فصل: باب في زيادة الحرف عوضاً من آخر محذوف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخصائص **


  باب في زيادة الحروف وحذفها

وكلا ذينك ليس بقياس لما سنذكره‏.‏

أخبرنا أبو علي رحمه الله قال قال أبو بكر‏:‏ حذف الحروف ليس بالقياس‏.‏

قال‏:‏ وذلك أن الحروف إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار فلو ذهبت تحذفها لكنت مختصراً لها هي أيضاً واختصار المختصر إجحاف به‏.‏

تمت الحكاية‏.‏

تفسير قوله‏:‏ إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار هو أنك إذا قلت‏:‏ ما قام زيد فقد أغنت ‏"‏ ما ‏"‏ عن ‏"‏ أنفى ‏"‏ وهي جملة فعل وفاعل‏.‏

وإذا قلت‏:‏ قام القوم إلا زيداً فقد نابت ‏"‏ إلا ‏"‏ عن ‏"‏ أستثنى ‏"‏ وهي فعل وفاعل‏.‏

وإذا قلت قام زيد وعمرو فقد نابت الواو عن أعطف‏.‏

وإذا قلت‏:‏ ليت لي مالاً فقد نابت ليت عن أتمنى‏.‏

وإذا قلت‏:‏ هل قام أخوك فقد نابت ‏"‏ هل ‏"‏ عن أستفهم‏.‏

وإذا قلت‏:‏ ليس زيد بقائم فقد نابت الباء عن حقاً والبتة وغير ذي شك‏.‏

وإذا قلت فيما نقضهم ميثاقهم فكأنك قلت‏:‏ فبنقضهم ميثاقهم فكأنك قلت‏:‏ فبنقضهم ميثاقهم فعلنا كذا حقاً أو يقينا‏.‏

وإذا قلت‏:‏ أمسكت بالحبل فقد نابت الباء عن قولك‏:‏ أمسكته مباشرا له وملاصقة يدي له‏.‏

وإذا قلت‏:‏ أكلت من الطعام فقد نابت ‏"‏ من ‏"‏ عن البعض أكلت بعض الطعام‏.‏

وكذلك بقية ما لم نسمه‏.‏

فإذا كانت هذه الحروف نوائب عما هو أكثر منها من الجمل وغيرها لم يجز من بعد ذا أن تتخرق عليها فتنتهكها وتجحف بها‏.‏

ولأجل ما ذكرنا‏:‏ من إرادة الاختصار بها لم يجز أن تعمل في شيء من الفضلات‏:‏ الظرف والحال والتمييز والاستثناء وغير ذلك‏.‏

وعلته أنهم قد أنابوها عن الكلام الطويل لضرب من الاختصار فلو ذهبوا يعملونها فيما بعد لنقضوا ما أجمعوه وتراجعوا عما اعتزموه‏.‏

فلهذا لا يجوز ما زيد أخوك قائماً حالاً منك أي أنفى هذا في حال قيامي ولا حالا من زيد أي أنفى هذا عن زيد في حال قيامه‏.‏

ولا هل زيد أخوك يوم الجمعة على أن تجعل يوم الجمعة ظرفاً لما دلت عليه هل من معنى الاستفهام‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد أجازوا ليت زيداً أخوك قائماً ونحو ذلك فنصبوه بما في ليت من معنى التمني وقال النابغة‏:‏ كأنه خارجا من جنب صفحته سفود شرب نسوه عند مفتأد فنصب خارجاً على الحال بما في كأن من معنى التشبيه وأنشد أبو زيد‏:‏ فأعمل معنى التشبيه في كأن في الظرف الزماني الذي هو لما التقينا‏.‏

قيل‏:‏ إنما جاز ذلك في ‏"‏ ليت ‏"‏ و ‏"‏ كأن ‏"‏ لما اجتمع فيهما‏:‏ وهو أن كل واحدة منهما فيها معنى الفعل من التمني والتشبيه وأيضاً فكل واحدة منهما رافعة وناصبة كالفعل القوي المتعدي وكل واحدة منهما متجاوزة عدد الاثنين فأشبهت بزيادة عدتها الفعل وليس كذلك ما كان على حرف ولا ما كان على حرفين لأنه لم يجتمع فيه ما اجتمع في ليت ولعل‏.‏

ولهذا كان ما ذهب إليه أبو العباس‏:‏ من أن إلا في الاستثناء هي الناصبة لأنها نابت عن أستثنى ولا أعني مردوداً عندنا لما في ذلك من تدافع الأمرين‏:‏ الإعمال المبقى حكم الفعل والانصراف عنه إلى الحرف المختصر به القول‏.‏

نعم وإذا كانت هذه الحروف تضعف وتقل عن العمل في الظروف كانت من العمل في الأسماء الصريحة القوية التي ليست ظروفا ولا أحوالا ولا تمييزا لاحقاً بالحال اللاحقة بالظروف أبعد‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد قالوا‏:‏ يا عبد الله ويا خيرا من زيد فأعملوا يا في الاسم الصريح وهي حرف فكيف القول في ذلك قيل‏:‏ ليا في هذه خاصة في قيامها مقام الفعل ليست لسائر الحروف‏.‏

وذلك أن هل تنوب عن أستفهم وما تنوب عن أنفى وإلا تنوب عن أستثنى وتلك الأفعال النائبة عنها هذه الحروف هي الناصبة في الأصل‏.‏

فلما انصرفت عنها إلى الحروف طلباً للإيجاز ورغبة عن الإكثار أسقطت عمل تلك الأفعال ليتم لك ما انتحيته من الاختصار‏.‏

وليس كذلك يا‏.‏

وذلك أن يا نفسها هي العامل الواقع على زيد وحالها في ذلك حال أدعو وأنادي في كون كل واحد منهما هو العامل في المفعول وليس كذلك ضربت وقتلت ونحوه‏.‏

وذلك أن قولك‏:‏ ضربت زيداً وقلت عمرا الفعل الواصل إليهما المعبر بقولك‏:‏ ضربت عنه ليس هو نفس ‏"‏ ض ر ب ‏"‏ إنما ثم أحدث هذه الحروف دلالة عليها وكذلك القتل والشتم والإكرام ونحو ذلك‏.‏

وقولك‏:‏ أنادي عبد الله وأدعو عبد الله ليس هنا فعل واقع على عبد الله غير هذا اللفظ و ‏"‏ يا ‏"‏ نفسها في المعنى كأدعو ألا ترى أنك إنما تذكر بعد يا اسماً واحداً كما تذكره بعد الفعل المستقل بفاعله إذا كان متعدياً إلى مفعول واحد كضربت زيداً ولقيت قاسماً وليس كذلك حرف الاستفهام وحرف النفي إنما تدخلهما على الجمل المستقلة فتقول‏:‏ ما قام زيد وهل قام أخوك‏.‏

فلما قويت ‏"‏ يا ‏"‏ في نفسها وأوغلت في شبه الفعل تولت بنفسها العمل‏.‏

فإن قلت‏:‏ فإنما تذكر بعد إلا اسماً واحداً أيضاً قيل‏:‏ الجملة قبل إلا منعقدة بنفسها وإلا فضلة فيها‏.‏

وليس كذلك يا لأنك إذا قلت‏:‏ يا عبد الله تم الكلام بها وبمنصوب بعدها فوجب أن تكون هي كأنها الفعل المستقل بفاعله والمنصوب هو المفعول بعدها فهي في هذا الوجه كرويد ومن وجه آخر أن قولك‏:‏ يا زيد لما اطرد فيه الضم وتم به القول جرى مجرى ما ارتفع بفعله أو بالابتداء فهذا أدون حالي يا أعنى أن يكون كأحد جزأي الجملة‏.‏

وفي القول الأول هي جارية مجرى الفعل مع فاعله‏.‏

فلهذا قوى حكمها وتجاوزت رتبة الحروف التي إنما هي ألحاق وزوائد على الجمل‏.‏

فلذلك عملت يا ولم تعمل هل ولا ما ولا شيء من ذلك النصب بمعنى الفعل الذي دلت عليه ونابت عنه‏.‏

ولذلك ما وصلت تارة بنفسها في قولك‏:‏ يا عبد الله وأخرى بحرف الجر نحو قوله‏:‏ يا لبكر فجرت في ذلك مجرى ما يصل من الفعل تارة بنفسه وأخرى بحرف الجر نحو قوله‏:‏ خشنت صدره وبصدره وجئت زيداً وجئت إليه واخترت الرجال ومن الرجال وسميته زيداً وبزيد وكنيته أبا علي وبأبي علي‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد قال الله سبحانه ‏{‏ ألا يا اسجدوا ‏}‏ وقد قال غيلان‏:‏ ألا يا أسلمي يا دارمي على البلى وقال‏:‏ يا دار هند يا أسلمي ثم أسلمي فجاء بيا ولا منادى معها قيل‏:‏ يا في هذه الأماكن قد جردت من معنى النداء وخلصت تنبيهاً‏.‏

ونظيرها في الخلع من أحد المعنيين وإفراد الآخر‏:‏ ألا لها في الكلام معنيان‏:‏ افتتاح الكلام والتنبيه نحو قول الله سبحانه‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ‏}‏ وقول كثير‏:‏ ألا إنما ليلى عصا خيزرانة فإذا دخلت على ‏"‏ يا ‏"‏ خلصت ‏"‏ ألا ‏"‏ افتتاحاً وخص التنبيه بيا‏.‏

وذلك كقول نصيب‏:‏ ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد فقد زادني مسراك وجدا على وجد فقد صح بما ذكرناه إلى أن قادنا إلى هنا أن حذف الحروف لا يسوغه القياس لما فيه من الانتهاك والإجحاف‏.‏

وأما زيادتها فخارج عن القياس أيضاً‏.‏

وذلك أنه إذا كانت إنما جيء بها اختصاراً وإيجازاً كانت زيادتها نقضا لهذا الأمر وأخذا له بالعكس والقلب ألا ترى أن الإيجاز ضد الإسهاب ولذلك لم يجز أبو الحسن توكيد الهاء المحذوفة من صلة الذي في نحو الذي ضربت زيد فأفسد أن تقول‏:‏ الذي ضربت نفسه زيد‏.‏

قال‏:‏ لأن ذلك نقض من حيث كان التوكيد إسهاباً الحذف إيجازاً‏.‏

وذلك أمر ظاهر التدافع‏.‏

هذا هو القياس‏:‏ ألا يجوز حذف الحروف ولا زيادتها‏.‏

ومع ذلك فقد حذفت تارة وزيدت أما حذفها فكنحو ما حكاه أبو عثمان عن أبي زيد من حذف حرف العطف في نحو قولهم‏:‏ أكلت لحماً سمكاً تمراً‏.‏

وأنشدني أبو الحسن‏:‏ كيف أصبحت كيف أمسيت مما يزرع الود في فؤاد الكريم يريد‏:‏ كيف أصبحت وكيف أمسيت‏.‏

وأنشد ابن الأعرابي‏:‏ وكيف لا أبكي على علاتي صبائحي غبائقي قيلاتي أي صبائحي وغبائقي وقيلاتي‏.‏

وقد يجوز أن يكون بدلاً أي كيف لا أبكي على علاتي التي هي صبائحي وهي غبائقي وهي قيلاتي فيكون هذا من بدل الكل‏.‏

والمعنى الأول أن منها صبائحي ومنها غبائقي ومنها قيلاتي‏.‏

ومن ذلك ما كان يعتاده رؤبة إذا قيل له‏:‏ كيف أصبحت فيقول‏:‏ خير عافاك أي بخير وحكى سيبويه‏:‏ الله لا أفعل يريد والله‏.‏

ومن أبيات الكتاب‏:‏ من يفعل الحسنات الله يشكرها والشر بالشر عند الله مثلان أي فالله يشكرها‏.‏

وحذفت همزة الاستفهام نحو قوله‏:‏ فأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر أتوني وقالوا‏:‏ من ربيعة أو مضر طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب أراد‏:‏ أو ذو الشيب يلعب‏.‏

ومنه قول ابن أبي ربيعة‏:‏ ثم قالوا تحبها قلت بهراً عدد القطر والحصى والتراب أظهر الأمرين فيه أن يكون أراد‏:‏ أتحبها لأن البيت الذي قبله يدل عليه وهو قوله‏:‏ أبرزوها مثل المهاة تهادى بين خمس كواعب أتراب ولهذا ونحوه نظائر‏.‏

وقد كثرت‏.‏

فأما تكريرها وزيادتها فكقوله‏:‏ لددتهم النصيحة كل لد فمجوا النصح ثم ثنوا فقاءوا فلا والله لا يلفي لما بي ولا للمابهم أبدا دواء وقد كثرت زيادة ما توكيدا كقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ‏}‏ وقوله سبحانه ‏{‏عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ‏}‏ وقوله عز قدره ‏{‏مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا‏}‏‏.‏

وقال جل وعز‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ‏}‏ فالباء زائدة وأنشد أبو زيد‏:‏ بحسبك في القوم أن يعلموا بأنك فقيهم غني مضر فزاد الباء في المبتدأ‏.‏

وأنشد لأمية‏:‏ فإن لتوكيد النفي كقول زهير‏:‏ ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم ولا من بعدها زائدة‏.‏

وزيدت اللام في قوله رويناه عن أحمد بن يحيى‏:‏ مروا عجالاً وقالوا كيف صاحبكم قال الذي سألوا أمسى لمجهودا وفي قراءة سعيد بن جبير ‏{‏وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ‏}‏ وقد تقدم ذكر ذلك‏.‏

وزيدت لا قال أبو النجم‏:‏ ولا ألوم البيض ألا تسخرا وقد رأين الشمط القفندرا وقال العجاج‏:‏ بغير لا عصفٍ لا اصطراف وأنشدنا‏:‏ أبي جوده لا البخل واستعجلت به نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله فهذا على زيادة لا أي أبي جوده البخل‏.‏

وقد يجوز أن تكون لا منصوبة الموضع بأبي والبخل وزيادة الحروف كثير وإن كانت على غير قياس كما أن حذف المضاف أوسع وأفشى وأعم وأوفى وإن كان أبو الحسن قد نص على ترك القياس عليه‏.‏

فأما عذر حذف هذه الحروف فلقوة المعرفة بالموضع ألا ترى إلى قول امرئ القيس‏:‏ فقلت‏:‏ يمين الله أبرح قاعدا لأنه لو أراد الواجب لما جاز لأن أبرح هذه لا تستعمل في الواجب فلا بد من أن يكون أراد‏:‏ لا أبرح‏.‏

ويكفي من هذا قولهم‏:‏ رب إشارة أبلغ من عبارة‏.‏

وأما زيادتها فلإرادة التوكيد بها‏.‏

وذلك أنه قد سبق أن الغرض في استعمالها إنما هو الإيجاز والاختصار والاكتفاء من الأفعال وفاعليها فإذا زيد ما هذه سبيله فهو تناه في التوكيد به‏.‏

وذلك كابتذالك في ضيافة ضيفك أعز ما تقدر عليه وتصونه من أسبابك فذاك غاية إكرامك له وتناهيك في الحفل به‏.‏

  باب في زيادة الحرف عوضاً من آخر محذوف

اعلم أن الحرف الذي يحذف فيجاء بآخر عوضاً منه على ضربين‏:‏ أحدهما أصلى والآخر زائد‏.‏

الأول من ذلك على ثلاثة أضرب‏:‏ فاء عين لام‏.‏

أما ما حذفت فاؤه وجيء بزائد عوضا منه فباب فعله في المصادر نحو عدة وزنة وشية وجهة‏.‏

والأصل وعدة ووزنة ووشية ووجهة فحذفت الفاء لما ذكر في تصريف ذلك وجعلت التاء بدلاً من الفاء‏.‏

ويدل على أن أصله ذلك قول الله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا‏}‏ وأنشد أبو زيد‏:‏ ألم تر أنني ولكل شيء إذا لم تؤت وجهته تعاد أطعت الآمري بصرم ليلى ولم أسمع بها قول الأعادي وقد حذفت الفاء في أناس وجعلت ألف فعال بدلاً منها فقيل ناس ومثالها عال كما أن مثال عدة وزنة علة‏.‏

وقد حذفت الفاء وجعلت تاء افتعل عوضاً منها وذلك قولهم‏:‏ تقي يقتي والأصل اتقى يتقي فحذفت التاء فبقي تقي ومثاله تعل ويتقي‏:‏ يتعل قال الشاعر‏:‏ جلاها الصيقلون فأخلصوها خفافاً كلها يتقي بأثر وقال أوس‏:‏ زيادتنا نعمان لا تنسينها تق الله فينا والكتاب الذي تتلو ومنه أيضاً قولهم تجه يتجه وأصله اتجه ومثال تجه على هذا تعل كتقى سواء‏.‏

وروى أبو زيد أيضاً فيما حدثنا به أبو علي عنه‏:‏ تجه يتجه فهذا من لفظ آخر وفاؤه تاء‏.‏

وأنشدنا‏:‏ قصرت له القبيلة اذتجهنا وما ضاقت بشدته ذراعي فهذا محذوف من اتجه كاتقى‏.‏

فأما قولهم‏:‏ اتخذت فليست تاؤه بدلاً من شيء بل هي فاء أصلية بمنزلة اتبعت من تبع‏.‏

يدل على ذلك ما أنشده الأصمعي من قوله‏:‏ وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها نسيفاً كأفحوص القطاة المطرق وعليه قول الله سبحانه ‏{‏قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا‏}‏ وذهب أبو إسحاق إلى أن اتخذت كاتقيت واتزنت وأن الهمزة أجريت في ذلك مجرى الواو‏.‏

وهذا ضعيف إنما جاء منه شيء في داره تقسم الأزواد بينهم كأنما أهله منها الذي اتهلا وروى لها أبو علي عن أبي الحسن علي بن سليمان متمن‏.‏

وأنشد‏:‏ ‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

بيض اتمن والذي يقطع على أبي إسحاق قول الله عز وجل ‏{‏قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا‏}‏‏.‏

فكما أن تجه ليس من لفظ الوجه كذلك ليس تخذ من لفظ الأخذ‏.‏

وعذر من قال‏:‏ اتمن واتهل من الأهل أن لفظ هذا إذا لم يدغم يصير إلى صورة ما أصله حرف لين‏.‏

وذلك قولهم في افتعل من الأكل‏:‏ ايتكل ومن الإزرة‏:‏ ايتزر‏.‏

فأشبه حينئذ ايتعد في لغة من لم يبدل الفاء تاء فقال‏:‏ اتهل واتمن لقول غيره‏:‏ ايتهل وايتمن‏.‏

وأجود اللغتين إقرار الهمز قال الأعشى‏:‏ أبا ثبيتٍ أما تنفك تأتكل وكذلك ايتزر يأتزر‏.‏

فأما اتكلت عليه فمن الواو على الباب لقولهم الوكالة والوكيل‏.‏

وقد ذكرنا هذا الموضع في كتابنا في شرح تصريف أبي عثمان‏.‏

وقد حذفت الفاء همزة وجعلت ألف فعال بدلاً منها وذلك قوله‏.‏

وأما ما حذفت عينه وزيد هنا حرف عوضاً منها فأينق في أحد قولي سيبويه‏.‏

وذلك أن أصلها أنوق فأحد قوليه فيها أن الواو التي هي عين حذفت وعوضت منها ياء فصارت‏:‏ أنيق‏.‏

ومثالها في هذا القول على اللفظ‏:‏ أيفُل‏.‏

والآخر أن العين قدمت على الفاء فأبدلت ياء‏.‏

ومثالها على هذا أغفُل‏.‏

وقد حذفت العين حرف علة وجعلت ألف فاعل عوضاً منها‏.‏

وذلك رجل خاف ورجل مالٌ ورجل هاعٌ لاعٌ‏.‏

فجوز أن يكون هذا فعلاً كفرق فهو فرق وبطر فهو بطر‏.‏

ويجوز أن يكون فاعلاً حذفت عينه وصارت ألفه عوضاً منها كقوله‏:‏ لاثٌ به الأشاء والعبرى ومما حذفت عينه وصار الزائد عوضاً منها قولهم‏:‏ سيد وميت وهين ولين قال‏:‏ هيْنون لينون أيسار دوو يسرٍ سواس مكرمةٍ أبناءُ أيسار وأصلها فيعِل‏:‏ سيد وميت وهين ولين حذفت عينها وجعلت ياء فيعِل عوضاً منها‏.‏

وكذلك باب قيدودة وصيرورة وكينونة وأصلها فيعلولة حذفت عينها وصارت ياء فيعلولة الزائدة عوضاً منها‏.‏

فإن قلت‏:‏ فهلا كانت لام فيعلولة الزائدة عوضاً منها قيل قد صح في فيعل من نحو سيد وبابه أن الياء الزائدة عوض من العين وكذلك الألف الزائدة في خاف وهاع لاع عوض من العين‏.‏

وجوز سيبويه أيضاً ذلك في أينق فكذلك أيضاً ينبغي أن تحمل فيعلولة على ذلك‏.‏

وأيضاً فإن الياء أشبه بالواو من الحرف الصحيح في باب قيدودة وكينونة‏.‏

وأيضاً فقد جعلت تاء التفعيل عوضاً من عين الفعال‏.‏

وذلك قولهم‏:‏ قطعته تقطيعاً‏:‏ وكسرته تكسيراً ألا ترى أن الأصل قطاع وكسار بدلالة قول الله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا‏}‏ وحكى الفراء قال‏:‏ سالين أعرابي فقال‏:‏ أحلاق أحب إليك أم قصار فكما أن التاء الزائدة في التفعيل عوض من العين فكذلك ينبغي أن تكون الياء في قيدودة عوضاً من العين لا الدال‏.‏

فإن قلت‏:‏ فإن اللام أشبه بالعين من الزائد فهلا كانت لام القيدودة عوضاً من عينها قيل‏:‏ إن الحرف الأصلي القوي إذا حذف لحق بالمعتل الضعيف فساغ لذلك أن ينوب عنه الزائد الضعيف‏.‏

وأيضاً فقد رأيت كيف كانت تاء التفعيل الزائدة عوضاً من عينه وكذلك ألف فاعل كيف كانت عوضاً من عينه في خاف وهاع ولاع ونحوه‏.‏

وأيضاً فإن عين قيدودة وبابها وإن كانت أصلاً فإنها على الأحوال كلها حرف علة ما دامت موجودة ملفوظاً بها فكيف بها إذا حذفت فإنها حينئذ توغل في الاعتلال والضعف‏.‏

ولو لم يعلم تمكن هذه الحروف في الضعف إلا بتسميتهم إياها حروف العلة لكان كافياً‏.‏

وذلك أنها في أقوى أحوالها ضعيفة ألا ترى أن هذين الحرفين إذا قويا بالحركة فإنك حينئذ مع ذلك مؤنس فيهما ضعفاً‏.‏

وذلك أن تحملهما للحركة أشق منه في غيرهما‏.‏

ولم يكونا كذلك إلا لأن مبنى أمرهما على خلاف القوة‏.‏

يؤكد ذلك عندك أن أذهب الثلاث في الضعف والاعتلال الألف‏.‏

ولما كانت كذلك لم يمكن تحريكها البتة‏.‏

فهذا أقوى دليل على أن الحركة إنما يحملها ويسوغ فيها من الحروف الأقوى لا الأضعف‏.‏

ولذلك ما تجد أخف الحركات الثلاث وهي الفتحة مستثقلة فيهما حتى يجنح لذلك ويستروح إلى إسكانها نحو قوله‏:‏ يا دار هند عفت إلا أثافيها وقوله‏:‏ كأن أيديهن بالقاع القرق ونحو من ذلك قوله‏:‏ وأن يعرين إن كسى الجواري فتنبو العين عن كرم عجاف نعم وإذا كان الحرف لا يتحامل بنفسه حتى يدعو إلى اخترامه وحذفه كان بأن يضعف عن تحمل الحركة الزائدة عليه فيه أحرى وأحجى‏.‏

وذلك نحو قول الله تعالى ‏{‏وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ‏}‏ و ‏{‏ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ‏}‏ و ‏{‏الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ‏}‏ وقوله‏:‏ وقال الأسود بن يعفر‏:‏ فألحقت أخراهم طريق ألاهم يريد أولاهم و ‏{‏وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ‏}‏ و ‏{‏سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ‏}‏ كتبت في المصحف بلا واو للوقف عليها كذلك‏.‏

وقد حذفت الألف في نحو ذلك قال رؤبة‏:‏ وصاني العجاج فيما وصني يريد‏:‏ فيما وصاني‏.‏

وذهب أبو عثمان في قول الله عز اسمه‏:‏ يا أبت إلى أنه أراد يا أبتاه وحذف الألف‏.‏

ومن أبيات الكتاب قول لبيد‏:‏ رهط مرجوم ورهط ابن المعل يريد المعلى‏.‏

وحكى أبو عبيدة وأبو الحسن وقطرب وغيرهم رأيت فرج ونحو ذلك‏.‏

فإذا كانت هذه الحروف تتساقط وتهي عن حفظ أنفسها وتحمل خواصها وعواني ذواتها فكيف بها إذا جشمت احتمال الحركات النيفات على مقصور صورها‏.‏

نعم وقد أعرب بهذه الصور أنفسها كما يعرب بالحركات التي هي أبعاضها‏.‏

وذلك في باب أخوك وأبوك وهناك وفاك وحميك وهنيك والزيدان والزيدون والزيدين‏.‏

وأجريت هذه الحروف مجرى الحركات في زيد وزيدا وزيدٍ ومعلوم أن الحركات لا تحمل لضعفها الحركات‏.‏

فأقرب ويؤكد عندك ضعف هذه الأحرف الثلاثة أنه إذا وجدت أقواهن وهما الواو والياء مفتوحاً ما قبلها فإنهما كأنهما تابعان لما هو منهما ألا ترى إلى ما جاء عنهم من نحو نوبة ونوب وجوبة وجوب ودولة ودول‏.‏

فمجيء فَعْلة على فُعَل يريك أنها كأنها إنما جاءت عندهم من فُعْلة فكأن دَولة دُولة وجَوْبة جُوبة ونَوبة نُوبة‏.‏

وإنما ذلك لأن الواو مما سبيله أن يأتي تابعاً للضمة‏.‏

وكذلك ما جاء من فَعلة مما عينه ياء على فِعَل نحو ضَيْعة وضِيع وخيمة وخيم وعَيبة وعِيب كأنه إنما جاء على أن واحدته فِعلة نحو ضِيعة وخِيمة وعِيبة‏.‏

أفلا تراهما مفتوحاً ما قبلهما مجراتين مجراهما مكسوراً ومضموماً ما قبلهما فهل هذا إلا لأن الصنعة مقتضية لشياع الاعتلال فيهما‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما أنكرت ألا يكون ما جاء من نحو فَعْلة على فُعَل نحو نُوب وجُوَب ودُول لما ذكرته من تصور الضمة في الفاء ولا يكون ما جاء من فَعلة على فِعَل نحو ضِيع وخِيم وعِيب لما ذكرته من تصور الكسرة في الفاء بل لأن ذلك ضرب من التكسير ركبوه فيما عينه معتلة كما ركبوه فيما عينه صحيحة نحو لأمةٍ ولُؤَم وعَرْصة وعُرَص وقَرْية وقُرَّى وبروة وبُرا فيما ذكره أبو علي ونَزْوة ونُزِّا فيما ذكره أبو العباس وحَلْفة وحِلَق وفَلْكة وفَلك قيل‏:‏ كيف تصرفت الحال فلا اعتراض شك في أن الياء والواو أين وقعتا وكيف تصرفتا معتدتان حرفي علة ومن أحكام الاعتلال أن يتبعا ما هو منهما‏.‏

هذا ثم إنا رأيناهم قد كسروا فَعْلة مما هما عيناه على فُعَل وفِعَل نحو جُوَب ونُوَب وضِيَع وخِيَم فجاء تكسيرهما تكسير ما واحدة مضموم الفاء ومكسورها‏.‏

فنحن الآن بين أمرين‏:‏ إما أن نرتاح لذلك ونعلله وإما أن نتهالك فيه ونتقبله غُفْل الحال ساذَجاً من الاعتلال‏.‏

فإن يقال‏:‏ إن ذلك لما ذكرناه من اقتضاء الصورة فيهما أن يكونا في الحكم تابعين لما قبلهما أولى من أن ننقض الباب فيه ونعطي اليد عنوة به من غير نظر له ولا اشتمال من الصنعة عليه ألا ترى إلى قوله‏:‏ وليس شيء مما يضطرون إليه إلا هم يحاولون له وجها‏.‏

فإذا لم يخل مع الضرورة من وجه من القياس محاول فهم لذلك مع الفسحة في حال السعة أولى بأن يحاولوه وأحجى بأن يناهدوه فيتعللوا به ولا يهملوه‏.‏

فإذا ثبت ذلك في باب ما عينه ياء أو واو جعلته الأصل في ذلك وجعلت ما عينه صحيحة فرعاً له ومحمولاً عليه نحو حِلَقٍ وفِلكٍ وعُرَص ولُؤَم وقرى وبرا كما أنهم لما أعربوا بالواو والياء والألف في الزيدون والزيدين والزيدان تجاوزوا ذلك إلى أن أعربوا بما ليس ذلك إلى أن أعربوا بما ليس من حروف اللين‏.‏

وهو النون في يقومان وتقعدين وتذهبون‏.‏

فهذا جنس من تدريج اللفة الذي تقدم بابه فيما مضى من كتابنا هذا‏.‏

وأما ما حذفت لامه وصار الزائد عوضاً منها فكثير‏.‏

منه باب سنة ومائة ورئة وفئة وعضة وضعة‏.‏

فهذا ونحوه مما حذفت لامه وعوض منها تاء التأنيث ألا تراها كيف تعاقب اللام في نحو برة وبرا وثبة وثبا‏.‏

وحكى أبو الحسن عنهم‏:‏ رأيت مِئْيا بوزن مِعْياً‏.‏

فلما حذفوا قالوا‏:‏ مائة‏.‏

فأما بنت وأخت فالتاء عندنا بدل من لام الفعل وليست عوضاً‏.‏

وأما ما حذف فالتاء عندنا بدل من لام الفعل وليست عوضاً‏.‏

وأما ما حذف لالتقاء الساكنين من هذا النحو فليس الساكن الثاني عندنا بدلا ولا عوضاً لأنه ليس لازماً‏.‏

وذلك نحو هذه عصاً ورحاً وكلمت معلى فليس التنوين في الوصل ولا الألف التي هي بدل منها في الوقف نحو رأيت عصاً عند الجماعة وهذه عصا ومررت بعصا عند أبي عثمان والفراء بدلاً من لام الفعل ولا عوضاً ألا تراه غير لازم إذ كان التنوين يزيله الوقف والألف التي هي بدل منه يزيلها الوصل‏.‏

وليست كذلك تاء مائة وعضة وسنة وفئة وشفة لأنها ثابتة في الوصل ومبدلة هاء في الوقف‏.‏

فأما الحذف فلا حذف‏.‏

وكذلك ما لحقه علم الجمع نحو القاضون والقاضين والأعلَون والأعلَين‏.‏

فعلم الجمع ليس عوضاً ولا بدلاً لأنه ليس لازماً‏.‏

فأما قولهم‏:‏ هذان وهاتان واللذان واللتان والذين واللذون فلو قال قائل‏:‏ إن علم التثنية والجمع فيها عوض من الألف والياء من حيث كانت هذه أسماء صيغت للتثنية والجمع لا على حد رجلان وفرسان وقائمون وقاعدون ولكن على حد قولك‏:‏ هما وهم وهن لكان مذهباً ألا ترى أن ‏"‏ هذين ‏"‏ من ‏"‏ هذا ‏"‏ ليس على رجلين من رجل ولو كان كذلك لوجب أن تنكره البتة كما تنكر الأعلام نحو زيدان وزيدين وزيدون وزيدين والأمر في هذه الأسماء بخلاف ذلك ألا تراها تجري مثناة ومجموعة أوصافاً على المعارف كما تجري عليها مفردة‏.‏

وذلك قولك مررت بالزيدين هذين وجاءني أخواك اللذان في الدار‏.‏

وكذلك قد توصف هي أيضاً بالمعارف نحو قولك‏:‏ جاءني ذانك الغلامان ورأيت اللذين في الدار الظريفين‏.‏

وكذلك أيضاً تجدها في التثنية والجمع تعمل من نصب الحال ما كانت تعمله مفردة‏.‏

وذلك نحو قولك‏:‏ هذان قائمين الزيدان وهؤلاء منطلقين إخوتك‏.‏

وقد تقصينا القول في ذلك في كتابنا في سر الصناعة‏.‏

وقريب من هذان واللذان قولهم‏:‏ هيهات مصروفة وغير مصروفة وذلك أنها جمع هيهاة وهيهاة عندنا رباعية مكررة فاؤها ولامها الأولى هاء وعينها ولامها الثانية ياء‏.‏

فهي لذلك من باب صِيِصية‏.‏

وعكسها باب يَلْيَل ويَهْيَاهٍ قال ذو الرمة‏:‏ تلؤم يهياهٍ بياهٍ وقد مضى من الليل جَوْرٌ واسبطرتْ كواكبه وقال كثير‏:‏ فهيهاةُ من مضعف الياء بمنزلة المرمرة والقرقرة‏.‏

فكان قياسها إذا جمعت أن تقلب اللام ياء فيقال هيهيات كشوشيات وضوضيات إلا أنهم حذفوا اللام لأنها في آخر اسم غير متمكن ليخالف آخرها آخر الأسماء المتمكنة نحو رَحَيَان ومَوْليَان‏.‏

فعلى هذا قد يمكن أن يقال‏:‏ إن الألف التاء في هيهات عوض من لام الفعل في هيهاةٍ لأن هذا ينبغي أن يكون اسماً صيغ للجمع بمنزلة الذين وهؤلاء‏.‏

فإن قيل‏:‏ وكيف ذاك وقد يجوز تنكيره في قولهم‏:‏ هيهات هيهات وهؤلاء والذين لا يمكن تنكيرهما فقد صار إذاً هيهات بمنزلة قصاع وجفان وكرام وظراف‏.‏

قيل‏:‏ ليس التنكير في هذا الاسم المبني على حده في غيره من المعرب ألا ترى أنه لو كانت هيهات من هيهاة بمنزلة أرطيات من أرطاة وسعليات من سعلاة لما كانت إلا نكرة كما أن سعليات وأرطيات لا تكونان إلا نكرتين‏.‏

فإن قيل‏:‏ ولم لا تكون سعليات معرفة إذا جعلتها علماً كرجل أو امرأة سميتها بسعليات وأرطيات‏.‏

وكذلك أنت في هيهات إذا عرفتها فقد جعلتها علما على معنى البعد كما أن غاق فيمن لم ينون فقد جعل علماً لمعنى الفراق ومن نون فقال‏:‏ غاقٍ غاقٍ وهيهاة هيهاة هيهاتٍ هيهاتٍ فكأنه قال‏:‏ بعداً بعداً فجعل التنوين علماً لهذا المعنى كما جعل حذفه علماً لذلك قيل‏:‏ أما على التحصيل فلا تصح هناك حقيقة معنى العلمية‏.‏

وكيف يصح ذاك وإنما هذه أسماء سمى بها الفعل في الخبر نحو شتان وسرعان وأف وأوتاه وسنذكر ذلك في بابه‏.‏

وإذا كانت أسماء للأفعال والأفعال أقعد شيء في التنكير وأبعده عن التعريف علمت أنه تعليق لفظ متأول فيه التعريف على معنى لا يضامه إلا التنكير‏.‏

فلهذا قلنا‏:‏ إن تعريف باب هيهات لا يعتد تعريفاً‏.‏

وكذلك غاق وإن لم يكن اسم فعل فإنه على سمته ألا تراه صوتاً بمنزلة حاء وعاء وهاء وتعرف الأصوات من جنس تعرف الأسماء المسماة بها الأفعال‏.‏

فإن قيل‏:‏ ألا تعلم أن معك من الأسماء ما تكون فائدة معرفته كفائدة نكرته البتة‏.‏

وذلك قولهم‏:‏ غدوة هي في معنى غداة إلا أن غُدوة معرفة وغَداة نكرة‏.‏

وكذلك أسَد وأُسامة وثعلب وثُعالة وذئب وذُؤالة وأبو جَعْدة وأبو مُعْطة‏.‏

فقد تجد هذا التعريف المساوي لمعنى التنكير فاشياً في غير ما ذكرته ثم لم يمنع ذلك أسامة وثعالة وذؤالة وأبا جعدة وأبا معطة ونحو ذلك أن تُعدّ في الأعلام وإن لم يخص الواجد من جنسه فكذلك لم لا يكون هيهات كما ذكرنا‏.‏

قيل‏:‏ هذه الأعلام وإن كانت معنياتها نكرات فقد يمكن في كل واحد منها أن يكون معرفة صحيحة كقولك‏:‏ فرقت ذلك الأسد الذي فرقته وتبركت بالثعلب الذي تبركت به وخسأت الذئب الذي خسأته‏.‏

فأما الفعل فمما لا يمكن تعريفه على وجه فلذلك لم يعتد التعريف الوافع وأيضاً فإن هذه الأصوات عندنا في حكم الحروف فالفعل إذاً أقرب إليها ومعترض بين الأسماء وبينها أولا ترى أن البناء الذي سرى في باب صه ومه وحيهلا ورويدا وإيه وأيها وهلم ونحو ذلك من باب نزال ودراك ونظار ومناع إنما أتاها من قبل تضمن هذه الأسماء معنى لام الأمر لأن أصل ماصه أسم له وهو اسكت لتسكت كقراءة النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ‏}‏ وكذلك مَهْ هو اسم اكفُفْ والأصل لتكفف‏.‏

وكذلك نزال هو اسم انزل والأصل‏:‏ لتنزل‏.‏

فلما كان معنى اللام عائراً في هذا الشق وسائراً في أنحائه ومتصوراً في جميع جهاته دخله البناء من حيث تضمن هذا المعنى كما دخل أين وكيف لتضمنهما معنى حرف الاستفهام وأمس لتضمنه معنى حرف التعريف ومن لتضمنه معنى حرف الشرط وسوى ذلك‏.‏

فأما أف وهيهات وبابهما مما هو اسم للفعل فمحمول في ذلك على أفعال الأمر‏.‏

وكأن الموضع في ذلك إنما هو لصهْ ومه ورويد ونحو ذلك ثم حمل عليه باب أفّ وشتان ووشكان من حيث كان اسما سمي به الفعل‏.‏

وإذا جاز لأحمد وهو اسم معرفة علم أن يشبه بأركب وهو فعل نكرة كان أن يشبه اسم سمي به الفعل في الخبر باسم سمي به الفعل في الأمر أولى ألا ترى أن كل واحد منهما اسم وأن المسمى به أيضاً فعل‏.‏

ومع ذا فقد تجد لفظ الأمر في معنى الخبر نحو قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ‏}‏ وقوله عز اسمه ‏{‏قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا‏}‏ أي فليمدنَّ‏.‏

ووقع أيضاً لفظ الخبر في معنى الأمر نحو قوله سبحانه ‏{‏لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا‏}‏ وقولهم‏:‏ هذا الهلال‏.‏

معناه‏:‏ انظر إليه‏.‏

ونظائره كثيرة‏.‏

فلما كان أف كصه في كونه اسما للفعل كما أن صه كذلك ولم يكن بينهما إلا أن هذا اسم لفعل مأمور به وهذا اسم لفعل مخبر به وكان كل واحد من لفظ الأمر والخبر قد يقع موقع صاحبه صار كأن كل واحد منها هو صاحبه فكأن لا خلاف هناك في لفظ ولا معنى‏.‏

وما كان على بعض هذه القربى والشبكة ألحق بحكم ما حمل عليه فكيف بما ثبتت فيه ووقت عليه واطمأنت به‏.‏

فاعرف ذلك‏.‏

ومما حذفت لامه وجعل الزائد عوضاً منها فرزدق وفريزيد وسفرجل وسفيريج‏.‏

وهذا باب واسع‏.‏

فهذا طرف من القول على ما زيد من الحروف عوضاً من حرف أصلي محذوف وأما الحرف الزائد عوضاً من حرف زائد فكثير‏.‏

منه التاء في فرازنة وزنادقة وجحاجحة‏.‏

لحقت عوضاً من ياء المد في زناديق وفرازين وجحاجيح‏.‏

ومن ذلك ما لحقته ياء المد عوضاً من حرف زائد حذف منه نحو قولهم في تكسير مدحرج وتحقيره‏:‏ دحاريج ودحيريج‏.‏

فالياء عوض من ميمه‏.‏

وكذلك جحافيل وجحيفيل‏:‏ الياء عوض من نونه‏.‏

وكذلك مغاسيل ومغيسيل‏:‏ الياء عوض من تائه‏.‏

وكذلك زعافير الياء عوض من ألفه ونونه‏.‏

وكذلك الهاء في تَفْعِلة في المصادر عوض من ياء تفعيل أو ألف فعال‏.‏

وذلك نحو سليته تسلية وربيته تربية‏:‏ الهاء بدل من ياء تفعيل في تسلى وتربى أو ألف سلاء ورباء‏.‏

أنشد أبو زيد‏:‏ باتت تنزي دلوها تنزياً كما تنزى شهلة صبيا ومن ذلك تاء الفعللة في الرباعي نحو الهملجة السرهفة كأنها عوض من ألف فعلال نحو الهملاج والسرهاف قال العجاج‏:‏ سرهفته ما شئت من سرهاف وكذلك ما لحق بالرباعي من نحو الحوقلة والبيطرة والجهورة والسلقاة‏.‏

كأنها عوض من ألف حيقال وبيطار وجهوار وسلقاء‏.‏

ومن ذلك قول التغلبي‏:‏ متى كنا لأمك مقتوينا والواحد مقتوي‏.‏

وهو منسوب إلى مقتى وهو مفعل من القتو وهو الخدمة قال‏:‏ فكان قياسه إذا جمع أن يقال‏:‏ مقتويون ومقتويين كما أنه إذا جمع بصرى وكوفي قيل‏:‏ كوفيون وبصريون ونحو ذلك إلا إنه جعل علم الجمع معاقباً لياءي الإضافة فصحت اللام لنية الإضافة كما تصح معها‏.‏

ولولا ذلك لوجب حذفها لالتقاء الساكنين وأن يقال‏:‏ مقْتَوْن ومقْتَيْن كما يقال‏:‏ هم الأعلَوْن وهم المصطَفَوْن قال الله سبحانه ‏{‏وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ‏}‏ وقال عز اسمه ‏{‏وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ‏}‏ فقد ترى إلى تعويض علم الجمع من ياءي الإضافة والجميع زائد‏.‏

وقال سيبويه في ميم فاعلته مفاعلة‏:‏ إنها عوض من ألف فاعلته‏.‏

ولتبع ذلك محمد بن يزيد فقال‏:‏ ألف فاعلت موجودة في المفاعلة فكيف يعوض من حرف هو موجود غير معدوم‏.‏

وقد ذكرنا ما في هذا ووجه سقوطه عن سيبويه في موضع غير هذا‏.‏

لكن الألف في المفاعل بلا هاء هي ألف فاعلته لا محالة وذلك نحو قاتلته مقاتلاً وضاربته مضارباً قال‏:‏ أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلاً وأنجو إذا لم ينج إلا المكيس وقال‏:‏ أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلاً وأنجو إذا غم الجبان من الكرب فأما أقمت إقامة وأردتن إرادة ونحو ذلك فإن الهاء فيه على مذهب الخليل وسيبويه عوض من ألف إفعال الزائدة‏.‏

وهي في قول أبي الحسن عوض من عين إفعال على مذهبهما في باب مفعول من نحو مبيع ومقول‏.‏

والخلاف في ذلك قد عرف وأحيط بحال المذهبين فيه فتركناه لذلك‏.‏

ومن ذلك الألف في يمانٍ وتهامٍ وشئامٍ‏:‏ هي عوض من إتنحدجى ياءي الإضافة في يمنى وتهامى وشأمى‏.‏

وكذلك ألف ثمان‏.‏

قلت لأبي علي‏:‏ لم زعمتها للنسب فقال‏:‏ لأنها ليست بجمع مكسر فتكون كصحارٍ‏.‏

قلت له‏:‏ نعم ولو لم تكن للنسب للزمتها الهاء البتة نحو عباقية وكراهية وسباهية‏.‏

فقال‏:‏ نعم هو كذلك‏.‏

ومن ذلك أن ياء التفعيل بدل من ألف الفعال كما أن التاء في أوله عوض من إحدى عينيه‏.‏

ففي هذا كاف بإذن الله‏.‏

وقد أوقع هذا التعاوض في الحروف المنفصلة عن الكلم غير المصوغة فيها الممزوجة بأنفس صيغها‏.‏

وذلك قول الراجز على مذهب الخليل‏:‏ إن الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجد يوماً على من يتكل أي من يتكل عليه‏.‏

فحذف عليه هذه وزاد على متقدمة ألا ترى أنه‏:‏ يعتمل إن لم يجد من يتكل عليه‏.‏

وندع ذكر قول غيره ههنا‏.‏

وكذلك قول الآخر‏:‏ أولى فأولى يا امرأ القيس بعدما خصفن بآثار المطي الحوافرا أي خصفن بالحوافر آثار المطي يعني آثار أخفافها‏.‏

فحذف الباء من الحوافر وزاد أخرى عوضاً منها في آثار المطي‏.‏

هذا على قول من لم يعتقد القلب وهو أمثل فما وجدت مندوحة عن القلب لم ترتكبه‏.‏

وقياس هذا الحذف والتعويض قولهم‏:‏ بأيهم تضرب أمرر أي أيهم تضرب أمرر به‏.‏

  باب في استعمال الحروف بعضها مكان بعض

هذا باب يتلقاه الناس مغسولاً ساذجاً من الصنعة‏.‏

وما أبعد الصواب عنه وأوقفه دونه‏.‏

وذلك أنهم يقولون‏:‏ إن ‏"‏ إلى ‏"‏ تكون بمعنى مع‏.‏

ويحتجون لذلك بقول الله سبحانه‏:‏ ‏{‏مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ‏}‏ أي مع الله‏.‏

ويقولون‏:‏ إن ‏"‏ في ‏"‏ تكون بمعنى على ويحتجون بقوله عز اسمه‏:‏ ‏{‏وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ‏}‏ أي عليها‏.‏

ويقولون‏:‏ تكون الباء بمعنى عن وعلى ويحتجون بقولهم‏:‏ رميت بالقوس أي عنها وعليها كقوله‏:‏ أرمى عليها وهي فرع أجمع وقال طفيل‏:‏ رمت عن قسي الماسخي رجالهم بأحسن ما يبتاع من نبل يثرب أرمى علي شريانة قذاف تلحق ريش النبل بالأجواف وغير ذلك مما يوردونه‏.‏

ولسنا ندفع أن يكون ذلك كما قالوا لكنا نقول‏:‏ إنه يكون بمعناه في موضع دون موضع على حسب الأحوال الداعية إليه والمسوغة له فأما في كل موضع وعلى كل حال فلا ألا ترى أنك إن أخذت بظاهر هذا القول غفلاً هكذا لا مقيداً لزمك عليه أن تقول‏:‏ سرت إلى زيد وأنت تريد‏:‏ معه وأن تقول‏:‏ زيد في الفرس وأنت تريد‏:‏ عليه وزيد في عمرو وأنت تريد‏:‏ عليه في العداوة وأن تقول‏:‏ رويت الحديث بزيد وأنت تريد‏:‏ عنه ونحو ذلك مما يطول ويتفاحش‏.‏

ولكن سنضع في ذلك رسماً يعمل عليه ويؤمن التزام الشناعة لمكانه‏.‏

اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر وكان أحدهما يتعدى بحرف والآخر بآخر فإن العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذاناً بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه‏.‏

وذلك كقول الله عز اسمه‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ‏}‏ وأنت لا تقول‏:‏ رفثت إلى المرأة وإنما تقول‏:‏ رفثت بها أو معها لكنه لما كان الرفث هنا في معنى الإفضاء وكنت تعدي أفضيت بإلى كقولك‏:‏ أفضيت إلى المرأة جئت بإلى مع الرفث إيذاناً وإشعاراً أنه بمعناه كما صححوا عور وحول لما كانا في معنى اعور وإن شئتم تعاودونا عوادا لما كان التعاود أن يعاود بعضهم بعضاً‏.‏

وعليه جاء قوله‏:‏ وليس بأن تتبعه اتباعاً ومنه قول الهل سبحانه‏:‏ ‏{‏وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا‏}‏‏.‏

وأصنع من هذا قول الهذلي‏:‏ ما إن يمس الأرض إلا منكب منه وحرف الساق طي المحمل فهذا على فعل ليس من لفظ هذا الفعل الظاهر ألا ترى أن معناه‏:‏ طوى طي المحمل فحمل المصدر على فعل دل أول الكلام عليه‏.‏

وهذا ظاهر‏.‏

وكذلك قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ‏}‏ أي مع الله وأنت لا تقول‏:‏ سرت إلى زيد أي معه لكنه إنما جاء من أنصاري إلى الله لما كان معناه‏:‏ من ينضاف في نصرتي إلى الله فجاز لذلك أن تأتي هنا إلى‏.‏

وكذلك قوله عز اسمه‏:‏ ‏{‏هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى‏}‏ وأنت إنما تقول‏:‏ هل لك في كذا لكنه لما كان على هذا دعاء منه صلى الله عليه وسلم صار تقديره أدعوك وأرشدك إلى أن تزكى‏.‏

وعليه قول الفرزدق‏:‏ كيف تراني قالياً مجنى أضرب أمري ظهره للبطن ووجدت في اللغة من هذا الفن شيئاً كثيراً لا يكاد يحاط به ولعه لو جمع أكثره لا جميعه لجاء كتاباً ضخماً وقد عرفت طريقه‏.‏

فإذا مر بك شيء منه فتقبله وأنس به فإنه فصل من العربية لطيف حسن يدعو إلى الأنس بها والفقاهة فيها‏.‏

وفيه أيضاً موضع يشهد على من أنكر أن يكون في اللغة لفظان بمعنى واحد حتى تكلف لذلك أن يوجد فرقاً بين قعد وجلس وبين ذراع وساعد ألا ترى أنه لما كان رفث بالمرأة في معنى أفضى إليها جاز أن يتبع الرفث الحرف الذي بابه الإفضاء وهو ‏"‏ إلى ‏"‏‏.‏

وكذلك لما كان هل لك في كذا بمعنى أدعوك إليه جاز أن يقال‏:‏ هل لك إلى أن تزكى كما يقال أدعوك إلى أن تزكى وقد قال رؤبة ما قطع به العذر ههنا قال‏:‏ بالٍ بأسماء البلى يسمى فجعل للبلى وهو معنى واحد أسماء‏.‏

وقد قدمنا هذا فيما مضى من صدر كتابنا‏.‏

ومما جاء من الحروف في موضع غيره على نحو مما ذكرنا قوله‏:‏ إذا رضيت على بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها أراد‏:‏ عنى‏.‏

ووجهه‏:‏ أنها إذا رضيت عنه أحبته وأقبلت عليه‏.‏

فلذلك استعمل على بمعنى عن وكان أبو علي يستحسن قول الكسائي في هذا لأنه قال‏:‏ لما كان رضيت ضد سخطت عدى رضيت بعلى حملاً للشيء على نقيضه كما يحمل على نظيره‏.‏

وقد سلك سيبويه هذه الطريق في المصادر كثيراً فقال‏:‏ قالوا كذا كما قالوا كذا وأحدهما ضد الآخر‏.‏

ونحو منه قول الآخر‏:‏ إذا ما امرؤ ولى علي بوده وأدبر لم يصدر بإدباره ودي أي عني‏.‏

ووجهه أنه إذا ولي عنه يوده فقد استهلكه عليه كقولك‏.‏

أهلكت على مالي وأفسدت علي ضيعتي‏.‏

وجاز أن يستعمل على ههنا لأنه أمر عليه لا له‏.‏

وقد تقدم نحو هذا‏.‏

وأما قول الآخر‏:‏ شدوا المطي على دليل دائب من أهل كاظمةٍ بسيف الأبحر فقالوا معناه‏:‏ بدليل‏.‏

وهو عندي أنا على حذف المضاف أي شدوا المطي على دلالة دليل فحذف المضاف‏.‏

وقوي حذفه هنا شيئاً لأن لفظ الدليل يدل على الدلالة‏.‏

وهو كقولك‏:‏ سر على اسم الله‏.‏

و ‏"‏ على ‏"‏ هذه عندي حال من الضمير في سر وشدوا وليست موصلة لهذين الفعلين لكنها متعلقة بمحذوف حتى كأنه قال‏:‏ سر معتمداً على اسم الله ففي الظرف إذاً ضمير لتعلقه بالمحذوف‏.‏

وقال‏:‏ أي على سرحة وجاز ذلك من حيث كان معلوماً أن ثيابه لا تكون في داخل سرحة لأن السرحة لا تنشق فتستودع الثياب ولا غيرها وهي بحالها سرحة‏.‏

فهذا من طريق المعنى بمنزلة كون الفعلين أحدهما في معنى صاحبه على ما مضى‏.‏

وليس كذلك قول الناس‏:‏ فلان في الجبل لأنه قد يمكن أن يكون في غار من أغواره أو لصب من لصابه فلا يلزم أن يكون عليه أي عالياً فيه‏.‏

وقال‏:‏ وخضخضن فينا البحر حتى قطعنه على كل حال من غمارٍ ومن وحل قالوا أراد‏:‏ بنا‏.‏

وقد يكون عندي على حذف المضاف أي في سيرنا ومعناه‏:‏ في سيرهن بنا‏.‏

ومثل قوله كأن ثيابه في سرحة‏:‏ قول امرأة من العرب‏:‏ هم صلبوا العبدي في جذع نخلة فلا عطست شيبان إلا بأجدعا لأنه معلوم أنه لا يصلب في داخل جذع النخلة وقلبها‏.‏

وأما قوله‏:‏ وهل يعمن من كان أحدث عهده ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال فقالوا‏:‏ أراد‏:‏ مع ثلاثة أحوال‏.‏

وطريقه عندي أنه على حذف المضاف يريد‏:‏ ثلاثين شهراً في عقب ثلاثة أحوال قبلها‏.‏

وتفسيره‏:‏ بعد ثلاثة أحوال‏.‏

فالحرف إذاً على بابه وإنما هنا حذف المضاف الذي قد شاع عند الخاص والعام‏.‏

فأما قوله‏:‏ يعثرن في حد الظبات كأنما كسيت برود بني تزيد الأذرع فإنه أراد‏:‏ يعثر بالأرض في حد الظبات أي وهن في حد الظبات كقولك‏:‏ خرج بثيابه أي وثيابه عليه وصلى في خفيه أي وخفاه عليه‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ‏}‏ فالظرف إذاً متعلق بمحذوف لأنه حال من الضمير أي يعثرن كائنات في حد الظبات‏.‏

وأما قول بعض الأعراب‏:‏ نلوذ في أم لنا ما تغتصب من الغمام ترتدي وتنتقب فإنه يريد بأم‏:‏ سلمى أحد جبلى طيئ‏.‏

وسماها أما لاعتصامهم بها وأويهم إليها‏.‏

واستعمل في موضع الباء أي نلوذ بها لأنهم إذا لاذوا بها فهم فيها لا محالة إذ لا يلوذون ويعصمون بها إلا وهم فيها لأنهم إن كانوا بعداء عنها فليسوا لائذين بها فكأنه قال‏:‏ نسمك فيها ونتوقل فيها‏.‏

فلأجل ذلك ما استعمل في مكان الباء‏.‏

فقس على هذا فإنك لن تعدم إصابة بإذن الله

  باب في مضارعة الحروف للحركات والحركات للحروف

وسبب ذلك أن الحركة حرف صغير ألا ترى أن من متقدمي القوم من كان يسمى الضمة الواو الصغيرة والكسرة الياء الصغيرة والفتحة الألف الصغيرة‏.‏

ويؤكد ذلك عندك أنك متى أشبعت ومطلت الحركة أنشأت بعدها حرفاً من جنسها‏.‏

وذلك قولك في إشباع حركات ضرب ونحوه‏:‏ ضوريبا‏.‏

ولهذا إذا احتاج الشاعر إلى إقامة الوزن مطل الحركة وأنشأ عنها حرفاً من جنسها‏.‏

وذلك قوله‏:‏ نفي الدراهيم تنقاد الصياريف وقوله أنشدناه لابن هرمة‏:‏ وأنت من الغوائل حين ترمي ومن الرجال بمنتزاح يريد‏:‏ يمنتزح وهو مفتعل من النزح وقوله‏:‏ وأنني حيث ما يسري الهوى بصري من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور فإذا ثبت أن هذه الحركات أبعاض للحروف ومن جنسها وكانت متى أشبعت ومطلت تمت ووفت جرت مجرى الحروف كما أن الحروف أنفسها قد تجد بعضها أتم صوتاً من بعض وإن ففما أجرى من الحروف مجرى الحركات الألف والياء والواو إذا أعرب بهن في تلك الأسماء الستة‏:‏ أخوك وأبوك ونحوهما وفي التثنية والجمع على حد التثنية نحو الزيدان والزيدون والزيدين‏.‏

ومنها النون إذا كانت علماً للرفع في الأفعال الخمسة وهي تفعلان ويفعلان وتفعلون ويفعلون وتفعلين‏.‏

وقد حذفت أيضاً للجزم في لم يغزوا ولم يدع ولم يرم ولم يخش‏.‏

وحذفت أيضاً استخفافاً كما تحذف الحركة لذلك‏.‏

وذلك قوله‏:‏ فألقحت أخراهم طريق ألاهم كما قيل نجم قد خوى متتابع يريد أولاهم ومضى ذكره‏.‏

وقال رؤبة‏:‏ وصاني العجاج فيما وصني يريد‏:‏ فيما وصاني وقال اله عز اسمه‏:‏ ‏{‏وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ‏}‏ وقد تقدم نحو هذا‏.‏

فنظير حذف هذه الحروف للتخفيف حذف الحركات أيضاً في نحو قوله‏:‏ وقد بدا هنك من المئزر إذا اعوججن قلت صاحب قوم وقوله‏:‏ ومن يتق فإن الله معه وقوله‏:‏ أو يرتبط بعض النفوس حمامها وقوله‏:‏ سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ونهر تيري ولا تعرفكم العرب أي ولا تعرفكم فأسكن مضطراً‏.‏

ومن مضارعة الحرف للحركة أن الأحرف الثلاثة‏:‏ الألف والياء والواو إذا أشبعن ومطلن أدين إلى حرف آخر غيرهن إلا أنه شبيه بهن وهو الهمزة ألا تراك إذا مطلت الألف أدتك إلى الهمزة فقلت آء وكذلك الياء في قولك‏:‏ إيء وكذلك الواو في قولك‏:‏ أوء‏.‏

فهذا كالحركة إذا مطلتها أدتك إلى صورة أخرى غير صورتها‏.‏

وهي الألف والياء الواو في‏:‏ منتزاح والصياريف أنظور‏.‏

وهذا غريب في موضعه‏.‏

ومن ذلك أن تاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها إلا مفتوحاً نحو حمزة وطلحة وقائمة ولا يكون ساكناً‏.‏

فإن كانت الألف وحدها من بين سائر الحروف جازت‏.‏

وذلك نحو قطاة وحصاة وأرطاة وحبنطاة‏.‏

أفلا ترى إلى مساواتهم بين الفتحة والألف حتى كأنها هي هي‏.‏

وهذ يدل على أن أضعف الأحرف الثلاثة الألف دون أختيها لأنها قد خصت هنا بمساواة الحركة دونها‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ينشب في المسعل واللهاء أنشب من مآشر حداء قالوا‏:‏ أراد‏:‏ حدادا فلم يعدد الألف حاجزاً بين المثلين‏.‏

كما لم يعدد الحركة في ذلك في نحو أمليت الكتاب في أمللت‏.‏

ومن ذلك أنهم قد بينوا الحرف بالهاء كما بينوا الحركة بها وذلك نحو قولهم‏:‏ وازيداه وواغلا مهماه وواغلامهوه وواغلامهموه وواغلامهيه ووانقطاع ظهرهيه‏.‏

فهذا نحو من قولهم‏:‏ أعطيتكه ومررت بكَهْ واغزُهْ ولا تدعُهْ‏.‏

والهاء في كله لبيان الحركة لا ضمير‏.‏

ومن ذلك اقعد الثلاثة في المد لا يسوغ تحريكه وهو الألف فجرت لذلك مجرى الحركة ألا ترى أن الحركة لا يمكن تحريكها‏.‏

فهذا وجه أيضاً من المضارعة فيها‏.‏

وأما شبه الحركة بالحرف ففي نحو تسميتك امرأة بهند وجُمْل‏.‏

فلك فيهما مذهبان‏:‏ الصرف وتركه‏.‏

فإن تحرك الأوسط ثقل الاسم فقلت في اسم امرأة سميتها بقدم بترك الصرف معرفة البتة أفلا ترى كيف جرت الحركة مجرى الحرف في منع الصرف‏.‏

وذلك كامرأة سميتها بسعاد وزينب‏.‏

فجرت الحركة في قدم وكبد ونحوه مجرى ألف سعاد وياء زينب‏.‏

ومن ذلك أنك إذا أضفت إلى الرباعي المقصور أجزت إقرار الألف وقلبها واوا نحو الإضافة إلى حُبْلَى‏:‏ إن شئت قلت‏:‏ حُبْلَى وهو الوجه‏.‏

و إن شئت‏:‏ حبلوىّ‏.‏

فإذا صرت إلى الخمسة حذفت الألف البتة أصلاً كانت أو زائدة‏.‏

وذلك نحو قولك في حُبَارَى‏:‏ حُبَارِيّ وفي مصطفى‏:‏ مصطفي‏.‏

وكذلك إن تحرك الثاني من الرباعي حذفت ألفه البتة‏.‏

وذلك قولك في جمزى‏:‏ حمزىّ وفي بشكى بشكيّ ألا ترى إلى الحركة كيف أوجبت الحذف كما أوجبه الحرف الزائد على الأربعة فصارت حركة عين جَمَزَى في إيجابها الحذف بمنزلة ألف حُبَارَى وياء خَيْزَلى‏.‏

ومن مشابهة الحركة للحرف أنك تفصل بها ولا تصل إلى الإدغام معها كما تفصل بالحرف ولا تصل إلى الإدغام معه‏.‏

وذلك قولك‏:‏ وتد ويطد‏.‏

فحجزت الحركة بين المتقاربين كما يحجز الحرف بينهما نحو شميل وحبربر‏.‏

ومنها أنهم قد أجروا الحرف المتحرك مجرى الحرف المشدد‏.‏

وذلك أنه إذا وقع روياً في الشعر وقاتم الأعماق خاوي المخترق فأسكن القاف وهي مجرورة‏.‏

والمشدد نحو قوله‏:‏ أصحوت اليوم أم شاقتك هر فحذف إحدى الراءين كما حذف الحركة من قاف المخترق‏.‏

وهذا إن شئت قلبته فقلت‏:‏ إن الحرف أجري فيه مجرى الحركة وجعلت الموضع في الحذف للحركة ثم لحق بها فيه الحرف‏.‏

وهو عندي أقيس‏.‏

ومنها استكراههم اختلاف التوجيه‏:‏ أن يجمع مع الفتحة غيرها من أختيها نحو جمعه بين المخترق وبين العقق والحمق‏.‏

فكراهيتهم هذا نحو من امتناعهم من الجمع بين الألف مع الياء والواو ردفين‏.‏

ومن ذلك عندي أن حرفي العلة‏:‏ الياء والواو قد صحا في بعض المواضع للحركة بعدهما كما يصحان لوقوع حرف اللين ساكناً بعدهما‏.‏

وذلك نحو القود والحوكة والخونة والغيب والصيد وحول وروع وإن بيوتنا عورة فيمن قرأ كذلك‏.‏

فجرت الياء والواو هنا في الصحة لوقوع الحركة بعدهما مجراهما فيها لوقوع حرف الليلن ساكنا بعدهما نحو القواد والحواكة والخوانة والغياب والصياد وحويل ورويع وإن بيوتنا عويرة‏.‏

وكذلك ما صح من نحو قولهم‏:‏ ثيؤ الرجل من الهيئة هو جار مجرى صحة هيوء لو قيل‏.‏

فاعرف ذلك مذهباً في صحة ما صح من هذا النحو لطيفاً غريباً‏.‏