فصل: الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ:

إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ رَجَعَا، ضَمِنَا دِيَةَ الْيَدِ فِي مَالِهِمَا وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا، وَضَمِنَا الْأَلْفَ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ قِصَاصٍ فِي نَفْسٍ أَوْ دُونَهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِسَرِقَتَيْنِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ أَحَدِهِمَا فَلَا ضَمَانَ كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ.
أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا، وَشَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَيْهِ بِالْإِحْصَانِ فَأَجَازَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ وَأَمَرَ بِرَجْمِهِ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا عَنْ شَهَادَتِهِمْ، فَإِنَّ شُهُودَ الزِّنَا يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ الْإِحْصَانِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَلَمْ يُحْصَنْ فَجَلَدَهُ الْإِمَامُ وَجَرَحَتْهُ السِّيَاطُ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ لَمْ تَجْرَحْهُ السِّيَاطُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَعَلَى هَذَا حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ الْخَمْرِ وَالتَّعْزِيرُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
لَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ الشُّهُودِ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِهَا حُدُّوا، وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ الْحُكْمِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-: يُحَدُّونَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يُحَدُّ الرَّاجِعُ، وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْجَلْدِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ خَاصَّةً كَذَا فِي الْحَاوِي.
وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ وَأَمَرَ بِرَجْمِهِ فَرَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَجَرَحَتْهُ الْحِجَارَةُ وَهُوَ حَيٌّ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَدْرَأُ عَنْهُ الرَّجْمَ وَهُمْ ضَامِنُونَ أَرْشَ جِرَاحَتِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ وَأَعْتَقَهُ وَرَجَمَهُ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ، فَإِنَّ عَلَى شُهُودِ الْعِتْقِ قِيمَتَهُ لِمَوْلَاهُ وَعَلَى شُهُودِ الزِّنَا الدِّيَةَ وَتَكُونُ الدِّيَةُ لِلْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْجُومِ وَارِثٌ آخَرُ مِنْ الْعَصَبَاتِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ كَانَ أَحَدُ شَاهِدَيْ الْعِتْقِ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ ضَمِنَ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ كَذَا فِي الْحَاوِي وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى الْعِتْقِ وَالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ فَأَمْضَى الْقَاضِي ذَلِكَ كُلَّهُ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الْعِتْقِ، ضَمِنُوا الْقِيمَةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ الدِّيَةِ، وَلَوْ رَجَعَ اثْنَانِ عَنْ الزِّنَا وَاثْنَانِ آخَرَانِ عَنْ الْعِتْقِ لَا شَيْءَ عَلَى اللَّذَيْنِ رَجَعَا عَنْ الْعِتْقِ، وَعَلَى اللَّذَيْنِ رَجَعَا عَنْ الزِّنَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَحَدُّ الْقَذْفِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
شَهِدُوا عَلَى مُوَرِّثِهِمْ أَيْ أَبِيهِمْ أَوْ أَخِيهِمْ أَوْ عَمِّهِمْ أَوْ ابْنِ عَمِّهِمْ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا رُجِمَ وَلَا تُعْتَبَرُ تُهْمَةُ اسْتِعْجَالِ الْإِرْثِ فَإِنْ رُجِمَ وَلَمْ يُصِيبُوا مَقْتَلَهُ فَرَجَعَ وَاحِدٌ غَرِمَ رُبُعَ دِيَتِهِ وَوَرِثَ الرَّاجِعُ، فَإِنْ أَصَابُوا مَقْتَلًا فَرَجَعَ وَاحِدٌ فَكَذَّبُوهُ فِي الرُّجُوعِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا وَوَرِثَ، وَإِنْ قَالُوا شَهِدْتَ بِبَاطِلٍ لِأَنَّكَ مَا رَأَيْتَ زِنَاهُ وَرَأَيْنَاهُ غَرِمَ رُبُعَ الدِّيَةِ لَهُمْ وَلَا يَرِثُ، وَإِنْ كَذَّبُوهُ فِي الشَّهَادَةِ وَصَدَّقُوهُ فِي الرُّجُوعِ غَرِمُوا دِيَتَهُ وَحُدُّوا لِلْقَذْفِ وَحُرِمُوا عَنْ الْإِرْثِ وَصُرِفَ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ كَذَا فِي الْكَافِي.
إذَا شَهِدَا بِقِصَاصٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَتْلِ ضَمِنَا الدِّيَةَ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا خَطَأً ثُمَّ رَجِعَا ضَمِنَا الدِّيَةَ وَيَكُونُ فِي مَالِهِمَا وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ فُلَانٍ خَطَأً وَقَضَى الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا، ضَمِنَا دِيَةَ الْيَدِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
ثَلَاثَةٌ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ عَمْدًا فَقَضَى لِلْوَلِيِّ بِالْقَوَدِ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَالْقَوَدُ عَلَى حَالِهِ، فَإِنْ قَتَلَهُ الْوَلِيُّ ثُمَّ رَجَعَ آخَرُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيِّ وَيَضْمَنُ الرَّاجِعُ الْأَوَّلُ رُبُعَ دِيَةِ الْيَدِ فِي مَالِهِ ثُلُثَا ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَثُلُثُهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَضْمَنُ الرَّاجِعُ الثَّانِي نِصْفَ دِيَةِ النَّفْسِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثَهُ، فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ مَعَ ذَلِكَ غَرِمَ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثَهُ، وَيَضْمَنُ الرَّاجِعُ الْأَوَّلُ فَضْلَ مَا بَيْنَ رُبُعِ دِيَةِ الْيَدِ إلَى ثُلُثِهَا، فَإِنْ وَجَدَ الشَّاهِدُ الثَّالِثُ عَبْدًا كَانَتْ دِيَةُ الْيَدِ كَامِلَةً عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَدِيَةُ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَلِيِّ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ.
ثَلَاثَةٌ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ فَقَضَى فَقَطَعَ الْوَلِيُّ يَدَهُ، ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ رَجَعَ آخَرُ بَطَلَ الْقَوَدُ عَلَى عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ، فَإِنْ بَرِئَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَعَلَى الثَّانِي رُبُعُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ أَرْشِ الرِّجْلِ، فَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ عَبْدًا كَانَتْ دِيَةُ الرِّجْلِ عَلَى الْوَلِيِّ، فَإِنْ مَاتَ مِنْهُمَا وَالثَّالِثُ عَبْدٌ، فَعَلَى الرَّاجِعَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَنِصْفُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْوَلِيِّ، فَإِنْ رَجَعَ الثَّالِثُ وَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّهُ عَبْدٌ، فَإِنْ بَرِئَ مِنْهُمَا فَأَرْشُ الْيَدِ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا، وَأَرْشُ الرِّجْلِ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ نِصْفَانِ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ وَلِيِّهِ خَطَأً وَمَاتَ مِنْهَا وَجَاءَ بِبَيِّنَةٍ شَهِدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ وَلِيِّهِ خَطَأً، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ مَاتَ مِنْهَا، وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ شَهِدَا أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْيَدِ وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى الْقَطْعِ، فَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ عَلَى الْقَطْعِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ جَمِيعَ الدِّيَةِ، ثُمَّ إنْ رَجَعَ شَاهِدَا الْمَوْتِ فَشُهُودُ الْقَطْعِ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَطَعَ أُصْبُعًا مِنْهُ مِنْ الْمِفْصَلِ خَطَأً وَأَنَّ كَفَّهُ شُلَّتْ مِنْهَا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى الْقَطْعِ وَلَمْ يَشْهَدَا عَلَى الشَّلَلِ، وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ شَهِدَا عَلَى أَنَّ كَفَّهُ شُلَّتْ مِنْهَا فَقَضَى عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ بِدِيَةِ الْكَفِّ ثُمَّ رَجَعَ شَاهِدَا الْقَطْعِ، فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ جَمِيعَ أَرْشِ الْكَفِّ، ثُمَّ إنْ رَجَعَ اللَّذَانِ شَهِدَا عَلَى الشَّلَلِ، فَإِنَّ شَاهِدَيْ الْقَطْعِ يَرْجِعَانِ عَلَى شَاهِدَيْ الشَّلَلِ بِجَمِيعِ أَرْشِ الْكَفِّ إلَّا أَرْشَ الْأُصْبُعِ فَيَكُونُ عَلَى اللَّذَيْنِ شَهِدَا بِالضَّرْبَةِ خَاصَّةً هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
شَهِدَا بِقَتْلِ عَبْدِهِ رَجُلًا خَطَأً، وَآخَرَانِ بِإِعْتَاقِهِ، فَقَضَى بِهِمَا مَعًا أَوْ بِالْقَتْلِ أَوَّلًا فَرَجَعُوا، ضَمِنَ شُهُودُ الْقَتْلِ أَلْفًا قِيمَتَهُ، وَشُهُودُ الْعِتْقِ عَشَرَةَ آلَافٍ أَلْفٌ قِيمَتُهُ وَتِسْعَةُ آلَافٍ تَمَامُ الدِّيَةِ، فَإِنْ شَهِدُوا بِعِتْقِهِ أَوَّلًا وَقَضَى بِهِ، ثُمَّ شَهِدَا آخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَالْمَوْلَى يَعْلَمُ بِهِ ثُمَّ رَجَعُوا، ضَمِنَ شُهُودُ الْعِتْقِ قِيمَتَهُ، وَشُهُودُ الْجِنَايَةِ عَشَرَةَ آلَافٍ كَذَا فِي الْكَافِي.
إذَا شَهِدَا بِعِتْقٍ مُعَلَّقٍ بِأَنْ شَهِدَا أَنَّ عَبْدَهُ قَتَلَ وَلِيَّ هَذَا الرَّجُلِ أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ وَهُوَ يَعْلَمُ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَالَ أَمْسِ: إنْ دَخَلَ عَبْدِي الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ، وَآخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ الْيَوْمَ، وَقَضَى بِهَا ثُمَّ رَجَعُوا، ضَمِنَ شُهُودُ الْيَمِينِ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، وَضَمِنَ شُهُودُ الْجِنَايَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى شُهُودِ الدُّخُولِ كَذَا فِي مُحِيط السَّرَخْسِيِّ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِمْلَاءِ: شَاهِدَانِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ ابْنَ هَذَا الرَّجُلِ عَمْدًا، وَشَهِدَ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ أَيْضًا أَنَّهُ قَتَلَ ابْنَ هَذَا الرَّجُلِ الْآخَرِ عَمْدًا، وَالْأَبَوَانِ يَدَّعِيَانِ وَلَا وَارِثَ لِهَذَيْنِ الْمَقْتُولَيْنِ غَيْرُ هَذَيْنِ الْأَبَوَيْنِ، فَقَضَى الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ وَقَتَلَهُ الْأَبَوَانِ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ أَحَدِ الِابْنَيْنِ وَقَالَا: لَمْ يَقْتُلْ ابْنَ هَذَا ضَمِنَا نِصْفَ الدِّيَةِ، وَلَوْ لَمْ يَرْجِعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا وَلَكِنْ جَاءَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ حَيًّا فَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنْ يُضَمِّنَ نِصْفَ الدِّيَةِ- إنْ شَاءَ- الشَّاهِدَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ الْأَبَ الْقَاتِلَ الَّذِي جَاءَ ابْنُهُ حَيًّا، وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولَانِ ابْنَيْ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالْقِصَاصِ، وَقَتَلَهُ الْأَبُ بِابْنَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَنْ قَتْلِ أَحَدِ الِابْنَيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ:

قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي الْأَصْلِ: إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ لِرَجُلٍ ثُمَّ رَجَعَ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ جَمِيعًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-: لَا ضَمَانَ عَلَى الْأُصُولِ، وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى الْفُرُوعِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأُصُولَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْفُرُوعَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْفُرُوعَ فَالْفُرُوعُ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى الْأُصُولِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْأُصُولَ فَالْأُصُولُ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى الْفُرُوعِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ رَجَعَ الْفُرُوعُ وَحْدَهُمْ فَعَلَيْهِمْ الضَّمَانُ بِلَا خِلَافٍ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الْفُرُوعِ: كَذَبَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ غَلِطُوا فِي شَهَادَاتِهِمْ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ شُهُودُ الْفُرُوعِ: رَجَعْنَا عَنْ شَهَادَاتِنَا، وَقَالَ شُهُودُ الْأَصْلِ: قَدْ غَلِطْنَا فِي شَهَادَاتِنَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْفُرُوعِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ قَالَ الْفَرْعَانِ لِلْقَاضِي: قَدْ كَانَا أَشْهَدَانَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا هَذِهِ وَلَكِنَّهُمَا رَجَعَا عَنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ، أَوْ قَالَا: قَدْ أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا قَدْ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ فَقَالُوا لَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأُصُولِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ قَالُوا: أَشْهَدْنَاهُمْ غَالِطِينَ أَوْ رَجَعْنَا عَنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: ضَمِنُوا.
هَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَشَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ بِحَقٍّ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعُوا، فَعَلَى الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ الثُّلُثَانِ، وَعَلَى الشَّاهِدَيْنِ الْآخَرَيْنِ الثُّلُثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الضَّمَانُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَانِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، وَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ رَجَعُوا أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَانِ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ بِذَلِكَ الْأَلْفِ بِعَيْنِهِ، وَقَضَى الْقَاضِي بِالْأَلْفِ بِالشَّهَادَتَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَوَاحِدٌ مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي كَانَ عَلَيْهِمَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الْمَالِ، الثُّمُنَانِ عَلَى أَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ وَالثُّمُنُ عَلَى أَحَدِ الْآخَرَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا أَحَدُ الْأَوَّلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ رُبُعُ الْحَقِّ، وَلَوْ رَجَعَ الْآخَرَانِ مَعَ أَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ ضَمِنُوا نِصْفَ الْمَالِ، يَكُونُ نِصْفُهُ عَلَى الرَّاجِعِ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ وَنِصْفُهُ عَلَى الْآخَرَيْنِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ شَهِدَ كُلُّ فَرِيقٍ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَرَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَا وَوَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَا ثُمُنَيْنِ وَنِصْفًا، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ النِّصْفَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
.
إذَا رَجَعَ الْمُزَكُّونَ عَنْ التَّزْكِيَةِ، ضَمِنُوا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الباب الحادي عشر في المتفرقات:

لَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ صَالَحَهَا مِنْ نَفَقَتِهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ، وَقَالَ الزَّوْجُ: صَالَحْتُكِ عَلَى خَمْسَةٍ، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ صَالَحَهَا عَلَى عَشَرَةٍ، فَقَضَى بِهَا ثُمَّ رَجَعَا، فَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ مِثْلِهَا عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ ضَمِنَا الْفَضْلَ لِلزَّوْجِ فِيمَا مَضَى كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
إذَا فَرَضَ الْقَاضِي عَلَى الزَّوْجِ كُلَّ شَهْرٍ لِامْرَأَتِهِ نَفَقَةً مُسَمَّاةً وَمَضَتْ لِذَلِكَ سَنَةٌ، ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَدْ أَوْفَاهَا النَّفَقَةَ وَأَجَازَ ذَلِكَ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا، فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِمَّنْ فَرَضَ الْقَاضِي لَهُ نَفَقَةً كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا مَهْرًا، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ صَالَحَهَا مِنْ الْمُتْعَةِ عَلَى عَبْدِهِ وَدَفَعَهُ إلَيْهَا وَقَبَضَتْهُ، وَهِيَ تُنْكِرُ ذَلِكَ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا، فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ لِلْمَرْأَةِ الْمُتْعَةَ لَا قِيمَةَ الْعَبْدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ صَالَحَهَا مِنْ الْمُتْعَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَمْ يَشْهَدَا عَلَى قَبْضِ الْعَبْدِ، وَقَضَى الْقَاضِي لَهَا بِالْعَبْدِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا، فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ لَهَا قِيمَةَ الْعَبْدِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ صَالَحَهُ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ رَجَعَا، لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا أَيَّهُمَا كَانَ الْمُنْكِرُ لِلصُّلْحِ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ صَالَحَهُ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا وَالْقَاتِلُ يَجْحَدُ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَعَلَيْهِمَا الْفَضْلُ عَلَى الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَفَا عَنْ دَمٍ خَطَأً أَوْ جِرَاحَةٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا فِيهَا أَرْشٌ، وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا، ضَمِنَا الدِّيَةَ وَأَرْشَ الْجِرَاحَةِ، وَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَمَا بَلَغَ مِنْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ خَمْسَمِائَةٍ فَصَاعِدًا إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ فَفِي سَنَةٍ، وَمَا زَادَ إلَى الثُّلُثَيْنِ فَفِي سَنَةٍ أُخْرَى وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ ضَمِنَاهُ حَالًّا، وَإِنْ كَانَتْ الدِّيَةُ وَجَبَتْ حَالًّا وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْهَا وَقَضَى بِالْبَرَاءَةِ ثُمَّ رَجَعَا، ضَمِنَا ذَلِكَ حَالًّا كَذَا فِي الْحَاوِي.
شَاهِدَانِ شَهِدَا بِمَالٍ ثُمَّ دَعَاهُمَا الْقَاضِي إلَى الصُّلْحِ فَاصْطَلَحَا عَلَى بَعْضِهِ، ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدٌ لِهَذَا الرَّجُلِ وَقَضَى بِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَضْمَنَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ شَيْئًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى عَبْدٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ لِرَجُلٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ إنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ الشُّهُودُ عَنْ الشَّهَادَةِ، فَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يَرْجِعُ عَلَى الشُّهُودِ بِالْمِائَةِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُمَا أَنَّ شَهَادَتَهُمَا حَقٌّ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَا عَنْ الشَّهَادَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى عَبْدٍ فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ لِفُلَانٍ فَقَضَى بِهِ، وَاَلَّذِي فِي يَدَيْهِ الْعَبْدُ يَجْحَدُ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا، وَضَمَّنَهُمَا الْقَاضِي الْقِيمَةَ فَأَدَّيَاهَا، أَوْ لَمْ يُؤَدِّيَاهَا حَتَّى وَهَبَ الْمَشْهُودُ لَهُ الْعَبْدَ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ، فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَبْرَآنِ مِنْ الضَّمَانِ وَيَرْجِعَانِ فِيمَا أَدَّيَاهُ، فَإِنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْعَبْدِ وَقَبَضَهُ رَجَعَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ، وَلَوْ مَاتَ الْمَشْهُودُ لَهُ فَوَرِثَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْعَبْدَ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّيَاهُ إلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ كَذَا فِي الْحَاوِي وَكَذَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَقَضَى لِلْمَشْهُودِ لَهُ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمْ، ثُمَّ مَاتَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَوَرِثَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَدْ بَرِئَ الشَّاهِدَانِ عَنْ الضَّمَانِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ قُتِلَ فَأَخَذَ الْمَشْهُودُ لَهُ قِيمَتَهُ فَوَرِثَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَنْهُ تِلْكَ الْقِيمَةَ أَوْ مِثْلَهَا مِنْ مِيرَاثِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَفِي حِصَّتِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ وَفَاءٌ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ كَذَا فِي الْحَاوِي.
وَفِي نَوَادِرِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ رَجُلٌ ادَّعَى جَارِيَةً فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَبِنْتًا لَهَا أَنَّهُمَا جَارِيَتَاهُ، وَأَنْكَرَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ لِلْمُدَّعِي وَأَنْ تَكُونَ الصَّبِيَّةُ بِنْتًا لِلْجَارِيَةِ، فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَا أَنَّ الْجَارِيَةَ لِلْمُدَّعِي وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ أَنَّ الصَّبِيَّةَ بِنْتُ الْجَارِيَةِ، فَقَضَى بِالْجَارِيَةِ وَبِنْتِهَا لِلْمُدَّعِي ثُمَّ رَجَعَ اللَّذَانِ شَهِدَا أَنَّ الْجَارِيَةَ لِلْمُدَّعِي، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُضَمِّنُهُمَا قِيمَةَ الْأَمَةِ وَقِيمَةَ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا قَضَى بِالْوَلَدِ بِشَهَادَتِهِمْ أَنَّ الْجَارِيَةَ جَارِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْقَاقٌ مِنْ الْأَصْلِ فَكُلُّ مَا كَانَ مَعَهَا مِنْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ فَهُوَ تَبَعٌ لَهَا، فَكَأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْوَلَدِ كَمَا شَهِدُوا بِالْجَارِيَةِ قَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا فِي يَدَيْهِ عَبْدٌ تَاجِرٌ كَثِيرُ الْمَالِ، مَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ مَالًا كَثِيرًا، فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدُهُ لِيَأْخُذَ مَا تَرَكَهُ الْعَبْدُ، وَأَنْكَرَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ لِلْمُدَّعِي وَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْعَبْدِ، فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَا أَنَّ الْعَبْدَ مِلْكُ الْمُدَّعِي أَوْدَعَهُ الَّذِي كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدَيْهِ، وَجَاءَ بِشُهُودٍ كَثِيرَةٍ شَهِدُوا أَنَّ الْمَالَ لِلْعَبْدِ، وَقَضَى الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي بِالْعَبْدِ وَالْمَالِ، ثُمَّ رَجَعَ الَّذِينَ شَهِدُوا أَنَّ الْعَبْدَ لِلْمُدَّعِي، فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ الْمَالَ لِلَّذِي كَانَ الْعَبْدُ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ رَجَعَ الَّذِينَ شَهِدُوا أَنَّ الصَّبِيَّةَ بِنْتُ الْأَمَةِ فَشُهُودُ الْأَمَةِ يَرْجِعُونَ عَلَى شُهُودِ الْوَلَدِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى: رَجُلٌ ادَّعَى أَمَةً فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَنَّهَا أَمَتُهُ وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالْأَمَةِ، وَقَدْ كَانَتْ لِلْأَمَةِ ابْنَةٌ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِهَا، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً أَنَّهَا ابْنَتُهَا، فَإِنَّ.
الْقَاضِيَ يَقْضِي لَهُ بِالِابْنَةِ أَيْضًا تَبَعًا لِلْأُمِّ، فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْأُمِّ أَنَّهَا لِلْمُدَّعِي عَنْ شَهَادَتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ قِيمَةَ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا، وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ قَبْلُ، قَالَ: وَيَسْتَوِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي قَضَى بِذَلِكَ مَعًا أَوْ قَضَى بِالْأُمِّ ثُمَّ بِالْوَلَدِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ لِرَجُلٍ آخَرَ وَقَضَى بِهِ لَهُ، ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِالْعَبْدِ لِرَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ لَهُ وَقَضَى لَهُ، ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ الثَّانِي أَنَّ الْعَبْدَ لِهَذَا الثَّالِثِ وَقَضَى لِلثَّالِثِ ثُمَّ رَجَعُوا، ضَمِنَ كُلُّ فَرِيقٍ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ جَمِيعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ كَذَا فِي الْكَافِي.
إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ دَارًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهِيَ قِيمَتُهَا وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ شَفِيعُهَا بِدَارٍ تَلْزَقُ هَذِهِ الدَّارَ الْمُشْتَرَاةَ فَقَضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً فَأَمَرَهُ الْقَاضِي بِنَقْضِهِ ضَمِنَ لَهُ الشَّاهِدَانِ قِيمَةَ بِنَائِهِ حِينَ رَجَعَا، وَيَكُونُ النَّقْضُ لَهُمَا كَذَا فِي الْحَاوِي.
وَفِي الْمُنْتَقَى: شَاهِدَانِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ لِهَذَا الْمُدَّعِي أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا، فَلَمَّا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يُضَمِّنَهُمَا الْأَلْفَ قَالَا: نَحْنُ نَجِيئُكَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ هَذَا الَّذِي قَضَيْتَ عَلَيْهِ قَدْ أَقَرَّ لِفُلَانٍ الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهَذَا الْأَلْفِ مُنْذُ سَنَةٍ، قَالَ: لَا أَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَأُضَمِّنُهُمَا الْأَلْفَ.
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدِهِ مُنْذُ شَهْرٍ، وَشَهِدَ رَجُلُ آخَرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدِهِ مُنْذُ سَنَةٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِعِتْقِ الْعَبْدِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَأَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يُضَمِّنَهُمَا قِيمَةَ الْعَبْدِ فَقَالَا نَحْنُ نَجِيءُ بِشَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدِهِ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ قَالَ: أَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهَا اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٌ يُقِرُّ بِالدَّيْنِ، فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ لِلْوَكِيلِ وَقَبَضَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ، ثُمَّ قَدِمَ صَاحِبُهُ فَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا، وَالْوَكِيلُ ضَامِنٌ لِمَا اسْتَهْلَكَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ أَوْ غَلَّةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَذَا فِي الْحَاوِي.
إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ ذِمِّيَّانِ لِلذِّمِّيِّ عَلَى ذِمِّيٍّ بِمَالٍ أَوْ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، فَقَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا الْمَالَ وَقِيمَةَ الْخِنْزِيرِ وَمِثْلَ الْخَمْرِ، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدَانِ أَسْلَمَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ، وَفِي الْخَمْرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَضْمَنَانِ الْقِيمَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا، وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ الشَّاهِدَانِ وَأَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَا، ضَمِنَا قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ وَلَمْ يَضْمَنَا الْخَمْرَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
إنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ، أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا، وَشَهِدَ آخَرُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ بَعْدَ الْحُكْمِ، فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ دُونَ الشَّرْطِ وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ، وَلَوْ شَهِدَا بِالتَّفْوِيضِ وَآخَرَانِ بِأَنَّهَا طَلُقَتْ أَوْ أَعْتَقَ، فَالتَّفْوِيضُ كَالشَّرْطِ هَكَذَا فِي الْكَافِي.
لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّعْلِيقِ وَآخَرَانِ أَنَّ الْمَأْمُورَ عَلَّقَ وَآخَرَانِ عَلَّقَ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا، فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ التَّعْلِيقِ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَلَوْ شَهِدُوا بِالْإِحْصَانِ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يَضْمَنُوا عِنْدَنَا كَذَا فِي الْكَافِي.
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

.كِتَابُ الْوَكَالَةِ:

وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَبْوَابٍ:

.الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي بَيَانِ مَعْنَاهَا شَرْعًا وَرُكْنِهَا وَشَرْطِهَا وَأَلْفَاظِهَا وَحُكْمِهَا وَصِفَتِهَا وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ:

أَمَّا مَعْنَاهَا شَرْعًا: فَهُوَ إقَامَةُ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ حَتَّى إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا يَثْبُتُ بِهِ أَدْنَى تَصَرُّفَاتِ الْوَكِيلِ وَهُوَ الْحِفْظُ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ: وَكَّلْتُكَ بِمَالِي: إنَّهُ يَمْتَلِكُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْحِفْظَ فَقَطْ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
(وَأَمَّا رُكْنُهَا): فَالْأَلْفَاظُ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْوَكَالَةُ مِنْ قَوْلِهِ: وَكَّلْتُكَ بِبَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ شِرَائِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَقَبُولُ الْوَكِيلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ اسْتِحْسَانًا، وَلَكِنْ إذَا رَدَّ الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ تَرْتَدُّ، هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَصْلِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ قَالَ: شِئْتَ تَبِيعُ كَذَا فَسَكَتَ وَبَاعَ جَازَ، وَلَوْ قَالَ: لَا أَقْبَلُ بَطَلَ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ فِي بَابِ مَا تَقَعُ بِهِ الْوَكَالَةُ.
رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِطَلَاقٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ وَلَمْ يَقْبَلْ صَرِيحًا وَلَكِنْ طَلَّقَهَا يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، وَيُجْعَلُ إقْدَامُهُ عَلَى الطَّلَاقِ قَبُولًا لِلْوَكَالَةِ دَلَالَةً هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا غَائِبًا وَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ بِالْوَكَالَةِ يَصِيرُ وَكِيلًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا أَخْبَرَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الرِّسَالَةِ صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ فِي ذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
(وَأَمَّا شَرْطُهَا) فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَمْلِكُ فِعْلَ مَا وُكِّلَ بِهِ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ أَصْلًا، وَكَذَا مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ الْمَحْضَةِ، وَيَصِحُّ بِالتَّصَرُّفَاتِ النَّافِعَةِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ، وَأَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ يَصِحُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ أَوْ عَلَى إذْنِ وَلِيِّهِ بِالتِّجَارَةِ كَمَا إذَا فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَكَّلَ الْيَتِيمَ وَأَجَازَ وَصِيُّهُ جَازَ هَكَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَالْمَجْنُونُ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ إذَا وُكِّلَ فِي حَالِ جُنُونِهِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ وُكِّلَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ يَجُوزُ، قَالُوا: هَذَا إذَا كَانَ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ حَتَّى تُعْرَفَ إفَاقَتُهُ مِنْ جُنُونِهِ بِيَقِينٍ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَلَا يَجُوزُ، وَالْمَعْتُوهُ الْمَغْلُوبُ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا أَوْ يَبِيعَ لَهُ شَيْئًا لَا يَجُوزُ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَكُلُّ مَا جَازَ لِلْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَاهُ جَازَ لَهُمَا أَنْ يُوَكِّلَا بِهِ مَنْ يَفْعَلُهُ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَلَا يُكَاتِبَ عَبْدَهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ وَكَّلَ الْمَأْذُونُ مَوْلَاهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ جَازَ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ، فَإِنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ وَأَنْفَذَهُ الْوَكِيلُ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي الْحَاوِي.
وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِخُصُومَةِ أَحَدٍ يَدَّعِي رَقَبَتَهُ أَوْ يَدَّعِي جِرَاحَةً جَرَحَهَا الْعَبْدُ إيَّاهُ أَوْ جَرَحَ هُوَ الْعَبْدَ، وَلَا بِالصُّلْحِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَوْلَاهُ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي خُصُومَتِهِ لِآخَرَ جَنَى عَلَى عَبْدِهِ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ جَنَى عَبْدُهُ عَلَيْهِ أَوْ يَدَّعِي رَقَبَتَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي كَسْبِهِ خَصْمٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ وَكَالَةِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ.
عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، فَوَكَّلَ الْمُكَاتَبُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ الْخُصُومَةِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي نَصِيبِ الَّذِي كَاتَبَهُ، فَإِنْ كَاتَبَهُ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ فِعْلُ الْوَكِيلِ فِي نَصِيبِهِمَا جَمِيعًا اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ مُكَاتِبًا لَهُمَا فَوَكَّلَ وَكِيلًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ عَجَزَ عَنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَفَعَلَ ذَلِكَ، جَازَ فِي نَصِيبِهِمَا جَمِيعًا كَذَا فِي الْحَاوِي وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى آخَرَ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ الْآخَرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ إنْ وَكَّلَهُ أَحَدُهُمَا بِبَيْعِ عَبْدٍ مِنْ الْآخَرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْآخَرِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَيَيْهِ جَمِيعًا فَوَكَّلَ ابْنَ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ أَوْ عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ، كَمَا يَجُوزُ مَعَ سَائِرِ الْأَجَانِبِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَأَمَّا تَوْكِيلُ الْمُرْتَدِّ فَمَوْقُوفٌ إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ وَإِلَّا فَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ فَلَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى بِلِحَاقِهِ وَكِيلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ كَذَا فِي الْحَاوِي، وَإِنْ وَكَّلَ الْمُرْتَدُّ وَهُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بِلُحُوقِهِ بِالدَّارِ زَالَ مَالُهُ مِنْ مِلْكِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَتَوْكِيلُهَا جَائِزٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُعْتَبَرُ فِي حُكْمِ مِلْكِهَا فَهِيَ كَالْمُسْلِمَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَكَذَا إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ قَبْلَ رِدَّتِهَا يَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ، إلَّا أَنْ يُوَكِّلَ بِتَزْوِيجِهَا وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ فَذَلِكَ بَاطِلٌ حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى أَسْلَمَتْ ثُمَّ زَوَّجَهَا جَازَ وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ وَكَّلَتْهُ بِالتَّزْوِيجِ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَزَوَّجَهَا لَمْ يَجُزْ وَارْتِدَادُهَا إخْرَاجٌ لَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ كَذَا فِي الْحَاوِي.
وَيَجُوزُ مِنْ الذِّمِّيِّ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ مَرْعِيَّةٌ مَصُونَةٌ مِنْ الضَّيَاعِ كَحُقُوقِنَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِذَا وَكَّلَ الذِّمِّيُّ الْمُسْلِمَ بِتَقَاضِي خَمْرٍ لَهُ عَلَى ذِمِّيٍّ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقْبِضَ فَإِنْ فَعَلَ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ كَذَا فِي الْحَاوِي فِي فَصْلِ الْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَإِذَا وَكَّلَ الذِّمِّيُّ الْمُسْلِمَ أَنْ يَرْهَنَ لَهُ عِنْدَ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ أَوْ يَرْهَنَ لَهُ خَمْرًا بِدَرَاهِمَ، فَإِنْ أَضَافَ الْوَكِيلُ إلَى الْآمِرِ وَأَخْبَرَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ صَحَّ، وَإِنْ قَالَ أَقْرِضْنِي لَمْ يَكُنْ رَهْنًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي الْوَكَالَةِ بِالرَّهْنِ.
الْأَبُ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ لَهُ أَوْ بِالْخُصُومَةِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَوَصِيُّ الْأَبِ كَالْأَبِ فِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ مِنْهُ لِلصَّبِيِّ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَيَجُوزُ لِوَصِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُوَكِّلَ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ أَمْرِ الْيَتِيمِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ فَإِنْ كَانَ لِلْيَتِيمِ وَصِيَّانِ فَوَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ رَجُلًا عَلَى حِدَةٍ بِشَيْءٍ قَامَ وَكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَكِيلَيْنِ مَقَامَ مُوَكِّلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى- إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
(وَمِنْهَا): مَا يَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا فَلَا تَصِحُّ وَكَالَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَا بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ فَتَصِحُّ وَكَالَةُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَالْعَبْدِ مَأْذُونَيْنِ كَانَا أَوْ مَحْجُورَيْنِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَلَوْ وَكَّلَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِ مَالٍ أَوْ يُكَاتِبَهُ فَهُوَ جَائِزٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ.
الْوَكِيلُ إذَا اخْتَلَطَ عَقْلُهُ بِشُرْبِ نَبِيذٍ وَيَعْرِفُ الشِّرَاءَ وَالْقَبْضَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ، وَلَوْ اخْتَلَطَ عَقْلُهُ بِشُرْبِ الْبَنْجِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْتُوهِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَأَمَّا الْعِلْمُ بِالتَّوْكِيلِ فِي الْجُمْلَةِ فَشَرْطٌ بِلَا خِلَافٍ إمَّا عِلْمُ الْوَكِيلِ وَإِمَّا عِلْمُ مَنْ يُعَامِلُهُ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ مِنْ رَجُلٍ قَبْلَ عِلْمِهِ وَعِلْمِ الرَّجُلِ بِالتَّوْكِيلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يُجِيزَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْوَكِيلُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْوَكَالَةِ، وَأَمَّا عِلْمُ الْوَكِيلِ عَلَى التَّعْيِينِ بِالتَّوْكِيلِ فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ، ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ شَرْطٌ وَذَكَرَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ: اذْهَبْ بِثَوْبِي هَذَا إلَى فُلَانٍ حَتَّى يَبِيعَهُ أَوْ اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ حَتَّى يَبِيعَكَ ثَوْبِي الَّذِي عِنْدَهُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ إذْنٌ مِنْهُ لِفُلَانٍ فِي بَيْعِ ذَلِكَ الثَّوْبِ إنْ أَعْلَمَهُ الْمُخَاطَبُ بِمَا قَالَهُ الْمَالِكُ جَازَ بَيْعُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ قَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا الثَّوْبِ إلَى الْقَصَّارِ حَتَّى يُقَصِّرَهُ أَوْ إلَى الْخَيَّاطِ حَتَّى يَخِيطَهُ قَمِيصًا فَهُوَ إذْنٌ مِنْهُ لِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ، حَتَّى لَا يَصِيرَ ضَامِنًا بِعَمَلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ.
وَفِي وَكَالَةِ الْأَصْلِ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ حَتَّى يُعْتِقَكَ أَوْ حَتَّى يُكَاتِبَكَ فَأَعْتَقَهُ فُلَانٌ جَازَ، وَيَصِيرُ فُلَانٌ وَكِيلًا بِالْعَتَاقِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: انْطَلِقِي إلَى فُلَانٍ حَتَّى يُطَلِّقَكِ فَطَلَّقَهَا فُلَانٌ وَلَمْ يَعْلَمْ يَقَعُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ فِي بَابِ مَا تَقَعُ بِهِ الْوَكَالَةُ.
وَعِلْمُ الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ شَرْطُ عَمَلِ الْوَكَالَةِ، حَتَّى إنَّ مَنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ أَوْ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَالْوَكِيلُ لَا يَعْلَمُ فَطَلَّقَ أَوْ بَاعَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا طَلَاقُهُ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَالذَّخِيرَةِ إذَا وَكَّلَ إنْسَانًا لَا يَصِيرُ وَكِيلًا قَبْلَ الْعِلْمِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
إنْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا وَكَّلَ الْحَرْبِيُّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا بِتَقَاضِي دَيْنٍ لَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَخَرَجَ وَكِيلُهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِطَلَبِ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَا إذَا وُكِّلَ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قَبْضِ وَدِيعَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِذَا وَكَّلَ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِخُصُومَةٍ أَوْ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ جَازَ، وَإِذَا الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ وَكَذَا فِي الْحَاوِي.
وَتَجُوزُ وَكَالَةُ الْمُرْتَدِّ بِأَنْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ مُرْتَدًّا، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ ثُمَّ ارْتَدَّ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ إلَّا أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَتَبْطُلُ وَكَالَتُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ عَبْدًا اشْتَرَاهُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ رَجُلٍ فَوَكَّلَ الْمُشْتَرِي رَبَّ الْمَالِ بِقَبْضِهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ الْمُشْتَرِي شَرِيكَ الْبَائِعِ بِقَبْضِهِ مِنْهُ وَهُوَ مُفَاوَضَةٌ، أَوْ وَكَّلَ شَرِيكَ عِنَانٍ وَهُوَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا قَالَ ثَمَّةَ: كُلُّ مَنْ كُنْتُ أُجِيزَ بَيْعَهُ فِي الْعَبْدِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا لِمُشْتَرِيهِ فِي قَبْضِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا وَكَّلَ الْمُسْتَأْمَنُ مُسْتَأْمَنًا بِخُصُومَةٍ، ثُمَّ لَحِقَ الْمُوَكِّلُ بِالدَّارِ وَبَقِيَ الْوَكِيلُ يُخَاصِمُ، فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي لِلْحَرْبِيِّ الْحَقَّ قُبِلَتْ الْخُصُومَةُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَفِي الْقِيَاسِ تَنْقَطِعُ الْوَكَالَةُ حِينَ يَلْحَقُ بِالدَّارِ وَبِهِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُصُومَةِ الْقَضَاءُ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إلْزَامٍ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَوْ وَكَّلَ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ مَتَاعٍ أَوْ تَقَاضِي دَيْنٍ سِوَى الْخُصُومَةِ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ جَائِزٌ هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
(وَمِنْهَا) مَا يَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ بِهِ: اعْلَمْ أَنَّ الْحُقُوقَ نَوْعَانِ: حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ، وَحَقُّ اللَّهِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ مِنْهُ تَكُونُ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطًا كَحَدِّ الْقَذْفِ وَحَدِّ السَّرِقَةِ، فَهَذَا النَّوْعُ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- فِي الْإِثْبَاتِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَيَجُوزُ فِي الِاسْتِيفَاءِ إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا، وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ غَائِبًا.
وَنَوْعٌ مِنْهُ لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطًا كَحَدِّ الزِّنَا وَحَدِّ الشُّرْبِ، فَهَذَا النَّوْعُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي إثْبَاتِهِ وَلَا فِي اسْتِيفَائِهِ، ثُمَّ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ إثْبَاتِ الْحَدِّ.
أَمَّا التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِ الْمَالِ فِي السَّرِقَةِ فَمَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ.
هَكَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَعَلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَالْقِصَاصِ، فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-، وَأَمَّا التَّوْكِيلُ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ الْوَلِيُّ حَاضِرًا جَازَ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا يَجُوزُ.
وَنَوْعٌ يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَالدُّيُونِ وَالْأَعْيَانِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ، فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ سِوَى الْقِصَاصِ بِرِضَا الْخَصْمِ بِلَا خِلَافٍ، وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالتَّعْزِيرِ إثْبَاتًا وَاسْتِيفَاءً بِالِاتِّفَاقِ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْبِيَاعَاتِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْإِجَارَاتِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ وَالْإِعَارَةِ وَالِاسْتِعَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِيدَاعِ وَقَبْضِ الْحُقُوقِ وَالْخُصُومَاتِ وَتَقَاضِي الدُّيُونِ وَالرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي الْمُبَاحَاتِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاسْتِقَاءِ وَاسْتِخْرَاجِ الْجَوَاهِرِ مِنْ الْمَعَادِنِ فَمَا أَصَابَ الْوَكِيلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ، وَكَذَا التَّوْكِيلُ بِالتَّكَدِّي كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيمَا اسْتَقْرَضَ لِلْمُوَكِّلِ إلَّا إذَا بَلَغَ عَلَى سَبِيلِ الرِّسَالَةِ فَيَقُولُ: أَرْسَلَنِي إلَيْكَ فُلَانٌ يَسْتَقْرِضُ كَذَا فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُسْتَقْرِضِ وَمَا اسْتَقْرَضَهُ لِلْوَكِيلِ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْأَمْرِ وَلَوْ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَيَجُوزُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْقِسْمَةِ وَالِاسْتِيهَابِ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ فِي الْهِبَةِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَلَا أَنْ يَقْبِضَ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُودِعِ وَلَا الْعَارِيَّةَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَلَا الْقَرْضَ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلَا الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْوَكَالَةُ مِنْ الْمُلْتَمِسِ لِذَلِكَ مِنْ الْمَالِكِ فَوَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يَرْتَهِنَ عَبْدَ فُلَانٍ بِدَيْنِهِ أَوْ يَسْتَعِيرَهُ لَهُ أَوْ يَسْتَوْهِبَهُ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ فِي ذَلِكَ يُضِيفُ إلَى مُوَكِّلِهِ وَلَا يُضِيفُ إلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ: إنَّ زَيْدًا يَسْتَوْهِبَكَ عَبْدَكَ أَوْ يَسْتَرْهِنَكَ بِمَا لَهُ عَلَيْكَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ يَسْتَعِيرَ مِنْكَ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: هَبْ لِي أَوْ أَعِرْنِي أَوْ أَقْرِضْنِي فَذَلِكَ كُلُّهُ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ هَكَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
(وَأَمَّا أَلْفَاظُهَا): فَكُلُّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَقَوْلِهِ: وَكَّلْتُكَ أَوْ هَوَيْتُ أَوْ أَحْبَبْتُ أَوْ رَضِيتُ أَوْ شِئْتُ أَوْ أَرَدْتُ، وَلَوْ قَالَ: لَا أَنْهَاكَ عَنْ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ قَالَ: وَافِقْنِي فَهَذَا تَوْكِيلٌ وَأَمْرٌ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: أَجَزْتُ لَكَ بَيْعَ عَبْدِي فَهَذَا تَوْكِيلٌ صَحِيحٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنْتَ وَكِيلِي فِي قَبْضِ هَذَا الدَّيْنِ يَصِيرُ وَكِيلًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ حَرِيِّي، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ وَصِيٌّ فِي حَيَاتِي، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ وَصِيٌّ لَا يَكُونُ وَكِيلًا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ يَكُونُ وَكِيلًا بِحِفْظِ الْمَالِ لَا غَيْرُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ وَكِيلِي بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٌ أَمْرُكَ يَصِيرُ وَكِيلًا فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَقْفِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَمْلِكُ إلَّا إذَا دَلَّ دَلِيلُ سَابِقَةِ الْكَلَامِ وَنَحْوُهُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِي فَقَالَ لَهُ: طَلَّقْتُ امْرَأَتَكَ أَوْ وَقَفْتُ جَمِيعَ أَرْضِكَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي عِمَارَةِ أَمْلَاكِهِ أَوْ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ هَلْ يَرْجِعُ بِذَلِكَ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا أَنْفَقَ فِي عِمَارَةِ أَمْلَاكِهِ وَبِمَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ إنْ كَانَ قَالَ لَهُ جَائِزٌ مَا صَنَعْتَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
قَالَ لِغَيْرِهِ: وَكَّلْتُكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِي وَأَقَمْتُكَ مَقَامَ نَفْسِي لَا تَكُونُ الْوَكَالَةُ عَامَّةً، وَلَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِي الَّتِي يَجُوزُ بِهَا التَّوْكِيلُ كَانَتْ الْوَكَالَةُ عَامَّةً تَتَنَاوَلُ الْبِيَاعَاتِ وَالْأَنْكِحَةَ، وَفِي الْأَوَّلِ إذَا لَمْ.
تَكُنْ عَامَّةً يُنْظَرُ إنْ كَانَ أَمْرُ الرَّجُلِ مُخْتَلِفًا لَيْسَتْ لَهُ صِنَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ تَاجِرًا بِتِجَارَةٍ مَعْرُوفَةٍ تَنْصَرِفُ الْوَكَالَةُ إلَيْهَا.
رَجُلٌ لَهُ عَبِيدٌ قَالَ لِرَجُلٍ: مَا صَنَعْتَ فِي عَبِيدِي فَهُوَ جَائِزٌ فَأَعْتَقَ الْكُلَّ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا أَكْرَهَ السُّلْطَانُ رَجُلًا أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ الْمُكْرَهُ لِذَلِكَ الْغَيْرِ: أَنْتَ وَكِيلِي فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ امْرَأَتَهُ وَالزَّوْجُ قَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ ابْتِدَاءً: أَنْتَ وَكِيلِي وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ (تووكيل منى هرجه خواهى كُنَّ) فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: (اكرمن وَكَيْل توام خويشتن رادست بازدا شتم بِهِ الطَّلَاق) فَقَالَ الزَّوْجُ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ، فَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ مِنْ كَلَامِ الطَّلَاقِ مَا يَكُونُ هَذَا جَوَابًا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ وَيَسَعُهَا تَصْدِيقُهُ إذَا حَلَفَ، وَإِنْ سَبَقَ يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَدْخُولًا بِهَا، قَالُوا: إنَّمَا يَقَعُ وَاحِدَةً إذَا لَمْ يَكُنْ السَّابِقُ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ الثَّلَاثِ وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا لَمْ يَكُنْ السَّابِقُ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ الثَّلَاثِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ سَابِقَةُ الْكَلَامِ دَلِيلًا يَقَعُ الثَّلَاثُ عِنْدَ الْكُلِّ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: هَلْ أُخَالِعُكِ مِنْ زَوْجِكِ؟ فَقَالَتْ: (توداني) أَوْ قَالَ: هَلْ أُزَوِّجُكِ مِنْ فُلَانٍ؟ أَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: هَلْ أُبَايِعُ مَتَاعَكَ؟ فَأَجَابَا لَهُ (توداني) فَهُوَ إذْنٌ وَتَوْكِيلٌ بِالْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
قَالَ لِآخَرَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ (وَهَرْجه مصلحت بَيْنِيّ بِكُنْ) لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا، وَلَوْ قَالَ: (هرجه مصلحت است بِكُنْ روصاست) فَهَذَا تَوْكِيلٌ يُمَلِّكُ الْأَبْضَاعَ وَغَيْرَهُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا فِي حَالَةِ الْغَضَبِ: (ناكردني ميلنم) فَقَالَ الزَّوْجُ: (جه توانى كُرِدْنَ) فَقَالَتْ: (كنم بِدُسْتُورِيِّ تَوّ) فَقَالَ الزَّوْجُ: (بِكُنْ) فَقَالَتْ: (خويشتن رَاسّه طَلَاق دادم) لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهَذَا الطَّلَاقِ عُرْفًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ لِغَيْرِهِ: اشْتَرِ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ اشْتَرِ جَارِيَةً لَا يَصِيرُ وَكِيلًا وَيَكُونُ ذَلِكَ مَشُورَةً، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَكَ عَلَى شِرَائِكَ دِرْهَمٌ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ وَكِيلًا، وَيَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ.
رَجُلٌ قَالَ لِمَدْيُونِهِ: اشْتَرِ لِي بِمَا عَلَيْكَ جَارِيَةً لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِمَا لِي عَلَيْكَ جَارِيَةَ فُلَانٍ، أَوْ قَالَ: هَذِهِ الْجَارِيَةَ صَحَّ التَّوْكِيلُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَسْلِمْ مَا لِي عَلَيْكَ فِي كَذَا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ قَالَ: أَسْلِمْ مَا لِي عَلَيْكَ إلَى فُلَانٍ فِي كَذَا صَحَّ التَّوْكِيلُ عِنْدَ الْكُلِّ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: إنْ لَمْ تَبِعْ عَبْدِي هَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ يَصِيرُ ذَلِكَ الْغَيْرُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ: سَلَّطْتُكَ عَلَى كَذَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَكَّلْتُكَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ قَالَ مَالِكُ الْمُسْتَغَلَّاتِ: فَوَّضْتُ إلَيْكَ أَمْرَ مُسْتَغَلَّاتِي وَكَانَ آجَرَهَا مِنْ إنْسَانٍ مَلَكَ تَقَاضِيَ الْأُجْرَةِ وَقَبْضَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إلَيْكَ أُمُورُ دُيُونِي مَلَكَ التَّقَاضِيَ، وَلَوْ قَالَ: فَوَّضْتُ إلَيْكَ أَمْرَ دَوَابِّي وَأَمْرَ مَمَالِيكِي مَلَكَ الْحِفْظَ وَالرَّعْيَ وَالتَّعْلِيفَ وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ قَالَ: فَوَّضْتُ إلَيْكَ أَمْرَ امْرَأَتِي مَلَكَ طَلَاقَهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: مَلَّكْتُكَ حَيْثُ لَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
(وَأَمَّا حُكْمُهَا) فَمِنْهُ قِيَامُ الْوَكِيلِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِيمَا وَكَّلَهُ بِهِ، وَلَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ فِي إتْيَانِ مَا وُكِّلَ بِهِ إلَّا فِي دَفْعِ الْوَدِيعَةِ بِأَنْ قَالَ لَهُ: ادْفَعْ هَذَا الثَّوْبَ إلَى فُلَانٍ فَقَبِلَهُ وَغَابَ الْآمِرُ، يُجْبَرُ الْمَأْمُورُ عَلَى دَفْعِهِ هَكَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِنْ وَكَّلَهُ بِالْعِتْقِ فَقَبِلَ ثُمَّ أَبَى أَنْ يَعْتِقَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْحَاوِي، وَمِنْهُ أَنْ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِمَا وُكِّلَ إلَّا أَنْ يُطْلِقَ لَهُ الَّذِي وَكَّلَهُ أَوْ يُجِيزَ أَمْرَهُ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ فَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ وَقَالَ: مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ غَيْرَهُ جَازَ تَوْكِيلُهُ، وَيَكُونُ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَكِيلَ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ لَا وَكِيلَ الْوَكِيلِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ أَوْ عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي، وَلَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلَانِ، وَلَوْ عَزَلَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ جَازَ عَزْلُهُ، وَلَوْ أَنَّ الْوَكِيلَ وَكَّلَ غَيْرَهُ وَقَالَ لَهُ مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَكَّلَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ مَوْلَاهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ، فَإِنْ وَكَّلَ الْمَوْلَى مَعَ هَذَا وَبَاشَرَ وَكِيلُهُ هَلْ يَجُوزُ؟ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ فِي تَوْكِيلِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ.
(وَأَمَّا صِفَتُهَا): فَإِنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ الْغَيْرِ اللَّازِمَةِ حَتَّى مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ الْعَزْلَ بِدُونِ صَاحِبِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِنْهُ أَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ كَالْمُودَعِ فَيَضْمَنُ بِمَا يَضْمَنُ بِهِ الْمُودَعُ وَيَبْرَأُ بِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ دَفَعَ لَهُ مَالًا وَقَالَ: اقْضِهِ فُلَانًا عَنْ دَيْنِي فَقَالَ: قَضَيْتُهُ وَكَذَّبَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَلِلدَّائِنِ فِي عَدَمِ قَبْضِهِ فَلَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَلَا تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الَّذِي كَذَّبَهُ دُونَ الَّذِي صَدَّقَهُ، فَإِنْ صُدِّقَ الْمَأْمُورُ فِي الدَّفْعِ، فَإِنَّهُ يُحَلِّفُ الْآخَرَ بِاَللَّهِ مَا قَبَضَ، فَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ الْقَبْضُ، وَإِنْ نَكَلَ ظَهَرَ قَبْضُهُ وَيَسْقُطُ عَنْ الْآمِرِ دَيْنُهُ، وَإِنْ صَدَّقَ الْآمِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَكَذَّبَ الْمَأْمُورَ، فَإِنَّهُ يُحَلِّفُ الْمَأْمُورَ خَاصَّةً لَقَدْ دَفَعَهُ إلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا دَفَعَ إلَيْهِ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
(وَأَمَّا مَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ): فَمِنْهُ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ فِي الْوَكَالَةِ وَلَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَيَّ شَرْطٍ كَانَ، وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ شُرِعَ فِي لَازِمٍ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَالْوَكَالَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
حَتَّى أَنَّ مَنْ قَالَ: أَنْتَ وَكِيلٌ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِي عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فِي أَنْوَاعِ الْخِيَارِ فِي الْوَكَالَةِ.
وَمِنْهُ صِحَّةُ إضَافَتِهَا فَتَقْبَلُ التَّقْيِيدَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْهُ غَدًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ الْيَوْمَ، وَلَوْ قَالَ: اعْتِقْ عَبْدِي هَذَا أَوْ طَلِّقْ امْرَأَتِي غَدًا لَا يَمْلِكُهُ الْيَوْمَ، وَلَوْ قَالَ: بِعْ عَبْدِي الْيَوْمَ أَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْدًا الْيَوْمَ أَوْ قَالَ: اعْتِقْ عَبْدِي الْيَوْمَ فَفَعَلَ ذَلِكَ غَدًا فِيهِ رِوَايَتَانِ بَعْضُهُمْ قَالُوا الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْقَى بَعْدَ الْيَوْمِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ يَتَقَاضَى دَيْنَهُ بِالشَّامِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَقَاضَاهُ بِالْكُوفَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَمِنْهُ صِحَّةُ تَعْلِيقِهَا، وَلَوْ قَالَ: إذَا حَلَّ مَالِي فَاقْبِضْ، أَوْ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَتَقَاضَى، أَوْ إذَا أَثْبَتَ شَيْئًا فَأَنْتَ وَكِيلِي فِي قَبْضِهِ، أَوْ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَاقْبِضْ دُيُونِي صَحَّتْ الْوَكَالَةُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَمِنْهُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ الْوَكِيلُ إلَى إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَيُكْتَفَى بِالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ كَالْبِيَاعَاتِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْإِجَارَاتِ وَالصُّلْحِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَحُقُوقُهُ رَاجِعَةٌ إلَى الْوَكِيلِ، وَيَكُونُ الْوَكِيلُ فِي هَذِهِ الْحُقُوقِ كَالْمَالِكِ، وَالْمَالِكُ كَالْأَجْنَبِيِّ كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَقَبْضِهِ وَمُطَالَبَةِ الثَّمَنِ وَقَبْضِهِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ وَالْمُخَاصَمَةِ فِي الْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ خِلَافُهُ عَنْ الْوَكِيلِ ابْتِدَاءً وَهُوَ الصَّحِيحُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى ذَوِي مَحَارِمِهِ لَا يَعْتِقُونَ عَلَيْهِ هَكَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
وَلَا تَنْتَقِلُ الْحُقُوقُ إلَى الْمُوَكِّلِ فِيمَا يُضَافُ إلَى الْوَكِيلِ مَادَامَ الْوَكِيلُ حَيًّا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَكِيلُ الْبَائِعِ هُوَ الَّذِي يُطَالِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إذَا نَقَدَهُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَلَا يُطَالِبُ الْمُوَكِّلُ بِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَإِذَا طَلَبَ الْمُوَكِّلُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ، فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَالِبَهُ ثَانِيًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ نَقَدَهُ إلَيْهِ، وَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُسْتَحَقَّ الْمَبِيعُ وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْوَكِيلَ، وَإِذَا ثَبَتَ الْعَيْبُ عَلَيْهِ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ أَخَذَ الثَّمَنَ مِنْ الْوَكِيلِ إذَا نَقَدَهُ إلَيْهِ، وَإِنْ نَقَدَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ أَخَذَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ.
وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ هُوَ الْمُطَالَبُ بِالثَّمَنِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الْمَبِيعَ مِنْ الْبَائِعِ دُونَ الْمُوَكِّلِ، وَإِذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ فَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ.
دُونَ الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ وَقَالَ الْبَائِعُ إنَّهُ وَكِيلٌ فَطَالَبَهُ بِالثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْبَائِعِ.
عَبْدٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا فَقَالَ الْبَائِعُ: لَا أُسَلِّمُ إلَيْكَ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّكَ مَحْجُورٌ، وَقَالَ الْعَبْدُ: أَنَا مَأْذُونٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَبْدِ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ أَقَرَّ أَنَّهُ مَحْجُورٌ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَبْدٌ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: هَذَا الَّذِي بِعْتُكَ لِمَوْلَايَ وَأَنَا مَحْجُورٌ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ أَنْتَ مَأْذُونٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَبْدِ، وَلِلْوَكِيلِ بِالْإِجَارَةِ الْمُخَاصَمَةُ فِي إثْبَاتِهَا وَقَبْضُ الْأَجْرِ وَحَبْسُ الْمُسْتَأْجَرِ بِهِ، وَإِنْ وَهَبَ الْأَجْرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَوْ أَبْرَأَهُ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ لَا كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَمِنْهُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَحُقُوقُهُ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَالْعَتَاقِ عَلَيْهِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْكِتَابَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يُطَالَبُ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِالصَّدَاقِ وَلَا يَلْزَمُ وَكِيلَ الْمَرْأَةِ تَسْلِيمُهَا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ وَكِيلُ الْمَرْأَةِ فَلَيْسَ لَهُ قَبْضُ الْمَهْرِ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْكِتَابَةِ لَيْسَ لَهُ قَبْضُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْخُلْعِ إنْ كَانَ وَكِيلَ الزَّوْجِ فَلَيْسَ لَهُ قَبْضُ بَدَلِ الْخُلْعِ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلَ الْمَرْأَةِ فَلَا يُؤْخَذُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ إلَّا إذَا ضَمِنَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ أَهْلِ الْعُهْدَةِ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَإِذَا وَكَّلَ صَبِيًّا مَحْجُورًا بِأَنْ يَبِيعَ لَهُ، أَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا فَبَاعَ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى جَازَ إذَا كَانَ يَعْقِلُ ذَلِكَ وَلَا عُهْدَةَ عَلَى الصَّبِيِّ، وَإِنَّمَا الْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلَا لِلْبَائِعِ سَوَاءٌ عَلِمَا بِكَوْنِهِ مَحْجُورًا أَوْ لَمْ يَعْلَمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَبَاعَ جَازَ وَلَزِمَتْهُ الْعُهْدَةُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، بَلْ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ حَتَّى أَنَّ الْبَائِعَ يُطَالِبُ الْآمِرَ بِالثَّمَنِ دُونَ الصَّبِيِّ، وَأَمَّا إذَا وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الْحَالِّ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَلْزَمُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
إذَا وَكَّلَ الْحُرُّ عَبْدًا مَأْذُونًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً أَوْ طَعَامًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بِأَلْفِ نَقْدٍ وَلَمْ يَدْفَعْ الْأَلْفَ أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ، فَاشْتَرَى لَهُ الْعَبْدُ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْمَأْذُونِ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ أَمَرَ الْعَبْدَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَسِيئَةً فَاشْتَرَى الْعَبْدُ ذَلِكَ كَمَا أَمَرَهُ الْآمِرُ كَانَ جَمِيعُ مَا اشْتَرَاهُ الْعَبْدُ لِلْعَبْدِ وَلَا شَيْءَ لِلْآمِرِ، وَإِنْ وَكَّلَ الْمَأْذُونُ رَجُلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ مِمَّا فِي يَدِهِ أَوْ شِرَائِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مُرْتَدًّا جَازَ بَيْعُهُ، وَلَكِنْ يُتَوَقَّفُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى الْآمِرِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.