فصل: بَابُ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ:

(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً، وَاشْتُرِطَ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا خِيَارٌ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، وَالْخِيَارُ بَاطِلٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى النِّكَاحُ بَاطِلٌ فَمِنْهُمْ مِنْ جَعَلَ هَذَا بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ نِكَاحِ الْمُكْرَهِ، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ يُعْدِمُ الرِّضَا كَالْإِكْرَاهِ، وَمِنْ أَصْلِنَا انْعِدَامُ الرِّضَا بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ وَلُزُومَهُ، وَعِنْدَهُ يَمْنَعُ فَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْبِنَاءَ عَلَى أَصْلِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ عِنْدَهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَالْعِبَارَةُ وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَا يُفْسِدُ، وَلِهَذَا لَمْ يُصَحِّحْ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ مِنْ الْمُكْرَهِ وَصَحَّحَهُمَا مَعَ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ، وَحُجَّتُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي مَعْنَى التَّوْقِيتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ، وَهُوَ الْبَيْعُ يَتَأَخَّرُ حُكْمُ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمِلْكُ إلَى مَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَيَصِيرُ الْعَقْدُ فِي حَقِّ مِلْكِهِ كَالْمُضَافِ فَكَذَلِكَ هُنَا بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ يَصِيرُ النِّكَاحُ مُضَافًا، وَإِضَافَةُ النِّكَاحِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَجُوزُ، وَالتَّوْقِيتُ فِي النِّكَاحِ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا شَهْرًا، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ»، وَالْهَزْلُ وَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ إلَى مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ بَلْ أَوْلَى، فَإِنَّ الْهَازِلَ غَيْرُ رَاضٍ بِالْحُكْمِ أَبَدًا، وَشَارِطُ الْخِيَارِ غَيْرُ رَاضٍ بِالْحُكْمِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْهَزْلُ تَمَامَهُ؛ فَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ أَوْلَى.
وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّهُ قَدْ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَلَا يَقْبَلُ خِيَارَ الشَّرْطِ، فَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَهُ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ بِمَالٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ أَصْلِ السَّبَبِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يُعْدِمُ الرِّضَا بِلُزُومِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ انْعِقَادِ النِّكَاحِ صَحِيحًا اللُّزُومُ فَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ يَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ وَلُزُومُهُ عَلَى تَمَامِ الرِّضَا، أَلَا تَرَى أَنَّ تَمَامَ الرِّضَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ثُمَّ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ وَلُزُومَهُ، حَتَّى لَا يَثْبُتَ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٍ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ السَّبَبِ فِي الْحَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَصِحُّ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ التَّوْقِيتِ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ السَّبَبِ فِيمَا وَرَاءَ الْوَقْتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَتَحَمَّلُ الِانْعِقَادَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَلِهَذَا بَطَلَ بِالتَّوْقِيتِ.
(قَالَ:) وَلَا يَرُدُّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عَنْ عَيْبٍ بِهَا، وَإِنْ فَحُشَ عِنْدَنَا، وَلَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ الرَّتْقُ وَالْقَرَنُ، وَالْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ، فَإِذَا رَدَّهَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ، وَلَا مَهْرَ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ زَوَّجَهَا مِنْهُ، وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ فَلَمَّا خَلَا بِهَا وَجَدَ فِي كَشْحِهَا بَيَاضًا فَرَدَّهَا، وَقَالَ: دَلَّسْتُمُونِي أَوْ قَالَ: دَلَّسْتُمْ عَلَيَّ»، وَالرَّدُّ مَتَى ذُكِرَ عَقِيبَ الْعَيْبِ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ، وَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ»، وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِلزَّوْجِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَتَحَمَّلُ الْفَسْخَ بِأَسْبَابٍ فَيَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الرَّدِّ بِعَيْبٍ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ كَالْبَيْعِ، وَالْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ طَبْعًا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَشَرْعًا النَّسْلُ، وَهَذِهِ الْعُيُوبُ تُخِلُّ بِهَذَا الْمَقْصُودِ أَمَّا الرَّتْقُ وَالْقَرَنُ يُفَوِّتُهُ أَصْلًا، وَأَمَّا الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ يُخِلُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الطَّبْعَ يَنْفِرُ مِنْ صُحْبَةِ مِثْلِهَا، وَرُبَّمَا تَعَدَّى إلَى الْوَلَدِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُيُوبِ مِنْ الْعَمَى، وَالشَّلَلِ فَإِنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ، وَأَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمَهْرُ عِنْدَكُمْ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ الْفَاحِشِ دُونَ الْيَسِيرِ فَكَذَلِكَ الْعِوَضُ الْآخَرُ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا وَجَدَتْ زَوْجَهَا عِنِّينًا أَوْ مَجْبُوبًا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ، وَلَا يَثْبُتُ فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ فَكَذَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ سَوَاءٌ، وَإِذَا كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ يُثْبِتُ لَهُ الْخِيَارَ دُونَ الَّذِي لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ، فَكَذَلِكَ فِي جَانِبِهَا، وَالزَّوْجُ وَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الطَّلَاقِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ؛ لِيُسْقَطَ بِهِ الْمَهْرَ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا قُلْتُمْ فِي الصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ، وَقَدْ زَوَّجَهُ عَمُّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الطَّلَاقِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تُرَدُّ الْحُرَّةُ عَنْ عَيْبٍ، وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إذَا وَجَدَ بِامْرَأَتِهِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ فَالنِّكَاحُ لَازِمٌ لَهُ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ فَالْمُرَادُ خِيَارُ الطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَدَّهَا أَيْ رَدَّهَا بِالطَّلَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: الْحَقِي بِأَهْلِك، وَهَذَا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، وَاَلَّذِي قَالَ: «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» قُلْنَا: نَحْنُ نُمَكِّنُهُ مِنْ الْفِرَارِ، وَلَكِنْ بِالطَّلَاقِ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَسْخُ الْعَقْدِ بَعْدَ تَمَامِهِ بِلَا خَلَلٍ فِي وِلَايَةِ الْمَحَلِّ، وَالنِّكَاحُ لَا يَتَحَمَّلُ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْفَسْخِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مِلْكٌ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ النَّقْلِ إلَى الْغَيْرِ، وَلَا فِي حَقِّ الِانْتِقَالِ إلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنَّمَا أَظْهَرَهُ الشَّرْعُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ لِلتَّقَصِّي عَنْ عُهْدَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ عَدَمِ مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي ظُهُورَهُ فِي حَقِّ الْفَسْخِ بَعْدَ تَمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ فَكَانَ فِي هَذَا الْفَسْخِ بِمَنْزِلَةِ الْإِسْقَاطَاتِ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ أَوْ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ فَسْخٌ قَبْلَ تَمَامِهِ لِخَلَلٍ فِي وِلَايَةِ الْمَحَلِّ، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الِامْتِنَاعِ مِنْ تَمَامِهِ، وَكَذَلِكَ الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ امْتِنَاعٌ مِنْ الْتِزَامِ زِيَادَةِ الْمِلْكِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ لَا تُخِلُّ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْحِلُّ فَلَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ كَالْعَمَى، وَالشَّلَلِ وَالزَّمَانَةِ، فَإِنَّ الِاسْتِيفَاءَ ثَمَرَةٌ، وَفَوَاتُ الثَّمَرَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَفُوتُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ انْفِسَاخَ النِّكَاحِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ، وَعَيْبُ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ هُنَا يَتَأَتَّى، وَمَقْصُودُ النَّسْلِ يَحْصُلُ، وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ فَإِنَّ هُنَاكَ فَوَاتَ التَّسْلِيمِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ وُجُودُ الْعَيْبِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا هَلَاكُ الْمَهْرِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُثْبِتُ الرُّجُوعَ بِقِيمَتِهِ فَوُجُودُ الْعَيْبِ الْفَاحِشِ بِهِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ؛ وَلِأَنَّ وُجُودَ الْعَيْبِ تَأْثِيرُهُ فِي انْعِدَامِ تَمَامِ الرِّضَا بِهِ، وَالنِّكَاحُ لُزُومُهُ لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا كَمَا بَيَّنَّا فِي الْهَزْلِ، وَعَدَمُ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْفَسْخِ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ فِي أَنْ يُوَفِّيَهَا حَقّهَا فِي الْجِمَاعِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ تَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، وَالتَّسْرِيحُ طَلَاقٌ، وَعِنْدَنَا هُنَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا.
ثُمَّ الْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ هُنَاكَ قَدْ انْسَدَّ عَلَيْهَا بَابُ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَصَّلُ إلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ مَادَامَ تَحْتَهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ بَقِيَتْ مُعَلَّقَةً لَا ذَاتَ بَعْلٍ، وَلَا مُطَلَّقَةً فَأَثْبَتْنَا لَهَا الْخِيَارَ؛ لِإِزَالَةِ ظُلْمِ التَّعْلِيقِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي جَانِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهَا إمَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، أَوْ بِمِلْكِ النِّكَاحِ، وَمُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّخَلُّصِ مِنْهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِحَاجَتِهِ إلَى التَّخَلُّصِ مِنْ الْمَهْرِ كَمَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مَعَ قِيَامِ حَاجَتِهِ إلَى التَّخَلُّصِ مِنْ الْمَهْرِ يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ مَنَعَ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ قَصْدًا إلَى الْإِضْرَارِ بِهَا بِالْإِيلَاءِ كَانَ مُوجِبًا لِلْفُرْقَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ إيفَاءُ حَقِّهَا بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، وَالْمَرْأَةُ لَوْ مَنَعَتْ حَقَّهُ عَلَى قَصْدِ الْإِضْرَارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ الْخِيَارُ بِذَلِكَ السَّبَبِ، فَكَذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاسْتِيفَاءُ بِالرَّتْقِ أَوْ الْقَرَنِ، فَأَمَّا الْمَرْأَةُ إذَا وَجَدَتْ بِالزَّوْجِ عَيْبَ الْجُنُونِ أَوْ الْجُذَامِ أَوْ الْبَرَصِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرُدَّهُ بِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَهَا الْخِيَارُ إذَا كَانَ عَلَى حَالٍ لَا تُطِيقُ الْمُقَامَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْوُصُولُ إلَى حَقِّهَا؛ لِمَعْنًى فِيهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: بِهَذِهِ الْعُيُوبِ لَا يَنْسَدُّ عَلَيْهَا بَابُ اسْتِيفَاءِ الْمَقْصُودِ إنَّمَا تَقِلُّ رَغْبَتُهَا فِيهِ أَوْ تَتَأَذَّى بِالصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ مَعَهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُثْبِتٍ لَهَا الْخِيَارَ، كَمَا لَوْ وَجَدَتْهُ سَيِّئَ الْخُلُقِ أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ بِخِلَافِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا.
يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الزَّوْجَ هُنَاكَ ظَالِمٌ فِي إمْسَاكِهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهَا وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ إزَالَةِ الظُّلْمِ بِالطَّلَاقِ، وَهُنَا الزَّوْجُ غَيْرُ ظَالِمٍ فِي إمْسَاكِهَا مَعَ صِدْقِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا، وَذَلِكَ لَا يُثْبِتُ لَهَا الْخِيَارَ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ السَّلَامَةَ مِنْ الْعَمَى وَالشَّلَلِ، وَالزَّمَانَةِ فَوُجِدَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الْجَمَالَ وَالْبَكَارَةَ، فَوَجَدَهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ فَوْتَ زِيَادَةٍ مَشْرُوطَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَّ أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ لِتَمَامِ الرِّضَا فِي بَابِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنَّهَا بِكْرٌ شَابَّةٌ جَمِيلَةٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا عَجُوزًا شَوْهَاءَ لَهَا شِقٌّ مَائِلٌ وَعَقْلٌ زَائِلٌ وَلُعَابٌ سَائِلٌ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَقَدْ انْعَدَمَ الرِّضَا مِنْهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
(قَالَ:) وَإِذَا قَالَ: الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ: زَوِّجِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْت جَازَ النِّكَاحُ، وَلَوْ قَالَ: بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا فَقَالَ: فَعَلْت لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ هُنَا؛ لِإِيضَاحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَقَدْ اسْتَكْثَرَ مِنْ الشَّوَاهِدِ لِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَهُمَا فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَمَالِي قَالَ: إنَّمَا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي النِّكَاحِ؛ لِلسُّنَّةِ، وَهُوَ مَا حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ الْحَكَمِ «أَنَّ بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ إلَى قَوْم فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوهُ فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَخْطُبَ إلَيْكُمْ مَا فَعَلْت فَقَالُوا: قَدْ مَلَكْت» فَدَلَّ أَنَّ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ بَعْدَ الْخِطْبَةِ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ حُكْمِ تَوَقُّفِ النِّكَاحِ عَلَى الْإِجَازَةِ لِيُبَيِّنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُشْبِهُ حُكْمَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَوَقَّفَ الْعَقْدُ عَلَى حَقِّهِ غَيْرُ رَاضٍ بِأَصْلِ السَّبَبِ فَكَانَ أَصْلُ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ كَالْمَعْدُومِ مَا لَمْ يَجُزْ، وَأَمَّا عِنْدَ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ أَوْ وُجُودِ الْعَيْبِ فَقَدْ ظَهَرَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ رَاضٍ بِأَصْلِ السَّبَبِ حِينَ بَاشَرَهُ.
فَلِهَذَا تَمَّ الْعَقْدُ ثُمَّ بَيَّنَ فِي الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ هُوَ الْوَلِيَّ فَفِي حَقِّ الزَّوْجِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ أَوْ رَدِّهِ بِكَلَامٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا كَذَلِكَ، وَإِذَا كَانَتْ بِكْرًا فَسُكُوتُهَا رِضَاهَا؛ لِعِلَّةِ الْحَيَاءِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْبِكْرَ إذَا زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ فَبَلَغَهَا الْعَقْدَانِ فَإِنْ أَجَازَتْ أَحَدَهُمَا جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ أَجَازَتْهُمَا مَعًا بَطَلَا؛ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ سَكَتَتْ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهَا رِضًا مِنْهَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ سُكُوتَهَا بِمَنْزِلَةِ رِضَاهَا بِالْعَقْدَيْنِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدَانِ جَمِيعًا، وَالْأَصَحُّ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ سُكُوتُهَا رِضًا بِأَحَدِ الْعَقْدَيْنِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَا رِضًى بِهِمَا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا يُقَامُ مَقَامَ الرِّضَا؛ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ، وَفِي الرِّضَا هُنَا بِهِمَا أَبْطَالُهُمَا، فَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ سُكُوتُهَا هُنَا رِضًى.
(قَالَ:) وَإِذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ، وَلَهَا زَوْجٌ قَدْ كَانَ زَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْهُ أَوْ تَزَوَّجَتْهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَهُ، وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا أَعْتَقَتْ بَرِيرَةَ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَلَكْت بُضْعِك فَاخْتَارِي، وَكَانَ زَوْجُهَا مُغِيثٌ يَمْشِي خَلْفَهَا وَيَبْكِي، وَهِيَ تَأْبَاهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ شِدَّةِ حُبِّهِ لَهَا، وَبُغْضِهَا لَهُ ثُمَّ قَالَ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ زَوْجُك وَأَبُ وَلَدِك فَقَالَتْ: أَتَأْمُرُنِي فَقَالَ: لَا إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ فَقَالَتْ: إذًا لَا حَاجَةَ بِي إلَيْهِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا».
وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ يَزْدَادُ عَلَيْهَا بِالْعِتْقِ فَإِنَّ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ يَمْلِكُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، وَيَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا فِي قُرْأَيْنِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَزْدَادُ بِالْعِتْقِ، وَهِيَ لَا تَتَوَصَّلُ إلَى رَفْعِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ إلَّا بِرَفْعِ أَصْلِ الْعَقْدِ فَأَثْبَتَ الشَّرْعُ لَهَا الْخِيَارَ لِهَذَا، وَلِهَذَا لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا كَانَ فَسْخًا لَا طَلَاقًا بِمَنْزِلَةِ الْخِيَارِ الثَّابِتِ؛ لِرَفْعِ أَصْلِ الْعَقْدِ، وَفِي حَقِّ مَنْ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ هَذَا الْخِيَارِ مَعْنًى فِي جَانِبِهَا، وَهُوَ مِلْكُهَا أَمْرَ نَفْسِهَا، وَالْفُرْقَةُ مَتَى كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَلَهَا الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَالرُّوَاةُ اخْتَلَفُوا فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا فَأَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَوَّلُوا مَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا أَيْ: عِنْدَ أَصْلِ الْعَقْدِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ حُرًّا عِنْدَ عِتْقِهَا، وَلَمَّا تَعَارَضَتْ الرِّوَايَاتُ فِي صِفَةِ زَوْجِهَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ فَيَبْقَى الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَلَكْت بُضْعَك فَاخْتَارِي»، وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «كَانَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَانِ مَمْلُوكَانِ فَأَرَادَتْ عِتْقَهَا، وَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهَا بِالْبُدَاءَةِ بِالْغُلَامِ» قَالَ: وَإِنَّمَا أَمَرَهَا بِذَلِكَ كَيْ لَا يَثْبُتَ لَهَا الْخِيَارُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: أَمَرَهَا بِذَلِكَ؛ لِإِظْهَارِ فَضِيلَةِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ أَعْتَقَتْهُمَا مَعًا عِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ أَيْضًا، وَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى يَقُولُ: بِمَا اعْتَرَضَ تَحَقُّقَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ كَالْكِتَابِيَّةِ تَحْتَ مُسْلِمٍ إذَا أَسْلَمَتْ أَوْ الْمُعْسِرَةِ إذَا أَيْسَرَتْ، وَالزَّوْجُ مُوسِرٌ، وَالْمَنْفِيَّةِ إذَا أَثْبَتَتْ نَسَبَهَا، وَلِلزَّوْجِ نَسَبٌ ثَابِتٌ فَلَا خِيَارَ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَإِنَّ بِمَا اعْتَرَضَ هُنَاكَ مِنْ حُرِّيَّتِهَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ، وَتَنْعَدِمُ الْكَفَاءَةُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهَا لَيْسَ لِانْعِدَامِ الْكَفَاءَةِ، فَإِنَّ الْكَفَاءَةَ شَرْطٌ لِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ لَا فِي الْبَقَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ أَوْ انْتَفَى نَسَبُهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَلَكِنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِزِيَادَةِ مِلْكِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا، وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ عَنْدَنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا.
وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِحَسَبِ الْحِلِّ، وَالْحِلُّ فِي جَانِبِهَا يَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَمَا يَتَنَصَّفُ الْحِلُّ فِي جَانِبِهِ بِالرِّقِّ فَتَزَوَّجَ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ، وَالْحُرُّ أَرْبَعًا، وَإِذَا انْتَصَفَ الْحِلُّ بِرِقِّهَا فَإِذَا أُعْتِقَتْ ازْدَادَ الْحِلُّ وَبِحَسَبِهِ يَزْدَادُ الْمِلْكُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ؛ لِزِيَادَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ هُنَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي الْأَمَةِ؛ لِنُفُوذِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا؛ وَسَلَامَةِ الْمَهْرِ لِمَوْلَاهَا، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا فَإِنَّ الْمَهْرَ لَهَا، وَالنِّكَاحُ مَا انْعَقَدَ إلَّا بِرِضَاهَا، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: إنْ أَعَانَهَا عَلَى أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يُعِنْهَا فَلَهَا الْخِيَارُ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمُوَافِقَ لِتَعْلِيلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ مَا بَيَّنَّاهُ.
(قَالَ:) وَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً فِي أَصْلِ الْعَقْدِ ثُمَّ صَارَتْ أَمَةً ثُمَّ عَتَقَتْ بِأَنْ ارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ مَعَ زَوْجِهَا وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ مَعًا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ سُبِيَا مَعًا فَأُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فَلَهَا الْخِيَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا خِيَارَ لَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ يَثْبُتُ عَلَيْهَا مِلْكٌ كَامِلٌ بِرِضَاهَا ثُمَّ انْتَقَضَ الْمِلْكُ فَإِذَا أُعْتِقَتْ عَادَ الْمِلْكُ إلَى أَصْلِهِ كَمَا كَانَ فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهَا وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: بِالْعِتْقِ مَلَكَتْ أَمْرَ نَفْسِهَا، وَازْدَادَ مِلْكُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ مُثْبِتٌ الْخِيَارَ لَهَا شَرْعًا، وَلَمَّا صَارَتْ أَمَةً حَقِيقَةً الْتَحَقَتْ بِاَلَّتِي كَانَتْ أَمَةً فِي الْأَصْلِ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ، فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ بِالْعِتْقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.