فصل: بَابُ كَفَالَةِ الرَّهْطِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ كَفَالَةِ الرَّهْطِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ:

(قَالَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-) وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ وَبَعْضُهُمْ كَفِيلٌ عَنْ بَعْضٍ وَكُلُّهُمْ ضَامِنُونَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفِيلٌ عَنْ الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ لِلتَّوَثُّقِ بِالْحَقِّ وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ.
ثُمَّ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ الْآخَرَيْنِ بِمَا لَزِمَهُمَا بِالْكَفَالَةِ وَالْكَفَالَةُ عَنْ الْكَفِيلِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مَطْلُوبٌ بِمَا الْتَزَمَهُ وَشَرْطُ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ: أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مَطْلُوبًا بِمَا الْتَزَمَهُ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْكَفَالَةِ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ فَإِنْ أَدَّى أَحَدُ الْكُفَلَاءِ الْمَالَ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِالْمَالِ كُلِّهِ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا تَحَمَّلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى شَرِيكَيْهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِثُلُثَيْ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ الِالْتِزَامِ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوُوا فِي الْغُرْمِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَحَدُهُمَا بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَقِيَ أَحَدَهُمَا قَالَ لَهُ: أَنَا وَأَنْتَ فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّا جَمِيعًا كَفِيلَانِ عَنْ الْأَصِيلِ وَعَنْ الثَّالِثِ أَيْضًا فَهَاتِ نِصْفَ مَا أَدَّيْت؛ لِنَسْتَوِيَ فِي الْغُرْمِ ثُمَّ إذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ رَجَعَا عَلَى الثَّالِثِ إذَا لَقِيَاهُ بِثُلُثِ الْمَالِ فَيَأْخُذَانِ ذَلِكَ نِصْفَيْنِ؛ لِيَسْتَوِيَ هُوَ بِهِمَا فِي عَدَمِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ عَلَى الْأَصِيلِ بِالْمَالِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَفَلُوا عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَأَدَّوْهُ وَلَوْ كَانَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَيْهِمْ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَبَعْضُهُمْ كَفِيلٌ عَنْ بَعْضٍ فَأَدَّى الْمَالَ أَحَدُهُمْ فَإِنَّ لِلْمُؤَدِّي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ بِالثُّلُثِ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَصِيلٌ فِي ثُلُثِ الْمَالِ وَالْمُؤَدِّي قَدْ كَفَلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ الثُّلُثِ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالنِّصْفِ.
أَمَّا الثُّلُثُ فَلِأَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ وَأَدَّى، وَأَمَّا السُّدُسُ فَلِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ مَعَ الَّذِي لَقِيَهُ كَفِيلَانِ عَنْ الثَّالِثِ بِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ الثُّلُثُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غُرْمُ هَذِهِ الْكَفَالَةِ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ هَذَا الثُّلُثِ لِتَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْغُرْمِ ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الثَّالِثِ إذَا لَقِيَاهُ بِالثُّلُثِ فَيَأْخُذَانِ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَفِي الْكِتَابِ ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَلَّابِ أَنَّهُ بَاعَ قَوْمًا غَنَمًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمْ شَاءَ بِحَقِّهِ فَأَبَى شُرَيْحٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ- ذَلِكَ، وَقَالَ: اخْتَرْ أَمْلَاهُمْ فَخُذْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقَّك وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا؛ لِنُبَيِّنَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ عَلَيْهِمْ وَيَكُونَ بَعْضُهُمْ كَفِيلًا عَنْ بَعْضٍ بِمَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِمَا فِي هَذَا مِنْ زِيَادَةِ التَّوَثُّقِ لِحَقِّ صَاحِبِ الْحَقِّ فَإِنَّ بِدُونِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا بِمَا عَلَيْهِ- وَهُوَ الثُّلُثُ- وَبَعْدَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهمْ شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ مَعَ بَقَاءِ حَقِّهِ فِي الْمُطَالَبَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يُطَالِبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالثُّلُثِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمْ شَاءَ بِحَقِّهِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَفِيلٌ عَنْ بَعْضٍ بِالْمَالِ أَوْ لَمْ يَقُلْ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ، وَإِنْ كَانَ قَالَ: مَلِيئُهُمْ عَلَى مُعْدِمِهِمْ أَوْ حَيُّهُمْ عَلَى مَيِّتِهِمْ فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَلَا يُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا بِثُلُثِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ كَفَالَةٌ بِالْمَجْهُولِ عَلَى الْمَجْهُولِ وَلَا يُدْرَى مَنْ يُفْلِسُ مِنْهُمْ؛ لِيَكُونَ الْمَلِيءُ كَفِيلًا عَنْهُ وَلَا مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ لِيَكُونَ الْحَيُّ كَفِيلًا عَنْهُ فَإِنَّ حَرْفَ عَلَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِمَعْنَى عَنْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} أَيْ: عَنْ النَّاسِ.
وَكَفَالَةُ الْمَجْهُولِ بَاطِلَةٌ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى أَرْبَعَةِ نَفَرٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ، وَكُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ كَفِيلَانِ عَنْ اثْنَيْنِ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَإِنَّ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ الْمَالِ- إنْ شَاءَ- وَأَنْ يَأْخُذَ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا.
أَمَّا أَخْذُهُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ كَانَتْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ كَفِيلَانِ بِجَمِيعِ الْمَالِ عَنْ الْآخَرِ فَأَيَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ شَاءَ فَهُمَا كَفِيلَانِ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ فَفِي رُبْعِ الْمَالِ- وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةٍ- هُوَ أَصِيلٌ فَيُطَالِبُهُ بِذَلِكَ وَفِي الْبَاقِي- وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ- هُوَ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِينَ كَفِيلٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْكَفَالَةِ كَانَ هَكَذَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ هُوَ مُطَالَبًا بِالْكُلِّ إذَا الْتَزَمَ الْكُلَّ بِالْكَفَالَةِ فَأَمَّا إذَا الْتَزَمَ الْكُلَّ بِالْكَفَالَةِ مَعَ آخَرَ؛ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُطَالَبًا إلَّا بِالنِّصْفِ وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ.
فَإِذَا ضَمَمْت ذَلِكَ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ يَكُونُ سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَلِهَذَا يَأْخُذُ الْوَاحِدَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمْ نِصْفَ الْمَالِ سِتَّمِائَةٍ؛ فَفِي هَذَا النِّصْفِ هُوَ مُؤَدٍّ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ- وَهُوَ ثَلَثُمِائَةٍ- هُوَ مُؤَدٍّ عَنْ شُرَكَائِهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ عَنْهُمْ بِأَمْرِهِمْ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمْ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ هَذِهِ الثَّلَثِمِائَةِ- وَهُوَ مِائَةٌ- أَدَّاهَا عَنْهُ فَيَرْجِعُ هُوَ بِهَا عَلَيْهِ بَقِيَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَهُوَ مَعَ هَذَا الَّذِي لَقِيَهُ كَفِيلَانِ عَنْ الْآخَرِينَ بِهِمَا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ أُخْرَى لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ عَنْ الْآخَرِينَ فَلِهَذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِائَتَيْنِ، وَإِنْ لَقِيَا آخَرَ؛ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ بِسِتَّةٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْنِ إمَّا لِيَسْتَوُوا فِي غُرْمِ الْمِائَتَيْنِ أَوْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤَدٍّ عَنْهُ خَمْسِينَ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ بَقِيَ مِائَةٌ أُخْرَى هُمَا مَعَ هَذَا الثَّالِثِ كَفِيلَانِ بِذَلِكَ عَنْ الرَّابِعِ وَقَدْ أَدَّيَا فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ ذَلِكَ- وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ- كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَيْنِ فَصَارَ حَاصِلُ مَا يَرْجِعُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ سِتَّةٌ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ فَإِنْ لَقُوا الرَّابِعَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَدَّوْا عَنْ الرَّابِعِ قَدْرَ الْمِائَةِ فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِثُلُثِهَا وَلَوْ كَانَ أَدَّى النِّصْفَ وَلَقِيَ أَحَدَهُمْ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ لَقِيَ صَاحِبُ الْمِائَتَيْنِ أَحَدَ الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: إنَّمَا أَدَّيْتُ الْمِائَةَ عَنْ نَفْسِي وَمِائَةً أُخْرَى عَنْكَ وَعَنْ الرَّابِعِ فَإِنَّمَا أَدَّيْتُ نِصْفَهَا عَنْك وَالنِّصْفَ الْآخَرَ الَّذِي أَدَّيْتُهُ عَنْ الرَّابِعِ أَنْتَ مَعِي فِيهِ فِي الْكَفَالَةِ بِذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ فَأَرْجِعُ عَلَيْك بِنِصْفِ ذَلِكَ أَيْضًا فَلِهَذَا يَأْخُذُ مِنْهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ فَإِنْ لَقِيَ الْأَوَّلُ الثَّالِثَ أَيْضًا أَخَذَهُ بِاثْنَيْنِ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: قَدْ أَدَّيْت عَنْك وَعَنْ الرَّابِعِ مِائَةً فَأَرْجِعُ عَلَيْك بِنِصْفِ ذَلِكَ وَذَلِكَ خَمْسُونَ لِأَنِّي أَدَّيْتهَا عَنْك.
وَأَمَّا الْخَمْسُونَ الَّتِي أَدَّيْتهَا عَنْ الرَّابِعِ فَنِصْفُ ذَلِكَ قَدْ أَخَذَهُ مِنْك الثَّانِي وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، فَرُجُوعنَا بِذَلِكَ عَلَيْهِ بَقِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَأَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ ذَلِكَ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ؛ لِنَسْتَوِيَ فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ عَنْ الرَّابِعِ فَصَارَ حَاصِلُ مَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَنِصْفُ دِرْهَمٍ فَإِنْ لَقِيَهُمَا الْأَوْسَطُ رَجَعَا عَلَيْهِ بِثَمَانِيَةٍ وَثُلُثٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِيَسْتَوُوا فِي الْغُرْمِ فِي حَقِّ الْخَمْسِينَ الَّتِي كَفَلُوا بِهَا عَنْ الرَّابِعِ فَإِنْ لَقُوا الْآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذُوهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْحَاصِلِ كُفَلَاءُ عَنْهُ بِالْمِائَةِ وَقَدْ أَدَّوْا فَيَأْخُذُونَ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَقْتَسِمُونَهُ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ حَاصِلَ مَا غَرِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمُرَاجَعَاتِ: ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ.
وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَدَّى النِّصْفَ لَقِيَ الَّذِي قَبَضَ الْخَمْسَةَ وَالسَّبْعِينَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَهَا؛ لِأَنَّا كُنَّا قَدْ الْتَقَيْنَا مَرَّةً وَاسْتَوَيْنَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّالِثِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُعْطِيَنِي نِصْفَ ذَلِكَ لِنَسْتَوِيَ فِي الْغُنْمِ كَمَا اسْتَوَيْنَا فِي الْغُرْمِ فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَهَا ثُمَّ لَقِيَا الَّذِي أَدَّى الْخَمْسَةَ وَالسَّبْعِينَ رَجَعَا عَلَيْهِ بِثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِينَ وَثُلُثٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا لَوْ لَقِيَاهُ مَعًا رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ بِسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ فَيَكُونُ جُمْلَةُ مَا يَرْجِعَانِ بِهِ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا وَالْآنَ قَدْ اسْتَوْفَيْنَا مِنْهُ مَرَّةً خَمْسَةً وَسَبْعِينَ فَيَرْجِعَانِ بِمَا بَقِيَ إلَى تَمَامِ مِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُونَ وَثُلُثٌ يَأْخُذَانِ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ إذَا لَقُوا الرَّابِعَ اتَّبَعُوهُ بِمِائَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى ثَلَاثَةِ رَهْطٍ أَلْفٌ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ وَبَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ ضَامِنُونَ لَهَا فَأَدَّى أَحَدُهُمْ الْمَالَ رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَرِيكَيْهِ بِثُلُثِ مَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ الثُّلُثِ مُؤَدٍّ عَنْ نَفْسِهِ وَفِي الثُّلُثَيْنِ هُوَ مُؤَدٍّ عَنْ شَرِيكَيْهِ بِكَفَالَتِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرِهِمَا فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمَا وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالثُّلُثِ لِأَدَائِهِ مَا يَحْمِلُهُ عَنْهُ وَبِنِصْفِ الثُّلُثِ الْآخَرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الثَّالِثِ بِهَذَا الثُّلُثِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمْ الْغَائِبَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ لِصَاحِبِهِ إذَا لَقِيَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا وَهُوَ أَنَّهُمَا حِينَ الْتَقَيَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ عَنْ الثَّالِثِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْغُنْمِ أَيْضًا وَاَلَّذِي أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّالِثِ غُنْمٌ بِسَبَبِ تِلْكَ الْكَفَالَةِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُنْمِ أَوْ لِتَبْقَى الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْغُرْمِ كَمَا هُوَ مُوجِبُ الْكَفَالَةِ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ رَجُلٌ ثُمَّ إنَّ آخَرَ كَفَلَ بِهَا عَنْ الْأَصِيلِ أَيْضًا؛ فَهُوَ جَائِزٌ يَأْخُذُ الطَّالِبُ أَيَّهمَا شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْتَزَمَ جَمِيعَ الْمَالِ بِالْكَفَالَةِ عَنْ الْأَصِيلِ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ؛ فَإِنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ بَاقٍ عَلَى الْأَصِيلِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ الْأُولَى كَمَا كَانَ قَبْلَهَا فَإِنْ أَخَذَ أَحَدُ الْكَفِيلَيْنِ فَأَدَّاهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مَا كَفَلَ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا كَفَلَ عَنْ الْأَصِيلِ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ وَحْدَهُ فَيَكُونُ رُجُوعُهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ الْآخَرِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا حَتَّى قَالَ الْكَفِيلَانِ لِلطَّالِبِ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ ضَامِنٌ لِهَذَا الْمَالِ ثُمَّ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْمَالَ؛ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُمَا بِالْعَقْدِ الثَّانِي جَعَلَا أَنْفُسَهُمَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ سَوَاءً.
فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدِ مِنْهُمَا كَفِيلٌ بِالْمَالِ عَنْ الْأَصِيلِ وَقَدْ كَفَلَ عَنْ صَاحِبِهِ أَيْضًا بِأَمْرِ صَاحِبِهِ فَإِذَا ثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَفَالَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ أَيْضًا وَذَلِكَ فِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآخَرِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ بِأَمْرِهِ رَجُلٌ ثُمَّ إنْ الطَّالِبُ أَخَذَ الْكَفِيلَ بِهَا فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا آخَرَ بِهَا ثُمَّ أَدَّاهَا الْآخَرُ إلَى الطَّالِبِ؛ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ مَا تَحَمَّلَ بِهَا عَنْ الْأَصِيلِ، وَلَا أَمَرَهُ الْأَصِيلُ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ.
وَثُبُوتُ حَقِّ الرُّجُوعِ لِلْكَفِيلِ عِنْدَ الْأَدَاءِ بِسَبَبِ الْأَصِيلِ بِالْكَفَالَةِ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَمَرَهُ بِهِ وَهُوَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ كَفِيلِهِ بِأَمْرِهِ بِمَنْزِلَةِ أَدَائِهِ بِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ عَنْ الْأَصِيلِ مُطَالَبَةَ الطَّالِبِ بِهَذَا الْمَالِ بِمَا أَدَّاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَى الْكَفِيلِ الْآخَرِ فَكَأَنَّهُ أَسْقَطَ ذَلِكَ بِأَدَائِهِ إلَى الطَّالِبِ، وَإِنْ كَانَ كَفَلَ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ رَجُلَانِ وَلَمْ يَقُلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: كَفَلْت عَنْ صَاحِبِي؛ فَإِنَّ الطَّالِبَ يُطَالِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُمَا الْتَزَمَا الْمَالَ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُلْتَزِمًا لِلنِّصْفِ كَالْمُشْتَرِيَيْنِ أَوْ الْمُقِرَّيْنِ لِرَجُلٍ عَلَيْهِمَا بِالْمَالِ وَأَيُّهُمَا أَدَّى النِّصْفَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ عَنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا إنَّمَا الْتَزَمَ عَنْ الْأَصِيلِ فَيَكُونُ رُجُوعُهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّيَا شَيْئًا حَتَّى قَالَا لِلطَّالِبِ: أَيُّنَا شِئْتَ أَخَذْتَ بِهَذَا الْمَالِ أَوْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا كَفِيلٌ ضَامِنٌ بِهَا.
فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَلْحَقَتْهَا بِالْكَفَالَةِ الْأُولَى وَقَدْ صَحَّتْ مِنْهُمَا فَصَارَتْ كَالْمَذْكُورِ فِي أَصْلِ الْكَفَالَةِ الْأُولَى؛ أَخَذَ أَيَّهمَا شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ كَمَا اسْتَوَيَا فِي كَفَالَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَإِنْ لَقِيَ الطَّالِبُ أَحَدَهُمَا فَاشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ وَعَنْ الْأَصِيلِ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ كَفَالَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْأَصِيلِ وَلَوْ كَتَبَ ذِكْرَ حَقٍّ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ كَفِيلَانِ بِهِمَا وَأَيَّهُمَا شَاءَ أُخِذَ بِهَا وَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ وَالْكَفِيلَانِ بِذَلِكَ؛ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ إضَافَتَهُمَا الْإِقْرَارَ إلَى الْمَكْتُوبِ فِي ذِكْرِ الْحَقِّ بِمَنْزِلَةِ تَصْرِيحِهِمَا بِالْمَكْتُوبِ.
فَإِنْ أَدَّى أَحَدُ الْكَفِيلَيْنِ الْمَالَ رَجَعَ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصِيلُ بِجَمِيعِ الْمَالِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ الْآخَرِ بِنِصْفِهِ ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْمَكْتُوبِ فِي الصَّكِّ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِ الْأَصِيلِ لَهُمَا بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ وَأَمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ فَثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَفَالَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى عَشَرَةِ رَهْطٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَجَعَلَ كُلَّ أَرْبَعَةِ كُفَلَاءَ عَنْ أَرْبَعَةٍ بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ فَهُوَ جَائِزٌ لِمَا قُلْنَا.
وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّ أَرْبَعَةٍ شَاءَ بِالْمَالِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُمْ هَكَذَا الْتَزَمُوا بِالْكَفَالَةِ فَإِنْ أَخَذَ وَاحِدًا مِنْهُمْ رَجَعَ بِثَلَثِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمِائَةِ أَصِيلٌ، وَفِي الْبَاقِي- وَهُوَ سَبْعُمِائَةٍ- هُوَ مَعَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ كَفِيلٌ عَنْ الْبَاقِينَ، فَحَظُّهُ رُبْعُ ذَلِكَ.
وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَإِنْ أَخَذَ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا بِسِتِّمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْمِائَتَيْنِ أَصِيلَانِ وَفِي الْبَاقِي وَهُوَ ثَمَانُمِائَةٍ هُمَا مَعَ آخَرِينَ كَفِيلَانِ عَنْ الْبَاقِينَ فَحَظُّهُمَا النِّصْفُ وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَإِنْ أَخَذَ ثَلَثَمِائَةٍ مِنْهُمْ؛ أَخَذَهُمْ بِثَمَانِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ.
أَمَّا مِقْدَارُ ثَلَثِمِائَةٍ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصِيلٌ فِي مِائَةٍ وَالْبَاقِي وَهُوَ سَبْعُمِائَةٍ هُمْ مَعَ آخَرَ كُفَلَاءُ بِذَلِكَ عَنْ الْبَاقِينَ فَعَلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ذَلِكَ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَإِنْ أَخَذَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَأَدَّى رُبْعَ الْأَلْفِ؛ فَإِنَّ مِائَةً مِنْهَا حِصَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهَا.
وَالْأَصِيلُ فِيمَا يُؤَدِّي عَنْ نَفْسِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ هُوَ مُؤَدٍّ عَنْ أَصْحَابِهِ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ التُّسْعُ.
فَإِنْ لَقِيَهُمْ جَمِيعًا؛ رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ، وَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ بِسِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ هَذَا الْقَدْرَ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا بَقِيَ وَالْبَاقِي مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ نِصْفِهِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الْبَاقِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِهِ أَيْضًا.
فَإِذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَيْهِ ثُمَّ لَقِيَ الْآخَرُ مِنْهُمَا أَحَدَ الْبَاقِينَ؛ أَخَذَهُ بِنِصْفِ تُسْعِ الْخَمْسِينَ وَالْمِائَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْأَوَّلِ قَدْ أَدَّيَا عَنْهُ التُّسْعَ فَنِصْفُهُ مِنْ ذَلِكَ نِصْفُ التُّسْعِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِنِصْفِ ثَلَاثَةِ أَتْسَاعٍ وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّهُ مَعَ هَذَا الَّذِي لَقِيَهُ مُسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ عَنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِينَ وَهَذَا قَدْ أَدَّى عَنْهُمْ ثَلَاثَةَ أَتْسَاعٍ وَنِصْفًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ ذَلِكَ لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ فَإِنْ لَقِيَ الْأَوَّلُ الْأَوْسَطَ بَعْدَ مَا قَبَضَ هَذَا؛ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَهُ كُلَّهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّهُمَا حِينَ الْتَقَيَا اسْتَوَيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ وَصَلَ إلَى أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ وَأَخَذَ الْآخَرُ مِنْهُ نِصْفَهُ لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُنْمِ أَيْضًا.
فَإِنْ لَقِيَا الْآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ الثَّالِثُ رَجَعَا عَلَيْهِ بِتَمَامِ ثَلَاثَةِ أَتْسَاعٍ وَثُلُثِ تُسْعٍ حِصَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ التُّسْعِ؛ لِأَنَّهُمَا تَحَمَّلَاهُ عَنْهُ وَتُسْعَانِ وَثُلُثٌ لِلْمُسَاوَاةِ فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ آخَرَ كُفَلَاءُ عَنْ الْبَاقِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُمَا لَوْ لَقِيَا الثَّالِثَ مَعًا؛ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَلَيْهِ بِتَمَامِ ثَلَاثَةِ أَتْسَاعٍ وَثُلُثِ تُسْعٍ.
فَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ بَعْضَ ذَلِكَ ثُمَّ لَقِيَاهُ رَجَعَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى ثَلَاثَةِ رَهْطٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَبَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ بِهَا فَأَدَّى أَحَدُهُمْ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ فِي قَدْرِ ثُلُثِ الْمَالِ أَصِيلٌ، فَمَا يُؤَدِّيه يَكُونُ أَصِيلًا فِيهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ إذَا كَانَ الْمُؤَدَّى بِقَدْرِ الثُّلُثِ أَوْ دُونَهُ، وَإِنْ قَالَ: إنَّمَا أَدَّيْت هَذَا عَنْ صَاحِبَيَّ أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيمَا هُوَ أَصِيلٌ الْمَالَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَفِيمَا هُوَ كَفِيلٌ هُوَ مُطَالَبٌ بِمَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَالِ، وَالْمُؤَدَّى مَالُهُ، فَيَكُونُ إيقَاعُهُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ لِيَسْقُطَ عَنْهُ بِهِ أَصْلُ الْمَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ أَقْصَرُ فَإِنَّهُ إذَا جُعِلَ الْمُؤَدِّيَ مِنْ غَيْرِهِ؛ احْتَاجَ إلَى الرُّجُوعِ وَإِذَا جُعِلَ مُؤَدِّيًا عَنْ نَفْسِهِ؛ لَا يَحْتَاجُ إلَى الرُّجُوعِ عَلَى أَحَدٍ وَلِأَنَّهُ إنْ جُعِلَ الْمُؤَدِّيَ عَنْ صَاحِبَيْهِ كَانَ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا: أَدَاؤُهُ بِالْكَفَالَةِ بِأَمْرِنَا بِمَنْزِلَةِ أَدَائِنَا.
وَلَوْ أَدَّيْنَا؛ كَانَ لَنَا أَنْ نُجْعَلَ الْمُؤَدِّيَ عَنْك، فَلَا يَزَالُ يَدُورُ هَكَذَا فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ مُؤَدِّيًا عَنْ نَفْسِهِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ عَبِيدًا لَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفِيلٌ ضَامِنٌ عَنْ الْآخَرِينَ ثُمَّ أَدَّى أَحَدُهُمْ شَيْئًا لَا يَكُونُ الْمُؤَدِّيَ عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً، بَلْ يَكُونُ عَنْهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ جَعَلْنَا الْمُؤَدَّى عَنْ الْمُؤَدِّي خَاصَّةً؛ لَكَانَ يَعْتِقُ إذَا أَدَّى مِقْدَارَ نَصِيبِهِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْبَدَلِ وَالْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ جَمِيعِ الْمَالِ إلَيْهِ فَفِي جَعْلِهِ عَنْ نَفْسِهِ يُعْتَبَرُ شَرْطًا مَذْكُورًا فِي الْعَقْدِ نَصًّا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْمُؤَدَّى مِنْ نَصِيبِهِمْ.
وَلَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ هُنَا وَهَذَا أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَالُ عَلَى وَاحِدٍ فَكَفَلَ بِهِ ثَلَاثَةً عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ ثُمَّ أَدَّى أَحَدُهُمْ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِثُلُثَيْ مَا أَدَّى، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ مَا أَدَّى؛ لِأَنَّ هُنَاكَ أَصْلُ الْمَالِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَهُمْ يَلْتَزِمُونَ لَهُ بِالْكَفَالَةِ فَكَانَ حَالُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ وَلَوْ رَجَعَ عَلَى شَرِيكَيْهِ بِثُلُثَيْ مَا أَدَّى لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إلَى الدُّورِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَرْجِعَانِ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا قَدَّرْنَا فَإِنْ أَدَّى زِيَادَةً عَلَى الثُّلُثِ؛ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى صَاحِبَيْهِ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ مُؤَدٍّ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ وَهُوَ كَفِيلٌ عَنْهُمَا وَلَوْ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِفَرَاغِ ذِمَّتِهِ عَمَّا عَلَيْهِ بِأَدَائِهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الزِّيَادَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ وَاحِدٌ وَهُوَ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّمْيِيزُ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا.
فَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمَا أَخْذَهُ بِنَصِيبِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَهُوَ النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ ذَلِكَ وَبِنِصْفِ مَا أَدَّى عَنْ الْآخَرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَعَ هَذَا الَّذِي لَقِيَهُ كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ بِمَا عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ وَذَلِكَ فِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى عَنْ الْآخَرِ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ رَجُلَانِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الطَّالِبُ أَيَّهمَا شَاءَ فَأَدَّى أَحَدَهُمَا مِائَةً فَقَالَ هَذِهِ مِنْ حِصَّةِ صَاحِبِي الْكَفِيلِ مَعِي؛ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا قَالَ وَلَكِنَّهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهَا؛ لِأَنَّ بِهَذَا اللَّفْظِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِجَمِيعِ الْمَالِ وَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِلْأَصِيلِ عَنْ صَاحِبِهِ، فَإِذَا جَعَلَ الْمُؤَدِّي مَا أَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْهُ فَيُؤَدِّي إلَى الدُّورِ وَلَكِنَّ الْوَجْهَ فِيهِ أَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي الْغُرْمِ وَذَلِكَ فِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهَا، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْأَصِيلِ بِجَمِيعِهَا وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلَيْنِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَلَزِمَ أَحَدُهُمَا فَأَعْطَاهُ بِهَا كَفِيلًا ثُمَّ أَدَّاهَا الْكَفِيلُ؛ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ مُسْتَقْرِضٌ لِذِمَّتِهِ ابْتِدَاءً بِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ فِيهَا وَلِمَا لَهُ بِأَدَاءِ مَا الْتَزَمَ.
وَثُبُوتُ حَقِّ الرُّجُوعِ لِلْمُقْرِضِ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ، لَا عَلَى غَيْرِهِ وَالْغَرِيمُ الَّذِي لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْكَفَالَةِ لَمْ يَسْتَقْرِضْ مِنْهُ شَيْئًا فَفِي حَقِّهِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ أَحَدٌ بِالْكَفَالَةِ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ الْمُؤَدِّي عَلَيْهِ وَلَكِنْ إذَا رَجَعَ عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ فَأَخَذَهَا مِنْهُ كَانَ لِلْآمِرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُؤَدِّيًا الْمَالَ بِطَرِيقِ الِاسْتِقْرَاضِ الَّذِي قُلْنَا.
وَقَدْ تَمَّ ذَلِكَ بِأَدَائِهِ مَا اسْتَقْرَضَ وَهُوَ فِي النِّصْفِ كَانَ كَفِيلًا بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ أَدَّى بِنَفْسِهِ إلَى الطَّالِبِ، وَإِنْ كَانَا طَلَبَا إلَيْهِ أَنْ يَكْفُلَ بِهَا عَنْهُمَا فَفَعَلَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ فَأَدَّاهَا الْكَفِيلُ عَنْهُمَا؛ رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا الْتَزَمَ بِالْكَفَالَةِ الْمَالَ عَنْهُمَا جُمْلَةً؛ كَانَ كَفِيلًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الْمَالِ كَمَا هُوَ قَصْدُ مُطْلَقِ الْإِضَافَةِ إلَى اثْنَيْنِ وَعِنْدَ الْأَدَاءِ إنَّمَا يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا كَفَلَ عَنْهُ.
وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَكَفَالَتُهُ عَنْهُ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَا هُوَ أَصِيلٌ فِيهِ وَلَوْ كَانَ فِي الشَّرْطِ حِينَ كَفَلُوا بَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ فَأَدَّى الْآخَرُ الْأَلْفَ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ مَا أَدَّى إذَا لَقِيَاهُمَا، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى أَحَدِهِمَا إذَا لَقِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَا أَدَّى أَمَّا النِّصْفُ فَلِأَنَّهُ كَفَلَ بِهِ عَنْ هَذَا الَّذِي لَقِيَهُ وَأَدَّاهُ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ فَلِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ مَعَ الَّذِي لَقِيَهُ كَفِيلَانِ بِهِ عَنْ الْآخَرِ؛ إذْ هُوَ مُوجَبُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ الْبَعْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ وَذَلِكَ فِي أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا لَقِيَا الثَّالِثَ رَجَعَا عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَا ذَلِكَ عَنْهُ بِكَفَالَةٍ تَلْزَمُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِهَا فَأَخَذَ الطَّالِبُ أَحَدَهُمَا فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا بِالْمَالِ كُلِّهِ ثُمَّ أَخَذَ الْآخَرَ فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ الْكَفِيلَ بِالْمَالِ ثُمَّ أَدَّى الْكَفِيلُ الْمَالَ؛ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ مَطْلُوبًا بِجَمِيعِ الْمَالِ.
وَالْكَفِيلُ كَفِيلٌ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَعِنْدَ الْأَدَاءِ كَانَ حَقُّ الْبَيَانِ إلَيْهِ يُجْعَلُ أَدَاؤُهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ.
وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي صَكٍّ وَبِهِ رَهْنٌ وَأَلْفٌ فِي صَكٍّ آخَرَ وَبِهِ رَهْنٌ آخَرُ فَأَدَّى أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّ الصَّكَّيْنِ شَاءَ فَيَسْتَرِدُّ ذَلِكَ الرَّهْنَ فَكَذَلِكَ إذَا أَدَّى الْكَفِيلُ هُنَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ بَعْدَ كَفَالَتِهِ عَنْهُ لَوْ أَدَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْكُلِّ عَلَيْهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالْكَفَالَةِ عَنْ الثَّانِي وَلَكِنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الثَّانِي مَا هُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى.
فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا حَتَّى لَزِمَهُمْ الطَّالِبُ فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءَ عَنْ بَعْضٍ ثُمَّ أَدَّاهَا الْكَفِيلُ ثُمَّ أَخَذَ أَحَدَهُمَا؛ رَجَعَ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ الْأَخِيرَةَ تَنْقُضُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا فِي عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَالْكَفِيلُ كَفِيلٌ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْكُلِّ وَهَذَا الثَّانِي عَقْدٌ وَاحِدٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيهِ كَفِيلٌ مَعَ صَاحِبِهِ عَنْ الْآخَرِ فَإِقْدَامُهُمْ عَلَى الْعَقْدِ الثَّانِي يَكُونُ نَقْضًا مِنْهُمْ لِمَا كَانَ قَبْلَهُ وَتَمَامُ ذَلِكَ الْعَقْدِ كَانَ بِهِمْ وَإِلَيْهِمْ نَقْضُهُ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ جَدَّدَ بَيْعًا بِأَلْفَيْنِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا صَارَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ- بِحَالِهَا- وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى سَوَاءً؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ الْآخَرَ يَرْجِعُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ مَا أَدَّى لِكَفَالَتِهِ عَنْهُ وَبِنِصْفِ النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الثَّالِثِ بِهَذَا النِّصْفِ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ رَجُلَانِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ كَفِيلٌ عَنْ بَعْضٍ ثُمَّ إنَّ الطَّالِبَ لَزِمَ أَحَدَ الْكَفِيلَيْنِ فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا بِالْمَالِ ثُمَّ لَزِمَ الْآخَرَ فَأَعْطَاهُ هَذَا أَيْضًا كَفِيلًا بِالْمَالِ ثُمَّ أَدَّى الْكَفِيلُ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَنْ الْكَفِيلَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ عَنْ الْأَصِيلَيْنِ وَهُنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَفِيلَيْنِ مُطَالَبٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ- لِتَفَرُّقِ الْعَقْدِ فِي كَفَالَتِهِ عَنْهُمَا- لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مَا أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ.
وَلَا يُقَالُ: أَصْلُ الْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ.
حَتَّى لَوْ بَرِئَ هُوَ بَرِئَ الْكَفِيلُ الْآخَرُ وَهَذَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَصْلَ الْمَالِ عَلَيْهِ، بَلْ بِأَمْرِهِ إيَّاهُ بِالْكَفَالَةِ فَإِذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْكَفَالَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا حَتَّى أَخَذَ الطَّالِبُ الْكُفَلَاءَ فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ كَفِيلًا عَنْ بَعْضٍ ثُمَّ أَدَّى الْآخَرُ الْمَالَ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدِ الْكَفِيلَيْنِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ تَنْقُضُ الْكَفَالَةَ الْأُولَى فَيَكُونُ الْحُكْمُ لِهَذِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْكَفَالَةُ يَنْبَغِي لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ رُجُوعُهُ عَلَى الْآخَرِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى؛ لِأَنَّ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ بِأَصِيلٍ بِالْمَالِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَفَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَنْ الْأَصِيلِ.
عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ- قُلْنَا: هَذَا أَنْ لَوْ صَارَ الْآخَرُ كَفِيلًا عَنْ الْأَصِيلِ مَعَ الْأَوَّلَيْنِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَفَلُوا عَنْهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَمْ يَصِرْ كَذَلِكَ هُنَا.
بَلْ بَقِيَ كَفِيلًا عَنْ الْأَوَّلَيْنِ وَإِنَّمَا انْتَقَضَ حُكْمُ الْكَفَالَةِ الْأُولَى فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْكَفِيلِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ هَذَا كَانَ كَفِيلًا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ وَحْدَهُ، وَالْآنَ صَارَ كَفِيلًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ وَهُوَ مَعَ صَاحِبِهِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الْآخَرِ بِالنِّصْفِ سَوَاءٌ؛ فَلِهَذَا كَانَ رُجُوعُهُ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَا أَدَّى وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى لَقِيَ الْكُفَلَاءَ الثَّلَاثَةَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ كُفَلَاءَ عَنْ بَعْضٍ بِالْمَالِ ثُمَّ أَدَّى الْكَفِيلُ الْآخَرُ الْمَالَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ انْتَقَضَ مَا كَانَ قَبْلَهَا فِي حَقِّ الْكُلِّ وَقَدْ صَارَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ كَفِيلَيْنِ عَنْ الْأَصِيلِ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ كَالْأَوَّلَيْنِ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَفَلَ عَنْهُ ثَلَاثَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ فَهُنَاكَ إذَا أَدَّى أَحَدُهُمْ رَجَعَ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِثُلُثَيْ مَا أَدَّى، وَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى فَكَذَلِكَ هُنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَدَّى الْمَالَ أَحَدُ الْكَفِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ وَعَلَى أَحَدِهِمَا إنْ لَقِيَهُ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ وَالْآخَرَ فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ- الَّتِي هِيَ ثَابِتَةٌ بَيْنَهُمْ الْآنَ- سَوَاءٌ.
وَإِنَّمَا كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْكَفَالَةِ الْمُقَدَّمَةِ وَتِلْكَ قَدْ اُنْتُقِضَتْ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلِ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ وَبَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ فَأَدَّى أَحَدُ الْكُفَلَاءِ الْمَالَ ثُمَّ لَقِيَ أَحَدَهُمْ فَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا أَدَّى، ثُمَّ إنَّ الْأَوَّلَ لَقِيَ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا وَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ؛ فَإِنَّهُمَا يُؤَدِّيَانِ إلَى الْأَوْسَطِ مِائَةً وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغُرْمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْأَلْفِ وَالْأَوْسَطُ قَدْ غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ مِائَةً وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ حَتَّى يَبْقَى عَلَيْهِ غُرْمُ ثُلُثِ الْأَلْفِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ كَيْفِيَّةُ أَدَائِهِمَا هَذَا الْمِقْدَارَ وَهُوَ الْأَلْفُ وَإِنَّمَا يُؤَدِّيَانِ نِصْفَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةٌ وَثَمَانِينَ وَثُلُثًا؛ لِأَنَّ الْآخَرَ قَدْ غَرِمَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ لِلْأَوَّلِ فَيَدْفَعُ إلَى الْأَوْسَطِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ وَثُلُثًا حَتَّى يَكُونَ الْغُرْمُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْأَلْفِ.
وَالْأَوَّلُ قَدْ أَوْصَلَ إلَيْهِ سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَيَدْفَعُ إلَى الْأَوْسَطِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ وَثُلُثًا حَتَّى يَبْقَى الْعَائِدُ إلَيْهِ ثُلُثَا مَا أَدَّى وَيَكُونُ الْغُرْمُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْأَلْفِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ رَجَعُوا جَمِيعًا عَلَى الْأَصِيلِ بِالْأَلْفِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا رَجُلٌ، ثُمَّ إنَّ الْكَفِيلَ طَلَبَ الرَّجُلَ فَضَمِنَهَا عَنْهُ لِلطَّالِبِ، ثُمَّ إنَّ الطَّالِبَ أَخَذَهُمْ جَمِيعًا حَتَّى جَعَلَ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءَ عَنْ بَعْضٍ، ثُمَّ إنَّ الْكَفِيلَ الْأَوَّلَ أَدَّى الْمَالَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ الْآخَرِ بِنِصْفِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْأَخِيرَةَ نَقَضَتْ الْكَفَالَةَ الْأُولَى فَإِنَّ مُوجَبَ الْكَفَالَةِ الْأُولَى: الْأَخِيرُ كَفِيلٌ عَنْ الْكَفِيلِ الْأَوَّلِ دُونَ الْأَصِيلِ.
وَهُوَ فِي الْكَفَالَةِ الثَّانِيَةِ يَصِيرُ كَفِيلًا عَنْ الْأَصِيلِ وَعَنْ الْكَفِيلِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ مُوجَبُ الْكَفَالَةِ الْأُولَى: أَنَّ الْكَفِيلَ الْأَوَّلَ لَا يَكُونُ كَفِيلًا عَنْ الْآخَرِ.
وَفِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ الْأَخِيرَةِ: الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ يَصِيرُ كَفِيلًا عَنْ الْأَخِيرِ وَإِذَا اُنْتُقِضَتْ الْكَفَالَةُ الْأُولَى كَانَ الْحُكْمُ لِلْأَخِيرَةِ وَهُمَا فِيهَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الْأَصِيلِ فَيَرْجِعُ الْمُؤَدِّي عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى؛ لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلَيْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ بِذَلِكَ ثُمَّ أَعْطَاهُ أَحَدُهُمَا كَفِيلًا بِالْمَالِ ثُمَّ أَخَذَ الْآخَرَ فَأَعْطَاهُ أَيْضًا ذَلِكَ الْكَفِيلُ كَفِيلًا بِالْمَالِ ثُمَّ أَدَّى الْكَفِيلُ الْأَلْفَ؛ رَجَعَ بِهَا عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا حَتَّى أَخَذَهُمْ الطَّالِبُ فَجُعِلَ بَعْضُهُمْ كُفَلَاءَ عَنْ بَعْضٍ بِالْمَالِ.
ثُمَّ إنْ الْكَفِيلُ أَدَّى الْأَلْفَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ الْأَخِيرَةَ تَنْقُضُ الْكَفَالَةَ الْأُولَى.
وَفِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ الْأَخِيرَةِ الْكَفِيلُ يَصِيرُ مُتَحَمِّلًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْمَالِ، وَيَكُونُ هُوَ مَعَ الْآخَرِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الثَّالِثِ بِنِصْفِ الْمَالِ سَوَاءً.
فَلِهَذَا رَجَعَ عِنْدَ الْأَدَاءِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْأَلْفِ.
فَإِنْ لَقِيَ الْآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ كَانَ لِلَّذِي أَدَّى الثَّلَاثَةَ الْأَرْبَاعَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ مِنْ هَذَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ كَانَا اسْتَوَيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ مَعَ الْآخَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْغُنْمِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْبَاقِي وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ نِصْفَ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ الْكَفِيلُ شَيْئًا وَلَكِنْ أَدَّى أَحَدُ الْأَوَّلَيْنِ الْمَالَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ فِي نِصْفِ الْمَالِ أَصِيلٌ مُؤَدٍّ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ هُوَ مَعَ الْكَفِيلِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الثَّالِثِ؛ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ ذَلِكَ لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ.
فَإِنْ لَقِيَ الْأَوَّلُ صَاحِبَهُ الَّذِي كَانَ مَعَهُ فِي الْأَلْفِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ أُخْرَى؛ رَدَّ عَلَى الْكَفِيلِ نِصْفَهَا لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُنْمِ ثُمَّ يُتْبِعُ هُوَ الْكَفِيلَ الْآخَرَ الْأَوَّلَ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ أُخْرَى وَيَقْتَسِمَانِ ذَلِكَ نِصْفَيْنِ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْحُرِّ وَحْدَهُ النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَفَلَا جَمِيعًا عَنْهُ بِالْمَالِ فَقَدْ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا بِالنِّصْفِ.
وَكَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فِي حَالِ الرِّقِّ كَمَا لَوْ تَفَرَّدَ بِهَا فَتَبْقَى كَفَالَتُهُ فِي نَصِيبِهِ وَهُوَ النِّصْفُ وَلَا يُقَالُ: لَمَّا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُزَاحَمَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ الْحُرُّ كَفِيلًا بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُزَاحَمَةُ فِي أَصْلِ الْكَفَالَةِ مُتَحَقِّقَةٌ.
فَإِنَّ كَفَالَةَ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا حَتَّى يُطَالِبَانِ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلِهَذَا كَانَ عَلَى الْحُرِّ نِصْفُ الْمَالِ وَعَلَى الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ النِّصْفُ بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَطَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَعَتَقَ الْعَبْدُ وَأَدَّى الْمَالَ كُلَّهُ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْحُرِّ بِالنِّصْفِ، ثُمَّ يَتْبَعَانِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ، فَمَا أَدَّى إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرَكُهُ فِيهِ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ حِينَ عَتَقَ فَقَدْ سَقَطَ حَقُّ الْمَوْلَى وَالْمَانِعُ مِنْ كَفَالَتِهِ قِيَامُ حَقِّ الْمَوْلَى فِي مَالِيَّتِهِ فَإِذَا سَقَطَ ذَلِكَ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ مِنْ حُرَّيْنِ عَنْ ثَالِثٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
وَلَوْ أَنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ كَفَلُوا عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَبِعَشَرَةِ أَكْرَارِ حِنْطَةٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ، وَبَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ ضَامِنُونَ فِي ذَلِكَ فَلَقِيَ الطَّالِبُ أَحَدَ الْكُفَلَاءِ فَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ لَقِيَ آخَرَ فَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسَةَ أَكْرَارِ حِنْطَةٍ ثُمَّ غَابَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ وَلَقِيَ الْكَفِيلَانِ الْمُؤَدِّيَانِ الْكَفِيلَ الثَّالِثَ وَأَرَادَا أَخْذَهُ بِمَا أَدَّيَا وَأَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخْذَ صَاحِبِهِ فَاَلَّذِي أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِثُلُثَيْهَا؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْكَفَالَةِ بِالْأَلْفِ مُسْتَوُونَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوُوا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِهَا وَذَلِكَ فِي أَنْ يَرْجِعَ بِثُلُثَيْ مَا أَدَّى عَنْ صَاحِبَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ وَلِلَّذِي أَدَّى الطَّعَامَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِثُلُثَيْ الطَّعَامِ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا وَلَا يَصِيرُ الْبَعْضُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ.
وَالْمُقَاصَّةَ بَيْنَ الدَّيْنَيْنِ: عِنْدَ اتِّحَادِ جِنْسِهِمَا وَصِفَتِهِمَا، لَا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ.
وَلَوْ الْتَقَى هَذَانِ الْمُؤَدِّيَانِ وَلَمْ يَلْقَيَا الثَّالِثَ؛ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ الْتَقَوْا جَمِيعًا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبَهُ بِنِصْفِ مَا أَدَّى لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ ثُمَّ يَتْبَعَانِ جَمِيعًا الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا بِثُلُثِ مَا أَدَّاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ لَقِيَهُ أَحَدُهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِنِصْفِ الْغُرْمِ الَّذِي حَصَلَ عَلَيْهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ فَإِنْ لَقِيَ الثَّالِثُ أَحَدَ هَذَيْنِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْفَضْلِ بِثُلُثِ مَا أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَرْجِعُ أَكْثَرُهُمَا أَدَاءً عَلَى أَقَلِّهِمَا أَدَاءً بِنِصْفِ الْفَضْلِ لِلْحَرْفِ الَّذِي قُلْنَا وَعَلَيْهِ يَدُورُ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي أَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي الْكَفَالَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِهَا.
وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ عَلَيْهِ فَأَدَّاهُ الْكَفِيلُ ثُمَّ لَقِيَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ أَوْ أَنْ يَكُونَ لِفُلَانٍ الطَّالِبِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَأَقَامَ الْكَفِيلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّ فُلَانًا هَذَا قَدْ أَمَرَهُ فَضَمِنَهَا لِفُلَانٍ، وَأَنَّهُ قَدْ أَدَّاهَا لِفُلَانٍ إلَى فُلَانٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَقْضِي بِالْمَالِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ عَلَيْهِ مَالًا بِسَبَبٍ وَهُوَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى إتْيَانِ ذَلِكَ إلَّا بِإِثْبَاتِ سَبَبٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَائِبِ وَهُوَ أَدَاءُ الْمَالِ إلَيْهِ، فَيُنَصَّبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ كَمَنْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهَا لَهُ اشْتَرَاهَا مَعَ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ يَقْضِي بِبَيِّنَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِهَذَا الطَّرِيقِ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ لَمْ يُكَلَّفْ الْمُدَّعِي إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هُنَا إذَا حَضَرَ الْمَكْفُولُ لَهُ؛ جَحَدَ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ شَيْئًا مِنْ الْكَفِيلِ لَمْ يُكَلَّفْ الْكَفِيلُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ وَكَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ مَاضِيًا وَهَذَا لِأَنَّ الْأَسْبَابَ مَطْلُوبَةٌ لِأَحْكَامِهَا فَمَنْ يَكُونُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ يَكُونُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ سَبَبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَرُجُوعُ الْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَمْرِهِ إيَّاهُ بِالْكَفَالَةِ وَأَدَائِهِ إلَى الطَّالِبِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ فَمَا يَكُونُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ خَصْمًا لِكَفِيلٍ فِي إثْبَاتِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ يَكُونُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْأَدَاءِ إلَى الطَّالِبِ عَلَيْهِ.
وَالْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْحَاضِرِ يَكُونُ نَافِذًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْغَائِبِ جَمِيعًا.
وَذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَأَتَاهَا رَجُلٌ وَأَخْبَرَهَا أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ أَبَانَهَا وَوَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ وَيَضْمَنَ الْمَهْرَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا وَأَنْ يَكُونَ أَمَرَ هَذَا الرَّجُلَ بِشَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ؛ كَانَ الْعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلًا وَالْكَفَالَةُ الْمُثْبَتَةُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الْوَارِثَيْنِ.
وَإِذَا أَقَرَّ لِمَعْرُوفِ نَسَبٍ أَنَّهُ أَخُوهُ؛ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْمِيرَاثِ.
وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- تَرْجِعُ هِيَ عَلَى الْكَفِيلِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مُقِرٌّ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ الثَّانِي وَوُجُوبُ الْمَالِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ، وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَلَوْ أَقَامَ الْكَفِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزَّوْجِ بِمَا أَدَّى مِنْ الطَّلَاقِ وَتَوْكِيلِهِ إيَّاهُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي وَالْكَفَالَةِ؛ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ، وَكَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِالْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ ثُمَّ يَرْجِعَ الْكَفِيلُ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ لِلْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا أَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا بِإِثْبَاتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ فَصَارَ خَصْمًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.