فصل: باب في تدافع الظاهر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخصائص **


  باب في نقض العادة المعتاد المألوف في اللغة

أنه إذا كان فعل غير متعد كان أفعل متعدياً لأن هذه الهمزة كثيراً ما تجيء للتعدية‏.‏

وذلك نحو قام زيد وأقمت زيداً وقعد بكر وأقعدت بكراً‏.‏

فإن كان فعل متعدياً إلى مفعول واحد فنقلته بالهمزة صار متعدياً إلى اثنين نحو طعم زيد خبزاً وأطعمته خبزاً وعطا بكر درهماً وأعطيته درهماً‏.‏

فأما كسى زيد ثوباً وكسوته ثوباً فإنه وإن لم ينقل بالهمزة فإنه نقل بالمثال ألا تراه نقل من فعل إلى فعل‏.‏

وإما جاز نقله بفعل لما كان فعل وأفعل كثيراً ما يعتقبان على المعنى الواحد نحو جد في الأمر وأجد وصددته عن كذا وأصددته وقصر عن الشيء وأقصر وسحته الله وأسحته ونحو ذلك‏.‏

فلما كان فعل وأفعل على ما ذكرنا‏:‏ من الاعتقاب والتعاوض ونقل بأفعل نقل أيضاً فَعِل وأفعل على ما ذكرنا‏:‏ من الاعتقاب والتعاوض ونقل بأفعل نقل أيضاً فَعِل بفَعَل نحو كسى وكسوته وشترِت عينه وشترها وعارت وعرتها ونحو ذلك‏.‏

هذا هو الحديث‏:‏ أن تنقل بالهمز فيحدث النقل تعدياً لم يكن قبله‏.‏

غير أن ضرباً من اللغة وذلك قولهم‏:‏ أجفل الظليم وجفلته الريح وأشنق البعير إذا رفع رأسه وشنقته وأنزف البئر إذا ذهب ماؤها ونزفتها وأقشع الغيم وقشعته الريح وأنس ريش الطائر ونسلته وأمرت الناقة إذا در لبنها ومَرَيتها‏.‏

ونحو من ذلك ألوت الناقة بذنبها ولوت ذنبها وصر الفرس أذنه وأصر بأذنه وكبه الله على وجهه وأكب هو وعلوت الوسادة وأعليت عنها‏.‏

فهذا نقض عادة الاستعمال لأن فعلت فيه متعد وأفعلت غير متعد‏.‏

وعلة ذلك عني أنه جعل تعدي فعلت وجمود أفعلت كالعوض لفعلت من غلبة أفعلت لها على التعدي نحو جلس وأجلسته ونهض وأنهضته كما جعل قلب الياء واواً في التقوى والرعوى والثنوى والفتوى عوضاً للواو من كثرة دخول الياء عليها وكما جعل لزوم الضرب الأول من المنسرح لمفتعلن وحظر مجيئه تماماً أو مخبوناً بل توبعت فيه الحركات الثلاث البتة تعويضاً للضرب من كثرة السواكن فيه نحو مفعولن ومفعولان ومستفعلان ونحو ذلك ما التقى في آخره من الضروب ساكنان‏.‏

ونحو من ذلك ما جاء عنهم من أفعلته فهو مفعول وذلك نحو أحببته فهو محبوب وأجنه الله فهو مجنون وأزكمه فهو مزكوم وأكزه فهو مكزوز وأقره فهو مقرور وآرضه الله فهو مأروض وأملأه الله فهو مملوء وأضأده الله فهو مضئود وأحمه الله من الحمى فهو محموم وأهمه من الهم فهو مهموم وأزعقته فهو مزعوق أي مذعور‏.‏

ومثله ما أنشدناه أبو علي من قوله‏:‏ إذا ما استحمت أرضه من سمائه جرى وهو مودوع وواعد مصدق وهو من أودعته‏.‏

ويبغي أن يكون جاء على ودع‏.‏

وأما أحزنه الله فهو محزون فقد حمل على هذا غير أنه قد قال أبو زيد‏:‏ يقولون‏:‏ الأمر يحزنني ولا يقولون‏:‏ حزنني إلا أن مجيء المضارع يشهد للماضي‏.‏

فهذا أمثل مما مضى‏.‏

وقد قالوا فيه أيضاً‏:‏ مُحْزَنٌ على القياس‏.‏

ومثله قولهم‏:‏ محب‏.‏

منه بيت عنترة‏:‏ ولقد نزلت فلا تظنى غيره مني بمنزلة المحب المكرم ومثله قول الأخرى‏:‏ لأنكحن بَبَّه جارية خدبه مكرمة محبه تجب أهل الكعبة وقال الآخر‏:‏ ومن يناد آل يربوع يُجَبْ يأتيك منهم خير فتيان العرب قالوا‏:‏ وعلة ما جاء من أفعلته فهو مفعول نحو أجنه الله فهو مجنون وأسله الله فهو مسلول وبابه أنهم إنما جاءوا به على فعل نحو جن فهو مجنون وزكم فهو مزكوم وسل فهو مسلول‏.‏

وكذلك بقيته‏.‏

فإن قيل لك من بعد‏:‏ وما بال هذا خالف فيه الفعل مسنداً إلى الفاعل صورته مسنداً إلى المفعول وعادة الاستعمال غير هذا وهو أن يجيء الضربان معاً في عدة واحدة نحو ضربته وضرب وأكرمته وأكرم وكذلك مقاد هذا الباب قيل‏:‏ إن العرب لما قوى في أنفسها أمر المفعول حتى كاد يلحق عندها برتبة الفاعل وحتى قال سيبويه فيهما‏:‏ ‏"‏ وإن كانا جميعاً يهمانهم ويعنيانهم ‏"‏ خصوا المفعول إذا أسند الفعل إليه بضربين من الصنعة‏:‏ أحدهما تغيير صورة المثال مسنداً إلى المفعول عن صورته مسنداً إلى الفاعل والعدة واحدة وذلك نحو ضرب زيد وضرب وقتل وقتل وأكرم وأكرم ودحرج ودحرج‏.‏

والآخر أنهم لم يرضوا ولم يقنعوا بهذا القدر من التغيير حتى تجاوزوه إلى أن غيروا عدة الحروف مع ضم أوله كما غيروا في الأول الصورة والصيغة وحدها‏.‏

وذلك نحو قولهم‏:‏ أحببته وحب وأزكمه الله وزكم وأضأده الله وضئد وأملاه الله وملئ‏.‏

قال أبو علي‏:‏ فهذا يدلك على تمكن المفعول عندهم وتقدم حاله في أنفسهم إذ أفردوه بأن صاغوا الفعل له صيغة مخالفة لصيغته وهو وهذا ضرب من تدريج اللغة عندهم الذي قدمت بابه ألا ترى أنهم لما غيروا الصيغة والعدة واحدة في نحو ضَرَب وضُرب وشَتَم وشُتِم تدرجوا من ذلك إلى أن غيروا الصيغة مع نقصان العدة نحو أزكمه الله وزكم وآرضه الله وأرض‏.‏

فهذا كقولهم في حنيفة‏:‏ حنفي لما حذفوا هاء حنيفة حذفوا أيضاً ياءها ولما لم يكن في حنيف تاء تحذف فتحذف لها الياء صحت الياء فقالوا فيه‏:‏ حنيفيّ‏.‏

وقد تقدم القول على ذلك‏.‏

وهذا الموضع هو الذي دعا أبا العباس أحمد بن يحيى فقي كتاب فصيحه أن أفرد له باباًن فقال‏:‏ هذا باب فُعِل بضم الفاء نحو قولك‏:‏ عُنِيت بحاجتك وبقية الباب‏.‏

إنما غرضه فيه إيراد الأفعال المسندة إلى المفعول ولا تسند إلى الفاعل في اللغة الفصيحة ألا تراهم يقولون‏:‏ نخى زيد من النخوة ولا يقال‏:‏ نخاه كذا ويقولون امتقع لونه ولا يقولون‏:‏ امتقعه كذا ويقولون‏:‏ انقطع بالرجل ولا يقولون انقطع به كذا‏.‏

فلهذا جاء بهذا الباب أي ليريك أفعالاً خصت بالإسناد إلى المفعول دون الفاعل كما خصت أفعال بالإسناد إلى الفاعل دون المفعول نحو قام زيد وقعد جعفر وذهب محمد وانطلق بشر‏.‏

ولو كان غرضه أن يرك صورة ما لم يسم فاعله مجملاً غير مفصل على ما ذكرنا لأورد فيه نحو ضرب وركب وطلب وقتل وأكل وسمل وأكرم فاعرف هذا الغرض فإنه أشرف من حفظ مائة ورقة لغة‏.‏

ونظير مجيء اسم المفعول ههنا على حذف الزيادة نحو أجببته فهو محبوب مجيء اسم الفاعل على حذفها أيضاً وذلك نحو قولهم‏:‏ أورس الرمث فهو وارس وأيفع الغلام فهو يافع وأبقل المكان فهو باقل قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ‏}‏ وقياسه ملاقح لأن الريح تلقح السحاب فتستدره‏.‏

وقد يجوز أن يكون على لقحت هي فإذا لقحت فزكت ألقحت السحاب فيكون هذا مما اكتفى فيه بالسبب من المسبب‏.‏

وضده قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ‏}‏ أي فإذا أردت قراءة القرآن فاكتفي بالمسبب الذي هو القراءة من السبب الذي هو الإرادة‏.‏

وقد جاء عنهم مبقل حكاها أبو زيد‏.‏

وقال داود ابن أبي دواد لأبيه في خبر لهما وقد قال له أبوه ما أعاشك بعدي‏:‏ أعاشني بعدك واد مبقل آكل من حوذانه وأنسل وقد جاء أيضاً حببته قال الشاعر‏:‏ ووالله لو تمره ما حببته ولا كان أدنى من عبيد ومشرق ونظير مجيء اسم الفاعل والمفعول جميعاً على حذف الزيادة فيما مضى مجيء المصدر أيضاً على حذفها نحو قولهم جاء زيد وحده‏.‏

فأصل هذا أوحدته بمروري إيحاداً ثم حذفت بمنجرد قيد الأوابد هيكل أي تقييد الأوابد ثم حذف زائدتيه وإن شئت قلت‏:‏ وصف بالجوهر لما فيه من معنى الفعل نحو قوله‏:‏ فلولا الله والمهر المفدى لرحت وأنت غربال الإهاب فوضع الغربال موضع مخرق‏.‏

وعليه ما أنشدناه عن أبي عثمان‏:‏ مئبرة العرقوب إشفى المرفق أي دقيقة المرفق وهو كثير‏.‏

فأما قوله‏:‏ وبعد عطائك المائة الرتاعا فليس على حذف الزيادة ألا ترى أن في عطاء ألف إفعال الزائدة‏.‏

ولو كان على حذف الزيادة لقال‏:‏ وبعد عطوك فيكون كوحده‏.‏

وقد ذكرنا هذا فيما مضى‏.‏

ولما كان الجمع مضارعاً للفعل بالفرعية فيهما جاءت فيه أيضاً ألفاظ على حذف الزيادة التي كانت في الواحد‏.‏

وذلك نحو قولهم‏:‏ كَرَوان وكِرْوان ووَرَشان ووِرْشان‏.‏

فجاء هذا على حذف زائدتيه حتى كأنه صار إلى فَعَل فجرى مجرى خَرَبٍ وخِرْبان وبَرَقٍ وبِرْقان قال‏:‏ وأنشدنا لذي الرمة‏:‏ من آل أبي موسى ترى الناس حوله كأنهم الكِرْوان أبصرن بازيا ومنه تكسيرهم فَعَالا على أفعال حتى كأنه إنما كُسِّر فَعَل وذلك نحو جواد وأجواد وعياءٍ وأعياءٍ وحياء وأحياء وعراءٍ وأعراءٍ وأنشدنا‏:‏ أو مُجْنَ عنه عَرِيت أعراؤه فيجوز أن يكون جمع عَراءٍ ويجوز أن يكون جمع عُرْى ويجوز أن يكون جمع عَراً من قولهم‏:‏ نزل بِعَرَاه أي ناحيته‏.‏

ومن ذلك قولهم‏:‏ نِعمة وأَنْعُم وشِدّة وأشُدّ في قول سيبويه‏:‏ جاء ذلك على حذف التاء كقولهم‏:‏ ذئب وأَذْؤب وقِطْع وأقُطع وضِرْس وأَضْرُس قال‏:‏ وقرعن نابك قَرْعة بالأضرِس وذلك كثير جداً‏.‏

وما يجيء مخالفاً ومنتقضاً أوسع من ذلك إلا أن لكل شيء منه عذراً وطريقاً‏.‏

وفصل للعرب طريف وهو إجماعهم على مجيء عين مضارع فعلته إذا كانت من فاعلني مضمومة البتة‏.‏

وذلك نحو قولهم‏:‏ ضاربني فضربته أضربه وعالمني فعلمته أعلمه وعاقلني من العقل فعقلته أعقله وكارمني فكرمته أكرمه وفاخرني ففخرته أفخره وشاعرني فشعرته أشعره‏.‏

وحكى الكسائي‏:‏ فاخرني ففخرته أفخَره بفتح الخاء وحكاها أبو زيد أفخُره بالضم على الباب‏.‏

كل هذا إذا كنت أقوم بذلك الأمر منه‏.‏

ووجه استغرابنا له أن خص مضارعه بالضم‏.‏

وذلك أنا قد دللنا على أن قياس باب مضارع فَعَل أن يأتي بالكسر نحو ضرب يضرب وبابه وأرينا وجه دخول يفعُل على يفعِل فيه نحو قَتَل يقْتُل ونخل ينخُلُ فكان الأحجى به هنا إذ أريد الاقتصار به على أحد وجهيه أن يكون ذلك الوجه هو الذي كان القياس مقتضياً له في مضارع فَعَل وهو يفعل بكسر العين‏.‏

وذلك أن العُرْف والعادة إذا أريد الاقتصار على أحد الجائزين أن يكون ذلك المقتصر عليه هو أقيسهما فيه ألا تراك تقول في تحقير أسود وجذول‏:‏ أسيد وجديل بالقلب وتجيز من بعد الإظهار وأن تقول‏:‏ أسيود وجديول فإذا صرت إلى باب مقام وعجوز اقتصرت على الإعلال البتة فقلت‏:‏ مقيِّم وعجيِّز فأوجبت أقوى القياسين لا أضعفهما وكذل نظائره‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد تقول‏:‏ فيها رجل قائم وتجيز فيه النصب فتقول‏:‏ فيها رجل قائماً فإذا قدمت أوجبت أضعف الجائزين‏.‏

فكذلك أيضاً تقتصر في هذه الأفعال نحو أكرمه وأشعُره على أضعف الجائزين وهو الضم‏.‏

قيل‏:‏ هذا إبعاد في التشبيه‏.‏

وذلك أنك لم توجب النصب في قائماً من قولك‏:‏ فيها رجل قائما و قائما هذا متأخر عن رجل في مكانه في حال الرفع وإما اقتصرت على النصب فيه لما لم يجز فيه الرفع أو لم يقو فجعلت أضعف الجائزين واجباً ضرورة لا اختياراً وليس كذلك كرمتته أكرمه لأنه لم ينقض شيء عن موضعه ولم يقدم ولم يؤخر‏.‏

ولو قيل‏:‏ كرمته أكرمه لكان كشتمته أشتمه وهزمته أهزمه‏.‏

وكذلك القول في نحو قولنا‏:‏ ما جاءني إلا زيداً أحد في إيجاب نصبه وقد كان النصب لو تأخر زيد أضعف الجائزين فيه إذا قلت‏:‏ ما جاءني أحد إلا زيداً الحال فيهما واحدة و ذلك أنك لما لم تجد مع تقديم المستثنى ما تبدله منه عدلت به للضرورة إلى النصب الذي كان جائزاً فيه متأخراً‏.‏

هذا كنصب فيها قائماً رجل البتة والجواب عنهما واحد‏.‏

وإذا كان الأمر كذلك فقد وجب البحث عن علة مجيء هذا الباب في الصحيح كله بالضم نحو أكرمه وأضرُبه‏.‏

وعلته عندي أن هذا موضع معناه الاعتلاء والغلبة فدخله بذلك معنى الطبيعة والنحيزة التي تغِلب ولا تُغلب و تلازم ولا تفارق‏.‏

وتلك الأفعال بابها‏:‏ فَعُل يفُعل نحو فقُه يفقُه إذا أجاد الفقه وعلُم يعلُم إذا أجاد العلم‏.‏

وروينا عن أحمد ابن يحيى عن الكوفيين‏:‏ ضَرُبتِ اليدُ يدهُ وكذلك نعتقد نحن أيضاً في الفعل المبني منه فعل التعجب أنه قد نقل عن فَعَل وفَعِل إلى فَعُلَ حتى صارت له صفة التمكن والتقدم ثم بني منه الفعل فقيل‏:‏ ما أفعله نحو ما أشعره إنما هو من شَعُر وقد حكاها أيضاً أبو زيد‏.‏

وكذلك ما أقتله وأكفره‏:‏ هو عندنا من قَتُل وكَفُر تقديراً وإن لم يظهر في اللفظ استعمالاً‏.‏

فلما كان قولهم‏:‏ كارمني فكرمته أكرمه وبابه صائراً إلى معنى فَعُلت أفُعل أتاه الضمّ من هناك‏.‏

فاعرفه‏.‏

فإن قلت‏:‏ فهلا لما دخله هذا المعنى تمموا فيه الشبه فقالوا‏:‏ ضربته أضرُبه وفَخُرْتُه أفْخُرهُ ونحو ذلك قيل‏:‏ منع من ذلك أن فَعُلْت لا يتعدى إلى المفعول به أبداً ويفعُل قد يكون في المتعدي كما يكون في غيره ألا ترى إلى قولهم‏:‏ سلبه يسلُبه وجلبه يجلبه ونخله ينخُله فلم يمنع من المضارع ما منع من الماضي فأخذوا منهما ما ساغ واجتنبوا ما لم يسغ‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد قالوا‏:‏ قاضاني فقضيته أقضيه وساعاني فسعيته أسعيه قيل‏:‏ لم يكن من يفعله ههنا بد مخافة أن يأتي على يفُعل فينقلب الياء واواً وهذا مرفوض في هذا النحو من الكلام‏.‏

وكما لم يكن من هذا بد ههنا لم يجئ أيضاً مضارع فَعَل منه مما فاؤه واو بالضم بل جاء بالكسر على الرسم وعادة العرب‏.‏

فقالوا‏:‏ واعدني فوعدته أعده وواجلني فوجلته أجِلُه وواضأني فوضأته أَضؤه‏.‏

فهذا كوضعته من هذا الباب أضعهُ‏.‏

ويدلك على أن لهذا الباب أثراً في تغييره باب فَعَل في مضارعه قولهم‏:‏ ساعاني فسعيته أسعيه ولم يقولوا‏:‏ أسعاه على قولهم‏:‏ سعى يسعى لما كان مكاناً قد رتب وقرر وزوى عن نظيره في غير هذا الموضع‏.‏

فإن قلت‏:‏ فهلا غيروا ما فاؤه واو كما غيروا ما لامه ياء فيما ذكرت فقالوا‏:‏ واعدني فووعدته أَوعُدُه لما دخله من المعنى المتجدد‏.‏

قيل‏:‏ فَعَل مما فاؤه واو لا يأتي مضارعه أبداً بالضمّ إنما هو بالكسر نحو وجد يجد ووزن يزن وبابه وما لامه ياء فقد يكون على يفعل كيرمى ويقضى وعلى يفعَل كيرعى ويسعى‏.‏

فأمر الفاء إذا كانت واواً في أغلظ حكماً من أمر اللام إذا كانت ياء‏.‏

فاعرف ذلك فرقاً‏.‏

  باب في تدافع الظاهر

هذا نحو من اللغة له انقسام‏.‏

فمن ذلك استحسانهم لتركيب ما تباعدت مخارجه من الحروف نحو الهمزة مع النون والحاء مع الباء نحو آن ونأى وحب وبحّ واستقباحهم لتركيب ما تقارب من الحروف وذلك نحو صس وسص وطث وثط‏.‏

ثم إنا من بعد نراهم يؤثرون في الحرفين المتباعدين أن يقربوا أحدهما من صاحبه ويدنوه إليه وذلك نحو قولهم في سويق‏:‏ صَوِيق وفي مساليخ‏:‏ مصاليخ وفي السوق‏:‏ الصوق وفي اصتبر‏:‏ اصطبر وفي ازتان‏:‏ ازدان ونحو ذلك ما أدنى فيه الصوتان أحدهما من الآخر مع ما قدمناه‏:‏ من إيثارهم لتباعد الأصوات إذ كان الصوت مع نقيضه أظهر منه مع قرينه ولصيقه ولذلك كانت الكتابة بالسواد في السواد خفية وكذلك سائر الألوان‏.‏

والجواب عن ذلك أنهم قد علموا أن إدغام الحرف في الحرف أخف عليهم من إظهار الحرفين ألا ترى أن اللسان ينبو عنهما معاً نبوة واحدة نحو قولك‏:‏ شد وقطع وسلم ولذلك ما حققت الهمزتان إذ كانتا عينين نحو سآل ورآس ولم تصحا في الكلمة الواحدة غير عينين ألا ترى إلى قولهم‏:‏ آمن وآدم وجاء وشاء ونحو ذلك‏.‏

فلأجل هذا ما قال يونس في الإضافة إلى مُثَنَّى‏:‏ مُثَنَّوِيّ فأجرى المدغم مجرى الحرف الواحد نحو نون مَثْنَّى إذا قلت‏:‏ مَثْنِوَيّ قال الشاعر‏:‏ حلفتُ يميناً غير ذي مَثْنَوِيَّةٍ ولأجل ذلك كان من قال‏:‏ هم قالوا فاستخف بحذف الواو ولم يقل في هن قلن إلا بالإتمام‏.‏

ولذلك كان الحرف المشدد إذا وقع روياً في الشعر المقيد خفف كما يسكن المتحرك إذا وقع روياً فيه‏.‏

فالمشدد نحو قوله‏:‏ أصحوت اليوم أم شاقتك هر ومن الحب جنون مستعر فقابل براء هر راء مستعر وهي خفيفة أصلاً‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ ففداء لبني قيس على ما أصاب الناس من سوء وضر ما أقلت قدمي إنهم نعم الساعون في الأمر المبر وأمثاله كثيرة‏.‏

والمتحرك نحو قول رؤبة‏:‏ وقاتم الأعماق خاوي المخترق ونحو ذلك مما كان مفرداً محركاً فأسكنه تقييد الروى‏.‏

ومن ذلك أن تبنى مما عينه واو مثل فِعَّ فتصح العين للإدغام نحو قِوَّل وقِوَّم فتصح العين فلما كان في إدغامهم الحرف في الحرف ما أريناه من استخفافهم إياه صار تقريبهم الحرف من الحرف ضرباً من التطاول إلى الإدغام‏.‏

وإن لم يصلوا إلى ذلك فقد حاولوه واشرأبوا نحوه إلا أنهم مع هذا لا يبلغون بالحرف المقرب من الآخر أن يصيروه إلى أن يكون من مخرجه لئلا يحصلوا من ذلك بين أمرين كلاهما مكروه‏.‏

أما أحدهما فأن يدغموا مع بعد الأصلين وهذا بعيد‏.‏

وأما الآخر فأن يقربوه منه حتى يجعلوه من مخرجه ثم لا يدغموه وهذا كأنه انتكاث وتراجع لأنه إذا بلغ من قربه إلى أن يصير من مخرجه وجب إدغامه فإن لم يدغموه حرموه المطلب المروم فيه ألا ترى أنك إذ قربت السين في سويق من القاف بأن تقلبها صاداً فإنك لم تخرج السين من مخرجها ولا بلغت بها مخرج القاف فيلزم إدغامها فيها‏.‏

فأنت إذاً قد رمت تقريب الإدغام المستخف لكنك لم تبلغ الغاية التي توجبه عليك وتنوط أسبابه بك‏.‏

وكذلك إذا قلت في اضتبر‏:‏ اصطبر فأنت قد قربت التاء من الصاد بأن قلبتها إلى أختها في الإطباق والاستعلاء والطاء مع ذلك من جملة مخرج التاء‏.‏

وكذلك إذا قلت في مصدر‏:‏ مزدر فأخلصت الصاد زايا‏:‏ قد قربتها من الدال بما في الزاي من الجهر ولم تختلجها عن مخرج الصاد‏.‏

وهذه أيضاً صورتك إذا أشممتها رائحة الزاي فقلت‏:‏ فإن كان الحرفان جميعاً من مخرج واحد فسلكت هذه الطريق فليس إلا أن تقلب أحدهما إلى لفظ الآخر البتة ثم تدغم لا غير‏.‏

وذلك نحو اطعن القوم أبدلت تاء أطتعن طاء البتة ثم أدغمتها فيها لا غير‏.‏

وذلك أن الحروف إذا كانت من مخرج واجد ضاقت مساحتها أنت تدنى بالتقريب منها لأنها إذا كانت معها من مخرجها فهي الغاية في قربها فإن زدت على ذلك شيئاً فإنما هو أن تخلص الحرف إلى لفظ أخيه البتة فتدغمه فيه لا محالة‏.‏

فهذا وجه التقريب مع إيثارهم الإبعاد‏.‏

ومن تدافع الظاهر ما تعلمه من إيثارهم الياء على الواو‏.‏

وذلك لويت ليا وطويت طياً وسيد وهين وطي وأغريت ودانيت واستقصيت ثم إنهم مع ذلك قالوا‏:‏ الفتوى والتقوى والثنوى فأبدلوا الياء واواً عن غير قوة علة أكثر من الاستحسان والملاينة‏.‏

والجواب عن هذا أيضاً أنهم مع ما أرادوه من الفرق بين الاسم والصفة على ما قدمناه أنهم أرادوا أن يعوضوا الواو من كثرة دخول الياء عليها‏.‏

ومثله في التعويض لا الفرق قولهم‏:‏ تقي وتقواء ومضى على مضوائه وهذا أمر ممضو عليه‏.‏

ونحوه في الإغراب قولهم‏:‏ عوى الكلب عوة وقياسه عيَّة‏.‏

وقالوا في العلم للفرق بينه وبين الجنس‏:‏ حَيْوة وأصله حيَّة فأبدلوا الياء واواً‏.‏

وهذا مع إيثارهم خص العلمِ بما ليس للجنس فلا ترين من ذلك شيئاً ساذجاً عارياً من غرض وصنعة‏.‏

ومن ذلك استثقالهم المثلين حتى قلبوا أحدهما في نحو أمليت وأصلها أمللت وفيما حكاه أحمد بن يحيى أخبرنا به أبو علي عنه من قولهم‏:‏ لا وربك لا أفعل يريدون‏:‏ لا وربك لا أفعل‏.‏

نعم وقالوا في أشد من ذا‏:‏ ينشب في المسعل واللهاء أنشب من مآشر حداء قالوا‏:‏ يريد‏:‏ حداد فأبدل الحرف الثاني وبينهما ألف حاجزة ثم قال مع هذا‏:‏ لقد تعللت على أيانق صهب قليلات القراد اللازق فجمعوا بين ثلاثة أمثال مصححة وقالوا‏:‏ تصببت عرقاً‏.‏

وقال العجاج‏:‏ إذا حجاجا مقلتيها هججا وأجازوا في مثل فرزدق من رددت رَدَدّد فجمعوا بين أربع دالات وكرهوا أيضاً حنيفي ثم جمعوا بين أربع ياءات فقال بعضهم‏:‏ أمَيِّيّ وعًدٍِتِّيّ وكرهوا أيضاً أربع ياءات بينهما حرف صحيح حتى حذفوا الثانية منها‏.‏

وذلك قولهم في الإضافة إلى أُسَيّدٍ‏:‏ أُسَيْديّ‏.‏

ثم إنهم جمعوا بين خمس ياءات مفصولاً بينهما بالحرف الواحد‏.‏

وذلك قولهم في الإضافة إلى مُهيتم مُهَيّيمِىّ‏.‏

والجواب عن كل فصل من هذا حاضر‏.‏

أما أمليت فلا إنكار لتخفيفه بإبداله‏.‏

وأما تعللت وهججا ونحو ذلك مما اجتمعت فيه ثلاثة أمثال فخارج على أصله وليس من حروف العلة فيجب تغييره‏.‏

والذي فعلوه في أمليت ولاوربيك لا أفعل وأنشب من مآشر حداء لم يكن واجباً فيجب هذا أيضاً وإنما غير استحساناً فساغ ذلك فيه ولم يكن موجباً لتغيير كل ما اجتمعت فيه أمثال ألا ترى أنهم لما قلبوا ياء طيء ألفا في الإضافة فقالوا‏:‏ طائي لم يكن ذلك واجباً في نظيره لما كان الأول مستحسناً‏.‏

وأما حنفي فإنهم لما حذفوا التاء شجعوا أيضاً على حذف الياء فقالوا‏:‏ حنفي‏.‏

وليس كذلك عديي وأميي فيمن أجازهما ألا ترى عدياً لما جرى مجرى الصحيح في اعتقاب حركات الإعراب عليه نحو عديِّ وعديَّا وعديِّ جرى مجرى حنيف فقالوا‏:‏ عديِّيِّ كما قالوا‏:‏ حنيفيّ‏.‏

وكذلك أُمَيِّيّ أجروه مجرى نميريّ وعقيليّ‏.‏

ومع هذا فليس أميّيّ وعدييّ بأكثر في كلامهم‏.‏

وإنما يقولها بعضهم‏.‏

وأما جمعهم في مهييمي بين خمس ياءات وكراهيتهم في أسيدي أربعاً فلأن الثانية من أسيديّ لما كانت متحركة وبعدها حرف متحرك قلقت لذلك وجفت‏.‏

ولما تبعتها في مهييميّ ياء المد لانت ونعمت‏.‏

وذلك من شأن المدات‏.‏

ولذلك استعملن في الأرداف والوصول والتأسيس والخروج وفيهن يجري الصوت للغناء والحداء والترنم والتطويح‏.‏

وبعد فإنهم إذا خففوا في موضع وتركوا آخر في نحوه كان أمثل من ألا يخففوا في أحدهما‏.‏

وكذلك جميع ما يرد عليك مما ظاهره ظاهر التدافع يجب أن ترفق به ولا تعنف عليه ولا تسرع إلى إعطاء اليد بانتقاض بابه‏.‏

والقياس الفياس‏.‏

  باب في التطوع بما لا يلزم

هذا أمر قد جاء في الشعر القديم والمولد جميعاً مجيئاً واسعاً‏.‏

وهو أن يلتزم الشاعر ما لا يجب عليه ليدل بذلك على غزره وسعة ما عنده‏.‏

فمن ذلك ما أنشده الأصمعي لبعض الرجاز‏:‏ وحسدٍ أوشلت من حظاظها على أحاسي الغيظ واكتظاظها حتى ترى الجواظ من فظاظها مذلوليا بعد شدا أفظاظها وخطة لا روح كظاظها أنشطت عني عروتي شظاظها بعد احتكاء أربتي أشظاظها بعزمة جلت غشا إلظاظها بجك كرش الناب لافتظاظها فالتزم في جميعها ما تراه من الظاء الأولى مع كون الروي ظاء على عزة ذلك مفرداً من الظاء الأول فكيف به إذا انضم إليه ظاء قبله‏.‏

وقلما رأيت في قوة الشاعر مثل هذا‏.‏

وأنشد الأصمعي أيضاً من مشطور السريع رائية طويلة التزم قائلها تصغير قوافيها في أكثر الأمر عز على ليلى بذي سدير سوء مبيتي ليلة الغمير مقبضاً نفسي في طمير تجمع القنفذ في الحجير تنتهض الرعدة في ظهيري يهفو إلى الزور من صديري مثل هرير الهر للهرير ظمآن في ريح وفي مطير وأرز قر ليس بالقرير من لدما ظهر إلى سحير حتى بدت لي جبهة القمير لأربع غبرن من شهير ثم غدوت غرضاً من فوري وقطقط البلة في شعيري يقذفني مور إلى ذي مور حتى إذا وركت من أييرى سواد ضيفيه إلى القصير رأت شحوبي وبذاذ شوري وجردبت في سمل عفير راهبة تكنى بأم الخير جافية معوى ملاث الكور تتحزم فوق الثوب بالزنير تقسم أستياً لها بنير وتضرب الناقوس وسط الدير كلهم أمعط كالنغير وأرملات ينتظرن ميرى قالت ألا أبشر بكل خير ودهنت وسرحت ضفيري وأدمت خبزي من صيير من صير مصرين أو البحير وبزييت نمس مرير وعدس قشر من قشير وقبصات من فغى تمير وأتأرتني نظرة الشفير وجعلت تقذف بالحجير شطرى وما شطري وما شطيري حتى إذا ما استنتفدت خبيري قامت إلى جنبي تمس أيري فزف رألى واستطير طيري وقلت‏:‏ حاجات عند غيري حقرت ألا يوم قد سيري إذ أنا مثل الفلتان العير حمساً ولا إضت كالنسير وحين أقعيت على قبيري أنتظر المحتوم من قديري كلا ومن منفعتي وخيري بكفه ومبدئي وحوري وكذلك ما أنشده الأصمعي من قول الآخر‏:‏ قالوا ارتحل فاخطب فقلت هلاَّ إذ روقاي معاً ما انفلاَ وإذ أؤل المشي ألاَّ ألاَّ وإذ أنا أرى ثوب الصبا رفلاَ علي أحوى ندياً مخضلاَّ حتى إذا ثوب الشباب ولَّى وانضم بدن الشيخ واسمألاَّ وانشنج العلباء فاقفعلاّ مثل نضي السقم حين بلاّ وحر صدر الشيخ حتى صلاّ على حبيب بان إذ تولَّى غادر شغلاً شاغلاً وولَّى قلت تعلق فيلقاً هوجلاّ عجاجة هجاجة تألَّى لأصبحن الأحقر الأذلاَّ وأن أعل الرغم علاَّ علاَّ فإن أقل يا ظبي حلاً حلاَّ تقلق وتعقد حبلها المنحلاّ وحملقت حولي حتى احولاَّ مأقاأ كرهان لها واقبلاّ إذا أتت جارتها تفلَّى تريك أشغى قلحاً أفلاّ منتوفة الوجه كأن ملاّ يمل وجه العرس فيه ملاّ كأن صاباً آل حتى امطلاّ تسفه وشبرما وخلاّ إن حل يوماً رحله محلاّ حمو لها أزجت إليه صلاّ وعقرباً تمتل ملاً ملاَّ ذاك وإن ذو رحمها استقلاّ من عثرة ماتت جوى وسلاّ أو كثر الشيء له أو قلاّ قالت لقد أثرى فلا تملَّى وإن تقل يا ليته استبلاّ من مرض أحرضه وبلاّ تقل‏:‏ لأنفيه ولا تعلَّى تسر إن يلق البلاد فلاّ مجروزة نفاسة وغلاّ وإن وصلت الأقرب الأخلاّ جنت جنوناً واستخفت قلاّ وأجللت من ناقع أفكلاّ إذا ظبي الكنسات انغلاّ تحت الإران سلبته الظلاَّ وإن رأت صوت السباب علَّى سحابة ترعد أو قسطلاّ أجت إليه عنقاً مئلاّ تقول لأبنيها إذا ما سلاّ سليلة من سرق أو غلاّ أو فجعا جيرتها فشلاّ وسيقة فكرشا وملاّ أحسنتما الصنع فلا تشلاّ لا تعدما أخرى ولا تكلاّ يا رب رب الحج إذ أهلاّ محرمه ملبياً وصلَّى وحل حَبْلَى رحله إذ حلاّ بالله قد أنضى وقد أكلاّ وأنقب الأشعر والأظلاّ من نافه قد انضوى واختلاّ يحمل بلو سفر قد بلَّى أجلاده صيامه وألاّ يزال نضو غزوة مملاّ وصال أرحام إذا ما ولَّى ذو رحم وصله وبلاّ سقاء رحم منه كان صلاّ وينفق الأكثر والأقلاّ من كسب ما طاب وما قد حلاّ إذا الشحيح غل كفاً غلاّ بسط كفيه معاً وبلاّ وحل زاد الرحل حلاً حلاَّ يرقب قرن الشمس إذ تدلَّى حتى إذا أوفى بلالاً بلاّ بدمعه لحيته وانغلاّ بها وفاض شرقاً فابتلاّ جيب الرداء منه فارمعلاّ وحفز الشأنين فاستهلاَّ كما رأيت الوشلين انهلاّ حتى إذا حبل الدعاء انحلاَّ وانقاض زبرا جاله فابتلاّ أثنى على الله علا وجلاّ ثم انثنى من بعد ذا فصلَّى على النبي نهلاً وعلاَّ وعم في دعائه وخلاّ ليس كمن فارق واستحلاّ دماء أهل دينه وولَّى وجهته سوى الهدى مولَّى مجتنباً كبرى الذنوب الجلّى مستغفراً إذا أصاب القلَّى لما أتى المزدلفات صلَّى سبعاً تباعاً حلهن حلاّ حتى إذا أنف الفجير جلَّى برقعه ولم يسر الجلاّ هب إلى نضيه فعلَّى رحيله عليه فاستقلاّ إني امرؤ أصفي الخلي الخله أمنحه ودي وأرعى إلَّه وأبغض الزيارة المملَّه وأقطع المهامه المضلَّه لست بها لركبها تعلَّه إلا نجاء الناجيات الجلّهْ على هبلِّ أو على هِبِلَّهْ ذات هباب جسرة شملّه ناجية في الخرق مشمعلّهْ تنسلُّ بعد العقب المكلّه مثل انسلال العضب من ذي الخلَّه وكاشح رقيت منه صلّه بالصفح عن هفوته والزلَّه حتى استللت ضغنه وغلّه وطامح ذي مخوة مدلّه حملته على شباة ألّه ولم أملَّ الشر حتى ملَّه وشنج الراحة مقفعلَّه ما إن تبض كفه ببلّه أفاد دثراً بعد طول خلّه وصار رب إبل وثلَّه لما ذممت دقه وجلّه ترى عليهم للندى أدلّه سماؤهم بالخير مستهلّه وغادروني بعدهم ذا غلَّه أبكيهم بعبرة منهلّه ثم صبرت واعتصمت بالله نفساً بحمل العبء مستقلَّه ودول الأيام مضمحله يشعبها ما يشعب الجبلّه تتابع الأيام والأهلًّه وأنشدنا أبو علي‏:‏ شلَّت يدا قارية فرتها وفقئت عين التي أرتها مسك شبوب ثم وفرتها لو خافت النزع لأصغرتها فلزم التاء والراء وليست واحدة منهما بلازمة‏.‏

والقطعة هائية لسكون ما قبل الهاء والساكن لا وصل له‏.‏

ويجوز مع هذه القوافي ذرها ودعها‏.‏

وأنشد ابن الأعرابي ليزيد بن الأعور الشني وكان أكرى بعيراً له فحمل عليه محملان أول ما علمت المحامل‏.‏

وهو قوله‏:‏ لما رأيت محمليه أنا مخدرين كدت أن أجنا قربت مثل العلم المبنى لا فاني السن وقد أسنا ضخم الملاط سبطاً عبنا يطرح بالطرف هُنَا وهَنّا وافتن من شأو النشاط فنا يدق حنو القتب المحنى إذا علا صوانة أرنا يرمعها والجندل الأغنا ضخم الجفور سهبلاً رفنا وفي الهباب سدماً معنى كأنما صريفه إذ طنا في الضالتين أخطبانٌ غنى مستحملاً أعرف قد تبنى كالصدع الأعصم لما اقتنا يقطع بعد الفيف مهوأنا وهو حديد القلب ما ارفأنا كأن شناً هزما وشنا قعقعه مهزج تعغنى تحت لبان لم يكن أدنا ألتزم النون المشددة في جميعها على ما تقدم ذكره وقال آخر‏:‏ إليك أشكو مشيها تدافيا مشي العجوز تنقل الأثافيا فالتزم الفاء ولست واجبة‏.‏

وقال آخر‏:‏ التزم الألف والحاء والياء وليست واحدة منهن لازمة لأنه قد يجوز مع هذه القوافي نحو يحدوه ويقفوه وما كان مثله‏.‏

وأنشد أبو الحسن‏:‏ ارفعن أذيال الحقيّ وأربعن مشي حييات كأن لم يفزعن إن تمنع اليوم نساء تمنعن فالتزم العين وليست بواجبة‏.‏

وقال آخر‏:‏ يا رب بكر بالردافي واسج اضطره الليل إلى عواسج عواسج كالعجز النواسج التزم الواو والسين وليست واحدة منهما بلازمة‏.‏

وقال آخر‏:‏ أعيني ساء الله من كان سره بكاؤكما ومن يحب أذاكما ولو أن منظوراً وحبة أسلما لنزع القذى لم يبرئا لي قذاكما التزم الذال والكاف‏.‏

وقالوا‏:‏ حبة امرأة هويها رجل من الجن يقال له منظور وكانت حبة لتطبب بما يعلمها منظور‏.‏

هل تعرف الدار بنعف الجرعاء بين رحا المثل وبين الميثاء كأنها باقي كتاب الإملاء غيرها بعدي مر الأنواء نوء الثريا أو ذراع الجوزاء قد أغتدى والطير فوق الأصواء مرتبئات فوق أعلى العلياء بمكرب الخلق سليم الأنقاء طرف تنقيناه خير الأفلاء لأمهاتٍ نسبت وآباء ثمت قاظ مرفها في إدناء مداخلاً في طولٍ وأغماء وفي الشعير والقضيم الأجباء وما أراد من ضروب الأشياء دون العيال وصغار الأبناء مقفى على الحي قصير الأظماء أمبسوا فقادوهن نحو الميطاء بمائتين بغلاء الغلاء أوفيته الزرع وفوق الإيفاء قد فزعوا غلمانها بالإيصاء مخافة السبق وجد الأنباء فلحقت أكبادهم بالأحشاء بالت وباتوا كبلايا الأبلاء مطلنفئين عندها كالأطلاء مستويات كنعال الحذاء فهن يعبطن جديد البيداء ما لا يسوى عبطه بالرفاء يتبعن وقعاً عند رجع الأهواء بسلبات كمساحي البناء يتركن في متن أديم الصحراء مساحبا مثل احتفار الكماء وأسهلوهن دقاق البطحاء يثرن من أكدارها بالدقعاء منتصباً مثل حريق القصباء كأنها لما رآها الرآء وأنشزتهن علاة البيداء ورفع اللامع ثوب الإلواء عقبان دجن في ندى وأسداء كل أغر محك وغراء شادخة غرتها أو قرحاء قد لحقت عصمتها بالأطباء من شدة الركض وخلج الأنساء كأنما صوت حفيف المعزاء معزول شذان حصاها الأقصاء صوت نشيش اللحم عند القلاء اطرد جميع قوافيها على جر واضعها إلا بيتاً واحداً وهو قوله‏:‏ وذلك أن لمَّا مضافة إلى قوله‏:‏ رآها الرآء والفعل لذلك مجرور الموضع بإضافة الظرف الذي هو لمّا إليه كما أن قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ الفعل الذي هو جاءَ في موضع جر بإضافة الظرف الذي هو إذا إليه‏.‏

وإذا كان كذلك وكان صاحب الجملة التي هي الفعل والفاعل إنما هو الفاعل وإنما جيء بالفعل له ومن أجله وكان أشرف جزءيها وأنبههما صارت الإضافة كأنها إليه فكأن الفاعل لذلك في موضع جر لا سيما وأنت لو لخصت الإضافة هنا وشرحتها لكان تقديرها‏:‏ كأنها وقت رؤية الرآء لها‏.‏

فالرآء إذاً مع الشرح مجرور لا محالة‏.‏

نعم وقد ثبت أن الفعل مع الفاعل في كثير من الأحكام والأماكن كالشيء الواحد‏.‏

وإذا كان الفعل مجرور الموضع والفاعل معه كالجزء منه دخل الفاعل منه في اعتقاد تلخيصه مجروراً في اللفظ موضعه كما أن النون من إذن لما كانت بعض حرف جرى عليها ما يجري على الحرف المفرد من إبداله في الوقف ألفاً وذلك قولهم‏:‏ لأقومن إذاً كما تقول‏:‏ ضربت زيداً ومع النون الخفيفة للواحد‏:‏ اضرباً‏.‏

فكما أجريت على بعض الحرف ما يجري على جميعه من القلب كذلك أجريت على بعض الفعل وهو الفاعل ما يجري على جميعه من الحكم‏.‏

ومما أجرى فيه بعض الحرف مجرى جميعه قوله‏:‏ فبات متصباً وما تكردسا فأجرى منتصباً مجرى فخذ فأسكن ثانيه وعليه حكاية الكتاب‏:‏ أراك منتفخاً‏.‏

ونحو من قوله‏:‏ لما رآها الرآء في توهم جر الفاعل قول طرفة‏:‏ وسديف حين هاج الصنبر كأنه أراد‏:‏ الصنيبر ثم تصور معنى الإضافة فصار إلى أنه كأنه قال‏:‏ حين هيج الصنبر ثم نقل الكسرة على حد مررت ببكر وأجرى صنَبِر من الصنّبر مجرى بكر على قوله‏:‏ أراك منتفخاً‏.‏

وأعلى من هذا أن مجيء هذا البيت في هذه القصيدة مخالفاً لجميع أبياتها يدل على قوة شاعرها وشرف صناعته وأن ما وجد من تتالي قوافيها على جر مواضعها ليس شيئاً سعى فيه ولا أكره طبعه عليه وإنما هو مذهب قاده إليه علو طبقته وجوهر فصاحته‏.‏

وعلى ذلك ما أنشدناه أبو بكر محمد بن علي عن أبي إسحاق لعبيد من قوله‏:‏ يا خليلي أربعاً واستخبرا ال منزل الدارس من أهل الحلال مثل سحق البرد عفى بعدك ال قطر مغناه وتأويب الشمال ولقد يغنى به جيرانك ال ممسكو منك بأسباب الوصال ثم أودى ودهم إذ أزمعوا ال بين والأيام حال بعد حال نحن قدنا من أهاضيب الملاال خيل في الأرسان أمثال السعالى شزبا يعسفن من مجهولة ال أرض وعثاً من سهول أو رمال فانتجعنا الحارث الأعرج في جحفل كالليل خطار العوالي يوم غادرنا عدياً بالقنا الن بل السمر صريعاً في المجال ثم عجناهن خوصاً كالقطا ال قاربات الماء من أين الكلال نحو قوص يوم جالت حوله ال خيل قباً عن يمين أو شمال كم رئيس يقدم الألف على السابح الأجرد ذي العقب الطوال قد أباحت جمعه أسيافنا ال بيض في البروعة من حي حلال ولنا دار ورثناها عن ال أقدم القدموس من ع وخال منزل دمنه آباؤنا ال مورثونا المجد في أولى الليالي ما لنا فيها حصون غير ما ال مقربات الخيل تعدو بالرجال في روابي عدملى شامخ ال أنف فيه إرث مجد وجمال فانتجعنا الحارث الأعرج في فصار هذا البيت الذي نقض القصيدة أن تمضى على ترتيب واحد هو أفخر ما فيها‏.‏

وذلك أنه دل على أن هذا الشاعر إنما تساند إلى ما في طبعه ولم يتجشم إلا ما في نهضته ووسعه من غير اغتصاب له ولا استكراه أجاءه إليه إذ لو كان ذلك على خلاف ما حددناه وأنه إنما صنع الشعر صنعاً وقابله بها ترتيباً ووضعاً لكان قمنا ألا ينقض ذلك كله بيت واحد يوهيه ويقدح فيه‏.‏

وهذا واضح‏.‏

وأما قول الآخر‏:‏ قد جعل النعاس يغرنديني أدفعه عني ويسرنديني فلك فيه وجهان‏:‏ إن شئت جعلت رويه النون وهو الوجه‏.‏

وإن شئت الياء وليس بالوجه‏.‏

وإن أنت جعلت النون هي الروى فقد التزم الشاعر فيها أربعة أحرف غير واجبة وهي الراء والنون والدال والياء‏.‏

ألا ترى أنه يجوز معها يعطيني ويرضيني ويدعوني ويغزوني ألا ترى أنك إذا جعلت الياء هي الروى فقد زالت الياء أن تكون ردفاً لبعدها عن الروى‏.‏

نعم وكذلك لما كانت النون روياً كانت الياء غير لازمة‏.‏

وإن أنت جعلت الياء الروى فقد التزم فيه خمسة أحرف غير لازمة وهي الراء والنون والدال والياء والنون لأن الواو يجوز معها ألا ترى أنه ومما يسأل عنه من هذا النحو قول الثقفي يزيد بن الحكم‏:‏ وكم منزل لولاي طحت كما هوى بها بأجرامه من قلة النيق منهو التزم الواو والياء فيها كلها‏.‏

والجواب أنها واوية لأمرين‏:‏ أحدهما أنك إذا جعلتها واوية كانت مطلقة ولو جعلتها يائية كانت مقيدة والشعر المطلق أضعاف المقيد والحمل إنما يجب أن يكون على الأكثر لا على الأقل‏.‏

والآخر أنه قد التزم الواو فإن جعلت القصيدة واوية فقد التزم واجباً وإن جعلتها يائية فقد التزم غير واجب واعتبرنا هذه اللغة وأحكامها ومقاييسها فإذا الملتزم أكثره واجب وأقله غير واجب والحمل على الأكثر دون الأقل‏.‏

فإن قلت‏:‏ فإن هذه القلة أفخر من الكثرة ألا ترى أنها دالة على قوة الشاعر‏.‏

وإذا كانت أنبه وأشرف كان الآخذ يجب أن يكون بها ولم يحسن العدول عنها مع القدرة عليها‏.‏

وكما أن الحمل على الأكثر فكذلك يجب أن يكون الحمل على الأقوى أولى من الحمل على الأدنى‏.‏

قيل‏:‏ كيف تضرفت الحال فينبغي أن يعمل على الأكثر لا على الأقل وإن كان الأقل أقوى قياساً ألا ترى إلى قوة قياس قول بني تميم في ‏"‏ ما ‏"‏ وأنها ينبغي أن تكون غير عاملة في أقوى القياسين عن سيبويه‏.‏

ومع ذا فأكثر المسموع عنهم إنما هو لغة أهل الحجاز وبها نزل القرآن‏.‏

وذلك أننا بكلامهم ننطق فينبغي أن يكون على ما استكثروا منه يحمل‏.‏

هذا هو قياس مذهبهم وطريق اقتفائهم‏.‏

ووجدت أكثر قافية رؤبة مجرورة الموضع‏.‏

وإذا تأملت ذلك وجدته‏.‏

أعني قوله‏:‏ وقاتم الأعماق خاوي المخترق وقد التزم العجاج في رائيته‏:‏ قد جبر الدين إلاله فجبر وذلك أنه التزم الفتح قبل رويها البتة‏.‏

ولعمري إن هذا مشروط في القوافي غير أنك قلما تجد قافية مقيدة إلا وأتت الحركات قبل رويها مختلفة وإنما المستحسن من هذه الرائية سلامتها مما لا يكاد يسلم منه غيرها‏.‏

فإن كانت المقيدة مؤسسة ازداد اختلاف الحركات قبل رويها قبحا‏.‏

وذلك أنه ينضاف إلى قبح اختلافه أن هناك تأسيساً ألا ترى أنه يقبح اختلاف الإشباع إذا كان الروى مطلقاً نحو قوله‏:‏ فالفوارع مع قوله‏:‏ فالتدافع‏.‏

فما ظنك إذا كان الروي مقيداً‏.‏

وقد أحكمنا هذا في كتابنا المعرب في شرح قوافي أبي الحسن‏.‏

وقد قال هميان بن قحافة‏:‏ لما رأتني أم عمرو صدفت قد بلغت بي ذرأة فألحفت وهي تسعة وثلاثون بيتاً التزم في جميعها الفاء وليست واجبة وإن كانت قريبةً من صورة الوجوب‏.‏

وذلك أن هذه التاء في الفعل إذا صارت إلى الاسم صارت في الوقف هاء في قولك‏:‏ صادفة وملحفة ومحلنقفة فإذا صارت هاء لم يكن الروي إلا ما قبلها فكأنها لما سقط حكمها مع الاسم من ذلك الفعل صارت في الفعل نفسه قريبة من ذلك الحكم‏.‏

وهذا الموضع لقطرب‏.‏

وهو جيد‏.‏

ومن ذلك تائية كثير‏:‏ خليلي هذا ربع عزة فاعقلا لزم في جميعها اللام والتاء‏.‏

ومنه قول منظور‏:‏ من لي من هجران ليلى من لي لزم اللام المشدد إلى آخرها‏.‏

وفي المحدثين من يسلك هذا الطريق وينبغي أن يكونوا إليه أقرب وبه أحجى إذ كانوا في صنعة الشعر أرحب ذراعاً وأوسع خناقاً لأنهم فيه متأنون وعليه متلومون و ليسوا بمرتجليه ولا مستكرهين فيه‏.‏

وقد كان ابن الرومي رام ذلك لسعة حفظه وشدة مأخذه‏.‏

فمن ذلك رائيته في وصف العنب وهي قوله‏:‏ ورازقي مخطف الخصور كأنه مخازن البلور التزم فيها الواو البتة ولم يجاوزها غالباً‏.‏

وكذلك تائيته‏:‏ أترفتها وخطرقتها وسفسفتها التزم فيها الفاء وليست بواجبة وكذلك ميميته التي يرثي بها أمه‏:‏ أفيضا دَماً إن الرزايا لها قيَم أوجب على نفسه الفتحة قبل الميم على حد رائية العجاج‏:‏ قد جبر الدين الإله فجبر غير أني أظن أن في هذه الميمية بيتاً ليس من قبل رويه مفتوحاً‏.‏

وأنشدني مرة بعض أحداثنا شيئاً سماه شعراً على رسم للمولدين في مثله غير أنه عندي أنا قوافٍ منسوقة غير محشوة في معنى قول سلم الخاسر‏:‏ موسى القمر غيث بكر ثم انهمر وقول الآخر‏:‏ قالت حيل شؤم الغزل هذا الرجل حين احتفل أهدى بصل والقوافي المنسوقة التي أنشدنيها صاحبنا هذا ميمية في وزن قوله‏:‏ طيف ألم لا يحضرني الآن حفظها غير أنه التزم فيها الفتحة البتة إلا قافية واحدة وهو قوله‏:‏ فاسلم ودم ورأيته قلقاً لاضطراره إلى مخالفة بقية القوافي بها فقلت له‏:‏ لا عليك فلك أن تقول‏:‏ فاسلم ودم أمرا من قولهم‏:‏ دام يدام وهي لغة قال‏:‏ يا مي لا غرو ولا ملاما في الحب إن الحب لن يداما فسر بذلك وقال‏:‏ أسير بها إلى بلدي‏.‏

وأفضينا إلى هذا القدر لاتصاله با كنا عليه قال‏:‏ وعند سعيد غير أن لم أبح به ذكرتك إن الأمر يذكر للأمر وأكثر هذه الالتزامات في الشعر لأنه يخطر على نفسه ما تبيحه الصنعة إياه إدلالاً وتغطرفاً واقتداراً وتعالياً‏.‏

وهو كثير‏.‏

وفيما أوردناه منه كاف‏.‏

فأما في غير الشعر فنحو قولك في جواب من سألك فقال لك‏:‏ أي شيء عندك‏:‏ زيد أو عمرو أو محمد الكريم أو علي العاقل‏.‏

فإنما جوابه الذي لا يقتضي السؤال غيره أن يجيبه بنكرة في غاية شياع مثلها فيقول‏:‏ جسم‏.‏

ألا ترى أنه قد يجوز أن يكون في قوله‏:‏ أي شيء عندك إنما أراد أن يستفصلك بين أن يكون عندك علم أو قراءة أو جود أو شجاعة وأن يكون عندك جسم ما‏.‏

فإذا قلت‏:‏ جسم فقد فصلت بين أمرين قد كان يجوز أن يريد منك فصلك بينهما‏.‏

إلا أن جسماً وإن كان قد فصل بين المعنيين فإنه مبالغ في إبهامه‏.‏

فإن تطوعت زيادة على هذا قلت‏:‏ حيوان‏.‏

وذلك أن حيواناً أخص من جسم كما أن جسماً أخض من شيء‏.‏

فإن تطوع شيئاً آخر قال في جواب أي شيء عندك‏:‏ إنسان لأنه أخص من حيوان ألا تراك تقول‏:‏ كل إنسان حيوان وليس كل حيوان إنساناً كما تقول‏:‏ كل إنسان جسم وليس كل جسم إنساناً‏.‏

فإن تطوع بشيء آخر قال‏:‏ رجل‏.‏

فإن زاد في التطوع شيئاً آخر قال‏:‏ رجل عاقل أو نحو ذلك‏.‏

فإن تطوع شيئاً آخر قال‏:‏ زيد أو عمرو أو نحو ذلك‏.‏

فهذا كله تطوع بما لا يوجبه سؤال هذا السائل‏.‏

ومنه قول أبي دواد‏:‏ فقصرن الشتاء بعد عليه وهو للذود أن يقسمن جار فهذا جواب كم كأنه قال‏:‏ كم قصرن عليه وكم ظرف ومنصوبة الموضع فكان قياسه أن يقول‏:‏ ستة أشهر لأن كم سؤال عن قدر من العدد محصور فنكرة هذا كافية من معرفته ألا ترى أن قولك‏:‏ عشرون والعشرون وعشروك ونحو ذلك فائدته في العدد واحدة لكن المعدود معرفة مرة ونكرة أخرى‏.‏

فاستعمل الشتاء وهو معرفة في جواب كم‏.‏

وهذا تطوع بما لا يلزم‏.‏

وليس عيباً بل هو زائد على المراد‏.‏

وإنما العيب أن يقصر في الجواب عن مقتضى السؤال فأما إذا زاد عليه فالفضل معه واليد له‏.‏

وجاز أن يكون الشتاء جواباً لكم من حيث كان عددا في المعنى ألا تراه ستة أشهر‏.‏

وافقنا أبو علي رحمه الله على هذا الموضع من الكتاب وفسره ونحن بحلب فقال‏:‏ إلا في هذا البلد فإنه ثماية أشهر‏.‏

يريد طول الشتاء بها‏.‏

ومن ذلك قولك في جواب من قال لك‏:‏ الحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية‏:‏ الحسن أو قولك‏:‏ الحسين‏.‏

وهذا تطوع من المجيب بما لا يلزم‏.‏

وذلك أن جوابه على ظاهر سؤاله أن يقول له‏:‏ أحدهما ألا ترى أنه لما قال له‏:‏ الحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية فكأنه قال‏:‏ أ أحدهما أفضل أم ابن الحنفية فجوابه على ظاهر سؤاله أن يقول‏:‏ أحدهما‏.‏

فقوله‏:‏ الحسن أو قوله‏:‏ الحسين فيه زيادة تطوع بها لم ينطو السؤال على استعلامها‏.‏

ونظير قوله في الجواب على اللفظ أن يقول‏:‏ الحسن أو الحسين لأن قوله‏:‏ أو الحسين بمنزلة أن يقول‏:‏ أحدهما‏.‏

والجواب المتطوع فيه أن يقول‏:‏ الحسن ويمسك أو أن يقول‏:‏ الحسين ويمسك‏.‏

فأما إن كان كيسانياً فإنه يقول‏:‏ ابن الحنفية هكذا كما ترى‏.‏

فإن قال‏:‏ الحسن أفضل أم الحسين أو ابن الحنفية فقال‏:‏ الحسن فهو جواب لا تطوع فيه‏.‏

فإن قال‏:‏ أحدهما فهو جواب لا تطوع فيه أيضاً‏.‏

فإن قال‏:‏ الحسين ففيه تطوع‏.‏

وكذلك إن قال‏:‏ ابن الحنفية فقد تطوع أيضاً‏.‏

فإن قال‏:‏ الحسن أو ابن الحنفية أفضل أم الحسين فقال له المجيب‏:‏ الحسين فهو جواب لا تطوع فيه‏.‏

فإن قال‏:‏ أحدهما فهو أيضاً جواب لا تطوع فيه‏.‏

فإن قال‏:‏ الحسن أو قال‏:‏ ابن الحنفية ناصاً على أحدهما معيناً فهو جواب متطوع فيه على ما بينا فيما قبل‏.‏

ومن التطوع المشام للتوكيد قول الله سبحانه‏:‏ ‏{‏إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ‏}‏{‏وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ‏}‏ وقولهم‏:‏ مضى أمس الدابر وأمس المدبر‏.‏

وهو كثير‏.‏

وأنشد الأصمعي‏:‏ وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم بصهاب هامدةً كأمس الدابر وقال‏:‏ خبلت غزالة قلبه بفوارسٍ تركت منازله كأمس الدابر ومن ذلك أيضاً الحال المؤكدة كقوله‏:‏ كفى بالنأى من أسماء كاف لأنه إذا كفى فهو كاف لا محالة‏.‏

ومنه قولهم‏:‏ أخذته بدرهم فصاعداً هذه أيضاً حال مؤكدة ألا ترى أن تقديره‏:‏ فزاد الثمن صاعداً ومعلوم أنه إذا زاد الثمن لم يكن إلا صاعداً‏.‏

غير أن للحال هنا مزية عليها في قوله‏:‏ كفى بالنأي من أسماء كاف لأن صاعدا ناب في اللفظ عن الفعل الذي هو زاد وكاف ليس بنائب في اللفظ عن شيء ألا ترى أن الفعل الناصب له ملفوظ به معه‏.‏

ومن الحال المؤكدة قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ‏}‏ وقول ابن دارة‏:‏ أنا ابن دارة معروفاً بها نسبي وهو باب منقاد‏.‏

فأما قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ‏}‏ فيكون من هذا‏.‏

وقد يجوز أن يكون قوله سبحانه ‏{‏بِجَنَاحَيْهِ‏}‏ مفيداً‏.‏

وذلك أنه قد يقال في المثل‏:‏ طاروا علاهن فشل علاها وقال آخر‏:‏ وطرت بالرحل إلى شملة إلى أمون رحلةٍ فذلت ومن أبيات الكتاب‏:‏ وقال القطامي‏:‏ ونفخوا عن مدائنهم فطاروا وقال العجاج‏:‏ طرنا إلى كل طوال أعوجا وقال العنبري‏:‏ طاروا إليه زرافاتٍ وأحدانا وقال النابغة الذبياني‏:‏ يطير فضاضاً بينها كل قونسٍ فيكون قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ‏}‏ على هذا مفيداً أي ليس الغرض تشبيهه بالطائر ذي الجناحين بل هو الطائر بجناحيه البتة‏.‏

وكذلك قوله عز اسمه‏:‏ ‏{‏فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ‏}‏ قد يكون قوله من فوقعهم مفيداً‏.‏

وذلك أنه قد يستعمل في الأفعال الشاقة المستثقلة على قول من يقول‏:‏ قد سرنا عشراً وبقيت علينا ليلتان وقد حفظت القرآن وبقيت علي منه سورتان وقد صمنا عشرين من الشهر وبقي علينا عشر‏.‏

وكذلك يقال في الاعتداد على الإنسان بذنوبه وقبيح أفعاله‏:‏ قد أخرب علي ضيعتي وموت علي عواملي وأبطل علي انتفاعي‏.‏

فعلى هذا لو قيل‏:‏ فخر عليهم السقف ولم يقل‏:‏ من فوقهم لجاز أن يظن به أنه كقولك‏:‏ قد خربت عليهم دارهم وقد أهلكت عليهم مواشيهم وغلاتهم وقد تلفت عليهم تجاراتهم‏.‏

فإذا قال‏:‏ من فوقهم زال ذلك المعنى المحتمل وصار معناه أنه سقط وهم من تحته‏.‏

فهذا معنى غير الأول‏.‏

وإنما اطردت على في الأفعال التي قدمنا ذكرها مثل خربت عليه ضيعته وموتت عليه عوامله ونحو ذلك من حيث كانت على في الأصل للاستعلاء‏.‏

فلما كانت هذه الأحوال كلفاً ومشاق تخفض الإنسان وتضعه و تعلوه وتفرعه حتى يخضع لها ويخنع لما يتسداه منها كان ذلك من مواضع على ألا تراهم يقولون‏:‏ هذا لك وهذا عليك فتستعمل اللام فيما تؤثره وعلى فيما تكرهه قالت‏:‏ سأحمل نفسي على آلة فإما عليها وإما لها وقال ابن حلزة‏:‏ فله هنا لك لا عليه إذا دنعت أنوف القوم للتعس فمن هنا دخلت على هذه في هذه الأفعال التي معناها إلى الإخضاع والإذلال‏.‏

وما يتطوع به من غير وجوب كثير‏.‏

وفيما مضى منه كاف ودال عليه بإذن الله‏.‏

  باب في التام يزاد عليه فيعود ناقصا

هذا موضع ظاهره ظاهر التناقض ومحصوله صحيح واضح‏.‏

وذلك قولك‏:‏ قام زيد فهذا كلام تام فإن زدت عليه فقلت‏:‏ إن قام زيد صار شرطاً واحتاج إلى جواب‏.‏

وكذلك قولك‏:‏ زيد منطلق فهذا كلام مستقل فإذا زاد عليه أن المفتوحة فقال أن زيداً منطلق احتاج إلى عامل يعمل في أن وصلتها فقال‏:‏ بلغني أن زيداً منطلق ونحوه‏.‏

وكذلك قولك‏:‏ زيد أخوك فإن زدت عليه أعلمت لم تكتف بالاسمين فقلت‏:‏ أعلمت بكراً زيداً أخاك‏.‏

وجماع هذا أن كل كلام مستقل زدت عليه شيئاً غير معقود بغيره ولا مقتض أسواه فالكلام باق على تمامه قبل المزيد عليه‏.‏

فإن زدت عليه شيئاً مقتضياً لغيره معقوداً به عاد الكلام ناقصاً لا لحاله الأولى بل لما دخل عليه معقوداً بغيره‏.‏

فنظير الأول قولك‏:‏ زيد قائم وما زيد قائم وقائماً على اللغتين وقولك‏:‏ قام محمد وقد قام محمد وما قام محمد وهل قام محمد وزيد أخوك وإن زيداً أخوك وكان زيد أخاك ونظير الثاني ما تقدم من قولنا‏:‏ قام زيد وإن قام زيد‏.‏

فإن جعلت إن هنا نفياً بقي على تمامه ألا تراه بمعنى ما قام زيد‏.‏

ومن الزائد العائد بالتمام إلى النقصان قولك‏:‏ يقوم زيد فإن زدت اللام والنون فقلت‏:‏ ليقومن زيد فهو محتاج إلى غيره وإن لم يظهر هنا في اللفظ ألا ترى أن تقديره عند الخليل أنه جواب قسم أي أقسم ليقومن أو نحو ذلك‏.‏

فاعرف ذلك إلى ما يليه‏.‏