فصل: بَابُ إضَافَةِ الْإِقْرَارِ إلَى حَالِ الصِّغَرِ وَمَا أَشْبَهَهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ إضَافَةِ الْإِقْرَارِ إلَى حَالِ الصِّغَرِ وَمَا أَشْبَهَهَا:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): رَجُلٌ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ، وَهُوَ صَبِيٌّ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الطَّالِبُ: بَلْ أَقْرَرْتَ بِهَا لِي بَعْدَ الْبُلُوغِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي الْوُجُوبَ بِهِ فَإِنَّ قَوْلَ الصَّبِيِّ هَدَرٌ فِي الْإِقْرَارِ وَالصِّبَا حَالٌ مَعْهُودَةٌ فِي كُلِّ أَحَدٍ فَكَانَ هُوَ فِي الْمَعْنَى مُنْكِرًا لِلْمَالِ لَا مُقِرًّا بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ هُوَ قَدْ ادَّعَى تَارِيخًا سَابِقًا فِي إقْرَارِهِ وَالْمُقَرُّ لَهُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ التَّارِيخِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قُلْنَا: الْمَصِيرُ إلَى هَذَا التَّرْجِيحِ بَعْدَ ثُبُوتِ السَّبَبِ مُلْزِمًا، وَإِذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي حَالِ الصِّبَا غَيْرَ مُلْزِمٍ أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ هُوَ مُدَّعِيًا لِلتَّارِيخِ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ بَلْ يَكُونُ مُنْكِرًا لِأَصْلِ الْمَالِ عَلَيْهِ كَمَنْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ أَعْتَقْتُكَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ فَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَقْرَرْتُ لَهُ بِهَا فِي حَالِ نَوْمِي لِأَنَّ النَّوْمَ حَالٌ مَعْهُودَةٌ تُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ بِالْإِقْرَارِ فِيهَا فَإِنَّ أَصْلَ الْقَصْدِ يَنْعَدِمُ مِنْ النَّائِمِ وَالْقَصْدُ الْمُعْتَبَرُ يَنْعَدِمُ مِنْ الصَّبِيِّ، فَإِذَا كَانَ إضَافَةُ الْإِقْرَارِ إلَى حَالِ الصِّبَا لَا يَكُونُ إقْرَارًا فَإِضَافَتُهُ إلَى حَالِ النَّوْمِ يَكُونُ إنْكَارًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَقْرَرْتُ بِهَا قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ فِي نَفْسِهِ فَكَانَ مُنْكِرًا لَا مُقِرًّا وَمِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ إنَّمَا يُذْكَرُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِنْكَارِ عَادَةً.
وَلَوْ قَالَ أَقْرَرْتُ لَهُ وَأَنَا ذَاهِبُ الْعَقْلِ مِنْ بِرْسَامٍ أَوْ لَمَمٍ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ أَصَابَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي صِحَّةَ الْإِقْرَارِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ أَصَابَهُ كَانَ ضَامِنًا لِلْمَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ فِيهِ فَكَانَ هُوَ فِي الْإِضَافَةِ إلَى الْحَالِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَعْهُودَةٍ مُدَّعِيًا لِمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِي الْأَصْلِ مُلْزِمٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَذَا الْأَصْلِ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْمَانِعُ مِنْهُ، وَالْمَانِعُ إضَافَتُهُ إلَى حَالِ مَعْهُودٍ تُنَافِي صِحَّتَهُ فَالْإِضَافَةُ إلَى حَالٍ غَيْرِ مَعْهُودَةٍ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا بَلْ تَكُونُ دَعْوَى الْمُسْقِطِ بَعْدَ ظُهُورِ السَّبَبِ الْمُلْزِمِ فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ.
وَلَوْ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ ذَاهِبُ الْعَقْلِ مِنْ مَرَضٍ يَعْرِفُ أَنَّهُ كَانَ أَصَابَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِعْلٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَى الْآخِذِ صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا مَجْنُونًا أَوْ عَاقِلًا فَإِنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ عَنْ الْأَقْوَالِ لَا عَنْ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْعَقْلِ بِوُجُودِهِ فَلَا يَكُونُ الصِّبَا وَالْجُنُونُ مُؤَثِّرًا فِي حُكْمِهِ وَظُهُورِ الْفِعْلِ بِإِقْرَارِهِ، فَإِذَا كَانَ إقْرَارُهُ مُلْزِمًا حِينَ أَقَرَّ بِهِ وَالْفِعْلُ مَلْزُومًا فِيهِ فِي حَالِ الصِّغَرِ تَقَرَّرَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي حَالِ الصِّغَرِ وَالْجُنُونِ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ إيَّاهُ.
وَلَوْ أَقَرَّ الْحُرُّ أَنَّهُ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَهُوَ عَبْدٌ لَزِمَهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّ لِلْعَبْدِ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الذِّمَّةِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَبِالرِّقِّ لَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ لَهُ، وَهُوَ عَبْدٌ بِأَلْفٍ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ مُلْزِمٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا، وَإِنَّمَا لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَكَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُقِرُّ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَقَرَّ لِفُلَانٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي دُخْلَةٍ دَخَلَهَا بِأَمَانٍ، أَوْ قَالَ دَخَلَ عَلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَقْرَرْتُ لَهُ وَأَنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْمُسْلِمُ يُقِرُّ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ بِهِ لِفُلَانٍ حِينَ كَانَ حَرْبِيًّا فَذَلِكَ كُلُّهُ مُلْزِمٌ إيَّاهُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ لَا تُنَافِي صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَوُجُوبُ الْمَالِ بِهَا فَإِنَّا لَوْ عَايَنَّا إقْرَارَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ.
وَلَوْ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِفُلَانٍ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ، وَقَالَ فُلَانٌ أَقْرَرْتَ لِي بِهَا بَعْدَمَا أُعْتِقَتْ لَزِمَهُ الْمَالُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالِ رَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي كَوْنَ الْإِقْرَارِ مُلْزِمًا فَكَانَ مُلْتَزِمًا الْمَالَ بِإِقْرَارِهِ قَاصِدًا إلَى تَحْوِيلِهِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ إلَى مَوْلَاهُ بِإِسْنَادِهِ الْإِقْرَارِ إلَى حَالِ رَقِّهِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ إلَى غَيْرِهِ.
وَلَوْ أَقَرَّ مُسْلِمٌ قَدْ كَانَ حَرْبِيًّا أَنَّهُ أَخَذَ فِي حَالِ حِرَابَتِهِ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي حَالِ مَا كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ حَالَ مَا كَانَ حَرْبِيًّا، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: بَلْ فَعَلْتَ ذَلِكَ بَعْدَ إسْلَامِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي الْإِضَافَةِ إلَى حَالِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ فِي الْأَصْلِ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ وَادَّعَى تَمَلُّكَهَا عَلَيْهِ بِإِضَافَةِ الْأَخْذِ حَالَ كَوْنِهِ حَرْبِيًّا فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَهْلِكَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِمُعْتَقِهِ أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ حَالَ مَا كُنْتَ عَبْدًا لِي أَوْ قُطِعَتْ يَدُكَ حَالَ مَا كُنْتَ عَبْدًا لِي، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَا بَلْ فَعَلْتَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَعْتَقْتَنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ وَالْمُقِرُّ ضَامِنٌ فِي قَوْلِهِمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ وَالْقَطْعِ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَيَكُونُ مُنْكِرًا لَا مُقِرًّا كَمَا لَوْ قَالَ لِمُعْتَقَتِهِ وَطِئْتُكِ حَالَ مَا كُنْتِ أَمَةً لِي أَوْ قَالَ لِمُعْتَقِهِ أَخَذْتُ مِنْكَ الْغَلَّةَ شَهْرَ كَذَا حِينَ كُنْتَ عَبْدًا لِي أَوْ قَالَ الْقَاضِي بَعْدَ مَا عُزِلَ قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِكَذَا فِي حَالِ مَا كُنْتُ قَاضِيًا وَأَخَذْتُهُ فَدَفَعْتُهُ إلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُعْتِقُ: قَطَعْتُ يَدَكَ وَأَنْتَ عَبْدٌ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: بَلْ قَطَعْتَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ لِلْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَّاهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، ثُمَّ ادَّعَى مَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ فَقَأْتُ عَيْنَكَ الْيُمْنَى وَعَيْنِي صَحِيحَةٌ، ثُمَّ ذَهَبَتْ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ فَقَأْتَهَا وَعَيْنُكَ ذَاهِبَةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ وَالْمُقِرُّ ضَامِنٌ لِلْأَرْشِ، وَبَيَانُهُ هُوَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ، وَهُوَ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَأَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالِ رَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْأَخْذِ وَالْقَطْعِ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ مَدْيُونًا كَانَ أَخْذُ الْمَوْلَى كَسْبَهُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ قَطْعُ يَدِهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ أَخْذُهُ مِنْ الْحَرْبِيِّ قَدْ يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ الْحَرْبِيُّ مُسْتَأْمِنًا فِي دَارِنَا فَلَمْ يَكُنْ هُوَ فِي إقْرَارِهِ مُنْكِرًا لِأَصْلِ الِالْتِزَامِ بَلْ كَانَ مُدَّعِيًا لِمَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ، فَإِنَّ وَطْءَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ غَيْرُ مُوجَبٍ عَلَيْهِ الْمَهْرَ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْيُونَةً أَوْ غَيْرَ مَدْيُونَةٍ.
وَكَذَلِكَ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي حَالِ وِلَايَتِهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ بِحَالٍ فَإِنَّمَا أَضَافَ الْإِقْرَارَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي الضَّمَانَ أَصْلًا فَكَانَ مُنْكِرًا لَا مُقِرًّا فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِفْهَامِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: أَلَيْسَ قَدْ أَقْرَضْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَمْسِ، فَقَالَ الطَّالِبُ بَلَى فَجَحَدَهُ الْمُقِرُّ فَالْمَالُ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَلَيْسَ قَدْ أَقْرَضْتَنِي اسْتِفْهَامٌ فِيهِ مَعْنَى التَّقْرِيرِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} وَمَعْنَى التَّقْرِيرِ أَنَّكَ قَدْ أَقْرَضْتَنِي، قَوْلُ الطَّالِبِ بَلَى تَصْدِيقٌ لَهُ فِي الْإِقْرَارِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَمَا أَقْرَضْتَنِي أَمْسِ أَوْ قَالَ أَلَمْ تُقْرِضْنِي أَمْسِ فَهَذَا اسْتِفْهَامٌ فِيهِ مَعْنَى التَّقْرِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الطَّالِبُ أَلَيْسَ لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ بَلَى كَانَ هَذَا إقْرَارًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَلَيْسَ اسْتِفْهَامٌ وَقَوْلُهُ بَلَى جَوَابٌ عَنْهُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ بَلَى لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} مَعْنَاهُ بَلَى أَنْتَ رَبُّنَا، وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ كَلِمَةَ بَلَى جَوَابُ الِابْتِدَاءِ بَلْ هُوَ نَفْيٌ، وَقَدْ قُرِنَ بِهِ الِاسْتِفْهَامُ وَكَلِمَةُ نَعَمْ جَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ الْمَحْضِ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ مَتَى كَانَ بِحَرْفِ الْإِثْبَاتِ فَقَوْلُ نَعَمْ جَوَابٌ صَالِحٍ لَهُ وَمَتَى كَانَ بِحَرْفِ النَّفْيِ فَجَوَابُ مَا هُوَ إثْبَاتٌ بَعْدَ النَّفْيِ، وَهُوَ كَلِمَةُ بَلَى يُقَالُ فِي تَبَدُّلِ الْكَلَامِ لَا بَلْ كَذَا فَلِهَذَا كَانَتْ كَلِمَةُ بَلَى جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ بِلَفْظِ النَّفْيِ، وَهُوَ قَوْلُهُ أَلَسْتُ، ثُمَّ ذُكِرَ مَسَائِلُ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي قَوْلِهِ أَقْرَضْتَنِي وَأَعْطَيْتَنِي إذْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ أَقْبِضْ وَزَادَ هُنَا لَوْ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَتْرُكْنِي أَذْهَبُ بِهَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ وَصَلَ كَلَامُهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِفِعْلٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ، وَهُوَ الْأَخْذُ فَكَانَ هُوَ مُدَّعِيًا إسْقَاطَ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْغَاصِبِ يَدَّعِي الرَّدَّ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَانْتَزَعْتُهَا مِنِّي لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا؛ لِأَنَّ دَعْوَى الِانْتِزَاعِ مِنْهُ دَعْوَى إسْقَاطِ الضَّمَانِ بَعْدَ تَقَرُّرِ سَبَبِهِ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الرَّدِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَصْلَ بِالْكَلَامِ إنَّمَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِيمَا هُوَ بَيَانٌ، فَأَمَّا دَعْوَى الْفِعْلِ الْمُسْقِطِ لِلضَّمَانِ فَلَيْسَ يَرْجِعُ إلَى بَيَانِ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَالْمَوْصُولُ وَالْمَفْصُولُ فِيهِ سَوَاءٌ.
وَلَوْ أَقَرَّ قَصَّارٌ أَنَّ فُلَانًا سَلَّمَ إلَيْهِ ثَوْبًا يُقَصِّرُهُ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْهُ، فَإِنْ وَصَلَهُ بِكَلَامِهِ صُدِّقَ، وَإِنْ قَطَعَهُ لَمْ يُصَدَّقْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ أَسْلَمَ إلَيْهِ وَهُمَا سَوَاءٌ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ وَالتَّسْلِيمَ لُغَةٌ فِي الْفِعْلِ الَّذِي يَكُونُ تَمَامُهُ بِالْقَبْضِ، وَلَكِنْ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْعَقْدَ دُونَ الْقَبْضِ، فَإِذَا قَالَ لَمْ أَقْبِضْهُ كَانَ هَذَا بَيَانًا مُعْتَبَرًا لِمُوجَبِ ظَاهِرِ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا.
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَعْطَيْتَنِي أَمْسِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَهَلْ هِيَ أَلْفٌ؟ فَهَذَا اسْتِفْهَامٌ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ، وَلَوْ لَمْ يَنْقُدْ الْأَلْفَ كَانَ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الْأَلْفَ كَانَ إخْبَارًا بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِمُوجِبِهِ، وَإِذَا نَقَدَ الْأَلْفَ، فَقَدْ ضَمَّ صِيغَةَ الْإِخْبَارِ لِلْفِعْلِ بِأَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخَذُونِي وَأُمِّيَ إلَهَيْنِ}، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا إخْبَارًا عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا إخْبَارًا لَكَانَ تَبَرُّؤُهُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ {سُبْحَانَكَ} تَكْذِيبًا فَعَرَفْنَا مِثْلَ هَذَا إذَا قُرِنَ بِهِ حَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَنِي، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا فَرْقَ فَإِنَّ أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا قُرِنَ بِهِ، فَإِذَا قُرِنَ بِحَرْفِ النَّفْيِ، وَهُوَ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ النَّفْيِ فَيَكُونُ تَقْرِيرًا، وَإِذَا قُرِنَ بِالْفِعْلِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالْإِعْطَاءِ.
وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ أَوْ لَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَقَدْ دَخَلَتْ بَيْنَ نَفْيِ الْإِقْرَارِ وَإِثْبَاتِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فِي اخْتِيَارِ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَلِأَنَّ حَرْفَ أَوْ إذَا دَخَلَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ كَانَ مُقْتَضَاهُ إثْبَاتُ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ.
وَقَوْلُنَا إنَّهُ لِلتَّشْكِيكِ مَجَازٌ فَإِنَّ التَّشْكِيكَ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِيُوضَعَ لَهُ لَفْظٌ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مُقْتَضَاهُ أَحَدَ الْمَذْكُورَيْنِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ عَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّشْكِيكِ مَجَازًا فَهُنَا لَمَّا كَانَ عَمَلُهُ فِي إثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ إمَّا الْإِقْرَارُ وَإِمَّا الْإِنْكَارُ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْإِقْرَارُ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَصَبْتُكَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ لَمْ أَغْصِبْكَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَوْدَعْتَنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ لَمْ تُودِعْنِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى فُلَانٍ قَالَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْمَالَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُلْتَزِمًا لِلْمَالِ عَيْنًا وَمَا لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ الْتِزَامًا لَا يَكُونُ إقْرَارًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فُلَانٌ ذَلِكَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ حَرْبِيًّا أَوْ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ ذِمَّةً صَالِحَةً لِالْتِزَامِ الدَّيْنِ فَإِدْخَالُهُ حَرْفَ أَوْ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَهُ فِيهِ يَقْتَضِي أَحَدَهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَصَبْتُكَ أَنَا أَوْ فُلَانٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَكَ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ قَالَ عَلَى هَذَا الْحَائِطِ أَوْ الْحِمَارِ لَزِمَهُ الْمَالُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي قَوْلِهِمَا، وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْعَتَاقِ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَحَائِطٍ أَوْ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ، وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُمَا يَقُولَانِ عَمَلُ حَرْفِ أَوْ فِي شَيْئَيْنِ ضَمُّ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ آخَرَ إلَيْهِ وَنَفْيُ الِالْتِزَامِ عَنْ نَفْسِهِ عَيْنًا وَهُنَا إعْمَالُهُ فِي أَحَدِهِمَا مُمْكِنٌ، وَهُوَ نَفْيُهُ الِالْتِزَامَ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ عَامِلًا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَوْ لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ قَوْلُهُ لَكَ عَلَيَّ الْتِزَامٌ تَامٌّ، وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ مَعْنَى الِالْتِزَامِ بِالتَّرَدُّدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَذْكُورِ آخِرًا، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا التَّرَدُّدُ إذَا كَانَ الْمَذْكُورُ آخِرًا مَحِلًّا لِالْتِزَامِ الْمَالِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَحِلًّا لِذَلِكَ كَانَ ذِكْرُهُ فِي مَعْنَى الِالْتِزَامِ لَغْوًا يَبْقَى هُوَ مُلْتَزِمًا الْمَالَ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ عَيْنًا، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ كَانَ الثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْحَيِّ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ لِفُلَانٍ آخَرَ عَلَيَّ دِينَارٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ حَرْفَ أَوْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ شَخْصَيْنِ أَقَرَّ لَهُمَا فَمَنَعَ ذَلِكَ تَعَيُّنَ أَحَدِ الْمَالَيْنِ أَوْ تَعَيُّنَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مُقِرًّا لَهُ فَلَا يَكُونُ هُوَ بِهَذَا الْكَلَامِ مُلْتَزِمًا شَيْئًا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لَكَ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَارٌ.
وَلَوْ قَالَ لَكَ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى عَبْدِي فُلَانٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْمَالُ لَازِمٌ وَالْخِيَارُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ عَيَّنَ ذِمَّتَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَبْدَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُلْتَزِمُ لِمَا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ كَسْبِ عَبْدِهِ، وَهُوَ مِلْكُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كَسْبَ عَبْدِهِ وَمَالِيَّتَهُ حَقُّ غُرَمَائِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ ذَكَرَ غَرِيمَ الْعَبْدِ مَعَ نَفْسِهِ فِي الْإِقْرَارِ وَأَدْخَلَ حَرْفَ أَوْ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ سَقَطَ دَيْنُ الْعَبْدِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَهُوَ عَبْدٌ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ عِنْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ عَنْ الْعَبْدِ كَالْمُجَدِّدِ لِإِقْرَارِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ الْإِقْرَارِ بِقَبْضِ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِ إنْسَانٍ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِقْرَارِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ بَيْتِ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ هِيَ لِي أَوْ قَالَ هِيَ لِفُلَانٍ آخَرَ تَلْزَمُهُ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ مَا فِي بَيْتِ فُلَانٍ فِي يَدِهِ فَإِنَّ أَصْلَ الْبَيْتِ فِي يَدِهِ وَيَدُهُ الثَّابِتَةُ عَلَى مَكَان تَكُونُ ثَابِتَةً عَلَى مَا فِيهِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ إنْسَانٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَتَاعِ بَيْتِهِ أَوْ فِي زَوْجَتِهِ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ وَيَتَرَجَّحُ بِالْبَيِّنَةِ فِي الزَّوْجَةِ فَإِقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ مِنْ بَيْتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ مِنْ يَدِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ مَا لَمْ يُثْبِتْ لِنَفْسِهِ حَقًّا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا قَوْلَ لَهُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِصَاحِبِ الْبَيْتِ، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لِآخَرَ وَأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْهُ ضَمِنَ لَهُ مِثْلَهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ صَحِيحٌ وَقَبْضَهُ مَالَ الْغَيْرِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَرُدَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ غَصَبْتُهُ مِنْهُ أَوْ أَخَذْتُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالْأَخْذِ وَالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَخْذِ يُطْلَقُ عَلَى قَبْضٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَفْظَ الْقَبْضِ يُطْلَقُ عَلَى قَبْضٍ بِحَقٍّ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ لَفْظَ الْأَخْذِ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَكُونُ بِحَقٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ}، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ} وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ الْإِقْرَارُ بِهِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ فِي لَفْظَةِ الْقَبْضِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَبَضْتُ مِنْ صُنْدُوقِ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ مِنْ كِيسِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ سَفَطِ فُلَانٍ ثَوْبًا أَوْ مِنْ قَرِيَّةِ فُلَانٍ كُرَّ حِنْطَةٍ أَوْ مِنْ نَخْلِ فُلَانٍ كُرَّ تَمْرٍ أَوْ مِنْ زَرْعِ فُلَانٍ كُرَّ حِنْطَةٍ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ مِنْ يَدِهِ أَوْ جَعَلَ الْمَقْبُوضَ جُزْءًا مِنْ مِلْكِهِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَبَضْتُ مِنْ أَرْضِ فُلَانٍ عِدْلَ زُطِّيٍّ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالزُّطِّيِّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ مَا فِي أَرْضِهِ فِي يَدِهِ، ثُمَّ الْمُقِرُّ بِمَا بَيَّنَ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ يَدًا فِي أَرْضِهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ سَبَبُ ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَى بَقِيَ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ مِنْ يَدِهِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَخَذْتُ مِنْ دَارِ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ كُنْتُ فِيهَا سَاكِنًا أَوْ كَانَتْ مَعِي بِإِجَارَةٍ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ سَبَبِ ثُبُوتِ يَدِهِ فِي الدَّارِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ، فَإِنْ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ بِإِجَارَةٍ وَأَنَّهُ نَزَلَ أَرْضَ فُلَانٍ أَبْرَأَتْهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ سَبَبَ ثُبُوتِ يَدِهِ فِي الْمَكَانِ بِالْحُجَّةِ، وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ فَلَوْ عُلِمَ كَوْنُ الدَّارِ فِي يَدِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ كَوْنُهُ نَازِلًا فِي أَرْضٍ وَعَايَنَاهُ أَنَّهُ أَخْلَاهَا مَتَاعًا كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي أَنَّ هَذَا مِلْكُهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَرَّ أَنَّهَا لِفُلَانٍ إلَّا بَيْتًا مَعْلُومًا فَإِنَّهُ لِي فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إذَا قُرِنَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ يَصِيرُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ مَا سِوَى هَذَا الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ لِفُلَانٍ، وَهَذَا لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ مَا فِيهَا مِنْ الْبُيُوتِ وَالْمُسْتَثْنَى إذَا كَانَ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُهُ كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ عَمَلَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي إخْرَاجِ مَا يَتَنَاوَلُهُ لَوْلَاهُ لَكَانَ الْكَلَامُ مُتَنَاوِلًا لَهُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا لِي أَوْ قَالَ إلَّا تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَحِيحٌ إذَا كَانَ يَبْقَى بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ.
وَلَوْ قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِي كَانَتْ كُلُّهَا لِفُلَانٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِي دَعْوَى، وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ فَإِنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَلَا يُعْطَفُ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَارَ جَمِيعُ الدَّارِ مُسْتَحَقًّا لِلْمُقَرِّ لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَكَانَ الْمُقِرُّ مُدَّعِيًا بَيْتًا فِي دَارِ غَيْرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ، وَلَكِنَّ هَذَا الْبَيْتَ لِي أَوْ قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي أَوْ الْأَرْضُ لِفُلَانٍ وَنَخْلُهَا لِي أَوْ النَّخْلُ بِأُصُولِهَا لِفُلَانٍ وَالثَّمَرَةُ لِي لَا يُصَدَّقُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ وَالنَّخْلُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ وَالثَّمَرُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ فَكَانَ هُوَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مُدَّعِيًا لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بِحُجَّةٍ.
وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا فَإِنَّهُ لِي لَمْ يُصَدَّقْ أَيْضًا عَلَى الْبِنَاءِ وَالْبِنَاءُ تَابِعٌ، وَلَيْسَ هَذَا بِاسْتِثْنَاءٍ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ مَفْصُولًا فَإِنَّ اسْمَ الدَّارِ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ مِنْ الْبُقْعَةِ وَالْبِنَاءُ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّا تَنَاوَلَهُ الْكَلَامُ نَصًّا لِأَنَّهُ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَكَانَ الْكَلَامُ مُتَنَاوِلًا لَهُ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُصْرَفُ فِي جَمِيعِ الْكَلَامِ يَجْعَلُهُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى فَمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْكَلَامُ نَصًّا لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ، وَلَيْسَ هَذَا بِاسْتِثْنَاءٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ لَوْلَا هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَا يَنْعَدِمُ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ أَنَّ هَذِهِ التَّبَعِيَّةَ قَائِمَةٌ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ.
وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ عَمَلَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي مَنْعِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَثْنَى فَدَلِيلُ الْمُعَارَضَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ تَبَعًا كَمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ قَصْدًا، وَبَيَانُهُ يَأْتِي فِي بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: هَذَا الْبُسْتَانُ لِفُلَانٍ إلَّا نَخْلَةً بِغَيْرِ أَصْلِهَا فَإِنَّهَا لِي أَوْ قَالَ هَذِهِ الْحِلْيَةُ لِفُلَانٍ إلَّا بِطَانَتَهَا فَإِنَّهَا لِي أَوْ قَالَ هَذَا السَّيْفُ لِفُلَانٍ إلَّا حِلْيَتَهُ فَإِنَّهَا لِي أَوْ هَذَا الْخَاتَمُ لِفُلَانٍ إلَّا فَصَّهُ فَإِنَّهُ لِي أَوْ هَذِهِ الْحَلْقَةُ لِفُلَانٍ إلَّا فَصَّهَا فَإِنَّهُ لِي فَفِي هَذَا كُلِّهِ مَا جَعَلَهُ مُسْتَثْنًى لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْكَلَامُ نَصًّا وَإِنَّمَا كَانَ دُخُولُهُ تَبَعًا فَلَا يَعْمَلُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا بَلْ هُوَ وَالدَّعْوَى الْمُبْتَدَأَةُ سَوَاءٌ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بِحُجَّةٍ.
وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بَلْ لِفُلَانٍ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَأَقَامَ الثَّانِيَ مَقَامَهُ فِي الْإِقْرَارِ وَرُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَهُ وَلِفُلَانٍ أَوْ لِي وَلِفُلَانٍ فَالدَّارُ كُلُّهَا لِلْأَوَّلِ وَرُجُوعُهُ عَنْ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ بَاطِلٌ كَمَا فِي جَمِيعِهِ، وَإِنْ قَالَ ابْتِدَاءً إنَّهَا لِفُلَانٍ وَلِفُلَانٍ فَوَصَلَ الْمَنْطِقَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْعَطْفُ لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ، وَفِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَايِرُ مُوجَبَ أَوَّلِهِ فَيَتَوَقَّفُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ وَصَارَ كَقَوْلِهِ هِيَ لَهُمَا، فَإِنْ وَصَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لِفُلَانٍ الثُّلُثَانِ وَلِفُلَانٍ الثُّلُثُ فَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى أَوَّلِ كَلَامِهِ الْمُنَاصَفَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى احْتِمَالِ التَّفَاوُتِ فَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ بَيَانًا مُغَايِرًا، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ مَوْصُولًا.
وَإِذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِ رَجُلٍ، ثُمَّ قَالَ الْجَارِيَةُ لِفُلَانٍ وَالْوَلَدُ لِي فَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا نَصَّ الْمُقِرُّ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ لَهُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ مِنْ الْبِنَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ تَبَعًا لِلْأُمِّ بِخِلَافِ النَّخْلِ وَالْبِنَاءِ فَإِنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْجَارِيَةَ لَهُ بِهِ اسْتَحَقَّ وَلَدَهَا مَعَهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْبَيِّنَةِ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ الْأَصْلِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْبَاعَةَ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْبَعْضِ بِالْيَمِينِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَلَدَ انْفَصَلَ مِنْ مِلْكِهِ فَكَانَ مَمْلُوكًا لَهُ، فَأَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْيَمِينِ، وَلَكِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِلْكِ لَهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْحَالِ وَلِهَذَا جُعِلَ الْإِقْرَارُ كَالْإِيجَابِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهِ انْفِصَالُ الْوَلَدِ مِنْ مِلْكِهِ فَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَصْلَيْنِ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ يَسْتَحِقُّ الْوَلَدَ فِيهِمَا، وَفِي قَوْلٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَدَ فِيهِمَا، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ، وَعَلَى هَذَا وَلَدُ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالثِّمَارِ الْمَجْدُودَةِ مِنْ الْأَشْجَارِ.
وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ صُنْدُوقٌ فِيهِ مَتَاعٌ، فَقَالَ: الصُّنْدُوقُ لِفُلَانٍ وَالْمَتَاعُ الَّذِي فِيهِ لِي أَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَتَاعِ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا ذَكَرَهُ لِنَفْسِهِ نَصًّا، وَهَذَا لِأَنَّ مَا فِي الصُّنْدُوقِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلصُّنْدُوقِ فَالصُّنْدُوقُ وِعَاءٌ لِمَا فِيهِ وَالْمُوعَى لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْوِعَاءِ.
وَكَذَلِكَ الْمَتَاعُ يَكُونُ فِي الدَّارِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلدَّارِ.
وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ هَذِهِ الدَّارُ لِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَهُ فَفِي قَوْلِهِ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ إقْرَارٌ بِالْأَصْلِ وَالْإِقْرَارُ بِالْأَصْلِ يُوجِبُ ثُبُوتَ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْبَيْعِ كَمَا لَوْ قَالَ أَرْضُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ لَاسْتَحَقَّ الْأَرْضَ وَالْبِنَاءَ جَمِيعًا.
وَلَوْ قَالَ الْبِنَاءُ لِفُلَانٍ وَالْأَرْضُ لِلْآخَرِ كَانَ الْبِنَاءُ لِلْأَوَّلِ وَالْأَرْضُ لِلثَّانِي كَمَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ هُنَا إقْرَارٌ مُعْتَبَرٌ بِالْبِنَاءِ لِلْأَوَّلِ فَهَبْ أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِالْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ، وَلَكِنَّ إقْرَارَهُ فِيمَا صَارَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ فَإِنَّ لِلثَّانِي الْأَرْضَ خَاصَّةً، فَأَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَآخِرُ كَلَامِهِ بِالْإِقْرَارِ بِالْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهُمَا جَمِيعًا مِلْكُهُ (تَوْضِيحُ الْفَرْقِ) أَنَّ الْبِنَاءَ لَمَّا صَارَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ فَإِقْرَارُهُ بِالْأَرْضِ لِلثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْبِنَاءِ، وَفِي الْأَوَّلِ الْبِنَاءُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ فَإِقْرَارُهُ بِالْأَرْضِ يُثْبِتُ الْحَقَّ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ مَعًا.
وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ فُلَانٍ لَا بَلْ مِنْ فُلَانٍ فَالْعَبْدُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ وَلِلثَّانِي قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ الْإِقْرَارَ لِلثَّانِي بِالْغَصْبِ فِيهِ مَقَامَ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ، وَذَلِكَ مِنْهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَإِذَا صَارَ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ مِنْ الثَّانِي وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ عَلَيْهِ ضَمِنَ لَهُ قِيمَتَهُ سَوَاءٌ دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، قَالَ وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ إنْ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا، وَإِنْ دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلثَّانِي.
(وَبَيَانُهُ) إذَا قَالَ هَذِهِ الْأَلْفُ بِعَيْنِهَا وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ مَفْصُولًا أَوْ مَوْصُولًا لَا بَلْ هِيَ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ أَوْدَعَهَا فُلَانٌ فَالْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ ضَمِنَ لِلثَّانِي مِثْلَهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ صَارَ مُتْلِفًا لَهَا عَلَى الثَّانِي بِالْإِقْرَارِ وَالدَّفْعِ إلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ وَالْغَصْبُ سَوَاءٌ، وَإِنْ دَفَعَهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لَمْ يُتْلِفْ عَلَى الثَّانِي شَيْئًا وَالدَّفْعُ حَصَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْأَلْفُ لِفُلَانٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ وَدَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ قَاضٍ لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْمُودَعُ مُلْتَزِمٌ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ، وَقَدْ صَارَ بِالْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ تَارِكًا مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْحِفْظِ لِلثَّانِي بِزَعْمِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ كَمَا لَوْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى السَّرِقَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَلْتَزِمْ الْحِفْظَ لِلثَّانِي، وَلَكِنَّهُ شَاهِدٌ بِالْمِلْكِ لِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَالشَّاهِدُ إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا.
وَلَوْ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ الَّذِي فِي يَدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ إلَّا نِصْفَهُ فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ كَانَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ بَعْدَ مَا تَنَاوَلَهُ الْكَلَامُ نَصًّا فَبَقِيَ مُقِرًّا لِلْأَوَّلِ بِمَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ إقْرَارَهُ بِالْمُسْتَثْنَى لِلثَّانِي (تَوْضِيحُهُ) أَنَّهُ قَالَ: إلَّا نِصْفَهُ فَإِنَّهُ لِي كَانَ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: هَذَانِ الْعَبْدَانِ لِفُلَانٍ إلَّا هَذَا فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى بَعْضُ مَا تَنَاوَلَهُ الْكَلَامُ نَصًّا.
وَلَوْ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ إلَّا الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ لِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ، وَكَانَا جَمِيعًا لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامَيْنِ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ بِحَرْفِ الْوَاوِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى جَمِيعَ مَا تَنَاوَلَهُ أَحَدُ الْكَلَامَيْنِ وَاسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ بَاطِلٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عَمَلَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي جَمِيعِ الْكَلَامِ عِبَارَةٌ عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، فَإِنْ كَانَ لَا يَبْقَى وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا اسْتِثْنَاءً بَلْ يَكُونُ رُجُوعًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِالْعَبْدَيْنِ كَلَامٌ وَاحِدٌ، وَكَانَ اسْتِثْنَاءُ أَحَدِهِمَا صَحِيحًا.
وَلَوْ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ أَوْ إنَّهُ لِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةً كَانَ لِلْأَوَّلِ يَغْرَمُ لِلثَّانِي قِيمَتَهُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي.
وَلَوْ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ، وَهَذَا لِفُلَانٍ إلَّا نِصْفَهُ فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ وَإِلَّا نِصْفَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ جَازَ عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَوْصُولٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَقَدْ اسْتَثْنَى مِنْ كُلِّ كَلَامٍ بَعْضَهُ فَكَانَ صَحِيحًا عَلَى أَنْ يُجْعَلَ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى.
وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالدَّارِ وَالْأَرْضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.