فصل: (الْبَابُ الرَّابِعُ فِي اسْتِحْقَاقِ الشَّفِيعِ كُلَّ الْمُشْتَرَى أَوْ بَعْضِهِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ):

الشُّفْعَةُ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَالْجِوَارِ وَتَتَأَكَّدُ بِالطَّلَبِ وَالْإِشْهَادِ وَتَتَمَلَّكُ بِالْأَخْذِ ثُمَّ الطَّلَبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ طَلَبُ مُوَاثَبَةٍ وَطَلَبُ تَقْرِيرٍ وَإِشْهَادٍ وَطَلَبُ تَمْلِيكٍ (أَمَّا طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ) فَهُوَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ سَاعَتئِذٍ وَإِذَا سَكَتَ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ طَلَبَ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَإِلَّا فَلَا بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَخِيَارِ الْقَبُولِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ لَفْظِ الطَّلَبِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ بِأَيِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ جَازَ حَتَّى لَوْ قَالَ طَلَبْت الشُّفْعَةَ وَأَطْلُبُهَا وَأَنَا طَالِبُهَا جَازَ وَلَوْ قَالَ الشُّفْعَةُ لِي أَطْلُبُهَا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَلَوْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي أَنَا شَفِيعُك وَآخُذُ الدَّارَ مِنْك بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ وَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ عَطَسَ صَاحِبُهُ فَشَمَّتَهُ أَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْك، وَقَدْ طَلَبْت شُفْعَتَهَا لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَنْ اشْتَرَاهَا وَبِكَمْ اشْتَرَاهَا وَإِذَا قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ (مِنْ شفاعت خواهم) بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَالطَّلَبُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُعْتَبَرُ وَقْتَ انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ لَا وَقْتَ شِرَائِهِ فَأَمَّا فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ أَوْ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُعْتَبَرُ الطَّلَبُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْإِجَازَةِ.
وَفِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُعْتَبَرُ الطَّلَبُ وَقْتَ الْقَبْضِ وَفِي رِوَايَةٍ يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَوْ سَمِعَ الشَّرِيكُ وَالْجَارُ بَيْعَ الدَّارِ وَهُمَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَطَلَبَ الشَّرِيكُ الشُّفْعَةَ وَسَكَتَ الْجَارُ ثُمَّ تَرَكَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ لَيْسَ لِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَ الشُّفْعَةَ.
دَارٌ بِيعَتْ وَلَهَا شَفِيعَانِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبُ وَطَلَبَ الْحَاضِرُ نِصْفَ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ وَطَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشُّفْعَةَ فِي النِّصْفِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُمَا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
ثُمَّ عَلِمَهُ بِالْبَيْعِ قَدْ يَحْصُلُ بِسَمَاعِهِ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ يَحْصُلُ بِإِخْبَارِ غَيْرِهِ لَكِنْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ؟ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُشْتَرَطُ أَحَدُ هَذَيْنِ أَمَّا الْعَدَدُ فِي الْمُخْبِرِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ.
وَأَمَّا الْعَدَالَةُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَلَا الْعَدَدُ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ بِالشُّفْعَةِ عَدْلًا كَانَ الْمُخْبِرُ أَوْ فَاسِقًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَسَكَتَ وَلَمْ يَطْلُبْ عَلَى فَوْرِ الْخَبَرِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، أَوْ لَمْ يَطْلُبْ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَهُمَا إذَا ظَهَرَ كَوْنُ الْخَبَرِ صَادِقًا وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ رَجُلًا وَاحِدًا غَيْرَ عَدْلٍ إنْ صَدَّقَهُ الشَّفِيعُ فِي ذَلِكَ ثَبَتَ الْبَيْعُ بِخَبَرِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ بِخَبَرِهِ وَإِنْ ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ بِخَبَرِهِ إذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
(وَأَمَّا طَلَبُ الْإِشْهَادِ) فَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ حَتَّى يَتَأَكَّدَ الْوُجُوبُ بِالطَّلَبِ عَلَى الْفَوْرِ وَلَيْسَ الْإِشْهَادُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الطَّلَبِ لَكِنْ لِيَتَوَثَّقَ حَقُّ الشُّفْعَةِ إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي طَلَبَ الشُّفْعَةِ فَيَقُول لَهُ لَمْ تَطْلُبْ الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمْتَ بَلْ تَرَكْت الطَّلَبَ وَقُمْت عَنْ الْمَجْلِسِ وَالشَّفِيعُ يَقُولُ طَلَبْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَقْتَ الطَّلَبِ تَوْثِيقًا وَإِنَّمَا يَصِحُّ طَلَبُ الْإِشْهَادِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ أَوْ الْمَبِيعِ فَيَقُولُ عِنْدَ حَضْرَةِ وَاحِدِ مِنْهُمْ: إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ أَوْ دَارًا وَيَذْكُرُ حُدُودَهَا الْأَرْبَعَةَ وَأَنَا شَفِيعُهَا، وَقَدْ كُنْت طَلَبْتُ الشُّفْعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ طَلَبُ الْإِشْهَادِ مُقَدَّرٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ، فَمَتَى تَمَكَّنَ مِنْ الْإِشْهَادِ عِنْدَ حَضْرَةِ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَمْ يَطْلُبْ الْإِشْهَادَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ تَرَكَ الْأَقْرَبَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَذَهَبَ إلَى الْأَبْعَدِ إنْ كَانَ الْكُلُّ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ لَا تَبْطُلُ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ الْأَبْعَدُ فِي مِصْرٍ آخَرَ أَوْ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى هَذَا الْمِصْرِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّ الْمِصْرَ الْوَاحِدَ مَعَ نَوَاحِيهِ وَأَمَاكِنِهِ جُعِلَ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ فِي مَكَان حَقِيقَةٍ وَطَلَبَ مِنْ أَبْعَدِهَا وَتَرَكَ الْأَقْرَبَ جَازَ، فَكَذَا هَذَا إلَّا أَنْ يَصِلَ إلَى الْأَقْرَبِ وَيَذْهَبَ إلَى الْأَبْعَدِ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ لَمْ يُقْبَضْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَشْهَدَ عَلَى طَلَبِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَبِيعِ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي النَّوَادِرِ لَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عَلَى الْبَائِعِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ إلَى طَلَبِ الْإِشْهَادِ بَعْدَهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِشْهَادُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِأَنْ سَمِعَ الشِّرَاءَ حَالَ غَيْبَتِهِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ وَالدَّارِ.
أَمَّا إذَا سَمِعَ عِنْدَ حَضْرَةِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَذَلِكَ يَكْفِيه وَيَقُومُ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَأَمَّا طَلَبُ التَّمْلِيكِ فَهُوَ الْمُرَافَعَةُ إلَى الْقَاضِي لِيَقْضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ تَرَكَ الْخُصُومَةَ إنْ كَانَ بِعُذْرٍ نَحْوَ مَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّوْكِيلُ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ فَإِنْ تَرَكَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ أَشْهَدَ وَتَرَكَ الْمُخَاصَمَةَ شَهْرًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَصُورَةُ طَلَبِ التَّمْلِيكِ أَنْ يَقُولَ الشَّفِيعُ لِلْقَاضِي إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى دَارًا وَبَيَّنَ مَحَلَّتَهَا وَحُدُودَهَا وَأَنَا شَفِيعُهَا بِدَارٍ لِي وَبَيَّنَ حُدُودَهَا فَمُرْهُ بِتَسْلِيمِهَا إلَيَّ وَبَعْدَ هَذَا الطَّلَبِ أَيْضًا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ إلَّا بِحُكْمِ الْقَاضِي أَوْ بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ إلَيْهِ حَتَّى إنَّ بَعْدَ هَذَا الطَّلَبِ قَبْلَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالدَّارِ لَهُ وَقَبْلَ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ إلَيْهِ لَوْ بِيعَتْ دَارٌ أُخْرَى بِجَنْبِ هَذِهِ الدَّارِ ثُمَّ حَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ إلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الشَّفِيعُ أَوْ بَاعَ دَارِهِ بَعْدَ الطَّلَبَيْنِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ ذَكَرَ الْخَصَّافُ ذَلِكَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ بَذَلَ لَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَقْضِيَ الْقَاضِي لَهُ بِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّ الْقَاضِي لَا يَسْمَعُ دَعْوَاهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى حَضْرَةُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ بِطَلَبِ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ جَمِيعًا وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي وَالْيَدُ لِلْبَائِعِ فَشَرَطَ حَضْرَتَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَفَاهُ حَضْرَةُ الْمُشْتَرِي كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَإِذَا كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا يُؤَجَّلُ بَعْدَ الْعِلْمِ قَدْرَ مَسِيرَةِ الطَّلَبِ لِلْإِشْهَادِ فَإِنْ حَضَرَ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ فَإِنْ قَدِمَ وَغَابَ وَأَشْهَدَ عَلَى الطَّلَبِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَأْخِيرِ طَلَبِ التَّمْلِيكِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَعِنْدَهُمَا تَبْطُلُ إلَّا بِعُذْرٍ، وَهَا هُنَا تُرِكَ طَلَبُ التَّمْلِيكِ بِعُذْرٍ.
فَإِنْ ظَهَرَ الْمُشْتَرِي فِي بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ الدَّارُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّفِيعِ الطَّلَبُ هُنَاكَ وَإِنَّمَا يَطْلَبُ حَيْثُ الدَّارُ.
كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
الشَّفِيعُ إذَا عَلِمَ بِالشِّرَاءِ وَهُوَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَطَلَبَ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ وَعَجَزَ عَنْ طَلَبِ الْإِشْهَادِ بِنَفْسِهِ يُوَكِّلُ وَكِيلًا لِيَطْلُبَ لَهُ الشُّفْعَةَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَمَضَى بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَكِّلُهُ فَوَجَدَ فَيْجًا يَكْتُبُ عَلَى يَدَيْهِ كِتَابًا وَيُوَكِّلُ وَكِيلًا فِي الْكِتَابِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَكِيلًا وَلَا فَيْجًا لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ حَتَّى يَجِدَ الْفَيْجَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
رَجُلٌ لَهُ شُفْعَةٌ عِنْدَ الْقَاضِي يُقَدِّمُهُ إلَى السُّلْطَانِ الَّذِي تَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَامْتَنَعَ الْقَاضِي مِنْ إحْضَارِهِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
الشَّفِيعُ إذَا عَلِمَ فِي اللَّيْلِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ وَالْإِشْهَادِ فَإِنْ أَشْهَدَ حِينَ أَصْبَحَ صَحَّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ وَقْتُ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى حَوَائِجِهِمْ يَخْرُجُ وَيَطْلُبُ كَذَا فِي الْحَاوِي فِي الْفَتَاوَى الْيَهُودِيِّ إذَا سَمِعَ الْبَيْعَ يَوْمَ السَّبْتِ فَلَمْ يَطْلُبُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
شَفِيعٌ بِالْجِوَارِ إذَا خَافَ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ عِنْدَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي لَا يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ فَلَمْ يَطْلُبْهَا فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ لِأَنَّهُ تَرَكَ بِعُذْرٍ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ دَارًا مِنْ رَجُلٍ فِي عَسْكَرِهِ وَالشَّفِيعُ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ وَكِيلًا وَلَا أَنْ يَدْخُلَ بِنَفْسِهِ عَسْكَرُهُمْ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَلَا يَضُرُّهُ تَرْكُ طَلَبِ الْإِشْهَادِ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ وَكِيلَا أَوْ يَدْخُلَ بِنَفْسِهِ عَسْكَرِهِمْ فَلَمْ يَطْلُبْ طَلَبَ الْإِشْهَادِ بِطَلَبِ شُفْعَتِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
الشَّفِيعُ إذَا كَانَ فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ أَوْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ لَوْ دَخَلَ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَلَمْ يَطْلُبْ الْإِشْهَادَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ بِأَنْ يَتْرُكَ الْبَغْيَ فَيَدْخُلَ عَسْكَرَ أَهْلِ الْعَدْلِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
إذَا اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّ الشَّفِيعَ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ مُنْذُ أَيَّامٍ ثُمَّ اخْتَلَفَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الطَّلَبِ فَقَالَ الشَّفِيعُ طَلَبَتْ مُنْذُ عَلِمْت وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا طَلَبْتَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَعَلَى الشَّفِيعِ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ قَالَ الشَّفِيعُ عَلِمْتُ السَّاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي عَلِمْتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ تَطْلُبْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّفِيعِ وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الزَّاهِدِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الشَّيْبَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ الشَّفِيعُ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ وَطَلَبَ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ ثَبَتَ حَقُّهُ لَكِنْ إذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلِمْت مُنْذُ كَذَا وَطَلَبَتْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الطَّلَب وَلَوْ قَالَ مَا عَلِمْتُ إلَّا السَّاعَةَ يَكُونُ كَاذِبًا فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لِإِنْسَانٍ أَخْبَرَنِي بِالشِّرَاءِ ثُمَّ يَقُولُ الْآنَ أُخْبِرْتُ يَكُونُ صَادِقًا وَإِنْ كَانَ أُخْبِرَ قَبْلَ ذَلِكَ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ فِي نَوَادِرِهِ إذَا كَانَ الشَّفِيعُ قَدْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَخْشَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ فَقَالَ: السَّاعَةَ عَلِمْت، وَأَنَا أَطْلُبُ الشُّفْعَةَ.
يَسَعُهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيُسْتَثْنَى فِي يَمِينِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْقَاضِي حَلِّفْهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ طَلَبَ هَذِهِ الشُّفْعَةَ طَلَبًا صَحِيحًا سَاعَةَ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ حَلَّفَهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّ الشَّفِيعَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ مُنْذُ زَمَانٍ وَلَمْ يَطْلُبْ الشُّفْعَةَ وَأَقَامَ الشَّفِيعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ طَلَبَ الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ وَالْقَاضِي يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
الْمُشْتَرِي إذَا أَنْكَرَ طَلَبَ الشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ عِنْدَ سَمَاعِ الْبَيْعِ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَإِنْ أَنْكَرَ طَلَبَهُ عِنْدَ لِقَائِهِ حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
إذَا تَقَدَّمَ الشَّفِيعُ وَادَّعَى الشِّرَاءَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ عِنْدَ الْقَاضِي يَسْأَلُ الْقَاضِي أَوَّلًا الْمُدَّعِي قَبْلَ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ مِنْ مِصْرٍ وَمَحَلَّةٍ وَحُدُودِهَا لِأَنَّهُ ادَّعَى فِيهَا حَقًّا فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ فَصَارَ كَمَا ادَّعَى مِلْكَ رَقَبَتِهَا فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ هَلْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَحْضُرَ الْبَائِعُ، فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ وَحُدُودِ مَا يَشْفَعُ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ فَلَعَلَّهُ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ صَالِحٍ أَوْ يَكُونُ هُوَ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ فَإِذَا بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا وَلَمْ يَكُنْ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ سَأَلَهُ أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ؟ وَكَيْفَ صَنَعَ حِينَ عَلِمَ؟ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِطُولِ الزَّمَانِ وَبِالْإِعْرَاضِ وَبِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ ذَلِكَ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَيْفَ كَانَ وَعِنْدَ مَنْ أَشْهَدَ وَهَلْ كَانَ الَّذِي أَشْهَدَ عِنْدَهُ أَقْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيِّنَاهُ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ شُرُوطِهِ تَمَّتْ دَعْوَاهُ وَأَقْبَلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَنْ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا هَلْ هِيَ مِلْكُ الشَّفِيعِ أَمْ لَا؟ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فِي يَدِ الشَّفِيعِ وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ ظَاهِرًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يُصْلَحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِهِ بِحُجَّةٍ لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ، فَيَسْأَلُهُ عَنْهُ فَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا مِلْكُكَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَهُ اسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِيَ: مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِلَّذِي ذَكَرَهُ مِمَّا يَشْفَعُ بِهِ؟ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، ثُمَّ هُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
فَإِنْ نَكَلَ أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ ثَبَتَ مِلْكُ الشَّفِيعِ فِي الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا وَيَثْبُتُ السَّبَبُ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَقُولُ هَلْ اشْتَرَيْت أَمْ لَا؟ فَإِنْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ قَالَ لِلشَّفِيعِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُشْتَرِي اسْتَحْلَفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَى أَوْ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ شُفْعَةً مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى الْحَاصِلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَالْأَوَّلُ عَلَى السَّبَبِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ نَكَلَ أَوْ قَرَّ أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا لِظُهُورِ الْحَقِّ بِالْحُجَّةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي الْأَجْنَاسِ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي بِجِوَارِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ مِلْكُ هَذَا الشَّفِيعِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ هَذَا الْمُشْتَرِي هَذِهِ الدَّارَ وَهِيَ لَهُ إلَى هَذِهِ السَّاعَةِ لَا نَعْلَمُهَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ فَلَوْ قَالَا إنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِهَذَا الْجَارِ لَا يَكْفِي وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ الشَّفِيعَ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ وَهِيَ فِي يَدِهِ أَوْ وَهَبَهَا مِنْهُ فَذَلِكَ يَكْفِي فَلَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُشْتَرِيَ فَلَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ.
عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ كَانَتْ فِي يَدِ أَبِيهِ مَاتَ وَهِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالدَّارِ وَلَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ.
دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّهَا لِآخَرَ فَبِيعَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ فَطَلَبَ الْمُقَرُّ لَهُ الشُّفْعَةَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ دَارُهُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَقَرَّ بِسَهْمٍ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ ثُمَّ بَاعَ مِنْهُ بَقِيَّةَ الدَّارِ فَالْجَارُ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْخُوَارِزْمِيَّ يُخَطِّئُ الْخَصَّافَ فِي هَذِهِ وَيُفْتِي بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مَا ثَبَتَتْ إلَّا بِإِقْرَارِهِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
رَجُلَانِ وَرِثَا عَنْ أَبِيهِمَا أَجَمَةً وَأَحَدُ الْوَارِثَيْنِ بِعَيْنِهِ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمِيرَاثِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ لَهُ مِنْهَا نَصِيبًا فَبِيعَتْ أَجَمَةٌ أُخْرَى بِجِوَارِ هَذِهِ الْأَجَمَةِ فَلَمْ يَطْلُبْ هُوَ الشُّفْعَةَ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ لَهُ فِيهَا نَصِيبًا طَلَبَ الشُّفْعَةَ فِي الْأَجَمَةِ الْمَبِيعَةِ قَالُوا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَأَكُّدِ الشُّفْعَةِ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ فَإِذَا لَمْ يَطْلُبْ وَالْجَهْلُ لَيْسَ بِعُذْرٍ لَا تَبْقَى لَهُ الشُّفْعَةُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

.(الْبَابُ الرَّابِعُ فِي اسْتِحْقَاقِ الشَّفِيعِ كُلَّ الْمُشْتَرَى أَوْ بَعْضِهِ):

رَجُلٌ اشْتَرَى خَمْسَ مَنَازِلَ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ بِصَفْقَةٍ فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ مَنْزِلًا وَاحِدًا قَالُوا إنْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ بِحُكْمِ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ لَا يَأْخُذُ الْبَعْضَ لِأَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِنْ أَرَادَ الشُّفْعَةَ بِحُكْمِ الْجِوَارِ وَجِوَارُهُ فِي هَذَا الْمَنْزِلِ الَّذِي يُرِيدُ أَخْذَهُ لَا غَيْرُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا أَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الْمُشْتَرَى دُونَ بَعْضٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْتَازًا عَنْ الْبَعْضِ بِأَنْ اشْتَرَى دَارًا وَاحِدَةً فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهَا بِالشُّفْعَةِ دُونَ الْبَعْضِ وَأَنْ يَأْخُذَ الْجَانِبَ الَّذِي يَلِي الدَّارَ دُونَ الْبَاقِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْكُلَّ أَوْ يَدْعُ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْذَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِض فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ دَارًا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ حَصَلَتْ مُتَفَرِّقَةً مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَا يَكُونُ أَخْذُ الْبَعْضِ تَفْرِيقًا سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَ ثَمَنٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ سَمَّى الْجُمْلَةَ ثَمَنًا وَاحِدًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي عَاقِدًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ جَمِيعًا وَاحِدًا بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ مِنْ رَجُلَيْنِ فَجَاءَ الشَّفِيعُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ بِالشُّفْعَةِ.
وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فَاشْتَرَيَا مِنْ وَاحِدٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوُكَلَاءُ عَشَرَةً اشْتَرَوْا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ مِنْ ثَلَاثَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا أَنْظُرُ فِي هَذَا إلَى الْمُشْتَرِي وَلَا أَنْظُرُ إلَى الْمُشْتَرَى لَهُ وَهُوَ نَظَرٌ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى بَعْضُهُ مُمْتَازٌ عَنْ الْبَعْضِ بِأَنْ اشْتَرَى دَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَإِنْ كَانَ شَفِيعًا لَهُمَا جَمِيعًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَأْخُذُهُمَا جَمِيعًا أَوْ يَدَعُهُمَا وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارَانِ مُتَلَاصِقَتَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَتَيْنِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مِصْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ شَفِيعًا لِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَوَقَعَ الْبَيْعُ صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ؟ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا الشَّيْءَ الَّذِي يُجَاوِرُهُ بِالْحِصَّةِ.
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدَّارَيْنِ الْمُتَلَاصِقَتَيْنِ إذَا كَانَ الشَّفِيعُ جَارًا لِإِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ الشُّفْعَةُ إلَّا فِيمَا يَلِيه وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَقْرِحَةِ الْمُتَلَاصِقَةِ وَوَاحِدٌ مِنْهَا يَلِي أَرْضَ إنْسَانٍ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْأَقْرِحَةِ طَرِيقٌ وَلَا نَهْرٌ إلَّا مُسَنَّاةٌ، إنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ إلَّا فِي الْقَرَاحِ الَّذِي يَلِيه خَاصَّةً وَكَذَلِكَ فِي قَرْيَةٍ إذَا بِيعَتْ بِدُورِهَا وَأَرَاضِيهَا أَنَّ لِكُلِّ شَفِيعٍ أَنْ يَأْخُذَ الْقَرَاحَ الَّذِي يَلِيهِ خَاصَّةً وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالشُّفْعَةِ قَالَ الْكَرْخِيُّ رِوَايَةُ الْحَسَنِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَجُعِلَ كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

.(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا):

وَلَا يَلْزَمُ الشَّفِيعَ إحْضَارُ الثَّمَنِ وَقْتَ الدَّعْوَى بَلْ يَجُوزُ لَهُ الْمُنَازَعَةُ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَإِذَا قَضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ لَهُ إحْضَارُ الثَّمَنِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقَاضِي لَا يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ.
ثُمَّ إذَا قَضَى لَهُ قَبْلَ إحْضَارِ الثَّمَنِ فَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ حَبْسِ الْعَقَارِ عَنْهُ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَلَوْ أَخَّرَ دَفْعَ الثَّمَنِ بَعْدَمَا قَالَ ادْفَعْ الثَّمَنَ إلَيْهِ لَا تَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
فَإِنْ أَخَذَ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَعُهْدَتُهُ وَضَمَانُ مَالِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَخَذَهُمَا مِنْ الْبَائِعِ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ فَعُهْدَتُهُ وَضَمَانُ مَالِهِ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَنَا وَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَقْبِضْ الدَّارَ حَتَّى قَضَى الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِحَضْرَتِهِمَا فَإِنَّهُ يَقْبِضُ الدَّارَ مِنْ الْبَائِعِ وَيَنْقُدُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَعُهْدَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي.
وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ دَفَعَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَعُهْدَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ فَلَوْ أَنَّ الشَّفِيعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَجَدَ بِالدَّارِ عَيْبًا فَرَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا بِشِرَائِهِ وَأَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ ذَلِكَ الشِّرَاءِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا فَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا عَلَى الْمُشْتَرِي لِيَكُونَ وَثِيقَةً لِلشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَهُ ذَلِكَ وَيَحْكِي فِي الْكِتَابِ شِرَاءَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا ثُمَّ يُرَتِّبُ عَلَيْهِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي كِتَابَ شِرَائِهِ الَّذِي كَتَبَ عَلَى بَائِعِهِ وَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلشَّفِيعِ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ فَيَشْهَدُ قَوْمًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ إلَيْهِ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ أَخَذَ الدَّارَ مِنْ الْبَائِعِ يَكْتُبُ كِتَابًا عَلَى الْبَائِعِ نَحْوَ مَا يَكْتُبُ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيَكْتُبُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ سَلَّمَ جَمِيعَ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَأَجَازَهُ وَأَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَلَا فِي ثَمَنِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ شَاءَ كَتَبَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمَا بِتَسْلِيمِ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ إلَيْهِ وَقَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِرِضَاهُ وَضَمَانُ الْبَائِعِ الدَّرَكُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ أَوْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ مِنْ خِيَارِ رُؤْيَةٍ وَخِيَارِ عَيْبِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَرْجِعُ بِضَمَانِ الْغُرُورِ حَتَّى لَوْ بَنَى فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ وَأَمَرَ بِنَقْضِ الْبِنَاءِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَرْجِعُ وَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَإِذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى سَنَةٍ مَثَلًا فَحَضَرَ الشَّفِيعُ فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ وَأَرَادَ أَخْذَهَا إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَيَقُولُ الْقَاضِي لَهُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ إمَّا تَنْقُدُ الثَّمَنَ حَالًا أَوْ تَصْبِرُ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ فَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ حَالًا وَكَانَ الْأَخْذُ مِنْ الْبَائِع سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ حَالًا وَكَانَ الْأَخْذُ مِنْ الْمُشْتَرِي يَبْقَى الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْبَائِعِ وِلَايَةُ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ وَإِنْ صَبَرَ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا وَأَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا نَحْوَ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَقَالَ الشَّفِيعُ أَنَا أُعَجِّلُ الثَّمَنَ وَآخُذُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَالذَّخِيرَةِ وَالْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ.
وَلَوْ بَاعَ إلَى أَجَلٍ فَاسِدٍ فَعَجَّلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ جَازَ الْبَيْعُ وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ وَكَذَا الْأَرْضُ تُبَاعُ وَفِيهَا زَرْعُ الْمَزَارِعِ يَطْلُبُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَفِي الْمُجَرَّدِ رُوِيَ فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ وَالْأَجَلِ إلَى الْعَطَاءِ جَازَ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ فِي الْحَالِ بَطَلَتْ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
الشَّفِيعُ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ فَالْقَاضِي يَسْأَلُهُ: تَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ وَإِلَّا فَلَا.
كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ دَارًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهَا مِنْ آخَرَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَسَلَّمَهَا ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَأْخُذُهَا مِنْ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَيُقَالُ لَهُ اُطْلُبْ صَاحِبَك الَّذِي بَاعَك فَخُذْ مِنْهُ أَلْفًا آخَرَ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا حَضَرَ الشَّفِيعُ، وَقَدْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ وَسَلَّمَهَا وَغَابَ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ أَرَادَ أَخْذَهَا بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَشْتَرِطُ حَضْرَتُهُ وَإِنْ أَرَادَ أَخْذَهَا بِالْبَيْعِ الثَّانِي لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ.
كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فَإِنْ قَالَ الشَّفِيعُ إنْ لَمْ أَجِئْ بِالثَّمَنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الشُّفْعَةِ فَلَمْ يَجِئْ بِالثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ ذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَقَالَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ أَنَّ الشَّفِيعَ أَحْضَرَ الدَّنَانِيرَ وَالثَّمَنُ دَرَاهِمُ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ سَأَلَهُ الْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَخِّرَ الْخُصُومَةَ إلَى كَذَا وَهُوَ عَلَى خُصُومَتِهِ فَأَجَابَهُ فَهُوَ كَذَلِكَ وَفِي الْمُنْتَقَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ قَوْلَ الشَّفِيعِ لَا حَقَّ لِي عِنْدَ فُلَانٍ بَرَاءَةٌ مِنْ الشُّفْعَةِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
رَجُلٌ فِي يَدِهِ دَارٌ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ اشْتَرَى الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ وَأَنَا شَفِيعُهَا وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهَا إيَّاهُ يَقْضِي الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ انْتَصَبَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ وَهُوَ شِرَاؤُهُ وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ لَمْ يَدَّعِ الشِّرَاءَ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ إنَّمَا ادَّعَاهُ عَلَى رَجُلٍ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِ الْيَدِ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَأَشَارَ إلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ وَأَنَا شَفِيعُهَا وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهَا إيَّاهُ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ هَاهُنَا انْتَصَبَ خَصْمًا بِحُكْمِ ظَاهِرِ الْيَدِ لَا بِدَعْوَى الْفِعْلِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
اشْتَرَى دَارًا بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ أَوْ النَّبَهْرَجَةَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالْجِيَادِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الزُّيُوفِ عَنْ الْجِيَادِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشَّفِيعِ بِالْجِيَادِ كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.

.(الْبَابُ السَّادِسُ فِي الدَّارِ إذَا بِيعَتْ وَلَهَا شُفَعَاءُ):

يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ الشُّفَعَاءَ إذَا اجْتَمَعُوا فَحَقُّ كُلُّ وَاحِدٍ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَالْقَضَاءِ ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ الدَّارِ حَتَّى إنَّهُ إذَا كَانَ لِلدَّارِ شَفِيعَانِ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْأَخْذِ وَقَبْلَ الْقَضَاءِ كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ، وَبَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَبَعْدَ الْقَضَاءِ يَبْطُلُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَّا قَضَى لِصَاحِبِهِ حَتَّى إذَا كَانَ لِلدَّارِ شَفِيعَانِ وَقَضَى الْقَاضِي بِالدَّارِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ أَقْوَى مِنْ الْبَعْضِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ لِلْقَوِيِّ بَطَلَ حَقُّ الضَّعِيفِ حَتَّى إنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الشَّرِيكُ وَالْجَارُ وَسَلَّمَ الشَّرِيكُ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَهُ، كَانَ لِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالدَّارِ لِلشَّرِيكِ ثُمَّ سَلَّمَ الشَّرِيكُ الشُّفْعَةَ فَلَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ غَائِبًا كَانَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الدَّارِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي لَا أُعْطِيك إلَّا النِّصْفَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ قَالَ فِي غَيْبَةِ الْغَائِبِ أَنَا آخُذُ النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَ وَهُوَ مِقْدَارُ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَدَعَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلْحَاضِرِ بِكُلِّ الدَّارِ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ وَقَضَى لَهُ بِالنِّصْفِ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ قَضَى لَهُ بِثُلُثِ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَصِيرَ مُسَاوِيًا لَهُمَا فَإِنْ قَالَ الَّذِي قُضِيَ لَهُ بِكُلِّ الدَّارِ أَوَّلًا لِلثَّانِي أَنَا أُسَلِّمُ لَك الْكُلَّ فَإِمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ تَدَعَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلثَّانِي أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْ الشُّفَعَاءِ أَوَّلًا وَأَثْبَتَ شُفْعَتَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي لَهُ بِجَمِيعِهَا، ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَفِيعٌ آخَرُ وَأَثْبَتَ شُفْعَتَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الثَّانِي شَفِيعًا مِثْلَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِنِصْفِ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَوْلَى كَمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ جَارًا وَالثَّانِي خَلِيطًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُبْطِلُ شُفْعَةَ الْأَوَّلِ وَيَقْضِي بِجَمِيعِ الدَّارِ لِلثَّانِي وَإِنْ كَانَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُ بِشَيْءٍ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ أَنْ رَجُلًا اشْتَرَى دَارًا وَهُوَ شَفِيعُهَا ثُمَّ جَاءَهُ شَفِيعٌ مِثْلُهُ قَضَى الْقَاضِي بِنِصْفِهَا وَإِنْ جَاءَ لَهُ شَفِيعٌ آخَرُ أَوْلَى مِنْهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِيَ لَهُ بِجَمِيعِ الدَّارِ وَإِنْ جَاءَ شَفِيعٌ دُونَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ هَكَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَلَوْ قَضَى بِالدَّارِ لِلْحَاضِرِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ إلَّا نِصْفَ الدَّارِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ أَرَادَ الْغَائِبُ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ يَرُدُّ الْحَاضِرُ بِالْعَيْبِ وَيَدَعُ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بَيْعٌ مُطْلَقٌ، فَكَانَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ فَيَأْخُذُ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ كَمَا يَأْخُذُ بِالْبَيْعِ الْمُبْتَدَأِ.
هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَطْلَقَ الْجَوَابَ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بَيْعٌ جَدِيدٌ، وَبَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُطْلَقٌ وَرَفْعٌ لِلْعِقْدِ مِنْ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ يَخْتَصُّ بِالْبَيْعِ.
وَلَوْ اطَّلَعَ الْحَاضِرُ عَلَى عَيْبٍ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْكُلَّ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَلَوْ رَدَّ الْحَاضِرُ الدَّارَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ مَا قُضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ حَضَرَ شَفِيعَانِ أَخَذَا ثُلُثَيْ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ، وَالْحُكْمُ فِي الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثِ سَوَاءٌ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْغَائِبِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْحَاضِرِ وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ الْحَاضِرُ اشْتَرَى الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ كُلَّ الدَّارِ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ كُلَّهَا بِالْبَيْعِ الثَّانِي وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ شَفِيعًا لِلدَّارِ فَاشْتَرَاهَا الشَّفِيعُ الْحَاضِرُ مِنْهُ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الدَّارِ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقُّ الشِّرَاءِ قَبْلَ الشِّرَاءِ حَتَّى يَكُونَ بِشِرَائِهِ مُعْرِضًا عَنْهُ فَإِذَا بَاعَهُ مِنْ الشَّفِيعِ الْحَاضِرِ لَمْ يَثْبُتْ لِلْغَائِبِ إلَّا مِقْدَارُ مَا كَانَ يَخُصُّهُ بِالْمُزَاحَمَةِ مَعَ الْأَوَّلِ وَهُوَ النِّصْفُ لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ أَوْجَبَ الشُّفْعَةَ لِلْكُلِّ فِي كُلِّ الدَّارِ، وَقَدْ بَطَلَ حَقُّ الشَّفِيعِ الْحَاضِرِ بِالشِّرَاءِ لِكَوْنِ الشِّرَاءِ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ فَبَقِيَ حَقُّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَالْغَائِبِ فِي كُلِّ الدَّارِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا فَيَأْخُذُ الْغَائِبُ نِصْفَ الدَّارِ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ.
وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْكُلَّ بِالْبَيْعِ الثَّانِي لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَ الْعَقْدِ الثَّانِي أَوْجَبَ لِلشَّفِيعِ حَقَّ الشُّفْعَةِ ثُمَّ بَطَلَ حَقُّ الشَّفِيعِ الْحَاضِرِ عِنْدَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الشِّرَاءِ الثَّانِي لِإِعْرَاضِهِ فَكَانَ لِلْغَائِبِ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ الدَّارِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَجْنَبِيًّا اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ فَبَاعَهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِأَلْفَيْنِ فَحَضَرَ الشَّفِيعُ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَشَرْطُهُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ فَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ سَلَّمَ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ الثَّانِي وَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي الثَّمَنَ مِنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي تَمَّ الْبَيْعَانِ جَمِيعًا وَالْعُهْدَةُ عَلَى الثَّانِي، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَالدَّارُ فِي يَدِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي.
هَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنْ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَ نِصْفَ الدَّارِ وَلَمْ يَبِعْ جَمِيعَهَا فَجَاءَ الشَّفِيعُ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ أَخَذَ جَمِيعَ الدَّارِ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي فَلَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَبِعْ الدَّارَ وَلَكِنَّهُ وَهَبَهَا مِنْ رَجُلٍ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَجُلٍ وَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ لَهُ حَاضِرٌ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ لَا بِالْهِبَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ حَضْرَةِ الْمُشْتَرِي، حَتَّى لَوْ حَضَرَ الشَّفِيعُ وَوَجَدَ الْمَوْهُوبَ لَهُ فَلَا خُصُومَةَ مَعَهُ حَتَّى يَجِدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَأْخُذُهَا بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَالثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي وَبَطَلَتْ الْهِبَةُ.
كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ.
وَلَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الدَّارِ مَقْسُومًا وَسَلَّمَهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الْبَاقِي بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ جَمِيعَ الدَّارِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَدَعُ وَبَطَلَتْ الْهِبَةُ وَكَانَ الثَّمَنُ كُلُّهُ لِلْمُشْتَرِي لَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعَانِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَطَلَبَ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ فَقَضَى الْقَاضِي لَهُ ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ الثَّانِي فَإِنَّ الشَّفِيعَ الثَّانِي يَطْلُبُ الشُّفْعَةَ مِنْ الشَّفِيعِ الْحَاضِرِ الَّذِي قَضَى لَهُ الْقَاضِي لَا مِنْ الْمُشْتَرِي، هَذَا إذَا طَلَب الشَّفِيعُ الْحَاضِرُ جَمِيعَ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ طَلَبَ النِّصْفَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا النِّصْفَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَطَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشُّفْعَةَ فِي النِّصْفِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمَّا لَمْ يَطْلُبْ الْكُلَّ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يَطْلُبْ فَإِذَا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ فِي النِّصْفِ تَبْطُلُ فِي الْكُلِّ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.