فصل: سنة ثنتين وعشرين وثلاثمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين وثلاثمائة

فيها‏:‏ قصد ملك الروم ملطية في خمسين ألفاً فحاصرهم، ثم أعطاهم الأمان حتى تمكن منهم، فقتل منهم خلقاً كثيراً وأسر ما لا يحصون كثرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وفيها‏:‏ وردت الأخبار أن مردوايج قد تسلم أصبهان وانتزعها من علي بن بويه، وأن علي بن بويه توجه إلى أرجان فأخذها، وقد أرسل ابن بويه إلى الخليفة بالطاعة والمعونة، ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 201‏)‏ وإن أمكن أن يقبل العتبة الشريفة ويحضر بين يدي الخليفة إن رسم، ويذهب إلى شيراز فيكون مع ابن ياقوت‏.‏

ثم اتفق الحال بعد ذلك أن صار إلى شيراز وأخذها من نائبها ابن ياقوت بعد قتالٍ عظيم، ظفر فيه ابن بويه بابن ياقوت وأصحابه، فقتل منهم خلقاً وأسر جماعة، فلما تمكن أطلقهم وأحسن إليهم وخلع عليهم، وعدل في الناس‏.‏

وكانت معه أموال كثيرة قد استفادها من أصبهان والكرج وهمذان وغيرها‏.‏

وكان كريماً جواداً معطياً للجيوش الذين قد التفوا عليه، ثم إنه أملق في بعض الأحيان وهو بشيراز، وطالبه الجند بأرزاقهم وخاف أن ينحل نظام أمره وملكه، فاستلقى على قفاه يوماً مفكراً في أمره، وإذا حية قد خرجت من شق في سقف المكان الذي هو فيه ودخلت في آخر، فأمر بنزع تلك السقوف، فوجد هناك مكاناً فيه شيء كثير من الذهب، نحو خمسمائة ألف دينار، فأنفق في جيشه ما أراد، وبقي عنده شيء كثير‏.‏

وركب ذات يوم يتفرج في جوانب البلد وينظر إلى ما بنته الأوائل، ويتعظ بمن كان فيه قبله، فانخسفت الأرض من تحت قوائم فرسه، فأمر فحفر هنالك فوجد من الأموال شيئاً كثيراً أيضاً‏.‏

واستعمل عند رجل خياط قماشاً ليلبسه فاستبطأه فأمر بإحضاره، فلما وقف بين يديه تهدده - وكان الخياط أصم لا يسمع جيداً - فقال‏:‏ والله أيها الملك ما لابن ياقوت عندي سوى اثنا عشر صندوقاً لا أدري ما فيها‏.‏

فأمر بإحضارها فإذا فيها أموال عظيمة تقارب ثلاثمائة ألف دينار، واطلع على ودائع كانت ليعقوب بن الليث، فيها من الأموال ما لا يحد ولا يوصف كثرة، فقوي أمره وعظم سلطانه جداً‏.‏

وهذا كله من الأمور المقدرة لما يريد الله بهم من السعادة الدنيوية، بعد الجوع والقلة ‏{‏وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 68‏]‏‏.‏

وكتب إلى الراضي ووزيره ابن مقلة‏:‏ أن يقاطع على ما قبله من البلاد على ألف ألف في كل سنة، فأجابه الراضي إلى ذلك، وبعث إليه بالخلع واللواء وأبهة الملك‏.‏

وفيها‏:‏ قتل القاهر أميرين كبيرين، وهما‏:‏ إسحاق بن إسماعيل النوبختي، وهو الذي كان قد أشار على الأمراء بخلافة القاهر‏.‏

وأبا السرايا بن حمدان أصغر ولد أبيه، وكان في نفس القاهر منهما بسبب أنهما زايداه من قبل أن يلي الخلافة في جاريتين مغنيتين‏.‏

فاستدعاهما إلى المسامرة فتطيبا وحضرا، فأمر بإلقائهما في جب هناك فتضرعا إليه فلم يرحمهما، بل ألقيا فيها وطم عليهما‏.‏

 ذكر خلع القاهر وسمل عينيه وعذابه

وكان سبب ذلك‏:‏ أن الوزير علي بن مقلة كان قد هرب حين قبض على مؤنس كما تقدم، فاختفى في داره، وكان يراسل الجند ويكاتبهم ويغريهم بالقاهر، ويخوفهم سطوته وإقدامه وسرعة بطشه، ويخبرهم بأن القاهر قد أعد لأكابر الأمراء أماكن في دار الخلافة يسجنهم فيها، ومهالك يلقيهم فيها، كما فعل بفلان وفلان فهيجهم ذلك على القبض على القاهر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 202‏)‏

فاجتمعوا وأجمعوا رأيهم على مناجزته في هذه الساعة، فركبوا مع الأمير المعروف‏:‏ بسيما، وقصدوا دار الخلافة فأحاطوا بها، ثم هجموا عليه من سائر أبوابها وهو مخمور، فاختفى في سطح حمام فظهروا عليه فقبضوا عليه وحبسوه في مكان طريف اليشكري، وأخرجوا طريفاً من السجن، وخرج الوزير الخصيبي مستتراً في زي امرأة، فذهب‏.‏

واضطربت بغداد ونهبت، وذلك يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الأولى فيها، في الشهر الذي ماتت فيه شغب‏.‏

فلم يكن بين موتها والقبض عليه وسمل عينيه وعذابه بأنواع العقوبات إلا مقدار سنة واحدة، وانتقم الله منه‏.‏

ثم أمروا بإحضاره، فلما حضر سملوا عينيه حتى سالتا على خديه، وارتكب منه أمر عظيم لم يسمع مثله في الإسلام، ثم أرسلوه‏.‏

وكان تارة يحبس وتارة يخلى سبيله‏.‏

وقد تأخر موته إلى سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة‏.‏

وافتقر حتى قام يوماً بجامع المنصور فسأل الناس فأعطاه رجل خمسمائة دينار‏.‏

ويقال‏:‏ إنما أراد بسؤاله التشنيع عليهم‏.‏

وسنذكر ترجمته إذا ذكرنا وفاته‏.‏

 خلافة الراضي بالله أبي العباس محمد بن المقتدر بالله

لما خلعت الجند القاهر وسملوا عينيه أحضروا أبا العباس محمد بن المقتدر بالله فبايعوه بالخلافة، ولقبوه‏:‏ الراضي بالله‏.‏

وقد أشار أبو بكر الصولي بأن يلقب‏:‏ بالمرضي بالله، فلم يقبلوا، وذلك يوم الأربعاء لست خلون من جمادى الأولى منها‏.‏

وجاؤوا بالقاهر وهو أعمى قد سملت عيناه فأوقف بين يديه، فسلم عليه بالخلافة وسلمها إليه، فقام الراضي بأعبائها، وكان من خيار الخلفاء على ما سنذكره‏.‏

وأمر بإحضار أبي علي بن مقلة فولاه الوزارة، وجعل علي بن عيسى ناظراً معه، وأطلق كل من كان في حبس القاهر، واستدعى عيسى طبيب القاهر فصادره بمائتي ألف دينار، وتسلم منه الوديعة التي كان القاهر أودعه إياها، وكانت جملة مستكثرة من الذهب والفضة والجواهر النفيسة‏.‏

وفيها‏:‏ عظم أمر مرداويج بأصبهان وتحدث الناس أنه يريد أخذ بغداد، وأنه ممالئ لصاحب البحرين أمير القرامطة، وقد اتفقا على رد الدولة من العرب إلى العجم، وأساء السيرة في رعيته، لا سيما في خواصه‏.‏

فتمالؤا عليه فقتلوه، وكان القائم بأعباء قتله أخص مماليكه وهو بجكم بيض الله وجهه، وبجكم هذا هو الذي استنقذ الحجر الأسود من أيدي القرامطة حتى ردوه، واشتراه منهم بخميس ألف دينار‏.‏

ولما قتل الأمير بجكم مرداويج عظم أمر علي بن بويه، وارتفع قدره بين الناس، وسيأتي ما آل إليه حاله‏.‏

ولما خلع القاهر وولي الراضي، طمع هارون بن غريب في الخلافة، لكونه ابن خال المقتدر، وكان نائباً على ماه، والكوفة، والدينور، وما سبذان، فدعا إلى نفسه واتبعه خلقٌ كثير من الجند والأمراء، وجبى الأموال واستفحل أمره وقويت شوكته، وقصد بغداد فخرج إليه محمد بن ياقوت رأس الحجبة بجميع جند بغداد فاقتتلوا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 203‏)‏

فخرج في بعض الأيام هارون بن غريب يتقصد لعله يعمل حيلة في أسر محمد بن ياقوت فتقنطر به فرسه، فألقاه في نهر فضربه غلامه حتى قتله، وأخذ رأسه حتى جاء به إلى محمد بن ياقوت، وانهزم أصحابه ورجع ابن ياقوت فدخل بغداد ورأس هارون بن غريب يحمل على رمح، ففرح الناس بذلك، وكان يوماً مشهوداً‏.‏

وفيها‏:‏ ظهر ببغداد رجل يعرف بأبي جعفر بن علي الشلمغاني، ويقال له‏:‏ ابن العرافة، فذكروا عنه أنه يدعي ما كان يدعيه الحلاج من الإلهية، وكانوا قد قبضوا عليه في دولة المقتدر عند حامد بن العباس، واتهم بأنه يقول بالتناسخ فأنكر ذلك‏.‏

ولما كانت هذه المرة أحضره الراضي، وادعى عليه بما كان ذكر عنه، فأنكر ثم أقر بأشياء، فأفتى قوم أن دمه حلال إلا أن يتوب من هذه المقالة، فأبى أن يتوب، فضرب ثمانين سوطاً، ثم ضربت عنقه وألحق بالحلاج، وقتل معه صاحبه ابن أبي عون لعنه الله‏.‏

وكان هذا اللعين من جملة من اتبعه وصدقه فيما يزعمه من الكفر‏.‏

وقد بسط ابن الأثير في ‏(‏كامله‏)‏ مذهب هؤلاء الكفرة بسطاً جيداً، وشبه مذهبهم بمذهب النصيرية‏.‏

وادعى رجل آخر ببلاد الشاش النبوة وأظهر المخاريق وأشياء كثيرة من الحيل، فجاءته الجيوش فقاتلوه، وانطفأ أمره‏.‏

 وفاة المهدي صاحب أفريقية

وفيها‏:‏ كان موت المهدي صاحب إفريقية أول خلفاء الفاطميين الأدعياء الكذبة، وهو‏:‏ أبو محمد عبيد الله المدعي أنه علوي، وتلقب بالمهدي، وبنى المهدية ومات بها عن ثلاث وستين سنة، وكانت ولايته - منذ دخل رقادة وادعى الإمامة - أربعاً وعشرين سنة وشهراً وعشرين يوماً‏.‏

وقد كان شهماً شجاعاً، ظفر بجماعة ممن خالفه وناوأه وقاتله وعاداه، فلما مات قام بأمر الخلافة من بعده ولده أبو القاسم الملقب‏:‏ بالخليفة القائم بأمر الله‏.‏

وحين توفي أبوه كتم موته سنة حتى دبر ما أراده من الأمور، ثم أظهر ذلك وعزاه الناس فيه، وقد كان كأبيه شهماً شجاعاً‏:‏ فتح البلاد، وأرسل السرايا إلى بلاد الروم، ورام أخذ الديار المصرية فلم يتفق له ذلك، وإنما أخذ الديار المصرية ابن ابنه المعز الفاطمي باني القاهرة المعزية، كما سنذكره إن شاء الله‏.‏

قال ابن خلكان في ‏(‏الوفيات‏)‏‏:‏ وقد اختلف في نسب المهدي هذا اختلافاً كثيراً جداً، فقال صاحب ‏(‏تاريخ القيروان‏)‏‏:‏ هو عبيد الله بن الحسن بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب‏.‏

وقال غيره‏:‏ هو عبيد الله بن التقي وهو الحسين بن الوفي بن أحمد بن الرضي، وهو عبد الله هذا، وهو ابن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 204‏)‏

وقيل غير ذلك في نسبه‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ والمحققون ينكرون دعواه في النسب‏.‏

قلت‏:‏ قد كتب غير واحد من الأئمة منهم الشيخ أبو حامد الأسفراييني، والقاضي الباقلاني، والقدوري، أن هؤلاء أدعياء ليس لهم نسب صحيح فيما يزعمونه، وأن والد عبيد الله المهدي هذا كان يهودياً صباغاً بسلمية‏.‏

وقيل‏:‏ كان اسمه سعد، وإنما لقب بعبيد الله زوج أمه الحسين بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن ميمون القداح، وسمي‏:‏ القداح، لأنه كان كحالاً يقدح العيون‏.‏

وكان الذي وطأ له الأمر بتلك البلاد أبو عبد الله الشيعي، كما قدمنا ذلك‏.‏

ثم استدعاه فلما قدم عليه من بلاد المشرق وقع في يد صاحب سجلماسة فسجنه، فلم يزل الشيعي يحتال له حتى استنقذه من يده وسلم إليه الأمر، ثم ندم الشيعي على تسليمه الأمر وأراد قتله، ففطن عبيد الله لما أراد به، فأرسل إلى الشيعي من قتله وقتل أخاه معه‏.‏

ويقال‏:‏ إن الشيعي لما دخل السجن الذي قد حبس فيه عبيد الله هذا وجد صاحب سجلماسة قد قتله، ووجد في السجن رجلاً مجهولاً محبوساً فأخرجه إلى الناس، لأنه كان قد أخبر الناس أن المهدي كان محبوساً في سجلماسة وأنه إنما يقاتل عليه، فقال للناس‏:‏ هذا هو المهدي - وكان قد أوصاه أن لا يتكلم إلا بما يأمره به وإلا قتله - فراج أمره‏.‏

فهذه قصته‏.‏

وهؤلاء من سلالته، والله أعلم‏.‏

وكان مولد المهدي هذا في سنة ستين ومائتين، وقيل‏:‏ قبلها، وقيل‏:‏ بعدها، بسلمية، وقيل‏:‏ بالكوفة، والله أعلم‏.‏

وأول ما دعي له على منابر رقادة والقيروان يوم الجمعة لسبع بقين من ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومائتين، بعد رجوعه من سجلماسة، وكان ظهوره بها في ذي الحجة من السنة الماضية - سنة ست وتسعين ومائتين - فلما ظهر زالت دولة بني العباس عن تلك الناحية من هذا الحين إلى أن ملك العاضد في سنة سبع وستين وخمسمائة‏.‏

توفي بالمدينة المهدية التي بناها في أيامه للنصف من ربيع الأول منها، وقد جاوز الستين على المشهور، وسيفصل الله بين الآمر والمأمور يوم البعث والنشور‏.‏

وفيها توفي من الأعيان‏:‏ أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري قاضي مصر‏.‏

حدث عن أبيه بكتبه المشهورة، وتوفي وهو قاض بالديار المصرية في ربيع الأول منها‏.‏

 محمد بن أحمد بن القاسم أبو علي الروذباري

وقيل‏:‏ اسمه أحمد بن محمد، ويقال‏:‏ الحسين بن الهمام، والصحيح الأول‏.‏

أصله من بغداد وسكن مصر، وكان من أبناء الرؤوساء والوزراء والكتبة، وصحب الجنيد وسمع الحديث وحفظ منه كثيراً، وتفقه بإبراهيم الحربي، وأخذ النحو عن ثعلب، وكان كثير الصدقة والبر للفقراء، وكان إذا أعطى الفقير شيئاً جعله في كفه تحت يد الفقير، ثم يتناوله الفقير، يريد أن لا تكون يد الفقير تحت يديه‏.‏

قال أبو نعيم‏:‏ سئل أبو علي الروذباري عمن يسمع الملاهي ويقول‏:‏ إنه وصل إلى منزلة لا يؤثر فيه اختلاف الأحوال‏.‏

فقال‏:‏ نعم وصل، ولكن إلى سقر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 205‏)‏

وقال‏:‏ الإشارة الإبانة، لما تضمنه الوجد من المشار إليه لا غير، وفي الحقيقة أن الإشارة تصححها العلل، والعلل بعيدة من غير الحقائق‏.‏

وقال‏:‏ من الاغترار أن تسيء فيحسن إليك، فتترك الإنابة والتوبة توهماً أنك تسامح في الهفوات، وترى أن ذلك من بسط الحق لك‏.‏

وقال‏:‏ تشوقت القلوب إلى مشاهدة ذات الحق، فألقيت إليها الأسامي، فركنت إليها مشغوفة بها عن الذات إلى أوان التجلي، فذلك قوله‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 180‏]‏ فوقفوا معها عن إدراك الحقائق، فأظهر الأسامي وأبراها للخلق، لتسكين شوق المحبين إليه، وتأنيس قلوب العارفين به‏.‏

وقال‏:‏ لا رضى لمن لا يصبر، ولا كمال لمن لا يشكر‏.‏

وبالله وصل العارفون إلى محبته وشكروه على نعمته‏.‏

وقال‏:‏ إن المشتاقين إلى الله يجدون حلاوة الشوق عند ورود المكاشف لهم عن روح الوصال إلى قربه أحلى من الشهد‏.‏

وقال‏:‏ من رزق ثلاثة أشياء فقد سلم من الآفات‏:‏ بطن جائع معه قلب قانع، وفقر دائم معه زهد حاضر، وصبر كامل معه قناعة دائمة‏.‏

وقال‏:‏ في اكتساب الدنيا مذلة النفوس، وفي اكتساب الآخرة عزها فيا عجباً لمن يختار المذلة في طلب ما يفنى على العز في طلب ما يبقى‏.‏

ومن شعره‏:‏

لو مضى الكل مني لم يكن عجباً * وإنما عجبي في البعض كيف بقي

أدرك بقية روح منك قد تلفت * قبل الفراق فهذا آخر الرمق

 محمد بن إسماعيل

المعروف‏:‏ بخير النساج أبو الحسن الصوفي، من كبار المشايخ ذوي الأحوال الصالحة، والكرامات المشهورة‏.‏

أدرك سرياً السقطي وغيره من مشايخ القوم، وعاش مائة وعشرين سنة‏.‏

ولما حضرته الوفاة نظر إلى زاوية البيت، فقال‏:‏ قف رحمك الله، فإنك عبد مأمور وأنا عبد مأمور، وما أمرت به لا يفوت وما أمرت به يفوت‏.‏

ثم قام وتوضأ وصلى وتمدد ومات رحمه الله تعالى‏.‏

وقد رآه بعضهم في المنام فقال له‏:‏ ما فعل الله بك‏؟‏

فقال‏:‏ استرحنا من دنياكم الوخيمة‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة

فيها‏:‏ أحضر ابن شنبوذ المقري فأنكر عليه جماعة من الفقهاء والقراء حروفاً انفرد بها، فاعترف ببعضها وأنكر بعضها، فاستتيب من ذلك واستكتب خطه بالرجوع عما نقم عليه، وضرب سبع درر بإشارة الوزير أبي علي بن مقلة، ونفي إلى البصرة‏.‏

فدعا على الوزير أن تقطع يده، ويشتت شمله، فكان ذلك عما قريب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 206‏)‏

وفي جمادى الآخرة نادى ابن الحرسي صاحب الشرطة في الجانبين من بغداد‏:‏ أن لا يجتمع اثنان من أصحاب أبي محمد البربهاري الواعظ الحنبلي‏.‏

وحبس من أصحابه جماعة، واستتر ابن البربهاري فلم يظهر مدة‏.‏

قال ابن الجوزي في ‏(‏المنتظم‏)‏‏:‏ وفي شهر أيار تكاثفت الغيوم واشتد الحر جداً، فلما كان آخر يوم منه - وهو الخامس والعشرين من جمادى الآخرة منها - هاجت ريح شديدة جداً، وأظلمت الأرض واسودت إلى بعد العصر، ثم خفت ثم عادت إلى بعد عشاء الآخرة‏.‏

وفيها‏:‏ استبطأ الأجناد أرزاقهم فقصدوا دار الوزير أبي علي بن مقلة فنقبوها وأخذوا ما فيها‏.‏

ووقع حريق عظيم في طريق الموازين، فاحترق الناس شيء كثير، فعوض عليهم الراضي بعض ما كان ذهب لهم‏.‏

وفي رمضان اجتمع جماعة من الأمراء على بيعة جعفر بن المكتفي، فظهر الوزير على أمرهم فحبس جعفراً ونهبت داره، وحبس جماعة ممن كان بايعه، وانطفأت ناره‏.‏

وخرج الحجاج في غفارة الأمير لؤلؤ، فاعترضهم أبو طاهر القرمطي فقتل أكثرهم، ورجع من انهزم منهم إلى بغداد، وبطل الحج في هذه السنة من طريق العراق‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وفيها تساقطت كواكب كثيرة ببغداد والكوفة على صورة لم ير مثلها، ولا ما يقاربها، وغلا السعر في هذه السنة حتى بيع الكر من الحنظة بمائة وعشرين ديناراً‏.‏

وفيها‏:‏ على الصحيح كان مقتل مرداويج بن زياد الديلمي، وكان قبحه الله سيء السيرة والسريرة، يزعم أن روح سليمان بن داود حلت فيه، وله سرير من ذهب يجلس عليه والأتراك بين يديه، ويزعم أنهم الجن الذين سخروا لسليمان بن داود‏.‏

وكان يسيء المعاملة لجنده، ويحتقرهم غاية الاحتقار، فما زال ذلك دأبه حتى أمكنهم الله منه فقتلوه شر قتلة في حمام، وكان الذي مالأ على قتله غلامه بجكم التركي‏.‏

وكان ركن الدولة بن بويه رهينة عنده فأطلق لما قتل، فذهب إلى أخيه عماد الدولة، وذهبت طائفة من الأتراك معه إلى أخيه، والتفت طائفة منهم على بجكم فسار بهم إلى بغداد بإذن الخليفة له في ذلك، ثم صرفوا إلى البصرة فكانوا بها‏.‏

وأما الديلم فإنهم بعثوا إلى أخي مرداويج وهو وشمكير، فلما قدم عليهم تلقوه إلى أثناء الطريق حفاة مشاة فملكوه عليهم لئلا يذهب ملكهم، فانتدب إلى محاربته الملك السعيد نصر بن أحمد الساماني نائب خراسان وما وراء النهر، وما والاها من تلك البلاد والأقاليم، فانتزع منه بلدانا هائلة‏.‏

وفيها‏:‏ بعث القائم بأمر الله الفاطمي جيشاً من إفريقية في البحر إلى ناحية الفرنج فافتتحوا مدينة جنوه، وغنموا غنائم كثيرة وثروة‏.‏

ورجعوا سالمين غانمين‏.‏

وفيها‏:‏ بعث عماد الدولة إلى أصبهان فاستولى عليها وعلى بلاد الجبل، واتسعت مملكته جداً‏.‏

وفيها‏:‏ كان غلاء شديد بخراسان، ووقع بها فناء كثير، بحيث كان يهمهم أمر دفن الموتى‏.‏

وفيها‏:‏ قتل ناصر الدولة أبو الحسن بن حمدان نائب الموصل عمه أبا العلاء سعيد بن حمدان لأنه أراد أن ينتزعها منه، فبعث إليه الخليفة وزيره أبا علي بن مقلة في جيوش، فهرب منه ناصر الدولة، فلما طال مقام ابن مقلة بالموصل ولم يقدر على ناصر الدولة رجع إلى بغداد، فاستقرت يد ناصر الدولة على الموصل‏.‏

وبعث به إلى الخليفة أن يضمنه تلك الناحية، فأجيب إلى ذلك، واستمر الحال على ما كان‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 207‏)‏

وخرج الحجيج فلقيهم القرمطي فقاتلهم وظفر بهم، فسألوه الأمان فأمنهم على أن يرجعوا بغداد، فرجعوا وتعطل الحج عامهم ذلك أيضاً‏.‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

 نفطويه النحوي

واسمه إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي أبو عبد الله العتكي المعروف بنفطويه النحوي‏.‏

له مصنفات فيه، وقد سمع الحديث وروى عن المشايخ، وحدث عنه الثقات، وكان صدوقاً، وله أشعار حسنة‏.‏

وروى الخطيب عن نفطويه‏:‏ أنه مر على بقال فقال له‏:‏ أيها الشيخ كيف الطريق إلى درب الرآسين - يعني درب الرواسين - فالتفت البقال إلى جاره فقال له‏:‏ قبح الله غلامي أبطأ علي بالسلق، ولو كان عندي لصفعت هذا بحزمة منه‏.‏

فانصرف عنه نفطويه ولم يرد عليه‏.‏

توفي نفطويه في شهر صفر من هذه السنة عن ثلاث وثمانين سنة، وصلى عليه البربهاري رئيس الحنابلة، ودفن بمقابر دار الكوفة‏.‏

ومما أنشده أبو علي القالي في الأمالي له‏:‏

قلبي أرق عليه من خديكا * وفؤادي أوهى من قوى جفنيكا

لم لا ترق لمن يعذب نفسه * ظلماً ويعطفه هواه عليكا

قال ابن خلكان‏:‏ وفي نفطويه يقول أبو محمد عبد الله بن زيد بن علي بن الحسين الواسطي المتكلم المشهور، صاحب ‏(‏الإمامة‏)‏، و‏(‏إعجاز القرآن‏)‏ وغير ذلك من الكتب‏:‏ من سره أن لا يرى فاسقاً فليجتهد أن لا يرى نفطويه أحرقه الله بنصف اسمه، وصير الباقي صراخاً عليه‏.‏

قال الثعالبي‏:‏ إنما سمى نفطويه لدمامته‏.‏

وقال ابن خالويه‏:‏ لا يعرف من اسمه إبراهيم وكنيته أبو عبد الله سواه‏.‏

عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله الهاشمي العباسي

حدث عن بشار بن نصر الحلبي وغيره، وعنه الدارقطني وغيره، وكان ثقة فاضلاً فقيهاً شافعياً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 208‏)‏

عبد الملك بن محمد بن عدي أبو نعيم الاستراباذي المحدث الفقيه الشافعي أيضاً، توفي عن ثلاث وثمانين سنة‏.‏

علي بن الفضل بن طاهر بن نصر بن محمد أبو الحسن البلخي، كان من الجوالين في طلب الحديث، وكان ثقة حافظاً، سمع أبا هاشم الرازي وغيره‏.‏

وعنه الدارقطني وغيره‏.‏

محمد بن أحمد بن أسد أبو بكر الحافظ، ويعرف‏:‏ بابن البستبنان، سمع الزبير بن بكار وغيره، وعنه الدارقطني وغيره، جاوز الثمانين‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وعشرين وثلاثمائة

فيها‏:‏ جاءت الجند فأحدقوا بدار الخلافة، وقالوا‏:‏ ليخرج إلينا الخليفة الراضي بنفسه فيصلي بالناس‏.‏

فخرج فصلى بهم، وخطبهم‏.‏

وقبض الغلمان على الوزير ابن مقلة، وسألوا الخليفة أن يستوزر غيره، فرد الخيرة إليهم فاختاروا علي بن عيسى فلم يقبل، وأشار بأخيه عبد الرحمن بن عيسى فاستوزره، وأحرقت دار ابن مقلة، وسلم هو إلى عبد الرحمن بن عيسى فضرب ضرباً عنيفاً، وأخذ خطه بألف ألف دينار‏.‏

ثم عجز عبد الرحمن بن عيسى فعزل بعد خمسين يوماً، وقلد الوزارة أبو جعفر بن القاسم الكرخي، فصادر علي بن عيسى بمائة ألف دينار، وصادر أخاه عبد الرحمن بن عيسى بسبعين ألف دينار، ثم عزل بعد ثلاثة أشهر ونصف، وقلد سليمان بن الحسن، ثم عزل بأبي الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات، وذلك في السنة الآتية‏.‏

وأحرقت داره كما أحرقت دار ابن مقلة في يوم أحرقت تلك فيه، سنة بينهما واحدة‏.‏

وهذا كله من تخبيط الأتراك والغلمان‏.‏

ولما أحرقت دار ابن مقلة في هذه السنة، كتب بعض الناس على بعض جدرانها‏:‏

أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت * ولم تخف يوماً يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها * وعند صفو الليالي يحدث الكدر

وفيها‏:‏ ضعف أمر الخلافة جداً، وبعث الراضي إلى محمد بن رائق - وكان بواسط - يدعوه إليه ليوليه إمرة الأمراء ببغداد، وأمر الخراج والمغل في جميع البلاد والدواوين، وأمر أن يخطب له على جميع المنابر، وأنفذ إليه بالخلع‏.‏

فقدم ابن رائق إلى بغداد على ذلك كله، ومعه الأمير بجكم التركي غلام مرداويج، وهو الذي ساعد على قتل مرداويج‏.‏

واستحوذ ابن رائق على أموال العراق بكماله، ونقل أموال بيت المال إلى داره، ولم يبق للوزير تصرف في شيء بالكلية، ووهى أمر الخلافة جداً، واستقل نواب الأطراف بالتصرف فيها، ولم يبق للخليفة حكم في غير بغداد ومعاملاتها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 209‏)‏

ومع هذا ليس له مع ابن رائق نفوذ في شيء، ولا تفرد بشيء، ولا كلمة تطاع، وإنما يحمل إليه ابن رائق ما يحتاج إليه من الأموال والنفقات وغيرها‏.‏

وهكذا صار أمر من جاء بعده من أمراء الأكابر، كانوا لا يرفعون رأساً بالخليفة، وأما بقية الأطراف فالبصرة مع ابن رائق هذا، يولي فيها من شاء‏.‏

وخوزستان إلى أبي عبد الله البريدي، وقد غلب ابن ياقوت على ما كان بيده في هذه السنة من مملكة تستر وغيرها، واستحوذ على حواصلها وأموالها‏.‏

وأمر فارس إلى عماد الدولة بن بويه ينازعه في ذلك، وشمكير أخو مرداويج وكرمان بيد أبي علي محمد بن إلياس بن اليسع‏.‏

وبلاد الموصل والجزيرة وديار بكر ومضر وربيعة مع بني حمدان‏.‏

ومصر والشام في يد محمد بن طغج‏.‏

وبلاد إفريقية والمغرب في يد القائم بأمر الله ابن المهدي الفاطمي، وقد تلقب‏:‏ بأمير المؤمنين‏.‏

والأندلس في يد عبد الرحمن بن محمد، الملقب‏:‏ بالناصر الأموي‏.‏

وخراسان وما وراء النهر في يد السعيد نصر بن أحمد الساماني‏.‏

وطبرستان وجرجان في يد الديلم‏.‏

والبحرين واليمامة وهجر في يد أبي طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي القرمطي‏.‏

وفيها‏:‏ وقع ببغداد غلاء عظيم، وفناء كثير، بحيث عدم الخبز منها خمسة أيام، ومات من أهلها خلقٌ كثير، وأكثر ذلك كان في الضعفاء، وكان الموتى يلقون في الطريق ليس لهم من يقوم بهم، ويحمل على الجنازة الواحدة الرجلان من الموتى، وربما يوضع بينهم صبي، وربما حفرت الحفرة الواحدة فتوسع حتى يوضع فيها جماعة‏.‏

ومات من أهل أصبهان نحو من مائتي ألف إنسان‏.‏

وفيها‏:‏ وقع حريق بعمان أحرق فيه من السودان ألف، ومن البيضان خلقٌ كثير، وكان جملة ما أحرق فيه أربعمائة حمل كافور‏.‏

وعزل الخليفة أحمد بن كيغلغ عن نيابة الشام، وأضاف ذلك إلى ابن طغج نائب الديار المصرية‏.‏

وفيها‏:‏ ولد عضد الدولة أبو شجاع فناخسرو بن ركن الدولة بن بويه بأصبهان‏.‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

 ابن مجاهد المقري

أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المقري، أحد أئمة هذا الشأن‏.‏

حدث عن خلقٍ كثير، وروى عنه الدارقطني وغيره، وكان ثقة مأموناً، سكن الجانب الشرقي من بغداد، وكان ثعلب يقول‏:‏ ما بقي في عصرنا أحد أعلم بكتاب الله منه‏.‏

توفي يوم الأربعاء، وأخرج يوم الخميس لعشر بقين من شعبان من هذه السنة‏.‏

وقد رآه بعضهم في المنام وهو يقرأ فقال له‏:‏ أما مت‏؟‏

فقال‏:‏ بلى، ولكن كنت أدعو الله عقب كل ختمة أن أكون ممن يقرأ في قبره، فأنا ممن يقرأ في قبره‏.‏

رحمه الله‏.‏

 جحظة الشاعر البرمكي

أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكي أبو الحسن النديم المعروف‏:‏ بجحظة الشاعر الماهر الأديب الأخباري، ذو الفنون في العلوم والنوادر الحاضرة، وكان جيد الغناء‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 210‏)‏

ومن شعره‏:‏

قد نادت الدنيا على نفسها * لو كان في العالم من يسمع

كم آمل خيّبت آماله * وجامع بدّدت ما يجمع

وكتب له بعض الملوك رقعة على صيرفي بمال أطلقه له فلم يحصل له، فكتب إلى الملك يذكر له ذلك‏:‏

إذا كانت صلاتكم رقاعاً * تخطط بالأنامل والأكف

فلا تجد الرقاع عليّ نفعاً * فذا خطي فخذه بألف ألف

ومن شعره يهجو صديقاً له ويذمه على شدة شحه وبخله وحرصه فقال‏:‏

لنا صاحب من أبرع الناس في البخل * يسمى بفضل، وهو ليس بذي فضل

دعاني كما يدعو الصديق صديقه * فجئت كما يأتي إلى مثله مثلي

فلما جلسنا للغداء رأيته * يرى أنما من بعض أعضائه أكلي

فيغتاظ أحياناً ويشتم عبده * فأعلم أن الغيظ والشتم من أجلي

أمدّ يدي سراً لآكل لقمة * فيلحظني شزراً فأعبث بالبقل

إلى أن جنت كفي علي جناية * وذلك أن الجوع أعدمني عقلي

فأهوت يميني نحو رجل دجاجة * فجرت رجلها كما جرت يدي رجلي

ومن قوي شعره قوله‏:‏

رحلتم فكم من أنة بعد حنة * مبينة للناس حزني عليكم

وقد كنت أعتقت الجفون من البكا * فقد ردها في الرق شوقي إليكم

وقد أورد له ابن خلكان من شعره الرائق قوله‏:‏

فقلت لها‏:‏ بخلت علي يقظي * فجودي في المنام لمستهام فقالت لي‏:‏ وصرت تنام أيضاً * وتطمع أن أزورك في المنام‏؟‏ قال‏:‏ وإنما لقبه بجحظة عبد الله بن المعتز، وذلك لسؤ منظره بمآقيه‏.‏

قال بعض من هجاه‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 211‏)‏

ببيت جحظة تسعَينَّ جحوظة * من فيل شطرنج ومن سرطان

وارحمتا لمنادميه تحملوا * ألم العيون للذة الآذان

توفي سنة ست وعشرين، وقيل‏:‏ أربع وعشرين وثلاثمائة بواسط‏.‏

 ابن المغلس الفقيه الظاهري

المشهور، له المصنفات المفيدة في مذهبه، أخذ الفقه عن أبي بكر بن داود، وروى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، وعلي بن داود القنطري، وأبي قلابة الرياشي، وآخرين‏.‏

وكان ثقة، فقيهاً، فاضلاً، وهو الذي نشر علم داود في تلك البلاد، توفي بالسكتة‏.‏

 أبو بكر بن زياد

النيسابوري عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن ميمون، أبو بكر الفقيه الشافعي النيسابوري مولى أبان بن عثمان، رحل إلى العراق والشام ومصر، وسكن بغداد‏.‏

حدث عن محمد بن يحيى الذهلي، وعباس الدوري، وخلق‏.‏

وعنه الدارقطني وغير واحد من الحفاظ‏.‏

قال الدارقطني‏:‏ لم ير في مشايخنا أحفظ منه للأسانيد والمتون، وكان أفقه المشايخ، جالس المزني والربيع

وقال عبد الله بن بطة‏:‏ كنا نحضر مجلس ابن زياد، وكان يحرز من يحضر من أصحاب المحابر ثلاثين ألفاً‏.‏

وقال الخطيب‏:‏ أخبرنا أبو سعد الماليني، أنبأ يوسف بن عمر بن مسرور، سمعت أبا بكر بن زياد النيسابوري يقول‏:‏ أعرف من قام الليل أربعين سنة لم ينم إلا جاثياً، ويتقوت كل يوم خمس حبات، ويصلي صلاة الغد بطهارة العشاء، ثم يقول‏:‏ أنا هو، كنت أفعل هذا كله قبل أن أعرف أم عبد الرحمن - يعني أم ولده - إيش أقول لمن زوجني‏.‏

ثم قال في إثر هذا‏:‏ ما أراد إلا الخير‏.‏

توفي في هذه السنة عن ست وثمانين سنة‏.‏

 عفان بن سليمان

ابن أيوب أبو الحسن التاجر، أقام بمصر، وأوقف بها أوقافاً دارة على أهل الحديث، وعلى سلالة العشرة رضي الله عنهم‏.‏

وكان تاجراً موسعاً عليه في الدنيا، مقبول الشهادة عند الحكام، توفي في شعبان منها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 212‏)‏

 أبو الحسن الأشعري

قدم بغداد، وأخذ الحديث عن زكريا بن يحيى الساجي، وتفقه بابن سريج‏.‏

وقد ذكرنا ترجته في طبقات الشافعية‏.‏

وذكر ابن خلكان‏:‏ أنه كان يجلس في حلقة الشيخ أبي إسحاق المروزي، وقد كان الأشعري معتزلياً فتاب منه بالبصرة فوق المنبر، ثم أظهر فضائح المعتزلة وقبائحهم، وله من الكتب‏:‏ ‏(‏الموجز‏)‏ وغيره‏.‏

وحُكي عن ابن حزم أنه قال‏:‏ للأشعري خمسة وخمسون تصنيفاً‏.‏

وذكر أن مغله كان في كل سنة سبعة عشر ألف درهم، وأنه كان من أكثر الناس دعابة، وأنه ولد سنة سبعين ومائتين‏.‏

وقيل‏:‏ سنة ستين ومائتين، ومات في هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة ثلاثين، وقيل‏:‏ في سنة بضع وثلاثين وثلاثمائة، فالله أعلم‏.‏

محمد بن الفضل بن عبد الله أبو ذر التميمي، كان رئيس جرجان، سمع الكثير، وتفقه بمذهب الشافعي، وكانت داره مجمع العلماء، وله إفضال كثير على طلبة العلم من أهل زمانه‏.‏

هارون بن المقتدر أخو الخليفة الراضي، توفي في ربيع الأول منها، فحزن عليه أخوه الراضي، وأمر بنفي بختيشوع ابن يحيى المتطبب إلى الأنبار، لأنه اتهم في علاجه، ثم شفعت فيه أم الراضي فرده‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وعشرين وثلاثمائة

في المحرم منها خرج الخليفة الراضي وأمير الأمراء محمد بن رائق من بغداد، قاصدين واسط لقتال أبي عبد الله البريدي نائب الأهواز، الذي قد تجبر بها ومنع الخراج، فلما سار ابن رائق إلى واسط خرج الحجون فقاتلوه، فسلط عليهم بجكم فطحنهم، ورجع فَلّهم إلى بغداد، فتلقاهم لؤلؤ أمير الشرطة فاحتاظ على أكثرهم ونهبت دورهم، ولم يبق لهم رأس يرتفع، وقطعت أرزاقهم من بيت المال بالكلية‏.‏

وبعث الخليفة وابن رائق إلى أبي عبد الله البريدي يتهددانه، فأجاب إلى حمل كل سنة ثلاثمائة ألف وستين ألف دينار يقوم بها، تحمل كل سنة على حدته، وأنه يجهز جيشاً إلى قتال عضد الدولة بن بويه‏.‏

فلما رجع الخليفة إلى بغداد لم يحمل شيئاً، ولم يبعث أحداً‏.‏

ثم بعث ابن رائق بجكم وبدراً الحسيني لقتال البريدي، فجرت بينهم حروب وخطوب، وأمور يطول ذكرها‏.‏

ثم لجأ البريدي إلى عماد الدولة واستجار به، واستحوذ بجكم على بلاد الأهواز، وجعل إليه ابن رائق خراجها، وكان بجكم هذا شجاعاً فاتكاً‏.‏

وفي ربيع الأول خلع الخليفة على بجكم وعقد له الإمارة ببغداد، وولاه نيابة المشرق إلى خراسان‏.‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

أبو حامد بن الشرقي‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 213‏)‏

 أحمد بن محمد بن الحسن

أبو حامد الشرقي، مولده سنة أربعين ومائتين، وكان حافظاً كبير القدر، كثير الحفظ، كثير الحج‏.‏

رحل إلى الأمصار وجاب الأقطار، وسمع من الكبار‏.‏

نظر إليه ابن خزيمة يوماً فقال‏:‏ حياة أبي حامد تحول بين الناس وبين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

عبد الله بن محمد بن سفيان أبو الحسن الخزاز النحوي، حدث عن المبرد وثعلب، وكان ثقة‏.‏

له مصنفات في علوم القرآن غزيرة الفوائد‏.‏

محمد بن إسحاق بن يحيى أبو الطيب النحوي، قال أبو الوفا‏:‏ له مصنفات مليحة في الأخبار، وقد حدث عن الحارث بن أبي المبرد وأسامة وثعلب، وغيرهم‏.‏

محمد بن هارون أبو بكر العسكري، الفقيه على مذهب أبي ثور، روى عن الحسن بن عرفة، وعباس الدوري وعن الدارقطني والآجري، وغيرهما، والله أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وعشرين وثلاثمائة

فيها‏:‏ ورد كتاب من ملك الروم إلى الراضي مكتوب بالرومية، والتفسير بالعربية، فالرومي بالذهب والعربي بالفضة، وحاصله طلب الهدنة بينه وبينه، ووجه مع الكتاب بهدايا وألطاف كثيرة فاخرة، فأجابه الخليفة إلى ذلك، وفودي من المسلمين ستة آلاف أسير، ما بين ذكر وأنثى على نهر البدندون‏.‏

وفيها‏:‏ ارتحل الوزير أبو الفتح بن الفرات من بغداد إلى الشام، وترك الوزارة، فوليها أبو علي بن مقلة، وكانت ولايته ضعيفه جداً، ليس له من الأمر شيء مع ابن رائق، وطلب من ابن رائق أن يفرغ له عن أملاكه فجعل يماطله، فكتب إلى بجكم يطمعه في بغداد، وأن يكون عوضاً عن ابن رائق‏.‏

وكتب ابن مقلة أيضاً إلى الخليفة يطلب منه أن يسلم إليه ابن رائق وابن مقاتل، ويضمنهم بألفي دينار، فبلغ ذلك ابن رائق فأخذه فقطع يده، وقال‏:‏ هذا أفسد في الأرض‏.‏

ثم جعل يحُسِّن للراضي أن يستوزره، وأن قطع يده لا يمنعه من الكتابة، وأنه يشد القلم على يده اليمنى المقطوعة فيكتب بها‏.‏

ثم بلغ ابن رائق أنه قد كتب إلى بجكم بما تقدم، وأنه يدعو عليه‏.‏

فأخذه فقطع لسانه وسجنه في مكان ضيق، وليس عنده من يخدمه، فكان يستقي الماء بنفسه، يتناول الدلو بيده اليسرى ثم يمسكه بفيه ثم يجذب باليسرى ثم يمسك بفيه إلى أن يستقي، ولقي شدة وعناء، ومات في محبسه هذا وحيداً، فدفن فيه‏.‏

ثم سأل أهله نقله فدفن في داره، ثم نقل منها إلى غيرها، فاتفق له أشياء غريبة منها‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 214‏)‏

أنه وزر ثلاث مرات، وعزل ثلاث مرات، وولي لثلاثة من الخلفاء، ودفن ثلاث مرات، وسافر ثلاث سفرات، مرتين منفياً ومرة إلى الموصل كما تقدم‏.‏

وفيها‏:‏ دخل بجكم بغداد، فقلده الراضي إمرة الأمراء مكان ابن رائق، وقد كان بجكم هذا من غلمان أبي علي العارض وزير ماكان بن كالي الديلمي، فاستوهبه ماكان من الوزير فوهبه له، ثم فارق ماكان ولحق بمرداويج، وكان في جملة من قتله في الحمام كما تقدم‏.‏

فلما ولاه الخليفة إمرة الأمراء أسكن في دار مؤنس الخادم، وعظم أمره جداً وانفصل ابن رائق وكانت أيامه سنة وعشرة أشهر وستة عشر يوماً‏.‏

وفيها‏:‏ بعث عماد الدولة بن بويه أخاه معز الدولة، فأخذ الأهواز لأبي عبد الله البريدي، وانتزعها من يد بجكم وأعادها إليه‏.‏

وفيها‏:‏ استولى لشكري أحد أمراء وشمكير الديلمي على بلاد أذربيجان، وانتزعها من رستم بن إبراهيم الكردي، أحد أصحاب ابن أبي الساج بعد قتال طويل‏.‏

وفيها‏:‏ اضطرب أمر القرامطة جداً وقتل بعضهم بعضاً، وانكفوا بسبب ذلك عن التعرض للفساد في الأرض، ولزموا بلدهم هجر لا يرومون منه انتقالاً إلى غيره ولله الحمد والمنة‏.‏

وفيها‏:‏ توفي أحمد بن زياد بن عبد الرحمن الأندلسي، كان أبوه من أصحاب مالك، وهذا الرجل هو أول من أدخل فقه مالك إلى الأندلس وقد عرض عليه القضاء بها فلم يقبل‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وعشرين وثلاثمائة

في المحرم منها، خرج الراضي أمير المؤمنين إلى الموصل لمحاربة ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان نائبها، وبين يديه بجكم أمير الأمراء، وقاضي القضاة أبو الحسين عمر بن محمد بن يوسف، وقد استخلف على بغداد ولده القاضي أبا نصر يوسف بن عمر، في منصب القضاء، عن أمر الخليفة بذلك‏.‏

وكان فاضلاً عالماً، ولما انتهى بجكم إلى الموصل واقع الحسن بن عبد الله بن حمدان فهزم بجكم ابن حمدان، وقرر الخليفة الموصل والجزيزة وولى فيها‏.‏

وأما محمد بن رائق فإنه اغتنم غيبة الخليفة عن بغداد واستجاش بألف من القرامطة وجاء بهم فدخل بغداد، فأكثر فيها الفساد، غير أنه لم يتعرض لدار الخلافة، ثم بعث إلى الخليفة يطلب منه المصالحة والعفو عما جنى، فأجابه إلى ذلك، وبعث إليه قاضي القضاة أبا الحسين عمر بن يوسف، وترحل ابن رائق عن بغداد ودخلها الخليفة في جمادى الأولى، ففرح المسلمون بذلك‏.‏

ونزل عند غروب الشمس أول ليلة من شهر آذار في جمادى الأولى مطر عظيم، وبرد كبار، كل واحدة نحو أوقيتين، واستمر فسقط بسببه دور كثيرة من بغداد‏.‏

وظهر جراد كثير في هذه السنة، وكان الحج من جهة درب العراق قد تعطل من سنة سبع عشرة وثلاثمائة إلى هذه السنة، ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 215‏)‏ فشفع في الناس الشريف أبو علي محمد بن يحيى العلوي عند القرامطة، وكانوا يحبونه لشجاعته وكرمه، في أن يمكنهم من الحج، وأن يكون لهم على كل جمل خمسة دنانير، وعلى المحمل سبعة دنانير، فاتفقوا معه على ذلك، فخرج الناس في هذه السنة إلى الحج على هذا الشرط، وكان في جملة من خرج الشيخ أبو علي بن أبي هريرة أحد أئمة الشافعية، فلما اجتاز بهم طالبوه بالخفارة فثنى رأس راحلته ورجع وقال‏:‏ ما رجعت شحاً ولكن سقط عني الوجوب بطلب هذه الخفارة‏.‏

وفيها‏:‏ وقعت فتنة بالأندلس، وذلك أن عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس الملقب بالناصر لدين الله، قتل وزيره أحمد فغضب له أخوه أمية بن إسحاق - وكان نائباً على مدينة شنترين - فارتد ودخل بلاد النصارى واجتمع بملكهم ردمير ودلهم على عورات المسلمين، فسار إليهم في جيش كثيف في الجلالقة فخرج إليهم عبد الرحمن فأوقع بهم بأساً شديداً، وقتل من الجلالقة خلقاً كثيراً، ثم كر الفرنج على المسلمين فقتلوا منهم خلقاً كثيراً قريباً ممن قتلوا منهم، ثم والى المسلمون الغارات على بلاد الجلالقة فقتلوا منهم أمماً لا يحصون كثرة، ثم ندم أمية بن إسحاق على ما صنع، وطلب الأمان من عبد الرحمن فبعث إليه بالأمان، فلما قدم عليه قبله واحترمه‏.‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

 الحسن بن القاسم بن جعفر بن دحيم

أبو علي الدمشقي، من أبناء المحدثين، كان أخبارياً له في ذلك مصنفات، وقد حدث عن العباس بن الوليد البيروتي وغيره‏.‏

توفي بمصر في محرم هذه السنة وقد أناف على الثمانين سنة‏.‏

الحسين بن القاسم بن جعفر بن محمد بن خالد بن بشر أبو علي الكوكبي الكاتب، صاحب الأخبار والآداب، روى عن أحمد بن أبي خيثمة وأبي العيناء وابن أبي الدنيا‏.‏

روى عنه الدارقطني وغيره

 عثمان بن الخطاب

ابن عبد الله أبو عمرو البلوي، المغربي الأشج، ويعرف بأبي الدنيا، قدم هذا الرجل بغداد بعد الثلاثمائة، وزعم أنه ولد أول خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ببلاد المغرب، وأنه وفد هو وأبوه على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأصابهم في الطريق عطش فذهب يرتاد لأبيه ماء فرأى عيناً فشرب منها واغتسل، ثم جاء لأبيه ليسقيه فوجده قد مات‏.‏

وقدم هو على علي بن أبي طالب فأراد أن يقبل ركبته فصدمه الركاب فشج رأسه، فكان يعرف بالأشج‏.‏

وقد زعم صدقه في هذا الذي زعمه طائفة من الناس، ورووا عنه نسخة فيها أحاديث من روايته عن علي، وممن صدقه في ذلك الحافظ محمد بن أحمد بن المفيد ورواه عنه، ولكن كان المفيد متهم بالتشيع، فسمح له بذلك لانتسابه إلى علي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 216‏)‏

وأما جمهور المحدثين قديماً وحديثاً فكذبوه في ذلك، وردوا عليه كذبه، ونصوا على أن النسخة التي رواها موضوعة، ومنهم أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي، وأشياخنا الذين أدركناهم‏:‏ جهبذ الوقت شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية، والجهبذ أبو الحجاج المزي، والحافظ مؤرخ الإسلام أبو عبد الله الذهبي، وقد حررت ذلك في كتابي التكميل ولله الحمد والمنة‏.‏

قال المفيد‏:‏ بلغني أن الأشج هذا مات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وهو راجع إلى بلده والله أعلم‏.‏

 محمد بن جعفر بن محمد بن سهل

أبو بكر الخرائطي، صاحب المصنفات، أصله من أهل سر من رأى، وسكن الشام وحدث بها عن الحسن بن عرفة وغيره‏.‏

وممن توفي فيها‏:‏ الحافظ الكبير ابن الحافظ الكبير

 أبو محمد عبد الرحمن

ابن أبي حاتم محمد ابن إدريس الرازي، صاحب كتاب ‏(‏الجرح والتعديل‏)‏، وهو من أجل الكتب المصنفة في هذا الشأن، وله التفسير الحافل الذي اشتمل على النقل الكامل، الذي يربو فيه على تفسير ابن جرير الطبري وغيره من المفسرين، إلى زماننا، وله كتاب‏(‏العلل‏)‏ المصنفة المرتبة على أبواب الفقه وغير ذلك من المصنفات النافعة‏.‏

وكان من العبادة والزهادة والورع والحفظ والكرامات الكثيرة المشهورة على جانب كبير رحمه الله‏.‏

وقد صلى مرة فلما سلم قال له رجل من بعض من صلى معه‏:‏ لقد أطلت بنا، ولقد سبحت في سجودي سبعين مرة‏.‏

فقال عبد الرحمن‏:‏ لكني والله ما سبحت إلا ثلاثاً‏.‏

وقد انهدم سور بلد في بعض بلاد الثغور، فقال عبد الرحمن بن أبي حاتم للناس‏:‏ أما تبنوه‏؟‏

وقد حثهم على عمارته، فرأى عندهم تأخراً‏.‏

فقال‏:‏ من يبنيه وأضمن له على الله الجنة‏؟‏

فقام رجل من التجار فقال‏:‏ اكتب لي خطك بهذا الضمان وهذه ألف دينار لعمارته‏.‏

فكتب له رقعة بذلك، فعمر ذلك السور ثم اتفق موت ذلك الرجل التاجر عما قريب، فلما حضر الناس جنازته طارت من كفنه رقعة، فإذا هي التي كتبها له ابن أبي حاتم وإذا في ظهرها مكتوب‏:‏ قد أمضينا لك هذا الضمان ولا تعد إلى ذلك‏.‏ والله سبحان أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة

قال ابن الجوزي في ‏(‏منتظمه‏)‏‏:‏ في غرة المحرم منها ظهرت في الجو حمرة شديدة في ناحية الشمال والمغرب، وفيها أعمدة بيض عظيمة كثيرة العدد‏.‏

وفيها‏:‏ وصل الخبر بأن ركن الدولة أبا علي الحسن بن بويه وصل إلى واسط، فركب الخليفة وبجكم إلى حربه فخاف فانصرف راجعاً إلى الأهواز، ورجعا إلى بغداد‏.‏

وفيها‏:‏ ملك ركن الدولة بن بويه مدينة أصبهان، أخذها من وشمكير أخي مرداويج، لقلة جيشه في هذا الحين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 217‏)‏

وفي شعبان منها زادت دجلة زيادة عظيمة وانتشرت في الجانب الغربي، وسقطت دور كثيرة، وانبثق بثق من نواحي الأنبار فغرق قرى كثيرة، وهلك بسببه حيوان وسباع كثيرة في البرية‏.‏

وفيها‏:‏ تزوج بجكم بسارة بنت عبد الله البريدي‏.‏

ومحمد بن أحمد بن يعقوب الوزير يومئذ ببغداد، ثم صرف عن الوزارة بسليمان بن الحسن، وضمن البريدي بلاد واسط وأعمالها بستمائة ألف دينار‏.‏

وفيها‏:‏ توفي قاضي القضاة أبو الحسن عمر بن محمد بن يوسف، وتولى مكانه ولده أبو نصر يوسف بن عمر بن محمد بن يوسف، وخلع عليه الخليفة الراضي يوم الخميس لخمس بقين من شعبان منها‏.‏

ولما خرج أبو عبد الله البريدي إلى واسط كتب إلى بجكم يحثه على الخروج إلى الجبل ليفتحها، ويساعده هو على أخذ الأهواز من يد عماد الدولة بن بويه، وإنما كان مقصوده أن يبعده عن بغداد ليأخذها منه‏.‏

فلما انفصل بجكم بالجنود بلغه ما يريده البريدي من المكيدة به، فرجع سريعاً إلى بغداد، وركب في جيش كثيف إليه، وأخذ الطرق عليه من كل جانب، لئلا يشعر به إلا وهو عليه‏.‏

فاتفق أن بجكماً كان راكباً في زورق وعنده كاتب له إذ سقطت حمامة في ذنبها كتاب، فأخذه بجكم فقرأه فإذا فيه كتاب من هذا الكاتب إلى أصحاب البريدي يعلمهم بخبر بجكم‏.‏

فقال له بجكم‏:‏ ويحك هذا خطك‏؟‏

قال‏:‏ نعم ‏!‏

ولم يقدر أن ينكر، فأمر بقتله فقتل وألقي في دجلة‏.‏

ولما شعر البريدي بقدوم بجكم هرب إلى البصرة ولم يقم بها أيضاً بل هرب منها إلى غيرها‏.‏

واستولى بجكم على بلاد واسط، وتسلط الديلم على جيشه الذين خلفهم بالجبل، ففروا سراعاً إلى بغداد‏.‏

وفيها‏:‏ استولى محمد بن رائق على بلاد الشام فدخل حمص أولاً فأخذها، ثم جاء إلى دمشق وعليها بدر بن عبد الله الأخشيد المعروف ببدر‏.‏

الأخشيد وهو محمد بن طغج، فأخرجه ابن رائق من دمشق قهراً واستولى عليها‏.‏

ثم ركب ابن رائق في جيش إلى الرملة فأخذها، ثم إلى عريش مصر فأراد دخولها فلقيه محمد بن طغج الأخشيد فاقتتلا هناك فهزمه ابن رائق، واشتغل أصحابه بالنهب ونزلوا بخيام المصريين، فكر عليهم المصريون فقتلوهم قتلاً عظيماً، وهرب ابن رائق في سبعين رجلاً من أصحابه، فدخل دمشق في أسوأ حال وشرها، وأرسل له ابن طغج أخاه أبا نصر بن طغج في جيش فاقتتلوا عند اللجون في رابع ذي الحجة، فهزم ابن رائق المصريين وقتل أخو الأخشيد فيمن قتل، فغسله ابن رائق وكفنه وبعث به إلى أخيه بمصر، وأرسل معه ولده وكتب إليه يحلف أنه ما أراد قتله، ولقد شق عليه، وهذا ولدي فاقتد منه‏.‏

فأكرم الأخشيد ولد محمد بن رائق، واصطلحا على أن تكون الرملة وما بعدها إلى ديار مصر للأخشيد، ويحمل إليه الأخشيد في كل سنة مائة آلف دينار وأربعين ألف دينار، وما بعد الرملة إلى جهة دمشق تكون لابن رائق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 218‏)‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

 أبو محمد جعفر المرتعش

أحد مشايخ الصوفية، كذا ذكره الخطيب‏.‏

وقال أبو عبد الرحمن السلمي‏:‏ اسمه عبد الله بن محمد أبو محمد النيسابوري، كان من ذوي الأموال فتخلى منها وصحب الجنيد وأبا حفص وأبا عثمان، وأقام ببغداد حتى صار شيخ الصوفية، فكان يقال‏:‏ عجائب بغداد‏:‏ إشارات الشبلي، ونكت المرتعش، وحكايات جعفر الخواص‏.‏

سمعت أبا جعفر الصائغ يقول‏:‏ قال المرتعش‏:‏ من ظن أن أفعاله تنجيه من النار أو تبلغه الرضوان فقد جعل لنفسه وفعله خطراً، ومن اعتمد على فضل الله بلغه الله أقصى منازل الرضوان‏.‏

وقيل للمرتعش‏:‏ إن فلاناً يمشي على الماء‏.‏

فقال‏:‏ إن مخالفة الهوى أعظم من المشي على الماء، والطيران في الهواء‏.‏

ولما حضرته الوفاة بمسجد الشونيزية حسبوا ما عليه من الدين فإذا عليه سبعة عشر درهماً، فقال‏:‏ بيعوا خريقاتي هذه واقضوا بها ديني، وأرجو من الله تعالى أن يرزقني كفناً‏.‏

وقد سألت الله ثلاثاً أن يميتني فقيراً، وأن يجعل وفاتي في هذا المسجد فإني صحبت فيه أقواماً، وأن يجعل عندي من آنس به وأحبه‏.‏

ثم أغمض عينيه ومات‏.‏

 أبو سعيد الأصطخري الحسن بن أحمد

ابن يزيد بن عيسى بن الفضل بن يسار، أبو سعيد الأصطخري أحد أئمة الشافعية، كان زاهداً ناسكاً عابداً، ولي القضاء بقم، ثم حسبة بغداد، فكان يدور بها ويصلي على بغلته، وهو دائر بين الأزقة، وكان متقللاً جداً‏.‏

وقد ذكرنا ترجمته في طبقات الشافعية، وله كتاب ‏(‏القضاء‏)‏لم يصنف مثله في بابه، توفي وقد قارب التسعين رحمه الله‏.‏

 علي بن محمد أبو الحسن المزين الصغير

أحد مشايخ الصوفية، أصله من بغداد، وصحب الجنيد وسهلاً التستري، وجاور بمكة حتى توفي في هذه السنة، وكان يحكي عن نفسه قال‏:‏ وردت بئراً في أرض تبوك فلما دنوت منها زلقت فسقطت في البئر، وليس أحد يراني‏.‏

فلما كنت في أسفله إذا فيه مصطبة فتعلقت بها وقلت‏:‏ إن مت لم أفسد على الناس الماء، وسكنت نفسي وطابت للموت، فبينا أنا كذلك إذا أفعى قد تدلت عليّ فلفت علي ذنبها ثم رفعتني حتى أخرجتني إلى وجه الأرض، وانسابت فلم أدر أين ذهبت، ولا من أين جاءت‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 219‏)‏

وفي مشايخ الصوفية آخر يقال له‏:‏ أبو جعفر المزين الكبير، جاور بمكة ومات بها أيضاً، وكان من العباد‏.‏

روى الخطيب عن علي بن أبي علي إبراهيم بن محمد الطبري عن جعفر الخلدي قال‏:‏ ودعت في بعض حجاتي المزين الكبير فقلت له‏:‏ زودني‏.‏

فقال لي‏:‏ إذا فقدت شيئاً فقل‏:‏ يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، اجمع بيني وبين كذا، فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الشيء‏.‏

قال‏:‏ وجئت إلى الكتاني فودعته وسألته أن يزودني، فأعطاني خاتماً على فصه نقش فقال‏:‏ إذا اغتممت فانظر إلى فص هذا الخاتم يزول غمك‏.‏

قال‏:‏ فكنت لا أدعو بذلك الدعاء إلا استجيب لي، ولا أنظر في ذلك الفص إلا زال غمي، فبينا أنا ذات يوم في سمرية إذ هبت ريح شديدة، فأخرجت الخاتم لأنظر إليه فلم أدر كيف ذهب، فجعلت أدعو بذلك الدعاء يومي أجمع أن يجمع علي الخاتم، فلما رجعت إلى المنزل فتشت المتاع الذي في المنزل فإذا الخاتم في بعض ثيابي التي كانت بالمنزل‏.‏

 صاحب كتاب العقد الفريد أحمد بن عبد ربه

ابن حبيب بن جرير بن سالم أبو عمر القرطبي، مولى هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي‏.‏

كان من الفضلاء المكثرين، والعلماء بأخبار الأولين والمتأخرين، وكتابه ‏(‏العقد‏)‏ يدل على فضائل جمة، وعلوم كثيرة مهمة، ويدل كثير من كلامه على تشيع فيه، وميل إلى الحط على بني أمية‏.‏

وهذا عجيب منه، لأنه أحد مواليهم وكان الأولى به أن يكون ممن يواليهم لا ممن يعاديهم‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ وله ديوان شعر حسن، ثم أورد منه أشعاراً في التغزل في المردان والنسوان أيضاً‏.‏

ولد في رمضان سنة ست وأربعين ومائتين، وتوفي بقرطبة يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

 عمر بن أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب

ابن حماد بن زيد بن درهم، أبو الحسين الأزدي الفقيه المالكي القاضي، ناب عن أبيه وعمره عشرون سنة، وكان حافظاً للقرآن والحديث والفقه على مذهب مالك، والفرائض والحساب واللغة، والنحو والشعر‏.‏

وصنف مسنداً فرزق قوة الفهم وجودة القريحة، وشرف الأخلاق، وله الشعر الرائق الحسن، وكان مشكور السيرة في القضاء، عدلاً ثقة إماماً‏.‏

قال الخطيب‏:‏ أخبرنا أبو الطيب الطبري سمعت المعافى بن زكريا الجريري يقول‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 220‏)‏

كنا نجلس في حضرة القاضي أبي الحسين فجئنا يوماً ننتظره على العادة فجلسنا عند بابه، وإذا أعرابي جالس كأن له حاجة إذ وقع غراب على نخلة في الدار، فصرخ ثم طار‏.‏

فقال الأعرابي‏:‏ إن هذا الغراب يخبر أن صاحب هذه الدار يموت بعد سبعة أيام‏.‏

قال‏:‏ فزبرناه فقام وانصرف، ثم خرج الإذن من القاضي أن هلموا، فدخلنا فوجدناه متغير اللون مغتماً، فقلنا له‏:‏ ما الخبر‏؟‏

فقال‏:‏ إني رأيت البارحة في المنام شخصاً يقول‏:‏

منازل آل حماد بن زيد * على أهليك والنعم السلام

وقد ضاق لذلك صدري‏.‏

قال‏:‏ فدعونا له وانصرفنا‏.‏

فلما كان اليوم السابع من ذلك اليوم دفن ليوم الخميس لسبع عشرة مضت من شعبان من هذه السنة، وله من العمر تسع وثلاثون سنة، وصلى عليه ابنه أبو نصر وولي بعده القضاء‏.‏

قال الصولي‏:‏ بلغ القاضي أبو الحسين من العلم مبلغاً عظيماً مع حداثة سنه، وحين توفي كان الخليفة الراضي يبكي عليه ويحرضنا ويقول‏:‏ كنت أضيق بالشيء ذرعاً فيوسعه علي، ثم يقول‏:‏ والله لا بقيت بعده‏.‏

فتوفي الراضي بعده في نصف ربيع الأول من هذه السنة الآتية رحمهما الله، وكان الراضي أيضاً حدث السن‏.‏

 ابن شنبوذ المقري

محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت أبو الحسن المقري المعروف بابن شنبوذ‏.‏

روى عن أبي مسلم الكجي، وبشر بن موسى وخلق، واختار حروفاً في القراءات أنكرت عليه، وصنف أبو بكر الأنباري كتاباً في الرد عليه، وقد ذكرنا فيما تقدم كيف أنه عقد له مجلس في دار الوزير ابن مقلة، وأنه ضرب حتى رجع عن كثير منها، وكانت قراءات شاذة أنكرها عليه قراء أهل عصره‏.‏

توفي في صفر منها، وقد دعا على الوزير ابن مقلة حين أمر بضربه فلم يفلح ابن مقلة بعدها، بل عوقب بأنواع من العقوبات، وقطعت يده ولسانه وحبس حتى مات في هذه السنة التي مات فيها ابن شنبوذ‏.‏

وهذه ترجمة ابن مقلة الوزير أحد الكتاب المشاهير وهو‏:‏

 محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله

أبو علي المعروف بابن مقلة الوزير، وقد كان في أول عمره ضعيف الحال، قليل المال، ثم آل به الحال إلى أن ولي الوزارة لثلاثة من الخلفاء‏:‏ المقتدر، والقاهر، والراضي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 221‏)‏

وعزل ثلاث مرات وقطعت يده ولسانه في آخر عمره، وحبس فكان يستقي الماء بيده اليسرى وأسنانه، وكان مع ذلك يكتب بيده اليمنى مع قطعها، كما كان يكتب بها وهي صحيحة‏.‏

وقد كان خطه من أقوى الخطوط، كما هو مشهور عنه، وقد بنى له داراً في زمان وزارته وجمع عند بنيانها خلقاً من المنجمين، فاتفقوا على وضع أساسها في الوقت الفلاني، فأسس جدرانها بين العشائين كما أشار به المنجمون‏.‏

فما لبث بعد استتمامها إلا يسيراً حتى خربت وصارت كوماً، كما ذكرنا ذلك، وذكرنا ما كتبوا على جدرانها‏.‏

وقد كان له بستان كبير جداً، عدة أجربة - أي‏:‏ فدادين - وكان على جميعه شبكة من إبريسم، وفيه أنواع الطيور من القمارى والهزار والببغ والبلابل والطواويس وغير ذلك شيء كثير، وفي أرضه من الغزلان وبقر الوحش والنعام وغير ذلك شيء كثير أيضاً‏.‏

ثم صار هذا كله عما قريب بعد النضرة والبهجة والبهاء إلى الهلاك والبوار والفناء والزوال‏.‏

وهذه سنة الله في المغترين الجاهلين الراكنين إلى دار الفناء والغرور‏.‏

وقد أنشد فيه بعض الشعراء حين بنى داره وبستانه وما اتسع فيه من متاع الدنيا‏:‏

قل لابن مقلة‏:‏ لا تكن عجلاً * واصبر، فإنك في أضغاث أحلام

تبني بأحجر دور الناس مجتهداً * داراً ستهدم قنصاً بعد أيام

ما زلت تختار سعد المشتري لها * فكم نحوس به من نحس بهرام

إن القرآن وبطليموس ما اجتمعا * في حال نقص ولا في حال إبرام

فعزل ابن مقلة عسن وزارة بغداد وخربت داره وانقلعت أشجاره وقطعت يده، ثم قطع لسانه وصودر بألف ألف دينار، ثم سجن وحده ليس معه من يخدمه مع الكبر والضعف والضرورة وانعدام بعض أعضائه، حتى كان يستقي الماء بنفسه من بئر عميق، فكان يدلي الحبل بيده اليسرى ويمسكه بفيه‏.‏

وقاسى جهداً جهيداً بعد ما ذاق عيشاً رغيداً‏.‏

ومن شعره في يده‏:‏

ما سئمت الحياة، لكن توثقت للحياة * بأيمانهم، فبانت يميني

بعت ديني لهم بدنياي حتى * حرموني دنياهم بعد ديني

ولقد حفظت ما استطعت بجهدي * حفظ أرواحهم، فما حفظوني

ليس بعد اليمين لذة عيش * يا حياتي بانت يميني فبيني

وكان يبكي على يده كثيراً ويقول‏:‏ كتبت بها القرآن مرتين، وخدمت بها ثلاثة من الخلفاء تقطع كما تقطع أيدي اللصوص ثم ينشد‏:‏

إذا ما مات بعضك فابك بعضاً * فإن البعض من بعض قريب

وقد مات عفا الله عنه في محبسه هذا ودفن في دار السلطان، ثم سأل ولده أبو الحسين أن يحول إلى عنده فأجيب فنبشوه ودفنه ولده عنده في داره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 222‏)‏

ثم سألت زوجته المعروفة بالدينارية أن يدفن في دارها فأجيبت إلى ذلك فنبش ودفن عندها‏.‏

فهذه ثلاث مرات‏.‏

توفي وله من العمر ست وخمسون سنة‏.‏

 أبو بكر ابن الأنباري

محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فروة بن قطن بن دعامة أبو بكر الأنباري، صاحب كتاب ‏(‏الوقف والابتداء‏)‏، وغيره من الكتب النافعة، والمصنفات الكثيرة‏.‏

كان من بحور العلم في اللغة العربية والتفسير والحديث، وغير ذلك‏.‏

سمع الكديمي وإسماعيل القاضي وثعلباً وغيرهم، وكان ثقة صدوقاً أديباً، ديناً فاضلاً من أهل السنة‏.‏

كان من أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظاً له وكان له من المحافيظ مجلدات كثيرة، أحمال جمال، وكان لا يأكل إلا النقالى ولا يشرب ماء إلا قريب العصر، مراعاة لذهنه وحفظه، ويقال‏:‏ إنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً، وحفظ تعبير الرؤيا في ليلة، وكان يحفظ في كل جمعة عشرة آلاف ورقة، وكانت وفاته ليلة عيد النحر من هذه السنة‏.‏

أم عيسى بنت إبراهيم الحربي

كانت عالمة فاضلة، تفتي في الفقه‏.‏

توفيت في رجب ودفنت إلى جانب أبيها رحمه الله تعالى‏.‏