فصل: (الْفَصْلُ الْعِشْرُونَ فِي الشُّفْعَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.(الْفَصْلُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْإِجَارَاتِ):

قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي إجَارَاتِ الْأَصْلِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ مِنْ آخَرَ حَمَّامًا وَشَرَطَ رَبُّ الْحَمَّامِ الْمَرَمَّةَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمَرَمَّةِ يَصِيرُ أَجْرًا وَإِنَّهُ مَجْهُولٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ فِي ذَلِكَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَرَمَّةِ وَيَضُمَّ ذَلِكَ إلَى الْأُجْرَةِ، ثُمَّ يَأْمُرَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ الْمُسْتَأْجِرَ بِصَرْفِ مَا ضَمَّ إلَى الْأَجْرِ لِلْمَرَمَّةِ إلَى الْمَرَمَّةِ، حَتَّى إنَّهُ إذَا كَانَ الْأَجْرُ عَشْرَةً وَالْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْمَرَمَّةِ أَيْضًا عَشْرَةٌ فَصَاحِبُ الْحَمَّامِ يُؤَاجِرُ الْحَمَّامَ مِنْهُ بِعِشْرِينَ وَيَأْمُرُ بِصَرْفِ الْعَشَرَةِ إلَى الْمَرَمَّةِ فَيَصِيرُ الْمُسْتَأْجِرُ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْحَمَّامِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَإِنَّهُ مَعْلُومٌ فَيَجُوزُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: هَذِهِ الْحِيلَةُ مُسْتَقِيمَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ دَيْنٌ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمَجْهُولِ وَهُوَ بَائِعٌ آلَاتِ الْمَرَمَّةِ وَالْأَجْرُ مَجْهُولٌ وَإِنَّهُ يَمْنَعُ جَوَازَ الْوَكَالَةِ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا إذَا قَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ أَسْلِمْ مَا لِي عَلَيْك فِي كَذَا أَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِمَا لِي عَلَيْكَ كَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا بَلْ هَذِهِ الْحِيلَةُ مُسْتَقِيمَةٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ بَعْضُهُمْ قَالُوا حَالَةُ التَّوْكِيلِ الْأُجْرَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِيَكُونَ أَمْرًا بِصَرْفِ الدَّيْنِ إلَى الْمَجْهُولِ وَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ الْوَكَالَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِهَذَا قَبْلَ الْإِجَارَةِ جَازَتْ الْوَكَالَةُ، وَإِنَّمَا جَارَتْ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الدِّينَ هُنَاكَ وَاجِبٌ وَقْتَ الْوَكَالَةِ، فَإِذَا وَكَّلَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُسْلِمُ إلَيْهِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِصَرْفِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْمَجْهُولِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: ادْفَعْ مَا لِي عَلَيْك إلَى رَجُلٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ أَمَّا هَهُنَا فَبِخِلَافِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ وَاجِبَةً وَقْتَ التَّوْكِيلِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لَمْ يُعَيِّنْ الْأَجْرَ وَبَاعَهُ الْآلَاتِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ.
وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا لَا يُجَوِّزُ التَّوْكِيلَ بِصَرْفِ الدَّيْنِ إذَا كَانَ الْمَصْرُوفُ إلَيْهِ مَجْهُولًا أَمَّا إذَا كَانَ مَعْلُومًا فَلَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ آخَرَ دَابَّةً أَوْ غُلَامًا وَأَمَرَ الْآجِرُ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يُنْفِقَ بَعْضَ الْأُجْرَةِ فِي عَلَفِ الدَّابَّةِ وَنَفَقَةِ الْغُلَامِ يَجُوزُ لَمَّا كَانَ مَحِلُّ الصَّرْفِ وَهُوَ الْغُلَامُ وَالدَّابَّةُ مَعْلُومًا وَهَهُنَا مَحِلُّ الصَّرْفِ وَهُوَ مَرَمَّةُ الْحَمَّامِ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَحِلُّ الصَّرْفِ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مَجْهُولٌ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ: أَسْلِمْ مَا لِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ إلَى فُلَانٍ وَعَيَّنَهُ يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: قَدْ رَمَمْتُ الْحَمَّامَ بِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَشْهَدَ رَبُّ الْحَمَّامِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الْإِنْفَاقِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ إلَّا بِحُجَّةٍ يَعْنِي أَشْهَدَ وَقْتَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَوَقْتَ اشْتِرَاطِ الْمَرَمَّةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الْإِنْفَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ بِدَعْوَى الْإِنْفَاقِ يَدَّعِي إيفَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ وَرَبُّ الْحَمَّامِ يُنْكِرُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْحَمَّامِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى كَمَا لَوْ ادَّعَى الْإِيفَاءَ حَقِيقَةً وَالْحِيلَةُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى مَا أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُسْتَأْجِرُ مِقْدَارَ الْمَرَمَّةِ وَيَدْفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْحَمَّامِ يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَأْمُرُهُ بِإِنْفَاقِ ذَلِكَ فِي مَرَمَّةِ الْحَمَّامِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي إنْفَاقِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ بِالتَّعْجِيلِ يَصِيرُ الْمُعَجَّلُ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْحَمَّامِ، فَإِذَا دَفَعَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ الْمُسْتَأْجِرُ أَمِينًا فِيهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي صَرْفِ الْأَمَانَةِ إلَى مَصْرِفِهَا.
(وَحِيلَةٌ أُخْرَى لِإِسْقَاطِ الْبَيِّنَةِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ) أَنْ يَجْعَلَا مِقْدَارَ الْمَرَمَّةِ فِي يَدِ عَدْلٍ حَتَّى يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْعَدْلِ فِيمَا يُنْفِقُ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ أَمِينٌ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ مِنْ آخِرِ عَرْصَةِ دَارٍ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَأَذِنَ لَهُ رَبُّ الدَّارِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا كَذَا وَكَذَا وَيَحْسِبُ لَهُ مَا أَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ مِنْ الْأَجْرِ فَهَذَا جَائِزٌ.
أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا وَوَكَّلَهُ رَبُّ الْحَمَّامِ أَنْ يَرُمَّ مَا اسْتَرَمَّ مِنْ الْحَمَّامِ وَيَحْسِبُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ يَجُوزُ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ وَأَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ اسْتَوْجَبَ عَلَى الْآجِرِ قَدْرَ مَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِأَمْرِهِ وَالْأَجْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَيْنٌ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ وَيَكُونُ الْبِنَاءُ لِصَاحِبِ الْعَرْصَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْحَمَّامِ الْمُحَاسَبَةَ مِنْ الْأَجْرِ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ لَا غَيْرُ بِأَنْ قَالَ ابْنِ فِيهَا كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ أُحَاسِبُك بِمَا أَنْفَقْت فِي الْبِنَاءِ مِنْ الْأَجْرِ فَبَنَى فِيهَا فَالْبِنَاءُ لِمَنْ يَكُونُ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْبِنَاءُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْعَرْصَةِ وَاسْتُدِلَّ بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-
فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّ مَنْ آجَرَ مِنْ آخَرَ حَمَّامًا وَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْحَمَّامِ: رُمَّ مَا اسْتَرَمَّ فَفَعَلَ فَالْعِمَارَةُ تَكُونُ لِصَاحِبِ الْحَمَّامِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَاسْتُدِلَّ بِمَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ دَارًا أَوْ بَنَى فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّ الدَّارِ أَنَّ الْبِنَاءَ يَكُونُ لِلْمُسْتَعِيرِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْبِنَاءَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآجِرِ بِمَا أَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ، فَإِنْ خَافَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّهُ لَوْ بَنَى وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ تَمَامِ هَذِهِ السِّنِينَ رُبَّمَا يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآجِرِ بِمَا أَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فَتَذْهَبُ نَفَقَتُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَطَلَبَ لِذَلِكَ حِيلَةً فَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِ السَّاحَةِ حِينَ يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ فِي الْبِنَاءِ وَأُحَاسِبُك بِمَا أَنْفَقْت فِي الْبِنَاءِ مِنْ الْأُجْرَةِ فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآجِرِ بِمَا أَنْفَقَ بِالْإِنْفَاقِ مَتَى انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ تَمَامِ هَذِهِ السِّنِينَ.
(وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَنْظُرَ إلَى مِقْدَارِ هَذِهِ النَّفَقَةِ كَمْ يَكُونُ وَيَضُمَّ ذَلِكَ إلَى أَجْرِ الدَّارِ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ وَيَجْعَلَ الْكُلَّ أَجْرَ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ، ثُمَّ يُقِرَّ رَبُّ الدَّارِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَسْلَفَهُ أَيْ عَجَّلَهُ مِنْ أُجْرَةِ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ كَذَا وَكَذَا وَقَبَضَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى إذَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَرْجِعُ عَلَى الْآجِرِ بِمَا أَقَرَّ أَنَّهُ أَسْلَفَ مِنْ أُجْرَةِ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ تَمَّتْ الْإِجَارَةُ حَصَلَ مَقْصُودُ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَى صَاحِبِ السَّاحَةِ سَبِيلٌ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ خَافَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ الْمُؤَاجِرُ.
بِاَللَّهِ لَقَدْ أَسْلَفْته كَذَا وَكَذَا وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ لَا بُدَّ مِنْ حِيلَةٍ أُخْرَى فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ الْمُؤَاجِرِ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَيَدْفَعَ ذَلِكَ الشَّيْءَ إلَيْهِ، فَإِنْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ السِّنِينَ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمُؤَاجِرِ هَذَا الْقَدْرَ؛ لِأَنَّهُ جَرَتْ الْمُبَايَعَةُ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْقَدْرِ.
(وَإِذَا) أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُؤَاجِرَ أَرْضًا لَهُ فِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حِيلَةٌ إلَّا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنْ يَبِيعَهُ الزَّرْعَ، ثُمَّ يُؤَاجِرَهُ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ وَإِذَا بَاعَهُ الزَّرْعَ ثُمَّ آجَرَهُ الْأَرْضَ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَرَى زَرْعَهُ فِيهَا وَإِذَا لَمْ يَبِعْهُ الزَّرْعَ لَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِزَرْعِ الْآجِرِ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِقَلْعِ زَرْعِهِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ عَلَيْهِ فَلِهَذَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ أَشْجَارٌ أَوْ بِنَاءٌ فَأَرَادَ أَنْ يُؤَاجِرَهَا مِنْهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَشْجَارَ أَوْ الْبِنَاءَ مِنْهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُؤَاجِرَ الْأَرْضَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
(رَجُلٌ) أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعُ صَاحِبِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ آجَرَ أَرْضًا لَا يُمْكِنُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَصَارَ كَمَا لَوْ آجَرَ أَرْضًا سَبْخَةً أَوْ أَرْضًا نَزَّةً وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ، إنَّمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ يَدَ رَبِّ الْأَرْضِ قَائِمَةٌ عَلَى الْأَرْضِ حُكْمًا لِكَوْنِ الْأَرْضِ مَشْغُولَةً بِالزَّرْعِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ وَقَدْ آجَرَ مَا لَا يَقْدِرُ الْمُؤَاجِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَصِحُّ، فَإِنْ طَلَبَ الْحِيلَةَ فِي ذَلِكَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ رَبُّ الْأَرْضِ الزَّرْعَ مِنْ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَوَّلًا ثُمَّ يُؤَاجِرَهُ الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ بِالْبَيْعِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَنْتَفِعُ بِالْأَرْضِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَنْمُو زَرْعُهُ بِهَا فَقَدْ آجَرَ مَا يَقْدِرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلِأَنَّ الزَّرْعَ إذَا صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَقَدْ زَالَ يَدُ الْآجِرِ عَنْ الْأَرْضِ حُكْمًا وَحَقِيقَةً فَقَدْ آجَرَ مَا يَقْدِرُ الْمُؤَاجِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَيَصِحُّ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنَّمَا تَصِحُّ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ إذَا كَانَ بَيْعُ الزَّرْعِ بَيْعَ رَغْبَةٍ وَجِدٍّ أَمَّا إذَا كَانَ بَيْعَ هَزْلٍ وَتَلْجِئَةٍ فَلَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْعَ هَزْلٍ فَالزَّرْعُ لَا يَزُولُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَيَبْقَى الْحَالُ بَعْدَ بَيْعِ الزَّرْعِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ، وَعَلَامَةُ كَوْنِ هَذَا الْبَيْعِ بَيْعَ رَغْبَةٍ وَجِدٍّ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الزَّرْعِ بِقِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ.
وَعَلَامَةُ كَوْنِهِ بَيْعَ هَزْلٍ أَنْ يَكُونَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الزَّرْعِ مِقْدَارِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- عَلَى أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ مِقْدَارِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَهُوَ بَيْعُ رَغْبَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ، وَعِنْدَهُمَا بَيْعُ هَزْلٍ فَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: هَذَا الْبَيْعُ إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَهُوَ بَيْعُ جِدٍّ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْإِجَارَةِ، وَبَيَانُ كَوْنِهِ بَيْعَ جِدٍّ أَنَّهُمَا قَصَدَا صِحَّةَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الزَّرْعِ جِدًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا بَاشَرَاهُ جِدًّا تَحْقِيقًا لِغَرَضِهِمَا.
(وَإِذَا) آجَرَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ مِنْ رَجُلٍ وَشَرَطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ خَرَاجَهَا مَعَ الْأَجْرِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ قَدْ يَنْتَقِصُ وَقَدْ يَزْدَادُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ سَنَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَمَرَمَّتِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَرَمَّةَ مَجْهُولَةٌ فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً وَلِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ فَإِذَا شَرَطَهُ مَالِكُهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ صَارَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُسْتَأْجِرِ: آجَرْتُك أَرْضِي هَذِهِ سَنَةً بِكَذَا دِرْهَمًا عَلَى أَنْ تَحْتَالَ عَنِّي لِلسُّلْطَانِ بِالْخَرَاجِ الَّذِي يَلْزَمُ عَلَيَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَقْدَ إجَارَةٍ شُرِطَ فِيهِ حَوَالَةُ دَيْنٍ فَيَفْسُدُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، ثُمَّ الْحِيلَةُ فِي أَنْ تَجُوزَ هَذِهِ الْإِجَارَةُ وَلَا تَفْسُدَ أَنْ يُؤَاجِرَهَا إيَّاهُ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَيَزِيدَ فِي الْأُجْرَةِ قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَرْضَ مِنْ الْخَرَاجِ وَيُؤَاجِرَهَا بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَيُشْهِدَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ مِنْ أَجْرِ الْأَرْضِ فِي خَرَاجِهَا كَذَا دِرْهَمًا وَهَذَا وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَصَحَّتْ، ثُمَّ الْآجِرُ فَوَّضَ أَدَاءَ الْخَرَاجِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْأَجْرِ فَيَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ وَكِيلًا لِلْآجِرِ بِأَدَاءِ الْأُجْرَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ التَّفْوِيضُ وَهَذَا كَمَا قَالُوا فِي مَرَمَّةِ الدَّارِ أَنَّهُ إذَا آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَأَمَرَهُ الْآجِرُ أَنْ يَرُمَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مَا اسْتَرَمَّ فِيهَا مِنْ أَجْرِ الدَّارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ التَّفْوِيضُ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ، كَذَا هَذَا، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ ضَعِيفَةٌ فَإِنَّ الْآجِرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ إذَا اخْتَلَفَا فِي أَدَاءِ الْأَخْرِجَةِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: أَدَّيْت أَخْرِجَتَهَا وَمَا هُوَ مِنْ رِيعِهَا وَكَذَّبَهُ الْآجِرُ أَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمُؤَدَّى فَالْقَوْلُ لِلْآجِرِ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُسْتَأْجِرُ فِيمَا ادَّعَى مِنْ أَدَاءِ أَخْرِجَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ ضَمِينٌ غَيْرُ أَمِينٍ، فَهُوَ بِهَذَا يُرِيدُ أَنْ يُبْرِئَ ذِمَّتَهُ عَنْ ضَمَانِ الْأُجْرَةِ وَالْآجِرُ مُنْكَرٌ لِلِاسْتِيفَاءِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْآجِرِ.
وَكَذَلِكَ فِي مَرَمَّةِ الدَّارِ إذَا اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْآجِرِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَالْحِيلَةُ الْأَوْثَقُ فِيهَا أَنْ يَدْفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ جَمِيعَ الْأَجْرِ مُعَجَّلًا، ثُمَّ يَدْفَعُ ذَلِكَ رَبُّ الْأَرْضِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيُوَكِّلُهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَنْهُ إلَى وُلَاةِ الْخَرَاجِ فَيَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ فِي ذَلِكَ مُصَدَّقًا أَنَّهُ قَدْ أَدَّاهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ يَسْأَلُهَا إيَّاهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَمَّا عَجَّلَ الْأَجْرَ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْأَجْرِ بِالتَّعْجِيلِ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا دَفَعَهُ رَبُّ الْأَرْضِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَوَكَّلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ إلَى وُلَاةِ الْخَرَاجِ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَمِينًا فِي هَذَا الْأَدَاءِ، فَإِذَا قَالَ: أَدَّيْت كَانَ مُصَدَّقًا كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ.
وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي مَرَمَّةِ الدَّارِ إذَا عَجَّلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأُجْرَةَ ثُمَّ الْآجِرُ دَفَعَهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَوَكَّلَهُ أَنْ يَرُمَّ مِنْ الْأَجْرِ الْمَدْفُوعِ مَا اسْتَرَمَّ مِنْ الدَّارِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ فَعَلْتُ وَأَنْفَقْتُ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَرَطَ أَدَاءَ الْخَرَاجِ إلَى وُلَاةِ الْخَرَاجِ يَعْنِي نَائِبَ السُّلْطَانِ أَوْ مَأْمُورَهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ إذَا أَدَّى الْخَرَاجَ إلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لَا يَبْرَأُ وَيَضْمَنُ ثَانِيًا، وَكَذَا إذَا أَدَّى إلَى جَابِي الْقَرْيَةِ أَوْ أَمِينِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبِ السُّلْطَانِ وَلَا مَأْمُورٍ فَبِالْأَدَاءِ إلَيْهِ لَا يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْجَابِي نَائِبَ السُّلْطَانِ أَوْ مَأْمُورَهُ فَحِينَئِذٍ يَبْرَأُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ.
(وَمِنْ جِنْسِ مَسْأَلَةِ الْخَرَاجِ) مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حِيَلِ الْأَصْلِ وَصُورَتُهَا رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً وَشَرَطَ الْعَلَفَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ الْأَجْرِ لَا يَجُوزُ وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لِأَجْلِ الْعَلَفِ فَيَضُمَّ ذَلِكَ إلَى الْأُجْرَةِ فَيَسْتَأْجِرَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، ثُمَّ يُوَكِّلَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يَعْلِفَهَا بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْإِنْفَاقِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُسْتَأْجِرُ مِقْدَارَ الْعَلَفِ وَيَدْفَعَهُ إلَى الْآجِرِ ثُمَّ يَدْفَعَهُ الْآجِرُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَأْمُرَهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَى دَابَّتِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَجِيرًا وَشَرَطَ طَعَامَ الْأَجِيرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَجُوزُ وَالْحِيلَةُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مِقْدَارِ طَعَامِ الْأَجِيرِ وَيَضُمَّ ذَلِكَ إلَى أَجْرِهِ.
(رَجُلٌ) اسْتَأْجَرَ دَارًا مُشَاهَرَةً فَخَافَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّهُ إنْ سَكَنَهَا شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ فَإِذَا دَخَلَ مِنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي الدَّارِ أَنْ يَلْزَمَ أَجْرُ جَمِيعِ الشَّهْرِ الدَّاخِلِ فِيهِ فَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مُيَاوَمَةً كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا فَمَتَى شَاءَ فَرَّغَهَا وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا كِرَاءُ مَا سَكَنَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا دَخَلَ مِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي الدَّارِ أَنْ يَلْزَمَهُ أَجْرُ جَمِيعِ الشَّهْرِ حَقِيقَةَ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ وَلَكِنْ أَرَادَ بِهِ إذَا دَخَلَ الشَّهْرُ يَلْزَمُهُ إجَارَةُ ذَلِكَ الشَّهْرِ، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَأَرَادَ أَنْ لَا تُنْتَقَضَ بِمَوْتِ الْمُؤَاجِرِ يُقِرُّ الْمُؤَاجِرُ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ لِفُلَانٍ عَشْرَةَ سِنِينَ يَزْرَعُ فِيهَا مَا شَاءَ فَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَهُوَ لَهُ.
وَوَجْهٌ آخَرُ أَنْ يُقِرَّ الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُقِرُّ الْمُؤَاجِرُ أَنَّهُ يُؤَاجِرُهَا لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَإِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْإِجَارَةِ عَيْنُ النَّفْطِ وَالْقِيرِ فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَرَبُّ الْأَرْضِ يُقِرُّ أَنَّ الْعَيْنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَهُ حَقُّ الِانْتِفَاعِ عَشْرَ سِنِينَ فَيَجُوزُ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا آجَرَ أَرْضَهُ وَفِيهَا نَخِيلٌ فَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ التَّمْرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ النَّخِيلَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مُعَامَلَةً عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَرِ وَالْبَاقِي لِلْمُسْتَأْجِرِ.
وَفِي الْعُيُونِ إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ دَارًا فَأَمَرَهُ رَبُّ الدَّارِ أَنْ يُنْفِقَ فِيهَا مِنْ أَجْرِهَا فَلَوْ أَنْفَقَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ أَمِينًا فَالْحِيلَةُ لَهُ فِيهِ أَنْ يُعَجِّلَ الْأَجْرَ ثُمَّ يَقْبِضَ مِنْهُ بِأَمْرِهِ لِيُنْفِقَ فِيهَا فَيَكُونَ أَمِينًا فِي ذَلِكَ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

.(الْفَصْلُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي الدَّفْعِ عَنْ الدَّعْوَى):

رَجُلٌ فِي يَدِهِ ضَيْعَةٌ أَوْ دَارٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ وَالْمُدَّعِي ظَالِمٌ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَكْرَهُ الْيَمِينَ فَأَرَادَ حِيلَةً حَتَّى تَنْدَفِعَ عَنْهُ الْيَمِينُ قَالَ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ: أَنْ يُقِرَّ بِالْمُدَّعَى بِهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يُقِرَّ بِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ فَتَنْدَفِعَ عَنْهُ الْخُصُومَةُ وَالْيَمِينُ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حِيلَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: كَمَا قَالَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَعْضُهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَمَا إذَا أَقَرَّ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَبَيْنَمَا إذَا أَقَرَّ لِلْأَجْنَبِيِّ فَقَالُوا: إذَا أَقَرَّ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْيَمِينُ وَإِذَا أَقَرَّ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا تَنْدَفِعُ الْيَمِينُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْيَمِينُ فِي الصُّورَتَيْنِ جَمِيعًا قَطْعًا لِبَابِ الْحِيلَةِ قَالَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا أَقَرَّ بِالضَّيْعَةِ الْمُدَّعَى بِهَا لِابْنِهِ أَوْ لِلْأَجْنَبِيِّ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِمَالِي وَوَجَبَ لِي عَلَيْهِ الْقِيمَةُ فَلِي أَنْ أُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا لِي عَلَيْك قِيمَةُ هَذِهِ الضَّيْعَةِ قَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخِرِ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ الْيَمِينُ، هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لِأَنَّ غَصْبَ الْعَقَارِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ يُوجِبُ الضَّمَانَ.
ثُمَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا بِأَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْغَصْبِ الْمُجَرَّدِ فَأَمَّا الْجُحُودُ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ بِالِاتِّفَاقِ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا فِي الْجُحُودِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ عَلَى السَّوَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ هَهُنَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ هَذَا إتْلَافُ الْمِلْكِ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَ بِالْعَقَارِ يَضْمَنُ عِنْدَ الرُّجُوعِ بِالْإِجْمَاعِ لِإِتْلَافِهِ الْمِلْكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَرْضًا أَوْ جَارِيَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْعَقَارِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُغَيِّرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْرِفُهُ الْمُدَّعِي ثُمَّ يَعْرِضُهُ عَلَى هَذَا الْمُدَّعِي لِيُسَاوِمَهُ فَتَبْطُلَ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَاوَمَهُ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمُدَّعَى بِهِ فَتَبْطُلُ دَعْوَاهُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

.(الْفَصْلُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي الْوَكَالَةِ):

إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً بِعَيْنِهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَبِلَ الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ فَلَمَّا رَآهَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ فَالْحِيلَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْرِ مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَشْتَرِيهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَيَشْتَرِيهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ يَشْتَرِيهَا بِجِنْسِ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَلَكِنْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا أَمْرَهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِجِنْسِ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَبِذَلِكَ الْقَدْرِ وَلَكِنْ صَرَّحَ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ عَزْلُ نَفْسِهِ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا عَزْلٌ قَصْدِيٌّ فَيُشْتَرَطُ لَهُ حُضُورُ الْمُوَكِّلِ.
وَإِذَا لَمْ يَنْعَزِلْ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَشْهَدَ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا سَاعَتِئِذٍ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْإِشْهَادِ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ عَلِمَ بِمَقَالَةِ الْوَكِيلِ وَبِإِشْهَادِهِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَكِيلُ ثُمَّ اشْتَرَى الْوَكِيلُ يَصِيرُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ.
وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى اشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْمُوَكِّلِ، فَقَدْ جَعَلَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا جِنْسًا وَاحِدًا إذْ لَوْ جَعَلَهُمَا جِنْسًا وَاحِدًا صَارَ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِالدَّرَاهِمِ وَقَدْ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ فِي بَابِ الْمُسَاوَمَةِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ قِيَاسًا فِي حَقِّ حُكْمِ الرِّبَا حَتَّى جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَفِيمَا عَدَا حُكْمِ الرِّبَا جُعِلَا جِنْسًا وَاحِدًا اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَالْقَاضِي فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَوَّمَ بِالدَّرَاهِمِ.
وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَ بِالدَّنَانِيرِ وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ إذَا بَاعَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ كَانَ بَيْعُهُ بَيْعَ مُكْرَهٍ كَمَا لَوْ بَاعَ بِالدَّرَاهِمِ، وَصَاحِبُ الدَّرَاهِمِ إذَا ظَفِرَ بِدَنَانِيرَ مَنْ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِجِنْسِ حَقِّهِ كَمَا لَوْ ظَفِرَ بِدَرَاهِمِهِ إلَّا رِوَايَةً شَاذَّةً عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا بَاعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِالدَّنَانِيرِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ، وَكَانَ الثَّانِي أَقَلَّ قِيمَةً مِنْ الْأَوَّلِ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا اسْتِحْسَانًا وَتَبَيَّنَ بِمَا ذُكِرَ هَهُنَا أَنَّهُمَا اُعْتُبِرَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِيمَا وَرَاءَ حُكْمِ الرِّبَا أَيْضًا وَكَذَلِكَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ اُعْتُبِرَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ حَتَّى إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالْآخَرُ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ شَهِدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الدَّنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ.
وَكَذَلِكَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ اُعْتُبِرَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ حَتَّى إنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ آخَرَ دَارًا بِدَرَاهِمَ وَآجَرَهَا مِنْ غَيْرِهِ بِدَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ، وَقِيمَةُ الثَّانِي أَكْثَرُ مِنْ الْأَوَّلِ تَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ فَمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُمَا جُعِلَا جِنْسًا وَاحِدًا فِيمَا عَدَا حُكْمِ الرِّبَا عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ صَحِيحٍ.
(
وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِمِثْلِ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَبِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ بِأَنْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَشْتَرِيَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَثَوْبٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَصِيرُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ أَيْضًا، فَإِنْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا، فَإِنْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ إمَّا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالدَّنَانِيرِ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ اشْتَرَى بِمَا سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَى الشِّرَاءِ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قَالُوا: وَهُنَا حِيلَةٌ أُخْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُوَكِّلَ الْوَكِيلُ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَاشْتَرَاهَا حَالَ غَيْبَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَمَّا إنْ لَمْ يَقُلْ الْآمِرُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ.
وَفِي هَذَا الْوَجْهِ إنْ اشْتَرَاهَا بِالْقَدْرِ الَّذِي أَمَرَهُ الْآمِرُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ الْجِنْسِ أَوْ بِذَلِكَ الْجِنْسِ وَلَكِنْ بِأَزْيَدَ مِنْهُ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْوَكِيلِ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا الْأَوَّلُ بِنَفْسِهِ كَانَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قُلْنَا فَهَهُنَا كَذَلِكَ.
وَإِنْ اشْتَرَاهَا حَالَ غَيْبَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لَمْ يُقَدِّرْ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي ثَمَنًا يَصِيرُ الْوَكِيلُ الثَّانِي مُشْتَرِيًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشِّرَاءَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ أَمْرِ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْآمِرِ بِالشِّرَاءِ بِحَضْرَةِ رَأْيِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَهَذَا الشِّرَاءُ لَمْ يَحْضُرْهُ رَأْيُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ قَدَّرَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي ثَمَنًا فَاشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ الثَّانِي بِغَيْبَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ الشِّرَاءُ عَلَى الْآمِرِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَنْفُذُ الشِّرَاءُ عَلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ.
(رَجُلٌ) وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ جَارِيَتَهُ وَقَبِلَ الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ، ثُمَّ أَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْوَكِيلُ لِمَوْلَى الْجَارِيَةِ: وَكِّلْنِي بِبَيْعِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ وَأَجْرِ أَمْرِي فِيهَا وَمَا عَمِلْت فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ، ثُمَّ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ يَشْتَرِيهَا مِنْ الْوَكِيلِ الثَّانِي فَيَجُوزُ، وَهَذَا لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَارِيَةِ أَجَازَ صَنِيعَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ صَنِيعِهِ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ مِنْهُ فَصَارَ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِ الْجَارِيَةِ لَا عَنْ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ يَنْعَزِلَانِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ لَوْ عَزَلَهُمَا يَنْعَزِلَانِ وَإِذَا عَزَلَ الثَّانِيَ وَحْدَهُ يَنْعَزِلُ وَإِذَا عَزَلَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ يَنْعَزِلُ الثَّانِي عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْحِيَلِ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الثَّانِيَ وَكِيلٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ صَاحِبَ الْجَارِيَةِ أَجَازَ صَنِيعَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، وَعَزْلُ الثَّانِي مِنْ صَنِيعِهِ فَنَفَذَ عَلَيْهِ، وَإِذَا صَارَا وَكِيلَيْ صَاحِبِ الْجَارِيَةِ كَانَ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ بِبَيْعِ الْجَارِيَةِ بِنَفْسِهِ.
وَإِنْ لَمْ يُجِزْ مَوْلَى الْجَارِيَةِ صَنِيعَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَهَا الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا حَتَّى يَجُوزَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَيَدْفَعَهَا إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يَسْتَقِيلَهُ الْعَقْدَ وَتَنْفُذُ الْإِقَالَةُ عَلَى الْوَكِيلِ خَاصَّةً أَوْ يَطْلُبُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَنْ يُوَلِّيَهُ الْبَيْعَ أَوْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ ابْتِدَاءً فَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ لِلْوَكِيلِ (رَجُلٌ) كَتَبَ إلَى رَجُلٍ وَهُوَ فِي مَدِينَةٍ غَيْرِ الْمَدِينَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَتَاعًا يَصِفُهُ لَهُ وَعِنْدَ الرَّجُلِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَتَاعٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَقَدْ أَمَرَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ مَا الْحِيلَةُ فِي أَنْ يَصِيرَ الْمَتَاعُ لِلرَّجُلِ الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ قَالَ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَتَاعَ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ بَيْعًا صَحِيحًا وَيَدْفَعُ إلَيْهِ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ الرَّجُلُ الَّذِي يَكْتُبُ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ الْمَتَاعَ بِنَفْسِهِ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَكِنْ يَفْعَلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا جَرَى بَيْنَ اثْنَيْنِ.
(رَجُلٌ) وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَارًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ غَيْرَهُ فَأَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ وَيَكُونُ الثَّمَنُ حَالًّا عَلَى الْآمِرِ يَأْخُذُهُ مِنْهُ وَالْبَائِعُ يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ مَا الْحِيلَةُ فِيهِ قَالَ: الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِالثَّمَنِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَإِذَا تَوَاجَبَا الْبَيْعَ وَجَبَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ وَوَجَبَ لِلْوَكِيلِ الثَّمَنُ عَلَى الْآمِرِ يَأْخُذُهُ مِنْهُ ثُمَّ يُؤَجِّلُ الْبَائِعُ الْوَكِيلَ بِالثَّمَنِ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَيَجُوزُ التَّأْجِيلُ لِلْوَكِيلِ وَيَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَأْخُذَ الْآمِرَ بِالثَّمَنِ حَالًّا وَهَذَا لِأَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ يُوجِبُ الثَّمَنَ حَالًّا وَيَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَكَانَ دَيْنُ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَالًّا بِسَبَبِ الْعَقْدِ، وَتَأْجِيلُ الْبَائِعِ الْوَكِيلَ لَهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ إبْرَاءٌ مُؤَقَّتٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ وَالْبَائِعُ لَوْ أَبْرَأَ الْوَكِيلَ عَنْ الثَّمَنِ أَوْ وَهَبَ لَهُ لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ حَطِّ بَعْضِ الثَّمَنِ عَنْ الْوَكِيلِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا بِذَلِكَ الْقَدْرِ لِأَنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَا بَقِيَ أَمَّا الْإِبْرَاءُ عَنْ كُلِّ الثَّمَنِ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قُلْنَا فِي الْبَائِعِ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.
وَلَوْ حَطَّ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِمَا وَرَاءَ الْمَحْطُوطِ فَهَهُنَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَحُطَّ الْوَكِيلُ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- فَمِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ أَوْ وَهَبَ الثَّمَنَ مِنْهُ أَوْ حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ عَنْهُ صَحَّ وَيَضْمَنُ مِثْلَ ذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِ مِنْ مَالِهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ طَلَبَ حِيلَةً حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَ الْكُلِّ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَهَبَ الْوَكِيلُ لِلْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قَدْرَ مَا يُرِيدُ الْهِبَةَ أَوْ الْحَطَّ وَيَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَبِيعُ الْعَيْنَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي يُرِيدُ الْبَيْعَ بِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدْفَعُ مَا قَبَضَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ إلَى الْوَكِيلِ قَضَاءً مِنْ الثَّمَنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ الْحَطِّ وَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا، ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ إبْرَاءَ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُشْتَرِيَ عَنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ، وَهِبَةَ جَمِيعِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ بَعْضِهِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ حَطُّ بَعْضِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا، فَأَمَّا حَطُّ كُلِّ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ.
(رَجُلٌ) أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَتَاعًا مِنْ بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَخَافَ الْوَكِيلُ أَنْ لَوْ بَعَثَ بِذَلِكَ مَعَ غَيْرِهِ يَضْمَنُ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُجِيزَ لَهُ الْمُوَكِّلُ مَا صَنَعَ فَإِذَا أَجَازَ لَهُ ذَلِكَ يَبْعَثُ هُوَ بِالْمَتَاعِ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ أُجِيزَ لَهُ مَا صَنَعَ وَكَذَا الْحِيلَةُ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَسْتَوْدِعَ الْمَتَاعَ الْمُشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَضْمَنُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

.(الْفَصْلُ الْعِشْرُونَ فِي الشُّفْعَةِ):

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: جَمَعَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَسَائِلَ بَعْضَهَا لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ وَبَعْضَهَا لِتَقْلِيلِ الرَّغْبَةِ، فَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَهَبَ الْبَائِعُ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَهَبُ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ وَذُكِرَ فِي حِيَلِ الْأَصْلِ ثُمَّ الْمُشْتَرِي يُعَوِّضُهُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ يَخْتَصُّ بِالْمُعَاوَضَاتِ، وَالْهِبَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَا تَصِيرُ مُعَاوَضَةً بِالتَّعْوِيضِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا أَحْكَامُ الْمُبَادَلَةِ مِنْ رَدِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِذَا لَمْ تَصِرْ مُبَادَلَةً بَقِيَتْ هِبَةً مَحْضَةً فَلَا تَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ حِيلَةٌ يَمْلِكُهَا بَعْضُ النَّاسِ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْوُكَلَاءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ هِبَةُ الدَّارِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ، ذُكِرَ فِي شُفْعَةِ الْأَصْلِ وَفِي مَوَاضِعَ مِنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَيْعِ.
وَيَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا حَقُّ الشُّفْعَةِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ النَّوَادِرِ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ خِلَافٌ لَا يَصْلُحُ حِيلَةً لِإِبْطَالِ الشُّفْعَةِ، وَلَكِنْ يَتَأَتَّى فِي هَذِهِ الْهِبَةِ حِيلَةُ تَأْخِيرِ حَقِّ الشَّفِيعِ بِأَنْ يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ إلَّا جُزْءًا مِنْهَا أَوْ يُسَلِّمَ الثَّمَنَ إلَّا جُزْءًا مِنْهُ، فَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ إنَّمَا تَصِيرُ بَيْعًا بَعْدَ قَبْضِ كُلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَمَّا قَبْلَ قَبْضِ كُلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا تَصِيرُ بَيْعًا، حَتَّى رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ: يَثْبُتُ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ رِضًا مَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَوْهُوبُ لَهُ كُلَّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
(وَمِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ) أَنْ يَتَصَدَّقَ صَاحِبُ الدَّارِ بِالدَّارِ عَلَى الَّذِي يُرِيدُ الشِّرَاءَ ثُمَّ يَتَصَدَّقَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، كَمَا فِي الْهِبَةِ.
وَالصَّدَقَةُ إنَّمَا تُفَارِقُ الْهِبَةَ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ فِيهَا، فَأَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ سَوَاءٌ.
(وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ) أَنْ يُقِرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِالدَّارِ لِلَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهَا ثُمَّ يُقِرَّ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَ الدَّارِ بِالثَّمَنِ لِلْبَائِعِ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِحَقٍّ، وَالْإِقْرَارُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ هَلْ يَنْقُلُ الْمِلْكَ أَوْ لَا يَنْقُلُ؟ فِيهِ كَلَامٌ عُرِفَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فَهَذَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ.
(وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ) أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعًا مِنْ الدَّارِ وَيَخُطَّ خَطًّا وَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِطَرِيقِهِ أَوْ يَهَبَهُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِطَرِيقِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ بَقِيَّةَ الدَّارِ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ، وَإِنَّمَا قَالَ: يَخُطَّ خَطًّا كَيْ لَا تَكُونَ هَذِهِ هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ فِي هَذِهِ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ شَرِيكًا وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ، وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِطَرِيقَةِ صَارَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ جَارًا لِلدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْجَارِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ إنَّمَا تَكُونُ حِيلَةً لِإِبْطَالِ حَقِّ الْجَارِ لَا لِإِبْطَالِ حَقِّ الْخَلِيطِ.
(وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ) مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يَهَبُ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الدَّارِ مِنْ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَ الدَّارِ، ثُمَّ يَتَرَافَعَانِ إلَى الْحَاكِمِ الَّذِي يَرَى جَوَازَ هِبَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَيُجَوِّزُهَا، ثُمَّ لَا يُبْطِلُهَا قَاضٍ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ قَاضٍ فِي شَيْءٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، حَتَّى لَوْ كَانَ شَيْئًا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ نَحْوَ الْبَيْتِ الصَّغِيرِ وَالْحَانُوتِ يَهَبُ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الَّذِي يُرِيدُ الشِّرَاءَ ثُمَّ يَبِيعُ الْبَاقِيَ مِنْهُ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، ثُمَّ ذَكَرَ حِيلَةً لِرَغْبَتِهِ عَنْ الْأَخْذِ، (فَقَالَ): يَشْتَرِي الْبِنَاءَ أَوَّلًا بِثَمَنٍ رَخِيصٍ ثُمَّ يَشْتَرِي الْعَرْصَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِصَفْقَةٍ أُخْرَى بِثَمَنٍ غَالٍ، فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِي الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَقْلِيٌّ وَلَا يَرْغَبُ فِي أَخْذِ الْعَرْصَةِ لِكَثْرَةِ ثَمَنِهَا.
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الْبِنَاءَ بِأَصْلِهِ حَتَّى صَارَ مَا تَحْتَ الْجِدَارِ لَهُ يَكُونُ هُوَ شَرِيكًا فِي الدَّارِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْجَارِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ هَذِهِ الْحِيلَةُ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ.
(وَمِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ) إذَا وَهَبَ الْبِنَاءَ مِنْ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَ الدَّارِ بِأَصْلِهِ ثُمَّ اشْتَرَى الْعَرْصَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَهَبَ الْبِنَاءَ بِأَصْلِهِ صَارَ مَا تَحْتَ الْبِنَاءِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَصَارَ هُوَ شَرِيكًا فِي الدَّارِ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْجَارِ.
(وَفِي الْكُرُومِ وَالْأَرَاضِي) إنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ يَبِيعُ الْأَشْجَارَ بِأَصْلِهَا أَوْ يَهَبُ الْأَشْجَارَ بِأَصْلِهَا فَيَصِيرُ هُوَ شَرِيكًا ثُمَّ يَشْتَرِي الْبَاقِيَ وَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ لِرَغْبَتِهِ عَنْ الْأَخْذِ يَبِيعُ الْأَشْجَارَ أَوَّلًا بِثَمَنٍ رَخِيصٍ ثُمَّ يَشْتَرِي الْأَرَاضِيَ مِنْهُ بِثَمَنٍ غَالٍ.
(حِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَشْتَرِيَ سَهْمًا مِنْ الدَّارِ بِثَمَنٍ غَالٍ فِي صَفْقَةٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ فَلَا يَكُونُ لِلْجَارِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِي الصَّفْقَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرِيكٌ فِي الدَّارِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الصَّفْقَةِ الثَّانِيَةِ، إنَّمَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الصَّفْقَةِ الْأُولَى وَهُوَ لَا يَرْغَبُ فِيهَا لِمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَى ذَلِكَ بِثَمَنٍ غَالٍ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: أَخَافُ أَنْ لَا يَبِيعَنِي الْبَائِعُ الْبَاقِيَ لَوْ اشْتَرَيْت مِنْهُ هَذَا السَّهْمَ بِثَمَنٍ غَالٍ، فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِسَهْمٍ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ مُشَاعٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ.
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْخُوَارِزْمِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُخَطِّئُ الْخَصَّافَ فِي فَصْلِ إقْرَارِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي بِسَهْمٍ مِنْ الدَّارِ وَكَانَ يُفْتِي بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مَا ثَبَتَتْ إلَّا بِإِقْرَارِهِ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَكَانَ يَسْتَدِلُّ بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ إذَا أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ لِفُلَانٍ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِهَذَا الْإِقْرَارِ، وَطَرِيقُهُ مَا قُلْنَا فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: أَخَافُ أَنْ يَصِيرَ شَرِيكِي بِالْإِقْرَارِ، ثُمَّ لَا يَشْتَرِي الْبَاقِيَ؛ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مَنْ يَثِقَانِ بِهِ فَيَكُونَ الْإِقْرَارُ بِهَذَا السَّهْمِ لَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْمُقَرُّ لَهُ بِالسَّهْمِ بَاقِيَ الدَّارِ فَتَحْصُلُ الثِّقَةُ لَهُمَا.
(وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنَّهُ إذَا أَرَادَ شِرَاءَ الدَّارِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ يَشْتَرِيهَا فِي الظَّاهِرِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَدْفَعُ إلَى الْبَائِعِ بِالْأَلْفِ ثَوْبًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَإِذَا جَاءَ الشَّفِيعُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا بِثَمَنِ الظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَرْغَبُ فِيهِ لِكَثْرَتِهِ.
(وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ: إنْ أَحْبَبْت أُوَلِّيكَهَا بِمَا اشْتَرَيْت فَعَلْت ذَلِكَ، فَإِذَا قَالَ الشَّفِيعُ: نَعَمْ وَلِّنِهَا بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ رَغِبَ عَنْ الشُّفْعَةِ حِينَ طَلَبِ التَّوْلِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ هُوَ الْأَخْذُ بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ لَا بِشِرَاءٍ آخَرَ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الشُّفْعَةِ يُبْطِلُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ.
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ: إنْ أَحْبَبْت بِعْتهَا مِنْك دُونَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَفِي الْعُيُونِ سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الطَّلَبِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ الْمُشْتَرِي رَسُولًا إلَى الشَّفِيعِ حَتَّى قَالَ لِلشَّفِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، فَإِذَا قَالَ الشَّفِيعُ مُجِيبًا: نَعَمْ؛ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ.
(وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَتَصَادَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا أَوْ كَانَ تَلْجِئَةً أَوْ كَانَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمَا، وَإِذَا قَبِلْنَا قَوْلَهُمَا لَا يَجِبُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ يَعْتَمِدُ زَوَالَ مِلْكِ الْبَائِعِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُوجَدُ هَذَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ.
(وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَأْمُرَ الْمُشْتَرِي رَجُلًا حَتَّى يَقُولَ لِلشَّفِيعِ: لَقَدْ كُنْت اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فُلَانٌ الْمُشْتَرِي.
فَإِذَا قَالَ الشَّفِيعُ: صَدَقْت؛ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ أَنَّ شِرَاءَ الْمُشْتَرِي كَانَ بَعْدَ شِرَائِهِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ شِرَاءَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ فَصَارَ مُقِرًّا بِبُطْلَانِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ يَسْتَدْعِي شِرَاءً صَحِيحًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلشَّفِيعِ: هَذِهِ الدَّارُ لَك، وَلَمْ تَكُنْ لِفُلَانٍ الْبَائِعِ، فَقَالَ الشَّفِيعُ: نَعَمْ؛ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِأَنَّ شِرَاءَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ فَصَارَ مُقِرًّا بِبُطْلَانِ شُفْعَتِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: قَدْ اشْتَرَيْتُ هَذِهِ الدَّارَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَحُطُّ مِنْ ثَمَنِهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَقَالَ الشَّفِيعُ: نَعَمْ قَدْ أَحْبَبْتَ؛ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ.
وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَقُولُ: إنَّمَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إذَا قَالَ: أَحُطُّكَ مِنْ ثَمَنِهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَأَبِيعُهَا مِنْك بِتِسْعِينَ دِينَارًا؛ فَقَالَ الشَّفِيعُ: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَمَّا رَغِبَ فِي شِرَائِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الْمِائَةِ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ: وَأَبِيعُهَا مِنْك بِتِسْعِينَ دِينَارًا لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ قَصَدَ حَطَّ الْعَشَرَةِ لِيَأْخُذَهَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ.
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الشَّفِيعُ لِلْمُشْتَرِي: حُطَّ عَنِّي عَشَرَةً إنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي الْبَاقِيَ بِتِسْعِينَ دِينَارًا؛ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَإِلَّا فَلَا.
(وَجْهٌ آخَرُ) أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَجْعَلَ الشَّفِيعَ الْكَفِيلَ فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْعُهْدَةِ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.