فصل: باب انقياد الشَّجر لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


قصة أخرى في بيت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم -‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا علي بن عاصم، ثنا سليمان التيميّ عن أبي العلاء بن الشَّخير، عن سمرة بن جندب قال‏:‏ بينما نحن عند النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذ أتى بقصعة فيها ثريد‏.‏

قال‏:‏ فأكل وأكل القوم، فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من الظُّهر، يأكل قوم ثم يقومون، ويجيء قوم فيتعاقبونه‏.‏

قال‏:‏ فقال له رجل‏:‏ هل كانت تمد بطعام ‏؟‏

قال‏:‏ أما من الأرض فلا إلا أن تكون كانت تمدُّ من السَّماء‏.‏

ثم رواه أحمد عن يزيد بن هارون، عن سليمان، عن أبي العلاء، عن سمرة أنَّ رسول الله أتى بقصعة فيها ثريد، فتعاقبوها إلى الظُّهر من غدوة يقوم ناس ويقعد آخرون‏.‏

قال له رجل‏:‏ هل كانت تمد ‏؟‏

فقال‏:‏ له فمن أين تعجب، ما كانت تمد إلا من ههنا، وأشار إلى السَّماء‏.‏

وقد رواه التّرمذيّ والنَّسائي أيضاً من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه، عن أبي العلاء - واسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير -، عن سمرة بن جندب به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/123‏)‏

قصة قصعة بيت الصِّديق‏:‏

ولعلها هي القصة المذكورة في حديث سمرة، والله أعلم‏.‏

قال البخاريّ‏:‏ ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا معتمر عن أبيه، ثنا عثمان أنَّه حدثه عبد الرَّحمن ابن أبي بكر رضي الله عنهما أنَّ أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء، وأنَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال مرة‏:‏ ‏(‏‏(‏من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس - أو كما قال -‏)‏‏)‏ وأن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعشرة وأبو بكر بثلاثة‏.‏

قال‏:‏ فهو أنا وأبي وأمي، ولا أدري هل قال‏:‏ امرأتي وخادمي من بيتنا وبيت أبي بكر، وإنَّ أبا بكر تعشَّى عند النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ لبث حتى صلَّى العشاء، ثمَّ رجع فلبث حتَّى تعشَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فجاء بعد ما مضى من اللَّيل ما شاء الله‏.‏

قالت له امرأته‏:‏ ما حبسك عن أضيافك أو ضيفك ‏؟‏

قال‏:‏ أو ما عشَّيتهم ‏؟‏

قالت‏:‏ أبوا حتَّى تجيء، قد عرضوا عليهم فغلبوهم‏.‏

فذهبت فاختبأت فقال‏:‏ يا غنثر - فجدع وسب - وقال‏:‏ كلوا‏.‏

وقال‏:‏ لا أطعمه أبداً، والله ما كنَّا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، حتَّى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل، فنظر أبو بكر فأخذه هي شيء أو أكثر، فقال لامرأته‏:‏ ما هذا يا أخت بني فراس ‏؟‏

قالت‏:‏ لا وقرة عيني هي الآن أكثر مما قبل بثلاث مرار‏.‏

فأكل منها أبو بكر وقال‏:‏ إنما كان الشَّيطان - يعني‏:‏ يمينه -، ثمَّ أكل منها لقمة، ثمَّ حملها إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين قوم عهد فمضى الأجل فعرفنا اثني عشر رجلاً مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم‏.‏

قال‏:‏ فأكلوا منها أجمعون، أو كما قال‏:‏ وغيرهم يقول‏:‏ فتفرقنا‏.‏

هذا لفظه، وقد رواه في مواضع أخر من صحيحه، ومسلم من غير وجه عن أبي عثمان عبد الرَّحمن بن مل النهدي، عن عبد الرَّحمن ابن أبي بكر‏.‏

حديث آخر عن عبد الرَّحمن ابن أبي بكر في هذا المعنى‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا حازم، ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه، عن أبي عثمان، عن عبد الرَّحمن ابن أبي بكر أنَّه قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاثين ومائة‏.‏

فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏هل مع أحد منكم طعام‏؟‏‏)‏‏)‏

فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن، ثمَّ جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها‏.‏

فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أبيعاً أم عطية‏؟‏ - أو قال‏:‏ - أم هدية‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ لا بل بيع، فاشترى منه شاة فصنعت‏.‏

وأمر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بسواد البطن أن يشوى‏.‏

قال‏:‏ وأيم الله ما من الثلاثين والمائة، إلا قد حز له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حزة من سواد بطنها إن كان شاهداً أعطاه إياه، وإن كان غائباً خبأ له‏.‏

قال‏:‏ وجعل منها قصعتين قال‏:‏ فأكلنا منهما أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين فجعلناه على البعير، أو كما قال‏.‏

وقد أخرجه البخاريّ، ومسلم من حديث معتمر بن سليمان‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/124‏)‏

حديث آخر في تكثير الطَّعام في السَّفر

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا فزارة بن عمر، أنَّا فليح عن سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال‏:‏ خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة غزاها، فأرمل فيها المسلمون واحتاجوا إلى الطَّعام، فاستأذنوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في نحر الإبل فأذن لهم، فبلغ ذلك عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه‏.‏

قال‏:‏ فجاء فقال‏:‏ يا رسول الله إبلهم تحملهم وتبلغهم عدوهم ينحرونها‏؟‏ أدع يا رسول الله بغبرات الزَّاد، فادع الله عزَّ وجل فيها بالبركة‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أجل‏)‏‏)‏ فدعا بغبرات الزَّاد، فجاء النَّاس بما بقي معهم فجمعه، ثمَّ دعا الله عزَّ وجل فيه بالبركة، ودعاهم بأوعيتهم فملأها وفضل فضل كثير‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عند ذلك‏:‏ ‏(‏‏(‏أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني عبد الله ورسوله، ومن لقي الله عزَّ وجل بهما غير شاك دخل الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

وكذلك رواه جعفر الفريابيّ عن أبي مصعب الزُّهريّ، عن عبد العزيز ابن أبي حازم، عن أبيه سهيل به‏.‏

ورواه مسلم، والنسائي جميعاً عن أبي بكر ابن أبي النضر، عن أبيه، عن عبيد الله الأشجعيّ، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به‏.‏

وقال الحافظ أبو يعلى الموصليّ‏:‏ ثنا زهير، ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح سعيد، أو عن أبي هريرة - شكَّ الأعمش - قال‏:‏ لما كانت غزوة تبوك أصاب النَّاس مجاعة فقالوا‏:‏ يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا، وادهنا ‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إفعلوا‏)‏‏)‏‏.‏

فجاء عمر فقال‏:‏ يا رسول الله إن فعلوا قلَّ الظَّهر، ولكن أدعهم بفضل أزوادهم، ثمَّ أدع لهم عليها بالبركة لعلَّ الله أن يجعل في ذلك البركة‏.‏

فأمر رسول الله بنطع فبسط، ودعا بفضل أزوادهم قال‏:‏ فجعل الرَّجل يجيء بكفّ التَّمر، والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع شيء من ذلك يسير، فدعا عليهم بالبركة ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذوا في أوعيتكم‏)‏‏)‏ فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأه، وأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة‏.‏

فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بها عبد غير شاك فتحتجب عنه الجنَّة‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه مسلم أيضاً عن سهل ابن عثمان وأبي كريب، كلاهما عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، وأبي هريرة فذكر مثله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/125‏)‏

حديث آخر في هذه القصة‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا علي بن إسحاق، ثنا عبد الله - هو ابن المبارك -، أنَّا الأوزاعيّ، أنَّا المطلب بن حنطب المخزوميّ، حدَّثني عبد الرَّحمن ابن أبي عمرة الأنصاريّ، حدَّثني أبي قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزاة، فأصاب النَّاس مخمصة، فاستأذن النَّاس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في نحر بعض ظهورهم وقالوا‏:‏ يبلغنا الله به‏.‏

فلمَّا رأى عمر بن الخطَّاب أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد همَّ أن يأذن لهم في نحر بعض ظهورهم‏.‏

قال‏:‏ يا رسول الله كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غداً جياعاً رجالاً‏؟‏ ولكن إن رأيت يا رسول الله أن تدعو لنا ببقايا أزوادهم وتجمعها، ثمَّ تدعو الله فيها بالبركة فإنَّ الله سيبلغنا بدعوتك، أو سيبارك لنا في دعوتك، فدعا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ببقايا أزوادهم، فجعل النَّاس يجيئون بالحبة من الطَّعام وفوق ذلك، فكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثمَّ قام فدعا ما شاء الله أن يدعو، ثمَّ دعا الجيش بأوعيتهم وأمرهم أن يحتثوا، فما بقي في الجيش وعاء إلا ملأوه وبقي مثله، فضحك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى بدت نواجذه وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني رسول الله، لا يلقى الله عبد يؤمن بهما إلا حجبت عنه النَّار يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه النَّسائي من حديث عبد الله بن المبارك بإسناده نحو ما تقدم‏.‏

حديث آخر في هذه القصة‏:‏

قال الحافظ أبو بكر البزَّار‏:‏ ثنا أحمد بن المعلى الآدميّ، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا سعيد بن سلمة، حدَّثني أبو بكر - أظنَّه من ولد عمر بن الخطَّاب -عن إبراهيم بن عبد الرَّحمن ابن أبي ربيعة أنَّه سمع أبا خنيس الغفاريّ أنَّه كان مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة تهامة حتَّى إذا كنَّا بعسفان جاءه أصحابه فقالوا‏:‏ يا رسول الله جهدنا الجوع، فأذن لنا في الظَّهر أن نأكله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏‏.‏

فأُخبر بذلك عمر بن الخطَّاب، فجاء رسول الله فقال‏:‏ يا نبي الله ما صنعت‏؟‏ أمرت النَّاس أن ينحروا الظَّهر فعلى ما يركبون‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فما ترى يا ابن الخطَّاب‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ أرى أن تأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم فتجمعه في ثوب ثمَّ تدعو لهم، فأمرهم، فجمعوا فضل أزوادهم في ثوب ثمَّ دعا لهم ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إئتوا بأوعيتكم‏)‏‏)‏ فملأ كل إنسان وعاءه، ثمَّ أذن بالرَّحيل، فلما جاوز مطروا فنزل ونزلوا معه وشربوا من ماء السَّماء، فجاء ثلاثة نفر فجلس إثنان مع رسول الله، وذهب الآخر معرضاً‏.‏

فقال رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا أخبركم عن النَّفر الثلاثة‏:‏ أما واحد فاستحى من الله فاستحى الله منه، وأما الآخر فأقبل تائباً فتاب الله عليه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه‏)‏‏)‏

ثمَّ قال البزَّار‏:‏ لا نعلم روى أبو خنيس إلا هذا الحديث بهذا الإسناد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/126‏)‏

وقد رواه البيهقيّ عن الحسين بن بشران، عن أبي بكر الشَّافعي، ثنا إسحاق بن الحسن الخرزي، أنَّا أبو رجاء، ثنا سعيد بن سلمة، حدَّثني أبو بكر بن عمرو بن عبد الرَّحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب، عن إبراهيم بن عبد الرِّحمن بن عبد الله ابن أبي ربيعة أنَّه سمع أبا خنيس الغفاريّ فذكره‏.‏

حديث آخر عن عمر بن الخطَّاب في هذه القصة‏:‏

قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ ثنا ابن هشام - محمد بن يزيد الرفاعي - ثنا ابن فضل، ثنا يزيد - وهو ابن أبي زياد - عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم، عن أبيه، عن جده عمر قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزاة‏.‏

فقلنا‏:‏ يا رسول الله إنَّ العدو قد حضر وهم شباع، والنَّاس جياع‏.‏

فقالت الأنصار‏:‏ ألا ننحر نواضحنا فنطعمها النَّاس ‏؟‏

فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -‏:‏ ‏(‏‏(‏من كان معه فضل طعام فليجيء به‏)‏‏)‏ فجعل الرَّجل يجيء بالمد والصاع وأقل وأكثر، فكان جميع ما في الجيش بضعاً وعشرين صاعاً، فجلس النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى جنبه فدعا بالبركة‏.‏

فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏خذوا ولا تنتهبوا‏)‏‏)‏ فجعل الرَّجل يأخذ في جرابه، وفي غرارته، وأخذوا في أوعيتهم حتى أنَّ الرَّجل ليربط كم قميصه فيملؤه، ففرغوا والطَّعام كما هو‏.‏

ثم قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أشهد أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله، لا يأتي بها عبد محق إلا وقاه الله حرَّ النَّار‏)‏‏)‏

ورواه أبو يعلى أيضاً عن إسحاق بن إسمعيل الطالقاني، عن جرير، عن يزيد ابن أبي زياد فذكره، وما قبلة شاهد له بالصِّحة، كما أنَّه متابع لما قبله، والله أعلم‏.‏

حديث آخر عن سلمة بن الأكوع في ذلك‏:‏

قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ ثنا محمد بن بشَّار، ثنا يعقوب بن إسجاق الحضرميّ القاريّ، ثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة خيبر، فأمرنا أن نجمع ما في أزوادنا - يعني من التَّمر - فبسط نطعاً نشرنا عليه أزوادنا‏.‏

قال‏:‏ فتمطيت فتطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة، ونحن أربع عشرة مائة‏.‏

قال‏:‏ فأكلنا، ثمَّ تطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة‏.‏

وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏هل من وضوء‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فجاء رجل بنقطة في إداوته‏.‏

قال‏:‏ فقبضها فجعلها في قدح‏.‏

قال‏:‏ فتوضأنا كلنا ندغفقها دغفقة، ونحن أربع عشرة مائة‏.‏

قال‏:‏ فجاء أناس فقالوا‏:‏ يا رسول الله ألا وضوء ‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏قد فرغ الوضوء‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه مسلم عن أحمد بن يوسف السلميّ، عن النضر بن محمد، عن عكرمة بن عمار، عن إياس، عن أبيه سلمة وقال‏:‏ فأكلنا حتى شبعنا، ثمَّ حشونا جربنا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/127‏)‏

وتقدَّم ما ذكره ابن إسحاق في حفر الخندق حيث قال‏:‏ حدَّثني سعيد بن ميناء أنَّه قد حدِّث أنَّ ابنة لبشير بن سعد - أخت النُّعمان بن بشير - قالت‏:‏ دعتني أمي عمرة بنت رواحة، فأعطتني جفنة من تمر في ثوبي ثم قالت‏:‏ أي بنية اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بغدائهما‏.‏

قالت‏:‏ فأخذتها فانطلقت بها فمررت برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا ألتمس أبي وخالي‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏تعالي يا بنية ما هذا معك‏؟‏‏)‏‏)‏

قالت‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هاتيه‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ فصببته في كفَّي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فما ملأتهما، ثمَّ أمر بثوب فبسط له، ثمَّ دعا بالتَّمر فنبذ فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده‏:‏ ‏(‏‏(‏إصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغداء‏)‏‏)‏ فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنَّه ليسقط من أطراف الثوب‏.‏

قصة جابر ودين أبيه وتكثيره عليه السلام التَّمر‏:‏

قال البخاري في ‏(‏دلائل النبوة‏)‏‏:‏ حدَّثنا أبو نعيم، ثنا زكريا، حدَّثني عامر، حدَّثني جابر أنَّ أباه توفي وعليه دين، فأتيت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقلت‏:‏ إنَّ أبي ترك عليه ديناً وليس عندي إلا ما يخرج نخله، ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه، فانطلق معي لكيلا يفحش علي الغرماء، فمشى حول بيدر من بيادر التَّمر فدعا ثمَّ آخر، ثمَّ جلس عليه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنزعوه‏)‏‏)‏ فأوفاهم الذي لهم، وبقي مثل ما أعطاهم‏.‏

هكذا رواه هنا مختصراً، وقد أسنده من طرق عن عامر بن شراحيل الشعبيّ عن جابر به‏.‏

وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة عن جابر بألفاظ كثيرة، وحاصلها أنَّه ببركة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ودعائه له، ومشيه في حائطه، وجلوسه على تمره، وفَّى الله دين أبيه وكان قد قتل بأحد، وجابر كان لا يرجوه وفاءه في ذلك العام ولا ما بعده، ومع هذا فضل له من التَّمر أكثر فوق ما كان يؤمله ويرجوه، ولله الحمد والمنة‏.‏

قصة سلمان‏:‏

في تكثيره صلَّى الله عليه وسلَّم تلك القطعة من الذَّهب لوفاء دينه في مكاتبته‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يعقوب، حدَّثنا أبي عن ابن إسحاق، حدَّثني يزيد ابن أبي حبيب، عن رجل من عبد القيس عن سلمان قال‏:‏ لما قلت‏:‏ وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله ‏؟‏

أخذها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقلبها على لسانه ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذها فأوفهم منها‏)‏‏)‏‏.‏

فأخذتها فأوفيتهم منها حقهم أربعين أوقية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/128‏)‏

ذكر مزود أبي هريرة وتمرة‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يونس، حدَّثنا حماد - يعني ابن زيد - عن المهاجر، عن أبي العالية، عن أبي هريرة قال‏:‏ أتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوماً بتمرات‏.‏

فقال‏:‏ قلت‏:‏ أدع الله لي فيهن بالبركة‏.‏

قال‏:‏ فصفَّهنَّ بين يديه، ثمَّ دعا فقال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏إجعلهنَّ في مزود، وأدخل يدك ولا تنثره‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فحملت منه كذا كذا وسقاً في سبيل الله ونأكل ونطعم، وكان لا يفارق حقوي، فلمَّا قتل عثمان رضي الله عنه انقطع عن حقوي فسقط‏.‏

ورواه التّرمذيّ عن عمران بن موسى القزاز البصريّ، عن حماد بن زيد، عن المهاجر، عن أبي مخلد، عن رفيع أبي العالية عنه، وقال التّرمذيّ‏:‏ حسن غريب من هذا الوجه‏.‏

طريق أخرى عنه‏:‏

قال الحافظ أبو بكر البيهقيّ‏:‏ أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفَّار، أنَّا الحسين بن يحيى بن عبَّاس القطَّان، ثنا حفص بن عمر، ثنا سهل بن زياد، ثنا أيوب السختيانيّ عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزاة فأصابهم عوز من الطَّعام‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا هريرة عندك شيء‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ شيء من تمر في مزود لي‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏جيء به‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فجئت بالمزود‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هات نطعاً‏)‏‏)‏ فجئت بالنَّطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التَّمر فأخذه هو واحد وعشرون ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بسم الله‏)‏‏)‏ فجعل يضع كل تمرة ويسمي حتى أتى على التَّمر فقال به هكذا فجمعه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع فلاناً وأصحابه‏)‏‏)‏ فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع فلاناً وأصحابه‏)‏‏)‏ فأكلوا حتى شبعوا، وخرجوا‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع فلاناً وأصحابه‏)‏‏)‏ فأكلوا، وشبعوا، وخرجوا‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع فلاناً وأصحابه‏)‏‏)‏ فأكلوا وشبعوا وخرجوا وفضل‏.‏

ثم قال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏أقعد‏)‏‏)‏ فقعدت فأكل وأكلت‏.‏

قال‏:‏ وفضل تمر فأدخلته في المزود‏.‏

وقال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا هريرة إذا أردت شيئاً فأدخل يدك وخذه، ولا تكفي فيكفى عليك‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فما كنت أريد تمراً إلا أدخلت يدي فأخذت منه، خمسين وسقاً في سبيل الله‏.‏

قال‏:‏ وكان معلقاً خلف رحلي، فوقع في زمن عثمان فذهب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/129‏)‏

طريق أخرى عن أبي هريرة في ذلك‏:‏

روى البيهقيّ من طريقين عن سهل بن أسلم العدويّ، عن يزيد ابن أبي منصور، عن أبيه، عن أبي هريرة قال‏:‏ أصبت بثلاث مصيبات في الإسلام لم أصب بمثلهن‏:‏ موت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكنت صويحبه، وقتل عثمان والمزود‏.‏

قالوا‏:‏ وما المزود يا أبا هريرة ‏؟‏

قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا هريرة أمعك شيء‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ تمر في مزود‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏جيء به‏)‏‏)‏

فأخرجت تمراً فأتيته به قال‏:‏ فمسَّه ودعا فيه‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع عشرة‏)‏‏)‏ فدعوت عشرة فأكلوا حتَّى شبعوا، ثمَّ كذلك حتى أكل الجيش كله، وبقي من التَّمر معي في المزود‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا هريرة إذا أردت أن تأخذ منه شيئاً فأدخل يدك فيه، ولا تكفه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأكلت منه حياة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأكلت منه حياة أبي بكر كلها، وأكلت منه حياة عمر كلها، وأكلت منه حياة عثمان كلها، فلمَّا قتل عثمان انتهب ما في يدي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه‏؟‏ أكلت منه أكثر من مائتي وسق‏.‏

طريق أخرى‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو عامر، ثنا إسمعيل - يعني ابن مسلم - عن أبي المتوكل، عن أبي هريرة قال‏:‏ أعطاني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم شيئاً من تمر، فجعلته في مكتل فعلقناه في سقف البيت، فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره إصابة أهل الشَّام حيث أغاروا بالمدينة‏.‏

تفرَّد به أحمد‏.‏

حديث عن العرباض بن سارية في ذلك‏:‏

رواه الحافظ بن عساكر في ترجمته من طريق محمد بن عمر الوافدي‏:‏ حدَّثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعد، عن العرباض قال‏:‏ كنت ألزم باب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحضر والسَّفر، فرأينا ليلة ونحن بتبوك أو ذهبنا لحاجة فرجعنا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد تعشَّى ومن عنده فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أين كنت منذ الليلة‏؟‏‏)‏‏)‏

فأخبرته، وطلع جعال بن سراقة، وعبد الله بن معقل المزنيّ فكنَّا ثلاثة كلنا جائع فدخل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيت أم سلمة فطلب شيئاً نأكله فلم يجده، فنادى بلالاً‏:‏ ‏(‏‏(‏هل من شيء‏؟‏‏)‏‏)‏

فأخذ الجرب ينقفها، فاجتمع سبع تمرات فوضعها في صحفة ووضع عليهن يده وسمى الله وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلوا باسم الله‏)‏‏)‏‏.‏

فأكلنا، فأحصيت أربعاً وخمسين تمرة، كلَّها أعدها ونواها في يدي الأخرى، وصاحباي يصنعان ما أصنع، فأكل كل منهما خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التَّمرات السبع كما هن فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا بلال ارفعهن في جرابك‏)‏‏)‏‏.‏

فلما كان الغد وضعهنَّ في الصحفة وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلوا بسم الله‏)‏‏)‏ فأكلنا حتى شبعنا، وإنا لعشرة، ثمَّ رفعنا أيدينا وإنهن كما هنَّ سبع فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لولا أني أستحي من ربي عزَّ وجل لأكلت من هذه التَّمرات حتى نرد إلى المدينة عن آخرنا‏)‏‏)‏‏.‏

فلما رجع إلى المدينة طلع غليم من أهل المدينة، فدفعهنَّ إلى ذلك الغلام فانطلق يلوكهنَّ‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/130‏)‏

حديث آخر‏:‏

روى البخاري ومسلم من حديث أبي أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت له‏:‏ لقد توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتَّى طال عليَّ فكلته، ففني‏.‏

حديث آخر‏:‏

روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن شبيب، عن الحسن بن أعين، عن معقل، عن أبي الزُّبير، عن جابر أنَّ رجلاً أتى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرَّجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم‏)‏‏)‏‏.‏

وبهذا الإسناد عن جابر أنَّ أم مالك كانت تهدي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في عكتها سمناً، فيأتيها بنوها فيسألون الأدم وليس عندها شيء فتعمد إلى التي كانت تهدي فيه إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فتجد فيه سمناً، فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها، فأتت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أعصرتيها‏؟‏‏)‏‏)‏

قالت‏:‏ نعم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو تركتيها ما زالت قائمة‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواهما الإمام أحمد عن موسى، عن ابن لهيعة، عن أبي الزُّبير، عن جابر‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو عبد الله الحافظ، أنَّا أبو جعفر البغداديّ، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا حسَّان بن عبد الله، ثنا ابن لهيعة، ثنا يونس بن يزيد، ثنا أبو إسحاق عن سعيد بن الحرث بن عكرمة، عن جده نوفل بن الحرث بن عبد المطَّلب أنَّه استعان رسول الله في التَّزويج فأنكحه امرأة فالتمس شيئاً فلم يجده، فبعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبا رافع وأبا أيُّوب بدرعه فرهناها عند رجل من اليهود بثلاثين صاعاً من شعير، فدفعه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إليه‏.‏

قال‏:‏ فطعمنا منه نصف سنة، ثمَّ كلناه فوجدناه كما أدخلناه‏.‏

قال نوفل‏:‏ فذكرت ذلك لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو لم تكله لأكلت منه ما عشت‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/131‏)‏

حديث آخر‏:‏

قال الحافظ البيهقيّ في‏(‏الدَّلائل‏)‏‏:‏ أنَّا عبد الله بن يوسف الأصبهانيّ، أنَّا أبو سعيد بن الأعرابيّ، ثنا عبَّاس بن محمد الدوريّ، أنَّا أحمد بن عبد الله بن يونس، أنَّا أبو بكر ابن عيَّاش عن هشام - يعني‏:‏ ابن حسَّان -، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال‏:‏ أتى رجل أهله فرأى ما بهم من الحاجة فخرج إلى البريَّة‏.‏

فقالت امرأته‏:‏ اللَّهم ارزقنا ما نعتجن ونختبز‏.‏

قال‏:‏ فإذا الجفنة ملأى خميراً، والرَّحى تطحن، والتَّنُّور ملأى خبزاً وشواءً‏.‏

قال‏:‏ فجاء زوجها فقال‏:‏ عندكم شيء ‏؟‏

قالت‏:‏ نعم رزق الله، فرفع الرَّحى فكنس ما حوله، فذكر ذلك للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو تركها لدارت إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان‏:‏ أنَّا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا أبو إسمعيل التّرمذيّ، ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، حدَّثني اللَّيث بن سعد، عن سعيد ابن أبي سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة أنَّ رجلاً من الأنصار كان ذا حاجة فخرج وليس عند أهله شيء فقالت امرأته‏:‏ لو حرَّكت رحاي وجعلت في تنوري سعفات، فسمع جيراني صوت الرَّحى ورأوا الدُّخان فظنُّوا أنَّ عندنا طعاماً وليس بنا خصاصة، فقامت إلى تنورها فأوقدته وقعدت تحرك الرَّحا‏.‏

قال‏:‏ فأقبل زوجها وسمع الرَّحا، فقامت إليه لتفتح له الباب‏.‏

فقال‏:‏ ماذا كنت تطحنين ‏؟‏

فأخبرته فدخلا وإنَّ رحاهما لتدور، وتصب دقيقاً، فلم يبق في البيت وعاء إلا ملئ، ثمَّ خرجت إلى تنورها فوجدته مملوءاً خبزاً، فأقبل زوجها فذكر ذلك للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فما فعلت الرَّحا‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ رفعتها ونفضتها‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لو تركتموها ما زالت لكم حياتي - أو قال‏:‏ - حياتكم‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا الحديث غريب سنداً ومتناً‏.‏

حديث آخر‏:‏

وقال مالك عن سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ضافه ضيف كافر فأمر بشاة فحلبت فشرب حلابها، ثمَّ أخرى فشرب حلابها، ثم أخرى فشرب حلابها، حتَّى شرب حلاب سبع شياه، ثمَّ إنَّه أصبح فأسلم، فأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها، ثمَّ أمر له بأخرى فلم يستتمها‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ المسلم يشرب في معاً واحدٍ، والكافر يشرب في سبعة أمعاء‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه مسلم من حديث مالك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/132‏)‏

حديث آخر‏:‏

قال الحافظ البيهقيّ‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، ثنا أحمد بن عبيد الصفار، حدَّثني محمد بن الفضل بن حاتم، ثنا الحسين بن عبد الأوَّل، ثنا حفص بن غياث، ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال‏:‏ ضاف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أعرابي قال‏:‏ فطلب له شيئاً فلم يجد إلا كسرة في كوة قال‏:‏ فجزأها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أجزاء ودعا عليها وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كُل‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأكل فأفضل‏.‏

قال‏:‏ فقال‏:‏ يا محمد إنَّك لرجل صالح‏.‏

فقال له النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أسلم‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ إنَّك لرجل صالح‏.‏

ثمَّ رواه البيهقيّ من حديث سهل بن عثمان عن حفص بن غياث بإسناده نحوه‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال الحافظ البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو عبد الله الحافظ، أنَّا أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال‏:‏ وفيما ذكر عبدان الأهوازيّ، ثنا محمد بن زياد البرجميّ، ثنا عبيد الله بن موسى عن مسعر، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ أضاف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ضيف، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهنَّ طعاماً فلم يجد عند واحدة منهنَّ شيئاً فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللَّهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنَّه لا يملكها إلا أنت‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأهديت له شاة مصليَّة‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا من فضل الله، ونحن ننتظر الرَّحمة‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عليّ‏:‏ حدَّثنيه محمد بن عبدان الأهوازيّ عنه قال‏:‏ والصَّحيح عن زبيد مرسلاً، حدَّثناه محمد بن عبدان، حدَّثنا أبي، ثنا الحسن بن الحرث الأهوازيّ، أنَّا عبيد الله بن موسى عن مسعر، عن زبيد فذكره مرسلاً‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو عبد الرَّحمن السلميّ، ثنا أبو عمر بن حمدان، أنَّا الحسن بن سفيان، ثنا إسحاق بن منصور، ثنا سليمان بن عبد الرَّحمن، ثنا عمرو بن بشر بن السرح، ثنا الوليد بن سليمان ابن أبي السائب، ثنا واثلة بن الخطَّاب عن أبيه، عن جده واثلة بن الأسقع قال‏:‏ حضر رمضان ونحن في أهل الصَّفة فصمنا، فكنَّا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجل من أهل البيعة فانطلق به فعشَّاه، فأتت علينا ليلة لم يأتنا أحد وأصبحنا صياماً، وأتت علينا القابلة فلم يأتنا أحد، فانطلقنا إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبرناه بالذي كان من أمرنا، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها هل عندهاشيء‏؟‏ فما بقيت منهنَّ امرأة إلا أرسلت تقسم ما أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد‏.‏

فقال لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏فاجتمعوا‏)‏‏)‏ فدعا وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللَّهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنها بيدك لا يملكها أحد غيرك‏)‏‏)‏‏.‏

فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن فإذا بشاة مصليَّة ورغف، فأمر بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا‏.‏

فقال لنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّا سألنا الله من فضله ورحمته فهذا فضله، وقد ادخر لنا عنده رحمته‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/133‏)‏

حديث الذِّراع‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا إسماعيل، ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي إسحاق، حدَّثني رجل من بني غفار في مجلس سالم بن عبد الله قال‏:‏ حدَّثني فلان أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أتي بطعام من خبز ولحم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏ فنوول ذراعاً‏.‏

قال يحيى‏:‏ لا أعلمه إلا هكذا ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏ فنوول ذراعاً فأكلها‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله إنما هما ذراعان‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏وأبيك لو سكتَّ ما زلت أناول منها ذراعاً ما دعوت به‏)‏‏)‏

فقال سالم‏:‏ أمَّا هذه فلا، سمعت عبد الله بن عمر يقول‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم‏)‏‏)‏‏.‏

هكذا وقع إسناد هذا الحديث، وهو عن مبهم عن مثله‏.‏

وقد روي من طرق أخرى‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا خلف بن الوليد، حدَّثنا أبو جعفر - يعني‏:‏ الرَّازيّ - عن شرحبيل، عن أبي رافع مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ أهديت له شاة فجعلها في القدر، فدخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما هذا يا أبا رافع‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ شاة أهديت لنا يا رسول الله، فطبختها في القدر‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناولني الذِّراع يا أبا رافع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته الذِّراع‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناولني الذِّراع الآخر‏)‏‏)‏

فناولته الذِّراع الآخر‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناولني الذِّراع الآخر‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله إنما للشَّاة ذراعان‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أما إنَّك لو سكتَّ لناولتني ذراعاً فذراعاً ما سكتّ‏)‏‏)‏ ثمَّ دعا بماء فمضمض فاه، وغسل أطراف أصابعه، ثمَّ قام فصلَّى، ثمَّ عاد إليهم فوجد عندهم لحماً بارداً فأكل، ثمَّ دخل المسجد فصلَّى ولم يمس ماء‏.‏

طريق أخرى عن أبي رافع‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا مؤمل، ثنا حماد، حدَّثني عبد الرَّحمن ابن أبي رافع، عن عمَّته، عن أبي رافع قال‏:‏ صنع لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم شاة مصلية فأتى بها فقال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله وهل للشَّاة إلا ذراعان‏؟‏‏!‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو سكت لناولتني منها ما دعوت به‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يعجبه الذِّراع‏.‏

قلت‏:‏ ولهذا لما علمت اليهود - عليهم لعائن الله - بخيبر سمُّوه في الذِّراع في تلك الشَّاة التي أحضرتها زينب اليهودية، فأخبره الذِّراع بما فيه السُّم لما نهس منه نهسة كما قدمنا ذلك في غزوة خيبر مبسوطاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/134‏)‏

طريق أخرى‏:‏

قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، حدَّثني قائد مولى عبيد الله ابن أبي رافع قال‏:‏ أتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الخندق بشاة في مكتل فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله أللشاة إلا ذراعان ‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو سكتَّ ساعة ناولتنيه ما سألتك‏)‏‏)‏‏.‏

فيه انقطاع من هذا الوجه‏.‏

وقال أبو يعلى أيضاً‏:‏ ثنا محمد ابن أبي بكر المقدميّ، ثنا فضيل بن سليمان، ثنا قايد مولى عبيد الله، حدَّثني عبيد الله أنَّ جدته سلمى أخبرته أنَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعث إلى أبي رافع بشاة وذلك يوم الخندق فيما أعلم، فصلاها أبو رافع ليس معها خبز، ثمَّ انطلق بها فلقيه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم راجعاً من الخندق فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ضع الذي معك‏)‏‏)‏ فوضعه‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله هل للشَّاة غير ذراعين ‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو سكتَّ لناولتني ما سألتك‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روي من طريق أبي هريرة‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا الضحاك، ثنا ابن عجلان عن أبيه، عن أبي هريرة أنَّ شاة طبخت فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أعطني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته إيَّاه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أعطني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته إيَّاه‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أعطني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته إيَّاه‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أعطني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله إنما للشَّاة ذراعان ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما إنَّك لو التمستها لوجدتها‏)‏‏)‏‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا وكيع عن دكين بن سعيد الخثعميّ قال‏:‏ أتينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن أربعون وأربعمائة نسأله الطَّعام، فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعمر‏:‏ ‏(‏‏(‏قم فأعطهم‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله ما عندي إلا ما يقيظني والصبية -‏.‏

قال وكيع‏:‏ القيظ في كلام العرب أربعة أشهر -‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏قم فأعطهم‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ يا رسول الله سمعاً وطاعةً‏.‏

قال‏:‏ فقام عمر وقمنا معه، فصعد بنا إلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجزته ففتح الباب‏.‏

قال دكين فإذا في الغرفة من التَّمر شبيه بالفصيل الرَّابض‏.‏

قال‏:‏ شأنكم‏.‏

قال‏:‏ فأخذ كل رجل منَّا حاجته ما شاء، ثمَّ التفت وإني لمن آخرهم فكأنَّا لم نرزأ منه تمرة‏.‏

ثمَّ رواه أحمد عن محمد، ويعلى أبي عبيد عن إسماعيل - وهو ابن أبي خالد - عن قيس - وهو ابن أبي حازم -، عن دكين به‏.‏

ورواه أبو داود عن عبد الرَّحيم بن مطرف الرواسيّ، عن عيسى بن يونس، عن إسماعيل به‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال علي بن عبد العزيز‏:‏ ثنا أبو نعيم، ثنا حشرج بن نباتة، ثنا أبو نضرة، حدَّثني أبو رجاء قال‏:‏ خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى دخل حائطاً لبعض الأنصار فإذا هو برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما تجعل لي إن أرويت حائطك هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ إني أجهد أن أرويه فما أطيق ذلك‏.‏

فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏تجعل لي مائة تمرة أختارها من تمرك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

فأخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الغرب فما لبث أن أرواه حتى قال الرَّجل‏:‏ غرقت حائطي، فاختار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من تمره مائة تمره‏.‏

قال‏:‏ فأكل هو وأصحابه حتى شبعوا، ثمَّ ردَّ عليه مائة تمرة كما أخذها‏.‏

هذا حديث غريب أورده الحافظ ابن عساكر في ‏(‏دلائل النبُّوة‏)‏ من أوَّل تاريخه بسنده عن علي بن عبد العزيز البغويّ كما أوردناه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/135‏)‏

وقد تقدَّم في ذكر ‏(‏إسلام سلمان الفارسيّ‏)‏ ما كان من أمر النَّخيل التي غرسها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيده الكريمة لسلمان، فلم يهلك منهن واحدة بل أنجب الجميع وكن ثلاثمائة، وما كان من تكثيره الذَّهب حين قلَّبه على لسانه الشَّريف حتَّى قضى منه سلمان ما كان عليه من نجوم كتابته وعتق - رضي الله عنه وأرضاه -‏.‏

 باب انقياد الشَّجر لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏

قد تقدَّم الحديث الذي رواه مسلم من حديث حاتم بن إسماعيل عن أبي حرزة يعقوب بن مجاهد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ سرنا مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى نزلنا وادياً أفيح فذهب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقضي حاجته، فأبتعته بإداوة من ماء فنظر فلم ير شيئاً يستتر به، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏انقادي عليَّ بإذن الله‏)‏‏)‏ فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏انقادي عليَّ بإذن الله‏)‏‏)‏ فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لأم بينهما - يعني‏:‏ جمعهما - وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏التئما عليَّ بإذن الله‏)‏‏)‏ فالتأمتا‏.‏

قال جابر‏:‏ فخرجت أحضر مخافة أن يحس بقربي فيبعد، فجلست أحدِّث نفسي فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله مقبل، وإذا الشَّجرتان قد افترقتا وقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله وقف وقفة وقال برأسه‏:‏ هكذا يميناً وشمالاً، وذكر تمام الحديث في قصة الماء، وقصة الحوت الذي دسره البحر كما تقدم، ولله الحمد والمنة‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن أبي سفيان - وهو طلحة بن نافع - عن أنس قال‏:‏ جاء جبريل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب بالدِّماء من ضربة بعض أهل مكة قال‏:‏ فقال له‏:‏ مالك ‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏فعل بي هؤلاء وفعلوا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فقال له جبريل‏:‏ أتحب أن أريك آية ‏؟‏

قال‏:‏ فقال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال‏:‏ أدع تلك الشَّجرة فدعاها‏.‏

قال‏:‏ فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه‏.‏

فقال‏:‏ مرها فلترجع، فأمرها فرجعت إلى مكانها‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏حسبي‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا إسناد على شرط مسلم ولم يروه إلا ابن ماجه عن محمد بن طريف، عن أبي معاوية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/136‏)‏

حديث آخر‏:‏

روى البيهقيّ من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمر بن الخطَّاب أنَّ رسول الله كان على الحجون كئيباً لما أذاه المشركون فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللَّهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأمر فنادى شجرة من قبل عقبة المدينة فأقبلت تخدُّ الأرض حتى انتهت إليه‏.‏

قال‏:‏ ثمَّ أمرها فرجعت إلى موضعها‏.‏

قال‏:‏ فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما أبالي من كذَّبني بعدها من قومي‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال البيهقيّ‏:‏ أنَّا الحاكم وأبو سعيد بن عمرو قالا‏:‏ ثنا الأصمّ، ثنا أحمد بن عبد الجبَّار عن يونس بن بكير، عن مبارك ابن فضالة، عن الحسن قال‏:‏ خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بعض شعاب مكة وقد دخله من الغم ما شاء الله من تكذيب قومه إيَّاه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا رب أرني ما أطمئن إليه ويذهب عني هذا الغمّ‏)‏‏)‏ فأوحى الله إليه أدع إليك أيّ أغصان هذه الشَّجرة شئت‏.‏

قال‏:‏ فدعا غصناً فانتزع من مكانه، ثمَّ خدَّ في الأرض حتَّى جاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال له رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏ارجع إلى مكانك‏)‏‏)‏ فرجع، فحمد الله رسول الله وطابت نفسه‏.‏

وكان قد قال المشركون‏:‏ أفضلت أباك وأجدادك يا محمد‏.‏

فأنزل الله‏:‏ ‏(‏‏(‏أفغير الله تأمروني أعبد أيُّها الجاهلون‏)‏‏)‏ الآيات‏.‏

وقال البيهقيّ‏:‏ وهذا المرسل يشهد له ما قبله‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن أبي ظبيان - وهو حصين بن جندب - عن ابن عباس قال‏:‏ أتى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجل من بني عامر فقال‏:‏ يا رسول الله أرني الخاتم الذي بين كتفيك، فإني من أطب النَّاس‏.‏

فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا أريك آية‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فنظر إلى نخلة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع ذلك العذق‏)‏‏)‏ فدعاه، فجاء ينقز بين يديه‏.‏

فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ارجع‏)‏‏)‏ فرجع إلى مكانه‏.‏

فقال العامري‏:‏ يا آل بني عامر ما رأيت كاليوم رجلاً أسحر من هذا هكذا‏.‏

رواه الإمام أحمد‏.‏

وقد أسنده البيهقيّ من طريق محمد بن أبي عبيدة عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ جاء رجل من بني عامر إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ إنَّ عندي طباً وعلماً فما تشتكي‏؟‏ هل يريبك من نفسك شيء إلى ما تدعو ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدعو إلى الله والإسلام‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فإنَّك لتقول قولاً فهل لك من آية ‏؟‏

قال‏:‏ نعم إن شئت أريتك آية، وبين يديه شجرة فقال لغصن منها‏:‏ ‏(‏‏(‏تعال يا غصن‏)‏‏)‏ فانقطع الغصن من الشَّجرة، ثمَّ أقبل ينقز حتى قام بين يديه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ارجع إلى مكانك‏)‏‏)‏ فرجع‏.‏

فقال العامري‏:‏ يا آل عامر بن صعصعة لا ألومك على شيء قلته أبداً‏.‏

وهذا يقتضي أنَّه سالم الأمر، ولم يجب من كل وجه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/137‏)‏

وقد قال البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنَّا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا ابن أبي قماش، ثنا ابن عائشة عن عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن سالم ابن أبي الجعد، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ جاء رجل إلى رسول الله فقال‏:‏ ما هذا الذي يقول أصحابك ‏؟‏

قال‏:‏ وحول رسول الله أعذاق وشجر‏.‏

قال‏:‏ فقال رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏هل لك أن أريك آية‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فدعا عذقاً منها، فأقبل يخدّ الأرض حتى وقف بين يديه يخدّ الأرض ويسجد، ويرفع رأسه، حتى وقف بين يديه، ثمَّ أمره فرجع‏.‏

قام العامري وهو يقول‏:‏ يا آل عامر بن صعصعة والله لا أكذبه بشيء يقوله أبداً‏.‏

طريق أخرى فيها أنَّ العامري أسلم‏:‏

قال البيهقيّ‏:‏ أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أنَّا أبو علي حامد بن محمد بن الوفا، أنَّا علي بن عبد العزيز، ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهانيّ، أنَّا شريك عن سماك، عن أبي ظبيان، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ جاء أعرابي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ بما أعرف أنَّك رسول الله ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النَّخلة، أتشهد أني رسول الله‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فدعا العذق، فجعل العذق ينزل من النَّخلة حتى سقط في الأرض، فجعل ينقز حتى أتى رسول الله ثمَّ قال له‏:‏ ‏(‏‏(‏ارجع‏)‏‏)‏ فرجع حتى عاد إلى مكانه‏.‏

فقال‏:‏ أشهد أنَّك رسول الله وآمن‏.‏

قال البيهقيّ‏:‏ رواه البخاريّ في ‏(‏التاريخ‏)‏ عن محمد بن سعيد الأصبهانيّ‏.‏

قلت‏:‏ ولعلَّه قال أولاً‏:‏ إنَّه سحر، ثمَّ تبصَّر لنفسه فأسلم وآمن لما هداه الله عزَّ وجل، والله أعلم‏.‏

حديث آخر عن أبي عمر في ذلك‏:‏

قال الحاكم أبو عبد الله النّيسابوريّ‏:‏ أنَّا أبو بكر محمد بن عبد الله الوراق، أنَّا الحسين بن سفيان، أنَّا أبو عبد الرَّحمن عبد الله بن عمر بن أبان الجعفيّ، ثنا محمد بن فضيل عن أبي حيان، عن عطاء، عن ابن عمر قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فأقبل أعرابي فلمَّا دنا منه قال له رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏أين تريد‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ إلى أهلي‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل لك إلى خير‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ ما هو ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ هل من شاهد على ما تقول ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذه الشَّجرة‏)‏‏)‏‏.‏

فدعاها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهي على شاطئ الوادي فأقبلت تخدُّ الأرض خداً فقامت بين يديه، فاستشهد ثلاثاً فشهدت أنَّه كما قال، ثمَّ إنها رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه فقال‏:‏ إن يتبعوني أتيتك بهم وإلا رجعت إليك وكنت معك‏.‏

وهذا إسناد جيد، ولم يخرِّجوه، ولا رواه الإمام أحمد، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/138‏)‏

 باب حنين الجزع شوقاً إلى رسول الله وشغفاً من فراقه‏:‏

وقد ورد من حديث جماعة من الصَّحابة بطرق متعددة تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن، وفرسان هذا الميدان‏.‏

الحديث الأول عن أبي كعب‏:‏

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشَّافعيّ رحمه الله‏:‏ حدَّثنا إبراهيم بن محمد قال‏:‏ أخبرني عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطّفيل بن أُبي بن كعب، عن أبيه قال‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي إلى جذع نخلة إذ كان المسجد عريشاً، وكان يخطب إلى ذلك الجذع‏.‏

فقال رجل من أصحابه‏:‏ يا رسول الله هل لك أن نجعل لك منبراً تقوم عليه يوم الجمعة فتسمع النَّاس خطبتك ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏‏.‏

فصنع له ثلاث درجات هن اللاتي على المنبر، فلمَّا صنع المنبر ووضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بدا للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن يقوم على ذلك المنبر فيخطب عليه فمرَّ إليه، فلما جاوز ذلك الجذع الذي كان يخطب إليه خار حتى تصدع وانشق، فنزل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ثمَّ رجع إلى المنبر، فلمَّا هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أُبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - فكان عنده حتَّى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتاً‏.‏

وهكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل عن زكريا بن عدي، عن عبيد الله بن عمرو الرقيّ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطّفيل، عن أبي بن كعب فذكره، وعنده فمسحه بيده حتَّى سكن، ثمَّ رجع إلى المنبر، وكان إذا صلَّى صلَّى إليه، والباقي مثله‏.‏

وقد رواه ابن ماجه عن إسمعيل بن عبد الله الرقي، عن عبيد الله بن عمرو الرقي به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/139‏)‏

الحديث الثاني عن أنس بن مالك‏:‏

قال الحافظ أبو يعلى الموصليّ‏:‏ ثنا أبو خيثمة، ثنا عمرو بن يونس الحنفيّ، ثنا عكرمة بن عمار، ثنا إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، حدَّثنا أنس بن مالك أنَّ رسول الله كان يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يخطب النَّاس‏.‏

فجاءه رومي فقال‏:‏ ألا أصنع لك شيئاً تقعد عليه كأنَّك قائم‏؟‏ فصنع له منبراً درجتان ويقعد على الثالثة، فلمَّا قعد نبي الله على المنبر خار كخوار الثَّور، ارتج لخواره حزناً على رسول الله، فنزل إليه رسول الله من المنبر فالتزمه وهو يخور فلمَّا التزمه سكت‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏والذي نفس محمد بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا حتى يوم القيامة حزناً على رسول الله‏)‏‏)‏‏.‏

فأمر به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فدفن‏.‏

وقد رواه التّرمذيّ عن محمود بن غيلان، عن عمر بن يونس به وقال‏:‏ صحيح غريب من هذا الوجه‏.‏

طريق أخرى عن أنس‏:‏

قال الحافظ أبو بكر البزَّار في مسنده‏:‏ ثنا هدبة، ثنا حماد عن ثابت عن أنس، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه كان يخطب إلى جذع نخلة فلمَّا اتخذ المنبر تحول إليه فحنَّ، فجاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى احتضنه فسكن وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر ابن خلاد، عن بهز بن أسد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، وعن حماد، عن عمار ابن أبي عمار، عن ابن عبَّاس به، وهذا إسناد على شرط مسلم‏.‏

طريق أخرى عن أنس‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا هاشم، ثنا المبارك عن الحسن، عن أنس بن مالك قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا خطب يوم الجمعة يسند ظهره إلى خشبة، فلمَّا كثر النَّاس قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ابنوا لي منبراً‏)‏‏)‏ - أراد أن يسمعهم - فبنوا له عتبتين فتحول من الخشبة إلى المنبر‏.‏

قال‏:‏ فأخبر أنس بن مالك أنَّه سمع الخشبة تحنّ حنين الواله‏.‏

قال‏:‏ فما زالت تحن حتى نزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن المنبر فمشى إليها فاحتضنها فسكنت‏.‏

تفرَّد به أحمد‏.‏

وقد رواه أبو القاسم البغويّ عن شيبان بن فروخ، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أنس فذكره‏.‏

وزاد‏:‏ فكان الحسن إذا حدَّث بهذا الحديث بكى ثمَّ قال‏:‏ يا عباد الله الخشبة تحنّ إلى رسول الله شوقاً إليه لمكانه من الله فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه‏.‏

وقد رواه الحافظ أبو نعيم من حديث الوليد بن مسلم عن سالم بن عبد الله الخياط، عن أنس بن مالك، فذكره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/140‏)‏

طريق أخرى عن أنس‏:‏

قال أبو نعيم‏:‏ ثنا أبو بكر ابن خلاد، ثنا الحارث بن محمد ابن أبي أسامة، ثنا يعلى بن عباد، ثنا الحكم عن أنس قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب إلى جذع فحنَّ الجذع فاحتضنه وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

الحديث الثالث عن جابر بن عبد الله‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا وكيع، ثنا عبد الواحد بن أيمن عن أبيه، عن جابر قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب إلى جذع نخلة‏.‏

قال‏:‏ فقالت امرأة من الأنصار - وكان لها غلام نجَّار -‏:‏ يا رسول الله إنَّ لي غلاماً نجاراً أفآمره أن يتخذ لك منبراً تخطب عليه ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بلى‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فاتخذ له منبراً‏.‏

قال‏:‏ فلمَّا كان يوم الجمعة خطب على المنبر‏.‏

قال‏:‏ فأنَّ الجذع الذي كان يقوم عليه كما يئن الصبيّ‏.‏

فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ هذا بكى لما فقد من الذِّكر‏)‏‏)‏ هكذا رواه أحمد‏.‏

وقد قال البخاريّ‏:‏ ثنا عبد الواحد بن أيمن قال‏:‏ سمعت أبي عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة‏.‏

فقالت امرأة من الأنصار أو رجل‏:‏ يا رسول الله ألا نجعل لك منبراً‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن شئتم‏)‏‏)‏‏.‏

فجعلوا له منبراً، فلمَّا كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبيّ، ثمَّ نزل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فضمَّه إليه يئنّ أنين الصبيّ الذي يسكن‏.‏

قال‏:‏ كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذِّكر عندها‏.‏

وقد ذكره البخاري في غير ما موضع من صحيحه من حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه - وهو أيمن الحبشيّ المكيّ مولى ابن أبي عمرة المخزوميّ، عن جابر به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/141‏)‏

طريق أخرى عن جابر‏:‏

قال البخاري‏:‏ ثنا إسماعيل، حدَّثني أخي عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، حدَّثني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك أنَّه سمع جابر بن عبد الله الأنصاريّ يقول‏:‏ كان المسجد مسقوفاً على جذوع من نخل، فكان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلمَّا صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار حتى جاء النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فوضع يده عليها فسكنت‏.‏

تفرَّد به البخاريّ‏.‏

طريق أخرى عنه‏:‏

قال الحافظ أبو بكر البزَّار‏:‏ ثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو المساور، ثنا أبو عوانة عن الأعمش، عن أبي صالح - وهو ذكوان - عن جابر بن عبد الله، وعن إسحاق عن كريب، عن جابر قال‏:‏ كانت خشبة في المسجد يخطب إليها النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقالوا‏:‏ لو اتخذنا لك مثل الكرسيّ تقوم عليه ‏؟‏

ففعل، فحنَّت الخشبة كما تحنّ النَّاقة الحلوج فأتاه فاحتضنها فوضع يده عليها فسكنت‏.‏

قال أبو بكر البزَّار‏:‏ وأحسب أنَّا قد حدَّثناه عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر، وعن أبي إسحاق عن كريب، عن جابر بهذه القصة التي رواها أبو المساور عن أبي عوانة، وحدَّثناه محمد بن عثمان بن كرامة، ثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد ابن أبي كريب، عن جابر، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بنحوه‏.‏

والصَّواب إنما هو سعيد ابن أبي كريب، وكريب خطأ، ولا يعلم يروي عن سعيد ابن أبي كريب إلا أبا إسحاق‏.‏

قلت‏:‏ ولم يخرِّجوه من هذا الوجه، وهو جيد‏.‏

طريق أخرى عن جابر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن سعيد ابن أبي كريب، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب إلى خشبة، فلمَّا جعل له منبر حنَّت حنين النَّاقة فأتاها فوضع يده عليها فسكنت‏.‏

تفرَّد به أحمد‏.‏

طريق أخرى عن جابر‏:‏

قال الحافظ أبو بكر البزَّار‏:‏ ثنا محمد بن معمر، ثنا محمد بن كثير، ثنا سليمان بن كثير عن الزُّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم إلى جذع قبل أن يجعل له المنبر فلمَّا جعل المنبر حنَّ الجذع حتى سمعنا حنينه فمسح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده عليه فسكن‏.‏

قال البزَّار‏:‏ لا نعلم رواه عن الزهريّ إلا سليمان بن كثير‏.‏

قلت‏:‏ وهذا إسناد جيد رجاله على شرط الصَّحيح، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب السِّتة‏.‏

وقال الحافظ أبو نعيم في ‏(‏الدَّلائل‏)‏‏:‏ ورواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهريّ، عن رجل سمَّاه، عن جابر‏.‏

ثم أورده من طريق أبي عاصم بن علي‏:‏ عن سليمان بن كثير، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، عن جابر مثله‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ثنا أبو بكر ابن خلاد، ثنا أحمد بن علي الخراز، حدَّثنا عيسى بن المساور، ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعيّ، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر أنَّ رسول الله كان يخطب إلى جذع فلمَّا بني المنبر حنَّ الجذع فاحتضنه فسكن وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

ثمَّ رواه من حديث أبي عوانة عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر، وعن أبي إسحاق، عن كريب، عن جابر مثله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/142‏)‏

طريق أخرى عن جابر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الرَّزاق، أنَّا ابن جريج وروح قال‏:‏ حدَّثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلمَّا صنع له منبره واستوى عليه فاضطربت تلك السَّارية كحنين النَّاقة حتَّى سمعها أهل المسجد حتَّى نزل إليها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاعتنقها، فسكنت‏.‏

وقال روح‏:‏ فسكتت، وهذا إسناد على شرط مسلم ولم يخرجوه‏.‏

طريق أخرى عن جابر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا ابن أبي عديّ عن سليمان، عن أبي نضرة، عن جابر قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم في أصل شجرة - أو قال‏:‏ إلى جذع - ثمَّ اتخذ منبراً‏.‏

قال‏:‏ فحنَّ الجذع‏.‏

قال جابر‏:‏ حتَّى سمعه أهل المسجد حتَّى أتاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فمسحه فسكن‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ لو لم يأته لحنَّ إلى يوم القيامة‏.‏

وهذا على شرط مسلم، ولم يروه إلا ابن ماجه عن بكير بن خلف، عن ابن أبي عدي، عن سليمان التيميّ، عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطفة العبديّ النضريّ، عن جابر به‏.‏

الحديث الرابع عن سهل بن سعد‏:‏

قال أبو بكر ابن أبي شيبة‏:‏ ثنا سفيان بن عيينة عن أبي حازم قال‏:‏ أتوا سهل بن سعد فقالوا‏:‏ من أي شيء منبر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ‏؟‏

فقال‏:‏ كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستند إلى جذع في المسجد يصلي إليه إذا خطب، فلمَّا اتخذ المنبر فصعد حنَّ الجذع حتَّى أتاه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوطَّنه حتى سكن‏.‏

وأصل هذا الحديث في الصَّحيحين وإسناده على شرطهما‏.‏

وقد رواه إسحاق بن راهويه وابن أبي فديك عن عبد المهيمن بن عبَّاس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده‏.‏

ورواه عبد الله بن نافع وابن وهب عن عبد الله بن عمر، عن ابن عبَّاس بن سهل، عن أبيه فذكره‏.‏

ورواه ابن لهيعة عن عمارة بن عرفة، عن ابن عبَّاس بن سهل بن سعد، عن أبيه بنحوه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/143‏)‏

الحديث الخامس عن عبد الله بن عبَّاس‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا عفَّان، ثنا حماد عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتَّخذ المنبر، فلمَّا اتخذ المنبر وتحول إليه حنَّ عليه فأتاه فاحتضنه فسكن قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ولو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا الإسناد على شرط مسلم، ولم يروه إلا ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة‏.‏

الحديث السَّادس عن عبد الله بن عمر‏:‏

قال البخاريّ‏:‏ ثنا محمد بن المثنى حدَّثنا يحيى بن كثير أبو غسَّان، ثنا أبو حفص - واسمه عمر بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء - قال‏:‏ سمعت نافعاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب إلى جذع فلمَّا اتخذ المنبر تحوَّل إليه، فحنَّ الجذع فأتاه فمسح يده عليه‏.‏

وقال عبد الحميد‏:‏ أنَّا عثمان بن عمر، أنَّا معاذ بن العلاء عن نافع بهذا‏.‏

ورواه أبو عاصم عن ابن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم هكذا ذكره البخاري‏.‏

وقد رواه التّرمذيّ عن عمرو بن علي الفلاس، عن عثمان بن عمرو ويحيى بن كثير، عن أبي غسَّان العنبريّ، كلاهما عن معاذ بن العلاء به وقال‏:‏ حسن صحيح غريب‏.‏

قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزيّ في ‏(‏أطرافه‏)‏‏:‏ ورواه علي بن نصر بن علي الجهضمي، وأحمد بن خالد الخلال، وعبد الله بن عبد الرَّحمن الدَّارميّ في آخرين عن عثمان بن عمر، عن معاذ بن العلاء قال‏:‏ وعبد الحميد هذا - يعني‏:‏ الذي ذكره البخاري - يقال‏:‏ إنَّه عبد بن حميد، والله أعلم‏.‏

قال شيخنا‏:‏ وقد قيل‏:‏ إنَّ قول البخاريّ عن أبي حفص - واسمه عمرو بن العلاء - وهم، والصَّواب معاذ ابن العلاء كما وقع في رواية التّرمذيّ‏.‏

قلت‏:‏ وليس هذا ثابتاً في جميع النسخ، ولم أر في النّسخ التي كتبت منها تسميته بالكلية، والله أعلم‏.‏

وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو نعيم من حديث عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر، ومن حديث أبي عاصم عن ابن أبي رواد، كلاهما عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قال تميم الدَّاري‏:‏ ألا نتخذ لك منبراً فذكر الحديث‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/144‏)‏

طريق أخرى عن ابن عمر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا حسين، ثنا خلف عن أبي خبَّاب - وهو يحيى ابن أبي حية - عن أبيه، عن عبد الله بن عمر قال‏:‏ كان جذع نخلة في المسجد يسند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ظهره إليه إذا كان يوم جمعة، أو حدث أمر يريد أن يكلِّم النَّاس‏.‏

فقالوا‏:‏ ألا نجعل لك يا رسول الله شيئاً كقدر قيامك ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا عليكم أن تفعلوا‏)‏‏)‏

فصنعوا له منبراً ثلاث مراقي‏.‏

قال‏:‏ فجلس عليه‏.‏

قال‏:‏ فخار الجذع كما تخور البقرة جزعاً على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فالتزمه ومسحه حتى سكن‏.‏

تفرَّد به أحمد‏.‏

الحديث السَّابع عن أبي سعيد الخدريّ‏:‏

قال عبد بن حميد اللَّيثي‏:‏ ثنا علي بن عاصم عن الجريريّ، عن أبي نضرة العبديّ، حدَّثني أبو سعيد الخدريّ قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة‏.‏

فقال له النَّاس‏:‏ يا رسول الله إنَّه قد كثر النَّاس - يعني‏:‏ المسلمين - وإنهم ليحبُّون أن يروك فلو اتخذت منبراً تقوم عليه ليراك النَّاس‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم من يجعل لنا هذا المنبر‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقام إليه رجل فقال‏:‏ أنا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تجعله‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم، ولم يقل إن شاء الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما اسمك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فلان‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أقعد‏)‏‏)‏

فقعد، ثمَّ عاد فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من يجعل لنا هذا المنبر‏؟‏‏)‏‏)‏

فقام إليه رجل فقال‏:‏ أنا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏تجعله‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم، ولم يقل إن شاء الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما اسمك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فلان‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أقعد‏)‏‏)‏‏.‏

فقعد، ثمَّ عاد فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من يجعل لنا هذا المنبر‏؟‏‏)‏‏)‏

فقام إليه رجل فقال‏:‏ أنا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تجعله‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم، ولم يقل إن شاء الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما اسمك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فلان‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أقعد‏)‏‏)‏

فقعد، ثمَّ عاد فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من يجعل لنا هذا المنبر‏؟‏‏)‏‏)‏

فقام إليه رجل فقال‏:‏ أنا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تجعله‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم إن شاء الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما اسمك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ إبراهيم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اجعله‏)‏‏)‏

فلمَّا كان يوم الجمعة اجتمع النَّاس للنبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في آخر المسجد فلمَّا صعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المنبر فاستوى عليه فاستقبل النَّاس وحنَّت النَّخلة حتى أسمعتني وأنا في آخر المسجد‏.‏

قال‏:‏ فنزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن المنبر فاعتنقها فلم يزل حتى سكنت، ثمَّ عاد إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ هذه النَّخلة إنما حنَّت شوقاً إلى رسول الله لما فارقها، فوالله لو لم أنزل إليها فأعتنقها لما سكنت إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا إسناد على شرط مسلم، ولكن في السِّياق غرابة، والله تعالى أعلم‏.‏

طريق أخرى عن أبي سعيد‏:‏

قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ ثنا مسروق بن المرزبان، ثنا زكريا عن مجالد عن أبي الوداك - وهو جبر بن نوف - عن أبي سعيد قال‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم إلى خشبة يتوكأ عليها يخطب كل جمعة، حتى أتاه رجل من الرُّوم فقال‏:‏ إن شئت جعلت لك شيئاً إذا قعدت عليه كنت كأنك قائم ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فجعل له المنبر فلما جلس عليه حنَّت الخشبة حنين النَّاقة على ولدها حتَّى نزل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فوضع يده عليها، فلمَّا كان الغد رأيتها قد حوِّلت‏.‏

فقلنا‏:‏ ما هذا ‏؟‏

قالوا‏:‏ جاء رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأبو بكر وعمر البارحة فحولوها‏.‏

وهذا غريب أيضاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/145‏)‏

الحديث الثَّامن عن عائشة رضي الله عنها‏:‏

رواه الحافظ من حديث علي بن أحمد الحوار عن قبيصة، عن حبان بن علي، عن صالح بن حبان، عن عبد الله بن بريدة، عن عائشة، فذكر الحديث بطوله، وفيه أنَّه خيَّره بين الدُّنيا والآخرة فاختار الجذع الآخرة وغار حتى ذهب فلم يعرف، هذا حديث غريب إسناداً ومتناً‏.‏

الحديث التَّاسع عن أم سلمة -رضي الله عنها -‏:‏

روى أبو نعيم من طريق شريك القاضي وعمرو ابن أبي قيس ومعلى بن هلال ثلاثتهم عن عمار الذهبيّ، عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن، عن أم سلمة قالت‏:‏ كان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خشبة يستند إليها إذا خطب، فصنع له كرسي أو منبر فلمَّا فقدته خارت كما يخور الثَّور حتى سمع أهل المسجد، فأتاها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فسكنت، هذا لفظ شريك‏.‏

وفي رواية معلى بن هلال‏:‏ أنها كانت من دوم، وهذا إسناد جيد ولم يخرِّجوه‏.‏

وقد روى الإمام أحمد والنَّسائيّ من حديث عمار الذهبي عن أبي سلمة، عن أم سلمة قالت‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏قوائم منبري في زاوية في الجنَّة‏)‏‏)‏‏.‏

وروى النَّسائيّ أيضاً بهذا الإسناد‏:‏ ‏(‏‏(‏ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنَّة‏)‏‏)‏‏.‏

فهذه الطُّرق من هذه الوجوه تفيد القطع بوقوع ذلك عند أئمة هذا الفنّ، وكذا من تأمَّلها وأنعم فيها النَّظر والتَّأمل مع معرفته بأحوال الرِّجال وبالله المستعان‏.‏

وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد ابن أبي الحسن، ثنا عبد الرَّحمن بن محمد بن إدريس الرَّازيّ قال‏:‏ قال أبي - يعني أبا حاتم الرَّازيّ -‏:‏ قال عمرو بن سواد‏:‏ قال لي الشَّافعيّ‏:‏ ما أعطى الله نبياً ما أعطى محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقلت له‏:‏ أعطى عيسى إحياء الموتى‏.‏

فقال‏:‏ أعطى محمداً الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتَّى هيء له المنبر، فلمَّا هيء له المنبر حنَّ الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/146‏)‏