فصل: (الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي الْحَجِّ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.(الْفَصْلُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي رُسُومِ الْحُكَّامِ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ):

فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ أَوَّلُ مَا يُبْدَأُ بِهِ مِنْ رُسُومِ الْحُكَّامِ كِتَابَةُ الْمَنَاشِيرِ فَإِنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ عَبَّادٍ كَانَ إذَا خَطَبَ إلَيْهِ إنْسَانٌ عَمَلًا أَلْقَى إلَيْهِ الْبَيَاضَ وَقَالَ اُكْتُبْ عَهْدَ هَذَا الْعَمَلِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ قَلَّدَهُ وَإِلَّا نَحَّاهُ عَنْ مَجْلِسِهِ قَالَ الْحَاكِمُ السَّمَرْقَنْدِيُّ إنْ أَرَدْت كِتَابَةَ الْمَنْشُورِ كَتَبْت هَذَا مَا عَهِدَ إلَيْهِ فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ حِينَ عَرَفَ عِلْمَهُ وَدِيَانَتَهُ وَنَزَاهَتَهُ وَصِيَانَتَهُ وَامْتَحَنَهُ عَلَى الْأَيَّامِ وَاخْتَبَرَهُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ فَوَجَدَهُ سَالِكًا سُبُلَ الْأَخْيَارِ مُنْتَهِجًا طُرُقَ الْأَبْرَارِ لَمْ تُعْرَفْ لَهُ زَلَّةٌ وَلَمْ تُذْمَمْ مِنْهُ خُلَّةٌ فَاعْتَمَدَهُ وَقَلَّدَهُ عَمَلَ الْحُكُومَةِ بِكُورَةِ كَذَا أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَعَلَا مَظْهَرًا وَمَبْطَنًا وَخِيفَتَهُ مُسِرًّا وَمُعْلِنًا فَإِنَّهَا أَنْفَعُ مَا قُدِّمَ مِنْ زَادٍ وَأَحْسَنُ مَا اُدُّخِرَ مِنْ عَتَادٍ.
وَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} وَأَمَرَهُ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ مُتَدَبِّرًا حِجَجَهُ الطَّاهِرَةَ مُتَأَمِّلًا أَدِلَّتَهُ الْبَاهِرَةَ فَإِنَّهُ عَمُودُ الْحَقِّ وَمِنْهَاجُ الصِّدْقِ، وَبَشِيرُ الثَّوَابِ وَنَذِيرُ الْعِقَابِ وَالْكَاشِفُ لِمَا اسْتَبْهَمَ وَالْمُنَوِّرُ لِمَا أَظْلَمَ وَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وَأَمَرَهُ بِدِرَاسَةِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآثَارِهِ وَتَعَهُّدِ أَحَادِيثِهِ وَأَخْبَارِهِ مُنْتَهِيًا إلَى حُكْمِهِ وَوَصَايَاهُ مُؤْتَسِيًا بِخَلَائِقِهِ وَسَجَايَاهُ فَإِنَّهُ الدَّاعِي إلَى الْهُدَى الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى فَمَنْ ائْتَمَرَ بِأَوَامِرِهِ غَنِمَ وَمَنْ انْزَجَرَ عَنْ مَزَاجِرِهِ سَلِمَ، وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ، وَجَعَلَ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِ كَالْعَمَلِ بِخِطَابِهِ وَأَمَرَهُ بِمُجَالَسَةِ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ وَمُدَارَسَةِ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْفَهْمِ وَمُشَاوَرَتِهِمْ فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيُمْضِيهِ فَإِنَّهُ لَا مُبَرَّأَ مِنْ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَلَا أَمْنَ مِنْ الزَّلَلِ وَالسَّقَطِ، وَأَنَّ الشُّورَى نِتَاجُ الْأَلْبَابِ وَالْمُبَاحَثَةُ رَائِدُ الصَّوَابِ وَاسْتِظْهَارُ الْمَرْءِ عَلَى رَأْيِهِ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَاسْتِنَارَتُهُ بِعَقْلِ أَخِيهِ مِنْ حَزَامَةِ التَّدْبِيرِ.
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَعَلَا بِذَلِكَ أَوْلَى الْبَشَرِ بِالْإِصَابَةِ فَقَالَ لِرَسُولِهِ الْكَرِيمِ فِي كِتَابِهِ الْحَكِيمِ {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} وَأَمَرَهُ بِفَتْحِ الْبَابِ وَرَفْعِ الْحِجَابِ وَالْبُرُوزِ لِلْخُصُومِ وَإِيصَالِهِمْ إلَيْهِ عَلَى الْعُمُومِ وَالنَّظَرِ بَيْنَ الْمُتَحَاكِمِينَ بِالسَّوِيَّةِ وَالْعَدْلِ فِيهِمْ عِنْدَ الْقَضِيَّةِ وَأَنْ لَا يُفَضِّلَ خَصْمًا عَلَى صَاحِبِهِ فِي لَحْظٍ وَلَا لَفْظٍ وَلَا يُقَوِّيهِ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ.
إذَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْحُكْمَ مِيزَانَ الْقِسْطِ وَالْعَدْلِ فِي الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَسَوَّى بَيْنَ الدَّنِيءِ وَالشَّرِيفِ وَأَخَذَ بِهِ الْقَوِيَّ لِلضَّعِيفِ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاك خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} وَأَمَرَهُ إذَا تَرَافَعَ إلَيْهِ الْمُتَحَاكِمَانِ أَنْ يَطْلُبَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا فِي نَصِّ الْكِتَابِ.
فَإِنْ عَدِمَهُ هُنَاكَ طَلَبَهُ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ الْقَوِيمَةِ وَالْآثَارِ الصَّحِيحَةِ السَّلِيمَةِ.
فَإِنْ فَقَدَهُ هُنَاكَ ابْتَغَاهُ فِي إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِ إجْمَاعًا اجْتَهَدَ رَأْيَهُ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ غَايَةَ الْوُسْعِ فِي التَّحَرِّي فَإِنَّهُ مَنْ أَخَذَ بِالْكِتَابِ اهْتَدَى وَمَنْ اتَّبَعَ السُّنَّةَ نَجَا وَمَنْ تَمَسَّك بِالْإِجْمَاعِ سَلِمَ مِنْ الْخَطَأِ وَمَنْ اجْتَهَدَ فَقَدْ أَعْذَرَ وَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وَأَمَرَهُ بِالتَّثَبُّتِ فِي الْحُدُودِ وَالِاسْتِظْهَارِ فِيهَا بِتَعْدِيلِ الشُّهُودِ وَأَنْ يُحْتَرَسَ مِنْ عَجَلٍ يُزْهِقُ الْحُكْمَ عَنْ الْمَوْقِعِ الصَّحِيحِ أَوْ رَيْثٍ يَزْجُرُهُ عِنْدَ الْوُضُوحِ حَتَّى يَقِفَ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَيَمْضِيَ عِنْدَ الِاتِّجَاهِ وَلِيَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنْ لَا هَوَادَةَ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَسْتَخِفَّهُ عَجَلَةٌ إلَى بَرِيءٍ وَلَا تَأْخُذَهُ رَأْفَةٌ بِمُسِيءٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} وَأَمَرَهُ بِتَصَفُّحِ أَحْوَالِ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ فَيَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ كَانَ طَيِّبًا بَيْنَ النَّاسِ ذِكْرُهُ مَشْهُورًا فِيهِمْ سَيْرُهُ مَنْسُوبًا إلَى الْعِفَّةِ وَالظَّلَفِ مَعْرُوفًا بِالنَّزَاهَةِ وَالْأَنَفِ سَلِيمًا مِنْ شَائِنِ الطَّمَعِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْتَاطَ عَلَى أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ بِثِقَاتِ الْأُمَّةِ وَيَكِلَهَا إلَى الْحَفَظَةِ الْأَعْفَاءِ وَيَرْعَاهُمْ فِي ذَلِكَ عَيْنًا وَيَكْلَؤُهُمْ بِهِمَّةٍ يَقْظَى.
وَأَمَرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ مَا يَجْرِي فِي عَمَلِهِ مِنْ الْوُقُوفِ إلَى قَوْمٍ يُحْسِنُونَ تَدْبِيرَهَا وَيَضْبِطُونَ الْقِيَامَ عَلَى مَصَالِحِهَا وَيَكُونُونَ مَأْمُونِينَ عَلَى أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا وَيَجْنُونَ ارْتِفَاعَهَا مِنْ حِلِّهِ وَيَصْرِفُونَهُ فِي سُبُلِهِ وَيَتْبَعُونَ مَا شَرَطَ وَاقِفُوهَا فِي مُزَارَعَاتِهَا وَإِجَارَاتِهَا وَيُحْتَذَوْنَ مَا رَسَمُوهُ فِي اسْتِغْلَالِهَا وَعِمَارَاتِهَا وَلَا يُخَلِّيَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ اقْتِفَاءِ الْأَثَرِ وَالْإِشْرَافِ وَالنَّظَرِ.
وَأَمَرَهُ بِتَزْوِيجِ الْأَرَامِلِ وَالْيَتَامَى مِنْ أَكْفَائِهَا عِنْدَ فَقْدِ أَوْلِيَائِهَا وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ كَاتِبًا عَالِمًا بِالْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ مُطَّلِعًا عَلَى عِلْمِ الدَّعَاوَى وَالْقُضَاةِ قَيِّمًا عَلَى حِفْظِ الشُّرُوطِ وَالْعُهُودِ عَارِفًا بِكِتَابَةِ الْعُقُودِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَسَلَّمَ مَا تَحَقَّقَ إعْمَالَهُ مِنْ دِيوَانِ الْقَضَاءِ عَلَى ثَبَتَ مَا فِيهِ مِنْ الْوَثَائِقِ وَالسِّجِلَّاتِ وَالْمَحَاضِرِ وَالْوَكَالَاتِ وَأَسْمَاءِ الْمُحْبِسِينَ وَأَنْ يُوَكِّلَ بِهَا مِنْ الْخُزَّانِ مَنْ يَرْتَضِيهِ وَيَتَفَرَّسُ الْخَيْرَ فِيهِ، ثُمَّ يَقُولُ الْكَاتِبُ هَذَا عَهْدُ فُلَانٍ إلَيْك وَعَلَيْك وَهَادِيك إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ وَحَادِيك إلَى طَرِيقِ السَّدَادِ وَقَدْ أَعْذَرَ فِيهِ وَأَنْذَرَ وَبَصَّرَ وَحَذَّرَ فَاجْعَلْ عَهْدَهُ إمَامًا تَقْتَضِيهِ وَمِثَالًا تَحْتَذِيهِ وَقَدِّمْ التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ وَالثِّقَةَ بِمَا عِنْدَهُ فِي اسْتِدَامَةِ التَّوْفِيقِ مِنْهُ وَاسْتِدْعَاءِ النِّعَمِ بِشُكْرِهِ يَزِدْك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ الَّذِي يَلِي هَذَا قَبْضُ الْقَاضِي الْمُوَلَّى دِيوَانَ مَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْحُكَّامِ وَتَرْتِيبُ الْإِضْبَارَاتِ وَالرِّقَاعِ وَهَذَا عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فِي بَابِ قَبْضِ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ، ثُمَّ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْقَاضِي رُسُومَ التَّوْقِيعَاتِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى صُدُورِ الْحُجَجِ وَأَعْجَازِهَا وَهِيَ عَلَى سِتَّةِ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا تَوْقِيعُهُ عَلَى صُدُورِ السِّجِلَّاتِ وَكُتُبِ التَّزْوِيجِ وَاخْتِيَارِ الْقَوَّامِ وَكُتُبِ التَّوَسُّطِ وَالتَّقْلِيدَاتِ وَذِكْرِ الْحَجْرِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَضْلِ وَالتَّفْلِيسِ وَالْإِحْضَارِ وَهُوَ عَلَى اخْتِيَارِ الْقُضَاةِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ تَوْقِيعٌ نَحْوُ بِاَللَّهِ أَعْتَصِمُ مِمَّا يَصِمُ يَقِينِي بِاَللَّهِ يَقِينِي أَمِنَ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ الْحَقُّ مَفْرُوضٌ وَالْبَاطِلُ مَرْفُوضٌ الْحَمْدُ ثَمَنُ الْجَنَّةِ وَالشُّكْرُ قَيْدُ النِّعْمَةِ التَّثَبُّتُ طَرِيقُ الْإِصَابَةِ الطَّمَعُ قَرِينُ النَّدَامَةِ الْأَنْفَاسُ خَطَا الْغِنَاءَ الْغَضَبُ يُصْدِئُ الْعَقْلَ.
(فَرْضُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ وَوَلَدِهَا عَلَى زَوْجِهَا) وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ النَّفَقَةَ عَلَى رَجُلٍ لِامْرَأَتِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحْضِرُهُ وَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا، فَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَضْرِبُهَا وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِقَدْرِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الدَّقِيقِ وَالْإِدَامِ وَالدُّهْنِ وَحَوَائِجِهَا الَّتِي تَكُونُ لِمِثْلِهَا فَيُقَوِّمُ ذَلِكَ بِالدَّرَاهِمِ وَيَفْرِضُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ لَهَا ذَلِكَ يَكْتُبُ يَقُولُ الْقَاضِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَضَيْت لِفُلَانَةَ عَلَى زَوْجِهَا فُلَانٍ بِحَضْرَتِهِ بِكَذَا وَأَمَرْته بِإِدْرَارِ ذَلِكَ عَلَيْهَا أَوَانَ وُجُوبِهِ وَفَرَضْت ذَلِكَ عَلَيْهِ لَهَا وَحَظَرْت عَلَيْهِ الْإِخْلَالَ بِهِ وَأَطْلَقْت لَهَا الِاسْتِدَانَةَ إنْ مَطَلَهَا يَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا لَهَا عَلَيْهِ تَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَرْتُ بِكِتَابَةِ هَذَا الذِّكْرِ حُجَّةً لَهَا يَوْمَ كَذَا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ تَطْلُبُ النَّفَقَةَ وَذَكَرَتْ أَنَّ زَوْجَهَا غَابَ عَنْهَا وَلَمْ يُخْلِفْ لَهَا نَفَقَةً وَسَأَلَتْ الْقَاضِيَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةً وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَأَنَّ زَوْجَهَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ غَائِبٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ لَا أَقْضِي عَلَى غَائِبٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا أَقْضِي بِالنِّكَاحِ عَلَيْهِ فَإِذَا قَدِمَ فَأَقَرَّ أَخَذْته بِنَفَقَتِهَا وَكَذَلِكَ إنْ أَنْكَرَ وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى نِكَاحِهَا، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ فَلَهَا أَنْ تَسْتَدِينَ، وَإِنْ أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ كَانَ أَحْوَطَ عَلَى أَصْلِهِ قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الْكِتَابَ كَتَبَ يَقُولُ الْقَاضِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بَعْدَ تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَمْضَيْت هَذَا التَّقْدِيرَ الْمَذْكُورَ فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ الْمَذْكُورِ فِيهِ لِامْرَأَتِهِ فُلَانَةَ وَأَطْلَقْت لَهَا تَنَاوُلَ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ مَالِهِ وَالِاسْتِدَانَةَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ تَظْفَرْ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ تَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَوْبَتِهِ مِنْ غَيْبَتِهِ أَخْذًا بِقَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ جَائِزًا مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، وَأَوْصَيْتهَا فِي ذَلِكَ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِيهِ فَتَقَلَّدَتْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطِ الْوَفَاءِ بِهِ وَأَمَرْت بِكَتْبِ هَذَا الذِّكْرِ حُجَّةً لَهَا يَوْمَ كَذَا وَعَلَى هَذَا فَرْضُ سَائِرِ النَّفَقَاتِ.
(اخْتِيَارُ الْقَيِّمِ) يَقُولُ الْقَاضِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ رُفِعَ إلَيَّ حَالُ الْأَوْقَافِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى كَذَا فِي اخْتِلَالِهَا وَانْتِشَارِ أُمُورِهَا وَاضْطِرَابِ أَحْوَالِهَا وَقُصُورِ ارْتِفَاعَاتِهَا عَنْ مَصَارِفِهَا وَوُجُوهِهَا بِخُلُوِّهَا عَنْ قَيِّمٍ يَتَعَهَّدُهَا أَوْ لِسُوءِ سِيرَةِ فُلَانٍ الْقَيِّمِ، وَأَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ إلَى مَنْ يَقُومُ بِأُمُورِهَا وَحِفْظِهَا وَتَثْمِيرِهَا وَضَبْطِهَا وَإِمْضَاءِ شُرُوطِ الْمُتَصَدِّقِينَ بِهَا، وَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا رُفِعَ إلَيَّ بِإِخْبَارِ جَمَاعَةٍ ثِقَاتٍ فَوَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ لِمَا وُصِفَ مِنْ صَلَاحِهِ وَسَدَادِهِ فَنَصَبْته قَيِّمًا فِيهَا عَلَى أَنْ يَحْفَظَهَا وَيَتَعَهَّدَهَا وَيَسْتَثْمِرَهَا وَيَسْتَغِلَّهَا وَيَصْرِفَ غَلَّاتِهَا إلَى وُجُوهِهَا وَمَصَارِفِهَا وَيُحْيِيَ مَا مَاتَ مِنْهَا وَانْدَرَسَ وَيَسْتَأْدِيَ مِنْ غَلَّاتِهَا مِمَّنْ كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا وَصَرَفْت كُلَّ قَيِّمٍ كَانَ فِيهَا قَبْلَهُ وَأَوْصَيْته بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
(نَصْبُ الْمُشْرِفِ عَلَى الْوَصِيِّ أَوْ الْقَيِّمِ) يَقُولُ الْقَاضِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ رُفِعَ إلَيَّ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ قَيِّمٌ فِي وَقْفِ كَذَا أَوْ وَصِيٌّ فِي تَرِكَةِ فُلَانٍ وَهَذِهِ التَّرِكَةُ مُحْتَاجَةٌ إلَى مُشْرِفٍ يَحْفَظُ هَذَا الْوَصِيَّ وَيَتَفَقَّدَ عَنْ حَالِهِ فَوَجَدْت الْأَمْرَ عَلَى مَا رُفِعَ إلَيَّ بِإِخْبَارِ الثِّقَاتِ، وَأَنَّ هَذَا الْقَيِّمَ أَوْ الْوَصِيَّ مُحْتَاجٌ إلَى مُشْرِفٍ يَتَعَهَّدُ أَحْوَالَهُ لِيُؤْمَنَ امْتِدَادُ الطَّمَعِ فِي هَذِهِ التَّرِكَةِ فَوَقَعَ الِاخْتِيَارُ مِنِّي عَلَى فُلَانٍ لِمَا عُرِفَ مِنْ فِطْنَتِهِ وَذَكَائِهِ وَسَدَادِهِ وَأَمَانَتِهِ فَأَمْضَيْتُ هَذَا الِاخْتِيَارَ وَنَصَبْتُ هَذَا الْمُخْتَارَ مُشْرِفًا عَلَى هَذَا الْقَيِّمِ وَعَلَى كُلِّ قَيِّمٍ فِي هَذِهِ التَّرِكَةِ وَحَظَرْت عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ قَيِّمٍ فِي هَذِهِ التَّرِكَةِ الِاسْتِبْدَادَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فِيهَا دُونَهُ وَأَمَرْته أَنْ لَا يَحِلَّ وَلَا يَعْقِدَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ هَذِهِ التَّرِكَةِ إلَّا بَعْدَ مَشُورَةِ هَذَا الْمُشْرِفِ وَاسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ فِيهِ وَأَمَرْت أَنْ يُكْتَبَ هَذَا الذِّكْرُ حُجَّةً بَعْدَ أَنْ أَوْصَيْته بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَكَانَ أَبُو نَصْرٍ الصَّفَّارُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: الْقَاضِي لَا يَكْتُبُ فِي جَمِيعِ هَذَا وَأَوْصَيْته بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ عَلَى شَرْطِ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةَ.

.(الْفَصْلُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْمُقَطَّعَاتِ):

وَاعْلَمْ أَنَّك إذَا كَتَبْت شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لَا بُدَّ مِنْ كِتَابَةِ التَّارِيخِ فِي أَوَاخِرِهَا وَأَعْجَازِهَا دَفْعًا لِلِاشْتِبَاهِ وَقَطْعًا لِلِالْتِبَاسِ وَاعْلَمْ أَنْ لِكُلِّ مَمْلَكَةٍ وَأَهْلِ مِلَّةٍ تَارِيخًا وَكَانُوا يُؤَرِّخُونَ بِالْوَقْتِ الَّذِي تَحْدُثُ فِيهِ حَوَادِثُ مَشْهُورَةٌ عَامَّةٌ، وَكَانَ لِلرُّومِ أَوْقَاتٌ أَرَّخُوا بِهَا عَلَى حَسَبِ مَا وَقَعَ مِنْ الْأَحْدَاثِ فِيهَا إلَى أَنْ اسْتَقَرَّ تَارِيخُهُمْ عَلَى أَنْ جُعِلَ مُنْذُ وَفَاةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ الْفُرْسُ فَإِنَّهُ حُكِيَ عَنْ الْمُؤَيَّدِ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ الْمُتَوَكِّلِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْفُرْسَ كَانَتْ تُؤَرِّخُ بِأَعْدَلَ مَلِكٍ كَانَ فِيهِمْ إلَى أَنْ اسْتَقَرَّ تَارِيخُهُمْ عَلَى هَلَاكِ يَزْدَجْرِدَ الَّذِي هُوَ آخِرُ مُلُوكِهِمْ وَالْعَرَبُ كَانَتْ تُؤَرِّخُ بِعَامِ التَّفَرُّقِ وَهُوَ تَفَرُّقُ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَخُرُوجِهِمْ عَنْ مَكَّةَ وَأَرَّخُوا بِعَامِ الْغَدْرِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ، ثُمَّ أَرَّخُوا بِعَامِ الْفِيلِ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ التَّارِيخُ الْعَرَبِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى أَنْ جُعِلَ مِنْ أَوَّلِ سِنِّي الْهِجْرَةِ، وَكَانَ الْمُبْتَدِئُ بِهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ عَامِلَهُ عَلَى الْيَمَنِ قَدِمَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَمَا تُؤَرِّخُونَ كُتُبَكُمْ فَأَرَادَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: بَلْ نَبْدَأُ بِوَقْتِ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَأَوْا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْهِجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتٍ بَدَأَ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَكَانُوا قَدْ بَدَءُوا بِشَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ جَعَلُوا الِابْتِدَاءَ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَالتَّوَارِيخُ الْعَرَبِيَّةُ، إنَّمَا هِيَ عَلَى اللَّيَالِيِ، وَإِنْ كَانَ تَوَارِيخُ سَائِرِ الْأُمَمِ عَلَى الْأَيَّامِ وَذَلِكَ أَنَّ سِنِي أُولَئِكَ تَجْرِي عَلَى أَمْرِ الشَّمْسِ وَهِيَ نَهَارِيَّةٌ وَسُنُو الْعَرَبِ قَمَرِيَّةٌ.
(صَكُّ الْوَقْفِ عَلَى وُجُوهٍ شَتَّى) وَصُورَتُهُ هَذَا مَا وَقَفَ وَتَصَدَّقَ وَحَبَسَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ تَقَرُّبًا إلَى رَبِّهِ وَخَالِقِهِ وَتَوَسُّلًا إلَى إلَهِهِ وَرَازِقِهِ ذَخِيرَةً قَدَّمَهَا لِيَوْمِ حَشْرِهِ وَنَشْرِهِ يَوْمِ الْعَرْضِ الْأَكْبَرِ {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} فَتَأَهَّبَ لِلرَّحِيلِ إلَى فِنَاءِ الْمَلِكِ الْجَلِيلِ وَتَزَوَّدَ لِلسَّفَرِ الطَّوِيلِ، وَكَانَ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّهُ عَابِرُ سَبِيلٍ فَبَادَرَ وَاسْتَعَدَّ وَاجْتَهَدَ وَجَدَّ وَأَحَبَّ أَنْ يَنْخَرِطَ فِي عِدَادِ مَنْ لَا يَنْقَطِعُ عَمَلُهُ إذَا انْتَهَى أَجَلُهُ عَلَى مَا قَالَ سَيِّدُ الْبَشَرِ وَصَاحِبُ اللِّوَاءِ فِي الْمَحْشَرِ {إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ} الْحَدِيثَ وَتَعَرَّفَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الرَّخَاءِ لِيَكُونَ عَوْنًا لَهُ عَلَى دَفْعِ اللَّأْوَاءِ بِمَا هُوَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْجِنَانِ عَلَى مَا رَوَى خَالِدُ بْنُ مَعْدَانُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ {يَجِيءُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَلْقَانِ فَيَنْطَلِقُ الْمَعْرُوفُ بِأَهْلِهِ إلَى الْجَنَّةِ وَيَنْطَلِقُ الْمُنْكَرُ بِأَهْلِهِ إلَى النَّارِ وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ وَأَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الْآخِرَةِ} فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ كَذَا عَنْ نِيَّةٍ خَالِصَةٍ وَطَوِيَّةٍ صَافِيَةٍ إلَى آخِرِ مَا قُلْنَاهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ إلَّا أَنَّا نَذْكُرُ هَاهُنَا أَشْيَاءَ لَمْ نَذْكُرْهَا ثَمَّةَ لِيَكُونَ الْكَاتِبُ ذَا مُكْنَةٍ وَمَقْدِرَةٍ فِي كِتَابَةِ مَا يَقَعُ لَهُ فَنَقُولُ.
(إذَا أَرَادَ الْوَاقِفُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَقْفُ عَلَى أَوْلَادِهِ) يَكْتُبُ مَا كَتَبْنَاهُ إلَى أَنْ يَقُولَ فَمَا فَضَلَ مِنْ غَلَّاتِهَا صُرِفَ إلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفِ الْمُتَصَدِّقِ وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانَةُ أَبَدًا مَا تَوَالَدُوا وَتَنَاسَلُوا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ لَا نَصِيبَ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْبَطْنِ الْأَسْفَلِ مِنْهَا مَا دَامَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْبَطْنِ الْأَعْلَى فِي الْإِحْيَاءِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ يَقُولُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي اسْتِحْقَاقِ النَّصِيبِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ لَا يُفَضَّلُ ذُكُورُهُمْ عَلَى إنَاثِهِمْ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ وَأَجْلَبُ لِلثَّوَابِ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا يَقُولُ، وَإِنْ انْقَرَضُوا وَتَفَانَوْا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ صُرِفَ مَا كَانَ مَصْرُوفًا إلَيْهِمْ إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَحَاوِيجِهِمْ وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْوَاقِفُ الْمُتَصَدِّقُ هَذَا الْوَقْفَ وَهَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ يَدِهِ وَأَبَانَهَا عَنْ سَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَأَسْبَابِهِ وَسَلَّمَهَا إلَى فُلَانٍ الْمُتَوَلِّي تَسْلِيمًا صَحِيحًا بَعْدَمَا جَعَلَهُ قَيِّمًا فِيهِ وَمُتَوَلِّيًا لِأُمُورِ هَذَا الْوَقْفِ، وَأَنَّهُ قَبَضَهَا مِنْهُ قَبْضًا صَحِيحًا بَعْدَمَا قَبِلَ مِنْهُ هَذِهِ التَّوْلِيَةَ وَالْقِوَامَةَ قَبُولًا صَحِيحًا إلَى آخِرِ مَا قُلْنَاهُ وَلَوْ زِدْت فِي صَرْفِ الْفَاضِلِ إلَى الْأَوْلَادِ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَغْنَى مِنْهُمْ حُرِمَ، فَإِنْ افْتَقَرَ عَادَ إلَيْهِ مَا كَانَ مَصْرُوفًا إلَيْهِ فَهُوَ أَحْسَنُ وَلَوْ لَمْ يَقِفْ عَلَى أَوْلَادِهِ.
وَلَكِنْ شَرَطَ الْفَاضِلَ لِنَفْسِهِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَأَرَادَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ رَجُلٌ صَالِحٌ بَعْدَمَا حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ وَيُصْرَفَ إلَى وُجُوهٍ شَتَّى كَتَبْت، فَإِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ الَّذِي لَا مَحِيصَ لِأَحَدٍ عَنْهُ وَلَا مُخَلِّصَ وَلَا مَنَاصَ وَمَضَى لِسَبِيلِهِ صُرِفَ مَا كَانَ مَصْرُوفًا إلَيْهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْفَاضِلِ فَيُبْدَأُ مِنْهُ أَوَّلًا بِمَا يَحُجُّ عَنْهُ رَجُلٌ مُصْلِحٌ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فَيُعْطَى كِفَايَتُهُ لِذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ وَمَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ بُدِئَ بِالتَّضْحِيَةِ بِكَذَا شِيَاهٍ إحْدَاهَا عَنْ سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِي عَنْ وَالِدِ هَذَا الْوَاقِفِ فُلَانٍ وَالثَّالِثَةُ عَنْ وَالِدَةِ هَذَا الْوَاقِفِ فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ، وَالرَّابِعَةُ عَنْ هَذَا الْوَاقِفِ فَيُضَحِّي بِذَلِكَ كُلِّهِ كُلَّ سَنَةٍ فِي أَيَّامِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَانْقِرَاضِ حَيَاتِهِ تَبَرُّكًا إلَى اللَّهِ وَوَسِيلَةً بِهَا إلَيْهِ وَيُعْطَى أَجْرُ السَّلَّاخِ مِنْ الْفَاضِلِ وَيُتَصَدَّقُ بِلُحُومِهَا وَشُحُومِهَا وَدُسُومِهَا وَأَكَارِعِهَا وَسَقَطِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَحَاوِيجِهِمْ، وَمَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى مَرْسُومَاتِ عَاشُورَاءَ الَّتِي تَعْرِفُهَا الْأَغْنِيَاءُ فِي هَذَا الْيَوْمِ مِنْ شِرَاءِ الرُّغْفَانِ وَاِتِّخَاذِ الْخَبِيصِ وَشِرَاءِ الْكِيزَانِ وَالْمِلْحِ وَالْكِبْرِيتِ بِكَذَا مُوسِعُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى هَذَا الْقَيِّمِ.
وَمَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يُصْرَفُ كَذَا كَذَا إلَى فَوَائِتِ صَلَوَاتِهِ وَكَذَا كَذَا إلَى فَوَائِتِ زَكَوَاتِهِ وَكَذَا إلَى فَوَائِتِ نُذُورِهِ وَكَفَّارَاتِهِ وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ أَنْ يَأْكُلَ بِنَفْسِهِ مِنْهَا وَأَنْ يُؤَكِّلَ مَنْ شَاءَ وَمَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ السِّقَايَةِ الَّتِي هِيَ بِمَحَلَّةِ كَذَا وَإِلَى شِرَاءِ الْجَمْدِ وَأُجْرَةِ السُّقَاةِ وَيُتَّخَذُ مَاءُ الْجَمْدِ فِيهَا أَيَّامَ الصَّيْفِ وَمَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، وَصَارَتْ هَذِهِ صَدَقَةً مَاضِيَةً صَافِيَةً لَا يَزِيدُهَا مُرُورُ الْأَيَّامِ إلَّا تَسْدِيدًا وَلَا مُضِيُّ الْأَعْوَامِ إلَّا تَأْكِيدًا وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ تَبْدِيلُ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا وَلَا تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا تَعْطِيلُهَا {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
وَالْأَحْوَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُلْحِقَ فِي الْوَقْفِ حُكْمُ قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَزُولَ الْخِلَافُ، وَصُورَةُ جَرَيَانِ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى ظَهْرِ الصَّكِّ لِلْوَقْفِ يَقُولُ الْقَاضِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْمُتَوَلِّي لِعَمَلِ الْقُضَاةِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَوْقَافِ بِكُورَةِ كَذَا وَنَوَاحِيهَا نَافِذُ الْقَضَاءِ وَالْإِمْضَاءِ وَالِاسْتِنَابَةِ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِهَا: حَكَمْت بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ الْمُبَيَّنِ الْمَوْصُوفِ فِي بَطْنِ هَذَا الصَّكِّ وَجَوَازِهِ وَلُزُومِهِ فِي جَمِيعِ مَا بُيِّنَ مَوْضِعُهُ وَحُدُودُهُ فِيهِ مِنْ الْحَوَانِيتِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالْخَانَاتِ وَالْحَمَّامَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِجَمِيعِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ فِي سُفْلِهِ وَعُلُوِّهِ مِنْ الْحُجُرَاتِ وَالْمَنَازِلِ وَالصَّحْنِ وَالْمَرَابِطِ عَلَى السُّبُلِ وَالْوُجُوهِ وَالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ عَمَلًا بِقَوْلِ مَنْ يَرَى صِحَّةَ هَذَا الْوَقْفِ وَجَوَازِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ بِشُرُوطِهَا وَسُبُلِهَا الْمُفَسَّرَةِ فِيهِ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ بَعْدَ خُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ جَرَتْ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الْوَاقِفِ الْمُسَمَّى فِيهِ وَبَيْنَ مَنْ خَاصَمَهُ فِيهِ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ فِي جَوَازِ هَذَا الْوَقْفِ وَصِحَّتِهِ.
وَجَوَابُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْإِنْكَارِ لِصِحَّتِهِ وَجَوَازُهُ وَمَيْلُهُ إلَى جِهَةِ الْفَسَادِ حُكْمًا أَبْرَمْته وَقَضَاءً نَفَّذْته عَلَى هَذَا الْوَاقِفِ بِحَضْرَتِهِ فِي وَجْهِهِ وَوَجْهِ مَنْ خَاصَمَهُ فِيهِ، بَعْدَ مَا عَرَفْت مَوَاضِعَ الِاخْتِلَافِ وَوَقَعَ اجْتِهَادِي عَلَى صِحَّتِهِ وَنَفَاذِهِ وَكَلَّفْت هَذَا الْوَاقِفَ قَصْرَ يَدِهِ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْمَحْدُودَاتِ وَتَسْلِيمَهَا إلَى هَذَا الْقَيِّمِ الْمُسَمَّى فِيهِ وَتَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُ مِنْهُ فِيمَا يُخَالِفُ مُقْتَضَى الصِّحَّةِ وَالْجَوَازِ لِهَذَا الْوَقْفِ وَهَذِهِ الصَّدَقَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَجْلِسِ قَضَائِي عَلَى سَبِيلِ الشُّهْرَةِ وَالْإِعْلَانِ دُونَ الْخِفْيَةِ وَالْكِتْمَانِ، وَأَمَرْت بِكِتَابَةِ هَذَا السِّجِلِّ عَلَى ظَهْرِ هَذَا الصَّكِّ حُجَّةً لَهُ فِي ذَلِكَ وَأَشْهَدْت مَنْ حَضَرَنِي مِنْ الثِّقَاتِ بِتَارِيخِ كَذَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةَ.

.(كِتَابُ الْحِيَلِ):

وَفِيهِ فُصُولٌ:

.الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي بَيَانِ جَوَازِ الْحِيَلِ وَعَدَمِ جَوَازِهَا:

فَنَقُولُ: مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ كُلَّ حِيلَةٍ يَحْتَالُ بِهَا الرَّجُلُ لِإِبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ أَوْ لِإِدْخَالِ شُبْهَةٍ فِيهِ أَوْ لِتَمْوِيهِ بَاطِلٍ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ وَكُلُّ حِيلَةٍ يَحْتَالُ بِهَا الرَّجُلُ لِيَتَخَلَّصَ بِهَا عَنْ حَرَامٍ أَوْ لِيَتَوَصَّلَ بِهَا إلَى حَلَالٍ فَهِيَ حَسَنَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْحِيَلِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} وَهَذَا تَعْلِيمُ الْمَخْرَجِ لِأَيُّوبَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ يَمِينِهِ الَّتِي حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ امْرَأَتَهُ مِائَةَ عُودٍ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

.الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَسَائِلِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ:

خَنْدَقٌ لَهُ طُولٌ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ وَفِيهِ مَاءٌ إلَّا أَنَّ عَرْضَهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ فَعَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ فِيهِ، وَالْحِيلَةُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ يَحْفِرَ حَفِيرَةً قَرِيبَةً مِنْ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ يَحْفِرَ نَهِيرَةً مِنْ الْخَنْدَقِ إلَى الْحَفِيرَةِ وَيُسَيَّلَ الْمَاءَ مِنْ الْخَنْدَقِ إلَى الْحَفِيرَةِ فَيَصِيرُ الْمَاءُ جَارِيًا فِي الْخَنْدَقِ، فَإِنْ شَاءَ تَوَضَّأَ مِنْ الْخَنْدَقِ، وَإِنْ شَاءَ تَوَضَّأَ مِنْ النَّهِيرَةِ.
إذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ فَرَأَى الْبَلَلَ سَائِلًا مِنْ ذَكَرِهِ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ يُرِيهِ ذَلِكَ كَثِيرًا فَالْحِيلَةُ فِي قَطْعِ هَذِهِ الْوَسْوَسَةِ أَنْ يَنْضَحَ فَرْجَهُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا أَرَاهُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ أَحَالَهُ عَلَى الْمَاءِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ، إنَّمَا تَنْفَعُ إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا وَلَمْ يَجِفَّ الْبَلَلُ فَأَمَّا إذَا جَفَّ الْبَلَلُ، ثُمَّ رَأَى الْبَلَلَ عَلَى ذَكَرِهِ يُعِيدُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إحَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ.
إذَا أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ خُفًّا أَوْ نَعْلًا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا جُرْمٌ كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ رَطْبًا أَنْ يَمْشِيَ فِي التُّرَابِ أَوْ الرَّمْلِ حَتَّى يَلْصَقَ بَعْضُهُ بِالتُّرَابِ وَيَجِفَّ، ثُمَّ يَمْسَحَهُ بِالْأَرْضِ فَيَطْهُرَ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ الْجَفَافَ.
إذَا صَلَّى الظُّهْرَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ وَعَلِمَ الْمُصَلِّي أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ وَيَكُونُ فَرْضُهُ مَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَكَرِهَ أَنْ يُفْسِدَ مَا صَلَّى فَالْحِيلَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَقْعُدَ فِي الرَّابِعَةِ وَيَقُومَ إلَى الْخَامِسَةِ فَيُصَلِّيَ الْخَامِسَةَ وَالسَّادِسَةَ حَتَّى تَصِيرَ هَذِهِ الصَّلَاةُ نَفْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-، ثُمَّ يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ مَعَ الْإِمَامِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(رَجُلٌ) جَاءَ إلَى الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَخَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالسُّنَّةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَيَتْرُكَ السُّنَّةَ، ثُمَّ يَقْضِيَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا يَقْضِيَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالْحِيلَةُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ سُنَّةَ الْفَجْرِ بَعْدَ مَا صَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَنْ يَشْرَعَ فِي السُّنَّةِ، ثُمَّ يُفْسِدَهَا عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ يَشْرَعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الْفَرِيضَةِ يَقْضِيَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا بِالْإِفْسَادِ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يُكْرَهُ هَكَذَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا: هَذَا إذَا لَمْ يَتَّخِذْ ذَلِكَ عَادَةً بَلْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا، أَمَّا إذَا اتَّخَذَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ فَإِنَّهُ يَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- قَالُوا: هَاهُنَا حِيلَةٌ أُخْرَى هِيَ أَحْسَنُ فَإِنَّ فِي هَذَا الطَّرِيقِ يَحْتَاجُ إلَى إفْسَادِ مَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ وَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَشْرَعَ فِي السُّنَّةِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ مَرَّةً ثَانِيَةً لِلْفَرِيضَةِ فَيَخْرُجَ بِهَذَا التَّكْبِيرِ عَنْ السُّنَّةِ وَيَصِيرَ شَارِعًا فِي الْفَرِيضَةِ وَلَا يَصِيرُ مُفْسِدًا لِلْعَمَلِ بَلْ يَصِيرُ مُجَاوِزًا عَنْ عَمَلٍ إلَى عَمَلٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

.الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَسَائِلِ الزَّكَاةِ:

رَجُلٌ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَرَادَ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الزَّكَاةُ فَالْحِيلَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ حَتَّى يَكُونَ النِّصَابُ نَاقِصًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ أَوْ يَهَبَ ذَلِكَ الدِّرْهَمَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَهَبَ الدَّرَاهِمَ كُلَّهَا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ عَلَى أَوْلَادِهِ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ، قَالَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَرِهَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- الْحِيلَةَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ وَرَخَّصَ فِيهَا بَعْضُهُمْ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الَّذِي كَرِهَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَلَّذِي رَخَّصَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ ذَكَرَ الْخَصَّافُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الْحِيلَةَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ وَأَرَادَ بِهِ الْمَنْعَ عَنْ الْوُجُوبِ لَا الْإِسْقَاطَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَمَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْفُقَرَاءِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَتْ لَهُ سَائِمَةٌ لَا يَعْجِزُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ بِجِنْسِهَا أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا فَيَنْقَطِعُ بِهِ حُكْمُ الْحَوْلِ أَوْ يَهَبَ النِّصَابَ مِنْ رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ، ثُمَّ يَرْجِعَ بَعْدَ الْحَوْلِ فِي هِبَتِهِ فَيُعْتَبَرَ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الرُّجُوعِ وَالْقَبْضِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ وَكَذَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ يَفْعَلُ هَكَذَا فَيُؤَدِّي إلَى إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْفُقَرَاءِ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مَسْأَلَتَيْنِ وَهَدَى إلَى الْحِيلَةِ فِيهِمَا مَعَ أَنَّ فِيهِمَا إسْقَاطَ حَقِّ الشَّرْعِ إحْدَاهُمَا رَجُلٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَلَهُ خَادِمٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ بِالصَّوْمِ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ بَاعَ الْخَادِمَ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ إنْسَانٍ، ثُمَّ صَامَ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ أَوْ أَقَالَ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهُ وَيَبْقَى الْخَادِمُ عَلَى مِلْكِهِ فَقَدْ هُدِيَ إلَى الْحِيلَةِ، الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ رَجُلٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَعِنْدَهُ طَعَامٌ يَكْفِيهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ طَعَامٌ وَهُوَ يَصُومُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسْتَحِيلُ أَيْضًا أَنْ يُكَفِّرَ بِالطَّعَامِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ صَرَفَ الطَّعَامَ أَوَّلًا إلَى الدَّيْنِ، ثُمَّ صَامَ عَنْ يَمِينِهِ يَجُوزُ فَقَدْ هُدِيَ إلَى الْحِيلَةِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إجَازَةً لِلْحِيلَةِ صَارَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الزَّكَاةِ رِوَايَتَانِ.
رَجُلٌ لَهُ عَلَى فَقِيرٍ مَالٌ وَأَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ عَلَى غَرِيمِهِ وَيَحْتَسِبَ بِهِ عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ فَقَدْ عُرِفَ مِنْ أَصْلِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى بِالدَّيْنِ زَكَاةُ الْعَيْنِ وَلَا زَكَاةُ دَيْنٍ آخَرَ وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَصَدَّقَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى الْغَرِيمِ بِمِثْلِ مَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ الْعَيْنِ نَاوِيًا عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ، فَإِذَا قَبَضَهُ الْغَرِيمُ وَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ قَضَاءً بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ يَجُوزُ، وَذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سُئِلَ عَنْ هَذَا فَأَجَابَ وَقَالَ: هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَمَشَايِخُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ الْحِيلَةَ مَعَ غُرَمَائِهِمْ الْمَفَالِيسِ وَكَانُوا لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا، فَإِنْ خَافَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مِقْدَارَ الدَّيْنِ إلَى الْغَرِيمِ يَمْتَنِعُ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخَافَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ وَيَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ، فَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ يُدَافِعُهُ وَيُمَانِعُهُ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيَجِدُهُ الْقَاضِي مَلِيئًا فَيُكَلِّفُهُ قَضَاءَ الدَّيْنِ.
(وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَقُولَ الطَّالِبُ لِلْمَطْلُوبِ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَكِّلْ وَاحِدًا مِنْ خَدَمِي لِيَقْبِضَ لَك زَكَاةَ مَالِي، ثُمَّ وَكِّلْهُ بِقَضَاءِ دَيْنِك، فَإِذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ يَصِيرُ الْمَقْبُوضُ مِلْكًا لِمُوَكِّلِهِ وَهُوَ الْمَدْيُونُ وَالْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ وَكِيلٌ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَيَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ بِحُكْمِ وَكَالَتِهِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي أَصْلِ هَذِهِ الْحِيلَةِ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبُ الْمَالِ الْمَدْيُونَ مِنْ مَالِهِ الْعَيْنِ زِيَادَةً عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ بِمِقْدَارِهِ مِنْ الْمَالِ الْعَيْنِ وَيَبْقَى لَهُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ فَلَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنْ لَا يَفِيَ بِمَا شَرَطَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ شَرِيكٌ فِي هَذَا الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَحْتَالَ بِمَا ذَكَرْنَا فِي نَصِيبِهِ وَأَرَادَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا قَبَضَ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِيمَا قَبَضَ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ بَعْدَمَا دَفَعَ صَاحِبُ الْمَالِ مِنْ مَالِهِ الْعَيْنِ إلَى الْغَرِيمِ قَدْرَ الدَّيْنِ نَاوِيًا عَنْ الزَّكَاةِ يَتَصَدَّقُ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى هَذَا الْمَدْيُونِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، ثُمَّ إنَّ الْمَدْيُونَ يَهَبُ ذَلِكَ الْمَقْبُوضَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ فَيَصِحُّ وَلَا يَكُونُ لِشَرِيكِهِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ مَعَهُ فِي الْمَقْبُوضِ.
(وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ) أَنْ يَسْتَقْرِضَ الْمَدْيُونُ مِنْ رَجُلِ مَالًا بِقَدْرِ حِصَّةِ هَذَا الشَّرِيكِ وَيَهَبَ مِنْ هَذَا الشَّرِيكِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الشَّرِيكَ يَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَدْيُونِ نَاوِيًا عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ، ثُمَّ يُبْرِئَ هَذَا الشَّرِيكُ الْمَدْيُونَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لِشَرِيكِهِ الْآخَرِ عَلَيْهِ سَبِيلُ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ.
إذَا أَرَادَ أَنْ يُكَفِّنَ مَيِّتًا عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ لَا يَجُوزُ (وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى فَقِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ)، ثُمَّ هُوَ يُكَفِّنُ بِهِ الْمَيِّتَ فَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ وَلِأَهْلِ الْمَيِّتِ ثَوَابُ التَّكْفِينِ، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْبِرِّ الَّتِي لَا يَقَعُ بِهَا التَّمْلِيكُ كَعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ.
(وَالْحِيلَةُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِقْدَارِ زَكَاتِهِ) عَلَى فَقِيرٍ، ثُمَّ يَأْمُرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالصَّرْفِ إلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ فَيَكُونَ لِلْمُتَصَدِّقِ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ وَلِذَلِكَ الْفَقِيرِ ثَوَابُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَالْقَنْطَرَةِ وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مَوَاضِعُ مَوَاتٍ عَلَى شَطِّ جَيْحُونَ عَمَّرَهَا أَقْوَامٌ كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَ الْعُشْرَ مِنْ غَلَّاتِهَا وَهَذَا الْجَوَابُ، إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لِأَنَّ مَاءَ جَيْحُونَ عِنْدَهُ عُشْرِيٌّ وَالْمُؤْنَةُ تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ وَلَوْ أَبَاحَ السُّلْطَانُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِرِبَاطٍ ثَمَّةَ لَا يَجُوزُ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى الرِّبَاطِ.
(وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ) أَنْ يَتَصَدَّقَ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ الْفُقَرَاءُ يَدْفَعُونَ ذَلِكَ إلَى الْمُتَوَلِّي يَصْرِفُ ذَلِكَ إلَى الرِّبَاطِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

.(الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الصَّوْمِ):

إذَا الْتَزَمَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَصَامَ رَجَبَ وَشَعْبَانَ، فَإِذَا شَعْبَانُ نَقَصَ يَوْمًا فَالْحِيلَةُ أَنْ يُسَافِرَ مُدَّةَ السَّفَرِ فَيَنْوِيَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَمَّا الْتَزَمَهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفِدْيَةَ عَنْ صَوْمِ أَبِيهِ أَوْ صَلَاتِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَإِنَّهُ يُعْطِي مَنَوَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ فَقِيرًا، ثُمَّ يُسْتَوْهَبَهُ، ثُمَّ يُعْطِيَهُ هَكَذَا إلَى أَنْ يَتِمَّ كَذَا فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ.
(فِي الْعُيُونِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ هَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ) بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ امْرَأَتَهُ فَأَرَادَ أَنْ لَا يَحْنَثَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُسَافِرَ وَيُفْطِرَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

.(الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي الْحَجِّ):

الْحِيلَةُ لِلْآفَاقِيِّ إذَا أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ مِنْ الْمِيقَاتِ أَنْ لَا يَقْصِدَ دُخُولَ مَكَّةَ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ مَكَانًا آخَرَ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ خَارِجَ الْحَرَمِ نَحْوَ بُسْتَانِ بَنِي عَامِرٍ فَإِنَّ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ مَوْضِعٌ هُوَ دَاخِلُ الْمِيقَاتِ إلَّا أَنَّهُ خَارِجُ الْحَرَمِ أَوْ مَوْضِعًا آخَرَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ إذَا وَصَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ يَدْخُلُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

.(الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي النِّكَاحِ):

ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ نِكَاحًا وَالرَّجُلُ يَجْحَدُ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمَرْأَةِ وَالِاسْتِحْلَافُ لَا يَجْرِي فِي النِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لِلْقَاضِي: لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ؛ لِأَنَّ هَذَا زَوْجِي وَقَدْ أَنْكَرَ النِّكَاحَ فَمُرْهُ لِيُطَلِّقَنِي حَتَّى أَتَزَوَّجَ وَالزَّوْجُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا؛ لِأَنَّ بِالطَّلَاقِ يَصِيرُ مُقِرًّا بِالنِّكَاحِ فَمَاذَا يَصْنَعُ، حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الزَّاهِدِ عَلِيٍّ الْبَزْدَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلزَّوْجِ قُلْ لَهَا: إنْ كُنْتِ امْرَأَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةً فَإِنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الزَّوْجُ لَا يَصِيرُ مُقِرًّا بِالنِّكَاحِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَتْ امْرَأَةً لَهُ تَتَخَلَّصُ مِنْهُ وَيُمْكِنُهَا التَّزَوُّجُ بِغَيْرِهِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَأَرَادَ الْقَاضِي تَحْلِيفَهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- فَالْحِيلَةُ لَهَا فِي دَفْعِ الْيَمِينِ عَنْ نَفْسِهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ فَإِنَّ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَتْ لَا تُسْتَحْلَفُ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الِاسْتِحْلَافِ النُّكُولُ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالنِّكَاحِ لِلْمُدَّعِي بَعْدَ مَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا فَلَا تُسْتَحْلَفُ لِانْعِدَامِ الْفَائِدَةِ.
إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُجَدِّدَ نِكَاحَ امْرَأَتِهِ وَلَا يَلْزَمَهُ مَهْرٌ آخَرُ بِلَا خِلَافٍ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَهْرٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا بِمَهْرٍ مُسَمًّى هَلْ يَجِبُ التَّسْمِيَتَانِ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، ثُمَّ إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ مَهْرٌ آخَرُ بِلَا خِلَافٍ يَنْبَغِي أَنْ يُجَدِّدَ النِّكَاحَ وَلَا يَذْكُرَ الْمَهْرَ أَوْ يُجَدِّدَ النِّكَاحَ بِذَلِكَ الْمَهْرِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ آخَرُ.
الْأَبُ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ إنْسَانٍ فَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُقِرَّ بِقَبْضِ شَيْءٍ مِنْ الصَّدَاقِ فَالْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَجْلِسِ يَعْرِفُونَ أَنَّهُ كَذِبٌ حَقِيقَةً وَأَمَّا الْهِبَةُ، فَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ كَبِيرَةً وَالْأَبُ يَقُولُ: أَهَبُ بِإِذْنِ الْبِنْتِ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ يَضْمَنُ لِلزَّوْجِ عَنْهَا وَيَقُولُ: إنْ أَنْكَرَتْ الْإِذْنَ بِالْهِبَةِ وَرَجَعْت عَلَيْك فَأَنَا ضَامِنٌ لَك عَنْهَا يَكُونُ هَذَا الضَّمَانُ صَحِيحًا لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَتْ الِابْنَةُ صَغِيرَةً فَالْهِبَةُ لَا تَصْلُحُ حِيلَةً وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُحِيلَ الزَّوْجُ بَعْضَ الصَّدَاقِ عَلَى أَبِي الصَّغِيرَةِ وَيُفْرِغَ ذِمَّتَهُ إنْ كَانَ أَبُو الصَّغِيرَةِ أَمْلَأَ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ يَعْقِدَانِ الْعَقْدَ عَلَى مَا وَرَاءَ مَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى هِبَتِهِ حَتَّى إنَّهُ إنْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ مِائَةً يَنْبَغِي أَنْ يُعْقَدَ الْعَقْدُ عَلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَإِذَا جَعَلَ بَعْضَ مَهْرِ ابْنَتِهِ الْبَالِغَةِ مُعَجَّلًا وَالْبَعْضَ مُؤَجَّلًا وَالْبَعْضَ هِبَةً كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ وَطَلَبُوا مِنْ الْأَبِ الضَّمَانَ وَمُرَادُ الْأَبِ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ يَقُولُ الْأَبُ: أَهَبُ كَذَا، فَإِنْ لَمْ تُجِزْ الِابْنَةُ الْهِبَةَ فَهِيَ عَلِيَّ، وَلَا يَقُولُ: أَهَبُ بِإِذْنِ الِابْنَةِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُلْزَمُ الْأَبُ بِشَيْءٍ.
لَهُ مَمْلُوكٌ سَأَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَةً أَوْ حُرَّةً فَخَافَ الْمَوْلَى إنْ زَوَّجَهُ يَتَكَاسَلُ فِي أُمُورِهِ أَوْ لَا يَرْغَبَ أَحَدٌ فِي شِرَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْحِيلَةُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُك أَمَتِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ الْحُرَّةَ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِي أُطَلِّقُهَا كَمَا أُرِيدُ، فَإِذَا قَبِلَ الْعَبْدُ نِكَاحَهَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى يُطَلِّقُهَا الْمَوْلَى كُلَّمَا أَرَادَ.
رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَخَافَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَوْ خَافَتْ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ يَتَسَرَّى فَأَرَادَتْ التَّوَثُّقَ مِنْهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَالْحِيلَةُ أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ فَلَهَا تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَيُقِرُّ الزَّوْجُ أَنَّ مَهْرَ مِثْلِ نِسَائِهَا كَذَا وَكَذَا بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا مِمَّا يَثْقُلُ عَلَى الزَّوْجِ وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ عَزَمَ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَخَذَتْهُ بِتَمَامِ مَهْرِ مِثْلِ نِسَائِهَا، وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَقُولُ: إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الْإِقْرَارُ مِنْ الزَّوْجِ إذَا كَانَ فِي حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي حَيِّزِ الْمُحَالِ فَلَا يَصِحُّ وَمِنْ الْمَشَايِخِ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- مَنْ قَالَ: مَا ذُكِرَ، إنَّمَا يَسْتَقِيمُ حِيلَةً عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الشَّرْطَ الثَّانِيَ جَائِزٌ كَالْأَوَّلِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الشَّرْطَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ، فَإِذَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا غَيْرُ لَا تَسْتَقِيمُ هَذِهِ الْحِيلَةُ، ثُمَّ إذَا جَازَ هَذَا الْإِقْرَارُ وَجَازَ هَذَا الشَّرْطُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِهِ وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ جَمِيعَ الْمُقَرِّ بِهِ فِي الْقَضَاءِ.
أَمَّا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الزِّيَادَةَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا إلَّا إذَا أَعْطَاهَا الزَّوْجُ ذَلِكَ بِطِيبِ نَفْسِهِ، فَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْحِيلَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهَا الزَّوْجُ فَأَرَادَتْ حِيلَةً لَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُهَا مِنْ الْبَلْدَةِ فَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ بِالدَّيْنِ مِمَّنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَالْأَخِ وَتُشْهِدَ عَلَى إقْرَارِهَا حَتَّى إنَّ الزَّوْجَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ فَالْمُقَرُّ لَهُ بِالدَّيْنِ يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ، إنَّمَا تَكُونُ حِيلَةً عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَصِحُّ إقْرَارُهَا بِالدَّيْنِ فِي حَقِّ نَفْسِهَا لَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ الزَّوْجِ، فَإِنْ خَافَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ الزَّوْجُ بِاَللَّهِ أَنَّ لَك عَلَيْهَا هَذَا الْمَالَ.
(قَالَ) يَبِيعُهَا بِذَلِكَ الْمَالِ ثَوْبًا حَتَّى إذَا حَلَفَ لَا يَأْثَمُ وَهَذَا، إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ الزَّوْجِ فَكَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُقَرَّ لَهُ بِاَللَّهِ أَنَّ مَا أَقَرَّتْ لَك بِهِ حَقٌّ، وَلَكِنَّ الْحِيلَةَ الَّتِي تَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ أَنْ تَشْتَرِيَ مِمَّنْ تَثِقُ بِهِ شَيْئًا بِثَمَنٍ غَالٍ أَوْ تَكْفُلُ عَنْ غَيْرِهَا مِمَّنْ تَثِقُ بِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ وَالْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ الزَّوْجِ عِنْدَ الْكُلِّ إلَى أَنْ تُؤَدِّيَ الثَّمَنَ أَوْ الدَّيْنَ وَإِذَا أَقَرَّتْ بِالْكَفَالَةِ كَانَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ الْخُرُوجِ عِنْدَ الْكُلِّ فَتَصِيرُ هَذِهِ حِيلَةً عِنْدَ الْكُلِّ أَيْضًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَقَرَّتْ وَذَكَرَتْ لِلْمُقَرِّ بِهِ سَبَبًا يَصِحُّ إقْرَارُهَا فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ وَفِي حَقِّ الزَّوْجِ عِنْدَ الْكُلِّ حَتَّى كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ الْخُرُوجِ مَعَ الزَّوْجِ عِنْدَ الْكُلِّ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَقَرَّتْ وَلَمْ تَذْكُرْ لِلْمُقَرِّ بِهِ سَبَبًا كَانَ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ اخْتِلَافٌ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا.
وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ فَسَدَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ جَمِيعَ رَقَبَةِ زَوْجِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَارِثٌ وَشِقْصًا مِنْهُ إنْ كَانَ مَعَهَا وَارِثٌ وَأَيُّمَا كَانَ فَسَدَ النِّكَاحُ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَوْلَى أَنْ لَا يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ بِمَوْتِهِ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُكَاتِبَ لِلْعَبْدِ عَلَى مَالٍ، ثُمَّ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْهُ وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ رَقَبَتِهِ بِمَوْتِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُورَثُ لَكِنَّ لَهَا حَقَّ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ وَحَقُّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَلَا يَمْنَعُ الْبَقَاءَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً إلَى نَفْسِهَا فَأَجَابَتْهُ إلَى ذَلِكَ وَكَرِهَتْ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ أَوْلِيَاؤُهَا فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا فِي تَزْوِيجِهَا إلَيْهِ يَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ كَرِهَ أَنْ يُسَمِّيَهَا عِنْدَ الشُّهُودِ فَمَا الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ (قَالَ) الْحِيلَةُ أَنَّهُ إذَا جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ، وَكَانَ تَوَافَقَ مَعَهَا عَلَى الْمَهْرِ فَالزَّوْجُ يَجِيءُ إلَى الشُّهُودِ وَيَقُولُ لَهُمْ: إنِّي خَطَبَتْ امْرَأَةً إلَى نَفْسِي وَبَذَلْت لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ كَذَا فَرَضِيَتْ بِذَلِكَ وَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَيَّ لِأَتَزَوَّجَهَا فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةَ الَّتِي جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَيَّ عَلَى صَدَاقِ كَذَا فَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا لَهَا هَكَذَا.
ذَكَرَ الْخَصَّافُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي حِيلَةٍ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْخَصَّافُ اكْتَفَى بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّعْرِيفِ لِجَوَازِ النِّكَاحِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا كَانُوا يَقُولُونَ هَذَا رَأْيُ الْخَصَّافِ.
وَفِي جَوَازِ هَذَا النِّكَاحِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ مَعْرِفَةً وَفِي بَابِ النِّكَاحِ يُسْتَقْصَى فِي التَّعْرِيفِ غَايَةَ الِاسْتِقْصَاءِ وَهَكَذَا حُكِيَ عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ الْخَصَّافَ كَبِيرٌ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَخَوَيْنِ تَزَوَّجَا أُخْتَيْنِ فَزُفَّتْ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا امْرَأَةُ أَخِيهِ فَلَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحُوا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: لِيُطَلِّقْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمَرْأَةَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا وَفِي مَنَاقِبِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- ذُكِرَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حِكَايَةٌ أَنَّهَا وَقَعَتْ لِبَعْضِ الْأَشْرَافِ بِالْكُوفَةِ، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءَ لِوَلِيمَةٍ وَفِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانَ فِي عِدَادِ الشُّبَّانِ يَوْمَئِذٍ فَكَانُوا جَالِسِينَ عَلَى الْمَائِدَةِ إذْ سَمِعُوا وَلْوَلَةَ النِّسَاءِ فَقِيلَ: مَاذَا أَصَابَهُنَّ فَذَكَرُوا أَنَّهُمْ غَلِطُوا فَأَدْخَلُوا امْرَأَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَدَخَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاَلَّتِي أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَقَالُوا: إنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى مَائِدَتِكُمْ فَسَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلُوا فَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِيهَا قَضَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الْمَهْرَ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْعِدَّةَ، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَأَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَنْكُتُ بِإِصْبَعِهِ عَلَى طَرَفِ الْمَائِدَةِ كَالْمُتَفَكِّرِ فِي شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ مَنْ إلَى جَنْبِهِ أَبْرِزْ مَا عِنْدَك هَلْ عِنْدَك شَيْءٌ آخَرُ فَغَضِبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فَقَالَ مَاذَا يَكُونُ عِنْدَهُ بَعْدَ قَضَاءِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي فِي الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ.
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: عَلِيَّ بِالزَّوْجَيْنِ فَأُتِيَ بِهِمَا فَسَأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ هَلْ تُعْجِبُك الْمَرْأَةُ الَّتِي دَخَلْت بِهَا قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: طَلِّقْ امْرَأَتَك تَطْلِيقَةً فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ زَوَّجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمَرْأَةَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا وَقَالَ: قُومَا إلَى أَهْلِكُمَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ سُفْيَانُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْت فَقَالَ: أَحْسَنُ الْوُجُوهِ وَأَقْرَبُهَا إلَى الْأُلْفَةِ وَأَبْعَدُهَا عَنْ الْعَدَاوَةِ أَرَأَيْت لَوْ صَبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ أَمَا كَانَ يَبْقَى فِي قَلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ بِدُخُولِ أَخِيهِ بِزَوْجَتِهِ وَلَكِنِّي أَمَرْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ دُخُولٌ وَلَا خَلْوَةٌ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ، ثُمَّ زَوَّجْتُ كُلَّ امْرَأَةٍ مِمَّنْ وَطِئَهَا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ وَعِدَّتُهُ لَا تَمْنَعُ نِكَاحَهُ وَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ زَوْجَتِهِ وَلَيْسَ فِي قَلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ فَعَجِبُوا مِنْ فِطْنَةِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَحُسْنِ تَأَمُّلِهِ وَفِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ بَيَانُ فِقْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي خُتِمَ بِهَا الْكِتَابُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.