فصل: بَابُ نِكَاحِ الشِّغَارِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الْعِنِّينِ:

(قَالَ:) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ إلَى امْرَأَتِهِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً وَجَعَلَ لَهَا الْمَهْرَ كَامِلًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَبِهَذَا أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا، بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِامْرَأَةِ الْعِنِّينِ أَصْلًا؛ لِحَدِيثِ «امْرَأَةِ رِفَاعَةَ، فَإِنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ: إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلَاقِي وَتَزَوَّجْتُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَلَمْ أَجِدْ مِنْهُ إلَّا مِثْلَ هُدْبَةِ ثَوْبِي، تَحْكِي ضَعْفَ حَالِهِ فِي بَابِ النِّسَاءِ، فَلَمْ يُخَيِّرْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَجَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرَتْ أَنَّ زَوْجَهَا لَا يَصِلُ إلَيْهَا فَقَالَ: وَلَا وَقْتَ السَّحَرِ، فَقَالَتْ: وَلَا وَقْتَ السَّحَرِ، فَقَالَ: هَلَكْتُ وَأَهْلَكْتُ مَا أَنَا بِمُفَرِّقٍ بَيْنَكُمَا، وَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ مَعْذُورٌ فَيَكُونُ مُنْظَرًا بِإِنْظَارِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْعِنِّينِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرَ كَامِلًا، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا مَرَّةً، وَفِي هَذَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا، وَامْرَأَةُ رِفَاعَةَ بِمَا ذَكَرَتْ حَكَتْ صِغَرَ مَتَاعِهِ لَا الْعُنَّةَ، وَفِي مِثْلِ هَذَا عِنْدَنَا لَا تُخَيَّرُ ثُمَّ هُوَ مَعْذُورٌ، وَلَكِنَّهُ فِي إمْسَاكِهَا ظَالِمٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْسَدُّ عَلَيْهَا بَابُ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ بِنِكَاحِهِ، وَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهَا فَوَجَبَ رَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا، وَلِأَنَّ مَقْصُودَهَا بِالْعَقْدِ قَدْ فَاتَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ بِهِ وَتُحَصِّلَ بِهِ صِفَةَ الْإِحْصَانِ لِنَفْسِهَا، وَفَوَاتُ الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ أَصْلًا يُثْبِتُ لِلْعَاقِدِ حَقَّ رَفْعِ الْعَقْدِ، وَهِيَ تَحْتَاجُ إلَى تَقْرِيرِ مَهْرِهَا أَيْضًا، وَتَمَامُ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ يَحْصُلُ بِالدُّخُولِ، فَإِذَا انْسَدَّ عَلَيْهَا الْبَابُ يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ، إلَّا أَنَّ الْعَجْزَ قَدْ يَكُونُ لِآفَةٍ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَقَدْ يَكُونُ لِعَارِضٍ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِالْمُدَّةِ فَلِهَذَا يُؤَجَّلُ، وَالْأَجَلُ فِي هَذَا سَنَةٌ كَمَا اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْأَسَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن نَوْفَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: الْأَجَلُ عَشَرَةُ أَشْهُرٍ، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا بِالسَّنَةِ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِإِبْلَاءِ الْعُذْرِ وَالْحَوْلُ حَسَنٌ فِي ذَلِكَ قَالَ قَائِلُهُمْ: وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدْ اعْتَذَرَ وَلِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْوُصُولِ قَدْ يَكُونُ بِعِلَّةِ الرُّطُوبَةِ، وَإِنَّمَا يُعَالَجُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْحَرِّ وَالْيُبُوسَةِ مِنْ السَّنَةِ، وَقَدْ يَكُونُ لِغَلَبَةِ الْحَرَارَةِ، وَإِنَّمَا يُعَالَجُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْبَرْدِ، وَقَدْ يَكُونُ لِغَلَبَةِ الْيُبُوسَةِ، وَإِنَّمَا يُعَالَجُ فِي فَصْلِ الرُّطُوبَةِ فَقَدَّرْنَا الْأَجَلَ بِحَوْلٍ حَتَّى يُعَالِجَ نَفْسَهُ فَيُوَافِقَهُ الْعِلَاجُ فِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ فَيَبْرَأَ، فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا عُلِمَ أَنَّ الْآفَةَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَلِهَذَا قَالُوا: يُقَدَّرُ بِسَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ، فَرُبَّمَا تَكُونُ مُوَافَقَةُ الْعِلَاجِ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي يَقَعُ التَّفَاوُتُ فِيهَا بَيْنَ الْقَمَرِيَّةِ وَالشَّمْسِيَّةِ، وَابْتِدَاءُ التَّأْجِيلِ مِنْ وَقْتِ الْخُصُومَةِ حَتَّى إذَا صَبَرَتْ مُدَّةً ثُمَّ خَاصَمَتْ، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا سَأَلَهَا الْقَاضِي أَبِكْرٌ هِيَ أَمْ ثَيِّبٌ، فَإِنْ قَالَتْ: ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْفَحْلِ أَنَّهُ إذَا خَلَا بِأُنْثَى نَزَا عَلَيْهَا، وَفِي الدَّعَاوَى الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا أَرَاهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ، فَإِنَّ الْبَكَارَةَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ، وَالْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ تَكْفِي لِذَلِكَ وَالْمَثْنَى أَحْوَطُ؛ لِأَنَّ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ إلَى قَوْلِ الْمَثْنَى أَكْثَرُ، فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا بِكْرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَيُؤَجِّلُهُ الْقَاضِي سَنَةً فَيَأْمُرُهُ أَنْ يُعَالِجَ نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، هَكَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَفِيضُوا عَلَيْهِ الدَّحْجَ وَالْعَسَلَ لِيُرَاجِعَ نَفْسَهُ، فَإِنْ مَضَتْ السَّنَةُ وَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا فَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْبَكَارَةِ وَالثِّيَابَةِ، فَإِنْ أَرَاهَا النِّسَاءَ فَقُلْنَ: هِيَ بِكْرٌ خَيَّرَهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ لَا تَبْقَى مَعَ الْوُصُولِ إلَيْهَا، فَإِذَا خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ الزَّوْجَ أَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ أَقَامَهَا أَعْوَانُ الْقَاضِي أَوْ قَامَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَخْيِيرِ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ، وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ بِالْمَجْلِسِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَالتَّفْرِيقُ كَانَ لِحَقِّهَا، فَإِذَا رَضِيَتْ بِالْإِسْقَاطِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً بِتَأْخِيرِ الِاخْتِيَارِ إلَى أَنْ قَامَتْ أَوْ أُقِيمَتْ يَسْقُطُ حَقُّهَا، فَلَا تُطَالِبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ أَمَرَ الْقَاضِي الزَّوْجَ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا، فَإِنْ أَبِي فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَكَانَتْ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَكُونُ فَسْخًا بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، فَأَمَّا عِنْدَنَا الْمُسْتَحَقُّ عَلَى الزَّوْجِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إمَّا الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ.
فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ وَالتَّسْرِيحُ طَلَاقٌ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالرَّجْعِيِّ لَا يَحْصُلُ فَالْمَقْصُودُ إزَالَةُ ظُلْمِ التَّعْلِيقِ، وَفِي الرَّجْعِيِّ يَسْتَبِدُّ الزَّوْجُ بِالْمُرَاجَعَةِ مَعَ أَنَّ حُكْمَ الرَّجْعَةِ مُخْتَصٌّ بِعِدَّةٍ وَاجِبَةٍ بَعْدَ حَقِيقَةِ الدُّخُولِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ الْأُصُولِ أَنَّهَا كَمَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارًا بِالْمُخَيَّرَةِ بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ أَوْ بِتَخْيِيرِ الشَّرْعِ كَالْمُعْتَقَةِ، ثُمَّ لَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا عَلَيْهِ لِوُجُودِ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ مِنْهَا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لَمَّا اسْتَوْفَتْ كَمَالَ الْمَهْرِ، بِهِ قَضَى عُمَرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَا: مَا ذَنْبُهُنَّ إذَا جَاءَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكُمْ، وَكَمَا لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا بِتَرْكِ الْمُرَافَعَةِ زَمَانًا فَكَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا بِتَأْخِيرِ الْخُصُومَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لِلِاخْتِيَارِ مِنْهَا لَا لِلرِّضَا بِهِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ عَلَى الزَّوْجِ بِمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ مُضَيَّقًا عَلَيْهِ قَبْلَ التَّأْجِيلِ، وَرُبَّمَا كَانَ امْتِنَاعُهُ مِنْ صُحْبَتِهَا لِغَرَضٍ لَهُ فِي ذَلِكَ سِوَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ بَعْدَ التَّأْجِيلِ يَتْرُكُ ذَلِكَ الْغَرَضَ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعَارِ وَضَرَرِ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَلِهَذَا لَا يُحْتَسَبُ بِالْمُدَّةِ قَبْلَ التَّأْجِيلِ وَيُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِزَمَانِ حَيْضِهَا وَشَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدَّرُوا الْأَجَلَ بِسَنَةٍ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ عَادَةً، فَإِنْ مَرِضَ الزَّوْجُ فِي الْمُدَّةِ أَوْ مَرِضَتْ مَرَضًا لَا يُسْتَطَاعُ جِمَاعُهَا فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَتَانِ: فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إذَا كَانَ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ لَا يُحْتَسَبُ بِمُدَّةِ الْمَرَضِ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ فِي النَّهَارِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ غِشْيَانُهَا ثُمَّ ذَلِكَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ نِصْفَ الشَّهْرِ وَمَا دُونَهُ عَفْوٌ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ: إذَا كَانَا صَحِيحَيْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ السَّنَةِ، وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِزَمَانِ الْمَرَضِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ شَهْرًا لَا يُحْتَسَبُ وَيُزَادُ فِي مُدَّتِهِ بِقَدْرِ مُدَّةِ الْمَرَضِ، وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَا يُحْتَسَبُ عَلَى الزَّوْجِ بِتِلْكَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُحْلِلَهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُحْرِمَةً حِينَ خَاصَمَتْ لَمْ يُؤَجِّلْهُ الْقَاضِي حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ الْحَجِّ، وَلَوْ خَاصَمَتْ وَالزَّوْجُ مُظَاهِرٌ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعِتْقِ أَجَّلَهُ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ أَمْهَلَهُ شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ غِشْيَانِهَا مَا لَمْ يُكَفِّرْ، وَالْعَاجِزُ عَنْ الْعِتْقِ كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ شَهْرَانِ، فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهَا بَعْدَ التَّأْجِيلِ لَمْ يَلْتَفِتْ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ وَاحْتَسَبَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْمُدَّةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ لَا يُظَاهِرَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَصِلُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ أَوْ جَوَارِيهِ، وَلَا يَصِلُ إلَيْهَا خَيَّرَهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ لِرَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِوُصُولِهِ إلَى غَيْرِهَا بَلْ تَزْدَادُ بِهِ غَيْظًا، وَلَوْ كَانَ غَشِيَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ انْقَطَعَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ مَا هُوَ مَقْصُودُهَا مِنْ تَأَكُّدِ الْبَدَلِ أَوْ ثُبُوتِ صِفَةِ الْإِحْصَانِ قَدْ حَصَلَ لَهَا بِالْمَرَّةِ.
(قَالَ:) وَلَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا خَيَّرَهَا الْقَاضِي فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْعِنِّينِ لِرَجَاءِ الْوُصُولِ، وَذَلِكَ فِي الْمَجْبُوبِ لَا يُوجَدُ فَالْمَقْطُوعُ مِنْ الْآلَةِ لَا يَنْبُتُ فَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَال، وَإِنْ كَانَ قَدْ خَلَا بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ فِي قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّيَقُّنَ بِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا مَوْجُودٌ هُنَا، وَعُذْرُ الْجَبِّ فِي الزَّوْجِ أَبْيَنُ مِنْ عُذْرِ الْمَرَضِ، فَإِذَا كَانَ مَرَضُهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ فَكَوْنُهُ مَجْبُوبًا أَوْلَى، بِخِلَافِ الْعِنِّينِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِنٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ يُشَاهَدُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي الْحُكْمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ هِيَ أَتَتْ بِالتَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ وَحَقُّهَا فِي الْبَدَلِ يَتَقَرَّرُ بِذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا انْعَقَدَ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُجَامَعَةِ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا كَوْنَ لَهُ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَ لِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ وَقَدْ أَتَتْ بِهِ فَيَتَقَرَّرُ حَقُّهَا ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ جَمِيعُ الْمَهْرِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا تَجِبُ الْعِدَّةُ اسْتِحْسَانًا وَأَشَارَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عِنْدَهُمَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ، فَحَيْثُ قَالَ: لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ أَرَادَ فِي مَجْبُوبٍ قَدْ جَفَّ مَاؤُهُ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ لَا تُعْتَبَرُ خَلْوَتُهُ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ، وَحَيْثُ قَالَ: تَجِبُ الْعِدَّةُ أَرَادَ فِي مَجْبُوبٍ لَهُ مَاءٌ يَسْحَقُ فَيُنْزِلُ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ خَلَا بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَعْدَ مَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ إلَى سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، وَلَا تَبْطُلُ تِلْكَ الْفُرْقَةُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ بِاعْتِبَارِ الْإِنْزَالِ بِالسَّحْقِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُبْطِلٍ حَقَّهَا، بِخِلَافِ الْعِنِّينِ إذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَهُوَ يَدَّعِي الْوُصُولَ إلَيْهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَبْطُلُ التَّفْرِيقُ؛ لِأَنَّا حِينَ حَكَمْنَا بِثُبُوتِ النَّسَبِ فَقَدْ حَكَمْنَا بِوُصُولِهِ إلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ عَلَى إقْرَارِهَا بِالْوُصُولِ إلَيْهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ بَطَلَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ عَرَفَ الْقَاضِي إقْرَارَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَنَّهُ كَانَ وَصَلَ إلَيْهَا، فَإِنَّ قَوْلَهَا فِي إبْطَالِ التَّفْرِيقِ وَرَفْعِ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِكَوْنِهَا مُتَّهَمَةً فِي ذَلِكَ، وَالْخَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ رَجَاءَ الْوُصُولِ فِي حَقِّهِ مَوْجُودٌ لِبَقَاءِ الْآلَةِ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ وَهِيَ تَعْلَمُ بِحَالِهِ، فَلَا خِيَارَ لَهَا فِيهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ رَاضِيَةً بِهِ حِينَ أَقْدَمَتْ عَلَى الْعَقْدِ مَعَ عِلْمِهَا بِحَالِهِ، وَلَوْ رَضِيَتْ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ بِأَنْ قَالَتْ: رَضِيتُ سَقَطَ خِيَارُهَا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ عَالِمَةً بِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي قَوْلِهَا رَضِيتُ بِالْمُقَامِ مَعَهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّهَا.
(قَالَ:) وَلَيْسَ يَكُونُ أَجَلُ الْعِنِّينِ إلَّا عِنْدَ قَاضِي مِصْرٍ أَوْ مَدِينَةٍ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَنْ هُوَ دُونَ هَؤُلَاءِ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْإِشَارَةُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ وَالْعِنِّينِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَهُوَ مِنْ جِهَتِهَا فَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا، وَهَذَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَهُوَ لِمَعْنًى مِنْ الزَّوْجِ، فَلِهَذَا كَانَ طَلَاقًا وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَنَّ الْمِصْرَ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ بِمَنْزِلَةِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمِصْرِ.
(قَالَ:) وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَصَلَ إلَيْهَا ثُمَّ فَارَقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا يُؤَجَّلُ كَمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِي غَيْرُ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْوُصُولُ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فِيمَا يُسْتَحَقُّ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي.
(قَالَ:) وَالْخُنْثَى إذَا كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ فَهُوَ رَجُلٌ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أُجِّلَ كَمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ؛ لِأَنَّ رَجَاءَ الْوُصُولِ قَائِمٌ، فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ فَهُوَ امْرَأَةٌ، فَإِذَا تَزَوَّجَتْ رَجُلًا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهَا ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَهُ، فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي يَدِهِ وَهُوَ نَظِيرُ الرَّتْقَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
(قَالَ:) وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ وَالزَّوْجُ عِنِّينًا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُخَاصِمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْجِمَاعِ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ فِيهَا، وَذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ إذَا زَوَّجَ أُمَّتَهُ فَوَجَدَتْهُ عِنِّينًا أَنَّ الْخُصُومَةَ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَوْلَى فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَاجِبٌ لَهُ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يُؤَكِّدَ حَقَّهُ، وَلِأَنَّ النَّسْلَ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ وَبِكَوْنِهِ عِنِّينًا يَفُوتُ ذَلِكَ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْخِيَارُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَطْءِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ لَهَا دُونَ الْمَوْلَى فَكَانَ حَقُّ الْمُرَافَعَةِ إلَيْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

.بَابُ نِكَاحِ الشِّغَارِ:

(قَالَ:) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ، وَأَصْلُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أُزَوِّجُكَ أُخْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي أُخْتَكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِكَاحَ الْأُخْرَى، أَوْ قَالَا ذَلِكَ فِي ابْنَتَيْهِمَا أَوْ أَمَتَيْهِمَا، ثُمَّ النِّكَاحُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النِّكَاحُ بَاطِلٌ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ شَرَطَ الْإِشْرَاكَ فِي بُضْعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حِينَ جَعَلَ النِّصْفَ مِنْهُ صَدَاقًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحَةً، وَمِلْكُ النِّكَاحِ لَا يَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ، فَالِاشْتِرَاكُ بِهِ يَكُونُ مُبْطِلًا كَمَا إذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ سَمَّى بِمُقَابَلَةِ بُضْعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُضْعِ صَلَاحِيَةَ كَوْنِهِ صَدَاقًا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْإِشْرَاكُ فَبَقِيَ هَذَا شَرْطًا فَاسِدًا، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَهَبَهَا لِغَيْرِهِ أَوْ نَحْوِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ مَنْكُوحَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْإِشْرَاكِ وَاسْتِدْلَالُهُ بِالنَّهْيِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِلْخُلُوِّ عَنْ الْمَهْرِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُزَوَّجَ الْمَرْأَةُ بِالْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ مَهْرٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا»، وَهَذَا لِأَنَّ الشِّغَارَ هُوَ الْخُلُوُّ فِي اللُّغَةِ، يُقَالُ: شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ لِيَبُولَ، وَبَلْدَةٌ شَاغِرَةٌ إذَا كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ السُّلْطَانِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنْ لَا تَخْلُوَ الْمَرْأَةُ بِالنِّكَاحِ عَنْ الْمَهْرِ وَبِهِ نَقُولُ، وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ مَهْرًا فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا سُمِّيَ مِنْ الْمَهْرِ، وَاشْتِرَاطُ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ هُنَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ.
(قَالَ:) وَإِذَا جَعَلَ مَهْرَ امْرَأَتِهِ طَلَاقَ أُخْرَى كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَلَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ مَهْرًا، وَكَذَلِكَ إنْ جَعَلَ الْقِصَاصَ مَهْرًا فَقَدْ وَقَعَ الْعَفْوُ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّمَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالشَّرْطِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحَقُّقُ الْمُعَاوَضَةِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ عِنْدَهُ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا فِي قَوْلِهِ «زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» وَلَكِنَّا نَقُولُ: اشْتِرَاطُ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فِي الصَّدَاقِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} وَطَلَاقُ الضَّرَّةِ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ لَيْسَ بِمَالٍ، وَكَذَلِكَ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ بِحُرْمَةِ مَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قُلْنَا: إذَا أَعْتَقَ أُمَّتَهُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَكُونُ الْعِتْقُ صَدَاقًا لَهَا فَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إبْطَالٌ لِلرِّقِّ، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَعْتَقَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقًا لَهَا» وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرٍ جَدِيدٍ، وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْصُوصًا بِالنِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَخْدُمَهَا سَنَةً، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ لِتَضَمُّنِهَا تَسْلِيمَ الْمَالِ إلَيْهَا، فَإِنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مَالٌ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ، هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ،
وَنَحْوُهُ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَرْعَى غَنَمَهَا سَنَةً يَجُوزُ اسْتِدْلَالًا بِقِصَّةِ مُوسَى مَعَ شُعَيْبٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: هِيَ مَأْمُورَةٌ بِأَنْ تُعَظِّمَهُ وَتُرَاعِيَ حَقَّهُ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِاسْتِخْدَامِهَا إيَّاهُ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ خِدْمَتُهَا صَدَاقًا، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي عَمَلِ الرَّعْيِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ لَا يَسْتَأْجِرُ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ وَيَسْتَأْجِرُهُ لِعَمَلٍ آخَرَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ فِي الْفَصْلَيْنِ رِوَايَتَيْنِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَاشْتِرَاطُهَا مِنْ الْحُرِّ لَا يَتَضَمَّنُ تَسْلِيمَ الْمَالِ إلَيْهَا، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَأْخُذُ حُكْمَ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِمُقَابَلَتِهَا، فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَةُ الْخِدْمَةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَالًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا لَهَا فَهُوَ كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَالًا، فَإِذَا تَعَذَّرَ سَلَامَتُهَا لَهَا تَجِبُ قِيمَتُهَا، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ عَلَى طَلَاقِ ضَرَّتِهَا وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا فِي حُكْمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الضَّرَّةِ، فَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقِصَاصِ حَصَلَ الْعَفْوُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الْقِصَاصِ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ الْعَفْوِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عِتْقِ أَبِيهَا عَتَقَ الْأَبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَعْتِقَ أَبَاهَا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ مَا سُمِّيَ صَدَاقًا مِنْ عِتْقِ الْأَبِ لَيْسَ بِمَالٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عِتْقِ أَبِيهَا عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَ رَقَبَةِ الْأَبِ مِنْهَا، فَإِنَّ الْعِتْقَ عَنْهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ، وَرَقَبَةُ الْأَبِ مَالٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا لَهَا.
وَإِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ رَجُلٍ عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى، فَإِنْ زَوَّجَهُ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا سُمِّيَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ، وَإِنْ لَمْ يُزَوِّجْهُ الْآخَرُ كَانَ لِلْمُزَوَّجَةِ تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ رِضَاهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ لِأَبِيهَا، وَمَنْفَعَةُ أَبِيهَا كَمَنْفَعَتِهَا، وَلَوْ شَرَطَ لَهَا مَعَ الْمُسَمَّى مَنْفَعَةً كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، كَذَا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.