فصل: بَابُ إقْرَارِ أَحَدِ الْكَفِيلَيْنِ بِأَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ إقْرَارِ أَحَدِ الْكَفِيلَيْنِ بِأَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلَيْنِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِالْمَالِ فَأَقَرَّ أَحَدُ الْكَفِيلَيْنِ بِأَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ عَلَيْهِ وَأَدَّاهُ وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ عَلَى صَاحِبِهِ وَقَالَ: إنَّمَا عَنَيْتُ بِإِقْرَارِي أَنَّهُ عَلَيَّ؛ لِأَنِّي كَفَلْت عَنْك كُلَّ حِصَّتِك؛ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ كُلُّهُ عَلَيْهِ، لَكِنَّ بَعْضَهُ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ وَبَعْضَهُ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ كُلَّهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ صَاحِبَهُ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ أَنَّهُ أَصِيلٌ فِي كُلِّهِ وَصَاحِبُهُ كَفِيلٌ عَنْهُ فَيَجْرِي عَلَى قَضِيَّةِ قَوْلِهِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِمَا خَمْسُونَ دِينَارًا لِرَجُلٍ قَرْضًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ ضَامِنٌ لَهُ فَأَشْهَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ: أَنِّي مَعَك دَخِيلٌ فِي هَذَا الْمَالِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْآخَرُ بِذَلِكَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتَ دَخِيلٌ مَعِي لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خَاصَّةً دُونَ الْآخَرِ.
يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِكَوْنِهِمَا دَخِيلَيْنِ فِي هَذَا الْمَالِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَا أَصِيلَيْنِ فِي بَعْضِهِ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ كُلَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَقَدْ نَاقَضَ فِيمَا أَخْبَرَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الْمَالَ عَلَيْهِ خَاصَّةً دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ أَدَّى الْمَالَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ أَنَّهُ كَفِيلٌ أَصِيلٌ فِي الْكُلِّ.
وَلَوْ أَدَّاهُ صَاحِبُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِكُلِّهِ عَلَيْهِ.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي صَكٍّ بِاسْمِهِ وَبَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ ضَامِنُونَ لِلْمَالِ كُلِّهِ فَأَقَرَّ الطَّالِبُ أَنَّ أَصْلَ الْمَالِ عَلَى أَحَدِهِمْ وَأَنَّ الْآخَرَيْنِ كَفِيلَانِ عَنْهُ وَلَمْ يُقِرَّ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ الَّتِي نُسِبَتْ إلَيْهِ فِي الصَّكِّ ثُمَّ أَدَّى الْمَالَ أَحَدُهُمْ؛ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الطَّالِبُ بِذَلِكَ وَلَكِنَّ أَحَدَ الْكُفَلَاءِ قَالَ: أَصْلُ الْمَالِ عَلَيَّ وَصَاحِبَايَ مِنْهُ بَرِيئَانِ، ثُمَّ أَدَّى الْمَالَ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ أَدَّاهُ صَاحِبَاهُ رَجَعَا بِالْكُلِّ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ أَصِيلٌ فِي جَمِيعِ الْمَالِ وَإِقْرَارُهُ مُلْزِمٌ إيَّاهُ.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي صَكٍّ بِاسْمِهِ وَفُلَانٌ بِهَا كَفِيلٌ فَأَقَرَّ الْكَفِيلُ أَنَّ أَصْلَ الْمَالِ عَلَيْهِ وَأَنَّ فُلَانًا كَفِيلٌ عَنْهُ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَدَّمَهُ فِي الصَّكِّ لِشَيْءٍ خَافَهُ فَأَدَّى الْمُقَدَّمُ فِي الصَّكِّ الْمَالَ كُلَّهُ؛ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْكَفِيلِ مُؤَاخَذًا بِمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجْعَلُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ وَلَوْ كَانَ أَصْلُ الْمَالِ قَرْضًا فِي الصَّكِّ أَوْ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ وَنَسَبَهُ إلَى الَّذِي فِي صَدْرِ الصَّكِّ ثُمَّ أَقَرَّ الْكَفِيلُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ؛ كَانَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَصْدَقَ مِمَّا فِي الصَّكِّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ وَالصَّكُّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُلْزِمَةٍ مَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ بِمَا فِيهِ وَشَهَادَةُ الشُّهُودِ بِمَا فِيهِ لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً مَعَ تَكْذِيبِهِ إيَّاهُمْ بِإِقْرَارِهِ فَلِهَذَا كَانَ الْمَقْبُولُ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الْكَفِيلُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَلَكِنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ هُوَ الْقَابِضُ لِلْمَالِ مِنْ صَاحِبِ الصَّكِّ أَوْ أَنَّهُ قَدْ اشْتَرَى الْمَبِيعَ مِنْ صَاحِبِ الصَّكِّ وَقَبَضَهُ وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الصَّكُّ- وَهُوَ الَّذِي اسْمُهُ فِي أَوَّلِهِ-: أَجَلْ أَوْ صَدَقَ ثُمَّ ادَّعَى الْمُقِرُّ لَهُ الْمَالَ؛ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ الْمُقِرِّ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْتِزَامِ الْمَالِ يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي جَمِيعِ الْمَالِ، وَأَنَّ صَاحِبَهُ كَفِيلٌ بِهِ.
وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الْكَفِيلُ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ بِالْكَفَالَةِ قَدْ اسْتَوْجَبَ الْمَالَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَإِقْرَارُهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ صَحِيحٌ فَإِنْ أَدَّاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ إلَى الطَّالِبِ؛ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِسَبَبِ إقْرَارِهِ لِأَنَّ ثُبُوتَ قَبْضِهِ مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ كَثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْمُعَايَنَةِ فِي حَقِّهِ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلَيْنِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْهُ لَمْ يُصَدَّقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الْمَعْلُومِ بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا ادَّعَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ؛ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ؛ فَنُكُولُهُ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ فَيَثْبُتُ بِنُكُولِهِ أَنَّ أَصْلَ الْمَالِ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا ثُمَّ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْمَالَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ لِأَنَّ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَنْفِي عَنْ صَاحِبِهِ نَصِيبَهُ وَقِيلَ: هَذِهِ الدَّعْوَى إذَا كَانَ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْمَالَ؛ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الضَّمَانِ إنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْأَصِيلِ أَنَّ الْمَالَ عَلَى أَحَدِهِمَا.
وَالْآخَرُ كَفِيلٌ وَلَمْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالْأَصَالَةِ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْمَجْهُولِ لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً وَلَا تُبْطِلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ حَقَّ الطَّالِبِ وَلَا تُوهِنُهُ لِأَنَّهَا لَا تَمَسُّ حَقَّهُ، وَإِنْ أَقَرَّ الطَّالِبُ أَنَّ الْأَصْلَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ كَفِيلٌ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَشَهَادَتُهُ فِي ذَلِكَ لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ فَإِنَّمَا يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَنَّ جَمِيعَ الْمَالِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِلطَّالِبِ ابْنَانِ فَشَهِدَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ بَيِّنَةُ أَنَّهُ عَلَيْهِمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ.
فَإِنْ كَانَ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ؛ فَشَهَادَةُ ابْنَيْ الطَّالِبِ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُمَا لَا يُثْبِتَانِ بِشَهَادَتِهَا حَقَّ أَبِيهِمَا، وَإِنَّمَا يَشْهَدَانِ لِأَحَدِ الْغَرِيمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ هُوَ الْأَصِيلُ وَأَنَّ صَاحِبَهُ كَفِيلٌ فَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي هَذِهِ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْغَرِيمَانِ مُقِرَّيْنِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الطَّالِبِ عَلَيْهِمَا ثَابِتٌ بِإِقْرَارِهِمَا فَشَهَادَةُ ابْنَيْ الطَّالِبِ عَلَى هَذَا لَا تَكُونُ لِأَبِيهِمَا وَإِنَّمَا تَكُونُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
وَلَوْ شَهِدَ ابْنَا أَحَدِهِمَا أَنَّ الْأَصْلَ عَلَى أَبِيهِ، وَالْآخَرَ كَفِيلٌ عَنْ أَبِيهِ؛ جَازَ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَبِيهِمَا وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ الْأَصْلَ عَلَى الْآخَرِ وَأَنَّ أَبَاهُمَا كَفِيلٌ بِهِ عَنْهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَنْ أَبِيهِمَا مَغْرَمًا، وَيَجُرَّانِ إلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ فَكَانَا مُتَّهَمَيْنِ فِيهِ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ بُطْلَانِ الْمَالِ عَنْ الْكَفِيلِ مِنْ غَيْرِ أَدَاءً وَلَا إبْرَاءٍ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا كَفَلَ الرَّجُلُ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ اشْتَرَاهُ فَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِهِ؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَبَرِئَ الْأَصِيلُ مِنْ الثَّمَنِ وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ مِنْهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَلْتَزِمُ الْمُطَالَبَةَ الَّتِي هِيَ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَا تَبْقَى الْمُطَالَبَةُ عَلَى الْأَصِيلِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ فَكَذَلِكَ عَلَى الْكَفِيلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ بِإِقَالَةٍ أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ بِفَسَادِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ يَبْرَأُ عَنْ الثَّمَنِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ يَبْطُلُ عَنْ الزَّوْجِ كُلُّهُ بِفُرْقَةٍ مِنْ جِهَتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْضُهُ بِالطَّلَاقِ بِبَرَاءَةِ الْكَفِيلِ بِهِ مِمَّا بَطَلَ عَنْ الزَّوْجِ لِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ، وَكَذَلِكَ الْكَفِيلُ بِطَعَامِ السَّلَمِ إذَا صَالَحَ الْأَصِيلُ الطَّالِبَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ؛ فَهُوَ بَرِيءٌ عَمَّا كَفَلَ بِهِ لِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ سِوَى مَا كَفَلَ بِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْمَكْفُولِ بِهِ وَكَيْفَ يَكُونُ بَدَلًا وَوُجُوبُ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِعَقْدِ السَّلَمِ، وَوُجُوبُ رَأْسِ الْمَالِ بِانْفِسَاخِ عَقْدِ السَّلَمِ، وَالْبَدَلُ مَا يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الْأَصْلُ.
فَلَوْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي ثَمَنَ الْمُشْتَرَى لِغَرِيمِ الْبَائِعِ يَعْنِي: أَحَالَ الْبَائِعُ غَرِيمًا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَوَالَةً مُقَيَّدَةً بِالثَّمَنِ أَوْ كَفَلَ الْمُشْتَرِي لِغَرِيمِ الْكَفَالَةِ الْبَائِعِ كَفَالَةً مُقَيَّدَةً بِالثَّمَنِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّ بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ يَنْتَفِي الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَصْلِ، وَقَدْ كَانَ الْتِزَامًا مُقَيَّدًا بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ الْعَبْدُ حُرًّا أَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ عِنْدَنَا وَلَا الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّ بِمَا اعْتَرَضَ مِنْ الْأَسْبَابِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَى الْأَصِيلِ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ مِنْ الْأَصِيلِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ كَانَ الْتِزَامُهُ مُقَيَّدًا بِهِ (وَاسْتَشْهَدَ فِي الْكِتَابِ بِالصَّرْفِ) فَقَالَ: لَوْ بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ مِائَةَ دِينَارٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ صَرْفَهَا وَأَصْلَهَا صَحِيحٌ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ أَوْ وُجِدَ حُرًّا؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً مِنْ الْأَصِيل وَعَلَى هَذَا لَوْ ضَمِنَ الزَّوْجُ مَهْرَ الْمَرْأَةِ لِغَرِيمِهَا ثُمَّ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ قِبَلِهَا؛ لَمْ يَبْرَأْ الزَّوْجُ عَنْ الْكَفَالَةِ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- ثُمَّ إذَا أَدَّاهَا رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ عَنْهَا بِأَمْرِهَا فَيَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ كَانَتْ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ بِمَهْرِهَا وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمُؤَدَّى، وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا غَيْرَ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمُؤَدَّى؛ لِأَنَّ الْمُقَاصَّةَ وَقَعَتْ بِالنِّصْفِ الثَّانِي مِنْ مَهْرِهَا.
وَلَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَمَرَهُ فَضَمِنَهَا لِغَرِيمٍ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَبِلَ الْحَوَالَةَ بِهَا؛ فَذَلِكَ صَحِيحٌ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكَفَالَةٍ وَلَا حَوَالَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَكِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَوْكِيلِ الْمَوْلَى غَرِيمَهُ بِاسْتِيفَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ يُطَالِبُهُ الْمَوْلَى بِالْبَدَلِ وَبَيْنَ أَنْ يُطَالِبَهُ غَرِيمُ الْمَوْلَى.
فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ؛ عَتَقَ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ وَفِي بَعْضِ نُسِخَ الْأَصْلِ قَالَ: وَبَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ وَبِإِعْتَاقِ الْمُكَاتَبِ يَسْقُطُ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ حَتَّى لَا يُطَالِبَهُ الْمَوْلَى بِشَيْءٍ مِنْهُ فَكَذَلِكَ وَكِيلُهُ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْغَرِيمَ كَانَ يُطَالِبُهُ بِدَيْنِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ دَيْنِهِ بِإِعْتَاقِ الْمُكَاتَبِ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ وَحُكْمُ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ لِلْغَرِيمِ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالْتِزَامِهِ فَأَمَّا الْمَطْلُوبُ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ دَيْنُهُ وَمَا اعْتَرَضَ مِنْ الْعِتْقِ لَا يَبْقَى الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ ابْتِدَاءً فَلَأَنْ لَا يَنْفِيَ بَقَاءَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ثُمَّ إذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَتْ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ حِينَ سَقَطَ عَنْهُ دَيْنُ الْكِتَابَةِ بِالْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ مُدَبَّرٌ يُعْتَقُ وَعَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ أُمَّ وَلَدٍ فَعَتَقَتْ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَحْصُلُ بِهَذَا السَّبَبِ كَمَا يَحْصُلُ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى إيَّاهُ.
وَلَوْ كَفَلَ عَبْدٌ عَنْ مَوْلَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِأَمْرِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فَأَدَّاهُ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَوْلَى فَأَمَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يُطَالِبُهُ بِذَلِكَ الْمَالِ لِأَنَّهُ كَانَ مُطَالَبًا فِي حَالِ رِقِّهِ بِالْعِتْقِ وَهُوَ لَا يَزِيدُهُ إلَّا وِكَادَةً وَلِأَنَّ الْمَوْلَى شَغَلَهُ بِهِ حِينَ أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ؛ فَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِهَا عَلَى الْمَوْلَى وَإِنْ أَدَّى مِنْ كَسْبٍ هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ حِينَ وَقَعَتْ لَمْ تَكُنْ مُوجِبَةً لِرُجُوعِ الْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا لِلرُّجُوعِ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ هُنَاكَ أَصْلُ الْكَفَالَةِ كَانَتْ مُوجِبَةً لِرُجُوعِ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْمَوْلَى عِنْدَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَسْتَوْجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنًا إلَّا أَنَّهُ كَانَتْ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُنَا أَصْلُ الْكَفَالَةِ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِرُجُوعِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنًا.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَضْمَنَهَا الْغَرِيمُ لَهُ ثُمَّ إنَّ الْآمِرَ وَهَبَهَا لِلْكَفِيلِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَكَانَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ أَوْ الْحَوَالَةَ الْمُقَيَّدَةَ قَدْ اشْتَغَلَتْ بِمَا لِلْآمِرِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ لِحَقِّ الطَّالِبِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْآمِرَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الرَّاهِنِ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَرْهُونِ بِالْهِبَةِ أَوْ الْبَيْعِ مِنْ إنْسَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ.
وَلَوْ مَاتَ الْآمِرُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَقْتَضِ الْمَكْفُولَ لَهُ الدَّرَاهِمَ؛ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ بَيْنَ سَائِرِ غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَكُنْ الْمَكْفُولُ لَهُ أَحَقَّ بِهَا مِنْهُمْ اسْتِحْسَانًا وَكَانَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمَرْهُونِ بِهِ؛ وَلِأَنَّ سَائِرَ الْغُرَمَاءِ يَثْبُتُ حَقُّهُمْ مِنْ جِهَةِ الْأَصِيلِ وَقَدْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَصْلِ فِي هَذَا الْمَالِ فِي حَيَاتِهِ.
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِغُرْمِ هَذَا الْمَالِ، حَتَّى لَوْ بَرِئَ مِمَّا فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمَكْفُولِ لَهُ وَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِالْغُنْمِ، وَبِهِ فَارَقَ الرَّهْنَ فَقَدْ صَارَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِغُرْمِ الرَّهْنِ هُنَاكَ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ ثَبَتَتْ لِلْمُرْتَهِنِ بِقَبْضِ الرَّهْنِ وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَنِي اخْتِصَاصُهُ بِهِ دُونَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ.
وَهُنَا يَدُ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ تَثْبُتْ لِلْمَكْفُولِ لَهُ فِيمَا فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ بَلْ هُوَ مَالُ الْأَصِيلِ فَيُقْسَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ.
وَلَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ حَيًّا فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لَهُ وَأَنَّهُ أَمَرَ فُلَانًا فَبَاعَ الْمَبِيعَ الَّذِي هَذَا الْمَالُ ثَمَنُهُ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْكَفَالَةَ.
فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِلْبَائِعِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ: أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ عِنْدَهُمَا- فِي نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي الثَّمَنِ- بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ وَيَضْمَنُ لِلْمُوَكِّلِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ لَا يَنْفُذُ مِنْ تَصَرُّفِهِ إلَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْقَبْضِ.
وَلَوْ كَانَ الْمَالُ إلَى أَجَلٍ وَبِهِ كَفِيلٌ فَإِنْ مَاتَ الْأَصِيلُ؛ فَقَدْ حَلَّ الْمَالُ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ اسْتَغْنَى بِمَوْتِهِ عَنْ الْأَجَلِ.
وَالْكَفِيلُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ.
وَحُلُولُهُ عَلَى الْأَصِيلِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُؤَجَّلًا عَلَى الْكَفِيلِ؛ كَمَا لَوْ كَفَلَ الْكَفِيلُ بِمَالٍ هُوَ حَالٌّ عَلَى الْأَصِيلِ مُؤَجَّلًا إلَى سَنَةٍ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْكَفِيلُ؛ فَقَدْ حَلَّ الْمَالُ عَلَيْهِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْأَجَلِ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي الْحَالِ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْأَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَرْجِعُونَ عَلَى الْأَصِيلِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُمْ أَدَّوْا دَيْنًا عَلَيْهِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ فِيهِ شَرْعًا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُونَ إلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقْرِضِ لِمَا أَدَّى عَنْ الْأَصِيلِ فَيَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ إلَّا إذَا قَصَدَ إثْبَاتَ حَقِّ الرُّجُوعِ لِنَفْسِهِ بِتَعْجِيلِهِ قَبْلَ حِلِّ الْأَجَلِ، وَلَمْ يُوجَدْ إذَا كَانَ سُقُوطُ الْأَجَلِ حُكْمًا لِمَوْتِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ بِالْكَفَالَةِ كَمَا وَجَبَ الْمَالُ لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ مُؤَجَّلًا وَالْأَصِيلُ بَاقٍ مُنْتَفِعٌ بِالْأَجَلِ فَكَمَا بَقِيَ الْمَالُ مُؤَجَّلًا فِي حَقِّ الطَّالِبِ بَعْدَ مَوْتِ الْكَفِيلِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لِلطَّالِبِ قَبْلَ حِلِّ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ، فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ بِالْمَالِ وَهُوَ حَالٌّ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَأَخَّرَ الطَّالِبُ أَحَدَ الْكُفَلَاءِ إلَى سَنَةٍ؛ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمْ شَاءَ سَوَاءٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ كَفَلَ بِهِ مُؤَجَّلًا فِي الِابْتِدَاءِ؛ فَإِنَّ الْمَالَ يَكُونُ حَالًّا عَلَى الْبَاقِينَ، وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفِيلٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ.
وَإِبْرَاءُ أَحَدِ الْكُفَلَاءِ لَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ لِلْبَاقِينَ كَمَا لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَكَذَلِكَ التَّأْخِيرُ عَنْ أَحَدِ الْكُفَلَاءِ إلَى سَنَةٍ.
فَإِنْ أَدَّى الْمَالَ أَحَدُ الْكَفِيلَيْنِ الْآخَرَيْنِ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبَهُ بِالنِّصْفِ لِيَسْتَوِيَ بِهِ فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ كَمَا هُوَ مُسَاوٍ لَهُ فِي الِالْتِزَامِ بِأَصْلِ الْكَفَالَةِ وَلَا يَأْخُذُ الَّذِي أَخَّرَهُ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ فَكَمَا لَا تَتَوَجَّهُ مُطَالَبَةُ الطَّالِبِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِمَكَانِ الْأَجَلِ فَكَذَلِكَ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ الْآخَرِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَقَدْ كَانَ أَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ النِّصْفَ بَيْعًا جَمِيعًا ذَلِكَ الْكَفِيلُ بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُمَا فِي الْكَفَالَةِ، وَقَدْ كَانَ الْمَانِعُ لَهُمَا مِنْ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ الْأَجَلَ.
وَقَدْ انْعَدَمَ فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ بِقِسْطِهِ وَهُوَ الثُّلُثُ؛ لِيَسْتَوُوا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ عَلَى الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الْمَالِ.
فَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ أَخَّرَ الْمَالَ عَلَى الْأَصِيلِ سَنَةً؛ كَانَ ذَلِكَ تَأْخِيرًا عَنْ جَمِيعِ الْكُفَلَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ.
وَكَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ أَوْ لَوْ كَانَ أَخَّرَ كَفِيلًا مِنْهُمْ شَهْرًا وَآخَرَ شَهْرَيْنِ وَآخَرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ؛ كَانَ جَائِزًا عَلَى مَا سَمَّى.
فَإِنْ حَلَّ عَلَى صَاحِبِ الشَّهْرِ؛ أَخَذَهُ مِنْ سَهْمِهِ وَلَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْآخَرَيْنِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْأَجَلُ، وَإِنْ أَخَّرَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ بَعْدَ هَذَا سَنَةً؛ كَانَ الْمَالُ عَلَيْهِمْ إلَى سَنَةٍ وَدَخَلَتْ الشُّهُورُ تَحْتَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ فَهُوَ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ.
وَلَوْ كَانَ أَخَّرَ الْكَفِيلَ شَهْرًا ثُمَّ أَخَّرَهُ سَنَةً؛ دَخَلَ الشَّهْرُ فِي السَّنَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَإِنْ كَانَ الْمَالُ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَصْبٍ وَبِهِ كَفِيلٌ فَأَخَّرَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ إلَى سَنَةٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ؛ فَالْمَالُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْكَفِيلِ حَالٌّ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّأْجِيلِ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ بِمَنْزِلَةِ إسْقَاطِهِ بِالْإِبْرَاءِ.
وَإِبْرَاءُ الْأَصِيلِ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَكَذَلِكَ التَّأْخِيرُ عَنْهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ فَيَبْقَى الْمَالُ عَلَيْهِ حَالًّا، وَكَذَلِكَ عَلَى الْكَفِيلِ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ يُجْعَلُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَجَّلَ الْكَفِيلَ وَلَوْ أَجَّلَ الْكَفِيلَ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ الْمَالَ أَنْ يَثْبُتَ حَالًّا فَكَذَلِكَ إذَا أَجَّلَ الْأَصِيلَ وَهَذَا لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ أَجَّلَ الْكَفِيلَ أَوْ الْأَصِيلَ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ وَبَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ ثُمَّ إنْ الطَّالِبُ وَهَبَ الْمَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ؛ فَالْمَالُ عَلَيْهِمْ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ الْكَفِيلِ تَمْلِيكٌ فَيَرْتَدُّ بِرَدِّ الْكَفِيلِ كَمَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْأَصِيلِ إذَا وَهَبَ مِنْهُ، وَإِنْ قَبِلَ فَقَدْ تَمَلَّكَ الْمَالَ بِقَبُولِ الْهِبَة فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَهَبَهُ تَمَلُّكَهُ بِالْأَدَاءِ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِالثُّلُثَيْنِ إنْ وَجَدَهُمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالنِّصْفِ إنْ وَجَدَهُ دُونَ الْآخَرِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَدَّى الْمَالَ فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ غَائِبًا فَلَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى مَاتَ؛ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَيَرْجِعُ وَرَثَتُهُ عَلَى أَيِّهِمْ شَاءَ وَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ إسْقَاطٌ يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ، فَإِنْ ضَمَّنَهُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ مَا دَامَ حَيًّا، وَلِكَوْنِهِ إسْقَاطًا يُتَّهَمُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الرَّدِّ وَيَجْعَلُ تَمَامَهُ كَتَمَامِهِ بِقَبُولِهِ وَوَرَثَتُهُ قَائِمُونَ مَقَامَهُ فَيَرْجِعُونَ عَلَى أَيِّهِمْ شَاءَ كَمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلَيْنِ مِنْ الْكُفَلَاءِ فَقَبِلَا؛ جَازَ وَرَجَعَا بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ، وَإِنْ شَاءَا رَجَعَا عَلَى الْكَفِيلِ الثَّالِثِ بِالثُّلُثِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَدَّيَا وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ مُتَمَلِّكًا خَمْسَمِائَةٍ وَهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَخَذَا الْكَفِيلَ الثَّالِثَ فَأَدَّى إلَيْهِمَا الثُّلُثَ ثُمَّ أَرَادَ هَذَا الْكَفِيلُ الْغَارِمُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ مَا أَدَّى إلَى الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَلِّكٌ لِلثُّلُثِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَدَّوْا جَمِيعًا الْمَالَ إلَى الطَّالِبِ وَإِنَّمَا يَتْبَعُونَ الْأَصِيلَ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا.
فَإِذَا أَخَذُوهَا؛ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ الْمَقْبُوضِ وَلَوْ أَنَّ الطَّالِبَ حِينَ وَهَبَ الْمَالَ لِهَذَيْنِ الْكَفِيلَيْنِ؛ قَبِلَ أَحَدُهُمَا الْهِبَةَ وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يَقْبَلَ؛ فَلِلَّذِي قَبِلَ أَنْ يَأْخُذَ ثُلُثَ هَذَا النِّصْفِ مِنْ الْكَفِيلَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ نِصْفَ الْمَالِ بِقَبُولِ الْهِبَةِ كَتَمَلُّكِهِ بِأَدَاءِ النِّصْفِ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلَيْنِ مَعًا بِثُلُثَيْ ذَلِكَ النِّصْفِ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ ذَلِكَ الثُّلُثِ وَيَأْخُذُ الطَّالِبُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ أَيَّ الْكُفَلَاءِ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّ الْهِبَةَ بَطَلَتْ فِي هَذَا النِّصْفِ بِرَدِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَعَادَ الْحُكْمُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْهِبَةِ.
فَإِنْ قَبَضَ الطَّالِبُ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ شَيْئًا؛ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً، وَلِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْهُوبَ لَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ مَا وَهَبَهُ مِنْهُ فَهُوَ فِيهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْكُفَلَاءِ.
وَلَوْ وَهَبَ الطَّالِبُ نِصْفَ الْمَالِ لِأَحَدِ الْكُفَلَاءِ كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فَإِنْ رَجَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى الْكَفِيلَيْنِ بِثُلُثَيْ ذَلِكَ النِّصْفِ فَأَخَذَهُ مِنْهُمَا لَمْ يَتْبَعْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقُّ الِاتِّبَاعِ بَعْدَ الْأَدَاءِ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَكِنْ لَوْ أَدَّيَا إلَى الطَّالِبِ خَمْسَمِائَةٍ؛ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمَا بِثُلُثِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِتِلْكَ الْخَمْسِمِائَةِ حَتَّى يَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَالنِّحْلَةُ وَالْعَطِيَّةُ.
فَأَمَّا الْبَرَاءَةُ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ وَلَا يَرْجِعُ الْمُبْرَأُ مِنْ الْكُفَلَاءِ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ فَسْخٌ لِلْكَفَالَةِ وَلَيْسَ بِتَمَلُّكِ شَيْءٍ مِنْهُ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.