فصل: باب الوصية للوارث والأجنبي والقاتل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب الوصية في الحج:

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثُلُثُهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَةٍ، فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ بِالثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ وَلِلْمُوصَى لَهُ الْوَارِثُ الْمَنْفَعَةُ، وَهُوَ قَصَدَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ صَرْفَ الْمِائَةِ مِنْ مَالِهِ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقُرْبَةِ فَيَجِبُ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ وَثُلُثُهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَةٍ يُتَصَدَّقُ عَنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ.
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهِيَ ثُلُثُهُ فَحَجَّ الْوَصِيُّ بِهَا فَبَقِيَ مِنْ نَفَقَةِ الْحَاجِّ وَكِسْوَتِهِ وَإِطْعَامِهِ شَيْءٌ كَانَ ذَلِكَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ عَنْ الْغَيْرِ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيمَا يَفْضُلُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْحَجِّ لَا يَجُوزُ فَمَا يَفْضُلُ بَعْدَ رُجُوعِهِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ فَرَغَ عَنْ وَصِيَّتِهِ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ جَامَعَ فَفَسَدَ حَجُّهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَرَدُّ مَا بَقِيَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ بِشَرْطِ أَنْ يُؤَدِّيَ بِسَفَرِهِ حَجَّةً صَحِيحَةً، وَقَدْ فَوَّتَ هَذَا الشَّرْطَ بِالْإِفْسَادِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا بَقِيَ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَنْفَقَ بِغَيْرِ رِضَا الْمُوصِي، ثُمَّ ذَكَرَ مَا لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ أَوْ قَرَنَ أَوْ اعْتَمَرَ عَنْ آخَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الْمَنَاسِكِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرُوا رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْهُ فَحَجَّ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا يَفْضُلُ فِي يَدِهِ مِنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَكَانَ بَاطِلًا وَمَتَى بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بَقِيَ مُجَرَّدُ الْإِذْنِ كَمَا فِي اسْتِئْجَارِ النَّخِيلِ لِتَرْكِ الثِّمَارِ عَلَيْهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا فَضَلَ فِي يَدِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ بِإِذْنٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ عَجَزَتْ النَّفَقَةُ عَنْهُ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُكْمِلُوا لَهُ نَفَقَةَ مِثْلِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لَهُ وَتُجْزِي الْحَجَّةُ عَنْ الْمَيِّتِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَمَرُوهُ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ، وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ مَنْ قَدْ حَجَّ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى أَدَاءِ الْأَفْعَالِ وَأَبْصَرُ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَاشْتِبَاهِ الْآثَارِ، وَإِنْ حَجَّ عَنْهُ ضَرُورَةً جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمَنَاسِكِ، وَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ امْرَأَةً، فَإِنَّهُ يُجْزِيهِمْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخَثْعَمِيَّةَ حِينَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا أَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إحْجَاجُ الْمَرْأَةِ عَنْ الرَّجُلِ، وَقَدْ أَسَاءُوا فِي ذَلِكَ لِنُقْصَانِ حَالِ النِّسَاءِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ حَتَّى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَلْبَسُ الْمِخْيَطَ فِي إحْرَامِهَا وَلَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَلَا تَرْمُلُ فِي الطَّوَافِ وَلَا تَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي وَتَتْرُكُ طَوَافَ الصَّدْرِ بِعُذْرِ الْحَيْضِ وَلَا ضَرُورَةَ لَهُمْ فِي إحْجَاجِهَا عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ فِيمَنْ يَحُجُّ عَنْ الرِّجَالِ كَثْرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُوصِيَةُ فَأَحَجُّوا عَنْهَا رَجُلًا أَجْزَأَهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ كَانَ مَقْصُودَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودَهَا، وَإِذَا أَوْصَى بِالْحَجِّ، فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ لِلْحَجِّ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِهِ وَيَتَجَهَّزُ لِسَفَرِ الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَهُ تَجْهِيزُ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَإِنْ مَاتَ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ خَرَجَ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ أَيْضًا، وَإِنْ خَرَجَ هُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ.
وَفِي الْجَامِعِ ذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَفِي الْقِيَاسِ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ بَاشَرَ بَعْضَ الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ فَيَبْنِي عَلَيْهِ كَمَا إذَا وَصَّى بِإِتْمَامِهِ وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ خُرُوجَهُ عَلَى قَصْدِ الْحَجِّ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ قَالَ اللَّهُ- تَعَالَى-: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} الْآيَةَ وَلَمْ يَنْقَطِعْ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ»، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّ سَفَرَهُ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَدَاءِ الْحَجِّ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُؤَدِّيًا شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا يُخَمَّرُ وَجْهُهُ وَرَأْسُهُ وَلَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ عَلَى الْمُنْقَطِعِ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الطَّرِيقِ تَحْصِيلَ مَقْصُودِهِ، وَفِي الْأَخْذِ بِالْقِيَاسِ تَفْوِيتُ مَقْصُودِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ رُبَّمَا يَمُوتُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَحُجَّ آخَرُ مِنْ بَلَدِهِ أَيْضًا حَتَّى يَفْنَى فِي ذَلِكَ مَالُهُ قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ مَقْصُودُهُ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَمَلَهُ قَدْ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ وَلَا بِنَاءَ عَلَى الْمُنْقَطِعِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ، ثُمَّ مَاتَ وَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَبَيَانُ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا ثَلَاثَةٌ»، وَالْخُرُوجُ لِلْحَجِّ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَيَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ، ثُمَّ خُرُوجُهُ إنَّمَا يَكُونُ قُرْبَةً بِطَرِيقٍ مُوَصِّلٍ إلَى أَدَاءِ الْحَجِّ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْخُرُوجَ مَا كَانَ يُوَصِّلُهُ إلَى ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ ظَهَرَ بِمَوْتِهِ أَنَّ سَفَرَهُ كَانَ سَفَرَ الْمَوْتِ لَا سَفَرَ الْحَجِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «إذَا أَرَادَ اللَّهُ- تَعَالَى- قَبْضَ رُوحِ عَبْدٍ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إلَيْهَا حَاجَةً»، فَكَانَ هَذَا فِي الْمَعْنَى وَخُرُوجُهُ لِلتِّجَارَةِ سَوَاءً، ثُمَّ هُنَاكَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ فَهُنَا كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْطَانٌ مُخْتَلِفَةٌ فَمَاتَ، وَهُوَ مُسَافِرٌ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِ الْأَوْطَانِ إلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَبِمُطْلَقِ اللَّفْظِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّيَقُّنِ بِمَا هُوَ كَامِلٌ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي الْكَمَالَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ فَمِنْ حَيْثُ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَجَهَّزَ بِنَفْسِهِ لِلْحَجِّ إنَّمَا يَتَجَهَّزُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى، وَهَذَا لِأَنَّ مَنْ لَا وَطَنَ لَهُ فَوَطَنُهُ حَيْثُ حَلَّ، وَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ فَهُمْ ضَامِنُونَ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَفِي الثَّانِي حَصَّلُوا مَقْصُودَهُ وَزِيَادَةً.
وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجُّوا عَنْهُ فَأَحَجُّوا رَجُلًا فَسُرِقَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَرَجَعَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحِجُّوا آخَرَ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهمْ مِنْ حَيْثُ أَوْصَى الْمَيِّتُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنْ بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ أَوْصَى فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ ثُلُثٍ عُزِلَ لِلْحَجِّ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ أَعْتِقُوا عَنِّي نَسَمَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَوْهَا فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعْتِقُوا مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةُ كَذَلِكَ يَقُومُونَ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ فَكَانَ تَعْيِينُ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ بَعْضَ الْمَالِ لِوَصِيَّتِهِ كَتَعْيِينِ الْمُوصِي، وَلَوْ عَيَّنَهُ بِنَفْسِهِ فَهَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا عَيَّنَ ذَلِكَ الْمَالَ لِوَصِيَّتِهِ وَقَاسَمَ الْوَرَثَةَ، ثُمَّ هَلَكَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مُقَاسَمَةَ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ يَصِحُّ فَلَأَنْ تَصِحَّ مُقَاسَمَتُهُ مَعَ الْوَرَثَةِ عَنْ الْمُوصِي كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَالْوَرَثَةُ مَا أَقَامُوهُ مَقَامَهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَمُقَاسَمَةُ الْمُوصِي مَعَ الْوَرَثَةِ فِي تَمْيِيزِ مَحَلِّ الْمِيرَاثِ مِنْ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ تَصِحُّ، فَأَمَّا مُقَاسَمَتُهُ فِي تَمْيِيزِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ عَنْ الْبَعْضِ لَا يَجُوزُ فَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ، فَقَدْ بَقِيَ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بِاعْتِبَارِ مَا بَقِيَ، وَهُوَ نَظِيرُ مُقَاسَمَةِ الْوَصِيِّ عَنْ الصَّغِيرِ مَعَ الْكَبِيرِ تَصِحُّ وَمُقَاسَمَتُهُ بَيْنَ الصِّغَارِ لِتَمْيِيزِ نَصِيبِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ لَا تَصِحُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ مَقْصُودُ الْمُوصِي لَمْ يَكُنْ الْمُقَاسَمَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ لِتَحْصِيلِ الْقُرْبَةِ لَهُ بِالْعِتْقِ وَيُجْعَلُ الْهَالِكُ عَلَى التَّرِكَةِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَفِيهِ جَوَابٌ عَمَّا قَالَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْوَصِيَّ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْمُوصِي فِيمَا فِيهِ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ خَاصَّةً، وَهَذَا بِخِلَافِ مُقَاسَمَتِهِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ مَقْصُودِهِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ، وَفِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْحَقِيقَةِ نَظِيرُ الْأُولَى فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ السَّفَرَ كَانَ مَقْصُودُهُ فَيَدُورُ مَعَ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ، جَعَلَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ وَهَا هُنَا التَّعْيِينُ وَالْقِسْمَةُ لِمَقْصُودٍ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ كَانَ وُجُودُ الْقِسْمَةِ كَعَدَمِهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ غَائِبًا فَقَاسَمَ الْمُوصِي الْوَرَثَةَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ لَمْ تَجُزْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ مَا عَزَلَهُ لِلْمُوصَى لَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِثُلُثِ مَا أَخَذُوهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَاسَمَ عَلَى الْوَرَثَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَ الْمُوَرِّثَ فِي الْعَيْنِ يُبْقِي لَهُمْ الْمِلْكَ الَّذِي كَانَ لِلْمُوَرِّثِ وَلِهَذَا يَرُدُّ الْوَارِثُ بِالْعَيْبِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ مُوَرِّثُهُ وَالْوَصِيُّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فَيَكُونُ قَائِمًا مَقَامَ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِهِ، وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ بِإِيجَابٍ مُبْتَدَأٍ حَتَّى لَا يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَلَا يَصِيرَ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوصِي فَلَا يَقُومُ الْمُوصِي مَقَامَهُ فِي تَعْيِينِ مَحَلِّ حَقِّهِ وَلَكِنْ مَا هَلَكَ مِمَّا عَزَلَهُ يَهْلِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا بَقِيَ يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ وَالْعَزْلُ إنَّمَا يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ يَسْلَمَ الْمَعْزُولُ لِلْمُوصَى لَهُ.
وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُحِجُّوا عَنْهُ وَارِثًا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيثَارَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لِنَفَقَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إيثَارُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ تَمْلِيكًا مِنْهُ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَكَذَلِكَ إبَاحَتُهُ لَهُ لِنَفَقَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَوْصَى بِمَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِهِ لِفُلَانٍ وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ مِنْ مَالِهِ لِآخَرَ وَالثُّلُثُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَنِصْفُ الثُّلُثِ لِلْحَجِّ وَنِصْفُهُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ لِاسْتِوَاءِ الْوَصِيَّتَيْنِ فِي الْقُوَّةِ وَالْمِقْدَارِ وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ وَالْإِيجَابُ بِهَذَا اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُ مَا بَقِيَ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ بَطَلَ الْإِيجَابُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَبَةِ مَعَ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ، فَإِنَّ لِلْعَصَبَةِ مَا بَقِيَ بَعْدَ حَقِّ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ بِقَوْلٍ، فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ وَصِيَّةَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ هَذَا الْجَوَابُ عَلَى مَا وَضَعَهُ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ الثُّلُثَ مِائَةُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمِائَةٍ فَيَجِبُ تَنْفِيذُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ أَوَّلًا، ثُمَّ لَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ بِمَا بَقِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ فَحِينَئِذٍ يَحُجُّ عَنْهُ بِالْمِائَةِ وَالْفَضْلُ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَا بَقِيَ.
وَإِذَا كَانَتْ الْوَصَايَا لِلَّهِ- تَعَالَى- لَا يَسَعُهَا الثُّلُثُ، مِثْلُ الْحَجَّةِ وَالنَّسَمَةِ وَالْبَدَنَةِ بُدِئَ بِاَلَّذِي بَدَأَ بِهِ مَا خَلَا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ الزَّكَاةِ أَوْ شَيْئًا وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَخَّرَهُ اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ، وَدَعْ الْقِيَاسَ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْتِيبِ الْوَصَايَا مِنْ الْبَيَانِ مَا هُوَ كَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.باب الوصية للوارث والأجنبي والقاتل:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لَا تَجُوزُ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَى أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ»، فَإِنْ أَوْصَى لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ جَازَتْ حِصَّةُ الْأَجْنَبِيِّ وَبَطَلَتْ حِصَّةُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ تَنَاوَلَهَا بِدَلِيلِ أَنَّ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ تَمَّ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُمَا فَبُطْلَانُهُ فِي حِصَّةِ الْوَارِثِ بِعَدَمِ الْإِجَازَةِ لَا يُبْطِلُ حِصَّةَ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَزِيدُ فِي نَصِيبِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَالْإِيجَابُ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَصْلًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ وَاجِبٍ سَابِقٍ، وَقَدْ أَقَرَّ بِالْمَالِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْوَارِثِ وَالْوَصِيَّةُ إيجَابٌ مُبْتَدَأٌ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ إيجَابُهُ نِصْفَ الثُّلُثِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ فِي نَصِيبِ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا أَوْجَبَهُ الْمُوصِي لَهُ، وَعَلَى هَذَا الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ مَعَ الْإِقْرَارِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْقَتْلِ فِي الْمَنْعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ كَصِفَةِ الْوِرَاثَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ، وَهُوَ وَارِثٌ يَوْمَ أَوْصَى، ثُمَّ صَارَ غَيْرَ وَارِثٍ أَوْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ صَارَ وَارِثًا وَمَاتَ الْمُوصِي إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى يَوْمٍ يَمُوتُ الْمُوصِي، فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثَهُ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثَهُ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلِأَنَّ الْمَانِعَ صِفَةُ الْوِرَاثَةِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْوِرَاثَةِ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ بَقَاءِ الْوَارِثِ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ وَالْكَفَالَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ أَصْلًا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ هُنَاكَ إنْ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبِ تَجَدُّدِ الْإِقْرَارِ كَانَ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا، وَإِنْ وَرِثَهُ بِسَبَبٍ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ.
وَإِذَا أَوْصَى لِمُكَاتَبِ وَارِثِهِ أَوْ لِعَبْدِ وَارِثِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ يَنْتَفِعُ بِهِ الْوَارِثُ، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ وَلَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِمُكَاتَبِهِ، وَقَدْ كَاتَبَهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ فِي صِحَّتِهِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا مَنْفَعَةٌ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ دُونَ الْبَعْضِ، فَإِنَّهُ إنْ عَتَقَ فَالْوَصِيَّةُ سَالِمَةٌ لَهُ، وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ، وَإِنْ عَجَزَ فَرَقَبَتُهُ وَكَسْبُهُ يَكُونُ مِيرَاثًا بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، قَالَ وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِلْقَاتِلِ مِيرَاثًا، وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلُهُ وَعَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَا يُوَرَّثُ قَاتِلٌ بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ وَالْوَصِيَّةُ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ وَلَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ أَمَّا الْكَلَامُ فِي نَفْيِ الْإِرْثِ لِلْقَاتِلِ، فَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الدِّيَاتِ.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ فَلَا تَصِحُّ عِنْدَنَا سَوَاءٌ أَوْصَى لَهُ قَبْلَ الْجِرَاحَةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَقَالَ مَالِكٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَوْصَى لَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ أَوْصَى بَعْدَمَا جَرَحَهُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ.
وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ الْمَالِ بِالْعَقْدِ فَالْقَتْلُ لَا يُبْطِلُهُ كَالتَّمْلِيكِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَبِأَنْ كَانَ يُبْطِلُ الْإِرْثَ لَا يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ يُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ كَالرِّقِّ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ، فَإِنَّهُ يَنْفِي التَّوْرِيثَ وَلَا يَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ وَالْفَرْقُ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ الْجُرْحُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصِيَ نَادِمٌ عَلَى وَصِيَّتِهِ رَاجِعٌ عَنْهَا، وَإِذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَعْدَ الْجُرْحِ فَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهَا بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ الِانْتِدَابَ إلَى مَا نَدَبَ إلَيْهِ، وَهُوَ مُقَابَلَةُ السَّيِّئَةِ بِالْإِحْسَانِ وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا جَرَحَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَالْمُوصَى لَهُ قَصَدَ الِاسْتِعْجَالَ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ فَيُعَاقَبُ بِالْحِرْمَانِ كَالْمِيرَاثِ، فَأَمَّا إذَا أَوْصَى لَهُ بَعْدَ الْجِرَاحَةِ فَلَمْ يُتَوَهَّمْ قَصْدُ الِاسْتِعْجَالِ فِي تِلْكَ الْجِرَاحَةِ وَلَا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى حَالِهَا.
وَجْهُ قَوْلِنَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ»، وَيَدْخُلُ الْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ جَمِيعًا فِي عُمُومِ هَذَا اللَّفْظِ، وَقَالَ: «وَلَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ»، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْوَصِيَّةِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالْمِيرَاثِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ لِدَفْعِ الْمُغَايَظَةِ عَنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَبُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا، فَإِنَّهُ يَغِيظُهُمْ أَنْ يُقَاسِمَهُمْ قَاتِلُ أَبِيهِمْ تَرِكَةَ أَبِيهِمْ بِسَبَبِ الْإِرْثِ أَوْ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَتَقَدَّمَ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْجُرْحِ أَوْ تَتَأَخَّرَ عَنْهُ وَبِهِ فَارَقَ الرِّقَّ وَالْكُفْرَ، فَإِنَّ الْحِرْمَانَ بِهِمَا لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ لِلْوِلَايَةِ لَا لِدَفْعِ الْمُغَايَظَةِ عَنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْأَهْلِيَّةِ لِلْوِلَايَةِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَبِخِلَافِ سَائِرِ عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُشَابِهُ الْإِرْثَ صُورَةً وَلَا مَعْنًى، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ وَارِثًا فَأَوْصَى لَهُ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ، وَهَذَا تَجَوُّزٌ فِي الْعِبَارَةِ، فَإِنَّ الْقَاتِلَ لَا يَكُونُ وَارِثًا، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا كَالصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَالْوَصِيَّةُ لِمِثْلِ هَذَا الْقَاتِلِ تَصِحُّ.
ثُمَّ الْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ وَصْفَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ يُجْزِئُ الْوَصِيَّةَ فَاجْتِمَاعُهُمَا أَوْلَى، فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ جَازَتْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ تَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي الزِّيَادَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَلَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ، وَإِنْ أَوْصَى بِهِ الْوَرَثَةَ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحِرْمَانَ كَانَ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْوَرَثَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِتَبَايُنِ الدَّارِ، وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْحَرْبِيِّ لِكَوْنِهِ مُحَارِبًا حُكْمًا وَالْقَاتِلُ مُحَارِبٌ لَهُ حَقِيقَةً فَلَأَنْ لَا تَنْفُذَ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَانَ أَوْلَى وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي نَفْسِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ مَشْهُورٌ، وَفِي نَفْيِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ مَسْبُورٌ وَالْعُلَمَاءُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ، ثُمَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ فَكَذَلِكَ لِلْقَاتِلِ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُغَايَظَةَ تَنْعَدِمُ عِنْدَ وُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْوَارِثِ بِالْإِجَازَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا بِخِلَافِ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِالْمِيرَاثِ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَالْإِجَازَةُ إنَّمَا تَعْمَلُ فِيمَا تَعْتَمِدُ الْقَبُولَ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَبِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهَا لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِي جَانِبِ الْمُوصَى لَهُ، فَإِنَّ مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْمَيِّتِ وَلِهَذَا تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْمَيِّتُ لَا يَكُونُ أَهْلًا لِلْوَصِيَّةِ لَهُ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِجَازَةِ فِي إثْبَاتِ الْأَهْلِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ.
وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِعَبْدِ الْقَاتِلِ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ، فَإِنَّهَا كَالْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ لِمَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَوْ حَقِّ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَوْلَاهُ أَوْ لِعَبْدِهِ أَبْطَلْنَاهَا، وَقَالَ الْحَاكِمُ تَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْقَاتِلُ فَأَوْصَى لَهُ أَوْ لِعَبْدِهِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْقَاتِلُ فَالْوَصِيَّةُ لِمَوْلَاهُ وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ عَبْدَ الْوَارِثِ إذَا قَتَلَ الْمُوَرِّثَ لَا يُحْرَمُ الْمَوْلَى مِيرَاثَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْعَبْدِ فِي مِلْكِ مَوْلَاهُ وَلَيْسَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى مَا يَحْرِمُهُ الْإِرْثَ وَالْوَصِيَّةُ لِابْنِ الْقَاتِلِ وَأَبَوَيْهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ قَرَابَتِهِ جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ لِمَمَالِيكِ هَؤُلَاءِ مِنْ عَبِيدِهِمْ وَمُكَاتَبِيهِمْ وَمُدَبَّرِيهِمْ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِمْ عَلَى قِيَاسِ الْإِرْثِ، فَإِنَّ ابْنَ الْقَاتِلِ وَأَبَوَيْهِ يُوَرَّثُونَ الْمَقْتُولَ، وَإِنْ لَمْ يَرِثهُ الْقَاتِلُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ فِي مِلْكِ هَؤُلَاءِ حَقُّ الْمِلْكِ وَلَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ.
وَإِذَا أَقَرَّ لِقَاتِلِهِ بِدَيْنٍ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ، وَإِنْ كَانَ سَبَبَ الْهَلَاكِ وَلَكِنْ لَا يَصِيرُ بِهِ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ مَا لَمْ يَصِرْ صَاحِبَ فِرَاشٍ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ إنَّمَا يُبَايِنُ الصَّحِيحَ بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ مَرَضٍ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، فَإِذَا لَمْ يَصِرْ صَاحِبَ فِرَاشٍ كَانَ هُوَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ، وَإِذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهُوَ مَرِيضٌ، وَإِنْ تَكَلَّفَ لِمَشْيِهِ إلَى بَعْضِ حَوَائِجِهِ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ إذَا قَبَضَهَا لِلْقَاتِلِ، وَهُوَ مَرِيضٌ، فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَهُوَ صَحِيحٌ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي الْحَالِ مَعَ الْقَاتِلِ كَمَا يَنْفُذُ مَعَ غَيْرِهِ وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ وَالْهِبَةِ لَهُ.
وَإِذَا ضَرَبَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ بِحَدِيدَةٍ أَوْ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ فَأَوْصَى لَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَلَا وَصِيَّةَ، وَإِنَّمَا لَهَا مِقْدَارُ صَدَاقِ مِثْلِهَا مِنْ الْمُسَمَّى وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ فَيَبْطُلُ بِالْقَتْلِ.
وَلَوْ اشْتَرَكَ عَشَرَةٌ فِي قَتْلِ رَجُلٍ أَحَدُهُمْ عَبْدَهُ وَأَوْصَى لِبَعْضِهِمْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَأَعْتَقَ عَبْدَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ لَهُ عَلَى الْكَمَالِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ عَمْدًا وَالْكَفَّارَةُ إذَا كَانَ خَطَأً كَمَا لَوْ تَفَرَّدَ بِهِ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ بَعْدَمَا تَعَذَّرَ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ فَيَكُونُ الرَّدُّ بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ فِي قِيمَتِهِ، وَالْعَفْوُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي دَمِ الْعَمْدِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مُتْلِفَهُ بِالشَّهَادَةِ بَاطِلَةٌ وَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْعَفْوِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا، وَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ بِحَالٍ فَيَكُونُ صَحِيحًا لِلْقَاتِلِ وَجَعَلَ الْعَفْوَ فِي الِانْتِهَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ خَطَأً فَعَفَا عَنْهُ كَانَ هَذَا مِنْهُ وَصِيَّةً لِعَاقِلَتِهِ فَيَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَهُوَ مَالٌ قُلْنَا أَصْلُ الْوُجُوبِ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْعَاقِلَةُ يَتَحَمَّلُونَ عَنْهُ فَتَكُونُ هَذِهِ وَصِيَّةً لِلْقَاتِلِ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ الْمَالِ الْوَصِيَّةُ تَكُونُ لِلْعَاقِلَةِ وَهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ قِيلَ جُزْءٌ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ فَفِي ذَلِكَ الْجُزْءِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ تَكُونُ لِلْقَاتِلِ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ تَتَعَذَّرُ الْوَصِيَّةُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ بَدَلِ النَّفْسِ يَتَقَرَّرُ وُجُوبُهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَفِي ذَلِكَ الْجُزْءِ الْوَصِيَّةُ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ أَلْفُ نَفْسٍ فِي قَتْلِ رَجُلٍ فَالْجُزْءُ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعَ قِلَّتِهِ يَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعَفْوِ تَقَعُ لِمَوْلَاهُ، فَإِنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى، وَهُوَ الَّذِي يُخَاطَبُ بِدَفْعِهِ أَوْ فِدَائِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ بِمَدِّ عِتْقِ الْعَبْدِ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ، وَإِذَا أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ فَيَكُونُ مُوصِيًا لَهُ بِجُزْءٍ مِنْهَا، فَإِنْ قَتَلَهُ الْعَبْدُ فَوَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ يُعْتَقُ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْعِتْقِ فَيَكُونُ الرَّدُّ بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ، وَعَلَى هَذَا الْمُدَبَّرُ إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَعَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْهُ انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ مَالًا بَعْدَمَا عَتَقَ وَصَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ إلَّا أَنَّ الْوَاجِبَ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ كَانَتْ مِنْهُ فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ دُونَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَجَبَ الْمَالُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ كَانَ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِكَسْبِهِ وَمُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ يَكُونُ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يَجِبُ بِجِنَايَتِهِ عَلَى مَوْلَاهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ وَجَبَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا قَتَلَتْ سَيِّدَهَا خَطَأً فَلَيْسَ عَلَيْهَا سِعَايَةٌ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ وَمُوجَبُ جِنَايَتِهَا عَلَى غَيْرِ الْمَوْلَى يَكُونُ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يَلْزَمُهَا بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَوْلَاهَا خَطَأً شَيْءٌ، وَإِنْ قَتَلَتْهُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ كَانَ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ، فَإِنْ عَفَا أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ سَعَتْ لِلْآخَرِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْآخَرِ إنَّمَا انْقَلَبَ مَالًا بَعْدَمَا عَتَقَتْ وَصَارَتْ أَحَقَّ بِكَسْبِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ بَطَلَ عَنْهَا الْقِصَاصُ لِصَيْرُورَةِ جُزْءٍ مِنْهُ لِوَلَدِهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا انْقَلَبَ مَالًا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى حِينَ وَرِثَ وَلَدُهَا جُزْءًا مِنْهُ.
وَإِذَا أَوْصَى لِقَاتِلِهِ بِالثُّلُثِ وَأَجَازَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ، وَإِنْ أَجَازَتْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَاتِلٌ وَصَدَّقَهُمْ بِذَلِكَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَكَذَّبَهُمْ بَعْضُهُمْ، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ حِصَّةِ الَّذِينَ كَذَّبُوا مِنْ الدِّيَةِ وَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ فِي حِصَّتِهِمْ مِنْ الثُّلُثِ وَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ الَّذِينَ صَدَّقُوا مِنْ الدَّيْنِ وَتَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ فِي حِصَّتِهِمْ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ كُلِّ فَرِيقٍ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْفَرِيقَ الْآخَرَ فِي مِثْلِ حَالِهِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ، وَإِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالْقَتْلِ وَأَبْرَأهُ الْمَيِّتُ فَإِبْرَاؤُهُ عَفْوٌ مِنْهُ فَيَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّ فِي حَقِّ الَّذِينَ كَذَّبُوهُمْ حَتَّى لَوْ كَذَّبَ الْوَرَثَةُ الشُّهُودَ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ بَعْدُ.
وَإِذَا جُرِحَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ جِرَاحَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَقَالَ الْمَجْرُوحُ لَمْ يَجْرَحْنِي فُلَانٌ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَا سَبِيلَ لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْلُفُونَهُ وَبَعْدَمَا قَالَ لَمْ يَجْرَحْنِي لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ فَكَذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ أَقَامَ وَرَثَتُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَتْلِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُمْ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى مِنْهُمْ وَبَعْدَ قَوْلِ الْمَجْرُوحِ لَمْ يَجْرَحْنِي فُلَانٌ لَا يَصِحُّ كَمَا لَا يَصِحُّ الدَّعْوَى مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا جِرَاحَةَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ، ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلَ وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ نَفَى مُوجَبَ الْجَرْحِ وَدَعْوَاهُ مُوجَبَ النَّفْسِ لَا تُنَافِي مَا أَبْقَاهُ مِنْ مُوجَبِ الْجَرْحِ، وَفِي الْأَوَّلِ نَفْيُ أَصْلِ الْجَرْحِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ نَفْيُ الْقَتْلِ إذْ الْقَتْلُ بِدُونِ الْجَرْحِ لَا تَصَوُّرَ لَهُ إمَّا ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا.
وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلَيْنِ بِوَصِيَّةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَحَدِ الْمُوصَى لَهُمَا أَنَّهُ قَتَلَ صَاحِبَهُمَا خَطَأً كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةُ آلَافٍ لِلَّذِي أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ فِي حِصَّةِ الَّذِي أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِالْقَتْلِ وَتَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ بِالْحِسَابِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ الْحَقَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَلِصَاحِبِهِ وَصَاحِبُهُ مُكَذِّبٌ لِشُهُودِهِ فَيَخْرُجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا فِي حَقِّ مَنْ كَذَّبَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَيَبْقَى قَاتِلًا فِي حَقِّ الْآخَرِ فِي حُكْمِ الدِّيَةِ وَالْوَصِيَّةِ جَمِيعًا.
وَإِذْ أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ وَأَوْصَى لِآخَرَ بِعَبْدٍ فَشَهِدَ الْمُوصَى لَهُمَا بِالثُّلُثِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ أَنَّهُ قَاتِلٌ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُجَزِّآنِ الثُّلُثَ إلَى أَنْفُسِهِمَا وَيُسْقِطَانِ مُزَاحَمَةَ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ مَعَهُمَا فِي الثُّلُثِ وَيَلْزَمُهُ الدِّيَةُ أَيْضًا وَلَهُمَا مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ فَكَانَا شَاهِدَيْنِ؛ لِأَنْفُسِهِمَا وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَرِيكُ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ، فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ لَا تُقْبَلُ مِنْ الْوَرَثَةِ لِلتُّهْمَةِ فَكَذَلِكَ مِنْ الْمُوصَى لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَى وَارِثٍ أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ.
وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ صَبِيًّا صَغِيرًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ قَتَلَ الصَّبِيُّ مَوْلَاهُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتَيْنِ يَدْفَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثَ وَصِيَّةً لَهُ وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ بِسَبَبِ الْقَتْلِ فَكَذَلِكَ لَا يُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ وَمَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَيَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَالْمُعْتَقُ فِي الْمَرَضِ مَا دَامَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فَلِهَذَا أَلْزَمُهُ السِّعَايَةَ فِي قِيمَتِهِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ، وَفِي قِيمَتِهِ بِسَبَبِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ بَعْدَ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ.
وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا فَقَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً سَعَى فِي قِيمَتَيْنِ لِلْوَرَثَةِ وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ، وَهَذَا أَقْوَى، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى حُرٌّ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ قَتَلَ غَيْرَ مَوْلَاهُ خَطَأً كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمَا فِي الصَّبِيِّ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَ غَيْرَ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لَمْ يَحْسِبْ لَهُ قِيمَتَهُ مِنْ الثُّلُثِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ، وَإِنْ كَانَ قَاتِلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.