:‏ ولما توجه فروة بن مسيك إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مفارقاً ملوك كندة قال‏:‏

لما رأيت ملوك كندة أعرضت * كالرَّجل خان الرجل عرق نسائها

قرَّبت راحلتي أؤم محمَّداً * أرجو فواضلها وحُسن ثرائها

قال‏:‏ فلمَّا انتهى فروة إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال له - فيما بلغني -‏:‏ ‏(‏‏(‏يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله من ذا الذي يصيب قومه ما أصاب قومي يوم الردم لا يسوءه ذلك‏؟‏

فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيراً‏)‏‏)‏‏.‏

واستعمله على مراد وزُبيد ومذحج كلها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة، فكان معه في بلاده حتَّى توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/84‏)‏

 قدوم عمرو بن معد يكرب في أناس من زبيد

قال ابن إسحاق‏:‏ وقد كان عمرو بن معدي كرب قال لقيس بن مكشوح المرادي حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ يا قيس إنك سيد قومك، وقد ذُكر لنا أن رجلاً من قريش يقال له‏:‏ محمد قد خرج بالحجاز يقال‏:‏ إنه نبي، فانطلق بنا إليه حتَّى نعلم علمه فإن كان نبياً كما يقول، فإنه لن يخفى علينا إذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذلك علمنا علمه، فأبى عليه قيس ذلك وسفه رأيه، فركب عمرو بن معدي كرب حتَّى قدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأسلم وصدقه وآمن به‏.‏

فلمَّا بلغ ذلك قيس بن مكشوح أوعد عمراً وقال‏:‏ خالفني وترك أمري ورأيي‏.‏

فقال عمرو بن معدي كرب في ذلك‏:‏

أمرتُك يوم ذي صن * عاء أمراً بادياً رُشدهُ

أمرتك باتِّقاء الله وال * معروف تتعدُهً

خرجت من المنى مثل ال * حُميِّر غرَّه وتدهُ

تمنَّاني على فرسٍ * عليه جالساً أسدُهُ

عليّ مفاضةٌ كالنن * هي أخلص ماءه جددُهُ

تردَّ الرَّمح منثني ال * سِّنان عوائراً قصدهُ

فلو لاقيتني للقي * تَ ليثاً فوقه لُبدَهُ

تلاقى شنبثاً شثن ال * براثن ناشراً كتدَهُ

يُسامي القرن إنْ قرْن * تيمَّمه فيعتضدهُ

فيأخذهُ فيرفعه * فيخفضه فيقتصدهُ

فيدمغُهُ فيحطمه * فيمخضُهُ فيزدرِدُهُ

ظلومُ الشرك فيما أح * رزتْ أنيابه ويده

قال ابن إسحاق‏:‏ فأقام عمرو بن معد يكرب في قومه من بني زبيد، وعليهم فروة بن مسيك، فلما توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ارتدَّ عمرو بن معدي كرب فيمن ارتد وهجا فروة بن مسيك فقال‏:‏

وجدنا مُلك فروة شرَّ ملكٍ * حمارٌ ساف منخرهُ بثَفرٍ

وكنت إذا رأيت أبا عميرٍ * ترى الحولاء من خبثٍ وغدرِ ‏(‏ج/ص‏:‏5/85‏)‏

قلت‏:‏ ثمَّ رجع إلى الإسلام، وحسن إسلامه، وشهد فتوحات كثيرة في أيام الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما، وكان من الشجعان المذكورين والأبطال المشهورين، والشعراء المجيدين، توفي سنة إحدى وعشرين بعد ما شهد فتح نهاوند‏.‏

وقيل‏:‏ بل شهد القادسية وقتل يومئذ‏.‏

قال أبو عمر ابن عبد البر‏:‏ وكان وفوده إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سنة تسع، وقيل‏:‏ سنة عشر فيما ذكره ابن إسحاق والواقدي‏.‏

قلت‏:‏ وفي كلام الشافعي ما يدل عليه، فالله أعلم‏.‏

قال يونس عن ابن إسحاق‏:‏ وقد قيل‏:‏ إن عمرو بن معدي كرب لم يأت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقد قال في ذلك‏:‏

إنني بالنَّبيّ موقنةٌ نف * سي وإن لم أر النَّبيّ عيانا

سيد العالمين طُرَّاً وأدنا * هم إلى الله حين بان مكانا

جاء بالناموس من لدُنِ الله و * كان الأمين فيه المعانا

حكمة بعد حكمة وضياءٌ * فاهتدينا بنورها من عمانا

وركبنا السبيل حين ركبن * اه جديداً بكرهنا ورضانا

وعبدنا الإله حقاً وكنا * للجهالات نعبد الأوثانا

وائتلفنا به وكنَّا عدواً * فرجعنا به معاً إخواناً

فعليه السلام والسلام منَّا * حيث كنَّا من البلاد وكانا

إن نكن لم نر النَّبيّ فإنا * قد تبعنا سبيله إيمانا

 قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة

قال ابن إسحاق‏:‏ وقدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الأشعث بن قيس في وفد كندة، فحدَّثني الزُّهري أنَّه قدم في ثمانين راكباً من كندة فدخلوا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مسجده قد رجلوا جممهم وتكحلوا عليهم جبب الحبرة، قد كففوها بالحرير، فلما دخلوا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لهم‏:‏ ‏(‏‏(‏ألم تسلموا‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ بلى‏!‏

قال‏:‏ فما بال هذا الحرير في أعناقكم‏؟‏

قال‏:‏ فشقَّوه منها فألقوه‏.‏

ثم قال له الأشعث بن قيس‏:‏ يا رسول الله نحن بنو آكل المرار، وأنت ابن آكل المرار‏.‏

قال‏:‏ فتبسم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناسبوا بهذا النسب العبَّاس بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث‏)‏‏)‏‏.‏

وكانا تاجرين، إذ شاعا في العرب فسئلا ممن أنتما‏؟‏

قالا‏:‏ نحن بنو آكل المرار - يعني‏:‏ ينسبان إلى كندة - ليعزا في تلك البلاد، لأن كندة كانوا ملوكاً، فاعتقدت كندة أن قريشاً منهم لقول عبَّاس وربيعة نحن بنو آكل المرار، وهو الحارث بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندي - ويقال ابن كندة - ثم قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لهم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمناً، ولا ننتفي من أبينا‏)‏‏)‏‏.‏

فقال لهم الأشعث بن قيس‏:‏ والله يا معشر كندة لا أسمع رجلاً يقولها إلا ضربته بثمانين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/86‏)‏

وقد روي هذا الحديث متصلاً من وجه آخر، فقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا بهز وعفان قالا‏:‏ حدَّثنا حماد بن سلمة، حدَّثني عقيل بن طلحة، وقال عفَّان في حديثه، أنبأنا عقيل بن طلحة السلمي عن مسلم بن هيضم، عن الأشعث بن قيس أنه قال‏:‏ أتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في وفد كندة - قال عفان -‏:‏ لا يروني أفضلهم، قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله أنا ابن عم إنكم منا، قال‏:‏ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏نحن بنو النضر بن كنانة لا نفقوا أمناً، ولا ننتفي من أبينا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وقال الأشعث‏:‏ فوالله لا أسمع أحدا نفى قريشا من النضر بن كنانة إلا جلدته الحدّ‏.‏

وقد رواه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، وعن محمد بن يحيى، عن سليمان بن حرب، وعن هارون بن حيان، عن عبد العزيز بن المغيرة، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة به نحوه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا سريج بن النعمان، حدثنا هشيم، أنبأنا مجالد، عن الشعبي، حدثنا الأشعث بن قيس قال‏:‏ قدمت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في وفد كندة، فقال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏هل لك من ولد‏)‏‏)‏‏؟‏

قلت‏:‏ غلام ولد لي في مخرجي إليك من ابنة جمد ولوددت أن مكانه شبع القوم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تقولن ذلك فإن فيهم قرة عين، وأجراً إذا قبضوا، ثم لئن قلت ذاك إنهم لمجبنه محزنة، إنهم لمجنبة محزنة‏)‏‏)‏‏.‏

تفرَّد به أحمد، وهو حديث حسن جيد الإسناد‏.‏

 قدوم أعشى بن مازن على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال عبد الله بن الإمام أحمد‏:‏ حدَّثني العبَّاس بن عبد العظيم العنبري، ثنا أبو سلمة عبيد بن عبد الرحمن الحنفي قال‏:‏ حدَّثني الجنيد بن أمين بن ذروة بن نضلة بن طريف بن نهصل الحرمازي، حدَّثني أبي أمين، عن أبيه ذروة، عن أبيه نضلة أن رجلاً منهم يقال له‏:‏ الأعشى واسمه عبد الله الأعور، كانت عنده امرأة يقال لها‏:‏ معاذة، خرج في رجل يمير أهله من هجر فهربت امرأته بعده ناشزاً عليه فعاذت برجل منهم يقال له‏:‏ مطرف بن نهشل بن كعب بن قميثع بن ذلف بن أهضم بن عبد الله بن الحرماز فجعلها خلف ظهره، فلما قدم لم يجدها في بيته، وأخبر أنها نشزت عليه وأنها عاذت بمطرف بن نهشل، فأتاه فقال‏:‏ يا ابن عم أعندك امرأتي فادفعها إلي‏.‏

قال ليست عندي، ولو كانت عندي لم أدفعها إليك‏.‏

قال‏:‏ وكان مطرف أعز منه‏.‏

قال‏:‏ فخرج الأعشى حتَّى أتى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فعاذ به فأنشأ يقول‏:‏

يا سَيدَ النَّاسِ وَديَانَ العربِ * إِليكَ أَشكو ذُرْبَةً مِنَ الذُرَبِ

كَالذِئْبَةِ العنساءِ في ظِلِّ السربْ * خَرَجتُ أَبْغيها الطَّعامَ في رَجَبْ

فَخَلَّفتني بِنزاع وَهَربْ * أَخَلَفتِ الوَعدَ وَلَطَّتْ بالذَنَبْ

وَقَد فَتني بين عَصرٍ مُؤتَشَبْ * وَهُنَّ شَرُّ غالبٍ لمن غلبْ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/87‏)‏

فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عند ذلك‏:‏ ‏(‏‏(‏وهن شر غالب لمن غلب‏)‏‏)‏، فشكى إليه امرأته وما صنعت به، وإنها عند رجل منهم يقال له‏:‏ مطرف بن نهشل‏.‏

فكتب له النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إلى مطرف انظر امرأة هذا معاذة فادفعها إليه‏)‏‏)‏‏.‏

فأتاه كتاب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقرئ عليه، فقال لها‏:‏ يا معاذة هذا كتاب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيك فأنا دافعك إليه‏.‏

فقالت‏:‏ خذ لي عليه العهد والميثاق، وذمة نبيه أن لا يعاقبني فيما صنعت‏.‏

فأخذ لها ذلك عليه، ودفعها مطرف إليه، فأنشأ يقول‏:‏

لَعَمرُكَ ما حبي مُعاذةَ بالذي * يُغيرهُ الواشِي ولا قِدم العهدِ

وَلا سوءَ ما جاءتْ بِه إذْ أَزالها * غُواةُ الرِجالِ إذْ يُناجونها بَعدِي

 قدوم صرد بن عبد الله الأزديّ في نفر من قومه ثم وفود أهل جرش بعدهم

قال ابن إسحاق‏:‏ وقدم صرد بن عبد الله الأزديّ على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في وفد من الأزد فأسلم وحسن إسلامه، وأمَّره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن، فذهب فحاصر جرش وبها قبائل من اليمن، وقد ضوت إليهم خثعم حين سمعوا بمسيره إليهم فأقام عليهم قريباً من شهر، فامتنعوا فيها منه ثم رجع عنهم حتَّى إذا كان قريباً من جبل يقال له‏:‏ شكر فظنوا أنه قد ولى عنهم منهزما، فخرجوا في طلبه فعطف عليهم فقتلهم قتلاً شديداً، وقد كان أهل جرش بعثوا منهم رجلين إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينة فبينما هم عنده بعد العصر، إذ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بأي بلاد الله شكر‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقام الجرشيان فقالا‏:‏ يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له‏:‏ كشر، وكذلك تسميه أهل جرش‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه ليس بكشر، ولكنه شكر‏)‏‏)‏‏.‏

قالا‏:‏ فما شأنه يا رسول الله‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن بدن الله لتنحر عنده الآن‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فجلس الرجلان إلى أبي بكر، أو إلى عثمان فقال لهما‏:‏ ويحكما إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الآن لينعى إليكما قومكما، فقوما إليه فاسألاه أن يدعو الله فيرفع عن قومكما، فقاما إليه فسألاه ذلك‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ارفع عنهم‏)‏‏)‏‏.‏

فرجعا فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أخبر عنهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وجاء وفد أهل جرش بمن بقي منهم حتَّى قدموا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأسلموا وحسن إسلامهم، وحمى لهم حول قريتهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/88‏)‏

 قدوم رسول ملوك حمير إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وكان ذلك في رمضان سنة تسع‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقدم على رسول الله كتاب ملوك حمير ورسلهم بإسلامهم مقدمه من تبوك‏.‏

وهم‏:‏ الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان، قيل‏:‏ ذي رعين، ومعافر، وهمدان، وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم، ومفارقتهم الشرك وأهله، فكتب إليهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏

‏(‏‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النَّبيّ إلى الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل‏:‏ ذي رعين، ومعافر، وهمدان؛ أما بعد ذلكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو فإنه قد وقع نبأ رسولكم منقلبنا من أرض الرُّوم فلقينا بالمدينة، فبلَّغ ما أرسلتم به وخبرنا ما قبلكم، وأنبأنا بإسلامكم، وقتلكم المشركين، وأنَّ الله قد هداكم بهداه إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغاني خمس الله، وسهم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصفيه وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء وعلى ما سقي الغرب نصف العشر، وأن في الإبل في الأربعين ابنة لبون، وفي ثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر، وفي كل خمس من الإبل شاة، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي كل أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين تبيع جذع أو جذعة، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة، وإنها فريضة الله التي فرض على المؤمنين في الصدقة، فمن زاد خيراً فهو خير له، ومن أدى ذلك وأشهد على إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم، وله ذمة الله وذمة رسوله، وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها، وعليه الجزية على كل حالم ذكر وأنثى، حر أو عبد دينار واف، من قيمة المعافري أو عرضه ثياباً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/89‏)‏

فمن أدَّى ذلك إلى رسول الله فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منعه فانه عدو لله ولرسوله، أما بعد فإن رسول الله محمداً النَّبيّ أرسل إلى زرعة ذي يزن أن إذ أتاك رسلي فأوصيكم بهم خيراً‏:‏

معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد، ومالك بن عبادة، وعقبة بن نمر، ومالك بن مرة وأصحابهم، وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخالفيكم، وأبلغوها رسلي، وإن أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن إلا راضياً، أما بعد فإن محمداً يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله، ثم أن مالك بن مرة الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير، وقتلت المشركين، فأبشر بخير وآمرك بحمير خيراً ولا تخونوا ولا تخاذلوا فإن رسول الله هو مولى غنيكم وفقيركم، وأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته، وإنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل، وإن مالكاً قد بلّغ الخبر وحفظ الغيب فآمركم به خيراً، وإني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي وأولي دينهم وأولي علمهم فآمركم بهم خيراً، فإنهم منظور إليهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏)‏‏)‏‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حسن، حدثنا عمارة عن ثابت، عن أنس بن مالك‏:‏ أن مالك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حلة قد أخذها بثلاثة وثلاثين بعيراً وثلاثة وثلاثين ناقة‏.‏

ورواه أبو داود عن عمرو بن عون الواسطي، عن عمارة بن زاذان الصيدلاني، عن ثابت البناني، عن أنس به‏.‏

وقد رواه الحافظ البيهقي ها هنا - حديث كتاب عمرو بن حزم - فقال‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العبَّاس الأصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، حدثني عبد الله ابن أبي بكر عن أبيه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال‏:‏ هذا كتاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقِّه أهلها ويعلمهم السنة، ويأخذ صدقاتهم، فكتب له كتاباً وعهداً وأمره فيه أمره، فكتب‏:‏ ‏(‏‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله ورسوله أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود عهداً من رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره‏:‏ بتقوى الله في أمره كله، فإن الله مع الذين اتقوه والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله، وأن يبشر النَّاس بالخير ويأمرهم به، ويعلم النَّاس القرآن ويفقِّههم في الدين، وأن ينهى النَّاس فلا يمس أحد القرآن إلا وهو طاهر، وأن يخبر النَّاس بالذي لهم والذي عليهم، ويلين لهم في الحق ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله حرَّم الظلم ونهى عنه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/90‏)‏

فقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏‏[‏هود‏:‏ 18-19‏]‏‏.‏

وأن يبشر النَّاس بالجنة وبعملها، وينذر النَّاس النار وعملها، ويستألف النَّاس حتَّى يتفقَّهوا في الدين، ويعلم النَّاس معالم الحج وسننه وفرائضه وما أمره الله به، والحج الأكبر الحج والحج الأصغر العمرة، وأن ينهى النَّاس أن يصلِّي الرجل في ثوب واحد صغير إلا أن يكون واسعاً فيخالف بين طرفيه عاتقيه، وينهى أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي بفرجه إلى السماء، ولا ينقض شعر رأسه إذا عفى في قفاه، وينهى النَّاس إن كان بينهم هيج أن يدعو إلى القبائل والعشائر وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، فمن لم يدع إلى الله ودعى إلى العشائر والقبائل فليعطفوا فيه بالسيف حتَّى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، ويأمر النَّاس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى الكعبين، وأن يمسحوا رؤوسهم كما أمرهم الله عز وجل، وأمروا بالصلاة لوقتها وإتمام الركوع والسجود، وأن يغلس الصبح وأن يهجر بالهاجرة حتَّى تميل الشمس، وصلاة العصر والشمس في الأرض مبدرة، والمغرب حين يقبل الليل لا تؤخر حتَّى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل، وأمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها، والغسل عند الرواح إليها، وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار فيما سقى المغل، وفيما سقت السماء العشر، وما سقى الغرب فنصف العشر، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي عشرين أربع شياه، وفي أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة، فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد فهو خير له، ومن أسلم من يهودي أو نصراني إسلاماً خالصاً من نفسه فدان دين الإسلام، فإنه من المؤمنين له مالهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يغير عنها، وعلى كل حالم ذكر وأنثى حر أو عبد دينار واف أو عرضه من الثياب، فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله ورسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين جميعاً، صلوات الله على محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏)‏‏)‏‏.‏

قال الحافظ البيهقي‏:‏ وقد روى سليمان بن داود عن الزُّهري، عن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده هذا الحديث موصولاً بزيادات كثيرة، ونقصان عن بعض ما ذكرناه في الزكاة، والدِّيات وغير ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/91‏)‏

قلت‏:‏ ومن هذا الوجه رواه الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في سننه مطولاً‏.‏

وأبو داود في كتاب المراسيل، وقد ذكرت ذلك بأسانيده وألفاظه في السنن ولله الحمد والمنة‏.‏

وسنذكر بعد الوفود بعث النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأمراء إلى اليمن لتعليم النَّاس، وأخذ صدقاتهم وأخماسهم معاذ بن جبل، وأبو موسى، وخالد بن الوليد، وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين‏.‏

 قدوم جرير بن عبد الله البجلي وإسلامه

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو قطن، حدَّثني يونس عن المغيرة بن شبل قال‏:‏ قال جرير‏:‏ لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي، ثم حللت عيبتي، ثم لبست حلتي، ثم دخلت فإذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب فرماني النَّاس بالحدق‏.‏

فقلت لجليسي‏:‏ يا عبد الله هل ذكرني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قال‏:‏ نعم‏!‏ذكرك بأحسن الذكر، بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفج من خير ذي يمن إلا أن على وجهه مسحة ملك‏)‏‏)‏

قال جرير‏:‏ فحمدت الله عز وجل على ما أبلاني‏.‏

قال أبو قطن‏:‏ فقلت له‏:‏ سمعته منه أو سمعته من المغيرة بن شبل‏.‏

قال‏:‏ نعم‏!‏

ثم رواه الإمام أحمد عن أبي نعيم وإسحاق بن يوسف‏.‏

وأخرجه النسائي من حديث الفضل بن موسى ثلاثتهم عن يونس، عن أبي إسحاق السبيعي، عن المغيرة بن شبل، - ويقال‏:‏ ابن شبيل - عن عوف البجلي الكوفي، عن جرير بن عبد الله وليس له عنه غيره‏.‏

وقد رواه النسائي عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن قيس ابن أبي حازم، عن جرير بقصته ‏(‏‏(‏يدخل عليكم من هذا الباب رجل على وجهه مسحة ملك‏)‏‏)‏ الحديث‏.‏

وهذا على شرط الصحيحين‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا محمد بن عبيد، ثنا إسماعيل عن قيس، عن جرير قال‏:‏ ما حجبني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي‏.‏

وقد رواه الجماعة إلا أبا داود من طرق، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن قيس ابن أبي حازم عنه‏.‏

وفي الصحيحين زيادة‏:‏ وشكوت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده على صدري‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ثبته، واجعله هادياً مهدياً‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه النسائي عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة، عن إسماعيل، عن قيس عنه، وزاد فيه - ‏(‏‏(‏يدخل عليكم من هذا الباب رجل على وجهه مسحة ملك‏)‏‏)‏ - فذكر نحو ما تقدم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/92‏)‏

قال الحافظ البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدَّثنا أبو عمر وعثمان بن أحمد السماك، حدَّثنا الحسن بن سلام السواق، حدَّثنا محمد بن مقاتل الخراساني، حدَّثنا حصين بن عمر الأحمسي، حدَّثنا إسماعيل ابن أبي خالد - أو قيس ابن أبي حازم - عن جرير بن عبد الله قال‏:‏ بعث إلي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأتيته فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا جرير لأي شيء جئت‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ أسلم على يديك يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ فألقى علي كساء ثم أقبل علي أصحابه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا جرير أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن تؤمن بالله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وتصلي الصَّلاة المكتوبة، وتؤدِّي الزكاة المفروضة‏)‏‏)‏‏.‏

ففعلت ذلك، فكان بعد ذلك لا يراني إلا تبسم في وجهي‏.‏

هذا حديث غريب من هذا الوجه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يحيى بن سعيد القطان، حدَّثنا إسماعيل ابن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله قال‏:‏ بايعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم‏.‏

وأخرجاه في الصحيحين من حديث إسماعيل ابن أبي خالد به‏.‏

وهو في الصحيحين من حديث زياد بن علاثة، عن جرير به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو سعيد، حدَّثنا زائدة، ثنا عاصم عن سفيان - يعني‏:‏ أبا وائل - عن جرير قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله اشترط علي فأنت أعلم بالشرط‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أبايعك على أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتنصح المسلم، وتبرأ من الشرك‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه النسائي من حديث شعبة عن الأعمش، عن أبي وائل، عن جرير‏.‏

وفي طريق أخرى عن الأعمش، عن منصور، عن أبي وائل، عن أبي نخيلة، عن جرير به، فالله أعلم‏.‏

ورواه أيضاً عن محمد بن قدامة، عن جرير، عن مغيرة، عن أبي وائل، والشعبي، عن جرير به‏.‏

ورواه عن جرير عبد الله بن عميرة‏.‏

رواه أحمد منفرداً به، وابنه عبيد الله بن جرير، أحمد أيضاً منفرداً به، وأبو جميلة، وصوابه ‏(‏نخيلة‏)‏‏.‏

ورواه أحمد والنسائي‏.‏

ورواه أحمد أيضاً عن غندر، عن شعبة، عن منصور، عن أبي وائل، عن رجل، عن جرير فذكره‏.‏

والظاهر أن هذا الرجل هو أبو نخيلة البجلي، والله أعلم‏.‏

وقد ذكرنا بعث النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم له حين أسلم إلى ذي الخلصة، بيت كان يعبده خثعم وبجيلة، وكان يقال له‏:‏ الكعبة اليمانية يضاهون به الكعبة التي بمكة، ويقولون للتي ببكة‏:‏ الكعبة الشامية، ولبيتهم الكعبة اليمانية، فقال له‏:‏ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا تريحني من ذي الخلصة‏)‏‏)‏‏.‏

فحينئذ شكى إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه لا يثبت على الخيل، فضرب بيده الكريمة على صدره حتَّى أثرت فيه، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً‏)‏‏)‏‏.‏

فلم يسقط بعد ذلك عن فرس، ونفر إلى ذي الخلصة في خمسين ومائة راكب من قومه من أحمس، فخرب ذلك البيت وحرقه، حتَّى تركه مثل الجمل الأجرب، وبعث إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بشيراً يقال له‏:‏ أبو أرطاة، فبشره بذلك، فبرك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات‏.‏

والحديث مبسوط في الصحيحين، وغيرهما كما قدمناه بعد الفتح استطراداً بعد ذكر تخريب بيت العزى على يدي خالد بن الوليد رضي الله عنه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/93‏)‏

والظاهر أن إسلام جرير رضي الله عنه كان متأخراً عن الفتح بمقدار جيد، فإن الإمام أحمد قال‏:‏ حدَّثنا هشام بن القاسم، حدثنا زياد بن عبد الله بن علاثة بن عبد الكريم بن مالك الجزري عن مجاهد، عن جرير بن عبد الله البجلي قال‏:‏ إنما أسلمت بعد ما أنزلت المائدة، وأنا رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يمسح بعد ما أسلمت‏.‏

تفرد به أحمد وهو إسناد جيد، اللهم إلا أن يكون منقطعاً بين مجاهد وبينه‏.‏

وثبت في الصحيحين أن أصحاب عبد الله بن مسعود كان يعجبهم حديث جرير في مسح الخف، لأن إسلام جرير إنما كان بعد نزول المائدة، وسيأتي في حجة الوداع أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال له‏:‏ ‏(‏‏(‏استنصت النَّاس يا جرير‏)‏‏)‏ وإنما أمره بذلك لأنه كان صبياً وكان ذا شكل عظيم، كانت نعله طولها ذراع، وكان من أحسن النَّاس وجهاً، وكان مع هذا من أغض النَّاس طرفاً، ولهذا روينا في الحديث الصحيح عنه أنه قال‏:‏ سألت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن نظر الفجأة‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أطرق بصرك‏)‏‏)‏‏.‏

 وفادة وائل بن حجر بن ربيعة بن وائل بن يعمر الحضرمي ابن هنيد أحد ملوك اليمن على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال أبو عمر ابن عبد البر‏:‏ كان أحد أقيال حضرموت، وكان أبوه من ملوكهم، ويقال‏:‏ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بشر أصحابه قبل قدومه به، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يأتيكم بقية أبناء الملوك‏)‏‏)‏‏.‏

فلما دخل رحب به وأدناه من نفسه، وقرب مجلسه، وبسط له رداءه، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم بارك في وائل وولده وولد ولده‏)‏‏)‏‏.‏

واستعمله على الأقيال من حضرموت، وكتب معه ثلاث كتب؛ منها كتاب إلى المهاجر ابن أبي أمية، وكتاب إلى الأقيال، والعياهلة، وأقطعه أرضاً، وأرسل معه معاوية ابن أبي سفيان فخرج معه راجلا فشكى إليه حر الرمضاء، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏انتعل ظل الناقة‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ وما يغني عني ذلك لو جعلتني ردفاً‏.‏

فقال له وائل‏:‏ اسكت فلست من أرادف الملوك‏.‏

ثم عاش وائل بن حجر حتَّى وفد على معاوية وهو أمير المؤمنين فعرفه معاوية فرحب به، وقرَّبه وأدناه، وأذكره الحديث، وعرض عليه جائزة سنية فأبى أن يأخذها، وقال‏:‏ أعطها من هو أحوج إليها مني‏.‏

وأورد الحافظ البيهقي بعض هذا، وأشار إلى أن البخاري في ‏(‏التاريخ‏)‏ روى في ذلك شيئاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/94‏)‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا حجاج، أنبأنا شعبة عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن أبيه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أقطعه أرضاً، قال‏:‏ وأرسل معي معاوية أن أعطيها إياه - أو قال‏:‏ أعلمها إياه -، قال‏:‏ فقال معاوية‏:‏ أردفني خلفك‏.‏

فقلت‏:‏ لا تكون من أرداف الملوك‏.‏

قال‏:‏ فقال‏:‏ أعطني نعلك‏.‏

فقلت‏:‏ انتعل ظل الناقة‏.‏

قال‏:‏ فلما استخلف معاوية أتيته فأقعدني معه على السرير، فذكرني الحديث - قال سماك -‏:‏ فقال‏:‏ وددت أني كنت حملته بين يدي‏.‏

وقد رواه أبو داود والتِّرمذي من حديث شعبة، وقال التِّرمذي‏:‏ صحيح‏.‏

 وفادة لقيط بن عامر المنتفق أبي رزين العقيلي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال عبد الله بن الإمام أحمد‏:‏ كتب إلي إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير الزبيري‏:‏ كتبت إليك بهذا الحديث وقد عرضته وسمعته على ما كتبت به إليك، فحدِّث بذلك عني‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/95‏)‏

قال‏:‏ حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي، حدَّثني عبد الرحمن بن عياش السمعي الأنصاري القبائي من بني عمرو بن عوف، عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن أبيه، عن عمه لقيط بن عامر قال دلهم‏:‏ وحدَّثنيه أبي الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيطاً خرج وافداً إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومعه صاحب له يقال له‏:‏ نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق‏.‏

قال لقيط‏:‏ فخرجت أنا وصاحبي حتَّى قدمنا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة، انسلاخ رجب فأتينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة، فقام في النَّاس خطيباً فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها النَّاس ألا إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام، ألا لأسمعنكم ألا فهل من امرئ بعثه قومه‏)‏‏)‏‏.‏

فقالوا‏:‏ اعلم لنا ما يقول رسول الله ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه، أو حديث صاحبه، أو يلهيه الضلال ألا إني مسئول هل بلغت ألا فاسمعوا تعيشوا ألا اجلسوا ألا أجلسوا‏.‏

قال‏:‏ فجلس النَّاس، وقمت أنا وصاحبي حتَّى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت‏:‏ يا رسول الله ما عندك من علم الغيب‏؟‏

فضحك لعمر الله وهزَّ رأسه، وعلم أني أبتغي لسقطه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ضن ربك عز وجل بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله‏)‏‏)‏ وأشار بيده‏.‏

قلت‏:‏ وما هي‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏علم المنية قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه، وعلم المني حين يكون في الرحم قد علمه ولا تعلمون، وعلم ما في غد وما أنت طاعم غداً ولا تعلمه، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم أزلين مسنتين، فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى قريب‏)‏‏)‏‏.‏

قال لقيط‏:‏ قلت‏:‏ لن نعدم من رب يضحك خيراً - وعلم يوم الساعة -‏.‏

قلنا‏:‏ يا رسول علِّمنا مما لا يعلم النَّاس ومما تعلم، فإنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد، من مذحج التي تربوا علينا، وخثعم التي توالينا، وعشيرتنا التي نحن منها‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم، ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة، لعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات، والملائكة الذين مع ربك فأصبح ربك عز وجل يطوف بالأرض وقد خلت عليه البلاد، فأرسل ربك السماء تهضب من عند العرش، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتَّى تخلقه من عند رأسه، فيستوي جالساً فيقول‏:‏ ربك عز وجل مهيم‏؟‏ لما كان فيه فيقول‏:‏ يا رب أمس اليوم - فلعهده بالحياة يتحسبه حديثاً بأهله‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ يا رسول الله كيف يجمعنا بعد ما تفرقنا الرياح، والبلى، والسباع‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، الأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية فقلت‏:‏ لا تحي أبداً، ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تلبث عليك إلا أياماً حتَّى أشرفت عليها وهي شرية واحدة، فلعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض، فتخرجون من الأصواء ومن مصارعكم فتنظرون إليه، وينظر إليكم‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله وكيف ونحن ملء الأرض، وهو عز وجل شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله الشمس والقمر آية منه صغيرة، ترونهما ويريانكم ساعة واحدة لا تضارون في رؤيتهما، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما، ويريانكم لا تضارون في رؤيتهما‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/96‏)‏

قلت‏:‏ يا رسول الله فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تعرضون عليه بادية له صحائفكم لا يخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من الماء فينضح قلبكم بها، فلعمر إلهك ما يخطئ وجه أحدكم منها قطرة، فأما المسلم فتدع على وجهه مثل الريطة البيضاء، وأما الكافر فتخطمه بمثل الحمم الأسود ألا ثم ينصرف نبيكم، وينصرف على أثره الصالحون فتسلكون جسراً من النار، فيطأ أحدكم الجمرة فيقول‏:‏ حس، فيقول ربك عز وجل‏:‏ أوانه فتطلعون على حوض الرسول على أطماء، والله ناهلة عليها ما رأيتها قط، فلعمر إلهك لا يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف والبول، والأذى وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحداً‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله فيمَ نبصر‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏مثل بصرك ساعتك هذه، وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقته الأرض وواجهته الجبال‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله فيمَ نجزي من سيآتنا وحسناتنا‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها إلا أن يعفو‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله إما الجنة وإما النار‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لعمر إلهك إن للنار سبعة أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً، وإن للجنة لثمانية أبواب ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ يا رسول الله فعلامَ نطلع من الجنة‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏على أنهار من عسل مصفى، وأنهار من كأس، ما بها من صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وماء غير آسن وفاكهة، لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله معه، وأزواج مطهرة‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ يا رسول الله ولنا فيها أزواج، أو منهن مصلحات‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا، ويلذونكم غير أن لا توالد‏)‏‏)‏‏.‏

قال لقيط‏:‏ قلت‏:‏ أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه، فلم يجبه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قلت‏:‏ يا رسول الله علام أبايعك‏.‏

فبسط النَّبيّ يده وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وزيال الشرك، وأن لا تشرك بالله إلهاً غيره‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ وإن لنا ما بين المشرق والمغرب، فقبض النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يده وبسط أصابعه وظن أني مشترط شيئاً لا يعطينيه‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ تحل منها حيث شئناً ولا يجني منها امرؤ إلا على نفسه‏.‏

فبسط يده وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏وذلك لك تحل حيث شئت ولا تجني عليك إلا نفسك‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فانصرفنا عنه‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن هذين من لعمر إلهك أتقى النَّاس في الأولى والآخرة‏)‏‏)‏‏.‏

فقال له كعب بن الحدارية أحد بني كلاب منهم‏:‏ يا رسول الله بنو المنتفق أهل ذلك منهم‏؟‏

قال‏:‏ فانصرفنا وأقبلت عليه - وذكر تمام الحديث إلى أن قال - فقلت‏:‏ يا رسول الله هل لأحد ممن مضى خير في جاهليته‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/97‏)‏

قال‏:‏ فقال رجل من عرض قريش‏:‏ والله إن أباك المنتفق لفي النار‏.‏

قال‏:‏ فلكأنه وقع حر بين جلدتي وجهي ولحمي مما قال، لأني على رؤس النَّاس فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله، ثم إذا الأخرى أجمل‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله وأهلك‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وأهلي لعمر الله، ما أتيت عليه من قبر عامري أو قرشي من مشرك فقل‏:‏ أرسلني إليك محمد، فأبشرك بما يسوءك تجر على وجهك، وبطنك في النار‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله ما فعل بهم ذلك، وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه، وقد كانوا يحسبون أنهم مصلحون‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ذلك بأن الله يبعث في آخر كل سبع أمم - يعني‏:‏ نبياً - فمن عصى نبيه كان من الضالين، ومن أطاع نبيه كان من المهتدين‏)‏‏)‏‏.‏

هذا حديث غريب جداً، وألفاظه في بعضها نكارة‏.‏

وقد أخرجه البيهقي في ‏(‏كتاب البعث والنشور‏)‏‏.‏

وعبد الحق الإشبيليّ في ‏(‏العاقبة‏)‏‏.‏

والقرطبي في كتاب ‏(‏التذكرة في أحوال الآخرة‏)‏‏.‏

وسيأتي في كتاب البعث والنشور إن شاء الله تعالى‏.‏

 وفادة زياد بن الحارث رضي الله عنه‏.‏

قال الحافظ البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو أحمد الأسداباذي بها، أنبأنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، حدثنا أبو علي بشر بن موسى، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، حدثني زياد بن نعيم الحضرمي، سمعت زياد بن الحارث الصدائي يحدِّث قال‏:‏ أتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فبايعته على الإسلام، فأخبرت أنه قد بعث جيشاً إلى قومي‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله أردد الجيش وأنا لك بإسلام قومي وطاعتهم‏.‏

فقال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏اذهب فردهم‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏إن راحلتي قد كلَّت، فبعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رجلاً فردهم‏.‏

قال الصدائي‏:‏ وكتبت إليهم كتاباً فقدم وفدهم بإسلامهم‏.‏

فقال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أخا صداء‏!‏إنك لمطاع في قومك‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ بل هو الله هداهم للإسلام‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أفلا أومرك عليهم‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ بلى يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ فكتب لي كتاباً أمَّرني‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله مر لي بشيء من صدقاتهم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم ‏!‏‏)‏‏)‏‏.‏

فكتب لي كتاباً آخر‏.‏

قال الصدائي‏:‏ وكان ذلك في بعض أسفاره، فنزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منزلاً فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم، ويقولون‏:‏ أخذنا بشيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية‏.‏

فقال رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏أوفعل ذلك‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ نعم ‏!‏‏.‏

فالتفت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أصحابه وأنا فيهم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا خير في الإمارة لرجل مؤمن‏)‏‏)‏‏.‏

قال الصدائي‏:‏ فدخل قوله في نفسي ثم أتاه آخر فقال‏:‏ يا رسول الله أعطني‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏من سأل النَّاس عن ظهر غنىً فصداع في الرأس وداء في البطن‏)‏‏)‏‏.‏

فقال السائل‏:‏ أعطني من الصدقة‏.‏

فقال رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏إن الله لم يرضَ في الصدقات بحكم نبي ولا غيره حتَّى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/98‏)‏

قال الصدائي‏:‏ فدخل ذلك في نفسي أني غني، وإني سألته من الصدقة‏.‏

قال‏:‏ ثم إن رسول الله اعتشى من أول الليل فلزمته وكنت قريباً، فكان أصحابه ينقطعون عنه، ويستأخرون منه ولم يبق معه أحد غيري، فلما كان أوان صلاة الصبح أمرني فأذَّنت، فجعلت أقول‏:‏ أقيم يا رسول الله‏؟‏

فجعل ينظر ناحية المشرق إلى الفجر، ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لا‏)‏‏)‏ حتَّى إذا طلع الفجر نزل فتبرز، ثم انصرف إليّ وهو متلاحق أصحابه، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل من ماء يا أخا صُداءٍ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ لا إلا شيء قليل لا يكفيك‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اجعله في إناء ثم ائتني به‏)‏‏)‏‏.‏

ففعلت فوضع كفه في الماء قال‏:‏ فرأيت بين إصبعين من أصابعه عيناً تفور‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لولا أني أستحي من ربي عز وجل لسقينا واستقينا، ناد في أصحابي من له حاجة في الماء‏)‏‏)‏‏.‏

فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم شيئاً، ثم قام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الصلاة فأراد بلال أن يقيم‏.‏

فقال له رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أخا صداء أذَّن ومن أذَّن فهو يقيم‏)‏‏)‏‏.‏

قال الصدائي‏:‏ فأقمت، فلما قضى رسول الله الصلاة أتيته بالكتابين، فقلت‏:‏ يا رسول الله أعفني من هذين‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما بدا لك‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ سمعتك يا رسول الله تقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لا خير في الإمارة لرجل مؤمن‏)‏‏)‏ وأنا أومن بالله وبرسوله‏.‏

وسمعتك تقول للسائل‏:‏ ‏(‏‏(‏من سأل النَّاس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن‏)‏‏)‏ وسألتك وأنا غني‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هو ذاك، فإن شئت فأقبل وإن شئت فدع‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ أدع‏.‏

فقال لي رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏فدلني على رجل أؤمره عليكم‏)‏‏)‏‏.‏

فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه فأمَّره عليهم‏.‏

ثم قلنا‏:‏ يا رسول الله إن لنا بئراً إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها، وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا، فقد أسلمنا وكل من حولنا عدو، فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا ماؤها، فنجتمع عليه ولا نتفرق‏!‏

فدعا سبع حصيات فعركهن بيده ودعا فيهن‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة، واذكروا الله‏)‏‏)‏‏.‏

قال الصدائي‏:‏ ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها - يعني‏:‏ البئر -‏.‏

وهذا الحديث له شواهد في سنن أبي داود، والتِّرمذي، وابن ماجه‏.‏

وقد ذكر الواقدي أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان بعث بعد عمرة الجعرانة قيس بن سعد بن عبادة في أربعمائة إلى بلاد صداء فيوطئها، فبعثوا رجلاً منهم فقال‏:‏ جئتك لترد عن قومي الجيش وأنا لك بهم، ثم قدم وفدهم خمسة عشر رجلاً، ثم رأى منهم حجة الوداع مائة رجل‏.‏

ثم روى الواقدي عن الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن زياد بن نعيم، عن زياد بن الحارث الصدائي قصته في الأذان‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/99‏)‏