فصل: بَابُ النِّكَاحِ فِي الْعُقُودِ الْمُتَفَرِّقَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ النِّكَاحِ فِي الْعُقُودِ الْمُتَفَرِّقَةِ:

(قَالَ:) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِالنِّكَاحِ إلَّا عَلَى قَوْلِ الرَّوَافِضِ، فَإِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ تِسْعِ نِسْوَةٍ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ، فَإِذَا جَمَعْتَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَعْدَادِ كَانَ تِسْعًا «وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ تِسْعِ نِسْوَةٍ وَهُوَ قُدْوَةُ الْأُمَّةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَمَا يَجُوزُ لَهُ يَجُوزُ لِأُمَّتِهِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} وَالْمُرَادُ أَحَدُ هَذِهِ الْأَعْدَادِ قَالَ الْفَرَّاءُ: رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا وَجْهَ لِحَمْلِ هَذَا عَلَى الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ عَنْ التِّسْعِ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ الْعِيِّ فِي الْكَلَامِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} وَالْمُرَادُ أَحَدُ هَذِهِ الْأَعْدَادِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَخْصُوصًا بِسَبَبِ إبَاحَةِ تِسْعِ نِسْوَةٍ لَهُ وَهُوَ اتِّسَاعُ حِلِّهِ بِفَضِيلَةِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ بِزِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ يَزْدَادُ الْحِلُّ كَمَا بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْمَمَالِيكِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا بَعْدَهُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ نِكَاحًا، وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ ثِنْتَيْنِ وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ» مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمَمْلُوكِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَالِ الْحُرِّ وَلَهُ أَنْ يَتَسَرَّى عَلَى الْأَرْبَعِ مَا بَدَا لَهُ مِنْ السَّرَارِي مَا خَلَا امْرَأَةً ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رِضَاعٍ لِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْحَرَائِرِ شَيْئًا إلَّا وَقَدْ حَرَّمَ مِنْ الْإِمَاءِ مِثْلَهُ إلَّا رَجُلًا يَجْمَعُهُنَّ يُرِيدُ بِهِ الْعَدَدَ إذْ التَّسَرِّي غَيْرُ مَحْصُورٍ بِعَدَدٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا كَانَ مَحْصُورًا بِعَدَدٍ لِوُجُوبِ الْعَدْلِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ، وَعِنْدَ كَثْرَةِ الْعَدَدِ يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ، وَفِي الْإِمَاءِ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ، فَلِهَذَا لَا يَكُونُ مَحْصُورًا بِالْعَدَدِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فَأَمَّا سَائِرُ أَسْبَابِ الْحُرْمَةِ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ لَا تَخْتَلِفُ بِالْمَنْكُوحَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ.
(قَالَ:) رَجُلٌ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ بِغَيْرِ عَيْنِهَا بِمَكَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ مَكِّيَّةً ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِالطَّائِفِ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَنَقُولُ: الْعُقُودُ كُلُّهَا قَدْ صَحَّتْ مِنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَ الْمَكِّيَّةَ بَعْدَ مَا طَلَّقَ إحْدَى الْكُوفِيَّاتِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَحِينَ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ إلَّا ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ يُجْعَلُ كَالْمُتَعَلِّقِ بِخَطَرِ الْبَيَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ نِكَاحُ الْمَكِّيَّةِ.
(قَالَ:) هَذَا فِي حَقِّ الْمَحَلِّ لِوُجُودِ النَّكِيرِ فِي الْمَحَلِّ، فَأَمَّا فِي جَانِبِ الْمُطَلِّقِ لَا إبْهَامَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ فِي نَفْسِهِ، وَحُكْمُ الْعَدَدِ يَنْبَنِي عَلَى الْعَدَدِ فِي جَانِبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ الْمَكِّيَّةَ وَلَيْسَ فِي نِكَاحِهِ إلَّا ثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ الطَّائِفِيَّةَ وَلَيْسَ فِي نِكَاحِهِ إلَّا ثَلَاثُ نِسْوَةٌ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى حُكْمِ الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ وَالْعِدَّةِ، أَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الْمَهْرِ أَنَّ لِلطَّائِفِيَّةِ مَهْرًا كَامِلًا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا قَدْ صَحَّ وَلَمْ يَحْدُثْ بَعْدَ نِكَاحِهَا طَلَاقٌ فَيَتَقَرَّرُ مَهْرُهَا بِالْمَوْتِ، وَلِلْمَكِّيَّةِ سَبْعَةُ أَثْمَانِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَهَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَذَلِكَ مُسْقِطٌ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ثَلَاثٍ مِنْ الْكُوفِيَّاتِ فَيَتَوَزَّعُ النُّقْصَانُ عَلَيْهِنَّ أَرْبَاعًا فَيُصِيبُهَا نُقْصَانُ نِصْفِ رُبْعِ صَدَاقٍ، وَذَلِكَ ثُمُنُ صَدَاقٍ فَبَقِيَ لَهَا سَبْعَةُ أَثْمَانِ صَدَاقٍ، وَأَمَّا الْكُوفِيَّاتُ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَصْدِقَةٍ وَثُمُنُ صَدَاقٍ بَيْنَهُنَّ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ أَوَّلًا فَقَدْ سَقَطَ بِهَذَا الطَّلَاقُ نِصْفُ مَهْرٍ، وَمِنْ الطَّلَاقِ الثَّانِي أَصَابَهُنَّ أَيْضًا نُقْصَانُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ نِصْفِ مَهْرٍ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ مَهْرٍ، وَفِي الْأَصْلِ لَهُنَّ أَرْبَعَةُ أَصْدِقَةٍ، فَإِذَا نَقَصَتْ مِنْ ذَلِكَ مَرَّةً نِصْفَ صَدَاقٍ وَمَرَّةً ثَلَاثَةَ أَثْمَانِ صَدَاقٍ بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَصْدِقَةٍ وَثُمُنُ صَدَاقٍ، وَحَالُهُنَّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ أَرْبَاعًا، وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَلِلطَّائِفِيَّةِ رُبُعُ مِيرَاثِ النِّسَاءِ ثُمُنًا كَانَ أَوْ رُبُعًا؛ لِأَنَّهَا إحْدَى نِسَائِهِ بِيَقِينٍ وَلِلْمَكِّيَّةِ رُبْعُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مِيرَاثِ النِّسَاءِ لَا يُزَاحِمُهَا فِيهِ إلَّا ثَلَاثٌ مِنْ الْكُوفِيَّاتِ وَحَالُهُنَّ فِيهِ سَوَاءٌ فَلَهَا رُبْعُ ذَلِكَ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْكُوفِيَّاتِ بِالسَّوِيَّةِ لِاسْتِوَاءِ حَالِهِنَّ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، أَمَّا فِي حَقِّ الطَّائِفِيَّةِ فَلِلتَّيَقُّنِ بِانْتِهَاءِ نِكَاحِهَا بِالْمَوْتِ، وَفِي حَقِّ الْبَوَاقِي لِاحْتِمَالِ ذَلِكَ وَالْعِدَّةُ يُحْتَاطُ لِإِيجَابِهَا.
(قَالَ:) وَلَوْ كَانَ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ الطَّائِفِيَّةَ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ ثُمَّ مَاتَ فَنَقُولُ: أَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الْمَهْرِ أَنَّ لِلطَّائِفِيَّةِ هُنَا سَبْعَةَ أَثْمَانِ مَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَهَا فَانْتَقَصَ بِهِ نِصْفُ صَدَاقٍ، وَإِنَّمَا يُصِيبُهَا مِنْ ذَلِكَ النُّقْصَانِ الرُّبْعُ فَبَقِيَ لَهَا سَبْعَةُ أَثْمَانِ صَدَاقٍ، وَلِلْمَكِّيَّةِ سِتَّةُ أَثْمَانِ مَهْرٍ وَرُبُعُ ثُمُنِ مَهْرٍ؛ لِأَنَّ مِنْ النُّقْصَانِ الْحَاصِلِ بِالتَّطْلِيقَةِ الْأَخِيرَةِ إنَّمَا يُصِيبُهَا رُبُعُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ نِصْفِ صَدَاقٍ، فَإِنَّ هَذَا النُّقْصَانَ يَدُورُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ثَلَاثٍ مِنْ الْكُوفِيَّاتِ، وَرُبُعُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ النِّصْفِ يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ ثُمُنِ الصَّدَاقِ فَقَدْ أَصَابَهَا بِالتَّطْلِيقَةِ الثَّانِيَةِ نُقْصَانُ ثُمُنِ صَدَاقٍ كَمَا قُلْنَا وَبِالتَّطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ثُمُنٍ فَبَقِيَ لَهَا سِتَّةُ أَثْمَانٍ وَرُبُعُ ثُمُنٍ، فَإِذَا جَمَعْتَ ذَلِكَ كَانَ مَهْرًا وَثُمُنَ مَهْرٍ وَرُبُعَ ثُمُنِ مَهْرِ صَدَاقٍ وَلِلْكُوفِيَّاتِ مَهْرَانِ وَسِتَّةُ أَثْمَانٍ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ثُمُنِ صَدَاقٍ لِأَنَّهُ انْتَقَصَ مِنْ مُهُورِهِنَّ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ نِصْفُ صَدَاقٍ وَبِالطَّلَاقِ الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ صَدَاقٍ وَبِالطَّلَاقِ الثَّالِثِ ثُمُنَانِ وَرُبُعُ ثُمُنٍ، فَإِذَا جَمَعْتَ ذَلِكَ كَانَ مَهْرًا وَثُمُنَ مَهْرٍ وَرُبُعَ ثُمُنِ مَهْرٍ، فَإِذَا نَقَصْتَ ذَلِكَ مِنْ أَرْبَعَةِ مُهُورٍ بَقِيَ مَهْرَانِ وَسِتَّةُ أَثْمَانٍ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ثُمُنٍ، وَفِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ وَالْعِدَّةِ هَذَا وَالْأَوَّلُ فِي التَّخْرِيجِ سَوَاءٌ.
(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عُقْدَةٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ، وَلَا يَعْلَمُ أَيَّتَهنَّ الْأُولَى، فَأَمَّا الْوَاحِدَةُ فَنِكَاحُهَا صَحِيحٌ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْعَقْدَيْنِ الْأَخِيرِينَ أَحَدُهُمَا وَنِكَاحُ الْوَاحِدَةِ صَحِيحٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الثَّلَاثِ وَالثِّنْتَيْنِ أَيَّتُهُنَّ قَالَ هِيَ الْأُولَى؛ لِأَنَّ نِكَاحَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ صَحِيحٌ وَهُوَ السَّابِقُ وَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْعُقُودَ فَيَعْرِفُ السَّابِقَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ وَلِأَنَّهُ صَاحِبُ مِلْكٍ فَإِلَيْهِ بَيَانُ مَحَلِّ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ تَجِبُ عَلَيْهِ فَإِلَيْهِ بَيَانُ مَنْ يَسْتَوْجِبُ الْحَقَّ عَلَيْهِ، وَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ مَاتَ وَالزَّوْجُ حَيٌّ فَقَالَ هِيَ الْأُولَى وَرِثَهُنَّ وَأَعْطَى مُهُورَهُنَّ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَاخِرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَيَانِ الثَّابِتِ لَهُ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِنَّ فَإِنَّ الْمَوْتَ مِنْهُ لِلنِّكَاحِ مُقَرِّرٌ لِإِحْكَامِهِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهِنَّ كُلِّهِنَّ ثُمَّ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ عِنْدَ مَوْتِهِ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ هَؤُلَاءِ الْأُوَلُ فَهُوَ الْأُوَلُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَاخِرِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَمِمَّا سَمَّى لَهَا لِدُخُولِهِ بِهَا بِحُكْمِ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْفَصْلِ أَنَّ دُخُولَهُ بِهِنَّ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيَانِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَنْ دَخَلَ بِهَا أَوَّلًا؛ لِأَنَّ حَالَ الْفَرِيقَيْنِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: لَا أَدْرِي أَيَّتَهنَّ الْأُولَى حُجِبَ عَنْهُنَّ إلَّا عَنْ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ صَحَّ نِكَاحُهَا مِنْهُنَّ، وَنِكَاحُ الْوَاحِدَةِ صَحِيحٌ فَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ مَنْ صَحَّ نِكَاحُهُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَيَكُونُ مَحْجُوبًا عَنْهُنَّ مُخَيَّرًا عَلَى أَنْ يُبَيِّنَ الْأَوَّلَ مِنْ الْآخِرَ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ فَفِي الْمَسْأَلَةِ بَيَانُ حُكْمِ الْمِيرَاثِ وَالْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ.
أَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الْمَهْرِ إنَّ لِلْوَاحِدَةِ مَا سَمَّى لَهَا مِنْ الْمَهْرِ بِكَمَالِهِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ بِيَقِينٍ وَلِلثَّلَاثِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ بَيْنَهُنَّ وَلِلثِّنْتَيْنِ مَهْرٌ وَاحِدٌ بَيْنَهُمَا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ، فَإِنَّ أَصْلَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ اعْتِبَارُ الْجُمْلَةِ وَالتَّخْرِيجُ عَلَى ذَلِكَ فَنَقُولُ: أَكْثَرُ مَالِهِنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ بِأَنْ يَكُونَ السَّابِقُ نِكَاحَ الثَّلَاثِ، وَأَقَلُّ مَالِهِنَّ مَهْرَانِ بِأَنْ يَكُونَ السَّابِقُ نِكَاحَ الْمَثْنَى، فَالتَّرَدُّدُ فِي مَهْرٍ وَاحِدٍ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ، فَكَانَ لَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ، ثُمَّ لَا خُصُومَةَ لِلثِّنْتَيْنِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرَيْنِ فَيُسَلِّمُ ذَلِكَ لِلثَّلَاثِ وَهُوَ نِصْفُ مَهْرٍ يَبْقَى مَهْرَانِ اسْتَوَتْ فِيهِ مُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَحْصُلُ لِلثَّلَاثِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ وَلِلثِّنْتَيْنِ مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَأَصْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ اعْتِبَارُ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ كُلِّ فَرِيقٍ عَلَى حِدَةٍ فَيَقُولُ: أَمَّا الثَّلَاثُ فَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ، فَلَهُنَّ نِصْفُ ذَلِكَ وَهُوَ مَهْرٌ وَنِصْفٌ، وَأُمًّا الْمَثْنَى فَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَهُمَا مَهْرَانِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، فَلَهُمَا نِصْفُ ذَلِكَ وَنِكَاحُهُمَا يَصِحُّ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَلَهُمَا مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَأَمَّا حُكْمُ الْمِيرَاثِ فَنَقُولُ: لِلْوَاحِدَةِ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ مِيرَاثِ النِّسَاءِ رُبُعًا كَانَ أَوْ ثُمُنًا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهَا مَعَ الثَّلَاثِ فَلَهَا رُبُعُ مِيرَاثِ النِّسَاءِ، وَإِنْ صَحَّ مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَلَهَا ثُلُثٌ، وَالرُّبْعُ بِيَقِينٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ، فَنَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ وَرُبُعٌ، وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ ثُمَّ يَتَنَصَّفُ السَّهْمُ الزَّائِدُ عَلَى الرُّبْعِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ فَيَتَكَسَّرُ بِالْأَنْصَافِ فَيُضَعَّفُ الْحِسَابُ فَيَكُونُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ.
فَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهَا مَعَ الثَّلَاثِ فَلَهَا سِتَّةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهَا مَعَ الْمَثْنَى فَلَهَا ثَمَانِيَةٌ فَالتَّرَدُّدُ فِي سَهْمَيْنِ فَيَثْبُتُ أَحَدُهُمَا وَيَسْقُطُ الْآخَرُ فَكَانَ لَهَا سَبْعَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَيْنِ نِصْفَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- لِلْمَثْنَى مِنْ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ وَلِلثَّلَاثِ تِسْعَةُ أَسْهُمٍ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ السَّهْمَ الزَّائِدَ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ لَا مُنَازَعَةَ فِيهِ لِلْمَثْنَى؛ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَهُمَا ثُلُثَا الْمِيرَاثِ سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَيُسَلَّمُ ذَلِكَ السَّهْمُ لِلثَّلَاثِ، وَقَدْ اسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي سِتَّةَ عَشَرَ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ يُعْتَبَرُ حَالُ كُلِّ فَرِيقٍ فَنَقُولُ: إنْ صَحَّ نِكَاحُ الثَّلَاثِ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَلَهُنَّ نِصْفُ ذَلِكَ وَهُوَ تِسْعَةٌ، وَإِنْ صَحَّ نِكَاحُ الْمَثْنَى فَلَهُمَا ثُلُثَا الْمِيرَاثِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا فَلَهُمَا نِصْفُ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: مَا بَقِيَ مِنْ مِيرَاثِ النِّسَاءِ بَعْدَ مَا أَخَذَتْ الْوَاحِدَةُ نَصِيبَهَا بِمَنْزِلَةِ جَمِيعِ مِيرَاثِ النِّسَاءِ إنْ لَوْ لَمْ تَكُنْ الْوَاحِدَةُ أَصْلًا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْوَاحِدَةُ أَصْلًا كَانَ جَمِيعُ مِيرَاثِ النِّسَاءِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَيْنِ، فَكَذَلِكَ مَا بَقِيَ، وَهَذَا لِأَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي حَقِّ الْفَرِيقَيْنِ سَوَاءٌ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَحِقٌّ إذَا كَانَ سَابِقًا،
مَحْرُومٌ إذَا كَانَ مَسْبُوقًا، وَقَوْلُهُمَا إنَّ الْمَثْنَى لَا يَدَّعِيَانِ السَّهْمَ الْوَاحِدَ، فَإِنَّمَا لَا يَدَّعِيَانِ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ اسْتِحْقَاقِ الْوَاحِدَةِ لِذَلِكَ السَّهْمِ، فَأَمَّا بِدُونِ اسْتِحْقَاقِهِمَا فَهُمَا يَدَّعِيَانِ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ وَقَدْ خَرَجَ ذَلِكَ السَّهْمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا لِلْوَاحِدَةِ فَكَانَ دَعْوَاهُمَا دَعْوَى الثَّلَاثِ فِي اسْتِحْقَاقِ مَا فَرَغَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْوَاحِدَةِ سَوَاءً، فَلِهَذَا قُسِمَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَيْنِ.
(قَالَ:) وَعَلَيْهِنَّ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ احْتِيَاطًا لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهِنَّ كُلِّهِنَّ، وَلَا يَعْرِفُ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ فَعَلَى الثَّلَاثِ وَالثِّنْتَيْنِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْحَيْضُ جَمِيعًا عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا تَسْتَكْمِلُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَ حِيَضٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ عَلَيْهِنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَهُوَ مَا إذَا صَحَّ نِكَاحُهُنَّ، وَمِنْ وَجْهٍ الْحَيْضُ وَهُوَ مَا إذَا فَسَدَ نِكَاحُهُنَّ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ لِأَجْلِ الدُّخُولِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا، فَأَمَّا عَلَى الْوَاحِدَةِ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا حَيْضَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ وَالثِّنْتَيْنِ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَنِصْفُ الْفَضْلِ إلَى تَمَامِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ فِي وُجُوبِ الْأَقَلِّ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ إمَّا بِالْعَقْدِ أَوْ بِالدُّخُولِ يَقِينًا مَا زَادَ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الْمُسَمَّى تَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إنْ صَحَّ نِكَاحُهَا، وَنِكَاحُهَا يَصِحُّ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، فَلِهَذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حَيًّا فَجَامَعَ امْرَأَةً مِنْهُنَّ أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا كَانَ هَذَا إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّهَا، وَمَنْ مَعَهَا الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ تَارَةً يَحْصُلُ بِالتَّصْرِيحِ وَتَارَةً بِالدَّلِيلِ فَإِقْدَامُهُ عَلَى الظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ فِي إحْدَاهُنَّ بَيَانٌ مِنْهُ أَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ مَا بَاشَرَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ مُخْتَصٌّ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَكَذَلِكَ إنْ جَامَعَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْحِلِّ مَا أَمْكَنَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ وَطْؤُهُ إيَّاهَا حَلَالًا إذَا كَانَ صَحَّ نِكَاحُهَا، فَلِهَذَا كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيَانِ مِنْهُ أَنَّ السَّابِقَ عَقْدُهَا.
(قَالَ:) وَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الثَّلَاثِ أُمَّ إحْدَى الثِّنْتَيْنِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ فَالْجَوَابُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ نِكَاحُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَهُوَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، وَفِي هَذَا لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
(قَالَ:) وَلَوْ كَانَ مَعَ الثَّلَاثِ أَمَةٌ كَانَ نِكَاحُ الْأَمَةِ فَاسِدًا عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ هَذَا الْعَقْدُ فَنِكَاحُ الْحَرَائِرِ بِهَذَا الْعَقْدِ صَحِيحٌ، وَمَتَى صَحَّ نِكَاحُ الْحَرَائِرِ بَطَلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمَضْمُومَةِ إلَيْهِنَّ، وَإِنْ تَأَخَّرَ نِكَاحُهُنَّ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَلِهَذَا كَانَ نِكَاحُ الْأَمَةِ فَاسِدًا عَلَى كُلِّ حَالٍ.
(قَالَ:) وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ إحْدَى الثِّنْتَيْنِ أَمَةً فَنِكَاحُهَا فَاسِدٌ بِيَقِينٍ لِمَا قُلْنَا، فَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهِنَّ وَقَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ الْأُولَى مِنْهُنَّ وَإِحْدَى الثَّلَاثِ أَمَةٌ وَإِحْدَى الثِّنْتَيْنِ أَمَةٌ فَنِكَاحُ الْأَمَتَيْنِ فَاسِدٌ وَنِكَاحُ الْحَرَائِرِ كُلِّهِنَّ جَائِزٌ، أَمَّا فَسَادُ نِكَاحِ الْأَمَتَيْنِ لِمَا قُلْنَا، وَعِنْدَ فَسَادِ نِكَاحِهِمَا الْحَرَائِرُ أَرْبَعٌ فَيَجُوزُ نِكَاحُهُنَّ، الْمُتَقَدِّمُ وَالْمُتَأَخِّرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الثَّلَاثِ أَمَةً وَالثِّنْتَانِ حُرَّتَانِ وَقَدْ تَزَوَّجَ الْوَاحِدَةَ الْحُرَّةَ قَبْلَهُنَّ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَنِكَاحُ الْأَمَةِ فَاسِدٌ لِعِلْمِنَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُرَّةٍ، وَنِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ فَاسِدٌ، وَلِلْحُرَّةِ الْمُنْفَرِدَةِ الْمَهْرُ وَثُلُثُ مِيرَاثِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ بِيَقِينٍ، وَإِنَّمَا يُزَاحِمُهَا فِي الْمِيرَاثِ امْرَأَتَانِ، أَمَّا الْمُنْفَرِدَتَانِ أَوْ اللَّتَانِ كَانَتَا مَعَ الْأَمَةِ فَلَهَا ثُلُثُ مِيرَاثِ النِّسَاءِ، وَلِكُلِّ حُرَّتَيْنِ نِصْفُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمِيرَاثِ لِاسْتِوَاءِ حَالِ الْفَرِيقَيْنِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ فَرِيقٍ إنْ تَقَدَّمَ نِكَاحُهَا اسْتَحَقَّ ذَلِكَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ لَا، وَيَكُونُ لِلْفَرِيقَيْنِ مَهْرَانِ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ لِاسْتِوَاءِ حَالِ الْفَرِيقَيْنِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَهْرَيْنِ عَلَى مَا قُلْنَا.
(قَالَ:) وَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الثِّنْتَيْنِ أَمَةً وَالثَّلَاثُ حَرَائِرُ، وَلَا يَعْلَمُ أَيَّ النِّسَاءِ تَزَوَّجَ أَوَّلًا فَنِكَاحُ الْأَمَةِ فَاسِدٌ لِلتَّيَقُّنِ بِضَمِّهَا إلَى الْحُرَّةِ، وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الْحَرَائِرِ الْخَمْسِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ لِلثَّلَاثِ مِنْ ذَلِكَ سَهْمٌ وَنِصْفٌ وَلِلْمُنْفَرِدَتَيْنِ نِ سَهْمَانِ وَنِصْفٌ، وَهَذَا فِي الْحُكْمِ كَرَجُلٍ تَزَوَّجَ ثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ، وَوَاحِدَةً فِي عُقْدَةٍ، وَوَاحِدَةً فِي عُقْدَةٍ، وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهُنَّ أَوَّلُ، بَلْ هِيَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا، وَوَجْهُ التَّخْرِيجِ أَنَّ الثَّلَاثَ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ بِأَنْ تَقَدَّمَ أَوْ كَانَ بَعْدَ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْمُنْفَرِدَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مِيرَاثِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مَعَهُنَّ نِكَاحَ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْمُنْفَرِدَتَيْنِ سَابِقًا أَوْ مُتَأَخِّرًا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ بِأَنْ كَانَ نِكَاحُهُنَّ بَعْدَ نِكَاحِ الْمُنْفَرِدَتَيْنِ فَلَهُنَّ نِصْفُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ، وَذَلِكَ سَهْمٌ وَنِصْفٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَمَا بَقِيَ بَيْنَ الْمُنْفَرِدَتَيْنِ لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا، وَلِأَنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ فِي حَالٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُمَا سَابِقًا وَالرُّبُعُ فِي حَالٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُ الثَّلَاثِ سَابِقًا فَالرُّبْعُ لَهُمَا بِيَقِينٍ وَهُوَ سَهْمٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَثَلَاثَةٌ تَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ، فَلِهَذَا كَانَ لَهُمَا سَهْمَانِ وَنِصْفٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ،
وَحَالُهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ سَوَاءٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلِلثَّلَاثِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ، فَلَهُنَّ نِصْفُ نِصْفِ ذَلِكَ وَهُوَ مَهْرٌ وَنِصْفٌ وَلِلْمُنْفَرِدَتَي نِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا صَحِيحٌ بِيَقِينٍ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، فَيَتَيَقَّنُ لَهَا بِمَهْرٍ، وَالْأُخْرَى إنْ صَحَّ نِكَاحُهَا فَلَهَا مَهْرٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهَا فَيَتَنَصَّفُ مَهْرُهَا، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى بِشَيْءٍ، فَمَا اجْتَمَعَ لَهُمَا وَهُوَ مَهْرٌ وَنِصْفٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ وَاحِدَةً فِي عُقْدَةٍ وَثِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ وَأَرْبَعًا فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَا يُعْرَفُ أَيَّتُهُنَّ أَوَّلُ، فَنَقُولُ: مِيرَاثُ النِّسَاءِ رُبُعًا كَانَ أَوْ ثُمُنًا بَيْنَ الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ إنَّمَا يَتَوَزَّعُ عَلَى الْأَحْوَالِ، وَالْأَحْوَالُ ثَلَاثَةٌ بِيَقِينٍ، إمَّا أَنْ يَصِحَّ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ أَوْ نِكَاحُ الثَّلَاثِ مَعَ الْوَاحِدَةِ أَوْ نِكَاحُ الثِّنْتَيْنِ مَعَ الْوَاحِدَةِ، وَلَيْسَ هُنَا حَالَةٌ رَابِعَةٌ، وَبِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ كُلُّ فَرِيقٍ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ مُسَاوٍ لِلْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَيْنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ نِكَاحُهُ اسْتَحَقَّ الْمِيرَاثَ وَإِلَّا فَلَا، فَلِهَذَا كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا لَا مُزَاحَمَةَ لِلْوَاحِدَةِ مَعَ الْأَرْبَعِ فِي الثُّلُثِ الَّذِي صَارَ لَهُنَّ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا لَا يَجُوزُ مَعَهُنَّ، وَإِنَّمَا أَخَذْنَ مَا أَخَذْنَ بِاعْتِبَارِ جَوَازِ نِكَاحِهِنَّ، وَلَكِنَّهَا تَدْخُلُ مَعَ الثَّلَاثِ فَتَأْخُذُ ثُمُنَ مَا أَصَابَهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ إنَّمَا أَخَذْنَ مَا أَخَذْنَ بِاعْتِبَارِ جَوَازِ نِكَاحِهِنَّ، وَنِكَاحُ الْوَاحِدَةِ يَجُوزُ مَعَهُنَّ إلَّا أَنَّ فِي نِكَاحِ الْوَاحِدَةِ تَرَدُّدًا، فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَجُوزَ مَعَ الثَّلَاثِ أَوْ مَعَ الثِّنْتَيْنِ، فَإِنْ جَازَ مَعَ الثَّلَاثِ كَانَ لَهَا رُبُعُ مَا فِي يَدَيْ الثَّلَاثِ، وَإِنْ جَازَ مَعَ الثِّنْتَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِمَّا فِي يَدَيْ الثَّلَاثِ، فَتَأْخُذُ مِمَّا فِي يَدَيْ الثَّلَاثِ نِصْفَ الرُّبْعِ وَهُوَ الثُّمُنُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الثَّلَاثِ أَثْلَاثًا، ثُمَّ تَدْخُلُ مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَتَأْخُذُ سُدُسَ مَا فِي يَدَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَخَذَنَا بِاعْتِبَارِ جَوَازِ نِكَاحِهِمَا، وَنِكَاحُ الْوَاحِدَةِ يَجُوزُ مَعَ نِكَاحِهِمَا، فَإِنْ كَانَ جَوَازُ نِكَاحِهِمَا مَعَهُمَا كَانَ لَهَا ثُلُثُ مَا فِي أَيْدِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ مَعَ الثَّلَاثِ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمَا، فَلِهَذَا تَأْخُذُ مِنْهُمَا نِصْفَ الثُّلُثِ وَهُوَ سُدُسُ مَا فِي أَيْدِيهِمَا وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْمَهْرِ فَنَقُولُ: عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ جَازَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ فَلَهُنَّ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ، وَإِنْ جَازَ نِكَاحُ الثَّلَاثِ مَعَ الْوَاحِدَةِ فَكَذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ جَازَ نِكَاحُ الثِّنْتَيْنِ مَعَ الْوَاحِدَةِ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ، فَثَلَاثَةُ مُهُورٍ لَهُنَّ بِيَقِينٍ وَالْمَهْرُ الرَّابِعُ يَثْبُتُ فِي حَالَيْنِ، وَلَا يَثْبُتُ فِي حَالٍ، وَلَكِنَّ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَأَنَّهُ ثَبَتَ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ، فَلِهَذَا كَانَ لَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ، فَأَمَّا نِصْفُ مَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ فَلِلْأَرْبَعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَلِلثَّلَاثِ رُبُعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَةَ لِلثِّنْتَيْنِ فِي هَذَا النِّصْفِ، وَالْأَرْبَعُ يَدَّعِينَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِنَّ وَالثَّلَاثُ يَدَّعِينَ ذَلِكَ بِانْضِمَامِ الْوَاحِدَةِ إلَيْهِنَّ، وَانْضِمَامُ الْوَاحِدَةِ إلَيْهِنَّ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، فَبِاعْتِبَارِ الْحَالَيْنِ يَكُونُ لِلثَّلَاثِ نِصْفُ نِصْفِ هَذَا وَهُوَ الرُّبُعُ، وَلِلْأَرْبَعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، فَأَمَّا مَهْرُ وَاحِدٍ فَلِلْأَرْبَعِ مِنْهُ سُدُسَانِ وَنِصْفُ سُدُسٍ، وَلِلثَّلَاثِ سُدُسَانِ وَنِصْفُ سُدُسٍ، وَلِلثِّنْتَيْنِ سُدُسٌ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ يَدَّعِينَ هَذَا الْمَهْرَ لِأَنْفُسِهِنَّ، وَالثِّنْتَانِ لَا يَدَّعِيَانِ ذَلِكَ إلَّا بِانْضِمَامِ الْوَاحِدَةِ إلَيْهِمَا، وَانْضِمَامُ الْوَاحِدَةِ إلَيْهِمَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، فَفِي حَالَةِ الِانْضِمَامِ لَهُمَا ثُلُثُ ذَلِكَ، وَفِي غَيْرِ حَالَةِ الِانْضِمَامِ لَا شَيْءَ لَهُمَا فَلَهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ وَهُوَ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ اسْتَوَتْ فِيهِ مُنَازَعَةُ الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِكُلِّ فَرِيقٍ سُدُسَانِ وَنِصْفُ سُدُسٍ، وَأَمَّا الْمَهْرَانِ فَقَدْ اسْتَوَتْ فِي ذَلِكَ مُنَازَعَةُ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ فَكَانَ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا لِكُلِّ فَرِيقٍ ثُلُثَا مَهْرٍ، فَأَمَّا الْأَرْبَعُ فَقَدْ أَصَابَهُنَّ مَرَّةً ثُلُثَا مَهْرٍ وَمَرَّةً سُدُسَانِ وَنِصْفُ سُدُسٍ وَمَرَّةً ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ النِّصْفِ، فَيُجْمَعُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَيُقَسَّمُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ، إذْ لَا مُزَاحَمَةَ لِلْوَاحِدَةِ مَعَهُنَّ، وَأَمَّا الثَّلَاثُ فَقَدْ أَصَابَهُنَّ مَرَّةً ثُمُنُ مَهْرٍ وَمَرَّةً سُدُسَانِ وَنِصْفُ سُدُسٍ وَمَرَّةً ثُلُثَا مَهْرٍ فَيُجْمَعُ ذَلِكَ كُلُّهُ ثُمَّ الْوَاحِدَةُ تَأْخُذُ ثُمُنَ جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهَا مَعَهُنَّ فَلَهَا رُبْعُ ذَلِكَ.
وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهَا فَتَأْخُذُ ثُمُنَ ذَلِكَ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الثَّلَاثِ بِالسَّوِيَّةِ، وَأَمَّا الثِّنْتَانِ فَإِنَّهُمَا أَصَابَهُمَا مَرَّةً ثُلُثَا مَهْرٍ وَمَرَّةً سُدُسُ مَهْرٍ فَتَدْخُلُ الْوَاحِدَةُ مَعَهُمَا وَتَأْخُذُ سُدُسَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ إنْ جَازَ نِكَاحُهَا مَعَهَا فَلَهَا ثُلُثُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا، فَتَأْخُذُ نِصْفَ الثُّلُثِ وَهُوَ السُّدُسُ ثُمَّ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَإِذَا أَرَدْتَ تَصْحِيحَ الْحِسَابِ فَالطَّرِيقُ فِيهِ ضَرْبُ هَذِهِ الْمَخَارِجِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ وَهُوَ وَاضِحٌ لَا يُشْتَغَلُ بِهِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ التَّطْوِيلِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَرْبَعِ مَهْرٌ وَثُلُثُ مَهْرٍ وَلِلثَّلَاثِ مَهْرٌ وَلِلِاثْنَتَيْنِ ثُلُثَا مَهْرٍ وَلِلْوَاحِدَةِ نِصْفُ مَهْرٍ، فَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَيْضًا ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَوَجْهُ التَّخْرِيجِ أَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ كُلِّ حَالَةٍ، فَيَقُولُ: نِكَاحُ الْأَرْبَعِ يَصِحُّ فِي حَالٍ، وَلَا يَصِحُّ فِي حَالَيْنِ، فَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ، وَأَحْوَالُ الْحِرْمَانِ أَحْوَالٌ فَلَهُنَّ ثُلُثُ ذَلِكَ وَهُوَ مَهْرٌ وَثُلُثُ مَهْرٍ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ، وَالثَّلَاثُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ، وَنِكَاحُهُنَّ يَصِحُّ فِي حَالٍ وَلَا يَصِحُّ فِي حَالَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثُ ذَلِكَ وَهُوَ مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَالثِّنْتَانِ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَهُمَا مَهْرَانِ وَنِكَاحُهُمَا صَحِيحٌ فِي حَالٍ دُونَ حَالَيْنِ فَلَهُمَا ثُلُثُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ ثُلُثَا مَهْرٍ، وَالْوَاحِدَةُ يَصِحُّ نِكَاحُهَا فِي حَالَيْنِ إمَّا مَعَ الثَّلَاثِ أَوْ مَعَ الثِّنْتَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا تَقَدَّمَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ، لَكِنَّ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَ نِكَاحُهَا يَصِحُّ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَكَانَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا احْتِيَاطًا.
(قَالَ:) فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الْأَرْبَعِ أَمَةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَنِكَاحُ الْأَمَةِ فَاسِدٌ بِيَقِينٍ لِانْضِمَامِهَا إلَى الْحَرَائِرِ، وَلَا حَظَّ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ وَلَا مِنْ الْمِيرَاثِ، وَنِكَاحُ الْمُنْفَرِدَةِ هُنَا صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ فِي الْحَاصِلِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثٌ وَاثْنَتَانِ وَوَاحِدَةٌ، فَيَتَيَقَّنُ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْوَاحِدَةِ إمَّا مَعَ الثِّنْتَيْنِ أَوْ مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ، ثُمَّ بَيَانُ حُكْمِ الْمَهْرَانِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنْ أَكْثَرَ مَالِهِنَّ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَأَقَلَّ مَالِهِنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ، فَيَتَوَزَّعُ الْمَهْرُ الرَّابِعُ نِصْفَيْنِ ثُمَّ لِلْمُنْفَرِدَةِ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَهْرٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِصِحَّةِ نِكَاحِهَا بَقِيَ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ، فَأَمَّا نِصْفُ مَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ لَا مُنَازَعَةَ فِيهِ لِلثِّنْتَيْنِ، وَكُلُّ فَرِيقٍ مِنْ الثَّلَاثِ يَدَّعِينَ ذَلِكَ فَيَكُونُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَيْنِ، بَقِيَ مَهْرَانِ اسْتَوَتْ فِيهِمَا مُنَازَعَةُ الْفِرَقِ الثَّلَاثَةِ فَكَانَ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا لِكُلِّ فَرِيقٍ ثُلُثَا مَهْرٍ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلِلْوَاحِدَةِ مَهْرٌ كَامِلٌ لِمَا قُلْنَا وَلِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الثَّلَاثِ مَهْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ كُلِّ فَرِيقٍ يَصِحُّ فِي حَالٍ وَلَا يَصِحُّ فِي حَالَيْنِ،
وَفِي حَالَةِ الصِّحَّةِ لَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ، وَأَحْوَالُ الْحِرْمَانِ أَحْوَالٌ فَكَانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ ثُلُثُ ذَلِكَ وَهُوَ مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَنِكَاحُ الثِّنْتَيْنِ يَصِحُّ فِي حَالٍ وَلَا يَصِحُّ فِي حَالَيْنِ، وَفِي حَالَةِ الصِّحَّةِ لَهُمَا مَهْرَانِ فَلَهُمَا ثُلُثُ ذَلِكَ وَهُوَ ثُلُثَا مَهْرٍ، وَمِيرَاثُ النِّسَاءِ بَيْنَهُنَّ لِلْوَاحِدَةِ مِنْ ذَلِكَ سَبْعَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ بِيَقِينٍ، فَإِنْ صَحَّ مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَلَهَا ثُلُثُ الْمِيرَاثِ ثَمَانِيَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنْ صَحَّ مَعَ الثَّلَاثِ فَلَهَا رُبْعُ الْمِيرَاثِ سِتَّةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَقَدْرُ سِتَّةٍ يَقِينٌ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، فَلِهَذَا كَانَ لَهَا سَبْعَةٌ، وَلَا يُقَالُ سِتَّةٌ لَهَا فِي حَالَيْنِ بِأَنْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا مَعَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ أَوْ مَعَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْحَالَتَانِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهُمَا حَالَتَا حِرْمَانِ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حَقِّهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صِحَّةُ نِكَاحِهَا مَعَ هَذَا الْفَرِيقِ أَوْ مَعَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ، وَاعْتِبَارُ الْأَحْوَالِ لَا يَتَفَاوَتُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّهَا تَفَاوُتٌ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ فَهُمَا حَالَةٌ وَاحِدَةٌ.
(قَالَ:) وَلَهُمْ وَاحِدٌ مِنْ الْبَاقِي وَهُوَ سَبْعَةَ عَشَرَ بَيْنَ الثَّلَاثِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ لَا يَدَّعِيَانِ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثَيْ الْمِيرَاثِ، وَمَا بَقِيَ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا لِاسْتِوَاءِ حَالِهِنَّ فِي اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْبَاقِي بَعْد نَصِيبِ الْوَاحِدَةِ كُلُّهُ مَقْسُومٌ بَيْنَ الْفِرَقِ أَثْلَاثًا لِاسْتِوَاءِ حَالِهِنَّ فِي اسْتِحْقَاقِ مَا يَفْرُغُ مِنْ حَقِّ الْوَاحِدَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ نَظَائِرِهِ (قَالَ:) وَلَوْ كَانَ طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ مِنْ نِسَائِهِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ لَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ بِطَلَاقِ الثِّنْتَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَهْرُ وَاحِدٍ وَقَدْ كَانَ الثَّابِتُ لَهُنَّ قَبْلَ الطَّلَاقِ ثَلَاثَةَ مُهُورٍ وَنِصْفًا، فَإِذَا سَقَطَ مَهْرٌ كَانَ الْبَاقِي مَهْرَيْنِ وَنِصْفًا، فَأَمَّا الْوَاحِدَةُ فَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ لَهَا رُبْعُ ثَلَاثَةِ مُهُورٍ بِأَنْ كَانَ صَحَّ نِكَاحُهَا مَعَ الثَّلَاثِ وَوَجَبَ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ ثُمَّ سَقَطَ مَهْرٌ بِالطَّلَاقِ بَقِيَ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ لَهَا رُبْعُ ذَلِكَ، وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ لَهَا ثُلُثُ مَهْرَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ نِكَاحُهَا صَحَّ مَعَ الثِّنْتَيْنِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ ثَلَاثَةَ مُهُورٍ سَقَطَ مَهْرٌ بِالطَّلَاقِ وَبَقِيَ مَهْرَانِ فَلَهَا ثُلُثُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ ثُلُثَا مَهْرٍ، فَقَدْرُ ثُلُثَيْ مَهْرٍ لَهَا بِيَقِينٍ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَهْرٍ، وَذَلِكَ نِصْفُ سُدُسِ مَهْرٍ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ لَهَا ثُلُثَا مَهْرٍ وَرُبْعُ سُدُسِ مَهْرٍ، وَمَا بَقِيَ يَكُونُ بَيْنَ الْفِرَقِ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا لِاسْتِوَاءِ حَالِهِنَّ فِي دَعْوَى ذَلِكَ وَالْمِيرَاثُ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، قَالَ الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْجَوَابُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ فِي حُكْمِ الْمَهْرِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجَوَابَ الصَّوَابَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَكِنَّ بَيَانَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنْ نَقُولَ: لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ لَهُنَّ مَهْرَيْنِ وَنِصْفًا، فَأَمَّا نِصْفُ مَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخُذُهُ الْوَاحِدَةُ؛ لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ لَا يَدَّعِيَانِ ذَلِكَ أَصْلًا، وَالثَّلَاثُ إنَّمَا يَدَّعِينَ ذَلِكَ بِالْوَاحِدَةِ، فَأَمَّا بِدُونِ الْوَاحِدَةِ فَلَا يَدَّعِينَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْوَاحِدَةُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِمَّنْ يَدَّعِي الِاسْتِحْقَاقَ بِهَا، فَلِهَذَا تَأْخُذُ الْوَاحِدَةُ نِصْفَ مَهْرٍ بَقِيَ مَهْرَانِ.
فَأَمَّا نِصْفُ مَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ فَالثَّلَاثُ يَدَّعِينَ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِنَّ وَالْمَثْنَى يَدَّعِيَانِ ذَلِكَ بِالْوَاحِدَةِ، وَالْوَاحِدَةُ مَضْمُومَةٌ إلَيْهِنَّ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَكَانَ سُدُسُ هَذَا النِّصْفِ لِلْمَثْنَى وَلِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الثَّلَاثِ سُدُسَانِ وَنِصْفُ سُدُسٍ، بَقِيَ مَهْرٌ وَنِصْفٌ اسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ فِيهِ فَكَانَ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا، فَقَدْ أَصَابَ الثِّنْتَيْنِ مَرَّةً نِصْفُ مَهْرٍ وَمَرَّةً سُدُسُ النِّصْفِ فَذَلِكَ سَبْعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَأَصَابَ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْ الثَّلَاثِ مَرَّةً نِصْفُ مَهْرٍ وَمَرَّةً سَهْمَانِ وَنِصْفُ سُدُسٍ مِنْ سِتَّةٍ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ، ثُمَّ الْوَاحِدَةُ إنْ كَانَ يَصِحُّ نِكَاحُهَا مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَلَهَا ثُلُثَا مَهْرٍ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهَا نِصْفُ مَهْرٍ بَقِيَ إلَى تَمَامِ حَقِّهَا سُدُسُ مَهْرٍ، وَنِكَاحُهَا مَعَ الثِّنْتَيْنِ صَحِيحٌ فِي حَالٍ دُونَ حَالَيْنِ فَتَأْخُذُ مِنْهُمَا ثُلُثَ سُدُسِ مَهْرٍ ثُمَّ تَجِيءُ إلَى كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الثَّلَاثِ، فَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهَا مَعَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَهْرٍ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهَا نِصْفُ مَهْرٍ بَقِيَ إلَى تَمَامِ حَقِّهَا سُدُسٌ وَنِصْفُ سُدُسٍ فَتَأْخُذُ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ ثُلُثَ ذَلِكَ، فَيَجْتَمِعُ لَهَا ثُلُثَا مَهْرٍ وَثُلُثُ سُدُسِ مَهْرٍ وَمَا بَقِيَ فِي يَدِ كُلِّ فَرِيقٍ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ.
(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَابْنَتَيْهَا فِي عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ ثُمَّ مَاتَ، وَلَا يَعْلَمْ أَيَّتَهنَّ أَوَّلُ فَلَهُنَّ مَهْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ نِكَاحُ الْوَاحِدَةِ وَهِيَ السَّابِقَةُ مِنْهُنَّ أَيَّتَهنَّ كَانَتْ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نِصْفُ هَذَا الْمَهْرِ لِلْأُمِّ وَنِصْفُهُ لِلْبِنْتَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ نِصْفُهُ لِلْأُمِّ وَنِصْفُهُ لِلْبِنْتَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا فَطَرِيقُهُمَا وَاضِحٌ، فَإِنَّ حُجَّةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلُ حُجَّةِ صَاحِبَتَيْهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ نِكَاحُهَا اسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلَا شَيْءَ لَهَا.
وَالْمُسَاوَاةُ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُنَّ لَوْ كُنَّ امْرَأَةً وَأُمَّهَا وَابْنَتَهَا، أَوْ امْرَأَةً وَأُمَّهَا وَأُخْتَ أُمِّهَا، كَانَ الْمِيرَاثُ وَالْمَهْرُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا، فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَحَدِهِمَا فَقَالَ مِنْ قَبْلُ: إنَّهُ لَا يَثْبُتُ نِكَاحُ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ بِيَقِينٍ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِبُطْلَانِ نِكَاحِ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ وَأَنَّ الْأُمَّ لَا يُزَاحِمُهَا إلَّا إحْدَى الْبِنْتَيْنِ، فَلِهَذَا كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَنِصْفُ الْمِيرَاثِ وَقَدْ اسْتَوَى فِي النِّصْفِ الْآخَرِ حَالُ الْبِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِتَعْيِينِ جِهَةِ الْبُطْلَانِ فِي نِكَاحِهَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، فَلِهَذَا كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَطَرِيقٌ آخَرُ أَنَّ سَبَبَ بُطْلَانِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْأُمِّ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُصَاهَرَةُ؛ لِأَنَّهُ سَوَاءٌ تَزَوَّجَ الْكُبْرَى مِنْ الْبِنْتَيْنِ أَوَّلًا أَوْ الصُّغْرَى فَقَدْ حَرُمَتْ الْأُمُّ بِالْمُصَاهَرَةِ، فَأَمَّا السَّبَبُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ فَسَادَ نِكَاحِهَا مَرَّةً فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَمَرَّةً بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ، وَأَحَدُهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَالتَّوَزُّعُ عَلَى أَسْبَابِ الْحُرْمَةِ، فَإِذَا كَانَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ فِي حَقِّ الْأُمِّ وَاحِدًا، وَفِي حَقِّ الْبِنْتَيْنِ مُتَعَدِّدًا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُسَاوَاةٌ فِي الْحِرْمَانِ بَلْ حَالُهَا أَحْسَنُ فَكَانَ لَهَا ضِعْفُ مَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَأَمَّا مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ فَقَدْ قِيلَ: الْكُلُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ يَسْتَشْهِدُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُخْتَلِفِ.
وَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَقِينَ فِي بُطْلَانِ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ بَلْ حَالُ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ وَالنَّافِلَةِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ السَّبَبُ الْمُتَعَدِّدُ فِي حُرْمَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الِاسْمِ، كَالْأُمِّ وَالْجَدَّةِ وَالْأُمِّ وَالْخَالَةِ، أَوْ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ، فَلَمَّا اسْتَوَى حَالُهُنَّ كَانَ الْوَاجِبُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا بِالسَّوِيَّةِ، وَإِنْ مُتْنَ جَمِيعًا وَالزَّوْجُ حَيٌّ فَالْقَوْلُ فِي الْأُولَى مِنْهُنَّ، قَوْلُهُ كَمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِنَّ الْقَوْلُ فِي بَيَانِ الْأُولَى قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّهُ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِنَّ الْقَوْلُ فِي بَيَانِ الْأُولَى قَوْلُهُ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَهُنَّ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ فَلَهُ ثُلُثُ مِيرَاثِ زَوْجٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَعَلَيْهِ ثُلُثُ مَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِنْ الْمَهْرِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَحِيحٌ فِي حَالٍ دُونَ حَالَيْنِ فَلَهَا ثُلُثُ مَا سَمَّى لَهَا، وَبِاعْتِبَارِ صِحَّةِ نِكَاحِهَا لَهُ مِيرَاثُ زَوْجٍ مِنْهَا وَالصِّحَّةُ فِي حَالٍ دُونَ حَالَيْنِ فَلَهُ ثُلُثُ مِيرَاثِ زَوْجٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ.
(قَالَ:) فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَ الْبِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِبُطْلَانِ نِكَاحِهِمَا بِسَبَبِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَعِنْدَ التَّيَقُّنِ بِبُطْلَانِ نِكَاحِهِمَا نَتَيَقَّنُ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْأُمِّ، فَهِيَ امْرَأَتُهُ تَقَدَّمَ نِكَاحُهَا أَوْ تَأَخَّرَ.
(قَالَ:) وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهِنَّ جَمِيعًا ثُمَّ مَاتَ، وَلَا يُدْرَى أَيَّتُهُنَّ دَخَلَ بِهَا أَوَّلًا فَنَقُولُ: إمَّا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ الْأَقَلُّ مِمَّا سَمَّى لَهَا وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ بِهِمَا بِحُكْمِ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَلَا مِيرَاثَ لَهُمَا لِفَسَادِ نِكَاحِهِمَا، وَكَذَلِكَ لَا مِيرَاثَ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا قَدْ بَطَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِالدُّخُولِ بِالْبِنْتَيْنِ سَابِقًا أَوْ مُتَأَخِّرًا، فَإِنَّ الدُّخُولَ بِالْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَفِي الْقِيَاسِ لِلْأُمِّ مَهْرٌ وَرُبْعُ مَهْرٍ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ نِكَاحَ الْأُمِّ صَحِيحٌ بِيَقِينٍ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِإِحْدَى الْبِنْتَيْنِ قَبْلَ الْأُمِّ فَقَدْ حَرُمَتْ الْأُمُّ بِذَلِكَ وَوَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ، ثُمَّ دَخَلَ بِالْأُمِّ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجِبُ لَهَا بِالدُّخُولِ مَهْرٌ فَكَانَ لَهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُمِّ أَوَّلًا فَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُسَمَّى ثُمَّ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ بِالْبِنْتِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ لَهَا فِي وَجْهٍ مَهْرٌ وَنِصْفٌ، وَفِي وَجْهٍ مَهْرٌ فَلَهَا مَهْرٌ بِيَقِينٍ وَالنِّصْفُ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ، وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ فَقَالَ لَهَا: مَهْرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ دَخَلَ بِالْأُمِّ أَوَّلًا، فَإِنَّ فِعْلَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحِلِّ مَا أَمْكَنَ، وَأَوَّلُ فِعْلِهِ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوَطْءِ الْحَلَالِ ثُمَّ لَا إمْكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلِهَذَا جَعَلْنَا كَأَنَّهُ وَطِئَ الْأُمَّ أَوَّلًا حَتَّى يُعْلَمَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمَهْرَ وَالنِّصْفَ وُجُوبُهُمَا بِاعْتِبَارِ سَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْعَقْدُ الصَّحِيحُ، وَالْآخَرُ الْوَاطِئُ بِالشُّبْهَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ السَّبَبَانِ إنَّمَا الظَّاهِرُ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ، فَأَمَّا الْوَطْءُ تَصَرُّفٌ فِي الْمِلْكِ بَعْدَهُ وَبِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ، فَلِهَذَا كَانَ لَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ لِدُخُولِهِ بِهِنَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ وَدَخَلَ بِالْبِنْتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَلِلْأُمِّ نِصْفُ الْمُسَمَّى لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بَعْدَ صِحَّةِ نِكَاحِهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلِلْمَدْخُولِ بِهَا مِنْ الْبِنْتَيْنِ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ.
(قَالَ:) وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ حَتَّى قَالَ: إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ، فَهَذَا الْكَلَامُ لَغْوٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ مِنْهُنَّ امْرَأَتُهُ وَالْأُخْرَيَانِ أَجْنَبِيَّتَانِ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّتَيْنِ وَقَالَ: إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ.
(قَالَ:) وَإِنْ قَالَ: إحْدَى نِسَائِهِ طَالِقٌ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى امْرَأَتِهِ، فَإِنَّ فِي نِكَاحِهِ امْرَأَةً وَاحِدَةً، وَمَنْ كَانَ فِي نِكَاحِهِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا قَالَ: إحْدَى نِسَائِي طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ عَلَى امْرَأَتِهِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هُنَاكَ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى إحْدَى الْمُعَيَّنَاتِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، وَفِيهِنَّ مَنْ لَيْسَتْ بِمَنْكُوحَةٍ لَهُ، فَلَا تَتَعَيَّنُ امْرَأَتُهُ لِذَلِكَ الطَّلَاقِ، وَإِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ ثُمَّ الْخِلَافُ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ هُنَا كَالْخِلَافِ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَا مِيرَاثَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
(قَالَ:) وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَ الْبِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ قَالَ: إحْدَى نِسَائِي طَالِقٌ طَلُقَتْ الْأُمُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ نِكَاحُ الْأُمِّ وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ مُوقِعُ الطَّلَاقِ عَلَى مَنْ صَحَّ النِّكَاحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَلِهَذَا طَلُقَتْ الْأُمُّ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَا مِيرَاثَ لَهَا، وَإِنْ قَالَ: إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى الْأُمِّ إلَّا أَنْ يَنُوبَهَا؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّتَيْنِ وَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى إحْدَاهُنَّ، فَلَا يَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ امْرَأَتُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا بِقَلْبِهِ، وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَنِكَاحُهُنَّ فَاسِدٌ بِعِلَّةِ الْجَمْعِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِنَّ أَمَةٌ جَازَ نِكَاحُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّتَيْنِ مِنْهُنَّ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، فَإِنَّ الْحُرَّتَيْنِ إنْ كَانَتَا ابْنَتَيْنِ بَطَلَ نِكَاحُهُمَا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتَا أُمًّا وَبِنْتًا بَطَلَ نِكَاحُهُمَا لِلْجَمْعِ أَيْضًا، وَمَتَى كَانَ نِكَاحُ الْحُرَّتَيْنِ بَاطِلًا بِيَقِينٍ لَا يَبْطُلُ بِهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ نِكَاحِ الْأَمَةِ بِضَمِّهَا إلَى الْحُرَّةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ صِحَّةِ نِكَاحِ الْحُرَّةِ لَا عِنْدَ بُطْلَانِ نِكَاحِهَا.
(قَالَ:) وَإِنْ كَانَ فِيهِنَّ أَمَتَانِ جَازَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَتَيْنِ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، فَإِنَّهُمَا إمَّا أُخْتَانِ أَوْ أُمٌّ وَبِنْتٌ، وَإِذَا بَطَلَ نِكَاحُهُمَا كَانَ ضَمُّهُمَا إلَى الْحُرَّةِ لَغْوًا فَجَازَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ اثْنَتَانِ مِنْهُمَا ذَوَاتَيْ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ، وَلَمَّا بَطَلَ نِكَاحُهُمَا صَحَّ نِكَاحُ الْفَارِغَةِ مِنْهُنَّ.
(قَالَ:) وَإِنْ تَزَوَّجَ خَمْسَ حَرَائِرَ وَأَرْبَعَ إمَاءٍ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْحَرَائِرِ لَوْ انْفَرَدَ كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ انْفَرَدَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ كَانَ صَحِيحًا، فَعِنْدَ الْجَمْعِ يَصِحُّ نِكَاحُ مَنْ يَصِحُّ نِكَاحُهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ إمَاءٍ وَأَرْبَعَ حَرَائِرَ فِي عُقْدَةٍ جَازَ نِكَاحُ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْحَرَائِرِ وَلَوْ انْفَرَدَ هُنَا كَانَ صَحِيحًا فَيَنْدَفِعُ بِنِكَاحِهِنَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً وَأَمَةً فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْأَصْلُ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ أَنَّهُ مَتَى جَمَعَ فِي الْعَقْدِ بَيْنَ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ يَجُوزُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ ضَمُّهَا إلَى الْحُرَّةِ فِي النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ يَصِحُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ انْضِمَامُهَا إلَى الْحُرَّةِ فِي النِّكَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّةَ لَوْ كَانَتْ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَجَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَمَةٍ فِي النِّكَاحِ جَازَ نِكَاحُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ ضَمُّهَا إلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ حِينَ لَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِ نِكَاحِ الْحُرَّةِ.
(قَالَ:) وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً وَأَمَةً فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِحْدَاهُمَا بِنْتُ الْأُخْرَى جَازَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ لَوْ انْفَرَدَ نِكَاحُهَا هُنَا يَصِحُّ فَيَتَحَقَّقُ ضَمُّ الْأَمَةِ إلَى الْحُرَّةِ، فَلِهَذَا جَازَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ دُونَ الْأَمَةِ.
(قَالَ:) وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَتَزَوَّجَ خَامِسَةً وَدَخَلَ بِهَا فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِبُطْلَانِ نِكَاحِهَا وَعَلَيْهِ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَمْ يَقْرَبْ الْأَرْبَعَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْخَامِسَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَرِبَهُنَّ كَانَ جَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ خَمْسِ نِسْوَةٍ بِالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّ عِدَّةَ تِلْكَ الْوَاحِدَةِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ نِكَاحِ الْأَرْبَعِ إذَا اقْتَرَنَ بِنِكَاحِهِنَّ فَيَمْنَعُ الْوَطْءَ إذَا طَرَأَ عَلَى نِكَاحِهِنَّ، كَعِدَّةِ الْأُخْتِ لَمَّا مَنَعَتْ نِكَاحَ الْأُخْتِ إذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ مَنَعَتْ الْوَطْءَ إذَا طَرَأَتْ عَلَيْهِ، حَتَّى إذَا وَطِئَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ بِشُبْهَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ أُخْتِهَا.
(قَالَ:) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ أُخْتَ أُمِّ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ فِرَاشَ أُمِّ الْوَلَدِ ضَعِيفٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُجَوِّزٌ لِلنَّسَبِ غَيْرُ مُلْزِمٍ، حَتَّى لَوْ نَفَى الْمَوْلَى وَلَدَهُ انْتَفَى بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ، وَالنِّكَاحُ قَوِيٌّ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ، وَالضَّعِيفُ لَا يَكُونُ دَافِعًا لِلْقَوِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا، فَكَمَا أَنَّ فِرَاشَهَا لِضَعْفِهِ لَا يَمْنَعُ تَزْوِيجَهَا، فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْمَوْلَى نِكَاحَ أُخْتِهَا اعْتِبَارًا لِلْمَنْعِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِالْمَنْعِ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ مُدَبَّرَتِهِ أَوْ أُخْتَ أَمَةٍ لَهُ قَدْ كَانَ يَطَؤُهَا، وَهَذَا أَظْهَرُ فَإِنَّهُ لَا فِرَاشَ لَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَطَأَ الَّتِي تَزَوَّجَ حَتَّى يَمْلِكَ فَرْجَ الْأَمَةِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا صَارَ جَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الِاسْتِفْرَاشِ الْحَقِيقِيِّ حَرَامٌ وَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ اسْتِفْرَاشُ الْأُولَى، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْتَفْرِشَ الثَّانِيَةَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ حُكْمُ ذَلِكَ الِاسْتِفْرَاشِ، وَانْقِطَاعُهُ بِالتَّزْوِيجِ أَوْ الْبَيْعِ فِي مَحَلِّ الْبَيْعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ أَمَتَهُ، وَلَا مُدَبَّرَتَهُ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأَمَةَ وَالْمُدَبَّرَةَ بَعْدَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ بِالْعَقْدِ صَارَتْ فِرَاشًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَفْرِشَ الْأَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَطَأَ الْمَنْكُوحَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا فِرَاشَ لَهُ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا.
(قَالَ:) وَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ وَطِئَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ مَاتَ زَوْجُ أُمِّ الْوَلَدِ أَوْ فَارَقَهَا فَلَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ مَادَامَ أُمُّ وَلَدِهِ تَعْتَدُّ مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ فِي حَالِ عِدَّتِهَا كَمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فِي حَالِ نِكَاحِهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَمْلِكَ فَرْجَ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ ارْتَفَعَ بِآثَارِهِ فَعَادَ الْحُكْمُ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ إذَا كَانَ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُخْتَ فَحُكْمُهُمَا وَحُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ سَوَاءٌ.
(قَالَ:) فَإِنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَيَسْتَوِي إنْ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا إلَّا عَلَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا تَلْبِسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَهَذَا دَلِيلُنَا فَإِنَّهُ أَلْزَمَهَا عِدَّةَ الْحَرَائِرِ إلَّا أَنَّا نُوجِبُ الْحَيْضَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الدُّخُولِ وَتَوَهُّمِ اشْتِغَالِ الرَّحِمِ فَيُقَدَّرُ بِالْحَيْضِ فِي الْحَيَاةِ وَالْوَفَاةِ كَالْعِدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَوَطْءِ شُبْهَةٍ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: عِدَّتُهَا أَثَرُ مِلْكِ الْيَمِينِ فَتُقَدَّرُ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ كَالِاسْتِبْرَاءِ، وَدَلِيلُ صِحَّةِ اعْتِبَارِهِ بِالِاسْتِبْرَاءِ أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِالْحَيَاةِ وَالْوَفَاةِ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَبَيُّنُ فَرَاغِ الرَّحِمِ لَا غَيْرُ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْقُرْءِ الْوَاحِدِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: هَذِهِ عِدَّةٌ وَجَبَتْ عَلَى حُرَّةٍ، فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ كَعِدَّةِ النِّكَاحِ بَلْ أَوْلَى، فَإِنْ عِدَّةَ النِّكَاحِ قَدْ تَجِبُ عَلَى الْأَمَةِ، وَهَذِهِ الْعِدَّةُ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْحُرَّةِ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْحُرَّةَ كَامِلَةُ الْحَالِ فَالْوَظِيفَةُ الَّتِي لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْحُرَّةِ تَجِبُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لَا مَا كَانَ قَبْلَهُ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا وَلَكِنْ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ».
وَهَذَا خِطَابٌ لِلْمَوْلَى دُونَ الْأَمَةِ، فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لَا تَضْرِبْ فُلَانًا خِطَابٌ لِلضَّارِبِ دُونَ الْمَضْرُوبِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ حُدُوثُ مِلْكِ الْحِلِّ بِسَبَبِ مِلْكِ الْيَمِينِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ يَجِبُ وَهُنَا سَبَبُ وُجُوبِ الْمُدَّةِ زَوَالُ الْفِرَاشِ، وَالْعِدَّةُ الَّتِي تَجِبُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ تَزَوَّجَ الْمَوْلَى أُخْتَهَا فِي عِدَّتِهَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَجَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ أُخْتِهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا فِي عِدَّتِهَا جَازَ عِنْدَنَا وَلَهُ أَنْ يَقْرَبَهُنَّ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إنَّهَا مُعْتَدَّةٌ، فَلَا يَتَزَوَّجُ أُخْتَهَا، وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا كَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ أَصْلَ فِرَاشِهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ مَا كَانَ مُوجِبًا لِلْحِلِّ لَهُ، وَأَصْلُ الْفِرَاشِ هُنَا مُوجِبُ الْحِلِّ، ثُمَّ الْعِدَّةُ الَّتِي هِيَ أَثَرُ الْفِرَاشِ هُنَاكَ تَمْنَعُ نِكَاحَ الْأُخْتِ وَالْأَرْبَعَ فَهُنَا أَوْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- قَالَا: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ أَثَرُ فِرَاشِهَا وَأَثَرُ الشَّيْءِ لَا يَرْبُو عَلَى أَثَرِ أَصْلِهِ فِي الْمَنْعِ، فَإِذَا كَانَ أَصْلُ فِرَاشِهَا لَا يَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ نِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا فَكَذَلِكَ أَثَرُ فِرَاشِهَا، وَأَصْلُ الْفِرَاشِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأُخْتِ وَالْأَرْبَعِ، فَكَذَلِكَ أَثَرُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ الْمَنْعِ مَا كَانَ ثَابِتًا لَا أَنْ يَثْبُتَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا، وَهَذَا بِخِلَافِ تَزْوِيجِهَا مِنْ الْغَيْرِ، فَإِنَّ أَصْلَ فِرَاشِهَا مَانِعٌ مِنْ التَّزْوِيجِ مِنْ الْغَيْرِ إذَا بَقِيَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ أَثَرُ فِرَاشِهَا يَمْنَعُ، إلَّا إنَّهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَهُ أَنْ يَقْطَعَ فِرَاشَهَا بِالتَّزْوِيجِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ عِدَّتَهَا لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ بِسَبَبِ بَقَاءِ الْعِدَّةِ يَبْقَى الْفِرَاشُ، حَتَّى إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ، فَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا صَارَ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الْفِرَاشِ وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَإِذَا تَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا صَارَ جَامِعًا بَيْنَ خَمْسِ نِسْوَةٍ فِي الْفِرَاشِ وَلَكِنْ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفِينَ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ لَهُ أَنْ يَسْتَوْلِدَ مِنْ الْجَوَارِي مَا شَاءَ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ فِرَاشَهَا بِالْعِتْقِ يَتَقَوَّى حَتَّى يَثْبُتَ النَّسَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعِتْقِ يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا فَكُلُّ مَنْعٍ كَانَ ثَابِتًا فِي أَصْلِ فِرَاشِهَا يَتَقَوَّى ذَلِكَ بِعِتْقِهَا وَالْمَنْعُ مِنْ اسْتِفْرَاشِ الْأُخْتِ كَانَ ثَابِتًا فِي أَصْلِ فِرَاشِهَا حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا يَمْلِكُ النِّكَاحَ فَيَتَقَوَّى ذَلِكَ الْمَنْعُ بِالْعِتْقِ فَيَمْنَعُ عَقْدَ النِّكَاحِ أَصْلًا، وَلَمْ يَكُنْ هُوَ فِي أَصْلِ فِرَاشِهَا مَمْنُوعًا مِنْ اسْتِفْرَاشِ الْأَرْبَعِ بِالنِّكَاحِ، فَلَوْ صَارَ مَمْنُوعًا بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَ هَذَا إثْبَاتَ مَنْعِ مُبْتَدَأٍ لَا إظْهَارَ قُوَّةٍ فِيمَا كَانَ ثَابِتًا، تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هُوَ بِاعْتِبَارِ عِدَّتِهَا مَمْنُوعًا مِنْ وَطْءِ الْأَرْبَعِ بِالنِّكَاحِ بِأَنْ يَعْتِقَهَا وَتَحْتَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأهُنَّ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ الْمُعْتَدَّةِ بِالنِّكَاحِ.
(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فِي عُقْدَةٍ وَثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنْ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِأَنْ صَحَّ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ وَقَدْ سَقَطَ بِطَلَاقِ إحْدَاهُنَّ نِصْفُ مَهْرٍ، وَأَقَلُّ مَالِهِنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِأَنْ صَحَّ نِكَاحُ الثَّلَاثِ وَقَدْ سَقَطَ نِصْفُ مَهْرٍ بِطَلَاقِ إحْدَاهُنَّ، فَقَدْرُ مَهْرَيْنِ وَنِصْفٌ يَقِينًا، وَمَهْرُ آخَرَ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ، فَكَانَ لَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ نِصْفُ مَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ لِلْأَرْبَعِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ لَا يَدَّعِينَ ذَلِكَ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمَهْرَيْنِ وَالنِّصْفِ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِكُلِّ فَرِيقٍ مَهْرٌ وَرُبْعٌ، وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَانِ لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا فِي اسْتِحْقَاقِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُنَّ، فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَلَهُنَّ نِصْفُ ذَلِكَ وَهُوَ مَهْرٌ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، وَالثَّلَاثُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَلَهُنَّ نِصْفُ ذَلِكَ وَهُوَ مَهْرٌ وَرُبْعُ مَهْرٍ (قَالَ:) وَلَوْ تَزَوَّجَ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ فِي عُقْدَةٍ فَدَخَلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَلَمْ يَدْخُلْ بِالثِّنْتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ وَاحِدَةً وَالْأُخْرَى ثَلَاثًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنْ فَلِلْمَدْخُولِ بِهَا مَهْرٌ تَامٌّ لِتَأَكُّدِ مَهْرِهَا بِالدُّخُولِ، وَلِلَّتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا مَهْرٌ وَرُبْعُ مَهْرٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَكُونُ لَهُمَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ، بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الطَّلَاقَيْنِ وَاقِعًا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا وَالْآخِرُ عَلَى إحْدَاهُمَا، وَأَقَلُّ مَالِهِمَا مَهْرٌ وَاحِدٌ بِأَنْ يَكُونَ الطَّلَاقَانِ وَقَعَا عَلَيْهِمَا فَمَهْرٌ وَاحِدٌ لَهَا بِيَقِينٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ لَهُمَا مَهْرٌ وَرُبْعُ مَهْرٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلَّتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا مَهْرٌ وَثُلُثُ مَهْرٍ هَكَذَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَفِي الزِّيَادَاتِ يَقُولُ: لَهُمَا مَهْرٌ وَرُبْعُ مَهْرٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَلَكِنْ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ إحْدَاهُمَا مُطَلَّقَةٌ بِيَقِينٍ فَيَعْزِلُهَا بِنِصْفِ مَهْرٍ، وَالْأُخْرَى إنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فَلَهَا نِصْفُ مَهْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فَلَهَا كَامِلٌ فَنِصْفُ مَهْرٍ لَهَا بِيَقِينٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَكَانَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَهْرٍ، فَإِذَا ضَمَمْتَ ذَلِكَ إلَى نِصْفِ مَهْرٍ يَكُونُ مَهْرًا وَرُبْعَ مَهْرٍ بَيْنَهُمَا، وَوَجْهُ رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مَهْرَيْنِ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثُلُثَا مَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ بِالطَّلَاقَيْنِ مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَبِأَنْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُنَّ حَتَّى لَمْ يُنْتَقَصْ مِنْ مَهْرِهَا شَيْءٌ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأُخْرَيَيْنِ بَلْ يُجْعَلْ فِي حَقِّهِمَا كَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ فَيَكُونُ لَهُمَا مَهْرٌ وَثُلُثُ مَهْرٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثُلُثَا مَهْرٍ، وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لِلْمَدْخُولِ بِهَا خَمْسَةُ أَسْهُمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ مِيرَاثِ النِّسَاءِ وَلِلْأُخْرَيَيْنِ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّهُ يُلْغِي التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ، فَإِنَّ حَالَهُنَّ فِيهَا عَلَى السَّوَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ عَلَى أَيَّتِهِنَّ وَقَعَتْ حُرْمَتُهَا بَقِيَتْ التَّطْلِيقَةُ الْوَاحِدَةُ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَهَا ثُلُثُ مِيرَاثِ النِّسَاءِ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا.
وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى إحْدَى اللَّتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا فَلَهَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ سِتَّةٌ، فَمِقْدَارُ أَرْبَعَةٍ لَهَا بِيَقِينٍ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ سَهْمَانِ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ لَهَا خَمْسَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَالْبَاقِي لِلَّتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا، وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَى اللَّتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا فَلَهُمَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَهُمَا ثُلُثَا الْمِيرَاثِ، فَمِقْدَارُ سِتَّةٍ لَهُمَا بِيَقِينٍ وَسَهْمَانِ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَكَانَ لَهُمَا سَبْعَةٌ، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمِيرَاثِ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ: عِنْدَهُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا خَمْسَةُ أَثْمَانِ مِيرَاثِ النِّسَاءِ، وَلِلَّتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ مِيرَاثِ النِّسَاءِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إحْدَى اللَّتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا مُطَلَّقَةٌ مَحْرُومَةٌ عَنْ الْمِيرَاثِ يَقِينًا فَعَزْلُهَا لِلْحِرْمَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْزُولَةً بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ عَلَيْهَا بَقِيَ الثَّلَاثُ عَلَى أَيَّتِهِمَا وَقَعَتْ حُرْمَتُهَا، فَيَكُونُ الْمِيرَاثُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نِصْفَيْنِ نِصْفُهُ لِلَّتِي دَخَلَ بِهَا وَنِصْفُهُ لِلَّتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمَعْزُولَةُ لِلْحِرْمَانِ مَعْزُولَةً بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا، فَإِنْ وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَالْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَيَثْبُتُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ سِتَّةٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَهَا النِّصْفَ فِي حَالٍ وَالْكُلَّ فِي حَالٍ، وَقَدْ كَانَ لَهَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَرْبَعَةٌ، فَأَرْبَعَةٌ لَهَا بِيَقِينٍ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ سِتَّةٍ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ، فَلِهَذَا كَانَ لَهَا خَمْسَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَمَا بَقِيَ لِلَّتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا أَوْ لِأَنَّ لَهُمَا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ الرُّبْعَ، وَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى النِّصْفَ فَيَتَنَصَّفُ الرُّبْعُ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الْمِيرَاثِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُمَا اللَّهِ تَعَالَى- أَنْ لِلْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إحْدَى اللَّتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا مَحْرُومَةً عَنْ الْمِيرَاثِ فَيَعْزِلُهَا بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ مُوجِبٌ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ، وَلَا يُتَيَقَّنُ بِذَلِكَ فِي الْوَاحِدَةِ فَجَعَلْنَا الْمَعْزُولَةَ لِلْحِرْمَانِ كَأَنَّ الثَّلَاثَ وَقَعَتْ عَلَيْهَا، بَقِيَتْ الْوَاحِدَةُ فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلِلْمَدْخُولِ بِهَا جَمِيعُ الْمِيرَاثِ، فَكَانَ لَهَا بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ وَالْبَاقِي وَهُوَ رُبْعُ الْمِيرَاثِ لِلَّتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا، وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِاثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ اللَّتَيْنِ دَخَلَ بِهِمَا مَهْرٌ كَامِلٌ لِتَأَكُّدِ مَهْرِهِمَا بِالدُّخُولِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَلِلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَلَهَا نِصْفُ مَهْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَلَهَا مَهْرٌ كَامِلٌ، فَنِصْفُ مَهْرٍ لَهَا بِيَقِينٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ لَهَا ثُلُثَا مَهْرٍ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثُلُثَا مَهْرٍ، فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الَّتِي لَمْ يَدْخُلُ بِهَا كَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِغَيْرِهَا لَا يَزِيدُ فِي حَقِّهَا سَبَبًا، فَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا سُدُسُ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَلَهَا ثُلُثُ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ فَلَا شَيْءَ لَهَا فَلَهَا سُدُسُ الْمِيرَاثِ، بِهِ عَلَّلَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ وَهُوَ غَلَطٌ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهَا فِي الْمِيرَاثِ إلَّا وَاحِدَةٌ، فَإِنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ مِنْ الْمَدْخُولَتَيْنِ مَحْرُومَةٌ عَنْ الْمِيرَاثِ، وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ فِي التَّخْرِيجِ أَنَّ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ إنْ وَقَعَ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهَا.
وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَلَهَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ، فَلَهَا حَالَتَا حِرْمَانٍ وَحَالَةُ إصَابَةٍ، فَلِهَذَا جَعَلَ لَهَا ثُلُثَ النِّصْفِ وَهُوَ السُّدُسُ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْمِيرَاثِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْحَاكِمُ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِسَدِيدٍ بَلْ الصَّوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ لَهَا ثُمُنُ الْمِيرَاثِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ إحْدَى الْمَدْخُولَتَيْنِ وَارِثَةٌ فَيَعْزِلُهَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ كَانَتْ مَعْزُولَةً بِأَنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الطَّلَاقَيْنِ وَقَعَ عَلَيْهَا لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَعْزُولَةُ لِلِاسْتِحْقَاقِ مَعْزُولَةً بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ عَلَيْهَا، فَإِنْ وَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَى الْأُخْرَى فَلِلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ وَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَى الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْمِيرَاثِ، فَإِذَا كَانَ لَهَا النِّصْفُ فِي حَالَةٍ وَفِي حَالَةٍ لَا شَيْءَ لَهَا كَانَ لَهَا الرُّبْعُ، ثُمَّ هَذَا الرُّبْعُ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَا شَيْءَ لَهَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى، فَلَهَا نِصْفُ الرُّبْعِ وَهُوَ الثُّمُنُ وَالْبَاقِي لِلَّتَيْنِ دَخَلَ بِهِمَا.
(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ قَالَ: قَدْ دَخَلْتُ بِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ فَلِلثِّنْتَيْنِ مَهْرٌ وَاحِدٌ وَلِلثَّلَاثِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ بِالسَّبْقِ وَقَدْ دَخَلَ بِهِنَّ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَلَهُنَّ مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ، وَالثِّنْتَانِ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا، فَإِنْ دَخَلَ بِهِمَا فَلَهُمَا مَهْرَانِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا فَلَهُمَا مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَانِ لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا فِيهِ، وَفِقْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ جَعَلَ إقْرَارَهُ بِالدُّخُولِ بِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ إقْرَارًا بِالدُّخُولِ بِمَنْ صَحَّ نِكَاحُهُ حَمْلًا لِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَإِنَّ دِينَهُ وَعَقْلَهُ يَدْعُوَانِهِ إلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَيَمْنَعَانِهِ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْوَطْءِ الْحَرَامِ، وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِهَذَا اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَحَّ نِكَاحُهَا، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ وَإِيقَاعُ الثَّلَاثِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ فَكَانَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءً، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ وَطَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ ثَلَاثًا فَلِلثَّلَاثِ مَهْرٌ وَرُبْعُ مَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفُ مَهْرٍ، فَإِنَّهُ قَدْ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَذَلِكَ يُسْقِطُ نِصْفَ مَهْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ، فَلِهَذَا كَانَ لَهُنَّ مَهْرٌ وَرُبْعُ مَهْرٍ وَلِلِاثْنَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَهُمَا مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى إحْدَاهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا فَكَانَ لَهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَهْرٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
(قَالَ:) وَلَوْ تَزَوَّجَ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ فَدَخَلَ بِإِحْدَاهُنَّ وَلَا تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ ثَلَاثًا وَالْأُخْرَى وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنْ فَلَهُنَّ مَهْرَانِ وَرُبْعُ مَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَوْقَعَ أَحَدَ الطَّلَاقَيْنِ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفُ مَهْرٍ، وَإِنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَيْنِ عَلَى اللَّتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا فَلَهُنَّ مَهْرَانِ لِسُقُوطِ مَهْرٍ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقَيْنِ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولَيْنِ، فَقَدْرُ الْمَهْرَيْنِ لَهُنَّ بِيَقِينٍ، وَنِصْفُ مَهْرٍ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ، فَلِهَذَا كَانَ لَهُنَّ مَهْرَانِ وَرُبْعُ مَهْرٍ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الْمَدْخُولَةَ مِنْهُنَّ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَحَالُهُنَّ فِي اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا لِهَذَا الْمَعْنَى، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَسْتَكْمِلُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَ حِيَضٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ أَوْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَيَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَالْعِدَّةُ يُؤْخَذُ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ، فَلِهَذَا كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ جَمِيعًا، فَإِنْ عُرِفَتْ الْمَدْخُولُ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا لِتَأَكُّدِ مَهْرِهَا بِالدُّخُولِ وَلِلَّتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا مَهْرٌ وَرُبْعُ مَهْرٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا مَهْرٌ وَثُلُثُ مَهْرٍ وَقَدْ بَيَّنَّا تَخْرِيجَ الْقَوْلَيْنِ وَبَيَّنَّا حُكْمَ تَخْرِيجِ الْمِيرَاثِ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ عُرِفَتْ الْمَدْخُولُ بِهَا وَقَدْ أَوْقَعَ تَطْلِيقَةً ثَانِيَةً عَلَى إحْدَاهُنَّ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ حَالَهُنَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ سَوَاءٌ، فَإِنَّ الطَّلْقَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى أَيَّتُهُنَّ وَقَعَتْ حَرَّمَتْهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ.
(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ مَاتَ فَنِكَاحُ الثَّلَاثِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِبُطْلَانِ نِكَاحِ الثَّلَاثِ تَقَدَّمَ نِكَاحُهُنَّ أَوْ تَأَخَّرَ، وَنِكَاحُ الِاثْنَتَيْنِ صَحِيحٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الثَّلَاثِ أَمَةً فَنِكَاحُ الْأَمَةِ فَاسِدٌ لِانْضِمَامِ نِكَاحِهَا إلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ، وَلَا مَهْرَ لَهَا لِبُطْلَانِ عَقْدِهَا وَلِلْحُرَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَعَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ سَبَقَ نِكَاحُهُمَا فَلَهُمَا مَهْرَانِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ نِكَاحُهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَلِلْأُخْرَيَيْنِ مَهْرٌ وَاحِدٌ أَيْضًا لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَدْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَانِ لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى يَتِمُّ بِالْعِتْقِ، فَإِنَّ الْمَانِعَ حَقُّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ.
(قَالَ:) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الْأَوَّلُ فِيهَا أَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا صَحِيحٌ وَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ، وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ وَأُخْرَى فِي عُقْدَةٍ جَازَ نِكَاحُ الَّتِي أَمَرَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا مُمْتَثِلٌ لِأَمْرِ الزَّوْجِ، وَفِي الْعَقْدِ عَلَى الْأُخْرَى مُبْتَدِئٌ غَيْرُ مُمْتَثِلٍ لِأَمْرٍ سَبَقَ مِنْ الزَّوْجِ فَيَنْفُذُ عَقْدُهُ عَلَى الَّتِي امْتَثَلَ بِهَا أَمْرُ الزَّوْجِ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَيَتَوَقَّفُ فِي الْأُخْرَى عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.