فصل: اختلاف الأمين والمأمون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ذكر زوجاته وبنيه وبناته

تزوج أم جعفر زبيدة بنت عمه جعفر بن أبي جعفر المنصور، تزوجها في سنة خمس وستين ومائة في حياة أبيه المهدي، فولدت له محمداً الأمين، وماتت زبيدة في سنة ست عشرة ومائتين كما سيأتي‏.‏

وتزوج أمة العزيز أم ولد كانت لأخيه موسى الهادي فولدت له علي بن الرشيد‏.‏

وتزوج أم محمد بنت صالح المسكين، والعباسة بنت عمه سليمان بن أبي جعفر، فزفتا إليه في ليلة واحدة سنة سبع وثمانين ومائة بالرقة‏.‏

وتزوج عزيزة بنت الغطريف، وهي‏:‏ بنت خاله أخي أمه الخيزران‏.‏

وتزوج ابنة عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان العثمانية، ويقال لها‏:‏ الجرشية، لأنها ولدت بجرش باليمن‏.‏

وتوفي عن أربع‏:‏ زبيدة، وعباسة، وابنة صالح، والعثمانية هذه‏.‏

وأما الحظايا من الجوار فكثير جداً حتى قال بعضهم‏:‏ إنه كان في داره أربعة آلاف جارية سراري حسان‏.‏

 وأما أولاده الذكور‏:‏

فمحمد الأمين بن زبيدة، وعبد الله المأمون من جارية اسمها مراجل، ومحمد أبو إسحاق المعتصم من أم ولد يقال‏:‏ لها ماردة، والقاسم المؤتمن من جارية يقال لها‏:‏ قصف‏.‏

وعلي أمه أمة العزيز، وصالح من جارية اسمها رئم، ومحمد أبو يعقوب، ومحمد أبو عيسى، ومحمد أبو العباس، ومحمد أبو علي كل هؤلاء من أمهات أولاد‏.‏

 وكان من الإناث‏:‏

سكينة من قصف، وأم حبيب من ماردة، وأروى، وأم الحسن، وأم محمد وهي حمدونة، وفاطمة وأمها غصص، وأم سلمة، وخديجة، وأم القاسم رملة، وأم علي، وأم الغالية، وريطة كلهن من أمهات أولاد‏.‏

 خلافة محمد الأمين

لما توفي الرشيد بطوس في جمادى الآخرة من هذه السنة - أعني‏:‏ سنة ثلاث وتسعين ومائة - كتب صالح بن الرشيد إلى أخيه ولي العهد من بعد أبيه محمد الأمين بن زبيدة وهو ببغداد يعلمه بوفاة أبيه ويعزيه فيه، فوصل الكتاب صحبة رجاء الخادم ومعه الخاتم والقضيب والبردة، يوم الخميس الرابع عشر من جمادى الآخرة‏.‏

فركب الأمين من قصرة الخلد إلى قصر أبي جعفر المنصور - وهو قصر الذهب - على شط بغداد، فصلى بالناس ثم صعد المنبر فخطبهم وعزاهم في الرشيد، وبسط آمال الناس ووعدهم الخير‏.‏

فبايعه الخواص من قومه ووجوه بني هاشم والأمراء، وأمر بصرف أعطيات الجند عن سنتين، ثم نزل وأمر عمه سليمان بن جعفر أن يأخذ له البيعة من بقية الناس فلما انتظم أمر الأمين واستقام حاله حسده أخوه المأمون ووقع الخلف بينهما على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/242‏)‏

 اختلاف الأمين والمأمون

كان السبب في ذلك أن الرشيد لما وصل إلى أول بلاد خراسان وهب جميع ما فيها من الحواصل والدواب والسلاح لولده المأمون، وجدد له البيعة، وكان الأمين قد بعث بكر بن المعتمر بكتب في خفية ليوصلها إلى الأمراء إذا مات الرشيد‏.‏

فلما توفي الرشيد نفذت الكتب إلى الأمراء وإلى صالح بن الرشيد، وفيها كتاب إلى المأمون يأمره بالسمع والطاعة، فأخذ صالح البيعة من الناس إلى الأمين، وارتحل الفضل بن الربيع بالجيش إلى بغداد وقد بقي في نفوسهم تحرج من البيعة التي أخذت للمأمون، وكتب إليهم المأمون يدعوهم إلى بيعته فلم يجيبوه، فوقعت الوحشة بين الأخوين، ولكن تحول عامة الجيش إلى الأمين‏.‏

فعند ذلك كتب المأمون إلى أخيه الأمين بالسمع والطاعة والتعظيم، وبعث إليه من هدايا خراسان وتحفها من الدواب والمسك وغير ذلك، وهو نائبه عليها، وقد أمر الأمين في صبيحة يوم السبت بعد أخذ البيعة يوم الجمعة ببناء ميدانين للصيد، فقال في ذلك بعض الشعراء‏:‏

بنى أمين الله ميدانا * وصير الساحة بستانا

وكانت الغزلان فيه بانا * يهدي إليه فيه غزلانا

وفي شعبان من هذه السنة‏:‏ قدمت زبيدة من الرقة بالخزائن وما كان عندها من التحف والقماش من الرشيد، فتلقاها ولدها الأمين إلى الأنبار ومعه وجوه الناس‏.‏

وأقر الأمين أخاه المأمون على ما تحت يده من بلاد خراسان والري وغير ذلك، وأقر أخاه القاسم على الجزيرة والثغور، وأقر عمال أبيه على البلاد إلا القليل منهم‏.‏

وفيها‏:‏ مات نقفور ملك الروم، قتله البرجان، وكان ملكه تسع سنين، وأقام بعده ولده استبراق شهرين فمات، فملكهم ميخائيل زوج أخت نقفور لعنهم الله‏.‏

وفيها‏:‏ تواقع هرثمة نائب خراسان ورافع بن الليث فاستجاش رافع بالترك ثم هربوا وبقي رافع وحده فضعف أمره‏.‏

وحج بالناس نائب الحجاز داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/243‏)‏

 وفيها توفي‏:‏

إسماعيل بن علية

وهو من أئمة العلماء والمحدثين الرفعاء، روى عنه‏:‏ الشافعي، وأحمد بن حنبل‏.‏

وقد ولي المظالم ببغداد، وكان ناظر الصدقات بالبصرة، وكان ثقةً نبيلاً جليلاً كبيراً، وكان قليل التبسم، وكان يتجر في البز وينفق على عياله منه ويحج منه، ويبر أصحابه منه مثل السفيانين وغيرهما‏.‏

وقد ولاه الرشيد القضاء فلما بلغ ابن المبارك أنه تولى القضاء كتب إليه يلومه نظماً ونثراً، فاستعفى ابن علية من القضاء فأعفاه‏.‏

وكانت وفاته في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في مقابر عبد الله بن مالك‏.‏

وفيها مات‏:‏

محمد بن جعفر

الملقب‏:‏ بغندر، روى عن‏:‏ شعبة، وسعيد بن أبي عروبة، وعن خلق كثير‏.‏

وعنه جماعة منهم‏:‏ أحمد بن حنبل‏.‏

وكان ثقةً جليلاً حافظاً متقناً‏.‏

وقد ذكر عنه حكايات تدل على تغفيله في أمور الدنيا، كانت وفاته بالبصرة في هذه السنة، وقيل‏:‏ في التي قبلها، وقيل‏:‏ في التي بعدها‏.‏

وقد لقب بهذا اللقب جماعة من المتقدمين والمتأخرين‏.‏

وفيها توفي‏:‏

أبو بكر بن العياش

أحد الأئمة، سمع‏:‏ أبا إسحاق السبيعي، والأعمش، وهشام، وهمام بن عروة، وجماعة‏.‏

وحدث عنه خلق منهم‏:‏ أحمد بن حنبل‏.‏

وقال يزيد بن هارون‏:‏ كان حبراً فاضلاً لم يضع جنبه إلى الأرض أربعين سنة‏.‏

قالوا‏:‏ ومكث ستين سنة يختم القرآن في كل يوم ختمة كاملة، وصام ثمانين رمضاناً، وتوفي وله ست وتسعون سنة‏.‏

ولما احتضر بكى عليه ابنه فقال‏:‏ يا بني ‏!‏ علام تبكي‏؟‏ والله ما أتى أبوك فاحشة قط‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وتسعين ومائة

فيها‏:‏ خلع أهل حمص نائبهم فعزله عنهم الأمين وولى عليهم عبد الله بن سعيد الحرشي فقتل طائفة من وجوه أهلها وحرق نواحيها، فسألوه الأمان فأمنهم، ثم هاجوا فضرب أعناق كثير منهم أيضاً‏.‏

وفيها‏:‏ عزل الأمين أخاه القاسم عن الجزيزة والثغور، وولى على ذلك خزيمة بن خازم، وأمر أخاه بالمقام عنده ببغداد‏.‏

وفيها‏:‏ أمر الأمين بالدعاء لولده موسى على المنابر في سائر الأمصار، وبالإمرة من بعده، وسماه‏:‏ الناطق بالحق، ثم يدعى من بعده لأخيه المأمون ثم لأخيه القاسم، وكان من نية الأمين الوفاء لأخويه بما شرط لهما، فلم يزل به الفضل بن الربيع حتى غير نيته في أخويه، وحسن له خلع المأمون والقاسم، وصغر عنده شأن المأمون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/244‏)‏

وإنما حمله على ذلك خوفه من المأمون إن أفضت إليه الخلافة أن يخلعه من الحجابة‏.‏

فوافقه الأمين على ذلك وأمر بالدعاء لولده موسى وبولاية العهد من بعده، وذلك في ربيع الأول من هذه السنة‏.‏

فلما بلغ المأمون قطع البريد عنه وترك ضرب اسمه على السكة والطرز، وتنكر للأمين‏.‏

وبعث رافع بن الليث إلى المأمون يسأل منه الأمان فأمنه، فسار إليه بمن معه فأكرمه المأمون وعظمه، وجاء هرثمة على إثره فتلقاه المأمون ووجوه الناس وولاه الحرس‏.‏

فلما بلغ الأمين أن الجنود التفت على أخيه المأمون ساءه ذلك وأنكره، وكتب إلى المأمون كتاباً وأرسل إليه رسلاً ثلاثة من أكابر الأمراء، سأله أن يجيبه إلى تقديم ولده عليه، وأنه قد سماه‏:‏ الناطق بالحق، فأظهر المأمون الامتناع فشرع الأمراء في مطايبته وملاينته، وأن يجيبهم إلى ذلك فأبى كل الإباء‏.‏

فقال له العباس بن موسى بن عيسى‏:‏ فقد خلع أبي نفسه فماذا كان ‏؟‏

فقال المأمون‏:‏ إن أباك كان امرءاً مكروهاً‏.‏

ثم لم يزل المأمون يعد العباس ويمنيه حتى بايعه بالخلافة، ثم لما رجع إلى بغداد كان يراسله بما كان من أمر الأمين ويناصحه‏.‏

ولما رجع الرسل إلى الأمين أخبروه بما كان من قول أخيه، فعند ذلك صمم الفضل بن الربيع على الأمين في خلع المأمون، فخلعه وأمر بالدعاء لولده في سائر البلاد، وأقاموا من يتكلم في المأمون ويذكر مساويه‏.‏

وبعثوا إلى مكة فأخذوا الكتاب الذي كتبه الرشيد وأودعه في الكعبة، فمزقه الأمين وأكد البيعة إلى ولده الناطق بالحق على ما ولاه من الأعمال، وجرت بين الأمين والمأمون مكاتبات ورسل يطول بسطها‏.‏

وقد استقصاها ابن جرير في تاريخه، ثم آل بهما الأمر إلى أن احتفظ كل منهما على بلاده وحصنها وهيأ الجيوش والجنود وتألف الرعايا‏.‏

وفيها‏:‏ غدرت الروم بملكهم ميخائيل فراموا خلعه وقتله فترك الملك وترهب وولوا عليهم اليون‏.‏

وحج بالناس فيها نائب الحجاز داود بن عيسى، وقيل‏:‏ علي بن الرشيد‏.‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

سالم بن سالم أبو بحر البلخي

قدم بغداد وحدث بها عن‏:‏ إبراهيم بن طهمان، والثوري‏.‏

وعنه‏:‏ الحسن بن عرفة‏.‏

وكان عابداً زاهداً، مكث أربعين سنة لم يفرش له فراش، وصامها كلها إلا يومي العيد، ولم يرفع رأسه إلى السماء، وكان داعية الإرجاء ضعيف الحديث، إلا أنه كان رأساً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان قد قدم بغداد فأنكر على الرشيد وشنع عليه فحبسه وقيده بإثني عشر قيداً، فلم يزل أبو معاوية يشفع فيه حتى جعلوه في أربعة قيود، ثم كان يدعو الله أن يرده إلى أهله‏.‏

فلما توفي الرشيد أطلقته زبيدة فرجع - وكانوا بمكة قد جاؤوا حجاجاً - فمرض بمكة‏.‏

واشتهى يوماً برداً فسقط في ذلك الوقت برد حين اشتهاه فأكل منه‏.‏

مات في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/245‏)‏

وعبد الوهاب بن عبد المجيد

الثقفي، كانت غلته في السنة قريباً من خمسين ألفاً ينفقها كلها على أهل الحديث‏.‏

توفي عن أربع وثمانين سنة‏.‏

وأبو النصر الجهني المصاب

كان مقيماً بالمدينة النبوية بالصفة من المسجد في الحائط الشمالي منه، وكان طويل السكوت، فإذا سئل أجاب بجواب حسن، ويتكلم بكلمات مفيدة تؤثر عنه وتكتب‏.‏

وكان يخرج يوم الجمعة قبل الصلاة فيقف على مجامع الناس فيقول‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 33‏]‏ و ‏{‏وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 48‏]‏ ثم ينتقل إلى جماعة أخرى ثم إلى أخرى حتى يدخل المسجد فيصلي فيه الجمعة ثم لا يخرج منه حتى يصلي العشاء الآخرة‏.‏

وقد وعظ مرة هارون الرشيد بكلام حسن فقال‏:‏ اعلم أن الله سائلك عن أمة نبيه فأعد لذلك جواباً، وقد قال عمر بن الخطاب‏:‏ لو ماتت سخلة بالعراق ضياعاً لخشيت أن يسألني الله عنها‏.‏

فقال الرشيد‏:‏ إني لست كعمر، وإن دهري ليس كدهره‏.‏

فقال‏:‏ ما هذا بمغن عنك شيئاً‏.‏

فأمر له بثلثمائة دينار، فقال‏:‏ أنا رجل من أهل الصفة فمر بها فلتقسم عليهم وأنا واحد منهم‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وتسعين ومائة

فيها‏:‏ في صفر منها أمر الأمين الناس أن لا يتعاملوا بالدارهم والدنانير التي عليها اسم أخيه المأمون ونهى أن يدعى له على المنابر، وأن يدعى له ولولده من بعده‏.‏

وفيها‏:‏ تسمى المأمون‏:‏ بإمام المؤمنين‏.‏

وفي ربيع الآخر فيها‏:‏ عقد الأمين لعلي بن عيسى بن ماهان الإمارة على الجبل وهمذان وأصبهان وقم وتلك البلاد، وأمره بحرب المأمون وجهز معه جيشاً كثيراً، وأنفق فيهم نفقات عظيمة، وأعطاه مائتي ألف دينار، ولولده خمسين ألف دينار وألفي سيف محلى، وستة آلاف ثوب للخلع‏.‏

فخرج علي بن موسى بن ماهان من بغداد في أربعين ألف مقاتل فارس، ومعه قيد من فضة ليأتي فيه بالمأمون‏.‏

وخرج الأمين معه مشيعاً فسار حتى وصل الري فتلقاه الأمير طاهر في أربعة آلاف، فجرت بينهم أمور آل الحال فيها أن اقتتلوا، فقتل علي بن عيسى وانهزم أصحابه وحمل رأسه وجثته إلى الأمير طاهر، فكتب بذلك إلى وزير المأمون ذي الرياستين‏.‏

وكان الذي قتل علي بن عيسى رجل يقال له‏:‏ طاهر الصغير، فسمي‏:‏ ذا اليمينين، لأنه أخذ السيف بيديه الثنتيين فذبح به علي بن عيسى بن ماهان، ففرح بذلك المأمون وذووه‏.‏

وانتهى الخبر إلى الأمين وهو يصيد السمك من دجله فقال‏:‏ ويحك ‏!‏ دعني من هذا فإن كوثراً قد صاد سمكتين، ولم أصد بعد شيئاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/246‏)‏

وأرجف الناس ببغداد وخافوا غائلة هذا الأمر، وندم محمد الأمين على ما كان منه من نكث العهد وخلع أخيه المأمون، وما وقع من الأمر الفظيع‏.‏

وكان رجوع الخبر إليه في شوال من هذه السنة‏.‏

ثم جهز عبد الرحمن بن جبلة الأنباري في عشرين ألفاً من المقاتلة إلى همذان ليقاتلوا طاهر بن الحسين بن مصعب ومن معه من الخراسانية، فلما اقتربوا منهم تواجهوا فتقاتلوا قتالاً شديداً حتى كثرت القتلى بينهم، ثم انهزم أصحاب عبد الرحمن بن جبلة فلجأوا إلى همذان فحاصرهم بها طاهر حتى اضطرهم إلى أن دعوا إلى الصلح، فصالحهم وأمنهم ووفى لهم، وانصرف عبد الرحمن بن جبلة على أن يكون راجعاً إلى بغداد‏.‏

ثم غدروا بأصحاب طاهر وحملوا عليهم وهم غافلون فقتلوا منهم خلقاً، وصبر لهم أصحاب طاهر ثم نهضوا إليهم وحملوا عليهم فهزموهم وقتل أميرهم عبد الرحمن بن جبلة، وفر أصحابه خائبين‏.‏

فلما رجعوا إلى بغداد اضطربت الأمور وكثرت الأراجيف، وكان ذلك في ذي الحجة من هذه السنة، وطرد طاهر عمال الأمين عن قزوين وتلك النواحي، وقوي أمر المأمون جداً بتلك البلاد‏.‏

وفي ذي الحجة من هذه السنة‏:‏ ظهر أمر السفياني بالشام، واسمه‏:‏ علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فعزل نائب الشام عنها ودعا إلى نفسه، فبعث إليه الأمين جيشاً فلم يقدموا عليه بل أقاموا بالرقة، ثم كان من أمره ما سنذكره‏.‏

وحج بالناس فيها نائب الحجاز داود بن عيسى‏.‏

 وفيها‏:‏ كانت وفاة جماعة من الأعيان منهم‏:‏

إسحاق بن يوسف الأزرق

أحد أئمة الحديث‏.‏

روى عنه‏:‏ أحمد، وغيره‏.‏

ومنهم‏:‏

بكار بن عبد الله

ابن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، كان نائب المدينة للرشيد ثنتي عشرة سنة وشهراً، وقد أطلق الرشيد على يديه لأهلها ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار، وكان شريفاً جواداً معظماً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/247‏)‏

وفيها توفي‏:‏

أبو نواس الشاعر

واسمه الحسن بن هانئ بن صباح بن عبد الله بن الجراح بن هنب بن داود بن غنم بن سليم، ونسبه عبد الله بن سعد إلى الجراح بن عبد الله الحكمي، ويقال له‏:‏ أبو نواس البصري‏.‏

كان أبوه من أهل دمشق من جند مروان بن محمد، ثم صار إلى الأهواز وتزوج امرأة يقال لها‏:‏ خلبان، فولدت له أبا نواس، وابنا آخر يقال له‏:‏ أبا معاذ، ثم صار أبو نواس إلى البصرة فتأدب بها على أبي زيد وأبي عبيدة، وقرأ كتاب سيبويه ولزم خلفاً الأحمر، وصحب يونس بن حبيب الجرمي النحوي‏.‏

وقد قال القاضي ابن خلكان‏:‏ صحب أبا أسامة وابن الحباب الكوفي‏.‏

وروى الحديث عن‏:‏ أزهر بن سعد، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وعبد الواحد بن زياد، ومعتمر بن سليمان، ويحيى القطان‏.‏

وعنه‏:‏ محمد بن إبراهيم بن كثير الصوفي‏.‏

وحدث عنه جماعة منهم‏:‏ الشافعي، وأحمد بن حنبل، وغندر، ومشاهير العلماء‏.‏

ومن مشاهير حديثه ما رواه محمد بن إبراهيم بن كثير الصوفي، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله، فإن حسن الظن بالله ثمن الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

وقال محمد بن إبراهيم‏:‏ دخلنا عليه وهو في الموت، فقال له صالح بن علي الهاشمي‏:‏ يا أبا علي ‏!‏ أنت اليوم في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، وبينك وبين الله هنات، فتب إلى الله من عملك‏.‏

فقال‏:‏ إياي تخوف‏؟‏ بالله أسندوني‏.‏

قال‏:‏ فأسندناه‏.‏

فقال‏:‏ حدثني حماد بن سلمة، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لكل نبي شفاعة، وإني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ أفلا تراني منهم ‏؟‏

وقال أبو نواس‏:‏ ما قلت الشعر حتى رويت عن ستين امرأة منهن‏:‏ خنساء، وليلى، فما الظن بالرجال ‏؟‏

وقال يعقوب بن السكيت‏:‏ إذا رويت الشعر عن‏:‏ امرئ القيس، والأعشى من أهل الجاهلية، ومن الإسلاميين‏:‏ جرير، والفرزدق، ومن المحدثين عن‏:‏ أبي نواس فحسبك‏.‏

وقد أثنى عليه غير واحد منهم‏:‏ الأصمعي، والجاحظ، والنظام‏.‏

قال أبو عمرو الشيباني‏:‏ لولا أن أبا نواس أفسد شعره بما وضع فيه من الأقذار لاحتججنا به - يعني‏:‏ شعره الذي قاله في الخمريات والمردان، وقد كان يميل إليهم - ونحو ذلك مما هو معروف في شعره‏.‏

واجتمع طائفة من الشعراء عند المأمون فقيل لهم‏:‏ أيكم القائل‏:‏

فلما تحسَّاها وقفنا كأننا * نرى قمراً في الأرض يبلغ كوكبا

قالوا‏:‏ أبو نواس‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/248‏)‏

قال‏:‏ فأيكم القائل‏:‏

إذا نزلت دون اللهاة من الفتى * دعى همه عن قبله برحيل

قالوا‏:‏ أبو نواس‏.‏

قال‏:‏ فأيكم القائل‏:‏

فتمشَّت في مفاصلهم * كتمشي البُرْءِ في السقم

قالوا‏:‏ أبو نواس‏.‏

قال‏:‏ فهو أشعركم‏.‏

وقال سفيان بن عيينة لابن مناذر‏:‏ ما أشعر ظريفكم أبا نواس في قوله‏:‏

يا قمراً أبصرت في مأتم * يندب شجو بين أتراب

أبرزه المأتم لي كارهاً * برغم ذي باب وحجاب

يبكي فيذري الدرّ من عينه * ويلطم الورد بعناب

لا زال موتاً دأب أحبابه * ولم تزل رؤيته دابي

قال ابن الأعرابي‏:‏ أشعر الناس أبو نواس في قوله‏:‏

تسترت من دهري بكل جناحه * فعيني ترى دهري وليس يراني

فلو تسأل الأيام عني ما درت * وأين مكاني ما عرفن مكاني

وقال أبو العتاهية‏:‏ قلت في الزهد عشرين ألف بيت، وددت أن لي مكانها الأبيات الثلاثة التي قالها أبو نواس وهي هذه، وكانت مكتوبة على قبره‏:‏

يا نواسي توقّر * أو تغيَّر أو تصبَّر

إن يكن ساءك دهر * فلما سرَّك أكثر

يا كثير الذنب * عفو الله من ذنبك أكبر

ومن شعر أبي نواس يمدح بعض الأمراء‏:‏

أوجده الله فما مثله * بطالب ذاك ولا ناشد

ليس على الله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد

وأنشد سفيان بن عيينة قول أبي نواس‏:‏

ما هوى إلا له سبب * يبتدي منه وينشعب

فتنت قلبي محجبة * وجهها بالحسن منتقب

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/249‏)‏

خلته والحسن تأخذه * تنتقي منه وتنتخب

فاكتست منه طرائفه * واستردت بعض ما تهب

فهي لو صيرت فيه لها * عودة لم يثنها أرب

صار جداً ما مزحت به * ربَّ جد جرَّه اللعب

فقال ابن عيينة‏:‏ آمنت بالذي خلقها‏.‏

وقال ابن دريد‏:‏ قال أبو حاتم‏:‏ لو أن العامة بدلت هذين البيتين كتبتهما بماء الذهب‏:‏

ولو أني استزدتك فوق ما بي * من البلوى لأعوزك المزيد

ولو عرضت على الموتى حياتي * بعيش مثل عيشي لم يريدوا

وقد سمع أبو نواس حديث سهيل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏القلوب جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف‏)‏‏)‏‏.‏

فنظم ذلك في قصيدة له فقال‏:‏

إنَّ القلوب لأجناد مجندة * لله في الأرض بالأهواء تعترف

فما تناكر منها فهو مختلف * وما تعارف منها فهو مؤتلف

ودخل يوماً أبو نواس مع جماعة من المحدثين على عبد الواحد بن زياد فقال لهم عبد الواحد‏:‏ ليختر كل واحد منكم عشرة أحاديث أحدثه بها، فاختار كل واحد عشرة إلا أبا نواس، فقال له‏:‏ مالك لا تختار كما اختاروا ‏؟‏

فأنشأ يقول‏:‏

ولقد كنا روينا * عن سعيد عن قتادة

عن سعيد بن المسيـ*ـب ثم سعد بن عباده

وعن الشعبي والشعـ*ـبي شيخ ذو جلاده

وعن الأخيار نحكيـ * ـه وعن أهل الإفادة

أن من مات محباً * فله أجر شهادة

فقال له عبد الواحد‏:‏ قم عني يا فاجر، لا حدثتك ولا حدثت أحداً من هؤلاء من أجلك‏.‏

فبلغ ذلك مالك بن أنس وإبراهيم بن أبي يحيى فقالا‏:‏ كان ينبغي أن يحدثه لعل الله أن يصلحه‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الذي أنشده أبو نواس قد رواه ابن عدي في كامله، عن ابن عباس، موقوفاً ومرفوعاً ‏(‏‏(‏من عشق فعف فكتم فمات مات شهيداً‏)‏‏)‏‏.‏

ومعناه أن من ابتلى بالعشق من غير اختيار منه فصبر، وعف عن الفاحشة، ولم يفش ذلك، فمات بسبب ذلك، حصل له أجر كثير‏.‏

فإن صح هذا كان ذلك له نوع شهادة، والله أعلم‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/250‏)‏

وروى الخطيب أيضاً أن شعبة لقي أبا نواس فقال له‏:‏ حدثنا من طرفك، فقال مرتجلاً‏:‏ حدثنا الخفاف، عن وائل وخالد الحذاء، عن جابر ومسعر، عن بعض أصحابه، يرفعه الشيخ إلى عامر قالوا جميعاً‏:‏ أيما طفلة علقها ذو خلق طاهر فواصلته ثم دامت له على وصال الحافظ الذاكر، كانت له الجنة مفتوحة يرتع في مرتعها الزاهر، وأي معشوق جفا عاشقاً بعد وصال دائم ناصر ‏!‏ ففي عذاب الله بعداً له نعم وسحقاً دائم ذاخر‏.‏

فقال له شعبة‏:‏ إنك لجميل الأخلاق، وإني لأرجو لك‏.‏

وأنشد أبو نواس أيضاً‏:‏

يا ساحر المقلتين والجيد * وقاتلي منك بالمواعيد

توعدني الوصل ثم تخلفني * ويلاي من خلفك موعودي

حدثني الأزرق المحدِّث عن * شهر وعوف عن ابن مسعود

ما يخلف الوعد غير كافرة * وكافر في الجحيم مصفود

فبلغ ذلك إسحاق بن يوسف الأزرق فقال‏:‏ كذب عدو الله عليَّ وعلى التابعين وعلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

وعن سليم بن منصور بن عمار، قال‏:‏ رأيت أبا نواس في مجلس أبي يبكي بكاءً شديداً فقلت‏:‏ إني لأرجو أن لا يعذبك الله بعد هذا البكاء فأنشأ يقول‏:‏

لم أبك في مجلس منصور * شوقاً إلى الجنة والحور

ولا من القبر وأهواله * ولا من النفخة في الصور

ولا من النار وأغلالها * ولا من الخذلان والجور

لكن بكائي لبكا شادن * تقيه نفسي كلَّ محذور

ثم قال‏:‏ إنما بكيت لبكاء هذا الأمرد الذي إلى جانب أبيك - وكان صبياً حسن الصورة يسمع الوعظ فيبكي خوفاً من الله عز وجل -‏.‏

قال أبو نواس‏:‏ دعاني يوماً بعض الحاكة وألح عليَّ ليضيفني في منزله، ولم يزل بي حتى أجبته فسار إلى منزله وسرت معه فإذا منزل لا بأس به، وقد احتفل الحائك في الطعام وجمع جمعاً من الحياك، فأكلنا وشربنا ثم قال‏:‏ يا سيدي أشتهي أن تقول في جاريتي شيئاً من الشعر - وكان مغرماً بجارية له - قال‏:‏

فقلت‏:‏ أرنيها حتى أنظم على شكلها وحسنها، فكشف عنها فإذا هي أسمج خلق الله وأوحشهم، سوداء شمطاء ديدانية يسيل لعابها على صدرها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/251‏)‏

فقلت لسيدها‏:‏ ما اسمها ‏؟‏

فقال‏:‏ تسنيم، فأنشأت أقول‏:‏

أسهر ليلي حبَّ تسنيم * جارية في الحسن كالبوم

كأنما نكهتها كامخٌ * أو حزمة من حزم الثوم

ضرطت من حبي لها ضرطة * أفزعت منها ملك الروم

قال‏:‏ فقام الحائك يرقص ويصفق سائر يومه ويفرح ويقول‏:‏ إنه شبهها والله بملك الروم‏.‏

ومن شعره أيضاً‏:‏

أبرمني الناس يقولون * بزعمهم كثرت أوزاريه

إن كنت في النار أم في جنة * ماذا عليكم يا بني الزانيه

وبالجملة فقد ذكروا له أموراً كثيرةً، ومجوناً وأشعاراً منكرة، وله في الخمريات والقاذروات والتشبب بالمردان والنسوان أشياء بشعة شنيعة، فمن الناس من يفسقه ويرميه بالفاحشة، ومنهم من يرميه بالزندقة، ومنهم من يقول‏:‏ كان إنما يخرب على نفسه، والأول أظهر، لما في أشعاره‏.‏

فأما الزندقة فبعيدة عنه، ولكن كان فيه مجون وخلاعة كثيرة‏.‏

وقد عزوا إليه في صغره وكبره أشياء منكرة الله أعلم بصحتها، والعامة تنقل عنه أشياء كثيرة لا حقيقة لها‏.‏

وفي صحن جامع دمشق قبة يفور منها الماء يقول الدماشقة‏:‏ قبة أبي نواس، وهي مبنية بعد موته بأزيد من مائة وخمسين سنة، فما أدري لأي شيء نسبت إليه، فالله أعلم بهذا‏.‏

وقال محمد بن أبي عمر‏:‏ سمعت أبا نواس، يقول‏:‏ والله ما فتحت سراويلي لحرام قط‏.‏

وقال له محمد الأمين بن الرشيد‏:‏ أنت زنديق‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين لست بزنديق وأنا أقول‏:‏

أصلي الصلاة الخمس في حين وقتها * وأشهد بالتوحيد لله خاضعا

وأحسن غسلي إن ركبت جنابة * وإن جاءني المسكين لم أك مانعا

وإني وإن حانت من الكاسِ دعوة * إلى بيعة الساقي أجبت مسارعا

وأشربها صرفاً على جنب ماعز * وجدي كثير الشحم أصبح راضعا

وجواذب حوّاري ولوز وسكر * وما زال للخمار ذلك نافعا

وأجعل تخليط الروافض كلهم * لنفخة بختيشوع في النار طائعا

فقال له الأمين‏:‏ ويحك ‏!‏ وما الذي ألجأك إلى نفخة بختيشوع ‏؟‏

فقال‏:‏ به تمت القافية‏.‏

فأمر له بجائزة‏.‏

وبختيشوع الذي ذكره هو‏:‏ طبيب الخلفاء‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/252‏)‏

وقال الجاحظ‏:‏ لا أعرف في كلام الشعراء أرق ولا أحسن من قول أبي نواس حيث يقول‏:‏

أية نار قدح القادح * وأيّ جد بلغ المازح

لله در الشيب من واعظ * وناصح لو خطئ الناصح

يأبى الفتى إلا اتباع الهوى * ومنهج الحق له واضح

فاسم بعينيك إلى نسوة * مهورهن العمل الصالح

لا يجتلي الحوراء في خدرها * إلا امرؤ ميزانه راجح

من اتقى الله فذاك الذي * سيق إليه المتجر الرابح

فاغدُ فما في الدين أغلوطة * ورح لما أنت له رائح

وقد استنشده أبو عفان قصيدته التي في أولها‏:‏ لا تنس ليلى ولا تنظر إلى هند‏.‏

فلما فرغ منها سجد له أبو عفان، فقال له أبو نواس‏:‏ والله لا أكلمك مدة‏.‏

قال‏:‏ فغمني ذلك، فلما أردت الانصراف قال‏:‏ متى أراك ‏؟‏

فقلت‏:‏ ألم تقسم ‏؟‏

فقال‏:‏ الدهر أقصر من أن يكون معه هجر‏.‏

ومن مستجاد شعره قوله‏:‏

ألا رب وجه في التراب عتيق * ويا رب حسن في التراب رقيق

ويا رب حزم في التراب ونجدة * ويا رب رأي في التراب وثيق

فقل لقريب الدار إنك ظاعن * إلى سفر نائي المحل سحيق

أرى كل حي هالكاً وابن هالك * وذا نسب في الهالكين عريق

إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت * له عن عدو في لباس صديق

وقوله‏:‏

لا تشرهنَّ فإن الذل في الشره * والعز في الحلم لا في الطيش والسَّفه

وقل لمغتبط في التيه من حمق * لو كنت تعلم ما في التيه لم تته

التيه مفسدة للدين منقصة * للعقل مهلكة للعرض فانتبه

وجلس أبو العتاهية القاسم بن إسماعيل على دكان وراق فكتب على ظهر دفتر هذه الأبيات‏:‏

أيا عجباً كيف يعصي الإلـ* ـه أم كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية * تدل على أنه الواحد

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/253‏)‏

ثم جاء أبو نواس فقرأها فقال‏:‏ أحسن قائله والله‏.‏ والله لوددت أنها لي بجميع شيء قلته، لمن هذه ‏؟‏

قيل له‏:‏ لأبي العتاهية، فأخذ فكتب في جانبها‏:‏

سبحان من خلق الخلـ *ـق من ضعف مهين

يسوقه من قرار * إلى قرار مكين

يخلق شيئاً فشيئاً * في الحجب دون العيون

حتى بدت حركات * مخلوقة في سكون

ومن شعره المستجاد قوله‏:‏

انقطعت شدتي فعفت الملاهي إذ * رمى الشَّيب مفرقي بالدواهي

ونهتني النُّهى فملت إلى العدل * وأشفقت من مقالة ناهي

أيها الغافل المقرُّ على السهو * ولا عذر في المعاد لساهي

لا بأعمالنا نطيق خلاصاً * يوم تبدو السماء فوق الجباه

على أنَّا على الإساءة والتفـ * ـريط نرجو من حسن عفو الإله

وقوله‏:‏

نموت ونبلى غير أن ذنوبنا * إذا نحن متنا لا تموت ولا تبلى

ألا ربَّ ذي عينين لا تنفعانه * وما تنفع العينان من قلبه أعمى

وقوله‏:‏

لو أن عيناً أوهمتها نفسها * يوم الحساب ممثلاً لم تطرف

سبحان ذي الملكوت أية ليلة * محقت صبيحتها بيوم الموقف

كتب الفناء على البرية ربها * فالناس بين مقدم ومخلف

وذكر أن أبا نواس لما أراد الإحرام بالحج قال‏:‏

يا مالكاً ما أعدلك مليك كل من ملك * لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك

عبدك قد أهلَّ لك أنت له حيث سلك * لولاك يا رب هلك لبيك إن الحمد لك

والملك لا شريك لك والليل لما أن حلك * والسابحات في الفلك على مجاري تنسلك

كل نبي وملك وكل من أهلَّ لك * سبح أو صلى فلك لبيك إن الحمد لك

والملك لا شريك لك يا مخطئاً ما أجهلك * عصيت رباً عدلك وأقدرك وأمهلك

عجِّل وبادر أملك واختم بخير عملك * لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك

وقال المعافى بن زكريا الحريري‏:‏ ثنا محمد بن العباس بن الوليد، سمعت أحمد بن يحيى بن ثعلب، يقول‏:‏ دخلت على أحمد بن حنبل فرأيت رجلاً تهمه نفسه لا يحب أن يكثر عليه كأن النيران قد سعرت بين يديه، فمازلت أترفق به وتوسلت إليه أني من موالي شيبان حتى كلمني‏.‏

فقال‏:‏ في أي شيء نظرت من العلوم ‏؟‏

فقلت‏:‏ في اللغة والشعر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/254‏)‏

قال‏:‏ رأيت بالبصرة جماعة يكتبون عن رجل الشعر، قيل لي‏:‏ هذا أبو نواس‏.‏

فتخللت الناس ورائي فلما جلست إليه أملى علينا‏:‏

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل * خلوت ولكن في الخلاء رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة * ولا آثماً يخفى عليه يغيب

لهونا عن الآثام حتى تتابعت * ذنوب على آثارهن ذنوب

فياليت أن الله يغفر ما مضى * ويأذن في توباتنا فنتوب

وزاد بعضهم في رواية عن أبي نواس بعد هذه الأبيات‏:‏

أقول إذا ضاقت عليَّ مذاهبي * وحلت بقلبي للهموم ندوب

لطول جناياتي وعظم خطيئتي * هلكت ومالي في المتاعب نصيب

واغرق في بحر المخافة آيساً * وترجع نفسي تارة فتتوب

وتذكرني عفو الكريم عن الورى * فأحيا وأرجو عفوه فأنيب

وأخضع في قولي وأرغب سائلاً * عسى كاشف البلوى عليَّ يتوب

قال ابن طراز الجريري‏:‏ وقد رويت هذه الأبيات لمن ‏؟‏

قيل‏:‏ لأبي نواس، وهي في زهدياته‏.‏

وقد استشهد بها النحاة في أماكن كثيرة قد ذكرناها‏.‏

وقال حسن بن الداية‏:‏ دخلت على أبي نواس وهو في مرض الموت فقلت‏:‏ عظني‏.‏

فأنشأ يقول‏:‏

فكثِّر ما استطعت من الخطايا * فإنك لاقياً رباً غفورا

ستبصر إن وردت عليه عفواً * وتلقى سيداً ملكاً قديرا

تعض ندامة كفيك مما * تركت مخافة النار الشرورا

فقلت‏:‏ ويحك ‏!‏ بمثل هذا الحال تعظني بهذه الموعظة ‏؟‏

فقال‏:‏ اسكت، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال‏:‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي‏)‏‏)‏‏.‏

وقد تقدم بهذا الإسناد عنه‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الربيع وغيره‏:‏ عن الشافعي، قال‏:‏ دخلنا على أبي نواس في اليوم الذي مات فيه وهو يجود بنفسه، فقلنا‏:‏ ما أعددت لهذا اليوم‏؟‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/255‏)‏

فأنشأ يقول‏:‏

تعاظمني ذنبي فلما قرنته * بعفوك ربي كان عفوك أعظما

ومازلت ذا عفو عن الذنب لم تزل * تجود وتعفو منَّة وتكرُّما

ولولاك لم يقدر لإبليس عابد * وكيف وقد أغوى صفيك آدما

رواه ابن عساكر‏.‏

وروى أنهم وجدوا عند رأسه رقعه مكتوباً فيها بخطه‏:‏

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة * فلقد علمت بأن عفوك أعظم

أدعوك ربي كما أمرت تضرعاً * فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم

إن كان لا يرجوك إلا محسن * فمن الذي يرجو المسيء المجرم

مالي إليك وسيلة إلا الرجا * وجميل عفوك ثم أني مسلم

وقال يوسف بن الداية‏:‏ دخلت عليه وهو في السياق‏.‏

فقلت‏:‏ كيف تجدك ‏؟‏

فأطرق ملياً ثم رفع رأسه فقال‏:‏

دب في الفناء سفلاً وعلواً * وأراني أموت عضواً فعضواً

ليس يمضي من لحظة بي إلا * نقصتني بمرها في جزواً

ذهبت جدتي بلذة عيشي * وتذكرت طاعة الله نضواً

قد أسأنا كل الإساءة فاللـ * ـهم صفحاً عنَّا وغفراً وعفواً

ثم مات من ساعته سامحنا الله وإياه آمين‏.‏

وقد كان نقش خاتمه‏:‏ لا إله إلا الله مخلصاً، فأوصى أن يجعل في فمه إذا غسلوه ففعلوا به ذلك‏.‏

ولما مات لم يجدوا له من المال سوى ثلثمائة درهم وثيابه وأثاثه، وقد كانت وفاته في هذه السنة ببغداد ودفن في مقابر الشونيزي في تل اليهود‏.‏

وله خمسون سنة‏.‏

وقيل‏:‏ ستون سنة‏.‏

وقيل‏:‏ تسع وخمسون سنة‏.‏

وقد رآه بعض أصحابه في المنام فقال له‏:‏ ما فعل الله بك ‏؟‏

فقال‏:‏ غفر لي بأبيات قلتها في النرجس‏:‏

تفكر في نبات الأرض وانظر * إلى آثار ما صنع المليك

عيون من لجين شاخصات * بأبصار هي الذهب السبيك

على قضب الزبرجد شاهدات * بأن الله ليس له شريك

وفي رواية عنه أنه قال‏:‏ غفر لي بأبيات قلتها وهي تحت وسادتي فجاؤوا فوجدوها برقعة في خطه‏:‏

يا رب إن عظمت ذنوبي كثيرة * فلقد علمت أن عفوك أعظم

الأبيات‏.‏ وقد تقدمت‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/256‏)‏

وفي رواية لابن عساكر قال بعضهم‏:‏ رأيته في المنام في هيئة حسنة ونعمة عظيمة فقلت له‏:‏ ما فعل الله بك ‏؟‏

قال‏:‏ غفر لي‏.‏

قلت‏:‏ بماذا وقد كنت مخلطاً على نفسك ‏؟‏

فقال‏:‏ جاء ذات ليلة رجل صالح إلى المقابر فبسط رداءه وصلى ركعتين قرأ فيها ألفي قل هو الله أحد، ثم أهدى ثواب ذلك لأهل تلك المقابر فدخلت أنا في جملتهم، فغفر الله لي‏.‏

وقال ابن خلكان‏:‏ أول شعر قاله أبو نواس لما صحب أبا أسامة والبة بن الحباب‏:‏

حامل الهوى تعب يستخفه الطرب * إن بكى يحق له ليس ما به لعب

تضحكين لاهية والمحب ينتحب * تعجبين من سقمي صحتي هي العجب

وقال المأمون‏:‏ ما أحسن قوله‏:‏

وما الناس إلا هالك وابن هالك * وذو نسب في الهالكين عريق

إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت * له عن عدو في لباس صديق

قال ابن خلكان‏:‏ وما أشد رجاءه بربه حيث يقول‏:‏

تحمل ما استطعت من الخطايا * فإنك لاقياً رباً غفورا

ستبصر إن قدمت عليه عفواً * وتلقى سيداً ملكاً كبيرا

تعض ندامة كفيك مما * تركت مخافة النار الشرورا

 ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائة

 فيها توفي‏:‏

أبو معاوية الضرير، أحد مشايخ الحديث الثقات المشهورين‏.‏

والوليد بن مسلم الدمشقي، تلميذ الأوزاعي‏.‏

وفيها‏:‏ حبس الأمين أسد بن يزيد لأجل أنه نقم على الأمين لعبه وتهاونه في أمر الرعية، وارتكابه للصيد وغيره في هذا الوقت‏.‏

وفيها‏:‏ وجه الأمين أحمد بن يزيد وعبد الله بن حميد بن قحطبة في أربعين ألفاً إلى حلوان لقتال طاهر بن الحسين من جهة المأمون، فلما وصلوا إلى قريب من حلوان خندق طاهر على جيشه خندقاً، وجعل يعمل الحيلة في إيقاع الفتنة بين الأميرين، فاختلفا فرجعا ولم يقاتلاه، ودخل طاهر إلى حلوان وجاءه كتاب المأمون بتسليم ما تحت يده إلى هرثمة بن أعين، وأن يتوجه هو إلى الأهواز، ففعل ذلك‏.‏

وفيها‏:‏ رفع المأمون وزيره الفضل بن سهل وولاه أعمالاً كباراً وسماه‏:‏ ذا الرياستين‏.‏

وفيها‏:‏ ولي الأمين نيابة الشام لعبد الملك بن صالح بن علي - وقد كان أخرجه من سجن الرشيد - وأمره أن يبعث له رجالاً وجنوداً لقتال طاهر وهرثمة‏.‏

فلما وصل إلى الرقة أقام بها، وكتب إلى رؤساء الشام يتألفهم ويدعوهم إلى الطاعة، فقدم عليه منهم خلق كثير، ثم وقعت حروب كان مبدؤها من أهل حمص، وتفاقم الأمر وطال القتال بين الناس، ومات عبد الملك بن صالح هنالك، فرجع الجيش إلى بغداد صحبة الحسين بن علي بن ماهان، فتلقاه أهل بغداد بالإكرام، وذلك في شهر رجب من هذه السنة‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/257‏)‏

فلما وصل جاء رسول الأمين يطلبه فقال‏:‏ والله ما أنا بمسامر ولا مضحك، ولا وليت له عملاً، ولا جبى على يدي مالاً، فلماذا يطلبني في هذه الليلة ‏؟‏‏.‏

سبب خلع الأمين وكيف أفضت الخلافة إلى أخيه المأمون

لما أصبح الحسين بن علي بن ماهان ولم يذهب إلى الأمين لما طلبه، وذلك بعد مقدمه بالجيش من الشام، قام في الناس خطيباً وألَّبهم على الأمين، وذكر لعبه وما يتعاطاه من اللهو وغير ذلك من المعاصي، وأنه لا تصلح الخلافة لمن هذا حاله، وأنه يريد أن يوقع البأس بين الناس، ثم حثهم على القيام عليه والنهوض إليه، وندبهم لذلك، فالتف عليه خلق كثير وجم غفير‏.‏

وبعث محمد الأمين إليه خيلاً فاقتتلوا ملياً من النهار، فأمر الحسين أصحابه بالترجل إلى الأرض وأن يقاتلوا بالسيف والرماح، فانهزم جيش الأمين وخلعه وأخذ البيعة لعبد الله المأمون، وذلك يوم الأحد الحادي عشر من شهر رجب من هذه السنة‏.‏

ولما كان يوم الثلاثاء نقل الأمين من قصره إلى قصر أبي جعفر وسط بغداد، وضيق عليه وقيده واضطهده، وأمر العباس بن عيسى بن موسى أمه زبيدة أن تنتقل إلى هناك فامتنعت فضربها بالسوط وقهرها على الانتقال فانتقلت مع أولادها‏.‏

فلما أصبح الناس يوم الأربعاء طلبوا من الحسين بن علي أعطياتهم واختلفوا عليه وصار أهل بغداد فرقتين‏:‏ فرقة مع الأمين، وفرقة عليه‏.‏

فاقتتلوا قتالاً شديداً فغلب حزب الخليفة أولئك، وأسروا الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان وقيدوه ودخلوا به على الخليفة ففكوا عنه قيوده وأجلسوه على سريره، فعند ذلك أمر الخليفة من لم يكن معه سلاح من العامة أن يعطى سلاحاً من الخزائن، فانتهب الناس الخزائن التي فيها السلاح بسبب ذلك‏.‏

وأمر الأمين فأتي بالحسين بن علي بن عيسى فلامه على ما صدر منه فاعتذر إليه بأن عفو الخليفة حمله على ذلك، فعفا عنه وخلع عليه واستوزره وأعطاه الخاتم وولاه ما وراء بابه، وولاه الحرب وسيَّره إلى حلوان‏.‏

فلما وصل إلى الجسر هرب في حاشيته وخدمه فبعث إليه الأمين من يرده، فركبت الخيول وراءه فأدركوه فقاتلهم وقاتلوه فقتلوه لمنتصف رجب وجاؤوا برأسه إلى الأمين، وجدد الناس البيعة للأمين يوم الجمعة‏.‏

ولما قتل الحسين بن علي بن عيسى هرب الفضل بن الربيع الحاجب، واستحوذ طاهر بن الحسين على أكثر البلاد للمأمون، واستناب بها النواب، وخلع أكثر أهل الأقاليم الأمين وبايعوا المأمون، ودنا طاهر إلى المدائن فأخذها مع واسط وأعمالها، واستناب من جهته على الحجاز واليمن والجزيرة والموصل وغير ذلك، ولم يبق مع الأمين من البلاد إلا القليل‏.‏

وفي شعبان منها‏:‏ عقد الأمين أربعمائة لواء مع كل لواء أمير، وبعثهم لقتال هرثمة، فالتقوا في شهر رمضان فكسرهم هرثمة وأسر مقدمهم علي بن محمد بن عيسى بن نهيك، وبعث به إلى المأمون‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/258‏)‏

وهرب جماعة من جند طاهر فساروا إلى الأمين فأعطاهم أموالاً كثيرةً، وأكرمهم وغلف لحاهم بالغالية فسموا‏:‏ جيش الغالية‏.‏

ثم ندبهم الأمين وأرسل معهم جيشاً كثيفاً لقتال طاهر فهزمهم طاهر وفرق شملهم، وأخذ ما كان معهم‏.‏

واقترب طاهر من بغداد فحاصرها وبعث القصاد والجواسيس يلقون الفتنة بين الجند حتى تفرقوا شيعاً، ثم وقع بين الجيش وتشعبت الأصاغر على الأكابر واختلفوا على الأمين في سادس ذي الحجة، فقال بعض البغاددة‏:‏

قل لأمين الله في نفسه * ما شتت الجند سوى الغاليه

وطاهر نفسي فدا طاهر * برسله والعدة الكافيه

أضحى زمام الملك في كفه * مقاتلاً للفئة الباغيه

يا ناكثاً أسلمه نكثه * عيوبه في خبثه فاشيه

قد جاءك الليث بشدَّاته * مستكلباً في أسد ضاريه

فاهرب ولا مهرب من مثله * إلا إلى النار أو الهاويه

فتفرق على الأمين شمله، وحار في أمره، وجاء طاهر بن الحسين بجيوشه فنزل على باب الأنبار يوم الثلاثاء لثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، واشتد الحال على أهل البلد وأخاف الدعارُ والشطارُ أهل الصلاح، وخربت الديار، وثارت الفتنة بين الناس، حتى قاتل الأخ أخاه للأهواء المختلفة، والابن أباه، وجرت شرور عظيمة، واختلفت الأهواء وكثر الفساد والقتل داخل البلد‏.‏

وحج بالناس فيها العباس بن موسى بن عيسى الهاشمي من قبل طاهر، ودعا للمأمون بالخلافة بمكة والمدينة، وهو أول موسم دعي فيه للمأمون‏.‏

وفيها توفي‏:‏

بقية بن الوليد الحمصي، إمام أهل حمص وفقيهها ومحدثها‏.‏

وحفص بن غياث القاضي

عاش فوق التسعين، ولما احتضر بكى بعض أصحابه فقال له‏:‏ لا تبك ‏!‏ والله ما حللت سراويلي على حرام قط، ولا جلس بين يدي خصمان فباليت على من وقع الحكم عليه منهما، قريباً كان أو بعيداً، ملكاً أو سوقة‏.‏

وعبد الله بن مرزوق

أبو محمد الزاهد، كان وزيراً للرشيد فترك ذلك كله وتزهَّد، وأوصى عند موته أن يطرح قبل موته على مزبلة لعل الله أن يرحمه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/259‏)‏

أبو شيص

الشاعر، محمد بن زريق بن سليمان، كان أستاذ الشعراء، وإنشاء الشعر ونظمه أسهل عليه من شرب الماء، كذا قال ابن خلكان وغيره‏.‏

وكان هو وأبو مسلم بن الوليد - الملقب‏:‏ صريع الغواني - وأبو نواس ودعبل يجتمعون ويتناشدون‏.‏

وقد عمي أبو الشيص في آخر عمره، ومن جيد شعره قوله‏:‏

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي * متأخر عنه ولا متقدم

أجد الملامة في هواك لذيذة * حباً لذكرك فليلمني اللوَّم

أشبهت أعدائي فصرت أحبهم * إذ كان حظي منك حظي منهم

وأهنتني فأهنت نفسي صاغراً * ما منْ يهون عليك ممن تكرم