فصل: بَابُ قِسْمَةِ الدُّورِ بِتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى الْبَعْضِ بِغَيْرِ دَرَاهِمَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ قِسْمَةِ الدُّورِ بِالدَّرَاهِمِ يُرِيدُهَا:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَدُهُمَا وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْن رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا عَلَى أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَهُوَ جَائِزٌ)؛ لِأَنَّ فِي حِصَّةِ الدَّرَاهِمِ الْمَشْرُوطَةِ الْعَقْدِ بَيْعٌ وَقَدْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَجَوَازُ الْبَيْعِ يَعْتَمِدُ الْمُرَاضَاةَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ يَحْتَاجَانِ إلَى ذَلِكَ عَادَةً إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَأَمَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ فَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ مِنْهُمَا، ثُمَّ كُلُّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا مُسْتَحَقًّا بِالْبَيْعِ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ فَالنُّقُودُ حَالَّةً كَانَتْ أَوْ مُؤَجَّلَةً وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ مُعَيَّنًا أَوْ مَوْصُوفًا مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ فَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا فِي السَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ بَيَّنَا لِلتَّسْلِيمِ مَكَانًا جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ وَيَتَعَيَّنُ لِلتَّسْلِيمِ مَوْضِعُ الدَّارِ وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَتَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ كَمَا فِي السَّلَمِ عِنْدَهُمَا وَلَكِنَّهُمَا اسْتَحْسَنَا فَقَالَا تَمَامُ الْقِسْمَةِ يَكُونُ عِنْدَ الدَّارِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ فَيَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْوُجُوبِ فِيهِ لِلتَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ عِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الدَّارِ لَا مَوْضِعُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْآخَرِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الدَّارِ يَكُونُ.
وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِعَيْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ مَوْصُوفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَوْصُوفٍ مُؤَجَّلًا كَانَ أَوْ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُسْتَحَقُّ فِي الذِّمَّةِ عِوَضًا عَمَّا هُوَ مَالٌ، وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ وَشَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ إلَى شَهْرٍ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْأَجَلَ فِي الْعَيْنِ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُتَمَلِّكِ لِلْعَيْنِ بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لِلْآخَرِ فِيهِ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ.
وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ ثِيَابًا مَوْصُوفَةً إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا وَلَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ قَرْضًا وَالسَّلَمُ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلًا وَالْقَرْضُ لَا يَكُونُ إلَّا حَالًّا فَعَرَفْنَا بِذَلِكَ أَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلًا ثُبُوتًا صَحِيحًا وَلَا تَثْبُتُ حَالًّا.
وَإِذَا كَانَ مِيرَاثٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي دَارٍ وَمِيرَاثٌ فِي دَارٍ أُخْرَى فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا فِي هَذِهِ الدَّارِ وَلِلْآخَرِ مَا فِي تِلْكَ وَزَادَ مَعَ ذَلِكَ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَإِنْ كَانَا سَمَّيَا سِهَامًا كَمْ هِيَ سَهْمٌ مِنْ كُلِّ دَارٍ جَازَ؛ لِأَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ مَعْلُومٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِجَهَالَةِ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذِهِ جَهَالَةُ تُفْضِي إلَى تَمَكُّنِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا فِي الثَّانِي وَإِنْ سَمَّيَا مَكَانَ السِّهَامِ أَذْرُعًا مُسَمَّاةً مُكَسَّرَةً جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الْبُيُوعِ إذَا بَاعَ ذِرَاعًا فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَالْقِسْمَةُ نَظِيرُ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ.
دَارَانِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ اقْتَسَمُوهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا إحْدَى الدَّارَيْنِ وَالثَّانِي الدَّارَ الْأُخْرَى عَلَى أَنْ يَرُدَّ الَّذِي أَخَذَ الدَّارَ الْكُبْرَى عَلَى الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نَصِيبَ الشَّرِيكِ الثَّالِثِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ الشَّرِيكَيْنِ جَمِيعًا بِالدَّرَاهِمِ جَازَ، فَكَذَا إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ قَاسَمَ الشَّرِيكَ الْآخَرَ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهَا فِي الدَّارَيْنِ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ أَيْضًا فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الدُّورَ تُقَسَّمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِالتَّرَاضِي، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ الدَّارَ الْكُبْرَى اثْنَانِ مِنْهُمْ وَأَخَذَ الثَّالِثُ الدَّارَ الصُّغْرَى وَإِذَا كَانَتْ دَارًا وَاحِدَةً بَيْنَهُمْ وَأَخَذَهَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يَرُدَّا عَلَى الثَّالِثِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَيَا نَصِيبَهُ بِمَا نَفَّذَا لَهُ مِنْ الدَّاهِمِ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطُوا عَلَى أَحَدِهِمَا ثُلُثَيْ الدَّرَاهِمِ لِفَضْلٍ فِي مَنْزِلِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرِيًا ثُلُثَيْ نَصِيبِ الثَّالِثِ وَصَاحِبُهُ الثُّلُثُ.
وَكَذَلِكَ دَارٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ اقْتَسَمَاهَا نِصْفَيْنِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَبْدًا بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ زَادَهُ الْآخَرُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعَبْدِ عِوَضٌ عَنْ الْمِائَةِ الدَّرَاهِمِ وَبَعْضُهُ عِوَضٌ عَمَّا أَخَذَ مَالِكُ الْعَبْدِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِالْقِسْمَةِ مِنْ الدَّارِ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَسَمَاهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ وَأَخَذَ آخَرُ الْخَرَابَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ صَاحِبُ الْبِنَاءِ عَلَى الْآخَرِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَا أَخَذَ مِنْ الْبِنَاءِ عِوَضٌ مُسْتَحَقٌّ لَهُ بِالْقِسْمَةِ وَبَعْضُهُ مَبِيعٌ لَهُ بِمَا نَقَدَ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا السُّفْلَ وَالْآخَرُ الْعُلُوَّ وَاشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً؛ لِأَنَّ السُّفْلَ مَعَ الْعُلُوِّ كَالْبَيْتَيْنِ الْمُتَجَاوِرَيْنِ يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ فَضْلِ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَحَدِهِمَا فِي قِسْمَةِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ شَرْطُ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْعُلُوِّ أَوْ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ قِسْمَةِ الدُّورِ بِتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى الْبَعْضِ بِغَيْرِ دَرَاهِمَ:

(قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّمَهَا وَهُوَ الثُّلُثُ وَالْآخَرُ أَخَذَ مُؤَخَّرَهَا وَهُوَ الثُّلُثَانِ جَازَ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى مَعَ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمِسَاحَةِ وَمَالِيَّةُ مُقَدَّمِ الدَّارِ فَوْقَ مَالِيَّةِ مُؤَخَّرِهَا لِكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ فِي الْمُقَدَّمِ دُونَ الْمُؤَخَّرِ وَتَتَفَاوَتُ الْمَنْفَعَةُ بِحَسْبِ ذَلِكَ فَالْقِسْمَةُ لَا تَخْلُو فِي الْعَادَةِ عَنْ التَّفَاوُتِ فِي الْمِسَاحَةِ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ ضَرَرًا وَإِنَّمَا الضَّرَرُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِيَّةِ فَفِي ذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْمُعَادَلَةُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَأَخَذَ صَاحِبُ الثُّلُثِ نَصِيبَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ حَقِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي مِنْهُمَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَالَ الَّذِي لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا يُعْتَبَرُ لِجَوَازِ الْمُبَايَعَةِ فِيهِ الْمُرَاضَاةُ، فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الَّذِي وَقَعَ فِي قِسْمِ الْآخَرِ لَيْسَتْ لَهُ غَلَّةٌ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ لِغَرَضٍ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي النَّظَرِ لِنَفْسِهِ فِيهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمَالٍ عَظِيمٍ جَازَ شِرَاؤُهُ، فَكَذَلِكَ إذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا أَخْذَهُ فِي الْقِسْمَةِ بِقِسْمِهِ وَإِذَا اقْتَسَمَا دَارًا بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً مِنْ الدَّارِ عَلَى أَنْ رَفَعَا طَرِيقًا بَيْنَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ فَهَذَا جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي الْأَصْلِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ مِلْكٌ لَهُمَا مَحَلٌّ لِلْمُعَاوَضَةِ فَقَدْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ بَعْضَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ الطَّرِيقِ عِوَضًا عَنْ بَعْضِ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي أَخَذَهُ صَاحِبُهُ بِالْقِسْمَةِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ أَخَذَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْهُمَا يَكُونُ قَدْرَ الثُّلُثِ وَأَخَذَ الْآخَرَ طَائِفَةً تَكُونُ قَدْرَ النِّصْفِ وَرَفَعَا طَرِيقًا بَيْنَهُمَا يَكُونُ مِقْدَارَ السُّدُسِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمَا نَفَيَا شَرِكَتَهُمَا فِي مَوْضِعِ الطَّرِيقِ وَقَسَّمَا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ عَلَى الْأَخْمَاسِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهِ وَالْآخَرُ خُمْسَهُ وَلَوْ قَسَّمَا الْكُلَّ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ جَازَ، فَكَذَلِكَ إذَا اقْتَسَمَا الْبَعْضَ وَبَقِيَا شَرِكَتَهُمَا فِي الْبَعْضِ لِيَكُونَ ذَلِكَ طَرِيقًا لَهُمَا وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِسَاحَةِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ قَسَّمَا الْكُلَّ عَلَى هَذِهِ الْمِسَاحَةِ جَازَ، فَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَطَا أَنْ يَتْرُكَاهُ مُشْتَرَكًا لِلطَّرِيقِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ هَذِهِ الْمِسَاحَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ وَيَكُونُ لِلْآخَرِ مَمَرُّهُ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الطَّرِيقِ مَمْلُوكٌ لَهُمَا فَقَدْ حَصَّلَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ عَيْنِ الطَّرِيقِ لِصَاحِبِهِ عِوَضًا عَنْ بَعْضِ مَا أَخَذَهُ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِالْقِسْمَةِ وَلَكِنْ بَقِيَ لِنَفْسِهِ حَقُّ الْمَمَرِّ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ بِالشَّرْطِ كَمَنْ بَاعَ طَرِيقًا مَمْلُوكًا لَهُ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْمَمَرِّ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِمِثْلِهِ بَيْعُ السُّفْلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ حَقُّ الْقَرَارِ الْعُلُوِّ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَالطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا وَرِثَا؛ لِأَنَّهُمَا نَفَيَا شَرِكَتَهُمَا فِي قَدْرِ الطَّرِيقِ فَيَبْقَى فِي هَذَا الْجُزْءِ عَيْنُ مَا كَانَ لَهُمَا مِنْ الشَّرِكَةِ فِي الْكُلِّ.
وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَبَيْنَهُمَا شِقْصٌ مِنْ دَارٍ أُخْرَى فَاقْتَسَمَاهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الدَّارَ وَالْآخَرُ الشِّقْصَ وَلَمْ يُسَمِّيَا سِهَامَ الشِّقْصِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِلْجَهَالَةِ فَإِنْ أَقَرَّا أَنَّهُمَا كَانَ يَعْرِفَانِ كَمْ هُوَ يَوْمَ اقْتَسَمَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ عَيْنَ التَّسْمِيَةِ فِي الْعَقْدِ غَيْرُ مَقْصُودَةٌ بَلْ الْمَقْصُودُ إعْلَامُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِهَا وَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا لَهُمَا، وَإِنْ عَرَفَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا وَجَهِلَهُ الْآخَرُ فَالْقِسْمَةُ مَرْدُودَةٌ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ فُلَانٍ مِنْ الدَّارِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ كَمْ نَصِيبُهُ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ ذَلِكَ دُونَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى ذَلِكَ التَّفْصِيلِ أَيْضًا وَقِيلَ بَلْ هَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ فِي الْقِسْمَةِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِيَّةِ وَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ مَعْلُومًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا إذَا كَانَ الشِّقْصُ مَعْلُومًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ فَلِهَذَا قُلْنَا إذَا جَهِلَ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ فَالْقِسْمَةُ مَرْدُودَةٌ فَأَمَّا الْبَيْعُ عَقْدُ مُعَايَنَةٍ يُقْصَدُ لِلِاسْتِرْبَاحِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الْمَبِيعَ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُهُ مَعْلُومًا لَهُ فَأَمَّا حَقُّ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ مَعْلُومٌ فَلِتَحْقِيقِ هَذَا الْمَعْنَى يَظْهَرُ الْفَرْقُ.
وَإِذَا اقْتَسَمَ الرَّجُلَانِ دَارًا عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ مِنْ مُؤَخَّرِهَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَأَخَذَ الثُّلُثَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِهَا بِحَقِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ؛ لِأَنَّهُمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَالْقِسْمَةُ نَظِيرُ الْبَيْعِ فَلَا يُمْتَنَعُ جَوَازُهَا بِسَبَبِ الْغَبْنِ عِنْدَ تَمَامِ التَّرَاضِي مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ تَقَعْ الْحُدُودُ بَيْنَهُمَا وَالتَّرَاضِي بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ كَمَا فِي الْبَيْعِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ وَتَمَامُ الْقِسْمَةِ بِوُقُوعِ الْحُدُودِ بَيْنَهُمَا وَإِذَا كَانَتْ أَقْرِحَةُ الْأَرْضِ مُتَفَرِّقَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَهِيَ كَالدُّورِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقَسَّمُ كُلُّ قَرَاحٍ بَيْنَهُمَا عَلَى حِدَةٍ إلَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَقْسِمَا الْكُلَّ قِسْمَةً وَاحِدَةً وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَيَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ عَلَى أَعْدَلِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا فِي الدُّورِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَرَاضِيَ الْمُتَفَرِّقَةَ تَتَفَاوَتُ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا فِي الْعِلَّةِ وَالصَّلَاحِيَّةِ لِلرَّطْبَةِ وَالْكَرْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَفَاوُتِ الدُّورِ الْمُتَفَرِّقَةِ تَتَفَاوَتُ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا أَوْ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تُقْسَمُ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْأَقْرِحَةِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ مِيرَاثًا بَيْنَ قَوْمٍ اقْتَسَمُوهَا فَأَصَابَ أَحَدُهُمْ قِرَاحَ وَغَلَّاتٍ فِي قِرَاحٍ وَأَصَابَ الْآخَرُ قَرْحَا كَرْمٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْقِسْمَةِ يَعْتَمِدُ الرِّضَا وَمَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرَ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَيَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْقِسْمَةِ أَيْضًا وَاذَا أَصَابَ بَعْضَهُمْ بُسْتَانٌ وَكَرْمٌ وَبُيُوتٌ وَكَتَبُوا فِي الْقِسْمَةِ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا أَوْ لَمْ يَكْتُبُوا ذَلِكَ فَلَهُ مَا فِيهَا مِنْ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الثَّمَرُ وَالزَّرْعُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَتَبُوا بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا دَخَلَ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ وَفِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ قَالَ: لَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنْ قَالَ هُنَاكَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا وَمِنْهَا مِنْ حُقُوقِهَا فِيمَا ذَكَرَ فِي آخِرِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ إدْخَالُ الطَّرِيقِ وَالشُّرْبِ دُونَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَهُنَاكَ أَطْلَقَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا وَالثَّمَرُ وَالزَّرْعُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَعِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ وَمَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ.
وَإِذَا اقْتَسَمَ نَفَرٌ بَيْنَهُمْ أَرْضًا عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُمْ وَلَا شُرْبَ وَرَضُوا بِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لِوُجُودِ التَّرَاضِي مِنْهُمْ عَلَى الْتِزَامِ الضَّرَرِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: الْقَاضِي لَا يَشْتَغِلُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يُفِيدُ وَلَكِنْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ طَلَبُوا مِنْ الْقَاضِي قِسْمَةَ الْحَمَّامِ بَيْنَهُمْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَإِنْ فُعِلَ بِتَرَاضِيهِمْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَتْ أَرْضٌ بَيْنَ قَوْمٍ لَهُمْ نَخْلٌ فِي غَيْرِ أَرْضِهِمْ فَاقْتَسَمُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ اثْنَانِ مِنْهُمْ الْأَرْضَ وَأَخَذَ الثَّالِثُ النَّخِيلَ بِأُصُولِهَا فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ النَّخْلَةَ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِطِ مِنْهَا وَلَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمْ فِي الْقِسْمَةِ حَائِطًا يَنْصِبُهُ جَازَ، فَكَذَلِكَ النَّخْلَةُ، وَإِنْ شَرَطُوا أَنَّ لِفُلَانٍ هَذِهِ الْقِطْعَةَ وَهَذِهِ النَّخْلَةَ وَهُوَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْقِطْعَةِ وَلِلْآخَرِ قِطْعَةٌ وَلِلثَّالِثِ الْقِطْعَةُ الَّتِي فِيهَا تِلْكَ النَّخْلَةُ فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ النَّخْلَةَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالنَّخْلَةُ لِصَاحِبِهَا بِأَصْلِهَا؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّخْلَةَ كَالْحَائِطِ وَتَسْمِيَةُ الْحَائِطِ فِي الْقِسْمَةِ يَسْتَحِقُّهُ بِأَصْلِهِ، فَكَذَلِكَ تَسْمِيَةُ النَّخْلَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا نَخْلَةٌ مَا لَمْ تُقْطَعْ فَأَمَّا بَعْدَ الْقَطْعِ هُوَ جِذْعٌ فَمِنْ ضَرُورَةِ اسْتِحْقَاقِ النَّخْلَةِ اسْتِحْقَاقُ أَصْلِهَا.
وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا لَوْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِنَخْلَةٍ اسْتَحَقَّهَا بِأَصْلِهَا وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ فِي الْبَيْعِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْتَحِقُّهَا بِأَصْلِهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِأَصْلِهَا إلَّا بِالذِّكْرِ فَقِيلَ الْجَوَابُ فِي الْإِقْرَارِ كَالْجَوَابِ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْخِلَافِ فَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَنَقُولُ فِي الْقِسْمَةِ بَعْضُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ مِلْكُهُ وَأَصْلُ مِلْكِهِ فِيهَا نَخْلَةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ نَخْلَةً قَبْلَ الْقَطْعِ فَمِنْ ضَرُورَةِ اسْتِحْقَاقِهِ الْبَعْضَ بِأَصْلِهِ اسْتِحْقَاقُ جَمِيعِ النَّخْلَةِ بِأَصْلِهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ فَهُوَ إخْبَارٌ بِمِلْكِ النَّخْلَةِ لَهُ وَإِنَّمَا تَكُونُ نَخْلَةً بِأَصْلِهَا فَأَمَّا الْبَيْعُ إيجَابُ مِلْكٍ مُبْتَدَأٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ إلَّا الْمُسَمَّى فِيهِ وَالنَّخْلَةُ اسْمٌ؛ لِمَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ لَا الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ بِتَسْمِيَةِ النَّخْلَةِ فِي الْبَيْعِ؛ فَلِهَذَا يَشْتَرِطُ فِيهِ ذِكْرُ الْأَصْلِ فَإِنْ قَطَعَهَا فَلَهُ أَنْ يَغْرِسَ مَكَانَهَا مَا بَدَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَرْضِ فَكَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ الْأُولَى فِيهَا قَبْلَ الْقَطْعِ، فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَمُرَّ إلَيْهَا فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى الضَّرَرِ فَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَى نَخْلَتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى ضَرَرٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَأَنَّ الطَّرِيقَ الْخَاصَّ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ فَإِنْ كَانُوا ذَكَرُوا فِي الْقِسْمَةِ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ وَلَهُ الطَّرِيقُ إلَى نَخْلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى شَرْطِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ وَلَا يَقْصِدُ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا شَرْطَ الطَّرِيقِ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ الطَّرِيقَ إلَى نَخْلَتِهِ أَيْضًا.
وَإِذَا كَانَتْ قَرْيَةٌ وَأَرْضٌ وَرَحَا مَاءٍ بَيْنَ نَفَرٍ فَاقْتَسَمُوهَا فَأَصَابَ رَجُلٌ الرَّحَّاءَ وَأَصَابَ الْآخَرُ أَقْرِحَةً مَعْلُومَةً وَأَصَابَ الْآخَرُ بُيُوتًا وَأَقْرِحَةً فَاقْتَسَمُوهَا بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ فَأَرَادَ صَاحِبُ النَّهْرِ أَنْ يَمُرَّ إلَى نَهْرِهِ فِي أَرْضِ قِسْمَةٍ فَمَنَعَهُ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ وَلَهُ الطَّرِيقُ إلَى نَهْرِهِ إذَا كَانَ نَهْرُهُ فِي وَسَطِ أَرْضِ هَذَا وَلَا يَخْلُصُ إلَيْهِ إلَّا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَهْرِهِ مَا لَمْ يَخْلُصْ إلَيْهِ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَى ذَلِكَ إلَّا فِي أَرْضِ قَسِيمِهِ وَقَدْ اشْتَرَطَ فِي الْقِسْمَةِ كُلَّ حَقٍّ هُوَ لَهَا فَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ لِأَجْلِ هَذَا الطَّرِيقِ وَالطَّرِيقُ بِالشَّرْطِ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا لَهُ فِي نَصِيبِ قَسِيمِهِ، وَإِنْ كَانَ النَّهْرُ مُنْعَرِجًا مَعَ حَدِّ الْأَرْضِ لَهُ طَرِيقٌ إلَيْهِ فِي غَيْرِ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمُرَّ فِي أَرْضِ هَذَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَمْيِيزِ مِلْكِ أَحَدِهِمَا مِنْ مِلْكِ الْآخَرِ وَتَمَامُ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَبْقَى لِأَحَدِهِمَا حَقٌّ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ وَإِتْمَامُ الْقِسْمَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مُمْكِنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الطَّرِيقَ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ وَفِي الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُ إتْمَامُ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُجْعَلُ الطَّرِيقُ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا الْفَرْقِ فِي الْبَيْتِ وَالصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِ أَرْضِ هَذَا وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الْمَرَافِقَ وَالطَّرِيقَ وَلَا كُلَّ حَقٍّ هُوَ لَهَا وَلَا كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا فَلَا طَرِيقَ لَهُ فِي أَرْضِ هَذَا؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي نَصِيبِ قَسِيمِهِ حَقًّا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الْقِسْمَةِ وَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى ضَرَرٍ إلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَنْ يَمُرَّ فِي بَطْنِ النَّهْرِ بِأَنْ انْكَشَفَ الْمَاءُ عَنْ مَوْضِعٍ مِنْ النَّهْرِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ وَطَرِيقُهُ فِي بَطْنِ النَّهْرِ لِيُمْكِنَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَطَرِيقُهُ لَا فِي بَطْنِ النَّهْرِ زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ لَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ لِأَجْلِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ حِرْمَانَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِتَرْكِهِ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ لِلنَّهْرِ مُسَنَّاةٌ مِنْ جَانِبَيْهِ يَكُونُ طَرِيقُهُ عَلَيْهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَطَرِيقُهُ عَلَيْهَا دُونَ أَرْضِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْقِسْمَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالنَّهْرِ بِالتَّطَرُّقِ عَلَى مُسِنَّاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْمُسَنَّاةَ فِي الْقِسْمَةِ فَاخْتَلَفَ صَاحِبُ النَّهْرِ وَالْأَرْضِ فِيهَا فَهِيَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ لِمُلْتَقَى طِينِهِ وَطَرِيقِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةِ كِتَابِ الشُّرْبِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ وَعِنْدَهُمَا لِلنَّهْرِ حَرِيمٌ مِنْ جَانِبَيْهِ مِثْلُ عَرْضِ بَطْنِ النَّهْرِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُمَا لِلنَّهْرِ حَرِيمٌ كَانَ اشْتِرَاطُ النَّهْرِ لِأَحَدِهِمَا فِي الْقِسْمَةِ اشْتِرَاطًا لِحَرِيمِهِ لَهُ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ وَقَدْ جَعَلَا فِي الْقِسْمَةِ النَّهْرَ حَدًّا لِمِلْكِ صَاحِبِهِ وَالْمُسَنَّاةُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ يَصْلُحُ؛ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الْأَرْضُ مِنْ الْغَرْسِ وَالزِّرَاعَةِ وَلَا يَصْلُحُ؛ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ إجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهِ فَيَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَوْلَى بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْرِ طَرِيقٌ إلَّا فِي أَرْضٍ لِقَسِيمِهِ وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إذَا عَلِمَ يَوْمئِذٍ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْقِسْمَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَقَدْ رَضِيَ هُوَ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ، وَالشَّرْطُ أَمْلَكُ، وَكَذَلِكَ النَّخْلَةُ وَالشَّجَرَةُ نُصِبَتْ إحْدَاهُمَا فِي أَرْضِ الْآخَرِ وَاشْتَرَطَا أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي أَرْضِ صَاحِبِهِ فَهُوَ وَالنَّهْرُ سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ يَصُبُّ فِي أَجْمِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ ذَلِكَ الْمَصَبُّ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ مُسْتَعْجِلٌ لَهُ وَقَدْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَيُتْرَكُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا فِي جُذُوعٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى حَائِطِ الْآخَرِ فَالْمَصَبُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا لِصَاحِبِ النَّهْرِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَالْجُذُوعِ وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ لِرَجُلٍ يَمُرُّ فِي مِلْكِ رَجُلٍ آخَرَ فَاخْتَلَفَا فِي مُسَنَّاةٍ عَلَى النَّهْرِ فَهِيَ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا الْمُسَنَّاةُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةِ حَرِيمِ النَّهْرِ وَعَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ هُمَا يَقُولَانِ لِصَاحِبِ النَّهْرِ فِي الْمُسَنَّاةِ يَدٌ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالُ؛ فَإِنَّهُ بِالْمُسَنَّاةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَجْرِي مَاؤُهُ فِي النَّهْرِ مُسْتَوِيًا وَالِاسْتِعْمَالُ يَدٌ وَعِنْدَ الْمُنَازَعَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِرَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُسَنَّاةَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ يَصْلُحُ؛ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الْأَرْضُ وَمِلْكُ الْآخَرِ فِي النَّهْرِ وَهُوَ الْعُمْقُ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ حَيْثُ يَثْبُتُ لِلْآخَرِ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْحُجَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالنَّهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَفِيضُ عَدَمَ الْمُسَنَّاةِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلِصَاحِبِ النَّهْرِ فِيهِ حَقُّ اسْتِمْسَاكِ الْمَاءِ بِهِ فَلَا يَهْدِمُهَا لِحَقِّهِ كَحَائِطٍ لِإِنْسَانٍ عَلَيْهِ جُذُوعٌ لِآخَرَ لَيْسَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ أَنْ يَهْدِمَهُ وَلَكِنْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَغْرِسَ عَلَى الْمُسَنَّاةِ مَا بَدَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ صَاحِبِ النَّهْرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَائِطٍ سُفْلُهُ لِرَجُلٍ وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ وَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى عُلُوِّهِ مَا بَدَا لَهُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالسُّفْلِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ وَالْأَرْضُ بَيْنَ قَوْمٍ اقْتَسَمُوا الْأَرْضَ مِسَاحَةً عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ شَجَرٌ أَوْ بُيُوتٌ فِي أَرْضِهِ فَهِيَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا دَرَاهِمَ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ بِمَنْزِلَةِ رَجُلَيْنِ يَقْتَسِمَانِ دَارًا عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَصَابَهُ مِنْ الْبِنَاءِ بِالْقِيمَةِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِيهَا سَاحَةٌ وَبِنَاءٌ لَهُمَا وَلِآخَرَ فَاقْتَسَمَاهَا عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا السَّاحَةَ وَأَخَذَ الْآخَرُ مَوْضِعَ الْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ أَرَادَ الَّذِي أَصَابَهُ السَّاحَةُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْبِنَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى صَاحِبِهِ وَلَكِنْ لَهُ قِيمَةُ حَقِّهِ مِنْ ذَلِكَ أُجْبِرُهُ عَلَيْهِ فَإِذَا كُنْت أُجْبِرُهُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَهِيَ إذَا كَانَ بِشَرْطٍ أَجْوَزُ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا ذَلِكَ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ لِلسَّاحَةِ وَتَبَعٌ لَهَا فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي مِلْكِ الْبَيْعِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِمِلْكِ الْأَصْلِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ الْوَصْفِ بِالْقِيمَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ صَبْغَ الْغَيْرِ لَوْ اتَّصَلَ بِثَوْبِ الْغَيْرِ كَانَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الصَّبْغَ عَلَى صَاحِبِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَصْفٌ لِمِلْكِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبِنَاءُ كُلُّهُ لِإِنْسَانٍ فِي سَاحَةِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ صَاحِبَ الْبِنَاءِ يَتَمَكَّنُ مِنْ رَفْعِ بِنَائِهِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِصَاحِبِ السَّاحَةِ فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ السَّاحَةِ حَقُّ تَمَلُّكِ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبِنَاءُ مُشْتَرَكًا فَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَفْعِ نَصِيبِهِ مِنْ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِ السَّاحَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَرْفَعْ جَمِيعَ الْبِنَاءِ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بَيْنَهُمَا؛ فَلِهَذَا كَانَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ أَنْ يَرْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَيَتَمَلَّكَ نَصِيبَهُ عَلَيْهِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْبِنَاءَ تَبَعٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَيْعِ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ فَيُوَفِّرَ حَظَّهُ عَلَى الشَّبَهَيْنِ فَلِشَبَهِهِ بِمَا هُوَ أَصْلٌ لَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَى صَاحِبِ الْبِنَاءِ جَمِيعَ الْبِنَاءِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْعِ يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَمَلَّكَ نَصِيبَهُ مِنْ الْبِنَاءِ إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَإِنْ اشْتَرَطُوا ذَلِكَ بِدَنَانِيرَ فَالدَّنَانِيرُ كَالدَّرَاهِمِ فِي أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ إلَّا ثَمَنًا فِي الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطُوا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فَذَلِكَ ثَمَنٌ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ، وَالْبِنَاءُ عَيْنٌ فَاشْتِرَاطُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فِي الذِّمَّةِ بِمُقَابَلَةِ الْبِنَاءِ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الثَّمَنِ فَهُوَ كَاشْتِرَاطِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَإِنْ شَرَطُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ يُرَدُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مَقْصُودًا فَجَهَالَتُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ تَكُونُ مُبْطِلَةً لِلْعَقْدِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْقُودٌ بِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ قِيَامَهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةٍ الْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ تَرْكُ تَسْمِيَةِ الْمِقْدَارِ فِيهِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْقِسْمَةِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْقِسْمَةِ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ عِنْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ فَأَمَّا الْعَيْنُ يَكُونُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ إلَى عَيْنِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا فَهُوَ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْعَيْنِ بِقِيمَتِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَفِي الثَّمَنِ هُنَا يَقْتَسِمَانِ الْمُشْتَرَكَ بَعْضُهُ بِالْمِسَاحَةِ وَبَعْضُهُ بِالْقِيمَةِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ التِّبْرُ وَالْأَوَانِي الْمَصُوغَةُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِعَيْنِهِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ التِّبْرُ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَبِيعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي كِتَاب الشَّرِكَةِ وَالصَّرْفِ.
وَلَوْ أَقَامَتْ الْوَرَثَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوَارِيثِ وَسَأَلُوا الْقَاضِيَ قِسْمَتَهُ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ غَائِبٌ لَمْ يَقْسِمْ شَيْئًا مِنْ أَجْنَاسِ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَالْقِسْمَةُ لِيَتَوَصَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} فَلَا يَشْتَغِلُ الْقَاضِي بِالْقِسْمَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ كَمَا لَا يَشْتَغِلُ بِهِ فِي حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ التَّرِكَةِ فَسَأَلُوهُ أَنْ يُوقِفَ مِنْهَا قَدْرَ الدَّيْنِ وَيَقْسِمَ الْبَاقِيَ؛ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَفْعَلُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ شَاغِلٌ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ التَّرِكَةِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ جَمِيعُ التَّرِكَةِ إلَّا مِقْدَارَ الدَّيْنِ كَانَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ وَهَذَا الْقِيَاسُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ، وَقَالَ: قَلَّ مَا تَخْلُو التَّرِكَةُ عَنْ دَيْنٍ يَسِيرٍ وَيَقْبَحُ أَنْ يُوقَفَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ بِدَيْنِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَنْظُرَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا فَيَقِفُ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ الدَّيْنِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَيَقْسِمُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ مُرَاعَاةً لِحَقِّهِمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْمَيِّتِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ بِحِفْظِ مَا يُصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَكُونُ ذَلِكَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ حَقُّهُ وَلَا يَأْخُذُ كَفِيلًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَجِدْ الْوَارِثُ مَنْ يَكْفُلُ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَجِدْ الْغَرِيمُ مَنْ يَكْفُلُ عَنْهُ أَيَسَعُ الْقَاضِي إمْسَاكَ حَقِّهِ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ حَقُّهُ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ الْكَفِيلُ بِشَيْءٍ لَمْ يَلْحَقْهُ بَعْدُ وَلَكِنَّهُ يَخَافُ ذَلِكَ وَعَسَى لَا يَلْحَقُهُ شَيْءٌ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ هَذَا شَيْءٌ احْتَاطَهُ الْقُضَاةُ وَهُوَ جَوْرٌ أَيْ مَائِلٌ عَنْ طَرِيقِ الْقَصْدِ فَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِالدَّيْنِ سَأَلَهُمْ هَلْ هِيَ دَيْنٌ أَمْ لَا؟ فَإِنْ لَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَيَقْسِمُ الْمَالَ بَيْنَهُمْ لِتَمَسُّكِهِمْ بِالْأَصْلِ وَهُوَ فَرَاغُ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ عَنْ الدَّيْنِ وَلِأَنَّ الْمَالَ فِي أَيْدِيهمْ فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُمْ مَا لَمْ يَحْضُرْ خَصْمٌ يُنَازِعُهُمْ فَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ نَقَضَ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مَعْلُومًا لَمْ يَشْتَغِلْ بِالْقِسْمَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِسْمَةَ كَانَتْ قَبْلَ أَوَانِهَا فَإِنَّ أَوَانَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَسَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَقْضُوا الدَّيْنَ الَّذِي ظَهَرَ قَبْلَ أَنْ تُنْقَضَ الْقِسْمَةُ فَحِينَئِذٍ لَا يَنْقُضُهَا لِارْتِفَاعِ الْمُوجِبِ لِنَقْضِهَا كَمَا لَا يَنْقُضُ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِ الْوَارِثِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَحِقَ وَارِثٌ آخَرُ لَمْ يَعْرِفْهُ الشُّهُودُ وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُنْتَقَضُ فِي كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا وَقَعَتْ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ بَعْض الشُّرَكَاءِ وَلَوْ لَمْ تُنْقَضْ الْقِسْمَةُ تَضَرَّرَ بِهِ هَذَا الْوَارِثُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِمَّا وَصَلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ فَيَتَفَرَّقُ نَصِيبُهُ فِي مَوَاضِعَ؛ فَلِهَذَا تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ وَيَسْتَقْبِلُ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمْ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ وَجَحَدَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ قُسِّمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْمَوَارِيثِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْجَاحِدِينَ، ثُمَّ يُؤْمَرُ الْمُقِرُّ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ إذَا كَانَ فِي نَصِيبِهِ وَفَاءٌ بِذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْضِي مِنْ نَصِيبِهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِقْرَارِ.
وَلَوْ قَسَّمَ الْقَاضِي التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنْ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ فَالْقِسْمَةُ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ الْمُرْسَلِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَسْتَحِقُّ سَابِقًا عَلَى الْمِيرَاثِ كَالدَّيْنِ فَظُهُورُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَظُهُورِ الدَّيْنِ فَإِنْ غَرِمَ الْوَارِثُ هَذِهِ الْأَلْفَ مِنْ مَالِهِمْ مَضَتْ الْقِسْمَةُ لِوُصُولِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِكَمَالِهِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ قَضَوْا الدَّيْنَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعْ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ وَهُوَ سَوَاءٌ فِي الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ حَقِّهِ فِي التَّرِكَةِ كَقِيَامِ حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْقِسْمَةِ إلَّا أَنْ يَقْضُوهُ بِالْحِصَصِ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ قَبْلَ نَقْضِ الْقِسْمَةِ فَالْقِسْمَةُ مَا فِيهِ وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْوَصِيَّةِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أُبْطِلَتْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ حَتَّى تَزْدَادَ حِصَّتُهُ بِزِيَادَةِ التَّرِكَةِ وَتَنْقُصُ بِنُقْصَانِ التَّرِكَةِ فَثُبُوتُ وَصِيَّتِهِ بِالْبَيِّنَةِ كَظُهُورِ وَارِثٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا وَقْتَ الْقِسْمَةِ فَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ لِحَقِّهِ وَإِذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ وَأَرْضُهَا بَيْنَ رَجُلَيْنِ بِالشِّرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ نَصِيبَهُ مِيرَاثًا فَأَقَامَ وَرَثَتُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَعَلَى الْأَصْلِ وَشَرِيكُ أَبِيهِمْ غَائِبٌ لَمْ يَقْسِمْ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ؛ لِأَنَّ حُضُورَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ كَحُضُورِ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الشَّرِكَةِ فِي الْمُشْتَرَاةِ أَنَّ غَيْبَةَ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ يَمْنَعُ الْقَاضِيَ مِنْ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشِّرَاءِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَغَابَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ قَسَمْتُهَا بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْوَرَثَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ وَحُضُورُهُ كَحُضُورِ الْمَيِّتِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَلِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ خَصْمٌ عَنْ الْبَعْضِ وَحُضُورُ بَعْضِهِمْ كَحُضُورِ جَمَاعَةٍ أَمَّا وَارِثُ الْمَيِّتِ لَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْ شَرِيكِهِ الْمُشْتَرِي مَعَهُ؛ فَلِهَذَا لَا يَشْتَغِلُ بِالْقِسْمَةِ عِنْدَ غَيْبَةِ الشَّرِيكِ.
وَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِيرَاثًا مِنْ أَبِيهِمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ نَصِيبَهُ مِيرَاثًا بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَحَضَرُوا وَغَابَ عَنْهُمْ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى أُصُولِ مِيرَاثِ الْجَدِّ قَسَمْتَهَا بَيْنَهُمْ وَيُعْزَلُ نَصِيبُ عَمِّهِمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَمُّهُمْ حَاضِرًا وَغَابَ بَعْضُ بَنِي أَخِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مِيرَاثٌ هُنَا وَفِي الْمِيرَاثِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يَكُونُ خَصْمًا عَنْ الْبَعْضِ فَيُجْعَلُ حُضُورُ بَعْضِهِمْ كَحُضُورِ جَمَاعَتِهِمْ لِلْقِسْمَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَيُعْزَلُ نَصِيبُ كُلِّ غَائِبٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ بِالْمِيرَاثِ بَيْنَهُمْ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
وَإِذَا اقْتَسَمَ الْقَوْمُ الْقَرْيَةَ وَهِيَ مِيرَاثٌ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ وَفِيهِمْ صَغِيرٌ لَيْسَ لَهُ وَصِيٌّ أَوْ غَائِبٌ لَيْسَ لَهُ وَكِيلٌ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَظَرَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ فَوْقَ نَظَرِهِمْ لِلْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا قَسَّمَ بَيْنَهُمْ فَلَهُ وِلَايَةُ النَّظَرِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْغَائِبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْظُرُ لَهُ شَفَقَةً لِحَقِّ الدِّينِ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَسَمُوهَا بِأَمْرِ صَاحِبِ الشَّرْطِ أَوْ عَامِلٍ غَيْرِ الْقَاضِي كَالْعَامِلِ عَلَى الرُّسْتَاقِ أَوْ الطَّسُّوجِ عَلَى الْخَرَاجِ أَوْ عَلَى الْمَعُونَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِهَؤُلَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ فَوُجُودُ أَمْرِهِمْ كَعَدَمِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَضُوا بِحُكْمِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَسُمِعَ مِنْ بَيْنِهِمْ عَلَى الْأَصْلِ وَالْمِيرَاثِ، ثُمَّ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ وَفِيهِمْ صَغِيرٌ لَا وَصِيَّ لَهُ أَوْ غَائِبٌ لَا وَكِيلَ لَهُ لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّبِيِّ؛ فَإِنَّهُ صَارَ حَكَمًا بِتَرَاضِي الْخُصُومِ فَيَقْتَصِرُ وِلَايَتُهُ عَلَى مَنْ وَجَدَ مِنْهُ الرِّضَا بِحُكْمِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْغَائِبُ أَوْ كَبَرَ الصَّبِيُّ فَأَجَازَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مُجِيزًا حَالَ وُقُوعِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَجَازَ جَازَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَالَ الصَّبِيِّ فَكَبَرَ الصَّبِيُّ وَأَجَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ الْغَائِبُ أَوْ الصَّغِيرُ فَأَجَازَ وَارِثُهُ لَمْ يَجُزْ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَادِثٌ لِلْوَرَثَةِ فَلَا تُعْمَلُ إجَازَةُ الْوَارِثِ كَمَا لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَالَهُ وَأَجَازَ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمُورِثَ فَإِجَازَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَإِجَازَةِ الْمُوَرِّثِ فِي حَيَاتِهِ وَحَرْفُ الِاسْتِحْسَانِ وَبِهِ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْقِسْمَةِ قَائِمَةٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ كَمَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ فَلَوْ نُقِضَتْ تِلْكَ الْقِسْمَةُ اُحْتِيجَ إلَى إعَادَتِهَا فِي الْحَالِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَإِنَّمَا تَكُونُ إعَادَتُهَا بِرِضَى الْوَارِثِ فَلَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهَا مَعَ وُجُودِ الْإِجَازَةِ مِنْهُ لِتُعَادَ بِرِضَاهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّا لَوْ نَقَضْنَا ذَلِكَ الْبَيْعَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى إعَادَتِهِ فَالْبَيْعُ لَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا فِي كُلِّ عَيْنٍ لَا مَحَالَةَ؛ فَلِهَذَا لَا يُعْمَلُ إجَازَةُ الْوَارِثِ فِيهِ بَعْدَ تَعَيُّنِ جِهَةِ الْبُطْلَانِ فِيهِ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.