فصل: بَابُ قِسْمَةِ الدَّارِ لِلْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ قِسْمَةِ الدَّارِ لِلْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ:

(قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ دَارًا لِمَيِّتٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ رُدَّتْ الْقِسْمَةُ قَلِيلًا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ كَثِيرًا أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِلتَّرِكَةِ؛ فَلِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْلِكُونَ التَّرِكَةَ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمْ فِيهَا وَالْقِسْمَةُ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَأَمَّا إذَا قَلَّ الدَّيْنُ؛ فَلِأَنَّهُ شَاغِلٌ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِلْإِحْرَازِ وَلَا يُسَلَّمُ لِلْوَارِثِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَهَذِهِ قِسْمَةٌ قَبْلَ أَوَانِهَا فَهُوَ كَقِسْمَتِهِمْ فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ سِوَى ذَلِكَ بِعْتُهُ فِي الدَّيْنِ وَنَفَّذْت الْقِسْمَةَ)؛ لِأَنَّ كُلَّ مَالِ الْمَيِّتِ مَحَلٌّ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمَانِعُ لِلْقِسْمَةِ قِيَامُ حَقِّ الْغَرِيمِ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ حَقُّهُ مِنْ مَحَلِّهِ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ الْقِسْمَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ سِوَى ذَلِكَ فَأَدَّى الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ أَوْ إبْرَاءِ الْغَرِيمِ الْمَيِّتَ مِنْ الدَّيْنِ جَازَتْ الْقِسْمَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ إمَّا بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ أَوْ بِسُقُوطِ دَيْنِهِ بِالْإِبْرَاءِ وَكَمَا أَنَّ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ تَنْفُذُ إذَا وَصَلَ إلَى الْغَرِيمِ حَقُّهُ، فَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ وَإِذَا كَانَ فِيهِ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ لَمْ تَجُزْ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ وَالْوَرَثَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ الْغَائِبِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ إيفَاءَ حَقِّهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ لَمْ يَمْلِكُوا ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ هُوَ غَائِبًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ وَالْوَصِيُّ لَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ لِلْمُوصَى لَهُ مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ وَالْوَصِيُّ إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَمَّنْ يَكُونُ خَلْفَ الْمَيِّتِ فِي الْمِلْكِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمَيِّتِ؛ فَلِهَذَا يَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ مَعَ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَإِنَّمَا تُنْظَرُ الْقِسْمَةُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَانَ هُوَ الَّذِي قَسَّمَ بَعْدَ قَضَائِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مَوْضِعَ الِاجْتِهَادِ وَثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لَهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ الْغَائِبِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ لَهُ.
وَإِذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ دَارًا وَفِيهِمْ وَارِثٌ غَائِبٌ وَلَيْسَ لِلْمَيِّتِ وَصِيٌّ وَلَا لِلْغَائِبِ وَكِيلٌ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ، وَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ إذَا كَبِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْحُضُورِ مَعَ الْوَرَثَةِ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ خُصُوصًا فِي تَصَرُّفِهِمْ مَعَ أَنْفُسِهِمْ وَالْقِسْمَةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَمَا يُنْقَلُ وَمَا لَا يُنْقَلُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِيرَاثًا بَيْنَ قَوْمٍ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا وَصِيَّةَ، ثُمَّ مَاتَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ أَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَائِبٌ أَوْ صَغِيرٌ وَلَا وَصِيَّ لَهُ فَاقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ الدَّارَ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُبْطِلُوا الْقِسْمَةَ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْوَصِيَّةِ وَالْوَارِثِ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ شَرِكَةً فِيمَا اقْتَسَمُوا مِنْ التَّرِكَةِ إمَّا فِي الْعَيْنِ أَوْ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ عَنْهُمْ خَصْمٌ حَاضِرٌ وَلِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ الثَّانِي فِي حِصَّتِهِ وَلَوْ كَانَ هُوَ حَيًّا غَائِبًا لَمْ تَنْفُذْ قِسْمَتَهُمْ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَحْضُرْ عَنْهُ خَصْمٌ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَإِذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ دَارًا بَيْنَهُمْ وَأَشْهَدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْقِسْمَةِ، ثُمَّ ادَّعَتْ امْرَأَةُ الْمَيِّتِ مَهْرَهَا وَأَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فَلَهَا أَنْ تَنْقُضَ الْقِسْمَةَ وَلَا يَكُونُ قِسْمَتُهَا وَإِقْرَارُهَا بِالْمِيرَاثِ خُرُوجًا مِنْ دَيْنِهَا؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْوَارِثِ كَدَيْنِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقْضُوا الدَّيْنَ مِنْ مَالٍ آخَرَ لَهُمْ فَيَسْتَخْلِصُوا التَّرِكَةَ لِأَنْفُسِهِمْ فَهِيَ إنَّمَا وَافَقَتْ مَعَهُمْ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَنْ يَقْضُوا مَهْرَهَا مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهَا إبْرَاءً لِلْمَيِّتِ عَنْ الْمَهْرِ وَلَا إقْرَارًا بِأَنَّهُ لَا دَيْنَ لَهَا وَيَكُونُ لَهَا أَنْ تَنْقُضَ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَنْفُذُ إلَّا بِشَرْطِ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِجَازَةُ الْغَرِيمِ الْقِسْمَةَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا بَلْ وُجُودُ ذَلِكَ كَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِحَقِّ الْمَيِّتِ لَا لِحَقِّ الْغَرِيمِ خَاصَّةً فَإِذَا لَمْ يَقْضُوا دَيْنَهَا كَانَ لَهَا أَنْ تَنْقُضَ الْقِسْمَةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى وَارِثٌ آخَرُ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَهُوَ وَالْمَهْرُ سَوَاءٌ وَلَوْ أَنَّ وَارِثًا ادَّعَى وَصِيَّةً لِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ لَهُ الثُّلُثُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَسَّمُوا الدَّارَ فَإِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَا تُبْطِلُ حَقَّ ابْنِهِ فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ أَوْ يُبْطِلَ حَقُّ ابْنِهِ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ مُسَاعِدُ الْوَرَثَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ ابْنِهِ فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْأَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَصِيَّةَ ابْنِهِ وَلَا أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمَّتْ بِهِ وَمَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ ضَلَّ سَعْيُهُ وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْقِسْمَةِ مَعَهُمْ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةً لِابْنِهِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فِي الْعَيْنِ فَالْقِسْمَةُ لَا تَصِحُّ بِدُونِ تَمَيُّزِ حَقِّهِ فَيَكُونُ إقْدَامُهُ عَلَى الْقِسْمَةِ مَعَ الْوَرَثَةِ إقْرَارًا بِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِابْنِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّ قَضَاءَ حَقِّ الْغَرِيمِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ جَائِزٌ وَلَا يَصِيرُ هُوَ بِدَعْوَى الدَّيْنِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مُنَاقِضًا أَوْ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ وَيَصِيرُ بِدَعْوَى الْوَصِيَّةِ لِابْنِهِ مُنَاقِضًا فِي كَلَامِهِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلِلِابْنِ إذَا كَبِرَ أَنْ يَطْلُبَ حَقَّهُ وَيَرُدَّ الْقِسْمَةَ.
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ مِيرَاثًا بَيْنَ قَوْمٍ فَاقْتَسَمُوهَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ مِنْ أَبِيهِمْ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ أَخًا لَهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ قَدْ وَرِثَاهُ مَعَهُمْ وَأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ ابْنِهِ فَوَرِثَهُ هُوَ وَأَرَادَ مِيرَاثَهُ مِنْهُ، وَقَالَ: إنَّمَا قِسْمَتُهُمْ لِي مِيرَاثٌ مِنْ أَبِي وَلَمْ يَكْتُبُوا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَعْضِهِمْ فِيمَا أَصَابَ الْبَعْضُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ وَلَمْ تُنْقَضْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَاعَدَهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ جَمِيعَ الدَّارِ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمْ مِنْ الْأَبِ فَيَكُونُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ بَعْضَ الدَّارِ لِأَخِيهِ مُنَاقِضًا وَهُوَ بِهَذَا الْكَلَامِ يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْقِسْمَةِ كَانَ بِرِضَاهُ، وَإِنْ كَانُوا كَتَبُوا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَعْضِهِمْ فِيمَا أَصَابَ الْبَعْضُ فَهُوَ أَبْقَى لِدَعْوَاهُ وَمُرَادِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَكْتُبُوا إزَالَةَ الْأَشْكَالِ وَبَيَانَ التَّسْوِيَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ فِي الْجَوَابِ، فَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ ابْنِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ وَقَبَضَهَا مِنْهُ أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ لِأُمِّهِ وَرِثَهَا مِنْهَا لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضَ فِي كَلَامِهِ شَارِعٌ فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ مِيرَاثًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنْ أَبِيهِمْ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ وَتَرَكَ ابْنًا كَبِيرًا فَاقْتَسَمَ هُوَ وَعَمَّاهُ الْقَرْيَةَ عَلَى مِيرَاثِ الْجَدِّ وَقَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ، ثُمَّ إنَّ ابْنَ الِابْنِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَاعَدَهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لَهُ فِيهَا فَكَانَ هُوَ فِي دَعْوَى الْوَصِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَاقِضًا وَلَوْ ادَّعَى لِنَفْسِهِ دَيْنًا عَلَى ابْنِهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى هَذَا الدَّيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مُسَاعَدَتَهُ إيَّاهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ لَا تَكُونُ إقْرَارًا عَلَى أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَى ابْنِهِ وَإِنَّمَا سَاعَدَهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ لِيَتَبَيَّنَ نَصِيبُ الِابْنِ فَيُسْتَوْفَى دَيْنُهُ مِنْهُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَأَجَازَ الْغَرِيمُ الْقِسْمَةَ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا وَكَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ، فَكَذَلِكَ الْوَارِثُ إذَا كَانَ هُوَ الْغَرِيمَ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِإِجَازَةِ الْغَرِيمِ فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ نُفُوذِهَا قِيَامُ دَيْنِهِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِإِجَازَتِهِ وَعَدَمِ إجَازَتِهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الشَّرِكَةَ فِي الْعَيْنِ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فَالْقِسْمَةُ هُنَاكَ تَتِمُّ بِرِضَاهُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ أَجْنَبِيًّا آخَرَ فَيَكُونُ هُوَ فِي دَعْوَى الْوَصِيَّةِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ.
وَإِذَا ادَّعَى الْوَارِثُ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَى نَصِيبَ أَبِيهِ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِي نَصِيبِهِ سَوَاءٌ كَانَ شِرَاءً أَوْ مِيرَاثًا وَقَدْ تَمَّتْ الْقِسْمَةُ بِحَضْرَتِهِ وَرِضَاهُ.
وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مِيرَاثًا بَيْنَ قَوْمٍ فَاقْتَسَمُوهَا وَتَقَابَضُوا، ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمْ اشْتَرَى مِنْ الْآخَرِ قِسْمَهُ وَقَبَضَهُ، ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِدَيْنٍ عَلَى الْأَبِ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ وَالشِّرَاءَ جَمِيعًا يَبْطُلَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ غَيْرُ وَارِثٍ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَالشِّرَاءَ كِلَيْهِمَا تَصَرُّفٌ مِنْ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ فَلَا يَنْفُذُ مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ.
وَإِذَا وَرِثَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَنْ أَبِيهِمْ دَارًا فَاقْتَسَمُوهَا أَثْلَاثًا وَتَقَابَضُوا، ثُمَّ إنَّ رَجُلًا غَرِيبًا اشْتَرَى مِنْ أَحَدِهِمْ قِسْمَهُ وَقَبَضَهُ، ثُمَّ جَاءَ أَحَدُ الْبَاقِينَ فَقَالَ: أَنَا لَمْ أَقْسِمْ فَاشْتَرَى مِنْهُ الثُّلُثَ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ، ثُمَّ جَاءَ الثَّالِثُ فَقَالَ: قَدْ اقْتَسَمْنَاهَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَكَذَّبَهُ الثَّانِي، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَدْرِي أَقَسَّمْتُمْ أَمْ لَا فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِحُجَّةٍ أَقَامَهَا مَنْ هُوَ خَصْمٌ وَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، ثُمَّ الْقِسْمَةُ بَعْدَ تَمَامِهَا لَا تَبْطُلُ بِجُحُودِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْأَوَّلَ بَاعَ نَصِيبَ نَفْسِهِ خَاصَّةً فَكَانَ بَيْعُهُ صَحِيحًا وَأَمَّا الثَّانِي إنَّمَا بَاعَ ثُلُثَ الدَّارِ شَائِعًا ثُلُثُ ذَلِكَ مِنْ قِسْمِهِ وَثُلُثَا ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ثُلُثَ قِسْمِهِ بِثُلُثِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ بَيْعُهُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً لِتَصْحِيحِ عَقْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فِي مَنْزِلٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ إنَّمَا بَاعَ ثُلُثَ الدَّارِ شَائِعًا فَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ ذَلِكَ الْبَيْعِ فِي مَنْزِلٍ مُعَيَّنٍ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ ثُلُثَ الدَّارِ؛ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ بَيْعُهُ إلَى نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ ثُلُثٌ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ الدَّارِ كَمَا بَاعَهُ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَقَرَّ فِي الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ بِالْقِسْمَةِ وَأَقَرَّ فِي الشِّرَاءِ الْآخَرِ أَنَّهَا لَمْ تُقْسَمْ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا كَانَ الْقَضَاءُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا وَصَفْتُهُ؛ لِأَنَّ فِي إثْبَاتِ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ هُمْ الْخُصَمَاءُ وَلَا قَوْلَ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي كَلَامِهِ الثَّانِي مُنَاقِضٌ وَقَوْلُ الْمُنَاقِضِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى إذَا رَدَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ؛ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ نَصِيبِ الْأَوَّلِ ثُلُثَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ لَهُ وَكَأَنَّهُ جَحَدَهُ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَلَكِنَّ الْإِقْرَارَ بَعْدَ الْجُحُودِ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَمْضَى الْبَيْعَ لَزِمَهُ ثُلُثَا الثَّمَنِ بِثُلُثِ نَصِيبِ الْأَوَّلِ وَثُلُثِ نَصِيبِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ فَبِقَدْرِ مَا يُسَلَّمُ لَهُ بِزَعْمِهِ يَلْزَمُهُ ثُلُثُهُ وَقَدْ سُلِّمَ لَهُ بِزَعْمِهِ ثُلُثَا مَا اشْتَرَاهُ مِنْ الثَّانِي وَيُرْجِعُ بِثُلُثِ الثَّمَنِ حِصَّةَ نَصِيبِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَيَبْقَى فِي يَدِ الْبَائِعِ الثَّانِي ثُلُثَا قِسْمِهِ الَّذِي أَصَابَهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي مِنْهُ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقِسْمَ إلَّا الثُّلُثَ.
وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَتَرَكَ هَذِهِ الْأَرْضَ وَهَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثًا، ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَإِنِّي أَقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهُ قَوْلُهُ: هَذَا مِنْ وَصِيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى دَيْنًا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ التَّرِكَةُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ تُوصَفُ التَّرِكَةُ بِأَنَّهَا مِيرَاثٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ وَأَنَّهُ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ إذَا سَقَطَ الدَّيْنُ أَوْ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ فَلَا يَكُونُ هُوَ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ مُنَاقِضًا فِي كَلَامِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى شِرَاءً مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً؛ فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ فَإِنَّ التَّرِكَةَ اسْمٌ لِمَا كَانَ مِلْكًا لِلْمُوَرِّثِ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا عِنْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهَا مِيرَاثٌ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ فَذَلِكَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ مِنْهُ لِلتَّنَاقُضِ.
وَإِذَا اقْتَسَمَا الْقَوْمُ دَارًا مِيرَاثًا عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمَرْأَةُ مُقِرَّةٌ بِذَلِكَ وَأَصَابَهَا الثَّمَنُ وَعُزِلَ لَهَا عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا وَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِصَدَاقِهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا سَاعَدَتْهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ فَقَدْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا كَانَتْ لِلزَّوْجِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَصَارَ مِيرَاثًا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَهِيَ مُنَاقَضَةٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا اقْتَسَمُوا فَأَصَابَ كُلُّ إنْسَانٍ طَائِفَةً بِجَمِيعِ مِيرَاثِهِ عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ فِي قِسْمِ الْآخَرِ بِنَاءً أَوْ نَخْلًا زَعَمَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِيرَاثٌ لَهُمْ مِنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَسَمَ صَارَ مِيرَاثًا لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ دَعْوَى الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ لَا مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ.
وَلَوْ اقْتَسَمُوا دَارًا أَوْ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ وَنَخِيلٌ حَامِلٌ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحَمْلَ فِي الْقِسْمَةِ وَإِنَّمَا أَشْهَدُوا بِمَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ فَإِنَّ الزَّرْعَ وَالثِّمَارَ لَا يَدْخُلَانِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ حَتَّى كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَطْلُبَ نَصِيبَهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي هَذَا كَالْبَيْعِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الثِّمَارَ وَالزَّرْعَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ مِنْهُ أَوْ فِيهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْقِسْمَةِ.
وَلَوْ كَانَتْ لِلدَّارِ وَالْأَرْضِ غَلَّةٌ مِنْ إجَارَةٍ كَانَتْ أَوْ مِنْ ثَمَنِ ثَمَرَةٍ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِمَا جَرَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ فِيهِ.
وَبَقِيَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْمَوَارِيثِ وَلَوْ شَرَطُوا ذَلِكَ فِي قِسْمِ رَجُلٍ كَانَتْ الْقِسْمَةُ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَصِيرُ مُمَلِّكًا نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِمَّنْ شَرَطَ لَهُ بِمَا يَمْلِكُ عَلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْعَيْنِ وَتُمْلِيك الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِعِوَضٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ اقْتَسَمُوا عَلَى إنْ ضَمِنَ أَحَدُهُمْ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ مُسَمًّى كَانَ هَذَا بَاطِلًا إذَا كَانَ فِي أَصْلِ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ كَالْبَيْعِ وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ أَنْ يَضْمَنَ دَيْنًا عَلَى الْبَائِعِ كَانَ بَاطِلًا، فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ فِي الْقِسْمَةِ، وَإِنْ ضَمِنَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ الْوَارِثُ الْمَيِّتَ وَلَا مِيرَاثَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى أَنْ يُبَرِّئَ الْغُرَمَاءُ الْمَيِّتَ كَانَ هَذَا جَائِزًا إنْ رَضِيَ الْغُرَمَاءُ بِضَمَانِهِ كَمَا لَوْ ضَمِنَهُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ وَرَضِيَ الْغُرَمَاءِ بِذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْقِسْمَةِ قِيَامُ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ فَإِنْ أَبَى الْغُرَمَاءُ أَنْ يَقْبَلُوا ضَمَانَهُ فَلَهُمْ نَقْضُ الْقِسْمَةِ لِقِيَامِ دَيْنِهِمْ عَلَى الْمَيِّتِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ نُفُوذِ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ تَرَاضَوْا بِضَمَانِهِ وَأَبْرَءُوا الْمَيِّتَ، ثُمَّ نَوَى الْمَالَ عَلَيْهِ رَجَعُوا فِي مَالِ الْمَيِّتِ حَيْثُ كَانَ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْرَءُوهُ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُمْ دَيْنَهُمْ مِنْ جِهَةِ الضَّامِنِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ كَانُوا عَلَى حَقِّهِمْ فِي اتِّبَاعِ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا فَإِنَّ الدَّيْنَ يَعُودُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ:

(قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا اقْتَسَمَ الْقَوْمُ أَرْضًا مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ أَوْ شِرَاءً وَتَقَابَضُوا، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ غَلَطًا فِي الْقِسْمَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بِإِعَادَةِ الْقِسْمَةِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ)؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَعْدَ تَمَامِهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَمُدَّعِي الْغَلَطِ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقَّ الْفَسْخِ بَعْدَ مَا ظَهَرَ سَبَبُ لُزُومِ الْعَقْدِ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَالْمُشْتَرِي إذَا ادَّعَى لِنَفْسِهِ خِيَارًا بِسَبَبِ الْعَيْبِ أَوْ الشَّرْطِ وَلَكِنْ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ فَتُعَادُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ الْمُعَادَلَةُ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْحُجَّةِ أَنَّ الْمُعَادَلَةَ بَيْنَهُمْ لَمْ تُوجَدْ كَمَا لَوْ ثَبَتَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُمْ عَلَى الْغَلَطِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ لَزِمَهُمْ فَإِذَا أَنْكَرُوا اُسْتُحْلِفُوا عَلَيْهِمْ لِرَجَاءِ النُّكُولِ فَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ جَمَعَ نَصِيبَهُ إلَى نَصِيبِهِ، ثُمَّ يُقْسَمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا؛ لِأَنَّ النَّاكِلَ كَالْمُقِرِّ وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ فَفِيمَا فِي يَدِهِ يُجْعَلُ كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ حَقٌّ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُقْسَمُ فَهُوَ عَلَى هَذَا لَا يُعَادُ ذَرْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِسَاحَتُهُ وَلَا كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقِسْمَةَ وَقَعَتْ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَادَلَةِ وَأَنَّهُ وَصَلَ إلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقُّهُ وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ مَا لَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ وَإِذَا اقْتَسَمَ رَجُلَانِ دَارَيْنِ وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَالْآخَرُ دَارًا، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا غَلَطًا وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ لَهُ كَذَا ذِرَاعًا فِي الدَّارِ الَّتِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَفَصَلَا فِي قِسْمَةٍ؛ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ الذَّرْعَ وَلَا تُعَادُ الْقِسْمَةُ وَلَيْسَ هَذَا كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ وَالدَّارَانِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ حَتَّى لَا تَجُوزَ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَبَيْعُ كَذَا كَذَا ذِرَاعًا مِنْ الدَّارِ الَّتِي فِي يَدِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ، فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا فِي دَارِ صَاحِبِهِ فِي الْقِسْمَةِ كَانَتْ الْقِسْمَةُ فَاسِدَةً وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ قِسْمَةَ الْخَبَرِ فِي الدَّارِ إنَّمَا تَجْرِي عِنْدَهُمَا إذَا رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِيهِ فَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَهُوَ كَالْبَيْعِ وَلَكِنْ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ بَيْعَ كَذَا كَذَا ذِرَاعًا مِنْ الدَّارِ جَائِزٌ، فَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ لِأَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقِسْمَةِ وَبِهِ فَارِقُ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّمْيِيزِ هُنَاكَ يَغْلِبُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فِي الْقِسْمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ طَلَبِ الْبَعْضِ فَإِذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا كَذَا كَذَا ذِرَاعًا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لَا يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ بَلْ الشَّرْطُ وَالشُّيُوعُ يَبْقَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ فَمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ هُنَاكَ يَغْلِبُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَتَتَحَقَّقُ الْمُعَاوَضَةُ مَعَ شَرْطِ كَذَا كَذَا ذِرَاعًا لِأَحَدِهِمَا فِي دَارِ صَاحِبِهِ.
وَإِذَا اقْتَسَمَا أَقْرِحَةً فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا قَرَاحَانِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةَ أَقْرِحَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى صَاحِبُ الْقَرَاحَيْنِ أَحَدَ الْأَقْرِحَةِ الَّتِي فِي يَدِ الْآخَرِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ فَأَصَابَهُ فِي قِسْمَةٍ؛ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ بِالْقِسْمَةِ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْأَثْوَابِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الَّذِي فِي يَدِهِ الثَّوْبُ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ مُسْتَحِقٌّ لَهُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ ظَاهِرًا وَلَكِنْ لَوْ أَقَرَّ بِمَا ادَّعَى حَقَّ صَاحِبِهِ أَمَرَ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ فَإِذَا أَنْكَرَ اُسْتُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ.
وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي قِسْمَةٍ وَجَاءَ الْآخَرُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي قِسْمَةٍ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الَّذِي لَيْسَ الثَّوْبُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا فِي الثَّوْبِ دَعْوَى الْمِلْكِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ فِيهِ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ الْمُثْبِتُ عَلَى صَاحِبِهِ لِمَا يَدَّعِيه بِالْبَيِّنَةِ، وَكَذَلِكَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي بُيُوتِ الدَّارِ.
وَإِنْ اقْتَسَمَا مِائَةَ شَاةٍ فَأَصَابَ أَحَدَهُمَا خَمْسٌ وَخَمْسُونَ شَاةً وَأَصَابَ الْآخَرَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ شَاةً، ثُمَّ ادَّعَى صَاحِبُ الْأَوْكَسِ غَلَطًا فِي التَّقْوِيمِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْحَاصِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَدَّعِيَ الْغَلَطَ فِي التَّقْوِيمِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ مِنْهُ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَاعَ فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ وَاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمْكِنَةِ وَلِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ لَا يُثْبِتُ شَيْئًا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ إنَّمَا يُثْبِتُ قِيمَةَ مَا تَنَاوَلَهُ فِعْلُ الْقِسْمَةِ وَفِعْلُ الْقِسْمَةِ لَاقَى الْعَيْنَ دُونَ الْقِيمَةِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مِقْدَارِ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى مِقْدَارِ قِيمَتِهِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ فَالْمَغْصُوبُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَمَعَ بَقَاءِ عَقْدِ الْبَيْعِ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدِينَ عَلَى صَاحِبِهِ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى فِي عَدَدِ مَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَحْدِثْ إحْدَى وَخَمْسِينَ غَلَطًا أَوْ أُحْدِثُ أَنَا تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ، وَقَالَ الْآخَرُ مَا أُحْدِثُ أَنَا إلَّا خَمْسِينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ لِلزِّيَادَةِ وَعَلَى مَنْ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ فِيمَا قَبَضَ صَاحِبُهُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي شَاةً مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ أَنَّهَا مِلْكُهُ أَصَابَتْهُ فِي الْقِسْمَةِ وَصَاحِبُهُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَالثَّالِثُ إنْ قَالَ: أَخْطَأْنَا فِي الْعَدَدِ وَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا خَمْسِينَ خَمْسِينَ وَهَذِهِ الْخَمْسِينَ خَطَأٌ كَانَ مِنَّا، وَقَالَ الْآخَرُ قَدْ اقْتَسَمْنَا عَلَى هَذَا لَك خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ وَلِي خَمْسٌ وَخَمْسُونَ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ وَالْغَنَمُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَاخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعِينَ فِي الْبَيْعِ حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ تُوجِبُ التَّحَالُفَ وَالتَّرَادَّ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مُحْتَمَلٌ لِلْفَسْخِ بَعْدَ لُزُومِهِ بِالتَّرَاضِي فَيُفْسَخُ بِالتَّحَالُفِ أَيْضًا، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ رُدَّتْ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْخَمْسِ وَأَرْبَعِينَ هُوَ الْمُدَّعِي وَهُوَ الْمُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ فَيَتَرَجَّحُ كَذَلِكَ بَيِّنَتُهُ وَيَصِيرُ كَأَنَّ خَصْمَهُ صَدَّقَهُ فِيمَا قَالَ: فَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ وَيَسْتَقْبِلَانِهَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَادَلَةِ.
وَإِذَا اقْتَسَمَا دَارًا وَلَمْ يُشْهِدَا عَلَى الْقِسْمَةِ حَتَّى اخْتَلَفَا فَقَالَ: هَذَا أَصَابَنِي هَذِهِ النَّاحِيَةُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِيهَا، وَقَالَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ أَصَابَنِي هَذَا كُلُّهُ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْحَاصِلِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ عَلَى الْقِسْمَةِ أُنْفِذَتْ بَيِّنَتُهُمَا عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ الْخَصْمَانِ عَلَيْهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومٌ بِحِدَةٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَهُنَاكَ أَبَتَّتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْخَمْسِ وَأَرْبَعِينَ أَنَّهُ بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ خَمْسٌ شَائِعَةٌ فِيمَا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ؛ فَلِهَذَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْحَدِّ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا هَذَا الْحَدُّ لِي قَدْ دَخَلَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَقَالَ الْآخَرُ هَذَا الْحَدُّ لِي قَدْ دَخَلَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ أَحْدَثَ بَيِّنَةً هَذَا وَبَيِّنَةً هَذَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي جُزْءٍ مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ بِعَيْنِهِ وَاجْتَمَعَ ذَلِكَ الْجُزْءُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ وَبَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ فَيَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ جُزْءًا مُعَيَّنًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرُدَّ الْقِسْمَةَ رَدَّهَا بَعْدَ مَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَفِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقِسْمَةِ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلتَّحَالُفِ وَبَعْدَ التَّحَالُفِ تُرَدُّ الْقِسْمَةُ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ.
رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ دَارًا وَابْنَيْنِ فَاقْتَسَمَا الدَّارَ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ وَأَشْهَدَ عَلَى الْقِسْمَةِ وَالْقَبْضِ وَالْوَفَاءِ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ صَاحِبُهُ مِنْ قَبْلُ أَنْ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى الْوَفَاءِ يَعْنِي أَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ كَمَالِ حَقِّهِ فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ مُنَاقِضٌ فِيمَا يَدَّعِيهِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ إنْ أَقَرَّ بِهِ صَاحِبُهُ فَإِقْرَارُهُ مُلْزِمٌ إيَّاهُ وَالْمُنَاقِضُ إذَا صَدَّقَهُ خَصْمُهُ فِيمَا يَدَّعِي ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَشْهَدَ بِالْوَفَاءِ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالْقِسْمَةِ حَتَّى قَالَ: اقْتَسَمْنَا فَأَصَابَنِي فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ وَهَذَا الْبَيْتِ وَالنَّاحِيَةُ فِي يَدِهِ وَالْبَيْتُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَقَالَ شَرِيكُهُ بَلْ أَصَابَنِي الْبَيْتُ وَمَا فِي يَدَيَّ كُلُّهُ فَإِنِّي أَسْأَلُ الْمُدَّعِيَ عَنْ الْبَيْتِ أَكَانَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ أَوْ غُصِبَ مِنْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنْ قَالَ: كَانَ فِي يَدَيَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَغُصِبْنَاهُ وَأَعَرْتُهُ أَوْ أَجَرْتُهُ لَمْ أَنْقُضْ الْقِسْمَةَ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى شَرِيكِهِ بِقَبْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمِيعَ نَصِيبِهِ وَبَقِيَ دَعْوَاهُ أَنَّ الْبَيْتَ وَصَلَ إلَى يَدِ صَاحِبِهِ مِنْ يَدِهِ وَصَاحِبُهُ جَاحِدٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ قَالَ: فِي يَدِ صَاحِبِي قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ تَحَالَفَا وَيُرَادُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقِسْمَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ فِي الْقِسْمَةِ، فَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي الْحَدِّ وَعَلَى هَذِهِ الْقِسْمَةِ فِي جَمِيعِ أَجْنَاسِ الْأَمْوَالِ يَكُونُ الْجَوَابُ عَلَى التَّقْسِيمِ الَّذِي قُلْنَا.
إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَوْ ادَّعَى غَلَطًا فِي الذَّرْعِ فَقَالَ: أَصَابَنِي أَلْفٌ وَأَصَابَك أَلْفٌ فَصَارَ فِي يَدِكَ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَفِي يَدَيَّ تِسْعُمِائَةٍ، وَقَالَ الْآخَرُ أَصَابَكَ أَلْفٌ وَأَصَابَنِي أَلْفٌ فَقَبَضْتُهَا وَلَمْ أَزِدْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي يَدَّعِي قَبْلَهُ الْغَلَطَ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَضَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ أَصَابَنِي أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَأَصَابَك أَلْفٌ وَمِائَةٌ، وَقَالَ الْآخَرُ أَصَابَنِي أَلْفٌ وَأَصَابَكَ أَلْفٌ فَقَبَضْتَ أَنْتَ أَلْفًا وَمِائَةً وَقَبَضْتُ تِسْعَمِائَةٍ تَحَالَفَا وَتَرَاضَيَا؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبَضَ أَلْفًا وَمِائَةً وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ نَصِيبِهِ بِالْقِسْمَةِ فَالْمُدَّعِي يَقُولُ: نَصِيبُك أَلْفٌ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَقُولُ: نَصِيبِي أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الْمِائَةِ هُنَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدَّعِي ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْلَافِهِ وَقَدْ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا؛ فَلِهَذَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا وَلَوْ قَالَ: كُنْتُ قَبَضْتُهَا فَقَبَضْتُهَا لَمْ أَنْقُضْ الْقِسْمَةَ وَأُحَلِّفُ الْمُدَّعِيَ قِبَلَهُ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى انْتِهَاءِ الْقِسْمَةِ بِقَبْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمَامَ نَصِيبِهِ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَصْبَ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْفُصُولُ أَنَّ الْقِسْمَةَ حِيَازَةٌ وَتَمَامُهَا بِالْقَبْضِ فَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى قَبْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمَامَ نَصِيبِهِ بِالْقِسْمَةِ لَمْ يَكُنْ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ حُكْمُ التَّحَالُفِ بَيْنَهُمَا.
وَلَوْ اقْتَسَمَا مِائَةَ شَاةٍ فَصَارَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا سِتُّونَ وَفِي يَدِ الْآخَرِ أَرْبَعُونَ فَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْأَرْبَعُونَ: أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا خَمْسُونَ وَتَقَابَضْنَا، ثُمَّ غَصَبَنِي عَشْرًا بِأَعْيَانِهَا وَخَلَطْتَهُمَا بِغَنَمِكَ فَهِيَ لَا تُعْرَفُ وَجَحَدَ ذَلِكَ الْآخَرُ الْغَصْبَ، وَقَالَ: بَلْ أَصَابَنِي سِتُّونَ وَأَنْتَ أَرْبَعُونَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبَضَ كَمَالَ حَقِّهِ بِالْقِسْمَةِ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَصْبَ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَلَوْ قَالَ الْأَوَّلُ أَصَابَنِي خَمْسُونَ فَدَفَعْتَ إلَيَّ أَرْبَعِينَ وَبَقِيَ فِي يَدِكَ عَشَرَةٌ لَمْ تَدْفَعْهَا إلَيَّ، وَقَالَ الْآخَرُ أَصَابَنِي سِتُّونَ وَأَصَابَك أَرْبَعُونَ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ قَبْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الَّذِي فِي يَدِهِ سِتُّونَ لِإِقْرَارِ صَاحِبِهِ بِاسْتِيفَاءِ كَمَالِ حَقِّهِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ مُنَاقِضٌ فِي الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَبِالدَّعْوَى مَعَ التَّنَاقُضِ لَا يَسْتَحِقُّ الْيَمِينَ عَلَى الْخَصْمِ فَإِنْ ادَّعَى الْغَصْبَ بَعْدَ الْقَبْضِ حَلَفَ الْمُنْكِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْغَصْبِ مِنْهُ دَعْوَى صَحِيحَةٌ وَلَا تَنَاقُضَ فِيهَا فَيَسْتَوْجِبُ فِيهَا الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ بِالْوَفَاءِ فَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْأَرْبَعُونَ كَانَتْ غَنَمُ وَالِدِي مِائَةَ شَاةٍ فَأَصَابَنِي خَمْسُونَ وَأَصَابَكَ خَمْسُونَ وَتَقَابَضْنَا، ثُمَّ غَصَبَنِي عَشْرًا وَهِيَ هَذِهِ، وَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ السِّتُّونَ بَلْ كَانَتْ غَنَمُ وَالِدِي مِائَةً وَعِشْرِينَ فَأَصَابَنِي سِتُّونَ وَأَنْتَ سِتُّونَ وَلَمْ أَغْصِبْكَ وَقَدْ تَقَابَضْنَا فَإِنَّ هَذَا قَدْ أَقَرَّ بِفَصْلِ عَشْرٍ مِنْ الْغَنَمِ لَيْسَ فِيهَا قِسْمَةٌ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ إنَّمَا أَقَرَّ بِقِسْمَةِ الْمِائَةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْقِسْمَةِ فَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ وَقَدْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمِائَةِ وَادَّعَى الْقِسْمَةَ فِيهَا وَوُصُولَ مِثْلِهَا إلَى صَاحِبِهِ وَصَاحِبُهُ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِذَا حَلَفَ بَقِيَتْ هَذِهِ الْعَشَرَةُ فِي يَدِهِ غَيْرَ مَقْسُومَةٍ فَيَرُدُّهَا لِيُقْسَمَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِفَصْلٍ عَلَى مِائَةٍ، وَقَالَ: كَانَتْ مِائَةً فَأَصَابَنِي سِتُّونَ وَأَنْتَ أَرْبَعُونَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْغَصْبِ الَّذِي ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ قَبْلَهُ مِنْ قَبْلُ أَنَّ شَرِيكَهُ قَدْ أَبْرَأَهُ مَنْ حِصَّةِ الْمِائَةِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الْفَضْلِ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا اقْتَسَمَاهَا نِصْفَيْنِ وَإِلَّا أُفْسِدَتْ الْقِسْمَةُ لِجَهَالَةِ الْعَشَرَةِ الَّتِي لَمْ تَتَنَاوَلْهَا الْقِسْمَةُ فَالْغَنَمُ تَتَفَاوَتُ وَبِجَهَالَةِ مَا لَمْ تَتَنَاوَلُهُ الْقِسْمَةُ يَصِيرُ مَا تَنَاوَلَتْهُ الْقِسْمَةُ مَجْهُولًا فَالسَّبِيلُ أَنْ تُرَدَّ السِّتُّونَ وَالْأَرْبَعُونَ وَتُسْتَقْبَلَ الْقِسْمَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لِفَسَادِ الْقِسْمَةِ الْأُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.