فصل: بَابُ الْغُرُورِ فِي الْمَمْلُوكَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الدَّعْوَى فِي النِّكَاحِ:

(قَالَ:) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَأَقَامَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ وَأَقَامَتْ أُخْتُهَا عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَأَنَّهُ أَتَاهَا بِزَوْجٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّجُلِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ صَدَّقَتْهُ أَوْ لَمْ تُصَدِّقْهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ عَلَى الْمَرْأَةِ لِلزَّوْجِ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَدَلُ عَلَيْهِ لَهَا فَالزَّوْجُ يَثْبُتُ بِبَيِّنَتِهِ مَا هُوَ حَقُّهُ، وَالْأُخْتُ الْأُخْرَى تَثْبُتُ بِبَيِّنَتِهَا حَقٌّ لِزَوْجٍ وَهُوَ مِلْكُ النِّكَاحِ لَهُ عَلَيْهَا، وَبَيِّنَةُ الْمَرْءِ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، وَلِأَنَّ عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ لَا وَجْهَ لِلْعَمَلِ بِبَيِّنَةِ الْأُخْتِ فِي إثْبَاتِ نِكَاحِهَا، فَلَوْ قَبِلْنَاهَا إنَّمَا نَقْبَلُهَا فِي نَفْيِ النِّكَاحِ عَلَى امْرَأَةٍ أَثْبَتَ الزَّوْجُ نِكَاحَهَا، وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ نِكَاحَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِحُرْمَةِ الْأُخْرَى عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَإِقْرَارُهُ مُوجِبٌ لَلْفُرْقَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْقَضَاءِ بِنِكَاحِ الْأُخْرَى فَبَقِيَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ قَائِمَةً عَلَى النَّفْيِ، وَلَا مَهْرَ لِلْأُخْرَى إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ نِكَاحِهَا لَمْ يَثْبُتْ.
وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا، وَلَا تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا غَيْرَ أَنَّ الزَّوْجِ قَالَ هِيَ هَذِهِ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ، فَهِيَ امْرَأَتُهُ لِتَصَادُقِهِمَا، فَإِنَّ تَصَادُقَهُمَا فِي حَقِّهِمَا أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ جَحَدَتْ ذَلِكَ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، وَالشَّهَادَةُ بِالْمَجْهُولِ لَا تَكُونُ حُجَّةً وَلِأَنَّهُ إمَّا أَنْ تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ بَاطِلًا أَوْ تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ نَسِيَهَا الشُّهُودُ فَقَدْ ضَيَّعُوا شَهَادَتَهُمْ، فَإِذَا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ بَقِيَ دَعْوَى الزَّوْجِ، وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِدَعْوَتِهِ، وَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَى الَّتِي يَدَّعِي النِّكَاحَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الِاسْتِحْلَافَ فِي النِّكَاحِ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ تَزَوَّجَهَا، وَلَا يَعْرِفُونَ أَيَّهمَا هُوَ وَالرَّجُلَانِ يُنْكِرَانِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا مَهْرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا دَعْوَى النِّكَاحِ.
وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَنَّ لَهَا عَلَيْهِ نِصْفَ الْمَهْرِ اسْتَحْلَفَتْهُ عَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا الْآنَ دَعْوَى الْمَالِ وَالِاسْتِحْلَافُ مَشْرُوعُ فِي دَعْوَى الْمَالِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ كَانَ فِي الْمَالِ لَا فِي النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا يُقْضَى عِنْدَ النُّكُولِ بِمَا اُسْتُحْلِفَ فِيهِ خَاصَّةً كَمَا فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ إذَا اُسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ يُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ.
(قَالَ:) وَإِنْ ادَّعَتْ أُخْتَانِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهُمَا جَمِيعًا وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا كَانَ ذَلِكَ إلَى الزَّوْجِ فَأَيُّهُمَا قَالَ هِيَ الْأُولَى فَهِيَ الْأُولَى، وَهِيَ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَالْعَمَلُ بِهِمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ لِحُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الثَّابِتَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيَانُ السَّابِقِ مِنْهُمَا إلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ النَّاسِ بِهَا وَلِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمِلْكِ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ تَصْدِيقُهُ إحْدَاهُمَا يُرَجِّحُ بَيِّنَتَهَا، فَإِذَا ظَهَرَ الرُّجْحَانُ فِي بَيِّنَةِ إحْدَاهُمَا قَضَى بِنِكَاحِهَا وَانْدَفَعَتْ بَيِّنَةُ الْأُخْرَى، وَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَإِنْ جَحَدَ الزَّوْجُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَقَالَ: لَمْ أَتَزَوَّجْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُهُمَا جَمِيعًا، وَلَا أَدْرَى أَيَّتَهُمَا الْأُولَى فَهُوَ سَوَاءٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَيِّنَتَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَلَا تَرْجِيحَ لِإِحْدَاهُمَا فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُبَيِّنَ، فَإِذَا تَجَاهَلَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْمَهْرِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا صَحِيحٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ الزَّوْجُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْأُولَى حَكَمْنَا بِصِحَّةِ نِكَاحِهَا، فَإِذَا أَبَى أَنْ يُبَيِّنَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ اكْتِسَابِ سَبَبِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، فَلِهَذَا كَانَ نِصْفُ الْمَهْرِ بَيْنَهُمَا، وَمِنْ أَصْحَابِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- مَنْ قَالَ: جَمَعَ فِي السُّؤَالِ بَيْنَ فَصْلَيْنِ وَأَجَابَ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّ هَذَا الْجَوَابَ عَمَّا إذَا قَالَ: تَزَوَّجْتُهُمَا جَمِيعًا، وَلَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا الْأُولَى، أَمَّا إذَا قَالَ: لَمْ أَتَزَوَّجْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَيِّنَتَيْنِ تَعَذَّرَ لِلتَّعَارُضِ وَهُوَ مُنْكِرٌ، وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا جَوَابُ الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي حُكْمِ الْحِلِّ دُونَ الْمَهْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَوْ قَامَتَا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ عُمِلَ بِهِمَا فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ وَالْمُعَارَضَةُ فِي حُكْمِ الْمَهْرِ وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَكَانَ بَيْنَهُمَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَمَالِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ بِالْمَهْرِ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ، وَجَهَالَةُ الْمَقْضِيِّ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: يُقْضَى بِجَمِيعِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَرْتَفِعْ بِجُحُودِهِ فَيُقْضَى بِمَهْرٍ كَامِلٍ لِلَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا.
(قَالَ:) وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا كَانَ لَهَا الْمَهْرُ وَهِيَ امْرَأَتُهُ لِتَرَجُّحِ جَانِبِهَا بِالدُّخُولِ، فَإِنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا عَلَى الْعَقْدِ تَتَرَجَّحُ إحْدَاهُمَا بِالْقَبْضِ كَمَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ تَلَقِّي الْمِلْكَ فِي عَيْنٍ مِنْ ثَالِثٍ بِالشِّرَاءِ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْحِلِّ مَا أَمْكَنَ، وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ هُنَا بِأَنْ يَجْعَلَ نِكَاحَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا سَابِقًا، فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: هِيَ الْأَخِيرَةُ وَتِلْكَ الْأُولَى فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِإِقْرَارِهِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اكْتِسَابِ سَبَبِ الْفُرْقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، حَتَّى يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى لَهَا، وَلَا يُصْدِقُ عَلَى أَنْ يَنْقُصَهَا عَنْ ذَلِكَ وَكَانَتْ الْأُخْرَى امْرَأَتَهُ أَيْضًا لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى النِّكَاحِ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ أَنَّهَا هِيَ الْأُولَى.
(قَالَ:) وَلَوْ تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي امْرَأَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ كَانَتْ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا وَكَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا، فَهِيَ امْرَأَتُهُ لِمَا أَنَّ التَّرْجِيحَ يَحْصُلُ بِالْيَدِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الْعَقْدِ، وَلِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مِنْ نَقْلِهَا إلَى بَيْتِهِ دَلِيلُ سَبْقِ عَقْدِهِ وَدَلِيلُ التَّارِيخِ كَالتَّصْرِيحِ بِالتَّارِيخِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ فَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الدَّلِيلِ فِي مُقَابَلَةِ التَّصْرِيحِ بِالسَّبْقِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَوَّلٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ شُهُودَهُ شَهِدُوا بِسَبْقِ التَّارِيخِ فِي عَقْدِهِ وَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَأَيُّهُمَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْهُ قَبْلَ الْآخَرِ، فَهِيَ امْرَأَتُهُ، إمَّا لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تَتَرَجَّحُ بِإِقْرَارِهَا لَهُ كَمَا بَيَّنَّا فِي جَانِبَ الزَّوْجِ، أَوْ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا تَعَارَضَتَا وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا بَقِيَ تَصَادُقُ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ مَعَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بِتَصَادُقِهِمَا، وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهَا؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ وَالْمُسَاوَاةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ، وَالْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ لَا يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَبْطُلُ نِكَاحُهُمَا، بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ يَتَحَمَّلُ الشَّرِكَةَ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ هُنَاكَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمِلْكِ هُوَ التَّصَرُّفُ، وَذَلِكَ يَثْبُتُ مَعَ الشَّرِكَةِ وَهُنَا الْمَقْصُودُ اسْتِبَاحَةُ الْوَطْءِ وَالنَّسْلِ، وَهَذَا يَفُوتُ بِالشَّرِكَةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ يَتَعَيَّنُ الْبُطْلَانُ فِيهِمَا، فَإِنْ كَانَا لَمْ يَدْخُلَا بِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَثْبُتْ، وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا، فَلَا مَهْرَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَا قَدْ دَخَلَا بِهَا جَمِيعًا وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا أَوَّلُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَقَلُّ مِمَّا سَمَّى، وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ تَقَدَّمَ نِكَاحُهُ تَأَكَّدَ الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَالَ بِالشَّكِّ لَا يَجِبُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ وَالْمُتَيَقَّنُ هُوَ الْأَقَلُّ، فَلِهَذَا كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ.
(قَالَ:) فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا وَكَانَ وَلَدَهُمَا يَعْقِلَانِ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: إنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ رَجُلَيْنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهِيَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى، وَيَرِثَانِهِ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ فِي الْحَقِيقَةِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ مِنْ مَائِهِ فَيَجِبُ مِيرَاثُ أَبٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَيَرِثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَرِثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مِيرَاثِ ابْنٍ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ أَحَدِهِمَا فَكَمَا أَنَّ فِي جَانِبِهِمَا يَرِثَانِهِ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ، فَكَذَلِكَ فِي جَانِبِهِ يَرِثُ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّا نَقُولُ: هُوَ ابْنٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا قَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا هُوَ ابْنُهُمَا وَيَرِثُهُمَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ لَا تَتَحَمَّلُ التَّجَزُّؤَ إلَّا أَنَّ فِي جَانِبِهِمَا تَحَقَّقَتْ الْمُزَاحَمَةُ فَتَثْبُتُ الْمُنَاصَفَةُ، وَفِي جَانِبِهِ لَا مُزَاحَمَةَ فَيَرِثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ، حَتَّى لَوْ انْعَدَمَتْ الْمُزَاحَمَةُ فِي جَانِبِهِمَا بِأَنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْغُلَامِ أَحْرَزَ الثَّانِي مِنْ مَالِ الْغُلَامِ مِيرَاثَ أَبٍ كَامِلٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَقَرَّتْ أَنَّ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ هُوَ الزَّوْجُ لَزِمَهُ الْوَلَدُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُقَرِّ لَهُ قَدْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِمَا، وَثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، فَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ تُقِرَّ بِذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ مَا سَمَّى لَهَا مِنْ الْمَهْرِ، وَكَانَ مِيرَاثُ الزَّوْجِ مِنْ تَرِكَتِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ أَحَدِهِمَا صَحِيحٌ مُنْتَهٍ بِالْمَوْتِ فَيَكُونُ لَهُ الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى لَهَا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَلِذَلِكَ تَنَصَّفَ بَيْنَهُمَا الْمِيرَاثُ وَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى، وَهَذَا لِأَنَّ تَعَذُّرَ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَوُجُوبُ التَّوَقُّفِ لِمَعْنَى الْحِلِّ، وَذَلِكَ يَزُولُ بِمَوْتِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مِنْ الرَّجُلَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا مَاتَتْ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ بَعْدَ الْمَوْتِ الْمِيرَاثُ وَهُوَ مَالٌ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ، وَفِي حَالِ الْحَيَاةِ الْمَقْصُودُ هُوَ الْحِلُّ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلشَّرِكَةِ.
(قَالَ:) وَلَوْ لَمْ تَمُتْ هِيَ وَلَكِنْ مَاتَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ، فَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ: هَذَا الْمَيِّتُ هُوَ الْأَوَّلُ فَلَهَا فِي مَالِهِ الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ، فَإِنَّ تَصْدِيقَهَا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ كَتَصْدِيقِهَا فِي حَيَاتِهِ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَيَنْتَهِي بِالْمَوْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَقَرَّ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ تَصْدِيقُهَا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بِمَوْتِ الزَّوْجِ يَرْتَفِعُ إلَى خُلْفٍ وَهُوَ الْعِدَّةُ.
(قَالَ) وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَا خِيَارَ لَهَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ السَّبَبِ وَلَمْ يَصِحَّ السَّبَبُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاقْتِرَانِ الْمُنَافِي بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً أَوْ حَرْبِيَّةً ثُمَّ أَسْلَمُوا؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُتَّجَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ مِلَّةً فَحُكْمُ أَهْلِ الْمِلَلِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
(قَالَ:) وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ كَانَ نِكَاحُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ نِسْوَةٌ مِنْهُمَا جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ نِكَاحُ الَّذِي لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ انْفَرَدَ نِكَاحُ الْآخَرِ كَانَ صَحِيحًا، فَإِذَا اجْتَمَعَا صَحَّ نِكَاحُ مَنْ يَصِحُّ نِكَاحُهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ لَا تَتَحَقَّقُ بَيْنَ مَا لَهُ صِحَّةٌ وَبَيْنَ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ، وَإِذَا صَحَّ نِكَاحُ أَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِ جَمِيعُ مَا سُمِّيَ لَهَا إنْ كَانَا سَمَّيَا أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ظَاهِرٌ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ وَإِحْدَاهُمَا لَا تَحِلُّ لَهُ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- يُفَرِّقَانِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ تِلْكَ فَيَقُولَانِ: الْأَلْفُ هُنَا بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا وَقَدْ سَلَّمَ ذَلِكَ لِلَّذِي صَحَّ نِكَاحُهُ بِكَمَالِهِ، فَأَمَّا هُنَاكَ الْأَلْفُ مُسَمًّى بِمُقَابَلَةِ بُضْعَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ إلَّا أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِقْدَارُ حِصَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَ سَمَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ خَمْسَمِائَةٍ لَمْ يَلْزَمْ هَذَا الزَّوْجَ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ إلَّا هَذَا الْمِقْدَارَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَهْرِ إلَّا قَدْرُ مَا الْتَزَمَهُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ هُنَاكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ سَمَّى جَمِيعَ الْأَلْفِ بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا، فَإِذَا سَلَّمَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا لَزِمَهُ جَمِيعُ الْمَهْرِ.
(قَالَ:) وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسِيسٌ أَوْ نَظَرٌ لَا يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا يُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي إثْبَاتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْوَطْءِ شَرْعًا، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ أَصْلُهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فَالسَّبَبُ الْفَاسِدُ لَا يُثْبِتُ إلَّا الْمِلْكَ الْحَرَامَ، وَمُوجِبُ النِّكَاحِ مِلْكُ الْحِلِّ، وَبَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ مُنَافَاةٌ، فَإِذَا انْعَدَمَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ الْحَلَالِ بِالسَّبَبِ الْفَاسِدِ وَالْمِلْكِ الْحَرَامِ بِالنِّكَاحِ لَا يَكُونُ خَلَا السَّبَبُ عَنْ الْحُكْمِ، وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ لِأَحْكَامِهَا فَكُلُّ سَبَبٍ خَلَا عَنْ الْحُكْمِ كَانَ لَغْوًا، وَإِذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ وَالزَّوْجُ جَاحِدٌ يَثْبُتُ نِكَاحُهَا وَلَمْ يَفْسُدْ بِجُحُودِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الثَّابِتَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالطَّلَاقِ وَجُحُودُهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ قَطْعٌ لِلنِّكَاحِ، وَالْجُحُودُ نَفْيٌ لِلنِّكَاحِ أَصْلًا، فَلَا يَصِيرُ بِهِ قَاطِعًا، فَلِهَذَا قُضِيَ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ.

.بَابُ الْغُرُورِ فِي الْمَمْلُوكَةِ:

(قَالَ:) رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، فَإِذَا هِيَ مُكَاتَبَةٌ قَدْ أَذِنَ لَهَا مَوْلَاهَا فِي التَّزَوُّجِ أَخَذَتْ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ: لَا تَجِبُ قِيمَةُ الْوَلَدِ أَصْلًا لِأَنَّهَا تَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا وَوَلَدِهَا، وَفِي هَذَا تَحْصِيلُ بَعْضِ مَقْصُودِهَا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَقُولُ: هَذَا إنْ لَوْ دَخَلَ الْوَلَدُ فِي كِتَابَتِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّهُ عَلِقَ حُرًّا فَوَجَبَ الْعُقْرُ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ لَهَا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمَغْرُورِ، وَهِيَ بِالْكِتَابَةِ صَارَتْ أَحَقَّ بِأَجْزَائِهَا وَمَنَافِعِهَا، فَمَا هُوَ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا فَهُوَ لَهَا ثُمَّ يَرْجِعُ الْأَبُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الَّذِي غَرَّهُ إنْ كَانَ رَجُلٌ حُرٌّ غَرَّهُ بِأَنْ زَوَّجَهَا مِنْهُ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ هِيَ الَّتِي غَرَّتْهُ بِأَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ رَجَعَ هُوَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ بِسَبَبِ الْغُرُورِ، فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، فَإِنَّ ضَمَانَ الْغُرُورِ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْكَفَالَةِ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهَا، وَالْقِيمَةُ لَهَا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَكَانَ الرُّجُوعُ مُفِيدًا، وَإِنْ مَاتَ مَوْلَاهَا، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عَلَى حَالِهَا فَوَرِثَهُ أَبُ الْوَلَدِ خُيِّرَتْ بَيْنَ أَنْ تُبْطِلَ الْكِتَابَةَ وَبَيْنَ أَنْ تَمْضِيَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ أَبْطَلَتْ الْكِتَابَةَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِأَبِ الْوَلَدِ بِالْمِيرَاثِ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَقَدْ تَلَقَّاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ إحْدَاهُمَا مُؤَجَّلَةٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَهُوَ الِاسْتِيلَادُ وَالْأُخْرَى مُعَجَّلَةٌ بِبَدَلٍ وَهُوَ الْكِتَابَةُ، فَإِنْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ فَعَتَقَتْ بِالْأَدَاءِ، فَإِنَّمَا عَتَقَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى الْأَوَّلِ وَكَانَ وَلَاؤُهَا لَهُ، وَإِنْ مَاتَ أَبُ الْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ عَتَقَتْ وَبَطَلَتْ عَنْهَا الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ فَتُعْتَقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، فَإِنْ قِيلَ: هُوَ لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَتَهَا إذَا اخْتَارَتْ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ.
(قُلْنَا:) نَعَمْ، وَلَكِنَّهُ صَارَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهَا نَفَذَ عِتْقُهُ، فَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ مُتَعَلِّقٌ بِمَوْتِ الْمَوْلَى شَرْعًا عَلَى أَنْ يَصِيرَ الْمَوْلَى كَالْمُعْتِقِ لَهَا، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا اخْتَارَتْ الْكِتَابَةَ لِمَا فِي الْعِتْقِ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ مِنْ التَّأْخِيرِ، فَإِذَا تَعَجَّلَ ذَلِكَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَخْتَارُ هَذِهِ الْجِهَةَ، فَإِذَا عَتَقَتْ سَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ إمَّا لِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِرِضَاهَا أَوْ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ لَهَا عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَهَبَ لَهَا الْمُكَاتَبَةَ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ حَقَّ الْمُسْتَوْلِدِ فِيهَا إلَى مَوْتِهِ فَبِالْمَوْتِ يَصِيرُ مُسْقِطًا حَقَّهُ، فَكَأَنَّهُ أَبْرَأهَا عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَالْوَارِثُ إذَا كَانَ وَاحِدًا فَإِبْرَاءُ الْمُكَاتَبِ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ وَيُعْتَقُ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ شَرِيكٌ فِي الْمِيرَاثِ سَعَتْ فِي مُكَاتَبَتِهَا عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ أَحَدِ الْوَارِثَيْنِ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا يُوجِبُ عِتْقَ شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ كَالْمُبْرِئِ لِتُعْتَقَ، فَإِذَا كَانَتْ لَا تُعْتَقُ هُنَا لَمْ يَكُنْ مُبَرِّئًا، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهَا الْعِتْقَ مَجَّانًا فِي الْحَالِ فَبَقِيَتْ عَلَى اخْتِيَارِهَا الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُضِيُّ عَلَى الْكِتَابَةِ، فَلِهَذَا سَعَتْ فِي مُكَاتَبَتِهَا وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْأَوَّلِ إذَا أَدَّتْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا وَرِثَهُ رَجُلَانِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا كَانَ عِتْقُهُ بَاطِلًا، وَلَوْ كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ حِينَ وَرِثَهَا رَجُلَانِ اخْتَارَتْ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَيَضْمَنُ أَبُ الْوَلَدِ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِيلَادِ كَمَا ثَبَتَ فِي نَصِيبِهِ ثَبَتَ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فَصَارَ هُوَ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ، وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ.
(قَالَ:) أَمَةٌ غَرَّتْ رَجُلَيْنِ مِنْ نَفْسِهَا فَتَزَوَّجَاهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لَهُمَا أَوْلَادًا ثُمَّ مَلَكَاهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا لِأَنَّهُمَا مَلَكَاهَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهَا، وَإِنْ مَلَكَهَا أَحَدُهُمَا، فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَهَذَا لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَمَّا ثَبَتَ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيلَادِ بَعْدَ الْمِلْكِ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الْوَلَدِ فِي حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ، فَكَذَلِكَ فِي ثُبُوتِ حَقِّهَا فِي أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا تَبَعٌ لِحَقِّ الْوَلَدِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ وَلَدَتْ عِنْدَ الْمَوْلَى أَوْلَادًا بَعْدَ ذَلِكَ فَمَلَكَهَا أَحَدُهُمَا مَعَ أَوْلَادِهَا كَانَ أَوْلَادُهَا مِنْ غَيْرِهِ أَرِقَّاءَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهَا بَعْدَ مَا تَمَلَّكَهَا الْمُسْتَوْلِدُ، فَإِنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ كَحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ فِي اسْتِدْعَائِهِ مِلْكَ الْحِلِّ، وَقَدْ انْفَصَلَ الْأَوْلَادُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فِيهَا، فَلَا يَسْرِي ذَلِكَ الْحَقُّ إلَيْهِمْ.
(قَالَ:) وَإِذَا غَرَّتْ الْأَمَةُ رَجُلًا مِنْ نَفْسِهَا وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَمَةٌ لِهَذَا الرَّجُلِ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ أَخَذَهَا وَعُقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا كَانَ لِأَبِ الْوَلَدِ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الَّذِي بَاعَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْغُرُورِ مُبَاشَرَةُ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِ وَمَتَى مَلَكَهَا الْمَغْرُورُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.