فصل: فصل في ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 فصل في ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم

ومبلغ سنه حال وفاته، وفي كيفية غسله عليه السلام والصلاة عليه، ودفنه، وموضع قبره صلوات الله وسلامه عليه‏.‏

لا خلاف أنه عليه السلام توفي يوم الإثنين‏.‏

قال ابن عبَّاس‏:‏ ولد نبيكم صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الإثنين، ونبِّئ يوم الإثنين، وخرج من مكة مهاجراً يوم الإثنين، ودخل المدينة يوم الإثنين، ومات يوم الإثنين‏.‏

رواه الإمام أحمد والبيهقي‏.‏

وقال سفيان الثوري عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ قال لي أبو بكر‏:‏ أي يوم توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏؟‏‏.‏

قلت‏:‏ يوم الإثنين‏.‏

فقال‏:‏ إني لأرجو أن أموت فيه، فمات فيه‏.‏

رواه البيهقي من حديث الثوري به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أسود بن عامر، ثنا هريم، حدثني ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الإثنين، ودفن ليلة الأربعاء‏.‏

تفرَّد به أحمد‏.‏

وقال عروة بن الزبير في مغازيه، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب‏:‏ لما اشتد برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجعه، أرسلت عائشة إلى أبي بكر، وأرسلت حفصة إلى عمر، وأرسلت فاطمة إلى علي، فلم يجتمعوا حتَّى توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو في صدر عائشة، وفي يومها يوم الإثنين حين زاغت الشمس لهلال ربيع الأول‏.‏

وقد قال أبو يعلى‏:‏ ثنا أبو خيثمة، ثنا ابن عيينة عن الزُّهري، عن أنس قال‏:‏ آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله يوم الإثنين كشف الستارة والنَّاس خلف أبي بكر، فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف، فأراد النَّاس أن ينحرفوا فأشار إليهم أن امكثوا وألقى السجف، وتوفي من آخر ذلك اليوم‏.‏

وهذا الحديث في الصحيح، وهو يدل على أن الوفاة وقعت بعد الزوال، والله أعلم‏.‏

وروى يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، وعن صفوان عن عمر بن عبد الواحد جميعاً، عن الأوزاعيّ أنه قال‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الإثنين قبل أن ينتصف النهار‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أحمد بن حنبل، ثنا الحسن بن علي البزار، ثنا محمد بن عبد الأعلى، ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه وهو سليمان بن طرخان التيمي في كتاب المغازي قال‏:‏ إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وبدأه وجعه عند وليدة له يقال لها‏:‏ ريحانة، كانت من سبي اليهود، وكان أول يوم مرض فيه يوم السبت، وكانت وفاته عليه السلام اليوم العاشر يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، لتمام عشر سنين من مقدمه عليه السلام المدينة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/276‏)‏

وقال الواقدي‏:‏ حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال‏:‏ اشتكى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة، فاجتمع عنده نساؤه كلهن، فاشتكى ثلاثة عشر يوماً، وتوفي يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ وقالوا‏:‏ بدئ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، وتوفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول‏.‏

وهذا جزم به محمد بن سعد كاتبه، وزاد‏:‏ ودفن يوم الثلاثاء‏.‏

قال الواقدي وحدثني سعيد بن عبد الله ابن أبي الأبيض عن المقبري، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة‏:‏ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بدئ في بيت ميمونة‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ حدثنا أحمد بن يونس، ثنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال‏:‏ اشتكى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاثة عشر يوماً فكان إذا وجد خفة صلى، وإذا ثقل صلى أبو بكر رضي الله عنه‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجراً، واستكمل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هجرته عشر سنين كوامل‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وهو المثبت عندنا، وجزم به محمد بن سعد كاتبه‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان عن يحيى بن بكير، عن الليث أنه قال‏:‏ توفي رسول الله يوم الإثنين لليلة خلت من ربيع الأول، وفيه قدم المدينة على رأس عشر سنين من مقدمه‏.‏

وقال سعد بن إبراهيم الزُّهري‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة‏.‏

رواه ابن عساكر، ورواه الواقدي عن أبي معشر، عن محمد بن قيس مثله سواء، وقاله خليفة بن خياط أيضاً‏.‏

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين‏:‏ توفي رسول الله يوم الإثنين مستهل ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مقدمه المدينة‏.‏

ورواه ابن عساكر أيضاً، وقد تقدَّم قريباً عن عروة، وموسى بن عقبة، والزُّهري مثله، فيما نقلناه عن مغازيهما، فالله أعلم‏.‏

والمشهور قول ابن إسحاق، والواقدي، ورواه الواقدي عن ابن عبَّاس، عن عائشة رضي الله عنها فقال‏:‏ حدثني إبراهيم بن يزيد عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عبَّاس، وحدثني محمد بن عبد الله عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة قالا‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول‏.‏

ورواه ابن إسحاق عن عبد الله ابن أبي بكر بن حزم، عن أبيه مثله، وزاد‏:‏ ودفن ليلة الأربعاء‏.‏

وروى سيف بن عمر عن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ لما قضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حجة الوداع ارتحل فأتى المدينة، فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفراً، ومات يوم الإثنين لعشر خلون من ربيع الأول‏.‏

وروى أيضاً عن محمد بن إسحاق، عن الزُّهري، عن عروة‏.‏

وفي حديث فاطمة عن عمرة، عن عائشة مثله‏.‏

إلا أن ابن عبَّاس قال في أوله‏:‏ لأيام مضين منه، وقالت عائشة‏:‏ بعد ما مضى أيام منه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/277‏)‏

فائدة‏:‏ قال أبو القاسم السهيلي في ‏(‏الروض‏)‏ ما مضمونه‏:‏ لا يتصوَّر وقوع وفاته عليه السلام يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة، وذلك لأنه عليه السلام وقف في حجة الوداع سنة عشر يوم الجمعة، فكان أول ذي الحجة يوم الخميس، فعلى تقدير أن تحسب الشهور تامة أو ناقصة، أو بعضها تام وبعضها ناقص، لا يتصور أن يكون يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول، وقد اشتهر هذا الإيراد على هذا القول‏.‏

وقد حاول جماعة الجواب عنه، ولا يمكن الجواب عنه إلا بمسلك واحد، وهو اختلاف المطالع بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس، وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة، ويؤيد هذا قول عائشة وغيرها‏:‏ خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لخمس بقين من ذي القعدة يعني‏:‏ من المدينة إلى حجة الوداع، ويتعين بما ذكرناه أنه خرج يوم السبت، وليس كما زعم ابن حزم أنه خرج يوم الخميس، لأنه قد بقي أكثر من خمس بلا شك، ولا جائز أن يكون خرج يوم الجمعة، لأن أنساً قال‏:‏ صلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، فتعيَّن أنه خرج يوم السبت لخمس بقين، فعلى هذا إنما رأى أهل المدينة هلال ذي الحجة ليلة الجمعة، وإذا كان أول ذي الحجة عند أهل المدينة الجمعة وحسبت الشهور بعده كوامل يكون أول ربيع الأول يوم الخميس، فيكون ثاني عشرة يوم الإثنين، والله أعلم‏.‏

وثبت في الصحيحين من حديث مالك عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن، عن أنس بن مالك قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق ولا بالأدم، ولا بالجعد القطط ولا بالسَّبط، بعثه الله عز وجل على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفَّاه الله على رأس ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء‏.‏

وهكذا رواه ابن وهب عن عروة، عن الزُّهري، عن أنس، وعن قرة بن ربيعة، عن أنس مثل ذلك‏.‏

قال الحافظ ابن عساكر‏:‏ حديث قرة عن الزُّهري غريب‏.‏

وأما من رواية ربيعة عن أنس، فرواها عنه جماعة كذلك، ثم أسند من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد، وربيعة عن أنس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم توفي وهو ابن ثلاث وستين‏.‏

وكذلك رواه ابن البربري، ونافع ابن أبي نعيم عن ربيعة، عن أنس به قال‏:‏ والمحفوظ عن ربيعة عن أنس ستون‏.‏

ثم أورده ابن عساكر من طريق مالك، والأوزاعيّ، ومسعر، وإبراهيم بن طهمان، وعبد الله بن عمر، وسليمان بن بلال، وأنس بن بلال، وأنس بن عياض، والدراوردي، ومحمد بن قيس المدني، كلهم عن ربيعة، عن أنس قال‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن ستين سنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/278‏)‏

وقال البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو الحسين بن بشران، ثنا أبو عمرو ابن السماك، ثنا حنبل بن إسحاق، ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو، حدثنا عبد الوارث، ثنا أبو غالب الباهلي قال‏:‏ قلت لأنس بن مالك‏:‏ ابن أيّ الرجال كان رسول الله إذ بعث‏؟‏

قال‏:‏ كان ابن أربعين سنة‏.‏

قال‏:‏ ثم كان ماذا‏؟‏

قال‏:‏ كان بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، فتمت له ستون سنة يوم قبضه الله عز وجل وهوكأشد الرجال وأحسنهم، وأجملهم، وألحمهم‏.‏

ورواه الإمام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه به‏.‏

وقد روى مسلم عن أبي غسان محمد بن عمرو الرازي الملقب‏:‏ برشح عن حكام بن مسلم، عن عثمان بن زائدة، عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك قال‏:‏ قبض النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وقبض عمر وهو ابن ثلاث وستين‏.‏

انفرد به مسلم‏.‏

وهذا لا ينافي ما تقدَّم عن أنس لأن العرب كثيراً ما تحذف الكسر، وثبت في الصحيحين من حديث الليث بن سعد عن عقيل، عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ توفي رسول الله وهو ابن ثلاث وستين سنة‏.‏

قال الزُّهري‏:‏ وأخبرني سعيد بن المسيب مثله، وروى موسى بن عقبة وعقيل ويونس بن يزيد، وابن جريج عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن ثلاث وستين‏.‏

قال الزُّهري‏:‏ وأخبرني سعيد بن المسيب مثل ذلك‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا أبو نعيم، ثنا شيبان عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة وابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكث بمكة عشر سنين يتنزل عليه القرآن، وبالمدينة عشراً‏.‏

لم يخرّجه مسلم‏.‏

وقال أبو داود الطيالسي في مسنده‏:‏ ثنا شعبة عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، عن جرير بن عبد الله، عن معاوية ابن أبي سفيان قال‏:‏ قبض النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وعمر وهو ابن ثلاث وستين‏.‏

وهكذا رواه مسلم من حديث غندر عن شعبة، وهو من إفراده دون البخاري‏.‏

ومنهم من يقول عن عامر بن سعد، عن معاوية، والصواب ما ذكرناه عن عامر بن سعد، عن جرير، عن معاوية فذكره، وروينا من طريق عامر بن شراحيل عن الشعبي، عن جرير بن عبد الله البجلي، عن معاوية فذكره‏.‏

وروى الحافظ ابن عساكر من طريق القاضي أبي يوسف عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس قال‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي عمر وهو ابن ثلاث وستين‏.‏

وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ تذاكر رسول الله وأبو بكر ميلادهما عندي، فكان رسول الله أكبر من أبي بكر، فتوفي رسول الله وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي أبو بكر بعده وهو ابن ثلاث وستين‏.‏

وقال الثوري عن الأعمش، عن القاسم بن عبد الرحمن قال‏:‏ توفي رسول الله، وأبو بكر، وعمر وهم بنو ثلاث وستين‏.‏

وقال حنبل‏:‏ حدثنا الإمام أحمد، ثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ أنزل على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن ثلاث وأربعين، فأقام بمكة عشراً، وبالمدينة عشراً، وهذا غريب عنه، وصحيح إليه‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا هشيم، ثنا داود ابن أبي هند عن الشعبي قال‏:‏ نبئ رسول الله وهو ابن أربعين سنة، فمكث ثلاث سنين، ثم بعث إليه جبريل بالرسالة، ثم مكث بعد ذلك عشر سنين، ثم هاجر إلى المدينة، فقبض وهو ابن ثلاث وستين سنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/179‏)‏

قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل‏:‏ الثابت عندنا ثلاث وستون‏.‏

قلت‏:‏ وهكذا روي عن مجاهد، عن الشعبي‏.‏

وروي من حديث إسماعيل ابن أبي خالد عنه، وفي الصحيحين من حديث روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن ابن عبَّاس، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكث بمكة ثلاث عشرة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة‏.‏

وفي صحيح البخاري من حديث روح بن عبادة أيضاً عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ بعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ثم مات وهو ابن ثلاث وستين‏.‏

وكذلك رواه الإمام أحمد عن روح بن عبادة، ويحيى بن سعيد، ويزيد بن هارون، كلهم عن هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس به‏.‏

وقد رواه أبو يعلى الموصلي عن الحسن بن عمر بن شقيق، عن جعفر بن سليمان، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن ابن عبَّاس فذكر مثله‏.‏

ثم أورده من طرق عن ابن عبَّاس مثل ذلك‏.‏

ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن أبي حمزة، عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أقام بمكة ثلاث عشرة يوحى إليه، وبالمدينة عشراً، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة‏.‏

وقد أسند الحافظ ابن عساكر من طريق مسلم بن جنادة عن عبد الله بن عمر، عن كريب، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن ثلاث وستين‏.‏

ومن حديث أبي نضرة عن سعيد بن المسيب، عن ابن عبَّاس مثله‏.‏

وهذا القول هو الأشهر وعليه الأكثر‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا إسماعيل عن خالد الحذاء، حدثني عمار مولى بني هاشم سمعت ابن عبَّاس يقول‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن خمس وستين سنة‏.‏

ورواه مسلم من حديث خالد الحذاء به‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا حسن بن موسى، ثنا حماد بن سلمة عن عمارة ابن أبي عمار، عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أقام بمكة خمس عشرة سنة، ثماني سنين - أو سبع - يرى الضوء ويسمع الصوت، وثمانية أو سبعاً يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشراً‏.‏

ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به‏.‏

وقال أحمد أيضاً‏:‏ حدثنا عفان، ثنا يزيد بن زريع، ثنا يونس عن عمار مولى بني هاشم قال‏:‏ سألت ابن عبَّاس كم أتى لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم مات‏؟‏

قال‏:‏ ما كنت أرى مثلك في قومه يخفى عليك ذلك‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ إني قد سألت فاختلف علي فأحببت أن أعلم قولك فيه‏.‏

قال‏:‏ أتحسب‏؟‏

قلت‏:‏ نعم ‏!‏

قال‏:‏ أمسك أربعين بعث لها، وخمس عشرة أقام بمكة يأمن ويخاف، وعشراً مهاجراً بالمدينة‏.‏

وهكذا رواه مسلم من حديث يزيد بن زريع، وشعبة بن الحجاج، كلاهما، عن يونس بن عبيد، عن عمار، عن ابن عبَّاس بنحوه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا ابن نمير، ثنا العلاء بن صالح، ثنا المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير، أن رجلاً أتى ابن عبَّاس فقال‏:‏ أنزل على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عشراً بمكة، وعشراً بالمدينة‏.‏

فقال‏:‏ من يقول ذلك‏؟‏ لقد أنزل عليه بمكة خمس عشرة، وبالمدينة عشراً، خمساً وستين وأكثر، وهذا من أفراد أحمد إسناداً، ومتناً‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا هشيم، ثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قبض النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن خمس وستين سنة، تفرد به أحمد‏.‏

وقد روى التِّرمذي في كتاب ‏(‏الشمائل‏)‏ وأبو يعلى الموصلي، والبيهقي من حديث قتادة عن الحسن البصري، عن دغفل بن حنظلة الشيباني النسابة، أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قبض وهو ابن خمس وستين‏.‏

ثم قال التِّرمذي‏:‏ دغفل لا يعرف له سماعاً عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقد كان في زمانه رجلاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/280‏)‏

وقال البيهقي‏:‏ وهذا يوافق رواية عمار ومن تابعه عن ابن عبَّاس، ورواية الجماعة عن ابن عبَّاس في ثلاث وستين أصح، فهم أوثق وأكثر ورواياتهم توافق الرواية الصحيحة عن عروة، عن عائشة، وإحدى الروايتين عن أنس، والرواية الصحيحة عن معاوية، وهي قول سعيد بن المسيب، وعامر الشعبي، وأبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهم‏.‏

قلت‏:‏ وعبد الله بن عقبة، والقاسم بن عبد الرحمن، والحسن البصري، وعلي بن الحسين، وغير واحد‏.‏

ومن الأقوال الغريبة‏:‏ ما رواه خليفة بن خياط عن معاذ بن هشام، حدثني أبي عن قتادة قال‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن اثنتين وستين سنة‏.‏

ورواه يعقوب بن سفيان عن محمد بن المثنى، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة مثله‏.‏

ورواه زيد العمي عن يزيد، عن أنس‏.‏

ومن ذلك ما رواه محمد بن عابد عن القاسم بن حميد، عن النعمان بن المنذر الغساني، عن مكحول قال‏:‏ توفي رسول الله وهو ابن اثنتين وستين سنة وأشهر‏.‏

ورواه يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، عن النعمان بن المنذر، عن مكحول قال‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن اثنتين وستين سنة ونصف‏.‏

وأغرب من ذلك كله‏:‏ ما رواه الإمام أحمد عن روح، عن سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن قال‏:‏ نزل القرآن على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثماني سنين بمكة، وعشراً بعد ما هاجر، فإن كان الحسن ممن يقول بقول الجمهور‏:‏ وهو أنه عليه السلام أنزل عليه القرآن وعمره أربعون سنة، فقد ذهب إلى أنه عليه السلام عاش ثمانياً وخمسين سنة، وهذا غريب جداً، لكن روينا من طريق مسدد عن هشام بن حسان، عن الحسن أنه قال‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن ستين سنة‏.‏

وقال خليفة بن خياط‏:‏ حدثنا أبو عاصم عن أشعث، عن الحسن قال‏:‏ بعث رسول الله وهو ابن خمس وأربعين، فأقام بمكة عشراً، وبالمدينة ثمانياً، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وهذا بهذا الصفة غريب جداً، والله أعلم‏.‏

 صفة غسله عليه السلام

قد قدمنا أنهم رضي الله عنهم اشتغلوا ببيعة الصديق بقية يوم الإثنين وبعض يوم الثلاثاء، فلما تمهدت وتوطدت وتمت، شرعوا بعد ذلك في تجهيز رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مقتدين في كل ما أشكل عليهم بأبي بكر الصديق رضي الله عنه‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما بويع أبو بكر أقبل النَّاس على جهاز رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الثلاثاء‏.‏

وقد تقدم من حديث ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله توفي يوم الإثنين، ودفن ليلة الأربعاء‏.‏

وقال أبو بكر ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا أبو معاوية، ثنا أبو بردة عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال‏:‏ لما أخذوا في غسل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ناداهم مناد من الداخل أن لا تجردوا عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قميصه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/281‏)‏

ورواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن أبي بردة - واسمه‏:‏ عمرو بن يزيد التميمي كوفي -‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه سمعت عائشة تقول‏:‏ لما أرادوا غسل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالوا‏:‏ ما ندري أنجرد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من ثيابه، كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتَّى ما منهم أحد إلا وذقنه في صدره، ثم كلَّمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسلوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فغسلوه وعليه قميص، يصبون الماء فوق القميص، فيدلكونه بالقميص دون أيديهم، فكانت عائشة تقول‏:‏ لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما غسل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا نساؤه‏.‏

رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يعقوب، ثنا أبي عن ابن إسحاق، حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ اجتمع القوم لغسل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وليس في البيت إلا أهله، عمه العبَّاس بن عبد المطلب، وعلي ابن أبي طالب، والفضل بن عبَّاس، وقثم بن العبَّاس، وأسامة بن زيد بن حارثة، وصالح مولاه، فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء النَّاس أوس بن خولي الأنصاري، أحد بني عوف بن الخزرج، - وكان بدرياً - علي ابن أبي طالب فقال‏:‏ يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال له علي‏:‏ أدخل، فدخل، فحضر غسل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يل من غسله شيئاً، فأسنده علي إلى صدره وعليه قميصه، وكان العبَّاس، وفضل، وقثم، يقلبونه مع علي، وكان أسامة بن زيد، وصالح مولاه هما يصبان الماء، وجعل علي يغسله، ولم ير من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم شيئاً مما يرى من الميت وهو يقول‏:‏ بأبي وأمي ما أطيبك حياً وميتاً، حتَّى إذا فرغوا من غسل رسول الله، وكان يغسل بالماء والسدر جففوه، ثم صنع به ما يصنع بالميت، ثم أدرج في ثلاثة أثواب ثوبين أبيضين وبرد حبرة‏.‏

قال‏:‏ ثم دعا العبَّاس رجلين فقال‏:‏ أحدكما ليذهب إلى أبى عبيدة بن الجراح - وكان أبوعبيدة يضرح لأهل مكة -وليذهب الآخر أبي طلحة ابن سهل الأنصاري - وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة -‏.‏

قال‏:‏ ثم قال العبَّاس حين سرحهما‏:‏ اللهم خر لرسولك، قال‏:‏ فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة، أبا عبيدة، ووجد صاحب أبي طلحة، أبا طلحة، فلحد لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، انفرد به أحمد‏.‏

وقال يونس بن بكير عن المنذر بن ثعلبة، عن الصلت، عن العلباء بن أحمر قال‏:‏ كان علي والفضل يغسلان رسول الله، فنودي علي إرفع طرفك إلى السماء، وهذا منقطع‏.‏

قلت‏:‏ وقد روى بعض أهل السنن عن علي ابن أبي طالب أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال له‏:‏ ‏(‏‏(‏يا علي لا تبد فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا فيه إشعار بأمره له في حق نفسه، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/282‏)‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا محمد بن يعقوب، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا ضمرة، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا معمر عن الزُّهري، عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ قال علي‏:‏ غسلت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فذهبت أنظر ما يكون من الميت، فلم أر شيئاً، وكان طيباً حياً وميتاً صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقد رواه أبو داود في المراسيل، وابن ماجه من حديث معمر به‏.‏

زاد البيهقي في روايته‏:‏ قال سعيد بن المسيب‏:‏ وقد ولي دفنه عليه السلام أربعة‏:‏ علي، والعبَّاس، والفضل، وصالح مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لحدوا له لحداً، ونصبوا عليه اللبن نصباً‏.‏

وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين منهم‏:‏ عامر الشعبي، ومحمد بن قيس، وعبد الله بن الحارث، وغيرهم بألفاظ مختلفة يطول بسطها هاهنا‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ وروى أبو عمرو بن كيسان عن يزيد بن بلال سمعت علياً يقول‏:‏ أوصى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن لا يغسله أحد غيري، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه‏.‏

قال علي‏:‏ فكان العبَّاس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر‏.‏

قال علي‏:‏ فما تناولت عضواً إلا كأنه يقلبه معي ثلاثون رجلاً، حتَّى فرغت من غسله‏.‏

وقد أسند هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزار في مسنده فقال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الرحيم، ثنا عبد الصمد بن النعمان، ثنا كيسان أبو عمرو عن يزيد بن بلال قال‏:‏ قال علي ابن أبي طالب‏:‏ أوصاني النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن لا يغسِّله أحد غيري، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه‏.‏

قال علي‏:‏ فكان العبَّاس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر‏.‏

قلت‏:‏ هذا غريب جداً‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ أنبأنا محمد بن موسى بن الفضل، ثنا أبو العبَّاس الأصم، ثنا أسيد بن عاصم، ثنا الحسين بن حفص عن سفيان، عن عبد الملك بن جريج، سمعت محمد بن علي - أبا جعفر - قال‏:‏ غسل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالسدر ثلاثاً، وغسل وعليه قميص، وغسل من بئر كان يقال له‏:‏ الغرس بقباء كانت لسعد بن خيثمة، وكان رسول الله يشرب منها، وولي غسله علي، والفضل يحتضنه، والعبَّاس يصب الماء، فجعل الفضل يقول‏:‏ أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئاً يترطل علي‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ ثنا عاصم بن عبد الله الحكمي عن عمر بن عبد الحكم قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم البئر بئر غرس، هي من عيون الجنة، وماؤها أطيب المياه‏)‏‏)‏‏.‏

وكان رسول الله يستعذب له منها، وغسل من بئر غرس‏.‏

وقال سيف بن عمر عن محمد بن عون، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ لما فرغ من القبر، وصلى النَّاس الظهر، أخذ العبَّاس في غسل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فضرب عليه كلة من ثياب يمانية صفاق في جوف البيت، فدخل الكلة ودعا علياً، والفضل، فكان إذا ذهب إلى الماء ليعاطيهما دعا أبا سفيان ابن الحارث فأدخله ورجال من بني هاشم من وراء الكلة، ومن أدخل من الأنصار حيث ناشدوا أبي وسألوه‏:‏ منهم أوس بن خولي رضي الله عنهم أجمعين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/283‏)‏

ثم قال سيف عن الضحاك بن ^يربوع الحنفي، عن ماهان الحنفي، عن ابن عبَّاس فذكر ضرب الكلة، وأن العبَّاس أدخل فيها علياً، والفضل، وأبا سفيان، وأسامة، ورجال من بني هاشم من وراء الكلة في البيت، فذكر أنهم ألقي عليهم النعاس، فسمعوا قائلاً يقول‏:‏ لا تغسِّلوا رسول الله فإنه كان طاهراً‏.‏

فقال العبَّاس‏:‏ ألا بلى‏.‏

وقال أهل البيت‏:‏ صدق، فلا تغسِّلوه‏.‏

فقال العبَّاس‏:‏ لا ندع سنة لصوت لا ندري ما هو، وغشيهم النعاس ثانية، فناداهم‏:‏ أن غسلوه وعليه ثيابه‏.‏

فقال أهل البيت‏:‏ إلا لا‏.‏

وقال العبَّاس‏:‏ إلا نعم‏!‏فشرعوا في غسله وعليه قميص، ومجول مفتوح، فغسلوه بالماء القراح، وطيبوه بالكافور في مواضع سجوده ومفاصله، واعتصر قميصه ومجوله، ثم أدرج في أكفانه، وجمروه عوداً ونداً، ثم احتملوه حتَّى وضعوه على سريره وسجُّوه، وهذا السياق فيه غرابة جداً‏.‏

 صفة كفنه عليه الصلاة والسلام

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعيّ، حدثني الزُّهري عن القاسم، عن عائشة قالت‏:‏ أدرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ثوب حبرة، ثم أخر عنه‏.‏

قال القاسم‏:‏ إن بقايا ذلك الثوب لعندنا بعد‏.‏

وهذا الإسناد على شرط الشيخين‏.‏

وإنما رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، والنسائي عن محمد بن مثنى، ومجاهد بن موسى، فروهما كلهم عن الوليد بن مسلم به‏.‏

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي‏:‏ ثنا مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ كفن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة‏.‏

وكذا رواه البخاري عن إسماعيل ابن أبي أويس، عن مالك‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا سفيان عن هشام، عن أبيه، عن عائشة كفن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ثلاثة أثواب سحولية بيض‏.‏

وأخرجه مسلم من حديث سفيان بن عيينة‏.‏

وأخرجه البخاري عن أبي نعيم، عن سفيان الثوري، كلاهما عن هشام بن عروة به‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا قتيبة، ثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب بيض يمانية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة‏.‏

قال‏:‏ فذكر لعائشة قولهم‏:‏ في ثوبين وبرد حبرة‏.‏

فقالت‏:‏ قد أتي بالبرد، ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/284‏)‏

وهكذا رواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن حفص بن غياث به‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن مسلم، ثنا هناد بن السري، ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ كفِّن رسول الله في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة، فأما الحلة فإنما شبه على النَّاس فيها، إنما اشتريت له حلة ليكفن فيها فتركت، وأخذها عبد الله ابن أبي بكر‏.‏

فقال‏:‏ لأحبسنها حتَّى أكفِّن فيها، ثم قال‏:‏ لو رضيها الله لنبيه صلَّى الله عليه وسلَّم لكفنَّه فيها، فباعها وتصدَّق بثمنها‏.‏

رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى، وغيره عن أبي معاوية‏.‏

ثم رواه البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ كفِّن رسول الله في برد حبرة كانت لعبد الله ابن أبي بكر، ولفَّ فيها ثم نزعت عنه، فكان عبد الله ابن أبي بكر قد أمسك تلك الحلة لنفسه حتَّى يكفَّن فيها إذا مات ثم قال بعد أن أمسكها‏:‏ ما كنت أمسك لنفسي شيئاً منع الله رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يكفَّن فيه، فتصدَّق بثمنها عبد الله‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ كفِّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ثلاثة أثواب سحولية بيض‏.‏

ورواه النسائي عن إسحاق بن راهويه، عن عبد الرزاق‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا مسكين بن بكير، عن سعيد - يعني‏:‏ ابن عبد العزيز - قال‏:‏ قال مكحول‏:‏ حدثني عروة عن عائشة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كفن في ثلاثة أثواب رياط يمانية، انفرد به أحمد‏.‏

وقال أبو يعلى الموصلي‏:‏ ثنا سهل بن حبيب الأنصاري، ثنا عاصم بن هلال إمام مسجد أيوب، ثنا أيوب عن نافع، عن ابن عمر قال‏:‏ كفِّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ثلاثة أثواب بيض سحولية‏.‏

وقال سفيان عن عاصم بن عبيد الله، عن سالم، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كفِّن في ثلاثة أثواب‏.‏

ووقع في بعض الروايات‏:‏ ثوبين صحاريين، وبرد حبرة‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا ابن إدريس، ثنا يزيد عن مقسم، عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كفن في ثلاثة أثواب‏:‏ في قميصه الذي مات فيه، وحلة نجرانية، الحلة ثوبان‏.‏

ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، وعثمان ابن أبي شيبة، وابن ماجه عن علي بن محمد، ثلاثتهم عن عبد الله بن إدريس، عن يزيد ابن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عبَّاس بنحوه، وهذا غريب جداً‏.‏

وقال الإمام أحمد أيضاً‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، ثنا سفيان عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ كفِّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ثوبين أبيضين، وبرد حمراء، انفرد به أحمد من هذا الوجه‏.‏

وقال أبو بكر الشافعي‏:‏ ثنا علي بن الحسن، ثنا حميد بن الربيع، ثنا بكر - يعني‏:‏ ابن عبد الرحمن -، ثنا عيسى - يعني‏:‏ ابن المختار -، عن محمد بن عبد الرحمن - هو‏:‏ ابن أبي ليلى -، عن عطاء، عن ابن عبَّاس، عن الفضل بن عبَّاس قال‏:‏ كفِّن رسول الله في ثوبين أبيضين، وبرد حمراء‏.‏

وقال أبو يعلى‏:‏ ثنا سليمان الشاذكوني، ثنا يحيى ابن أبي الهيثم، ثنا عثمان بن عطاء عن أبيه، عن ابن عبَّاس، عن الفضل قال‏:‏ كفِّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ثوبين أبيضين سحوليين، زاد فيه محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، وبرد أحمر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /285‏)‏

وقد رواه غير واحد عن إسماعيل المؤدب، عن يعقوب بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عبَّاس، عن الفضل قال‏:‏ كفِّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ثوبين أبيضين، وفي رواية‏:‏ سحولية، فالله أعلم‏.‏

وروى الحافظ ابن عساكر من طريق أبي طاهر المخلص‏:‏ ثنا أحمد بن إسحاق البهلول، ثنا عباد بن يعقوب، ثنا شريك، عن أبي إسحاق قال‏:‏ وقعت على مجلس بني عبد المطلب وهم متوافرون فقلت لهم‏:‏ في كم كفّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏؟‏

قالوا‏:‏ في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، ولا قباء، ولا عمامة‏.‏

قلت‏:‏ كم أُسر منكم يوم بدر‏؟‏

قالوا‏:‏ العبَّاس، ونوفل، وعقيل‏.‏

وقد روى البيهقي من طريق الزُّهري عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قال‏:‏ كفِّن رسول الله في ثلاثة أثواب‏:‏ أحدها برد حمراء حبرة‏.‏

وقد ساقه الحافظ ابن عساكر من طريق في صحتها نظر عن علي ابن أبي طالب قال‏:‏ كفنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ثوبين سحوليين وبرد حبرة‏.‏

وقد قال أبو سعيد ابن الأعرابي‏:‏ حدثنا إبراهيم بن الوليد، ثنا محمد بن كثير، ثنا هشام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال‏:‏ كفِّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ريطتين وبرد نجراني‏.‏

وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن هشام و عمران القطان، عن قتادة، عن سعيد، عن أبي هريرة به‏.‏

وقد رواه الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى، ثنا نصر بن طريف عن قتادة، ثنا ابن المسيب عن أم سلمة أن رسول الله كفِّن في ثلاثة أثواب‏:‏ أحدها برد نجراني‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ وفيما روينا عن عائشة بيان سبب الاشتباه على النَّاس وأن الحبرة أخرِّت عنه، والله أعلم‏.‏

ثم روى الحافظ البيهقي من طريق محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، عن حسن بن صالح، عن هارون بن سعيد قال‏:‏ كان عند علي مسك فأوصى أن يحنط به وقال‏:‏ هو من فضل حنوط رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

ورواه من طريق إبراهيم بن موسى عن حميد، عن حسن، عن هارون، عن أبي وائل، عن علي، فذكره‏.‏

 كيفية الصلاة عليه صلَّى الله عليه وسلَّم

وقد تقدم الحديث الذي رواه البيهقي من حديث الأشعث بن طليق البزار من حديث الأصبهانيّ كلاهما عن مرة، عن ابن مسعود، في وصية النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يغسله رجال أهل بيته وأنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏كفِّنوني في ثيابي هذه، أو في يمانية، أو بياض مصر‏)‏‏)‏ وأنه إذا كفَّنوه يضعونه على شفير قبره، ثم يخرجون عنه حتَّى تصلي عليه الملائكة، ثم يدخل عليه رجال أهل بيته فيصلون عليه، ثم النَّاس بعدهم فرادى، الحديث بتمامه وفي صحته نظر كما قدمنا، والله أعلم‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عبَّاس عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ لما مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أُدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالاً حتَّى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالاً لم يأمهم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/286‏)‏

وقال الواقدي‏:‏ حدثني أُبي بن عياش بن سهل بن سعد عن أبيه، عن جده قال‏:‏ لما أُدرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في أكفانه وضع على سريره، ثم وضع على شفير حفرته، ثم كان النَّاس يدخلون عليه رفقاء رفقاء لا يؤمهم عليه أحد‏.‏

قال الواقدي‏:‏ حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم قال‏:‏ وجدت كتاباً بخط أبي فيه أنه لما كفِّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ووضع على سريره، دخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار بقدر ما يسع البيت فقالا‏:‏ السلام عليك أيها النَّبيّ ورحمة الله وبركاته، وسلَّم المهاجرون والأنصار كما سلَّم أبو بكر وعمر، ثم صفوا صفوفاً لا يؤمهم أحد، فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول حيال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ اللهم إنا نشهد أنه قد بلَّغ ما أنزل إليه، ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله حتَّى أعزَّ الله دينه، وتمت كلمته، وأومن به وحده لا شريك له، فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه، واجمع بيننا وبينه حتَّى تعرفه بنا وتعرفنا به، فإنه كان بالمؤمنين رؤفاً رحيماً، لا نبتغي بالإيمان به بديلاً، ولا نشتري به ثمناً أبداً‏.‏

فيقول النَّاس‏:‏ آمين آمين، ويخرجون ويدخل آخرون، حتَّى صلى الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان‏.‏

وقد قيل‏:‏ أنهم صلوا عليه من بعد الزوال يوم الإثنين إلى مثله من يوم الثلاثاء، وقيل‏:‏ إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون عليه، كما سيأتي بيان ذلك قريباً، والله أعلم‏.‏

وهذا الصنيع، وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه أمر مجمع عليه لا خلاف فيه، وقد اختلف في تعليله، فلو صح الحديث الذي أوردناه عن ابن مسعود لكان نصاً في ذلك، ويكون من باب التعبد الذي يعسر تعقل معناه، وليس لأحد أن يقول‏:‏ لأنه لم يكن لهم إمام، لأنا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه عليه السلام بعد تمام بيعة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه‏.‏

وقد قال بعض العلماء‏:‏ إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من النَّاس الصلاة عليه منه إليه، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة، من كل فرد فرد من آحاد الصحابة رجالهم، ونساءهم، وصبيانهم، حتَّى العبيد والإماء‏.‏

وأما السهيلي فقال ما حاصله‏:‏ أن الله قد أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، وأمر كل واحد من المؤمنين أن يباشر الصلاة عليه منه إليه، والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل‏.‏

قال‏:‏ وأيضاً فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة، فالله أعلم‏.‏

وقد اختلف المتأخرون من أصحاب الشافعي في مشروعية الصلاة على قبره لغير الصحابة‏:‏

فقيل‏:‏ نعم لأن جسده عليه السلام طري في قبره، لأن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، كما ورد بذلك الحديث في السنن وغيرها، فهو كالميت اليوم‏.‏

وقال آخرون‏:‏ لا يفعل، لأن السلف ممن بعد الصحابة لم يفعلوه، ولو كان مشروعاً لبادروا إليه، ولثابروا عليه، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/287‏)‏

 صفة دفنه عليه السلام وأين دفن

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، ثنا ابن جريج، أخبرني أبي - وهو‏:‏ عبد العزيز بن جريج - أن أصحاب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يدروا أين يقبروا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى قال أبو بكر‏:‏ سمعت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لم يقبر نبي إلا حيث يموت‏)‏‏)‏‏.‏

فأخَّروا فراشه، وحفروا تحت فراشه صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا فيه انقطاع بين عبد العزيز بن جريج وبين الصديق، فإنه لم يدركه‏.‏

لكن رواه الحافظ أبو يعلى من حديث ابن عبَّاس وعائشة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم فقال‏:‏ حدثنا أبو موسى الهروي، ثنا أبو معاوية، ثنا عبد الرحمن ابن أبي بكر عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت‏:‏ اختلفوا في دفن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين قبض، فقال أبو بكر‏:‏ سمعت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يقبض النَّبيّ إلا في أحب الأمكنة إليه‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ ادفنوه حيث قبض‏.‏

وهكذا رواه التِّرمذي عن أبي كريب، عن أبي معاوية، عن عبد الرحمن ابن أبي بكر المليكي، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت‏:‏ لما قبض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر‏:‏ سمعت من رسول الله شيئاً ما نسيته قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما قبض الله نبياً إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه‏)‏‏)‏ ادفنوه في موضع فراشه‏.‏

ثم إن التِّرمذي ضعَّف المليكي ثم قال‏:‏ وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه، رواه ابن عبَّاس عن أبي بكر الصديق، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقال الأموي عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن رجل حدثه عن عروة، عن عائشة أن أبا بكر قال‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه لم يدفن نبي قط إلا حيث قُبض‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو بكر ابن أبي الدنيا‏:‏ حدثني محمد بن سهل التميمي، ثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ كان بالمدينة حفاران، فلما مات النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالوا‏:‏ أين ندفنه‏؟‏

فقال أبو بكر رضي الله عنه‏:‏ في المكان الذي مات فيه، وكان أحدهما يلحد، والآخر يشق، فجاء الذي يلحد فلحد للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقد رواه مالك بن أنس عن هشام بن عروة، عن أبيه منقطعاً‏.‏

وقال أبو يعلى‏:‏ حدثنا جعفر بن مهران، ثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق، حدثني حسين بن عبد الله عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ لما أرادوا أن يحفروا للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وكان أبو عبيدة الجراح يضرح كحفر أهل مكة، وكان أبو طلحة زيد بن سهل هو الذي كان يحفر لأهل المدينة، وكان يلحد، فدعا العبَّاس رجلين فقال لأحدهما‏:‏ إذهب إلى أبي عبيدة‏.‏

وقال للآخر‏:‏ إذهب إلى أبي طلحة، اللهم خره لرسولك‏.‏

قال‏:‏ فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به، فلحد لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلما فرغ من جهاز رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه فقال قائل‏:‏ ندفنه في مسجده‏.‏

وقال قائل‏:‏ ندفنه مع أصحابه‏.‏

فقال أبو بكر‏:‏ إني سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض‏)‏‏)‏

فرفع فراش رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الذي توفي فيه، فحفروا له تحته، ثم أدخل النَّاس على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصلون عليه أرسالاً دخل الرجال حتَّى إذا فرغ منهم أدخل النساء، حتَّى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان، ولم يؤمَّ النَّاس على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحد، فدفن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من أوسط الليل ليلة الأربعاء‏.‏

وهكذا رواه ابن ماجه عن نصر بن علي الجهضمي، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، فذكر بإسناده مثله، وزاد في آخره‏:‏ ونزل في حفرته علي ابن أبي طالب، والفضل وقثم ابنا عبَّاس، وشقران مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /288‏)‏

قال أوس بن خولى - وهو أبو ليلى - لعلي ابن أبي طالب‏:‏ أنشدك الله‏!‏وحظنا من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال له علي‏:‏ إنزل، وكان شقران مولاه أخذ قطيفة كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يلبسها فدفنها في القبر وقال‏:‏ والله لا يلبسها أحد بعدك‏!‏

فدفنت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقد رواه الإمام أحمد عن حسين بن محمد، عن جرير بن حازم، عن ابن إسحاق مختصراً‏.‏

وكذلك رواه يونس بن بكير وغيره عن ابن إسحاق به‏.‏

وروى الواقدي عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، عن أبي بكر الصديق، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما قبض الله نبياً إلا ودفن حيث قبض‏)‏‏)‏‏.‏

وروى البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين أو محمد بن جعفر بن الزبير قال‏:‏ لما مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اختلفوا في دفنه فقالوا‏:‏ كيف ندفنه مع النَّاس، أو في بيوته‏؟‏

فقال أبو بكر‏:‏ إني سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏ما قبض الله نبياً إلا دفن حيث قبض‏)‏‏)‏ فدفن حيث كان فراشه، رفع الفراش وحفر تحته‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عثمان بن محمد الأخنسي، عن عبد الرحمن بن سعيد - يعني‏:‏ ابن يربوع - قال‏:‏ لما توفي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم اختلفوا في موضع قبره فقال قائل‏:‏ في البقيع فقد كان يكثر الإستغفار لهم‏.‏

وقال قائل‏:‏ عند منبره‏.‏

وقال قائل‏:‏ في مصلاه‏.‏

فجاء أبو بكر فقال‏:‏ إن عندي من هذا خبرا وعلما، سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏ما قبض نبي إلا دفن حيث توفي‏)‏‏)‏‏.‏

قال الحافظ البيهقي‏:‏ وهو في حديث يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد وفي حديث ابن جريج عن أبيه، كلاهما عن أبي بكر الصديق، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مرسلاً‏.‏

وقال البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن سلمة بن نبيط بن شريط، عن أبيه، عن سالم بن عبيد - وكان من أصحاب الصفة - قال‏:‏ دخل أبو بكر على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين مات ثم خرج فقيل له‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏!‏فعلموا أنه كما قال‏.‏

وقيل له‏:‏ أنصلي عليه، وكيف نصلي عليه‏؟‏

قال‏:‏ تجيئون عصباً عصباً فتصلون، فعلموا أنه كما قال‏.‏

قالوا‏:‏ هل يدفن، وأين‏؟‏

قال‏:‏ حيث قبض الله روحه، فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب، فعلموا أنه كما قال‏.‏

وروى البيهقي من حديث سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ عرضت عائشة على أبيها رؤيا وكان من أعبر النَّاس، قالت‏:‏ رأيت ثلاثة أقمار وقعن في حجري‏.‏

فقال لها‏:‏ إن صدقت رؤياك دفن في بيتك من خير أهل الأرض ثلاثة، فلما قبض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال يا عائشة‏:‏ هذا خير أقمارك‏.‏

ورواه مالك عن يحيى بن سعيد، عن عائشة منقطعاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/289‏)‏

وفي الصحيحين عنها أنها قالت‏:‏ توفي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وجمع الله بين ريقي وريقه في آخر ساعة من الدنيا وأول ساعة من الآخرة‏.‏

وفي صحيح البخاري من حديث أبي عوانة عن هلال الوراق، عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مرضه الذي مات فيه يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏‏)‏‏.‏

قالت عائشة‏:‏ ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً‏.‏

وقال ابن ماجه‏:‏ حدثنا محمود بن غيلان، ثنا هاشم بن القاسم، ثنا مبارك بن فضالة، حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال‏:‏ لما توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكان بالمدينة رجل يلحد، والآخر يضرح فقالوا‏:‏ نستخير الله ونبعث إليهما، فأيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

تفرد به ابن ماجه‏.‏

وقد رواه الإمام أحمد عن أبي النضر هاشم بن القاسم به‏.‏

وقال ابن ماجه أيضاً‏:‏ حدثنا عمر بن شبة عن عبيدة بن يزيد، ثنا عبيد بن طفيل، ثنا عبد الرحمن ابن أبي مليكة، حدثني ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت‏:‏ لما مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اختلفوا في اللحد والشق حتَّى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم‏.‏

فقال عمر‏:‏ لا تصخبوا عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حياً، ولا ميتاً - أو كلمة نحوها - فأرسلوا إلى الشقَّاق واللاحد جميعاً، فجاء اللاحد فلحد لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم دفن‏.‏

تفرد به ابن ماجه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، ثنا العمري عن نافع، عن ابن عمر، وعن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ألحد له لحد‏.‏

تفرد به أحمد من هذين الوجهين‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يحيى بن شعبة وابن جعفر، ثنا شعبة، حدثني أبو حمزة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ جعل في قبر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قطيفة حمراء‏.‏

وقد رواه مسلم، والتِّرمذي، والنسائي من طرق عن شعبة به‏.‏

وقد رواه وكيع عن شعبة وقال وكيع‏:‏ كان هذا خاصاً برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

رواه ابن عساكر‏.‏

وقال ابن سعد‏:‏ أنبانا محمد بن عبد الله الأنصاري، ثنا أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بسط تحته قطيفة حمراء كان يلبسها قال‏:‏ وكانت أرضاً ندية‏.‏

وقال هشيم بن منصور عن الحسن قال‏:‏ جعل في قبر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قطيفة حمراء كان أصابها يوم حنين‏.‏

قال الحسن‏:‏ جعلها لأن المدينة أرض سبخة‏.‏

وقال محمد بن سعد‏:‏ ثنا حماد بن خالد الخياط عن عقبة ابن أبي الصهباء سمعت الحسن يقول‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إفرشوا لي قطيفة في لحدي، فإن الأرض لم تسلط على أجساد الأنبياء‏)‏‏)‏‏.‏

وروى الحافظ البيهقي من حديث مسدد، ثنا عبد الواحد، ثنا معمر عن الزُّهري، عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ قال علي‏:‏ غسلت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فذهبت أنظر إلى ما يكون من الميت فلم أر شيئاً، وكان طيباً حياً وميتاً‏.‏

قال‏:‏ وولي دفنه عليه الصلاة والسلام وإجنانه دون النَّاس أربعة‏:‏ علي، والعبَّاس، والفضل، وصالح مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولحد للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم لحداً، ونصب عليه اللبن نصباً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /290‏)‏

وذكر البيهقي عن بعضهم أنه نصب على لحده عليه السلام تسع لبِنَات‏.‏

وروى الواقدي عن ابن أبي سبرة، عن عباس بن عبد الله بن معبد، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم موضوعاً على سريره من حين زاغت الشمس من يوم الإثنين إلى أن زاغت الشمس يوم الثلاثاء يصلي النَّاس عليه، وسريره على شفير قبره، فلما أرادوا أن يقبروه عليه السلام نحَّوا السرير قبل رجليه فأدخل من هناك، ودخل في حفرته العبَّاس، وعلي، وقثم، والفضل، وشقران‏.‏

وروى البيهقي من حديث إسماعيل السدي عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ دخل قبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم العبَّاس، وعلي، والفضل، وسوَّى لحده رجل من الأنصار، وهو الذي سوَّى لحود قبور الشهداء يوم بدر‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ صوابه يوم أُحد‏.‏

وقد تقدم رواية ابن إسحاق عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ كان الذين نزلوا في قبر رسول الله‏:‏ علي، والفضل، وقثم، وشقران، وذكر الخامس وهو أوس بن خولي، وذكر قصة القطيفة التي وضعها في القبر شقران‏.‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ أخبرنا أبو طاهر المحمد آبادي، ثنا أبو قلابة، ثنا أبو عاصم، ثنا سفيان بن سعيد - هو‏:‏ الثوري عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن الشعبي قال‏:‏ حدثني أبو مرحب قال‏:‏ كأني أنظر إليهم في قبر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أربعة، أحدهم عبد الرحمن بن عوف‏.‏

وهكذا رواه أبو داود عن محمد بن الصباح، عن سفيان، عن إسماعيل ابن أبي خالد به‏.‏

ثم رواه أحمد بن يونس عن زهير، عن إسماعيل، عن الشعبي، حدثني مرحب أو أبو مرحب أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف فلما فرغ علي قال‏:‏ إنما يلي الرجل أهله، وهذا حديث غريب جداً، وإسناده جيد قوي، ولا نعرفه إلا من هذا الوجه‏.‏

وقد قال أبو عمر بن عبد البر في ‏(‏استيعابه‏)‏‏:‏ أبو مرحب اسمه سويد بن قيس‏.‏

وذكر أبا مرحب آخر وقال‏:‏ لا أعرف خبره‏.‏

قال ابن الأثير في ‏(‏الغابة‏)‏‏:‏ فيحتمل أن يكون راوي هذا الحديث أحدهما، أو ثالثاً غيرهما، ولله الحمد‏.‏

 آخر النَّاس به عهداً عليه الصلاة والسلام

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يعقوب، ثنا أبي عن ابن إسحاق، حدثني أبي إسحاق بن يسار، عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن مولاه عبد الله بن الحارث قال‏:‏ اعتمرت مع علي في زمان عمر أو زمان عثمان، فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب، فلما فرغ من عمرته رجع فسكبت له غسلاً فاغتسل، فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق فقالوا‏:‏ يا أبا حسن جئناك نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه‏.‏

قال‏:‏ أظن المغيرة بن شعبة يحدِّثكم أنه كان أحدث النَّاس عهداً برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قالوا‏:‏ أجل‏!‏عن ذلك جئنا نسألك‏.‏

قال‏:‏ أحدث النَّاس عهداً برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قثم بن عبَّاس‏.‏

تفرد به أحمد من هذا الوجه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /291‏)‏

وقد رواه يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق به مثله سواء، إلا أنه قال قبله‏:‏ عن ابن إسحاق قال‏:‏ وكان المغيرة بن شعبة يقول‏:‏ أخذت خاتمي فألقيته في قبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقلت حين خرج القوم‏:‏ إن خاتمي قد سقط في القبر، وإنما طرحته عمداً لأمس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأكون آخر النَّاس عهداً به‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فحدثني والدي إسحاق بن يسار عن مقسم، عن مولاه، عن عبد الله بن الحارث قال‏:‏ اعتمرت مع علي، فذكر ما تقدم‏.‏

وهذا الذي ذكر عن المغيرة بن شعبة لا يقتضي أنه حصل له ما أمله، فإنه قد يكون علي رضي الله عنه لم يمكنه النزول في القبر، بل أمر غيره فناوله إياه، وعلى ما تقدم يكون الذي أمره بمناولته له‏:‏ قثم بن عبَّاس‏.‏

وقد قال الواقدي‏:‏ حدثني عبد الرحمن ابن أبي الزناد عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال‏:‏ ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في قبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقال علي‏:‏ إنما ألقيته لتقول نزلت في قبر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فنزل فأعطاه، أو أمر رجلاً فأعطاه‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا بهز وأبو كامل قالا‏:‏ ثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني، عن أبي عسيب أو أبي غنم قال بهز‏:‏ إنه شهد الصلاة على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قالوا‏:‏ كيف نصلي‏؟‏

قال‏:‏ إدخلوا أرسالاً، أرسالاً فكانوا يدخلون من هذا الباب، فيصلون عليه، ثم يخرجون من الباب الآخر‏.‏

قال‏:‏ فلما وضع في لحده قال المغيرة‏:‏ قد بقي من رجليه شيء لم تصلحوه، قالوا‏:‏ فادخل فأصلحه، فدخل وأدخل يده فمس قدميه عليه السلام‏.‏

فقال‏:‏ أهيلوا علي التراب، فأهالوا عليه حتَّى بلغ إلى أنصاف ساقيه، ثم خرج فكان يقول أنا أحدثكم عهداً برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

 متى وقع دفنه عليه الصلاة والسلام

وقال يونس عن ابن إسحاق، حدثتني فاطمة بنت محمد - امرأة عبد الله ابن أبي بكر - وأدخلني عليها حتَّى سمعته منها عن عمرة، عن عائشة أنها قالت‏:‏ ما علمنا بدفن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى سمعنا صوة المساحي في جوف ليلة الأربعاء‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ حدثنا ابن أبي سبرة عن الحليس بن هشام، عن عبد الله بن وهب، عن أم سلمة قالت‏:‏ بينا نحن مجتمعون نبكي لم ننم، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في بيوتنا، ونحن نتسلى برؤيته على السرير، إذ سمعنا صوت الكرارين في السحر قالت أم سلمة‏:‏ فصحنا، وصاح أهل المسجد فارتجت المدينة صيحة واحدة، وأذَّن بلال بالفجر، فلما ذكر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بكى وانتحب، فزادنا حزناً، وعالج النَّاس الدخول إلى قبره فغلق دونهم، فيالها من مصيبة ما أصبنا بعدها بمصيبة إلا هانت إذا ذكرنا مصيبتنا به صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقد روى الإمام أحمد من حديث محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم توفي يوم الإثنين، ودفن ليلة الأربعاء، وقد تقدم مثله في غير ما حديث وهو الذي نص عليه غير واحد من الأئمة سلفاً وخلفاً، منهم‏:‏ سليمان بن طرخان التيمي، وجعفر بن محمد الصادق، وابن إسحاق، وموسى بن عقبة، وغيرهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/292‏)‏

وقد روى يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد، عن بكار، عن محمد بن شعيب، عن الأوزاعيّ أنه قال‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الإثنين قبل أن ينتصف النهار، ودفن يوم الثلاثاء‏.‏

وهكذا روى الإمام أحمد عن عبد الرزاق، عن ابن جريج قال‏:‏ أُخبرت أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مات في الضحى يوم الإثنين، ودفن من الغد في الضحى‏.‏

وقال يعقوب‏:‏ حدثنا سفيان، ثنا سعيد بن منصور، ثنا سفيان عن جعفر بن محمد، عن أبيه وعن ابن جريج، عن أبي جعفر أن رسول الله توفي يوم الإثنين، فلبث ذلك اليوم وتلك الليلة، ويوم الثلاثاء إلى آخر النهار‏.‏

فهو قول غريب، والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه‏:‏ من أنه عليه السلام توفي يوم الإثنين، ودفن ليلة الأربعاء‏.‏

ومن الأقوال الغريبة في هذا أيضاً‏:‏ ما رواه يعقوب ابن سفيان عن عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، عن أبي النعمان، عن مكحول قال‏:‏ ولد رسول الله يوم الإثنين، وأوحي إليه يوم الإثنين، وهاجر يوم الإثنين، وتوفي يوم الإثنين لاثنتين وستين سنة ونصف، ومكث ثلاثة أيام لا يدفن، يدخل عليه النَّاس أرسالاً أرسالاً، يصلون لا يصفون ولا يؤمهم عليه أحد‏.‏

فقوله‏:‏ إنه مكث ثلاثة أيام لا يدفن غريباً، والصحيح‏:‏ أنه مكث بقية يوم الإثنين ويوم الثلاثاء بمكاله، ودفن ليلة الأربعاء كما قدمنا، والله أعلم‏.‏

وضده ما رواه سيف عن هشام، عن أبيه قال‏:‏ توفي رسول الله يوم الإثنين، وغسِّل يوم الإثنين، ودفن ليلة الثلاثاء‏.‏

قال سيف‏:‏ وحدثنا يحيى بن سعيد مرة بجميعه عن عائشة به، وهذا غريب جداً‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ حدثنا عبد الله بن جعفر عن ابن أبي عون، عن أبي عتيق، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ رُشَّ على قبر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الماء رشاً، وكان الذي رشه بلال بن رباح بقربة، بدأ من قبل رأسه من شقه الأيمن حتَّى انتهى إلى رجليه، ثمَّ ضرب بالماء إلى الجدار لم يقدر على أن يدور من الجدار‏.‏

وقال سعيد بن منصور عن الدراوردي، عن يزيد بن عبد الله ابن أبي يمن، عن أم سلمة قالت‏:‏ توفي رسول الله يوم الإثنين، ودفن يوم الثلاثاء‏.‏

وقال ابن خزيمة‏:‏ حدثنا مسلم بن حماد عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، عن كريب، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ توفي رسول الله يوم الإثنين، ودفن يوم الثلاثاء‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ حدثني أُبي بن عياش بن سهل بن سعد، عن أبيه قال‏:‏ توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الإثنين، ودفن ليلة الثلاثاء‏.‏

وقال أبو بكر ابن أبي الدنيا عن محمد بن سعد‏:‏ توفي رسول الله يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول، ودفن يوم الثلاثاء‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/293‏)‏

وقال عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا‏:‏ ثنا الحسن بن إسرائيل أبو محمد النهرتيري، ثنا عيسى بن يونس عن إسماعيل ابن أبي خالد سمعت عبد الله ابن أبي أوفى يقول‏:‏ مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الإثنين فلم يدفن إلا يوم الثلاثاء‏.‏

وهكذا قال سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو جعفر الباقر‏.‏

 صفة قبره عليه الصلاة والسلام

قد علم بالتواتر أنه عليه الصلاة والسلام دفن في حجرة عائشة التي كانت تختص بها شرقي مسجده في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة، ثم دفن بعده فيها أبو بكر، ثم عمر رضي الله عنهما‏.‏

وقد قال البخاري‏:‏ ثنا محمد بن مقاتل، ثنا أبو بكر ابن عياش عن سفيان التمار أنه حدثه أنه رأى قبر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مسنماً، تفرد به البخاري‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن أبي فديك، أخبرني عمرو بن عثمان بن هاني عن القاسم قال‏:‏ دخلت على عائشة وقلت لها‏:‏ يا أمَّه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وصاحبيه، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء‏.‏