فصل: (الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْبَرَاءَاتِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.(الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْبَرَاءَاتِ):

(الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ مَالٍ كَانَ بِهِ صَكٌّ) كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالسَّمْتِيُّ وَهِلَالٌ الرَّازِيّ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- يَبْتَدِءُونَ كِتَابَ الْبَرَاءَةِ: هَذَا كِتَابٌ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَهُوَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ وَالسَّمْتِيُّ وَهِلَالٌ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- كَانَا يَزِيدَانِ كَتَبَهُ لِفُلَانٍ وَكَانَ أَبُو زَيْدٍ الشُّرُوطِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَكْتُبُ هَذَا مَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ الْمُسَمَّوْنَ فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ يَعْنِي الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ أَقَرَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ، وَبَعْضُ أَهْلِ الشُّرُوطِ كَانَ يَكْتُبُ هَذَا بَرَاءَةٌ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ اخْتَارُوا هَذَا مَا شَهِدَ إلَى قَوْلِنَا إنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا دِرْهَمًا وَأَنَّهُ قَضَاهُ جَمِيعَ هَذَا الْمَالِ وَأَوْفَاهُ إيَّاهُ بِتَمَامِهِ فَقَبَضَهُ مِنْهُ تَامًّا وَافِيًا قَبْضًا صَحِيحًا وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ بَرَاءَةَ قَبْضٍ وَاسْتِيفَاءٍ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ عَلَيْهِ دَعْوَى بِهَذَا السَّبَبِ وَأَنَّهُ مَتَى ادَّعَى قِبَلَهُ أَوْ قِبَلَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ بِسَبَبِهِ حَقًّا أَوْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي دَعْوَاهُ مُبْطَلٌ لَا يُسْمَعُ لَهُ بَيِّنَةٌ وَلَا يُحْلَفُ لَهُ، وَخَصْمُهُ مِنْ ذَلِكَ بَرِيءٌ وَفِي حِلٍّ وَسِعَةٍ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَنَّهُ كَانَ لَهُ بِهِ صَكٌّ وَقَدْ تَعَطَّلَ ذَلِكَ بِهَذَا الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ وَكَانَ ضَاعَ وَلَمْ تَصِلْ يَدُهُ إلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَمَتَى أَخْرَجَ هَذَا الصَّكَّ فَهُوَ مُبْطَلٌ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ وَلَا تَعَلُّقَ بِهِ وَصَدَّقَهُ هَذَا الْمُقَرُّ لَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُشَافَهَةً وَأَشْهَدَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا إلَى آخِرِهِ وَعَلَى هَذَا دَيْنُ الْمَهْرِ.
(الْبَرَاءَةُ عَنْ سَفْتَجَةٍ وَارِدَةٍ) هَذَا مَا شَهِدَ إلَى قَوْلِنَا أَنَّ فُلَانًا أَوْرَدَ عَلَى فُلَانٍ كِتَابَ سَفْتَجَةٍ مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا دِرْهَمًا وَأَنَّهُ قَبِلَ مِنْهُ الْكِتَابَ وَضَمِنَ لَهُ الْمَالَ وَأَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِإِيفَاءِ ذَلِكَ إيَّاهُ قَبْضًا صَحِيحًا وَضَمِنَ لَهُ كُلَّ دَرْكٍ يُدْرِكُهُ مِنْ قِبَلِ فُلَانٍ صَاحِبِ الْكِتَابِ عَلَى أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنْ دَعْوَاهُ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ ضَمَانًا صَحِيحًا وَأَشْهَدَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِذَلِكَ إلَى آخِرِهِ.
(بَرَاءَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا أَخَذُوا عَطَاءً) هَذَا مَا شَهِدَ إلَى قَوْلِنَا إنَّهُ كَانَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ مُعَامَلَاتٌ وَأَخَذُوا عَطَاءً مِنْ أَشْرِيَةٍ وَبُيُوعٍ وَحَوَالَاتٍ وَكَفَالَاتٍ وَإِجَارَاتٍ وَوَدَائِعَ وَبَضَائِعَ وَمُضَارَبَاتٍ وَسَفَاتِجَ وَدُيُونٍ بِصِكَاكٍ وَغَيْرِ صِكَاكٍ مَرْهُونٍ وَغَيْرِ مَرْهُونٍ وَضَمَانَاتٍ وَأَمَانَاتٍ وَأَشْيَاءَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَسْبَابٍ شَتَّى أَنَّهُ حَاسَبَهُ مُحَاسَبَةً بِحَقِّهَا وَصَدَّقَهَا وَأَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ بِقَضَائِهِ إيَّاهُ بِتَمَامِهِ قَبْضًا صَحِيحًا تَامًّا وَافِيًا بِدَفْعِ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَيْهِ وَبَرِئَ مِنْهُ بَرَاءَةَ قَبْضٍ وَاسْتِيفَاءٍ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ قِبَلَهُ وَلَا عِنْدَهُ وَلَا فِي يَدِهِ وَلَا مَعَهُ دَعْوَى وَلَا طَلِبَةٌ وَلَا خُصُومَةٌ وَلَا تَبَعَةٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَمَتَى ادَّعَى عَلَيْهِ هُوَ دَعْوَى أَوْ ادَّعَى أَحَدٌ مِنْ جِهَتِهِ إلَى آخِرِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِغَيْرِ قَبْضٍ لَمْ يَكْتُبْ الْقَبْضَ وَلَكِنْ يَكْتُبُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَحَاسَبَهُ مُحَاسَبَةً بِحَقِّهَا وَصَدَّقَهَا فَأَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ إبْرَاءً صَحِيحًا جَائِزًا تَامًّا وَافِيًا قَاطِعًا لِلدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ جَمِيعَ ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ بَعْدَ هَذَا الْإِبْرَاءِ حَقٌّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ وَيُتِمُّهُ عَلَى مَا مَرَّ فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَتَبَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ عِنْدَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَلَا مَعَهُ شَيْءٌ إلَّا كَذَا وَيُبَيِّنُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا.
(الْإِبْرَاءِ الْمُطْلَقُ) أَقَرَّ فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ أَنَّهُ أَبْرَأَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ عَنْ كُلِّ خُصُومَةٍ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ وَعَلَيْهِ مَالِيَّةٌ وَغَيْرُ مَالِيَّةٍ إبْرَاءً صَحِيحًا تَامًّا قَاطِعًا لِلْخُصُومَاتِ كُلِّهَا وَلَمْ يَبْقَ لَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا الْإِبْرَاءِ لَا دَعْوَى وَلَا خُصُومَةَ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ وَلَا قَدِيمَ وَلَا حَدِيثَ لَا فِي الصَّامِتِ وَلَا فِي النَّاطِقِ وَلَا فِي الْمَحْدُودِ وَلَا فِي الْمَنْقُولِ لَا فِي الْمَكِيلِ وَلَا فِي الْمُوزِنِ وَلَا فِي الْفُرُشِ وَلَا فِي الْأَوَانِي وَلَا فِي شَيْءٍ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمِلْكِ وَالْمَالِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ إقْرَارًا صَحِيحًا وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ هَذَا خِطَابًا وَيُتِمُّ الْكِتَابَ.
(رَجُلٌ وَكَزَ رَجُلًا عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَضَى عَلَيْهِ فَادَّعَى وَرَثَةُ الْمَضْرُوبِ عَلَيْهِ الدِّيَةَ ثُمَّ أَبَرَءُوهُ عَنْ دَعْوَاهُمْ) يَكْتُبُ أَقَرَّ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ أَوْلَادُ فُلَانٍ فِي حَالِ جَوَازِ إقْرَارِهِمْ طَائِعِينَ أَنَّهُمْ أَبَرُؤَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ عَنْ كُلِّ دَعْوَى وَخُصُومَةٍ كَانَتْ لَهُمْ عَلَيْهِ وَقِبَلَهُ خُصُوصًا عَنْ دَعْوَى دِيَةِ الْأَبِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَدَّعُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ ضَرَبَ أَبَاهُمْ فُلَانًا عَمْدًا وَمَاتَ بِالْوَكْزِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَبِيهِمْ وَصَارَتْ مِيرَاثًا لَهُمْ وَأَنَّهُ كَانَ مُنْكِرًا لِدَعْوَاهُمْ هَذِهِ قِبَلَهُ فَابْرُؤْهُ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى وَعَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ كُلِّهَا إبْرَاءً صَحِيحًا وَأَنَّهُ قَبِلَ مِنْهُمْ هَذَا الْإِبْرَاءَ قَبُولًا صَحِيحًا وَيُتِمُّ الْكِتَابَ.
(وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدَّعِي عَلَى وَرَثَةِ هَذَا الْمَيِّتِ أَنَّهُمْ أَخَذُوهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الدَّعْوَى بِغَيْرِ حَقٍّ ثُمَّ أَبْرَأَهُمْ عَنْ دَعْوَاهُ هَذِهِ قِبَلَهُمْ) يَكْتُبُ أَقَرَّ فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ فِي حَالِ جَوَازِ إقْرَارِهِ طَائِعًا أَنَّهُ أَبْرَأَ أَوْلَادَ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ عَنْ دَعْوَاهُ قِبَلَهُمْ أَنَّهُمْ أَخَذُوهُ بِغَيْرِ حَقٍّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدَّعُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ ضَرَبَ أَبَاهُمْ عَمْدًا بِالْوَكْزِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَنَّ أَبَاهُمْ مَاتَ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ وَجَبَتْ دِيَتُهُ عَلَيْهِ وَصَارَتْ مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ يُعْتَمَدُ بِهَا عَلَيْهِ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُمْ هَذِهِ قِبَلَهُ فَأَخَذُوهُ بِأَصْحَابِ السُّلْطَانِ دَرَاهِمَ كَثِيرَةً بِإِجْعَالِهِمْ وَغَيْرِهَا فَأَبْرَأَهُمْ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى إبْرَاءً صَحِيحًا وَأَنَّهُمْ قَبِلُوهُ مِنْهُ قَبُولًا صَحِيحًا وَيُتِمُّ الْكِتَابَ.
(بَرَاءَةُ غَرِيمٍ فِي تَرِكَةٍ) هَذَا مَا شَهِدَ إلَى قَوْلِنَا إنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ وَخَلَّفَ مِنْ الْوَرَثَةِ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَأَنَّ فُلَانًا مِنْ جُمْلَةِ هَؤُلَاءِ وَصِيُّ فُلَانٍ فِي هَذَا الْمَالِ لِيَرْجِعَ بِهِ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ وَأَنَّهُ اقْتَضَى مِنْهُ جَمِيعَ هَذَا الْمَالِ وَاسْتَوْفَاهُ بِتَمَامِهِ وَهُوَ كَذَا بِدَفْعِ فُلَانٍ ذَلِكَ إلَيْهِ قَضَاءً عَنْ وَالِدِهِ فُلَانٍ لِيَرْجِعَ فِي تَرِكَتِهِ وَأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ كُلَّ دَرْكٍ يُدْرِكُهُ بِهَذَا السَّبَبِ مِنْ قِبَلِهِ وَسَبَبِهِ عَلَى أَنْ يُخَلِّصَهُ أَوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا يُلْزِمُ الْحُكْمُ رَدَّهُ مِمَّا قَبَضَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِي تَرِكَةِ فُلَانٍ دَعْوَى وَيُتِمُّ الْكِتَابَ.
فَلَوْ صَالَحَهُ هَذَا الْوَارِثُ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ لَمْ يَرْجِعْ فِي التَّرِكَةِ إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى عَرْضٍ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِأَلْفٍ إذَا شَرَطَ الرُّجُوعَ بِأَلْفٍ وَإِنْ أَدَّى تَطَوُّعًا أَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: أَدَّيْتُ لَا رَجَعَ لَمْ يُصَدَّقُ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ.
(وَفِي قَبْضِ الْغَرِيمِ مِنْ الْوَصِيِّ وَالْوَصِيُّ أَدَّاهُ مِنْ التَّرِكَةِ) يَكْتُبُ كَمَا يَكْتُبُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَرَاءَةِ.
(الْإِبْرَاءِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) هَذَا مَا شَهِدَ إلَى قَوْلِنَا إنَّ فُلَانًا ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا فَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ الْقَوْدُ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا غَيْرَهُ ثُمَّ أَنَّهُ عَفَا عَنْهُ وَأَبْرَأَهُ عَنْ دَمِ ابْنِهِ فُلَانٍ وَمِمَّا وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ فَلَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا قِبَلَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَلَا دَعْوَى وَلَا طَلِبَةَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَمَتَى ادَّعَى عَلَيْهِ إلَى آخِرِهِ.
وَفِي الْخَطَأِ يَكْتُبُ: قَتَلَهُ خَطَأً لَمْ يَتَعَمَّدْهُ بِذَلِكَ فَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا غَيْرَهُ ثُمَّ إنَّهُ عَفَا عَنْهُ وَعَنْ عَاقِلَتِهِ إلَى آخِرِهِ..
وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ شَجَّ رَأْسَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ كَذَا فَعَفَا عَنْهُ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْوَاجِبِ وَفِي قَطْعِ السَّرِقَةِ لَا يَذْكُرُ الْعَفْوَ لَكِنْ يَقُولُ: ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ حِرْزِهِ كَذَا دِرْهَمًا وَكَذَا قِيمَتُهُ كَذَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ كَذَا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ فِي دَارِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ قَطْعُ الْيَدِ أَوْ يَكْتُبَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ اتَّهَمَهُ بِذَلِكَ بَاطِلًا وَلَمْ يَسْرِقْ مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا ادَّعَى قِبَلَهُ فَمَتَى ادَّعَى إلَى آخِرِهِ.
(الْبَرَاءَةُ عَنْ الدَّعْوَى فِي مَحْدُودَةٍ) هَذَا مَا أَقَرَّ بِهِ فُلَانٌ أَنَّهُ كَانَ لَهُ دَعْوَى قِبَلَ فُلَانٍ فِي جَمِيعِ الضَّيْعَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى كَذَا وَيُبَيِّنُ مَوْضِعَهَا وَحُدُودَهَا ثُمَّ يَقُولُ: إنَّهَا بِحُدُودِهَا وَحُقُوقِهَا كُلِّهَا مِلْكُهُ وَحَقُّهُ وَفِي يَدِ فُلَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمَهَا إلَيْهِ بِحَقِّ هَذِهِ الدَّعْوَى، ثُمَّ إنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي هَذِهِ الضَّيْعَةِ بِعَيْنِهَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ بَعْدَ هَذَا الْإِبْرَاءِ حَقٌّ فِي كُلِّ هَذِهِ الضَّيْعَةِ بِعَيْنِهَا وَلَا خُصُومَةَ، وَأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى هَذَا أَوْ وَاحِدٌ مِمَّنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَى آخِرِهِ وَيُتِمُّ الْكِتَابَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

.الْفَصْلُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الرَّهْنِ:

أَقَرَّ فُلَانٌ طَائِعًا فِي حَالِ جَوَازِ صِحَّتِهِ وَثَبَاتِ عَقْلِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ لَا عِلَّةَ بِهِ تَمْنَعُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ وَفِي ذِمَّتِهِ كَذَا دِرْهَمًا قَرْضًا حَالًّا أَوْ ثَمَنَ كَذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ أَوْ غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً مُسْتَهْلَكَةً أَوْ ضَمَانَ إتْلَافِ كَذَا أَوْ مِنْ حَوَالَةِ فُلَانٍ أَوْ عَنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ، وَأَنَّهُ رَهَنَ بِهَذَا الدَّيْنِ هَذَا الطَّالِبُ جَمِيعَ الدَّارِ الَّتِي هِيَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَيَحُدُّهَا بِحُدُودِهَا وَحُقُوقِهَا كُلِّهَا رَهْنًا صَحِيحًا مَقْبُوضًا مَحُوزًا مُفْرَغًا وَدَفَعَهَا إلَيْهِ وَقَبَضَهَا مِنْهُ بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا؛ فَهِيَ فِي يَدِهِ مَحْبُوسَةٌ بِدَيْنِهِ هَذَا لَا سَبِيلَ إلَى هَذَا الرَّاهِنِ إلَى افْتِكَاكِهِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ وَصَدَّقَهُ هَذَا الْمُقِرُّ لَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُشَافَهَةً وَأَشْهَدَا فَإِنْ كَانَ فِيهِ جَعَلَهُ وَكِيلًا أَوْ أَمِينًا فِي بَيْعِهِ كُتِبَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمُرْتَهِنَ وَكِيلٌ فِي بَيْعِ ذَلِكَ بِكَذَا غُرَّةَ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ.
كَذَا إنْ لَمْ يَدْفَعْ هَذَا الرَّاهِنُ هَذَا الْمَالَ إلَى هَذَا الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يُقْبِضْهُ هَذَا الدَّيْنَ يَبِيعُهُ وَيَبِيعُ مَا شَاءَ مِنْهُ بِأَيِّ ثَمَنٍ شَاءَ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ قَضَاءً لِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِثْلَ دَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَلَى هَذَا الدَّيْنِ رَدَّهُ عَلَى هَذَا الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا لَهُ عَلَى هَذَا الرَّاهِنِ عَلَى حَالِهِ يُطَالِبُهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ جَعَلَ بَيْعَهُ إلَى غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ كَتَبَ عَلَى أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَكِيلُهُ فِي بَيْعِهِ أَوْ يَقُولُ أَمِينُهُ عَلَى بَيْعِهِ وَقْتَ كَذَا فَيَبِيعُهُ وَيَبِيعُ مَا يَشَاءُ مِنْهُ وَيَقْبِضُ مِنْهُ ثَمَنَهُ وَيَقْبِضُهُ هَذَا الْمُرْتَهِنُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ إلَى آخِرِهِ كَالْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَرْطٌ جَعَلَ الرَّهْنَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ كَتَبْت بَعْدَ قَوْلِك رَهْنًا صَحِيحًا مَقْبُوضًا مَحُوزًا مُفْرَغًا.
ثُمَّ إنَّ هَذَا الرَّاهِنَ وَهَذَا الْمُرْتَهِنَ تَرَاضَيَا أَنْ يَجْعَلَا هَذَا الرَّهْنَ عَلَى يَدِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ يَكُونُ عَدْلًا بَيْنَهُمَا أَمِينًا فِي قَبْضِهِ وَقَدْ دَفَعَ هَذَا الرَّاهِنُ هَذَا الرَّهْنَ إلَى هَذَا الْعَدْلِ فَقَبَضْته مِنْهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ فَارِغًا عَنْ كُلِّ مَانِعٍ أَوْ مُنَازِعٍ وَضَامِنٌ هَذَا الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ عَدْلٌ بَيْنَهُمَا أَمِينٌ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَرْطُ بَيْعِ الْعَدْلِ كَتَبْت هَهُنَا وَجَعَلَاهُ أَمِينًا فِي بَيْعِهِ غُرَّةَ شَهْرِ كَذَا وَفِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ يَكْتُبُ هَهُنَا عِنْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ وَيَقْبِضَ ثَمَنَهُ وَيُدْفَعَ إلَى فُلَانٍ ذَلِكَ قَضَاءً لِدَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رَدَّهُ عَلَى هَذَا الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ فَبَقِيَّةُ الدَّيْنِ عَلَى هَذَا الرَّاهِنِ عَلَى حَالِهَا يُطَالِبُهُ بِهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.(كِتَابُ رَهْنِ الدَّارِ بِالدَّيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ):

هَذَا مَا رَهَنَ فُلَانٌ فُلَانًا جَمِيعَ دَارِهِ الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَيَحُدُّهَا رَهَنَهُ هَذِهِ الدَّارَ بِحُدُودِهَا وَحُقُوقِهَا بِكَذَا دِرْهَمٍ كَانَتْ لِهَذَا الْمُرْتَهِنِ عَلَى هَذَا الرَّاهِنِ حَقًّا وَاجِبًا وَدَيْنًا لَازِمًا بِسَبَبٍ صَحِيحٍ رَهْنًا جَائِزًا نَافِذًا لَا فَسَادَ فِيهِ وَلَا خِيَارَ، وَيَذْكُرُ الْقَبْضَ وَالْإِشْهَادَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.(كِتَابُ مَنْ جَانَبَ الْمُرْتَهِنَ فِي هَذَا):

هَذَا مَا ارْتَهَنَ فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ جَمِيعَ دَارِهِ إلَى قَوْلِنَا بِدَيْنٍ كَانَ لِهَذَا الْمُرْتَهِنِ عَلَى هَذَا الرَّاهِنِ وَهُوَ كَذَا دِرْهَمًا ارْتِهَانًا صَحِيحًا جَائِزًا نَافِذًا إلَى آخِرِهِ فَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ فِيهِ بِالِانْتِفَاعِ كَتَبْت وَقَدْ أَذِنَ هَذَا الرَّاهِنُ لِهَذَا الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْكُنَ هَذِهِ الدَّارَ بِنَفْسِهِ وَيُسْكِنَهَا مَنْ شَاءَ وَيَنْتَفِعَ بِهَا عَلَى مَا أَحَبَّ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَانَ فِي هَذَا الرَّهْنِ أَوْ أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كُلَّمَا نَهَاهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى مَا وُصِفَ فِيهِ فَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ إذْنًا مُسْتَقْبَلًا مَا لَمْ يَقْبِضْ هَذَا الرَّاهِنُ وَأَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ هَذَا الدَّيْنَ وَقَبِلَ هَذَا الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ مِنْهُ مُوَاجَهَةً وَيُتِمُّ الْكِتَابَ.
(الْإِقْرَارُ بِرَهْنٍ مَنْقُولٍ) أَقَرَّ فُلَانٌ طَائِعًا أَنَّهُ رَهَنَ عَبْدَهُ فُلَانًا اسْمُهُ كَذَا وَصِفَتُهُ كَذَا وَقِيمَتُهُ كَذَا بِمَا وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ كَذَا رَهْنًا مَقْبُوضًا صَحِيحًا، عَلَى أَنْ يَحْفَظَ الرَّهْنَ هَذَا الْمُرْتَهِنُ بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عِيَالِهِ، وَيَحْبِسَهُ بِدَيْنِهِ وَلَا يَسْتَعْمِلَهُ وَلَا يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ وَلَا يَسْتَهْلِكَهُ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ ضَيَّعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَصَدَّقَهُ هَذَا الْمُرْتَهِنُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَصْدِيقًا صَحِيحًا وَيُتِمُّ الْكِتَابَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْفَصْلُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْأَوْقَافِ):

هَذَا الْفَصْلُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعٍ:
(النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي اتِّخَاذِ الْمَسْجِدِ):
يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا اتَّخَذَ دَارِهِ لِلْمُسْلِمِينَ مَسْجِدًا وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ إلَى الْمُتَوَلِّي وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ فَصَلَّى فِيهِ قَوْمٌ بِجَمَاعَةٍ يَصِيرُ مَسْجِدًا بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي سَائِرِ الْأَوْقَافِ وَالتَّسْلِيمُ شَرْطٌ لِصَيْرُورَتِهِ مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَيْسَ بِشَرْطٍ غَيْرَ أَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ عِنْدَهُمَا بِطَرِيقَتَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي.
وَالثَّانِي: بِالصَّلَاةِ فِيهِ، ثُمَّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِيهِ إذَا صَلَّى الْوَاقِفُ فِيهِ أَوْ صَلَّى غَيْرُهُ فِيهِ بِجَمَاعَةٍ أَوْ بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ يَصِيرُ مَسْجِدًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا إلَّا إذَا صَلَّى فِيهِ بِجَمَاعَةٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إذَا جَعَلَهُ عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ يَصِيرُ مَسْجِدًا وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ.
هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فِي شَرْحِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي شُرُوطِهِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُشْتَرَطُ لِصَيْرُورَتِهِ مَسْجِدًا التَّسْلِيمُ إلَى الْمُتَوَلِّي وَالصَّلَاةُ فِيهِ بِجَمَاعَةٍ.
وَعِنْدَهُمَا إذَا جَعَلَهُ عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ صَارَ مَسْجِدًا، فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَكْتُبُوا فِي ذَلِكَ كِتَابًا كَيْفَ يَكْتُبُونَ فَنَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- كِتَابَةَ هَذَا النَّوْعِ فِي شُرُوطِ الْأَصْلِ وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ وَالْخَصَّافُ يَكْتُبَانِ هَذَا مَا جَعَلَ فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ وَبَدَنِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ طَائِعًا رَاغِبًا جَعَلَ فُلَانٌ هَذَا جَمِيعَ الدَّارِ هِيَ مِلْكُهُ وَفِي يَدِهِ وَأَبُو زَيْدٍ الشُّرُوطِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- كَانَ يَكْتُبُ هَذَا مَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ الْمُسَمَّوْنَ آخِرَ هَذَا الْكِتَابِ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالُوا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ هَذَا كِتَابٌ مِنْ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْأَرْضِ مَسْجِدًا تَحْرِيرٌ لِلْأَرْضِ فَيُعْتَبَرُ بِإِعْتَاقِ الْعَبْدِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- كَانُوا يَكْتُبُونَ هَذَا كِتَابٌ مِنْ فُلَانٍ فَهَهُنَا كَذَلِكَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَتَبُوا عَلَى نَحْوِ مَا يَكْتُبُهُ أَبُو زَيْدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فَكَتَبُوا هَذَا مَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ الْمُسَمَّوْنَ آخِرَ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُمْ.
وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى إقْرَارِهِ فِي حَالِ صِحَّةِ بَدَنِهِ وَقِيَامِ عَقْلِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ لَهُ وَعَلَيْهِ لَا عِلَّةَ بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ يَمْنَعُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ أَنَّهُ جَعَلَ جَمِيعَ أَرْضِهِ أَوْ دَارِهِ الَّتِي هِيَ مِلْكُهُ وَفِي يَدَيْهِ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ، وَقَدْ جَعَلَهَا عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ وَهِيَ فِي كُورَةِ كَذَا فِي مَحَلَّةِ كَذَا فِي سِكَّةِ كَذَا، وَيَشْمَلُ عَلَيْهَا الْحُدُودُ الْأَرْبَعَةُ جَعَلَ هَذِهِ الْبُقْعَةَ الْمَوْصُوفَةَ الْمَحْدُودَةَ فِيهِ بِحُدُودِهَا وَجَمِيعِ الْبِنَاءِ الْقَائِمِ فِيهَا وَهِيَ مُفْرَغَةٌ لَا شَيْءَ فِيهَا مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى طَلَبًا لِثَوَابِهِ وَهَرَبًا مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ مِلْكِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَجَعَلَهَا لَهُ بَيْتًا وَلَهُ مَسْجِدًا لِيُصَلُّوا فِيهَا الْمَكْتُوبَاتِ وَالنَّوَافِلَ وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ أَنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ وَيَعْتَكِفُونَ فِيهِ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَدْرُسُ الْعِلْمَ فِيهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَلَا يُغْلَقُ بَابُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَقَدْ أَذِنَ لَهُمْ بِذَلِكَ كُلِّهِ.
وَأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ إذْنِهِ إيَّاهُمْ بِذَلِكَ دَخَلُوهَا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَة بِالْجَمَاعَةِ فِيهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ بِمُعَايَنَتِهِمْ فَصَارَ جَمِيعُ هَذِهِ الْبُقْعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى بَيْتًا وَلِعِبَادِهِ مُصَلًّى وَمَعْبَدًا لَا مِلْكَ لِهَذَا الْمُقِرِّ فِيهَا وَلَا حَقَّ لَهُ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا لِمَنْ سِوَاهُ مِنْ النَّاسِ لَا فِي أَصْلِهَا وَلَا فِي بِنَائِهَا وَلَا سَبِيلَ لَهُ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ عَلَى إبْطَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا عَلَى تَغْيِيرِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ الْقَوْمَ الَّذِينَ أَثْبَتُوا أَسَامِيَهُمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ كَذَا، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ فِي هَذَا الصَّكِّ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ وَلَكِنْ كَتَبَ فِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْمُتَصَدِّقُ جَمِيعَ هَذَا الْمَسْجِدِ مِنْ يَدِهِ إلَى فُلَانٍ فَقَبَضَهُ فُلَانٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِيَكُونَ فِي يَدِهِ عَلَى مَا جَعَلَهُ هَذَا الْمُتَصَدِّقُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ فَارِغًا مِنْ مَوَانِعِ التَّسْلِيمِ فَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي يَدِ هَذَا الْمُتَوَلِّي عَلَى مَا جَعَلَهُ هَذَا الْمُتَصَدِّقُ لَهُ وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إلَى آخِرِهِ كَفَاهُ وَالْمَكْتُوبُ الْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَأَصَحُّ.
(نَوْعٌ آخَرُ فِي اتِّخَاذِ الرِّبَاطِ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ فِيهِ وَالسَّيَّارَةِ) فَنَقُولُ: ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَلْزَمُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَوْقَافِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- يَجُوزُ، وَإِنْ أَرَادَ كِتَابَتَهُ يَكْتُبُ فِيهِ هَذَا مَا وَقَفَ وَتَصَدَّقَ أَوْ يَكْتُبُ هَذَا الْكِتَابُ أَنَّ فُلَانًا جَعَلَ جَمِيعَ الرِّبَاطِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْمَنَازِلِ وَالْغُرَفِ وَالسَّاحَةِ وَالْمَرَابِطِ الَّذِي فِي مَوْضِعِ كَذَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً مَقْبُوضَةً صَحِيحَةً نَافِذَةً جَائِزَةً تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ وَابْتِغَاءً لِمَرْضَاتِهِ لَا فَسَادَ فِيهَا وَلَا رَجْعَةَ وَلَا مَثْنَوِيَّةَ وَلَا تَلْجِئَةَ وَلَا مُوَاعَدَةَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُمْلَكُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا يُتْلَفُ بِوَجْهِ تَلَفٍ قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا مَاضِيَةً عَلَى حَالِ سَبِيلِهَا إلَى أَنْ يَرِثَهَا اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي يَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ مَنَازِلَ وَمَسَاكِنَ لِلسَّيَّارَةِ وَالْمَارَّةِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ فِي إنْزَالِ مَنْ يَنْزِلُهَا وَيَسْكُنُهَا إلَى الْقَوَّامِ بِهَا أَبَدًا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَزَمَانٍ يُسْكِنُونَ مَنْ أَحَبُّوا وَيُزْعِجُونَ مَنْ أَحَبُّوا عَلَى مَا يَكُونُ أَصْلَحَ وَأَوْفَقَ لِهَذِهِ الصَّدَقَةِ وَالتَّخْصِيصُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ.
فَإِنْ كَانَ شَرْطُ الْوَاقِفِ أَنْ يَنْزِلَهَا الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْزِلَهَا الْكُفَّارُ يَكْتُبُ عَلَى أَنَّ سُكْنَاهَا لِلْمُسْلِمِينَ يَنْزِلُهَا الْمُسْلِمُونَ وَلَا يُمَكِّنَ الْكُفَّارَ مِنْ النُّزُولِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ شَرَطَ نُزُولَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا غَيْرُ يَكْتُبُ عَلَى أَنَّ سُكْنَاهَا لِأَهْلِ الْعِلْمِ الْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ شَرَطَ نُزُولَ أَهْلِ الْقُرْآنِ أَوْ الْقِرَاءَةِ يَكْتُبُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدْ وَقَفَ لِعِمَارَةِ الرِّبَاطِ وَقْفًا آخَرَ يُجِيرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَفَ لِذَلِكَ وَقْفًا آخَرَ يَكْتُبُ عَلَى أَنَّ لِلْقَوْمِ أَبَدًا أَنْ يُؤَاجِرُوا مِنْ مَنَازِلِهَا وَمَرَابِطِهَا بِقَدْرِ مَا يَعْمُرُونَهَا مِنْ غَلَّتِهَا، فَإِذَا عَمَّرُوهَا رُدَّتْ إلَى مَا جَعَلَهَا عَلَيْهِ هَذَا الْوَقْفِ عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ فِي اخْتِيَارِ مَا يُؤَاجِرُونَهُ إلَى الْقَوَّامِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فَالْعِمَارَةُ عَلَى مَا يَسْكُنُهَا، ثُمَّ يَكْتُبُ وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْوَاقِفُ هَذَا الْمَوْقُوفَ مِنْ يَدِهِ وَأَفْرَزَهُ مِنْ مَالِهِ وَسَلَّمَهَا إلَى فُلَانٍ بَعْدَمَا جَعَلَهُ مُتَوَلِّيًا لِذَلِكَ لِيُوَلِّيَهَا عَلَى سَبِيلِهَا مَا شَاءَ وَيُوَلِّيَهَا مَنْ أَحَبَّ مِمَّنْ يَصْلُحُ لَهَا، وَيُوصِيَ بِهَا إلَى مَنْ أَحَبَّ وَقَبَضَهَا عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ بِتَسْلِيمِ جَمِيعِ ذَلِكَ إلَيْهِ فَارِغًا مِنْ مَوَانِعِ التَّسْلِيمِ وَهِيَ فِي يَدِ هَذَا الْمُتَوَلِّي عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُسَمَّاةِ فِيهِ لَا يَحِلُّ لِوَالٍ أَوْ قَاضٍ وَلَا قَيِّمٍ وَلَا ذِي سُلْطَانٍ تَغْيِيرُ ذَلِكَ عَنْ وَجْهِهِ وَلَا تَبْدِيلُ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ بَاءَ بِإِثْمِهِ وَتَعَرَّضَ لِسَخَطِ رَبِّهِ وَاَللَّهُ حَسْبُهُ وَكَافِيهِ وَمُجَازِيهِ، وَلِلْوَاقِفِ أَجْرُهُ عَلَى مَا نَوَى وَأَمْضَى وَقَدْ حَكَمَ حَاكِمٌ عَدْلٌ نَافِذُ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِجَوَازِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَلُزُومِهَا عَلَى وَجْهِهَا بِخُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ جَرَتْ بَيْنَ هَذَا الْوَقْفِ وَبَيْنَ خَصْمٍ فِيهِ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِجَوَازِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَلُزُومِهَا بِحَضْرَتِهِ وَمَسْأَلَتِهِ عَمَلًا بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ مَجْمُوعَةً مِنْ الْعُدُولِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا أَسَامِيَهُمْ آخِرَ هَذَا الْكِتَابِ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ كَذَا.
(نَوْعٌ آخَرُ فِي اتِّخَاذِ الْمَقْبَرَةِ) فَنَقُولُ: ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَلْزَمُ حَتَّى كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَرَوَى الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ الْمَيِّتُ وَيَرْجِعُ فِيمَا سِوَاهُ، وَحُكِيَ عَنْ الْحَاكِمِ أَبِي نَصْرٍ الْمَهْرَويِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: وَجَدْت فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ جَازَ وَقْفُ الْمَقْبَرَةِ وَالطَّرِيقِ دُونَ سَائِرِ الْأَوْقَافِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ يَجُوزُ وَقْفُ الْمَقْبَرَةِ وَاشْتِرَاطُ التَّسْلِيمِ فِيهَا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ وَالتَّسْلِيمِ فِيهَا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي أَوْ بِدَفْنِ الْمَوْتَى فَإِنْ أَرَادَ كِتَابَتَهُ يَكْتُبُ أَنَّ فُلَانًا جَعَلَ أَرْضَهُ وَيَذْكُرُ مَوْضِعَهَا وَحُدُودَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً صَدَقَةً وَقْفًا صَحِيحًا جَائِزًا نَافِذًا إلَى قَوْلِنَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَجَعَلَهَا مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ يَدْفِنُونَ فِيهَا مَوْتَاهُمْ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَأَوَانٍ أَبَدًا لَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا وَقَدْ أَذِنَ لِلنَّاسِ أَنْ يَدْفِنُوا فِيهَا مَوْتَاهُمْ فَدَفَنَ طَائِفَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا مَوْتَاهُمْ بَعْدَمَا عَلِمُوا بِسَبِيلِهَا وَأَذِنَ لَهُمْ بِالدَّفْنِ فِيهَا فَصَارَتْ مَقْبَرَةَ الْمُسْلِمِينَ مَقْبُوضَةً لَهُمْ عَلَى مَا جَعَلَهَا الْوَاقِفُ.
وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فَدَفَنَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا مَوْتَاهُمْ وَإِنَّمَا كَتَبَ وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْمُتَصَدِّقُ هَذِهِ الْأَرْضَ مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهَا فِي يَدِ فُلَانٍ الْمُتَوَلِّي لِتَكُونَ فِي يَدِهِ عَلَى مَا جَعَلَهَا هَذَا الْوَاقِفُ؛ كَفَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا وَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ حَتَّى يَصِيرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إبْطَالِهِ وَوَجْهُ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُرْفَعَ الْمَالِكُ مِنْ دَفْنِ مَيِّتِهِ فِيهِ وَيُسْأَلُ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِتَفْرِيغِ أَرْضِهِ لِمَا أَنَّ هَذَا الْوَقْفَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَيَأْمُرُ الْقَاضِي الْمَالِكَ بِقَصْرِ يَدِهِ عَنْهُ وَيْحُكُمْ بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ وَلُزُومِهِ فَيَكْتُبُ الْكَاتِبُ وَقَدْ حَكَمَ حَكَمٌ عَدْلٌ نَافِذُ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِجَوَازِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَلُزُومِهَا عَلَى وَجْهِهَا بَعْدَ خُصُومَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ جَرَتْ فِيهَا بَيْنَ هَذَا الْوَاقِفِ وَبَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ دَفَنُوا مَوْتَاهُمْ فِيهَا لَمَّا أَرَادَ الْوَاقِفُ هَذَا الرُّجُوعَ عَنْ وَقْفِهَا أَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ لَازِمًا فَحَكَمَ عَلَى الْوَاقِفِ هَذَا بِلُزُومِهِ فِي وَجْهِهِ بِحَضْرَةِ خَصْمِهِ إذْ رَآهُ لَازِمًا وَوَقَعَ اجْتِهَادُهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَكْتُبُ وَلَا يَحِلُّ لِوَالٍ وَلَا لِقَاضٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا.
(نَوْعٌ آخَرُ فِي جَعْلِ الْأَرْضِ طَرِيقًا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ) فَنَقُولُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ وَعَلَى مَا حَكَيْنَا عَنْ الْحَاكِمِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ عَلَى الْوِفَاقِ وَطَرِيقُ كِتَابَتِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا غَيْرَ أَنَّهُ يَكْتُبُ هَهُنَا وَقَفَ عَلَى أَرْضِهِ عَلَى أَنْ تَكُونَ طَرِيقًا لِعَامَّةِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَالطَّرِيقُ فِي هَذَا نَظِيرُ الرِّبَاطِ بِخِلَافِ الْمَقْبَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ فِي مَقْبَرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(نَوْعٌ آخَرُ فِي اتِّخَاذِ الْقَنْطَرَةِ) وَطَرِيقُ كِتَابَتِهِ هَذَا مَا شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا جَعَلَ قَنْطَرَتَهُ الَّتِي بَنَاهَا عَلَى نَهْرِ كَذَا أَوْ عَلَى وَادِي كَذَا وَيَكْتُبُ بِإِذْنِ سُلْطَانِ الْوَقْتِ إنْ كَانَ الْوَادِي أَوْ النَّهْرُ لِلْعَامَّةِ، وَإِنْ كَانَ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ يَكْتُبُ بِإِذْنِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَإِنْ كَانَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ يَكْتُبُ بِإِذْنِ فُلَانٍ وَيُبَيِّنُ أَنَّهَا مِنْ خَشَبٍ أَوْ آجُرٍّ وَيُبَيِّنُ أَنَّهَا عَلَى طَاقٍ أَوْ طَاقَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ طَاقَاتٍ لِيَكُونَ طَرِيقَ الْمُرُورِ لِعَامَّةِ النَّاسِ إلَى آخِرِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
(نَوْعٌ آخَرُ فِي جَعْلِ الْخَيْلِ وَمَتَاعِهِ وَسِلَاحِهِ لِلسَّبِيلِ) يَكْتُبُ فِيهِ وَجَعَلَ جَمِيعَ خَيْلِهِ وَهِيَ كَذَا وَكَذَا وَجَمِيعَ سِلَاحِهِ وَهُوَ كَذَا وَقْفًا مُؤَبَّدًا حَبْسًا جَائِزًا قَائِمَةً عَلَى حَالِهَا عِدَّةً لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى يَسْتَعْمِلُهَا أَهْلُ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ وَقْتٍ وَزَمَانٍ عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ فِي الدَّفْعِ وَالْأَخْذِ لِلْقَوَّامِ عَلَيْهَا أَبَدًا إلَى مَنْ أَحَبُّوا مِنْ مُسْتَعْمَلِيهَا كَيْفَمَا شَاءُوا وَكُلَّمَا شَاءُوا وَيَذْكُرُ عَلَى أَنْ لَا يَقُومَ عَلَيْهِ أَبَدًا إلَّا الْمَعْرُوفُ بِصَلَاحِهِ وَعَفَافِهِ، عَلَى أَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ مِنْهَا شَيْءٌ لِمَرَضٍ أَوْ فَسَادٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَصْلُحُ لِلْجِهَادِ بَاعَهُ الْقَيِّمُ وَاسْتَبْدَلَ بِقِيمَتِهِ غَيْرَهُ مِمَّا يَصْلُحُ مِنْ الْجِهَادِ كُلُّ قَيِّمٍ كَانَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَزَمَانٍ يَسْتَبْدِلُ مَا لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِلْجِهَادِ وَيَحْبِسُهُ عِنْدَ نَفْسِهِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، عَلَى هَذَا يَجْرِي أَمْرُهَا وَيُتِمُّ الْكِتَابَ وَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، وَعَلَى هَذَا الْعَوَامِلُ وَالْحَوَامِلُ مِنْ الدَّوَابِّ وَالنِّعَمِ إذَا سَبَّلَهَا لِحَمْلِ أَثْقَالِ أَهْلِ الْجِهَادِ وَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ لَهُمْ وَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ إذَا سَبَّلَهُمْ لِخِدْمَةِ أَهْلِ الْجِهَادِ فَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَطَرِيقُ كِتَابَتِهِ أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَوْلِنَا: قَائِمَةً عَلَى حَالِهَا عُدَّةً لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُحْمَلُ عَلَيْهَا أَثْقَالُ أَهْلِ الْجِهَادِ وَفِي اسْتِسْقَاءِ الْمَاءِ يَكْتُبُ يُسْتَسْقَى بِهَا الْمَاءُ لِأَهْلِ الْجِهَادِ، وَفِي الْعَبِيدِ يَكْتُبُ يَخْدُمُونَ أَهْلَ الْجِهَادِ وَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ.
وَأَمَّا إذَا سَبَّلَ شِيَاهًا مِنْ الْأَنْعَامِ لِيُتَصَدَّقَ بِأَلْبَانِهَا وَأَوْلَادِهَا وَأَصْوَافِهَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَحْمَدُ السَّمَرْقَنْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي شُرُوطِهِ لَمْ يُسْمَعْ فِي وَقْفِهَا قَوْلًا لِأَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ:
قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا أَوْصَى بِمَا فِيهِ مِنْ بُطُونِ غَنَمِهِ أَوْ بِأَصْوَافِهَا أَوْ أَلْبَانِهَا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَلَيْسَتْ الْوَصِيَّةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالْوَصِيَّةِ بِغَلَّةِ الْبُسْتَانِ وَثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَقْفَ النَّعَمِ لِلتَّصَدُّقِ بِأَلْبَانِهَا وَأَصْوَافِهَا وَأَوْلَادِهَا لَا يَجُوزُ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إذَا وَقَفَ بَقَرَةً عَلَى رِبَاطٍ عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ لَبَنِهَا وَسَمْنِهَا يُعْطَى لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِهِمْ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ جَائِزًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ جَرَى التَّعَارُفُ بِذَلِكَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَطَرِيقُ الْكِتَابَةِ فِي ذَلِكَ هَذَا مَا وَقَفَ فُلَانٌ كَذَا عَدَدًا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ كَذَا عَدَدًا مِنْ الْبَقَرِ أَوْ كَذَا عَدَدًا مِنْ الْغَنَمِ وَقْفًا مُؤَبَّدًا حَبْسًا جَائِزًا نَافِذًا لَا فَسَادَ فِيهِ وَلَا رَجْعِيَّةَ وَلَا مَثْنَوِيَّةَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ إلَى آخِرِهِ عَلَى أَنَّ مَا يُحَصَّلُ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَصْوَافِهَا وَأَوْلَادِهَا يُصْرَفُ إلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَيِّمِ يُعْطِي مِنْ شَاءَ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَأَيَّ قَدْرٍ شَاءَ وَسَلَّمَ ذَلِكَ كُلَّهُ إلَى فُلَانٍ بَعْدَ مَا جَعَلَهُ مُتَوَلِّيًا فِي ذَلِكَ وَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ.
(نَوْعٌ آخَرُ فِي وَقْفِ الْعَقَارَاتِ) وَأَنَّهُ عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ فَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ صَدَقَةً لِلْمَسَاكِينِ فِي حَيَاتِهِ وَبِهِ بَدَأَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَفِي بَابِ الْوَقْفِ فِي شُرُوطِ الْأَصْلِ قَالَ قُلْت: أَرَأَيْت إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ فِي حَيَاتِهِ صَدَقَةً لِلْمَسَاكِينِ هَلْ يَجُوزُ قَالَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إنْ مَاتَ وَهُوَ فِي يَدِهِ يَصِيرُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْوَقْفُ حَبْسُ الْأَصْلِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ وَالثَّمَرَةِ وَمَنْفَعَةِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ فَكَانَ كَالْعَارِيَّةِ وَالْعَارِيَّةُ جَائِزَةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَلَوْ مَاتَ الْمُعِيرُ تَصِيرُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ فَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ قُلْت فَهَلْ فِي ذَلِكَ حِيلَةٌ حَتَّى تَجُوزَ هَذِهِ الصَّدَقَةُ وَلَا يَكُونَ لِأَحَدٍ نَقْضُهَا قَالَ إنْ نَقَضَ السُّلْطَانُ أَوْ وَارِثٌ هَذِهِ الصَّدَقَةَ فَهِيَ وَصِيَّةٌ مِنْ ثُلُثَيْنِ يُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَيَحْصُلُ الصِّيَانَةُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُرِيدُ إبْطَالَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهَذَا الْإِبْطَالِ شَيْئًا فَلَا يُبْطِلُهَا، ثُمَّ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي تَعْلِيمِ الْحِيلَةِ يَقُولُ فَهِيَ وَصِيَّةٌ مِنْ ثُلُثٍ يُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَمْ يَقُلْ يَقُولُ فَهِيَ وَقْفٌ وَصَدَقَةٌ بَعْدَ وَفَاتِي فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ الْمُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ جَائِزًا لَازِمًا عِنْدَهُ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ.
كَانَ الْوَقْفُ الْمُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ وَمِنْ مَذْهَبِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيُبْطِلُهَا فَقَالَ مَا قَالَ تَحَرُّزًا عَنْ قَوْلِهِ قُلْت: فَكَيْفَ يَكْتُبُ؟ قَالَ: يَكْتُبُ هَذَا مَا عَهِدَ فُلَانٌ فِي حَيَاتِهِ عَهِدَ أَنَّهُ جَعَلَ دَارِهِ الَّتِي فِي بَنِي فُلَانٍ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَكَذَا كَانَ يَكْتُبُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَالطَّحَاوِيُّ وَالْخَصَّافُ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- كَانَا يَكْتُبَانِ هَذَا مَا تَصَدَّقَ بِهِ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَأَبُو زَيْدٍ الشُّرُوطِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- كَانَ يَكْتُبُ هَذَا مَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ الْمُسَمَّوْنَ آخِرَ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ فُلَانًا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ دَارِهِ، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ كَانَ يَكْتُبُ هَذَا كِتَابٌ مِنْ فُلَانٍ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَانُوا يَكْتُبُونَ هَذَا مَا وَقَفَ وَتَصَدَّقَ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَحَسَنٌ، وَلَمْ يَصِفْ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الدَّارَ بِكَوْنِهَا فَارِغَةً وَالطَّحَاوِيُّ وَالْخَصَّافُ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- كَانَا يَكْتُبَانِ وَهِيَ دَارٌ فَارِغَةٌ وَإِنَّهُ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ شَغْلَ الدَّارِ يَمْنَعُ جَوَازَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي شَرْطًا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِيَقَعَ التَّحَرُّزُ عَنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ قَالَ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إنَّمَا قَالَ هَذَا حَتَّى تَمْتَازَ هَذِهِ الصَّدَقَةُ عَنْ الصَّدَقَةِ الْمُقَيَّدَةِ.
وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ وَالْخَصَّافُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَكْتُبَانِ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُؤَبَّدَةً مُحَرَّمَةً مُحْتَبَسَةً بَتَّةً بَتَلَةً لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ وَلَا تُمْلَكُ بِوَجْهِ مِلْكٍ وَلَا تُتْلَفُ بِوَجْهِ تَلَفٍ قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا مَحْفُوظَةً عَلَى شُرُوطِهَا مُسْبَلَةً عَلَى سُبُلِهَا الْمُسَمَّاةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ حَتَّى يَرِثَهَا اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي لَهُ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ.
ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنْ لَا تُؤَاجَرَ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِأَنْ يُتَصَدَّقَ بِغَلَّتِهَا وَالتَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِجَارَةِ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الْإِجَارَةَ مُطْلَقَةً.
وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْإِطْلَاقُ إذَا أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ الْإِطْلَاقَ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَاجِرَ سَنَةً فَسَنَةً يَذْكُرُ فِي الصَّكِّ عَلَى أَنْ يُؤَاجِرَ سَنَةً فَسَنَةً وَلَا يُؤَاجِرَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا انْقَضَتْ سَنَةٌ يُؤَاجِرُ سَنَةً أُخْرَى، ثُمَّ يَكْتُبُ وَيُتَصَدَّقُ بِغَلَّتِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ التَّأْيِيدَ شَرْطُ صِحَّةِ الْوَقْفِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ يُتَصَدَّقُ بِغَلَّتِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ مُجِيزِي الْوَقْفِ وَعَلَى قَوْلِ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الصَّدَقَةِ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ الْمَسَاكِينِ فَالتَّصَدُّقُ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَبَّدُ، وَعِنْدَ عَامَّةِ مُجِيزِي الْوَقْفِ لَفْظَةُ الصَّدَقَةِ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ جِنْسِ الْمَسَاكِينِ حَيْثُ أَطْلَقَ وَلَمْ يُعَيَّنْ وَاحِدًا فَصَارَ كَأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْمَسَاكِينِ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الِاخْتِلَافِ.
وَإِنْ أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِغَلَّتِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمَسَاكِينِ وَمَسَاكِينِهِمْ يَكْتُبُ وَيُتَصَدَّقُ بِغَلَّتِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاكِينِهِمْ وَأَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ أَبَدًا عَلَى مَا يَرَى وَالِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ الَّذِي يَلِي يَوْمَئِذٍ مِنْ تَسْوِيَةِ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَمِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ بِوَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بَعْدَ أَنْ يَتَوَخَّى أَيْ أَنْ يَبْتَغِيَ وَيَطْلُبَ أَفْضَلَ ذَلِكَ مَوْضِعًا وَأَعْظَمَهُ أَجْرًا، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ يَبْدَأُ أَوَّلًا بِمَا يُحَصَّلُ مِنْ غَلَّتِهَا بِمَرَمَّتِهَا وَعِمَارَتِهَا وَإِصْلَاحِهَا بِمَا فِيهَا مِنْ الْمُسْتَزَادِ فِي غَلَّاتِهَا وَأُجُورِ الْقَوَّامِينَ وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، ثُمَّ مَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَعَامَّةِ أَهْلِ الشُّرُوطِ يَكْتُبُونَ يَبْدَأُ أَوَّلًا بِمَا حُصِّلَ مِنْ غَلَّتِهَا بِمَرَمَّتِهَا وَعِمَارَتِهَا وَإِصْلَاحِهَا وَمَا فِيهِ مِنْ الْمُسْتَزَادِ مِنْ غَلَّتِهَا وَأُجُورِ الْقَوَّامِ عَلَيْهَا، ثُمَّ مَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاكِينِهِمْ أَبَدًا إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً فَإِنَّهُ قَالَ: يُتَصَدَّقُ بِغَلَّتِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ أَبَدًا وَلَا يُمْكِنُ التَّصَدُّقُ بِغَلَّتِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ أَبَدًا إلَّا بَعْدَ عِمَارَتِهَا وَمَرَمَّتِهَا وَالثَّابِتُ اقْتِضَاءً وَالثَّابِتُ نَصًّا سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ عَامَّةَ أَهْلِ الشُّرُوطِ كَانُوا يَقُولُونَ: الثَّابِتُ نَصًّا أَقْوَى مِنْ الثَّابِتِ اقْتِضَاءً.
وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ يَكْتُبُونَ فِي الْأَرْضِ وَالْكَرْمِ وَأَدَاءَ خَرَاجِهَا وَمُؤْنَتِهَا الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْلَالَ بِدُونِهِ لَا يُمْكِنُ وَفِي الدَّارِ وَالْحَوَانِيتِ يَكْتُبُونَ وَأَدَاءَ مُؤْنَتِهَا وَالنَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ الْمُوَظَّفَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْخَرَاجِ، ثُمَّ يَكْتُبُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَرُدَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ.
وَالطَّحَاوِيُّ وَالْخَصَّافُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَزِيدَانِ عَلَى ذَلِكَ لِلتَّأْكِيدِ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ أَحَدٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ أَنْ يُغَيِّرَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَأَنْ يُبَدِّلَهَا وَأَنْ يُبْطِلَهَا وَأَنْ يُعِينَ أَحَدًا عَلَى نَقْضِهَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ بَاءَ بِإِثْمِهِ وَأَجْرُ فُلَانٍ يَعْنِي الْمُتَصَدِّقَ فِيمَا نَوَى مِنْ ذَلِكَ وَاحْتَسَبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكْتُبُ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَرُدَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ-
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَجُوزُ نَقْضُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَلَوْ نُقِضَتْ عَادَتْ إلَى مِلْكِ الْمَالِكِ كَمَا كَانَتْ وَلَا يَكُونُ آثِمًا فَتَكُونُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ كَذِبًا عَلَى قَوْلِهِ وَيَبْطُلُ بِهِ الْوَقْفُ لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ، ثُمَّ يَكْتُبُ بَعْدَ ذَلِكَ وَدَفَعَ فُلَانٌ الْمُتَصَدِّقُ هَذِهِ الدَّارَ إلَى فُلَانٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ بَعْدَ مَا جَعَلَهُ فِيهَا مُتَوَلِّيًا لِأُمُورِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَقَبَضَ فُلَانٌ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي شَرْطُ صِحَّةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَكْتُبْ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى أَنَّ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ مِنْ الْوُكَلَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ يَسْتَبْدِلُ بِهِمْ مَنْ شَاءَ وَأَحَبَّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ وَلَا الْمُتَوَلِّي أَنْ يُؤَكِّلَ غَيْرَهُ إلَّا إذَا فُوِّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَإِذَا فُوِّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَوَكَّلَ غَيْرَهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ إلَّا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ الْعَزْلُ قَالَ، ثُمَّ يَكْتُبُ فَإِنْ رَدَّ سُلْطَانٌ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ طَعَنَ فِيهَا طَاعِنٌ فَهِيَ وَصِيَّةٌ مِنْ ثُلُثِ فُلَانٍ يُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ وَإِنَّمَا يَكْتُبُ هَذَا صِيَانَةً لِهَذَا الْوَقْفِ عَنْ النَّقْضِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَإِنْ أُلْحِقَ بِآخِرِ هَذَا الْكِتَابِ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ وَلُزُومِهِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا تَحْصُلُ بِهِ الصِّيَانَةُ أَيْضًا.
(صَدَرَ صَكُّ الْوَقْفِ مِنْ إنْشَاءِ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-) هَذَا مَا وَقَفَ وَتَصَدَّقَ بِهِ الْعَبْدُ الْمُسْرِفُ فِي الذَّنْبِ الْحَسَنُ الظَّنِّ بِعَفْوِ الرَّبِّ فُلَانٌ ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبًا لِثَوَابِهِ وَتَحَرِّيًا لِمَرْضَاتِهِ وَهَرَبًا مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ وَشَدِيدِ عِقَابِهِ حِينَ رَأَى نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ مُتَوَافِرَةً وَآلَاءَهُ لَدَيْهِ مُتَظَاهِرَةً وَقَدْ اخْتَصَّهُ بِمَا حُرِمَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَشْكَالِهِ وَنُظَرَائِهِ وَأَتَاهُ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ أَمْثَالِهِ وَقُرَنَائِهِ مِنْ أَجْنَاسِ خَلْقِهِ أَنْشَأَهُ فِي عِزٍّ وَوَجَاهَةٍ وَعَمَّرَهُ فِي رَخَاءِ عَيْشٍ وَرَفَاهَةٍ وَارْتِفَاعِ ذِكْرٍ وَتَمْكِينٍ وَشَرَفِ قَدْرٍ وَاتِّسَاعِ يَمِينٍ، ثُمَّ رَأَى نَفْسَهُ فِي انْتِقَاصٍ وَحَوَاسَّهُ فِي كَلَالٍ وَانْتِقَاصٍ قَدْ ذَهَبَتْ قُوَاهَا وَانْتَقَضَتْ عُرَاهَا وَقَلَّ كَرَاهَا وَكَثُرَ شَكْوَاهَا وَابْيَضَّ مِنْهُ الشَّعْرُ وَانْحَنَى لَهُ الظَّهْرُ قَدْ قَارَبَ الزَّوَالَ وَأَشْرَفَ عَلَى الِارْتِحَالِ، وَأَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ دُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ وَيَتَزَوَّدَ مِنْ أُولَاهُ لِعَاقِبَتِهِ وَيُقَدِّمَ فِي يَوْمِهِ لِغَدِهِ مِنْ أَطْيَبِ ذَاتِ يَدِهِ ذُخْرًا لِوَقْتِ حَاجَتِهِ وَعُدَّةً لِفَقْرِهِ وَفَاقَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَلِمَا بَلَغَهُ مِنْ الْآثَارِ وَنُقِلَ فِي الْأَخْبَارِ، مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ: الْأَوَّلُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
وَالثَّانِي: أُمَّةٌ مُذْنِبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ.
وَالثَّالِثُ: وَجَدْنَا مَا عَمِلْنَا وَرَبِحْنَا مَا قَدَّمْنَا وَخَسِرْنَا مَا خَلَّفْنَا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ {يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي وَهَلْ لَك مِنْ مَالِك إلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ} وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {ظِلُّ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَدَقَتُهُ} وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ} فَأَنْفَقَ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رِضَاهُ عَاجِلًا رَاجِيًا نَفَقَتَهُ آجِلًا رَغْبَةً فِي مَوْعُودِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ {خَيْرُ مَا يَخْلُفُ الرَّجُلَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَلَاثَةٌ: وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ، وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ يَبْلُغُهُ أَجْرُهَا، وَعِلْمٌ يُعْمَلُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ} فَأَحَبَّ أَنْ يَنْدَرِجَ فِي جُمْلَةِ مَنْ لَا يَنْقَطِعُ عَمَلُهُ إذَا دَنَا أَجَلُهُ فَوَقَفَ وَتَصَدَّقَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ وَطَيِّبِ كَسْبِهِ بِكَذَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(صَكٌّ قَدِيمٌ طَوِيلٌ فِي اتِّخَاذِ الْمَدْرَسَةِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهَا) هَذَا مَا احْتَسَبَ بِإِنْفَاقِهِ وَتَصَدَّقَ بِهِ الْخَاقَانُ الْأَجَلُّ السَّيِّدُ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ الْمُؤَيَّدُ الْعَدْلُ عِمَادُ الدَّوْلَةِ وَتَاجُ الْمِلَّةِ طمغاج يغراقراخان أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ سَيْفُ خَلِيفَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَى اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَهُ وَأَعَزَّ نَصْرَهُ تَقَرُّبًا إلَى الرَّبِّ الْجَلِيلِ وَطَلَبًا لِلثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَهَرَبًا مِنْ الْعَذَابِ وَالتَّنْكِيلِ وَرَغْبَةً فِي وَعْدِهِ الْجَمِيلِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ مُحْكَمُ التَّنْزِيلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} وَرُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ عَنْ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ الْأَبْرَارِ وَصَحْبِهِ {إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا فِي ثَلَاثَةٍ: وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يَعْمَلُ بِهِ النَّاسُ} وَأَحَبَّ أَنْ يَتَدَرَّجَ فِي عِدَادِ مَنْ لَا يَنْقَطِعُ عَمَلُهُ وَأَنْ يُقَدِّمَ لِنَفْسِهِ خَيْرًا يَكُونُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَزَادًا لِلْمَعَادِ وَذَخِيرَةً بَاقِيَةً لِيَوْمِ التَّنَادِّ {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} الْآيَةَ فَأَمَرَ بِاِتِّخَاذِ مَدْرَسَةٍ تَكُونُ مَجْمَعًا لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مُتَّصِلَةً بِالْمَشْهَدِ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَسْجِدٍ وَمَوَاضِعَ لِدَرْسِ الْعِلْمِ وَمَكْتَبَةٍ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَمَجْلِسِ مُقْرِئٍ يُقْرِئُ النَّاسَ الْقُرْآنَ وَمَجْلِسِ مُؤَدِّبٍ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْأَدَبَ وَدُوَيْرَاتٍ وَسَاحَةٍ وَبُسْتَانٍ وَجَمَعَ فِي ذَلِكَ شَرَائِطَ الصِّحَّةِ عَلَى مَا اقْتَضَى الْعِلْمُ صِحَّةَ تِلْكَ الصَّدَقَاتِ عَلَى وُجُوهِهَا الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهَا، وَجَمِيعُ ذَلِكَ دَاخِلُ مَدِينَةِ سَمَرْقَنْدَ بِمُوضَعٍ مِنْهَا يُعْرَفُ مِنْهَا بِالْبَابِ الْجَدِيدِ وَأَحَدُ حُدُودِ جَوَانِبِهَا لَزِيقُ الشَّارِعِ وَالثَّانِي لَزِيقُ سَاحَةٍ مَنْسُوبَةٍ إلَى الْخَاتُونِ الْمَلِكَةِ بِنْتِ الطَّرْخَانِ بِك وَلَزِيقُ فارقين وَقْفٌ عَلَى مَشْهَدِهِمْ وَالثَّالِثُ لَزِيقُ مَنْزِلٍ وَقْفٍ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَلَزِيقُ مَنْزِلِ أَحْمَدَ الْمُقَصِّصِ وَلَزِيقُ مَنْزِلِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْعَطَاءِ وَيَتَّصِلُ بِخَانٍ يُنْسَبُ إلَى الْخَاتُونِ الْمَلِكَةِ وَالرَّابِعُ لَزِيقُ مَنْزِلٍ مَنْسُوبٍ إلَى حَاوِلِي الخيلتاشي وَلَزِيقُ خَانِقَاهُ مَنْسُوبٍ إلَى الْأَمِيرِ نِظَامِ الدَّوْلَةِ وَلَزِيقُ مَنْزِلٍ مَنْسُوبٍ إلَى الْخَاتُونِ الْمَلِكَةِ تركان خَاتُونَ وَلَزِيقُ الطَّرِيقِ وَإِلَيْهِ مَدْخَلُهَا، ثُمَّ أَحَبَّ أَنْ يَدُومَ ذَلِكَ الْخَيْرُ عَلَى مُرُورِ الْأَيَّامِ وَكُرُورِ الْأَعْوَامِ بِأَوْقَافٍ صَحِيحَةٍ عَلَيْهَا، وَعَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ وَأَبْوَابِ الْبِرِّ فِيهَا فَيَبْقَى عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ نِيَّتُهُ وَاشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ طَوِيَّتُهُ فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ بِكُلِّ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا الْمَحْدُودَةِ الْمَوْصُوفَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ لِإِقَامَةِ أَعْمَالِ الْبِرِّ فِيهَا وَبِجَمِيعِ الْخَانِ الْخَالِصِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الدِّيَاتِ وَالْإِصْطَبْلَاتِ وَالْمَتْبَنِ وَالْأَوَارِي وَالْحُجُرَاتِ وَالْغُرَفِ وَالْحَوَانِيتِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهَا عَلَى يَسَارِ الدَّاخِلِ فِي هَذَا الْخَانِ وَوَاحِدٍ عَلَى يَمِينِ الدَّاخِلِ فِيهِ، وَهَذَا الْخَانُ مَعْرُوفٌ (بِنِيمِ بَلَاس) بِسُوقِ سَعْدٍ سَمَرْقَنْدَ فِي مَحَلَّةِ (زركوبان) فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا يُعْرَفُ (بكوجة مُفْلِس) وَبِجَمِيعِ الْخَانِ الْخَالِصِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الدُّوَيْرَاتِ الْخَمْسِ وَالْحُجُرَاتِ الثَّلَاثَةِ وَالْغُرُفَاتِ الثَّلَاثِ وَبُيُوتِ الْأَهْوَاءِ الْخَمْسَةِ وَالْحَوَانِيتِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَلَازِقَةِ عَلَى بَابِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ يَمِينًا بِسُوقِ سَعْدٍ سَمَرْقَنْدَ بِمَحَلَّةِ رَأْسِ الطَّاقِ فِي زُقَاقٍ يُعْرَفُ بِزُقَاقِ (شير فروشان).
وَبِجَمِيعِ الْخَانِ الْخَالِصِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الدُّوَيْرَاتِ الثَّمَانِ وَالدُّوَيْرَاتِ الْكَبِيرَةِ وَالْغُرُفَاتِ الْخَمْسَةَ عَشْرَةَ وَبُيُوتِ الْأَهْوَاءِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَبَيْتَيْ الْخَلَاءِ وَالْحَوَانِيتِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَلَازِقَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهَذَا الْخَانِ الَّذِي هُوَ بِسُوقِ سَمَرْقَنْدَ بِمَحَلَّةِ رَأْسِ الطَّاقِ فِي سِكَّةِ عَبَّادٍ وَبِجَمِيعِ الدُّوَيْرَةِ الْكَبِيرَةِ مَسْفَلِهَا وَعُلُوِّهَا فِي الْخَانِ الْمَعْرُوفِ بِخَانِ الساماني الْكَبِيرَةِ بِسُوقِ سَعْدٍ سَمَرْقَنْدَ بِرَأْسِ الطَّاقِ فِي شَارِعِ دَرْبِ مَنَارَةٍ، وَهَذِهِ الدُّوَيْرَةُ فِي الزَّاوِيَةِ فِي يَمِينِ الدَّاخِلِ فِي هَذَا الْخَانِ وَبِجَمِيعِ الْحُجُرَاتِ عَلَى عُلُوِّهَا وَالْحُجُرَاتِ الْخَمْسِ الْبَكْدَرِيَّةِ فِي خِلَالِهَا الْمُتَلَازِقَةِ بِهَذَا الْخَانِ وَبِجَمِيعِ الْحُجْرَةِ الْكَبِيرَةِ الْبَكْدَرِيَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهَا فِي هَذَا الْخَانِ عَنْ يَسَارِ الصَّاعِدِ فِي عُلُوِّهِ وَبِجَمِيعِ الْحَمَّامِ الْمَعْرُوفِ بِحَمَّامِ الرِّجَالِ بِسُوقِ سَعْدٍ سَمَرْقَنْدَ بِمَحَلَّةِ رَأْسِ قَنْطَرَةِ عَاهِرَةٍ فِي سِكَّةِ حَمَّادٍ وَبِجَمِيعِ بُيُوتِ الْأُكْرَةِ وَبَيْتِ الطِّرَازِ وَالْكَرْمِ وَالْمَنَابِرِ وَالْمَزَارِعِ وَالْمَدَاسَاتِ الَّتِي هِيَ بِقَرْيَةِ جرمعد مِنْ قُرَى (أَنْبَارْكَرْ) مِنْ رُسْتَاقِ سَمَرْقَنْدَ، وَبِجَمِيعِ الْأَرَاضِيِ الَّتِي هِيَ فِي التِّلَالِ الْمُتَّصِلَةِ بِمَزْرَعَةِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَهِيَ جَمِيعُهَا مِنْ نَوَاحِي (أَنْبَارْكَرْ) مِنْ رُسْتَاقِ سَمَرْقَنْدَ فَأَحَدُ حُدُودِ الْخَانِ الْمَعْرُوفُ (بِنِيمِ بَلَاس).
وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ أَحَدُ حُدُودِ كَذَا إلَى آخِرِ هَذِهِ الْمَحْدُودَاتِ فَتَصَدَّقَ الْخَانُ إلَى آخِرِ الْقَابِ هَذَا الْمُتَصَدِّقِ الْمُسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَحْدُودَاتِ الْمَذْكُورَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ بِحُدُودِهَا كُلِّهَا وَجَمِيعِ حُقُوقِهَا وَأَرَاضِيِ الْخَانَاتِ وَالْحَوَانِيتِ وَالتَّوَابِيتِ الْمُرَكَّبَةِ، وَبُيُوتِ الْأَهْوَاءِ وَبُيُوتِ الْخَلَاءِ وَالدُّوَيْرَاتِ وَالْحُجُرَاتِ وَالْغُرُفَاتِ وَأَبْنِيَتِهَا وَخَشَبِهَا وَحِيطَانِهَا وَسُفُلِهَا وَعُلُوِّهَا وَسُقُوفِهَا وَجُذُوعِهَا وَعَوَارِضِهَا وَأُسْطُوَانَتِهَا وَأَبْوَابِهَا وَآجُرَّاتِهَا وَأَرْضِ الْحَمَّامِ وَبُيُوتِهِ وَسُقُوفِهِ وَخَشَبِهِ وَحِيطَانِهِ وَآجُرَّاتِهِ وَقُدُرِ مَائِهِ وَأُنْبُوبِهِ وَمُلْقَى رَمَادِهِ وَمَجْمَعِ زِبْلِهِ وَمَصَبِّ مَائِهِ وَحَوْضِهِ وَمَجَارِي مِيَاهِهِ فِي حُقُوقِهِ وَأَرَاضِيِ بُيُوتِ الْأُكْرَةِ وَأَبْنِيَتِهَا وَالْأَشْجَارِ الْقَائِمَةِ فِي الْعَقَارَاتِ وَالزَّرَاجِين وَالْعُرُشِ وَأَنْهَارِهَا وَسَوَاقِيهَا وَشُرُبِهَا بِمَجَارِيهِ فِي حُقُوقِهَا وَمَدَاسَتِهَا الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهَا فِي حُقُوقِهَا وَمَجَارِي مِيَاهِهَا فِي حُقُوقِهَا.
وَكُلُّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَحْدُودَاتِ وَمَنْسُوبٍ إلَيْهَا مِنْ حُقُوقِهَا دَاخِلٌ فِيهَا وَخَارِجٌ مِنْهَا صَدَقَةً صَحِيحَةً نَافِذَةً وَاجِبَةً بَتَّةً بَتَلَةً مُؤَبَّدَةً مُحَرَّمَةً مُحْبَسَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا رَجْعَةَ لِهَذَا الْمُتَصَدِّقِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ وَلَا تُرْهَنُ وَلَا تُتَمَلَّكُ وَلَا تُتْلَفُ بِوَجْهٍ تَلَفَ قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا جَارِيَةً عَلَى سُبُلِهَا الْمُسَمَّاةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ إلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ.
عَلَى أَنْ يُسْتَغَلَّ جَمِيعُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الصَّدَقَةُ الْمَوْصُوفَةُ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِوُجُوهِ غَلَّاتِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَفِي كُلِّ سَنَةٍ إجَارَةً وَمُقَاطَعَةً وَمُزَارَعَةً وَمُسَاقَاةً بَعْدَ أَنْ لَا يُؤَاجَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُعْقَدُ مُزَارَعَةٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا لَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَلَا فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَلَا يُعْقَدُ عَلَيْهَا عَقْدٌ جَدِيدٌ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا كَذَلِكَ يَجْرِي أَمْرُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ، وَلَا يُؤَاجَرُ قَطُّ مِنْ ذِي حِشْمَةٍ يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ إبْطَالِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَتَغْيِيرِهَا عَنْ وُجُوهِهَا الْمَشْرُوطَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَمَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَلَّاتِهَا وَأَدَاءِ مُؤَنِهَا يُبْدَأُ بِأَنْوَاعِ عِمَارَتِهَا وَرَمِّ مَا اسْتَرَمَّ مِنْهَا وَالْمُسْتَزَادُ فِي غَلَّاتِهَا وَأَدَاءِ مُؤَنِهَا وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ الْجُدُدِ فِي عَقَارَاتِهَا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَبِشِرَاءِ الْبَوَارِي وَالْحُصُرِ فِي الصَّيْفِ وَالْحَشِيشِ فِي الشِّتَاءِ لِهَذِهِ الْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلَى قَدْرِ مَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ، وَيُقْطَعُ مِنْ أَشْجَارِ هَذِهِ الْعَقَارَاتِ الدَّاخِلَةِ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي عِمَارَةِ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَحْدُودَاتِ الدَّاخِلَةِ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِهَا وَيُبَاعُ مَا يَبِسَ مِنْ أَشْجَارِهَا وَأَشْرَفَ عَلَى الْفَسَادِ فَيَكُونُ سَبِيلُ ثَمَنِ ذَلِكَ سَبِيلَ سَائِرِ غَلَّاتِهَا إلَى كُلِّ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ مُؤَيَّدِيَّةً عَدْلِيَّةً رَسْمِيَّةً نَقْدَ كُورَةِ سَمَرْقَنْدَ يَوْمَ وَقَعَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ فِيهِ وَيُصْرَفُ إلَى الْفَقِيهِ الَّذِي يَجْلِسُ لِلتَّدْرِيسِ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَيَعْتَقِدَهُ وَيُدَرِّسُ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذَا النَّقْدِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْكِتَابِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَسِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ قِسْطُ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ ثَلَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ.
وَيُصْرَفُ إلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ الْمُقْتَبِسِينَ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذَا النَّقْدِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْكِتَابِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ يُجْرَى عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْ السَّنَةِ مِنْ هَذَا الْمَالِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، يُوَزَّعُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا يَرَاهُ الْمُدَرِّسُ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ أَوْ تَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ إعْطَاءِ الْبَعْضِ وَحِرْمَانِ الْبَعْضِ بَعْدَ أَنْ لَا يَزِيدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَلَى ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا مِنْ هَذَا النَّقْدِ وَيُصْرَفُ إلَى الَّذِي يَتَوَلَّى تَفْرِقَةَ هَذَا الْمَالِ الْمُسَمَّى لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذَا النَّقْدِ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ قِسْطُ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ السَّنَةِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنْ ذَلِكَ.
وَيُصْرَفُ إلَى مُؤَدِّبٍ مَرْضِيٍّ يَجْلِسُ فِي هَذَا الْمَدْرَسَةِ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا الْأَدَبَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذَا النَّقْدِ أَلْفٌ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ قِسْطُ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَيُصْرَفُ إلَى مُعَلِّمٍ يَجْلِسُ فِي مَكْتَبِ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذَا النَّقْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ قِسْطُ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ.
وَيُصْرَفُ إلَى مُقْرِئٍ عَالَمٍ بِالْقِرَاءَاتِ وَالرِّوَايَاتِ يُقْرِئُ النَّاسَ الْقُرْآنَ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذَا النَّقْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ قِسْطُ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَيُصْرَفُ إلَى الْأَرْبَعَةِ مِمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي هَذَا الْمَشْهَدِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذَا النَّقْدِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا وَيُصْرَفُ إلَى ثَمَنِ دُهْنِ السُّرُجِ لِإِسْرَاجِ السُّرُجِ وَالْقَنَادِيلِ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَالْمَشْهَدِ وَالْمَسْجِدِ وَدُوَيْرَاتِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَبَيْتِ الْخَلَاءِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذَا النَّقْدِ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيُصْرَفُ إلَى ثَمَنِ الْجَمْدِ لِسِقَايَةِ هَذَا الْمَدْرَسَةِ فِي كُلِّ صَيْفٍ مِنْ هَذَا النَّقْدِ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيُصْرَفُ إلَى ثَمَنِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْحَوَائِجِ لِاِتِّخَاذِ الضِّيَافَةِ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ فِي لَيَالِيِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْ هَذَا النَّقْدِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا وَيُصْرَفُ إلَى ثَمَنِ الشُّمُوعِ وَالْبَخُورِ لَيْلَةَ الْخَتْمِ فِي كُلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ مِنْ هَذَا النَّقْدِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَيُصْرَفُ إلَى ثَمَنِ الْأَضَاحِيِّ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ مِنْ هَذَا النَّقْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَيُشْتَرَى بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْبَقَرِ الَّتِي تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهُ بِذَلِكَ فَيُضَحَّى بِهَا يُنْوَى بِذَلِكَ عَنْ هَذَا الْمُتَصَدِّقِ الْمُسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَيُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَيُشْتَرَى بِالْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْأَغْنَامِ الَّتِي تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهُ بِذَلِكَ فَيُضَحَّى بِهَا فَيُنْوَى بِهَا عَنْ أَبَوَيْ هَذَا الْمُتَصَدِّقِ وَيُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.
وَيُصْرَفُ فِي كُلِّ عَاشُورَاءَ مِنْ هَذَا النَّقْدِ إلَى كِسْوَةِ خَمْسِينَ نَفَرًا مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَإِلَى أَثْمَانِ هَذَا الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْحَوَائِجِ لِاِتِّخَاذِ الضِّيَافَةِ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ عَشِيَّةَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَلْفُ دِرْهَمٍ.
وَيُصْرَفُ إلَى رَجُلَيْنِ مُوَكَّلَيْنِ بِخِدْمَةِ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَالْمَسْجِدِ وَالْمَشْهَدِ يَفْتَحَانِ الْأَبْوَابَ وَيُغْلِقَانِهَا وَيَكْنُسَانِ وَيَكْبِسَانِ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَبْسِ وَيَفْرِشَانِ الْحُصُرَ وَالْبَوَارِيَ وَيَطْوِيَانِ وَيُلْقِيَانِ الْحَشِيشَ وَيَرْفَعَانِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الرَّفْعِ وَيُنَظِّفَانِ بَيْتَ الْخَلَاءِ وَيُوقِدَانِ السُّرُجَ وَالْقَنَادِيلَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِيهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذَا النَّقْدِ أَلْفٌ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ.
وَيُصْرَفُ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ يَخْتَارُهُ الْمُدَرِّسُ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ فَيُفَوِّضُ إلَيْهِ مُرَاعَاةَ مَصَالِحِ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَالْمَشْهَدِ فَيَسْكُنُ فِيهَا وَيَحْفَظُ بَيْتَ الْكُتُبِ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَيَطَّلِعُ أَحْوَالَهَا وَيُرَاعِي أُمُورَهَا وَيُعَيَّنُ بِأَمْرِ مَنْ يُوَكَّلُ بِخِدْمَةِ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَالْمَشْهَدِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ هَذَا النَّقْدِ أَلْفٌ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ قِسْطُ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ رَأَى الْمُدَرِّسُ فِي هَذَا الْمَدْرَسَةِ الصَّلَاحَ فِي أَنْ يُفَوِّضَ هَذَا الْأَمْرَ إلَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ يَسْكُنَانِ هَذِهِ الْمَدْرَسَةَ يَتَوَلَّى أَحَدُهُمَا أَمْرَ بَيْتِ الْكُتُبِ فِيهَا وَيَتَوَلَّى الْآخَرُ سَائِرَ مَصَالِحِهَا فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى الْمُدَرِّسِ فِيهَا، وَتَكُونُ هَذِهِ الْوَظِيفَةُ الْمُسَمَّاةُ وَهِيَ أَلْفٌ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ مَصْرُوفَةً إلَيْهِمَا عَلَى مَا يَرَاهُ الْمُدَرِّسُ فِيهَا وَيَسْتَصْوِبُهُ وَقِيمَةُ هَذَا النَّقْدِ الَّذِي سُمِّيَ فِيهِ يَوْمَ وَقَعَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ لِكُلِّ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مِثْقَالٌ وَاحِدٌ مِنْ الذَّهَبِ الْإِبْرِيزِ الْخَالِصِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ النَّقْدُ فِي زَمَانٍ إلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ ذَلِكَ النَّقْدِ الْحَدِيثِ فَيُصْرَفُ إلَى كُلِّ وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمُسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْحَدِيثَةِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ مِنْ هَذَا النَّقْدِ الَّذِي كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ يَوْمَ وَقَعَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَضْلٌ مِنْ الْغَلَّاتِ اشْتَرَى الْقَائِمُ بِأَمْرِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ بِذَلِكَ الْفَضْلِ زِيَادَةَ أَسْبَابٍ مِنْ الضِّيَاعِ وَالْمُسْتَغِلُّ إنْ اسْتَصْوَبَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ سَبِيلُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْمُشْتَرَاةِ فِيمَا يُحَصَّلُ مِنْ غَلَّاتِهَا سَبِيلَ أَصْلِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ فِي وُجُوهِ مَصَارِفِ ارْتِفَاعَاتِهَا، وَإِنْ تَقَاصَرَتْ الْغَلَّةُ عَنْ الْوُجُوهِ فِي سَنَةٍ مِنْ السِّنِينَ قُسِّطَ النُّقْصَانُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ بِحِصَصِهَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَعْضُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِيهِ بَعْدَ مَا اسْتَقْصَى فِي الطَّلَبِ كَانَ مَا سُمِّيَ لَهُ مَصْرُوفًا إلَى سَائِرِ الْوُجُوهِ الْمُسَمَّاةِ فِيهِ، وَإِنْ رَأَى الْقَائِمُ صَرْفَ ذَلِكَ إلَى تَحْصِيلِ زِيَادَةِ أَسْبَابٍ يَجْرِي ارْتِفَاعُهَا مَجْرَى أَصْلِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ فَعَلَ ذَلِكَ.
كَذَلِكَ يَجْرِي أَمْرُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ لَا يُغَيِّرُ عَنْ حَالِهَا إلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، وَإِنْ وَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ وَلَمْ تُمْكِنْ إعَادَتُهَا إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى صُرِفَ ذَلِكَ إلَى الْمُحْتَاجِينَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ بِسَمَرْقَنْدَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِهَا مَنْ يُصْرَفُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ صُرِفَ حِينَئِذٍ إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَبَدًا وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْمُتَصَدِّقُ جَمِيعَ ذَلِكَ إلَى يَدِ أَبِي طَاهِرٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَسَنِ الْغَزَالِيِّ وَجَعَلَهُ قَائِمًا بِأُمُورِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَأَمَرَهُ فِي ذَلِكَ بِاسْتِشْعَارِ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَاسْتِعْمَالِ النَّصِيحَةِ وَقَلَّدَهُ تَسْوِيَةَ أُمُورِهَا عَلَى وُجُوهِهَا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُبَدِّلَ وَقَدْ قَبَضَهُ قَبْضًا صَحِيحًا فَارِغًا مِنْ مَوَانِعِ صِحَّةِ الْقَبْضِ، فَإِنْ مَضَى لِسَبِيلِهِ أَوْ وَجَبَ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ لِمَعْنًى يُوجِبُ ذَلِكَ فَالِاخْتِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْفَقِيهِ الَّذِي يُدَرِّسُ فِيهَا بِمَشُورَةِ طَائِفَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ يَدُورُ عَلَيْهِمْ أَمْرُ الْفَتْوَى بِسَمَرْقَنْدَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَخْتَارُهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالدِّيَانَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُدَرِّسٌ فَالْأَمْرُ مُفَوَّضٌ إلَى الْحَاكِمِ بِسَمَرْقَنْدَ وَلَا يَحِلُّ لِلسُّلْطَانِ إلَى آخِرِهِ شَهِدَ الشُّهُودُ إلَى آخِرِهِ.
(نَوْعٌ آخَرُ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ) إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلَادِهِ فَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَقْفِ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ يُرِيدُ بِهِ وَلَدَهُ لِصُلْبِهِ وَلَا يُشَارِكُ الْبَطْنُ الثَّانِي الْبَطْنَ الْأَوَّلَ، وَيُرِيدُ بِالْبَطْنِ الثَّانِي وَلَدَ الِابْنِ فَمَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَالْغَلَّةُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَطْنِ فَالْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ وَلَا يَكُونُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ وَوُجِدَ الْبَطْنُ الثَّانِي وَهُوَ وَلَدُ الِابْنِ فَالْغَلَّةُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي وَلَا يُشَارِكُهُ مَنْ دُونَهُ مِنْ الْبُطُونِ وَجُعِلَ الْحَالُ فِي حَقِّ مَا بَيْنَ الْبَطْنِ الثَّانِي وَمَنْ دُونَهُ كَالْحَالِ فِي حَقِّ مَا بَيْنَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَإِنْ عُدِمَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَوُجِدَ الْبَطْنُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ اشْتَرَكَ الثَّالِثُ وَمَنْ دُونَهُ مِنْ الْبُطُونِ وَإِنْ كَثُرَتْ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي) وَفِي هَذَا الْوَجْهِ اخْتَصَّ بِهِ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي يُرِيدُ بِالْبَطْنِ الثَّانِي وَلَدَ الِابْنِ وَلَا يُشَارِكُهُمَا الْبَطْنُ الثَّالِثُ.
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي) وَفِي هَذَا الْوَجْهِ قِيَاسٌ عَلَى أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ الْبُطُونُ الثَّلَاثَةُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ اشْتَرَكَتْ الْبُطُونُ كُلُّهَا، وَإِنْ سَفَلُوا.
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي) وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ وَلَهُ وَلَدُ الِابْنِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ صَرْفُ الْغَلَّةِ إلَى وَلَدِ الِابْنِ، فَإِنْ حَدَثَ لَهُ وَلَدُ الصُّلْبِ صُرِفَ الْغَلَّةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ إلَى الْوَلَدِ لِصُلْبِهِ.
(الْخَامِسُ إذَا قَالَ: جَعَلْت أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةً عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا) وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْوَقْفِ كُلُّ وَلَدٍ كَانَ لَهُ يَوْمَ هَذَا الْوَقْفِ وَكُلُّ وَلَدٍ يَحْدُثُ لَهُ بَعْدَ هَذَا الْوَقْفِ قَبْلَ حُدُوثِ الْغَلَّةِ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ حُدُوثِ الْغَلَّةِ سَقَطَ حِصَّتُهُ وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ وَالْبَطْنُ الْأَعْلَى وَالْبَطْنُ الْأَسْفَلُ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ إلَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ يُبْدَأَ فِي ذَلِكَ بِالْبَطْنِ الْأَعْلَى، ثُمَّ بِالْبَطْنِ الَّذِي يَلِيهِمْ، فَإِذَا قَالَ هَكَذَا فَمَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْأَعْلَى لَا يَكُونُ لِلْبَطْنِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ كَتَبْتهَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ فِي الْكِتَابِ وَوَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ لِوَلَدِهِ لِصُلْبِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ، فَأَمَّا عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ يَجُوزُ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَكُونُ وَارِثًا حَالَ حَيَاةِ أَبِيهِ وَلَكِنْ يَكْتُبُ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَ الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ مِنْ غَيْرِ الْإِضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَمِنْ غَيْرِ الْوَصِيَّةِ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَدُهُ لِصُلْبِهِ يَسْتَحِقُّ الْغَلَّةَ حَالَ حَيَاةِ الْوَاقِفِ وَلَا يَكُونُ الِاسْتِحْقَاقُ حَالَ حَيَاتِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ بِأَنْ يَكُونَ مُوصًى بِهِ بَعْدَهُ فَيَصِيرُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ فَلَا صِحَّةَ لِهَذَا الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِهِ عِنْدَهُ أَصْلًا فَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، ثُمَّ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ لَا يُعْطِي وَلَدَ الْوَلَدِ جَمِيعَ الْغَلَّةِ مَا دَامَ وَلَدُ الصُّلْبِ حَيًّا؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ مَا جَعَلَ كُلَّ الْغَلَّةِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ الصُّلْبِ حَيًّا وَلَكِنْ تُقَسَّمُ الْغَلَّةُ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ وَلَدِ الصُّلْبِ وَعَلَى عَدَدِ رُءُوسِ وَلَدِ الْوَلَدِ فَمَا أَصَابَ وَلَدَ الْوَلَدِ فَهُوَ لَهُمْ وَقْفٌ وَمَا أَصَابَ وَلَدَ الصُّلْبِ فَهُوَ لَهُمْ مِيرَاثٌ حَتَّى يُشَارِكَهُمْ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ دُونَ الْبَعْضِ، فَإِنْ مَاتَ وَلَدُ الصُّلْبِ فَالْغَلَّةُ كُلُّهَا تَكُونُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ بِحُكْمِ الْوَقْفِ.
ذَكَرَ هِلَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَقَالُوا هَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْإِخْلَاءَ عَنْ الْوَقْفِ فِي زَمَانٍ حَتَّى قَالَ: إنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَنَّ الْوَقْفَ جَائِزٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْإِخْلَاءَ عَنْ الْوَقْفِ فِي زَمَانٍ حَتَّى قَالَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ: إنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَجُوزُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ جَمِيعُ الْغَلَّةِ بَعْدَ مَوْتِ وَلَدِ الصُّلْبِ وَقْفًا عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ مَا يُصِيبُ وَلَدَ الصُّلْبِ حَالَ حَيَاتِهِ لَيْسَ بِوَقْفٍ وَإِنَّمَا يَصِيرُ وَقْفًا بَعْدَ وَفَاتِهِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ فَقَدْ خَلَا زَمَانٌ عَنْ الْوَقْفِ.
وَأَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَلَدِهِ وَإِنَّهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ لَغْوٌ مِنْ الْكَلَامِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا صِحَّةَ لِلْوَقْفِ حَالَ الْحَيَاةِ فَخَرَجَ قَوْلُهُمْ حَالَ حَيَاتِهِ مِنْ الْبَيِّنِ وَبَقِيَ قَوْلُهُ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ فَيَكُونُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بَعْضُهُمْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ.
وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَغْوٌ مِنْ الْكَلَامِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا مَا هُوَ ثَابِتٌ بِمُطْلَقِ الْوَقْفِ بَيَانُهُ أَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُمَا وَقَعَ صَحِيحًا لَازِمًا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ عَلَى مَا مَرَّ قَبْلَ هَذَا، وَكَانَ قَوْلُهُ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ لِتَأْكِيدِ مَا ثَبَتَ بِمُطْلَقِ الْوَقْفِ فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْوَقْفِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(نَوْعٌ آخَرُ إذَا وَقَفَ نِصْفَ دَارِهِ شَائِعًا أَوْ نِصْفَ أَرْضِهِ شَائِعًا) فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ فَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، فَإِذَا وَقَفَ أَرْضَهُ وَشَرَطَ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ أَوْ شَرَطَ الْبَعْضَ لِنَفْسِهِ مَا دَامَ حَيًّا وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَالْوَقْفُ بَاطِلٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْوَقْفُ صَحِيحٌ ذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْغَلَّةِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ فَيَكْتُبُ وَلِهَذَا الْوَاقِفِ أَنْ يَصْرِفَ غَلَّاتِ هَذَا الْوَقْفِ إلَى نَفْسِهِ مَا عَاشَ وَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّي فِي هَذَا الْوَقْفِ مَا عَاشَ يَكْتُبُ وَلِهَذَا الْوَاقِفِ أَنْ يَتَوَلَّى هَذِهِ الصَّدَقَةَ مُدَّةَ مَا عَاشَ وَيَصْرِفَ غَلَّاتِهَا وَمَنَافِعَهَا فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ فِيمَا أَحَبَّ فَذَلِكَ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ كَيْفَ شَاءَ وَكُلَّمَا شَاءَ وَهِيَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى حَالِهَا، فَإِذَا مَاتَ فَهَذِهِ الصَّدَقَةُ نَافِذَةٌ عَلَى سَبِيلِهَا وَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنْ يَبِيعَ هَذَا الْوَقْفَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ وَيَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهِ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ يَكْتُبُ، وَلِهَذَا الْوَاقِفِ أَنْ يَبِيعَ هَذَا الْوَقْفَ الْمُسَمَّى فِيهِ وَمَا أَحَبَّ مِنْهُ إنْ رَأَى بَيْعَهُ أَصْلَحَ وَيَصْرِفَ ثَمَنَهُ إلَى شِرَاءِ شَيْءٍ آخَرَ هُوَ أَصْلَحُ لِلْوَقْفِ فَيَجْعَلُهُ مَكَانَهُ، وَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ التَّغْيِيرُ وَالتَّبْدِيلُ يَكْتُبُ وَلِهَذَا الْوَاقِفِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ مَصَارِفِ هَذَا الْوَقْفِ لِمَنْ شَاءَ نُقْصَانَهُ وَيَزِيدَ فِيهِ مَنْ شَاءَ زِيَادَتَهُ وَيُخْرِجَ مِنْهُمْ مَنْ شَاءَ وَيُدْخِلَ مَكَانَهُ مَنْ أَحَبَّ وَيُعِيدَ مَنْ أَخْرَجَهُ إنْ أَحَبَّ يَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ.
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ يَقُومُ بِهَذَا الْوَقْفِ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مَا خَلَاهُ، فَإِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ وَلَمْ يُغَيِّرْ مِنْ هَذَا الْوَاقِفِ شَيْئًا وَلَمْ يُبَدِّلْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى مَا فِيهِ أَحَدًا وَلَمْ يُنْقِصْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَمْ يُدْخِلْ فِيهِمْ أَحَدًا وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْهُمْ أَحَدًا فَهَذَا الْوَقْفُ وَقْفٌ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي جَعَلَهَا عَلَيْهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُغَيِّرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَيَّرَ شَيْئًا، ثُمَّ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ فَهُوَ عَلَى مَا عَلَيْهِ يَوْمَ يَمُوتُ الْوَاقِفُ هَذَا.
(صُورَةُ كِتَابَةِ جَرَيَانِ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ) يَكْتُبُ عَلَى ظَهْرِ صَكِّ الْوَقْفِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ يَقُولُ الْقَاضِي فُلَانٌ الْمُتَوَلِّي لِعَمَلِ الْقَضَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَوْقَافِ بِكُورَةِ كَذَا وَنَوَاحِيهَا نَافِذُ الْقَضَاءِ وَالْإِمْضَاءِ وَالْإِنَابَةِ فِيهَا بَيْنَ أَهْلِهَا أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى تَوْفِيقَهُ حَكَمْت بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ الْمُبَيَّنِ الْمَوْصُوفِ فِي بَطْنِ هَذَا الصَّكِّ وَجَوَازِهِ وَلُزُومِهِ وَنَفَاذِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ فِي جَمِيعِ مَا بُيِّنَ مَوْضِعُهُ وَحُدُودُهُ فِيهِ مِنْ الْحَوَانِيتِ وَالرِّبَاطِ وَالْخَانِ وَالْحَمَّامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِجَمِيعِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ فِي عُلُوِّهِ وَسُفْلِهِ مِنْ الْحُجُرَاتِ وَالْمَنَازِلِ وَالصَّنِّ وَالْمَرَابِطِ عَلَى السُّبُلِ وَالْوُجُوهِ وَالشَّرَائِطِ الْمَذْكُورَةِ الْمَشْرُوطَةِ الْمَشْرُوحَةِ فِيهِ عَمَلًا بِقَوْلِ مَنْ يَرَى صِحَّةَ هَذَا الْوَقْفِ وَجَوَازَ هَذَا الصَّدَقَةِ بِشُرُوطِهَا وَسُبُلِهَا الْمُبَيَّنَةِ الْمُفَسَّرَةِ فِيهِ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ بَعْدَ خُصُومَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ مُعْتَبَرَةٍ جَرَتْ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الْوَاقِفِ الْمُسَمَّى فِيهِ وَبَيْنَ مَنْ خَاصَمَهُ فِيهِ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ الْمُخَاصَمَةِ فِي جَوَازِ هَذَا الْوَقْفِ وَصِحَّتِهِ فِيمَا وَقَفَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ وَجَوَابُهُ بِالْإِنْكَارِ لِصِحَّتِهِ وَجَوَازِهِ وَمَيْلِهِ إلَى جِهَةِ الْفَسَادِ حُكْمًا أَبْرَمْته وَقَضَاءً نَفَذْته وَأَمْضَيْت الْحُكْمَ بِهِ وَأَحْكَمْته عَلَى هَذَا الْوَاقِفِ بِحَضْرَتِهِ فِي وَجْهِهِ وَفِي وَجْهِ مَنْ خَاصَمَهُ فِيهِ، بَعْدَ مَا عَرَفْت مَوَاضِعَ الِاخْتِلَافِ وَوَقَعَ اجْتِهَادِي عَلَى هَذَا وَكَلَّفْت هَذَا الْوَاقِفَ قَصْرَ يَدِهِ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْمَحْدُودَاتِ وَتَسْلِيمَهَا إلَى هَذَا الْقَيِّمِ الْمُسَمَّى فِيهِ وَتَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُ فِيهِ بِمَا يُخَالِفُ مُقْتَضَى الصِّحَّةِ وَالْجَوَازِ لِهَذَا الْوَقْفِ وَهَذِهِ الصَّدَقَةِ.
وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَجْلِسِ قَضَائِي بِكُورَةِ كَذَا وَأَمَرْت بِكِتَابَةِ هَذَا السِّجِلِّ عَلَى ظَهْرِ هَذَا الصَّكِّ حُجَّةً لَهُ فِي ذَلِكَ وَأَشْهَدْت عَلَيْهِ مَنْ حَضَرَنِي مِنْ الثِّقَاتِ بِتَارِيخِ كَذَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.