فصل: بَابُ الْيَمِينِ وَالْإِقْرَارِ فِي الرِّقِّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الْيَمِينِ وَالْإِقْرَارِ فِي الرِّقِّ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): رَجُلٌ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ حَلَفَ أَوْ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ أَوْ مَتَى حَلَفَ أَوْ حِينَ حَلَفَ أَوْ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ فِي يَمِينِهِ فَحَلَفَ فُلَانٌ عَلَى ذَلِكَ وَجَحَدَ الْمُقِرُّ بِالْمَالِ لَمْ يُؤْخَذْ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَلَكِنَّهُ مُخَاطَرَةٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِشَرْطٍ فِيهِ خَطَرٌ، وَهُوَ يَمِينُ الْخَصْمِ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يُخْرِجُ كَلَامَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ هَذَا شَرْطًا كَانَ جَاعِلًا الْيَمِينَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْمَالِ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي لَيْسَ بِسَبَبٍ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَالِ فَإِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْيَمِينَ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَلَيْسَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ مَا لَيْسَ بِسَبَبٍ سَبَبًا قَالَ.
وَكَذَلِكَ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَالِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمُخَاطَرَاتِ بَاطِلٌ، فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ: إنْ حَلَفْتَ عَلَيْهَا فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهَا فَهَذَا تَعْلِيقُ الشِّرَاءِ بِالْمُخَاطَرَةِ وَالْبَرُّ أَنْ لَا يُحْتَمَلَ التَّعْلِيقُ بِالْأَخْطَارِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّ يَمِينَ الْمُنْكِرِ تُوجِبُ بَرَاءَتَهُ شَرْعًا قُلْنَا عَنْ الْيَمِين لَا فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْبَرَاءَةُ.
وَكَذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ الْيَمِينُ لَا تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي بَعْدَهَا مَسْمُوعَةٌ، وَلَكِنْ إنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ لِانْعِدَامِ الْحُجَّةِ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ بَيِّنَةٍ فَتَتَأَخَّرُ خُصُومَتُهُ إلَى أَنْ يَجِدَ حُجَّةً لَا أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُوجِبَةً لِلْبَرَاءَةِ.
وَلَوْ ادَّعَى الطَّالِبُ عَلَيْهِ الْمَالَ فَحَكَّمَا رَجُلًا فَحَلَّفَهُ، فَإِنْ حَلَفَ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي حَقِّهَا كَالْقَاضِي وَبِالْيَمِينِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي تَنْقَطِعُ الْخُصُومَةُ إلَّا أَنْ يَجِدَ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ فَقَضَى الْحَكَمُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ كَانَ جَائِزًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ يَمِينٍ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهَا يَسْتَحِقُّ الْقَضَاءَ بِهَا عَلَيْهِ، فَإِذَا حَلَفَ تَنْقَطِعُ الْخُصُومَةُ بِهِ، وَفِي كُلِّ يَمِينٍ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهَا لَا يَصِيرُ الْقَضَاءُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَالْخُصُومَةُ لَا تَنْقَطِعُ بِتِلْكَ الْيَمِينِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النُّكُولَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ، وَفِيهِ فُصُولٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى.
وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ يَعْقِلُ أَوْ لَقِيطٌ لَمْ يَجْرِ فِيهِ حُكْمُ الْعِتْقِ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ فَهُوَ جَائِزٌ لِصُنْعِ الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ مَا يَصْنَعُ بِمَمْلُوكَةِ أَمَّا الْبَالِغُ إذَا أَقَرَّ بِهِ فَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، وَلَيْسَ هُنَا دَلِيلٌ يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ شَرْعًا، فَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا أَقَرَّ بِهِ فَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّبِيِّ مُعْتَبَرٌ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ وَالْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ لَيْسَ مِمَّا يَنْفَعُهُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا صَارَ عَاقِلًا وَجَبَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ فِي نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ حُرٌّ وَمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ عَبْدٌ جُعِلَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الصَّبِيِّ، وَإِذَا وَجَبَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ إذَا ادَّعَى حُرِّيَّةَ نَفْسِهِ وَجَبَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ فِي ضِدِّهِ أَيْضًا كَمَا أَنَّهُ أَيْضًا لَمَّا اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ وَاعْتِقَادُهُ إذَا أَسْلَمَ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ إذَا ارْتَدَّ أَيْضًا، وَلِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ يَنْفَعُهُ عَاجِلًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى مَوْلَاهُ، وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالرِّقِّ سُكُوتٌ مِنْهُ عَنْ دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لَا مَحَالَةَ وَانْقِيَادٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى يُثْبِتَ عَلَيْهِ يَدَهُ، وَإِذَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ يَدُهُ، وَهُوَ يَدَّعِي رِقِّيَّتَهُ وَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ كَمَا إذَا كَانَ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ حُرَّ الْأَصْلِ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ مُكَذَّبٌ فِيهِ شَرْعًا بِاعْتِبَارِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ هَذَا إبْطَالًا لِحُرِّيَّتِهِ وَإِيجَابًا لِلرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُعْتِقًا لِرَجُلٍ فَأَقَرَّ بِالرِّقِّ لِآخَرَ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لِأَنَّ وَلَاءَهُ ثَابِتٌ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وَالْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ وَمَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنْ إنْسَانٍ إذَا أَقَرَّ بِالنَّسَبِ لِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ فَكَذَلِكَ هُنَا قَالَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ الْمَانِعُ حَقَّهُ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ تَصْدِيقِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّ هُنَاكَ صَاحِبُ النَّسَبِ الْمَعْرُوفِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بَعْدَ الثُّبُوتِ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْوَلَاءِ فَإِنَّ الْمُعْتَقَةَ إذَا ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ فَسُبِيَتْ فَأُعْتِقَتْ كَانَ الْوَلَاءُ عَلَيْهَا لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَتَصْدِيقُ الْمُعْتَقِ الْأَوَّلِ هُنَا عَامِلٌ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ فَكَانَ مَمْلُوكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ.
وَإِذَا كَانَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَرَّ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِآخَرَ، وَقَالَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ أَنْتَ عَبْدِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ حِينَ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ ذِي الْيَدِ لِاسْتِحْقَاقِهِ رَقَبَتَهُ بِيَدِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي يَدِ أَحَدٍ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ لِأَحَدٍ فِيهِ فَهُوَ بِإِقْرَارِهِ لِأَحَدِهِمَا يَصِيرُ مُنْقَادًا لَهُ فَتَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَيَكُونُ فِي الْحُكْمِ كُلِّهِ فِي يَدِهِ فَيُجْعَلُ مَمْلُوكًا لَهُ.
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ قَصَّارٍ أَوْ فِي مَكْتَبٍ، فَقَالَ أَنْتَ عَبْدِي، وَقَالَ الْعَبْدُ بَلْ أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ أَسْلَمَنِي إلَيْكَ وَادَّعَاهُ فُلَانٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَصَّارِ وَصَاحِبُ الْمَكْتَبِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ حِينَ أَقَرَّ بِالرِّقِّ فَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ يَدِهِ فِي نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْمِلْكِ قَوْلَ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنَا حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يُقِرَّ بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ فَبَقِيَتْ يَدُهُ فِي نَفْسِهِ مُعْتَبَرَةً وَهِيَ أَقْرَبُ الْأَيْدِي إلَيْهِ فَلَا تَظْهَرُ مَعَ ذَلِكَ يَدُ ذِي الْيَدِ فِيهِ.
وَإِذَا كَانَتْ أَمَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَقَالَتْ أَنَا أُمُّ وَلَدٍ لِفُلَانٍ أَوْ مُكَاتَبَتُهُ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ وَصَدَّقَهَا فُلَانٌ، وَقَالَ ذُو الْيَدِ بَلْ أَنْتِ أَمَةٌ لِي فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمَةِ وَالْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا حَقَّ الْحُرِّيَّةِ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَاهَا حَقِيقَةَ الْحُرِّيَّةِ وَلَوْ قَالَتْ أَنَا حُرَّةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا وَلَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ يَدِ ذِي الْيَدِ عَلَيْهَا إلَّا بِحُجَّةٍ فَكَذَلِكَ هُنَا (تَوْضِيحُهُ) أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ فِي يَدِ نَفْسِهَا كَالْحُرَّةِ فَلَا تَظْهَرُ يَدُ ذِي الْيَدِ فِيهَا مَعَ دَعْوَاهَا أَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ كَمَا لَا يَظْهَرُ مَعَ دَعْوَاهَا أَنَّهَا حُرَّةٌ وَهَذَا نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْقِيَاسُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ الْمُسْقِطِ لِاعْتِبَارِ يَدِهَا فِي نَفْسِهَا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا إلَّا بِحُجَّةٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهَا لَوْ ادَّعَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى ذِي الْيَدِ لَمْ تُسْمَعْ إلَّا بِحُجَّةٍ فَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَتْ عَلَى غَيْرِهِ وَتَصْدِيقُ الْمُقَرِّ لَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ ذِي الْيَدِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ أَمَةٌ لِي غَيْرُ مُدَبَّرَةٍ كَانَ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَ ذِي الْيَدِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ إذَا صَدَّقَهَا فِي التَّدْبِيرِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَتْ كُنْتُ أَمَةً لِفُلَانٍ فَأَعْتَقَنِي وَصَدَّقَهَا فُلَانٌ بِذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هِيَ أَمَةٌ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ، ثُمَّ ادَّعَتْ زَوَالَهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هِيَ حُرَّةٌ لِأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِالرِّقِّ لِذِي الْيَدِ وَزَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فِي الْحَالِ فَفِي حَقِّ ذِي الْيَدِ هَذَا وَدَعْوَاهَا حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ سَوَاءٌ، وَلَكِنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ تَتِمُّ بِهَا وَدَعْوَاهَا الْعِتْقَ مِنْ فُلَانٍ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَصْدِيقٍ مِنْ فُلَانٍ وَتَصْدِيقُ فُلَانٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى ذِي الْيَدِ.
وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ غُلَامٌ، فَقَالَ أَنَا ابْنُ فُلَانٍ وَأُمِّي أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَقَالَ ذُو الْيَدِ: أَنْتَ عَبْدِي وَأُمُّكَ أَمَتِي، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هُوَ ابْنِي فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا كَالْأَوَّلِ وَهُمَا جَمِيعًا لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ مَمْلُوكِهِ فَكَمَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْأَمَةِ فِي ذَلِكَ عَلَى ذِي الْيَدِ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ الْأَمَةِ اسْتِحْسَانًا وَأَمَّا مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ هُنَا أَجْعَلُ الْوَلَدَ حُرًّا ابْنًا لِلَّذِي ادَّعَاهُ اسْتِحْسَانًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ أَنَا ابْنُكَ مِنْ أُمِّ وَلَدٍ لَكَ هَذِهِ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى أَجْعَلُهُ حُرًّا اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْإِقْرَارِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَلَدَ هُنَا يَدَّعِي حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ لِنَفْسِهِ سَوَاءٌ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ ذِي الْيَدِ أَوْ ابْنُ غَيْرِهِ، وَفِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ، وَلَمْ يُرَدَّ عَلَى هَذَا، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ حُكْمُ إقْرَارِهِ هُنَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ فَكَانَ هَذَا وَدَعْوَاهُ حُرِّيَّةَ الْعِتْقِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ فَإِنَّ حُكْمَ قَوْلِهِ هُنَاكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِ غَيْرِهِ.
وَلَوْ كَانَ فِي يَدَيْهِ عَبْدٌ، وَقَالَ أَعْتَقْتَنِي فَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى كَانَ عَبْدًا لَهُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالرِّقِّ لَهُ، ثُمَّ ادَّعَى زَوَالَهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ.
وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدًا لَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ الرَّجُلُ وَالْعَبْدُ أَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا لِفُلَانٍ وَادَّعَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَجْرِ فِي عِتْقِهِ حُكْمٌ فَهُمَا مُصَدَّقَانِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ لَمْ يَجْرِ الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ فَصَحَّ إقْرَارُهُ وَصَارَ مَمْلُوكًا وَظَهَرَ هَذَا الْمِلْكُ فِي حَقِّ الْمُعْتَقِ بِتَصْدِيقِهِ أَيْضًا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ كَانَ جَرَى فِي عِتْقِهِ حُكْمٌ مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ شَيْءٍ مِمَّا يَجْرِي فِي الْحُرِّ دُونَ الْعَبْدِ فَأَمْضَى الْقَاضِي ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا لَا يَرِدُ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا فِي إقْرَارِهِ شَرْعًا وَالْمُقِرُّ إذَا كَذَّبَهُ الشَّرْعُ لَمْ يُعْتَبَرْ إقْرَارُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ مَوْلَاهُ أَنَّهُ اغْتَصَبَهُ مِنْ فُلَانٍ ضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمَغْصُوبِ بِمَا نَفَذَ فِيهِ مِنْ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ.
وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى هِبَةً مِنْهُ أَوْ شِرَاءً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَ فُلَانٌ مَا فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ لَهُ قِيمَةَ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمَلُّكِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّهُ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا، ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ الْإِجَارَةِ أَنَّهُ عَبْدُهُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَهُ مِنْ غَيْرِهِ يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لِذَلِكَ الْغَيْرِ أَوْ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَالِاسْتِخْدَامِ فَيَكُونُ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَاقِضًا فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ عَبْدٌ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ الْعَبْدُ بِالْمِلْكِ، وَهُوَ الْآخَرُ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ أُمِّي كَانَتْ أَمَةً لِفُلَانٍ، وَلَمْ أُولَدْ أَنَا قَطُّ إلَّا حُرًّا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى أُمِّهِ بِالرِّقِّ وَإِقْرَارُهُ عَلَيْهَا نَافِذٌ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ رِقِّ أُمِّهِ رِقُّهُ فَإِنَّ وَلَدَ الْمَعْرُوفِ حُرُّ الْأَصْلِ وَالْأُمُّ رَقِيقَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَمَةٍ لِإِنْسَانٍ وَلَهَا وَلَدٌ فِي يَدِهِ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ لِلْمُقِرِّ دُونَ الْمُقَرِّ لَهُ فَلَمَّا لَمْ يَجْعَلْ إقْرَارَهُ بِالْأُمِّ إقْرَارًا بِالْوَلَدِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ إقْرَارُ الْوَلَدِ بِرِقِّ الْأُمِّ إقْرَارًا بِرِقِّ نَفْسِهِ (تَوْضِيحُهُ) أَنَّ مَنْ يَكُونُ مَعْرُوفًا بِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ إذَا قَالَ جَدَّتِي كَانَتْ أَمَةً لَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أُمِّي كَانَتْ أَمَةً لِفُلَانٍ، فَإِذَا ادَّعَى فُلَانٌ رِقَّهُ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ.
وَلَوْ أَنَّ مَجْهُولَةَ الْأَصْلِ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا، ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالْمِلْكِ لِرَجُلٍ فَهِيَ أَمَةٌ لَهُ لِإِقْرَارِهَا عَلَى نَفْسِهَا بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى فَسَادِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهَا أَمَةً لَهُ لِإِقْرَارِهَا عَلَى نَفْسِهَا بِكَوْنِهَا أَمَةً فَسَادُ النِّكَاحِ فَإِنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا صَحِيحٌ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَبُو الزَّوْجِ نَسَبَهَا وَصَدَّقَتْهُ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِهَا مِنْ أَبِي الزَّوْجِ انْتِفَاءَ النِّكَاحِ وَمَا ثَبَتَ بِوُجُودِ الْمُنَافِي ضَرُورَةً لَا يَكُونُ مُحَالًا بِهِ عَلَى إقْرَارِهَا وَهُنَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ رَقِّهَا فَسَادُ النِّكَاحِ فَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهَا وَإِقْرَارُهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الزَّوْجِ إنَّ رِقَّهَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فِي حَقِّ حُكْمٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ التَّلَافِي وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَثْبُتُ فِي كُلِّ حُكْمٍ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ التَّلَافِي وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّا لَوْ صَدَّقْنَاهَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لَحِقَهُ ضَرَرٌ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لَمْ تَبْرَأْ مِنْهُ؛ لِأَنَّا لَوْ صَدَّقْنَاهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ هُنَا لَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِدَفْعِ الصَّدَاقِ إلَى مَوْلَاهَا دُونَهَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ صَارَ طَلَاقُهَا ثِنْتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ مَضَتْ مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَةٌ فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ صَارَتْ عِدَّتُهَا حَيْضَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ مُضِيِّ حَيْضَتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا مَا وَلَدَتْ مِنْ وَلَدٍ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَهُمْ أَحْرَارٌ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِمْ فِي إبْطَالِ حُرِّيَّتِهِمْ.
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي بَطْنِ أُمِّهِمْ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَأَمَّا مَا يَحْدُثُ مِنْ الْأَوْلَادِ بَعْدُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُمْ أَرِقَّاءُ وَالْوَقْتُ فِيهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُمْ أَحْرَارٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ بِالنِّكَاحِ اسْتَحَقَّ حُرْمَةَ الْأَوْلَادِ وَهِيَ لَا تُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ الْحَقِّ الثَّابِتِ وَلَوْ قَبِلْنَا إقْرَارَهَا فِي رِقِّ الْأَوْلَادِ تَضَرَّرَ الزَّوْجُ ضَرَرًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ وَطِئَهَا، وَفِيهِ إبْطَالُ الِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ لَهُ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ هَذَا وَلَدٌ حُرٌّ مِنْ أُمٍّ رَقِيقَةٍ فَيَكُونُ رَقِيقًا كَمَا لَوْ ثَبَتَ رِقُّهَا بِالْبَيِّنَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَالزَّوْجُ لَمَّا أَعْلَقَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِرِقِّهَا فَقَدْ رَضِيَ بِرِقِّ هَذَا الْوَلَدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ إقْرَارِهَا، وَفِي قَبُولِ إقْرَارِهَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لَا ضَرَرَ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مِنْ أَنْ يُعْزَلَ عَنْهَا عِنْدَ الْوَطْءِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ ثَمَرَةٌ فَلَا يُسْتَحَقُّ بِالنِّكَاحِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ عَجُوزًا أَوْ عَقِيمًا لَا يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ فَكَيْفَ تَكُونُ صِفَةُ حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ مُسْتَحَقَّةً لَهُ بِالنِّكَاحِ فَلِهَذَا قَبِلْنَا إقْرَارَهَا فِي هَذَا الْحُكْمِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَجْهُولَ الْأَصْلِ لَهُ أَوْلَادٌ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ لِكَوْنِ مَا أَخْبَرَ بِهِ مُحْتَمَلًا وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَمُدَبِّرِيهِ وَمُكَاتَبِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا الْحُرِّيَّةَ أَوْ حَقَّهَا، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ رَقِّهِ بُطْلَانُ هَذَا الْحَقِّ عَلَيْهِمْ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّهِمْ.
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مَجْهُولَةً فِي يَدِهَا ابْنٌ لَهَا صَغِيرٌ مِنْ فُجُورٍ أَقَرَّتْ أَنَّهَا أَمَةٌ لِفُلَانٍ وَأَنَّ ابْنَهَا عَبْدٌ لَهُ فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ عَلَى نَفْسِهَا وَابْنِهَا؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَمَّا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَصْلَهُ فَادَّعَتْ أَنَّهُ عَبْدُهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهَا فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِغَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ ابْنُهَا يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ أَنَا حُرٌّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ كَالْبَائِعِ لَا تَقْوَى يَدُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ بَلْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي حُرِّيَّتِهِ.
وَكَذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ مَجْهُولَانِ لَهُمَا ابْنٌ صَغِيرٌ لَا يَتَكَلَّمُ أَقَرَّا بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَابْنِهِمَا جَازَ لِمَا بَيَّنَّا.
وَإِنْ قَالَا نَحْنُ مَمْلُوكَانِ لِفُلَانٍ وَابْنُنَا هَذَا مَمْلُوكٌ لِفُلَانٍ آخَرَ وَكَذَّبَهُمَا مَوْلَاهُمَا فِي الِابْنِ فَالِابْنُ عَبْدٌ لَهُ مَعَهُمَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا بِالرِّقِّ عَلَى أَنْفُسِهِمَا يُسْقِطُ اعْتِبَارَ يَدِهِمَا وَيَجْعَلُ يَدَهُمَا لَاغِيَةً فَكَمَا لَا قَوْلَ لَهُمَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ فِي إبْطَالِ الِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ لِذِي الْيَدِ فِيهِمَا فَكَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي إبْطَالِ الِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي وَلَدِهِمَا.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى أَمَةً أَنَّهَا أَمَتُهُ وَادَّعَتْ الْأَمَةُ أَنَّهُ عَبْدُهَا وَلَا يُعْرَفُ أَصْلُهُمَا، وَلَيْسَ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي دَعْوَاهُ جَعَلْتُ ذَلِكَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ إقْرَارٌ بِالرِّقِّ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَبَيْنَ الْإِقْرَارَيْنِ مُنَافَاةٌ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكًا لِصَاحِبِهِ وَمَمْلُوكًا لَهُ، فَإِذَا تَحَقَّقَ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا تَهَاتَرَا إذْ لَيْسَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَاَلَّذِي أَقَرَّ أَخِيرًا مَمْلُوكٌ لِلْأَوَّلِ إذَا صَدَّقَهُ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالرِّقِّ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ يَتَضَمَّنُ رَدَّ إقْرَارِ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ فَيُرَدُّ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ لَهُ وَيَبْقَى إقْرَارُ الثَّانِي بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي ذَلِكَ كَانَ عَبْدًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَمْلُوكًا لِلْآخَرِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَوَّلِ قَدْ بَطَلَ بِالرَّدِّ، وَلَمْ يَبْطُلْ بِإِقْرَارِ الثَّانِي تَصْدِيقُ الْمُقِرِّ وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ أَنَا عَبْدٌ لَكَ، فَقَالَ الْآخَرُ لَا، ثُمَّ قَالَ بَلَى أَنْتَ عَبْدِي فَهُوَ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ الثَّابِتَ لَا يَبْطُلُ بِالْجُحُودِ وَالْإِقْرَارُ مَتَى حَصَلَ بِمَا لَمْ يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ الْمُقَرُّ بِهِ مَوْقُوفًا عَلَى تَصْدِيقِهِ فِي الْإِقْرَارِ بِالسَّبَبِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ فِي يَدَيْهِ، فَقَالَ أَنَا عَبْدُكَ، فَقَالَ لَا، ثُمَّ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَكُنْ عَبْدَهُ فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْرِفْ يَدَهُ فِيهِ.
وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ لِرَجُلٍ هُوَ عَبْدُكَ يَا فُلَانُ، فَقَالَ لَا، ثُمَّ قَالَ هُوَ عَبْدِي فَهُوَ عَبْدٌ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِالْمِلْكِ وَالْمِلْكُ مِمَّا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ فِيهِ بِالرَّدِّ وَالتَّصْدِيقُ بَعْدَ مَا بَطَلَ الْإِقْرَارُ بِالرَّدِّ لَا يَكُونُ مُوجِبًا شَيْئًا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِالرِّقِّ وَالرِّقُّ لَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ مَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ فَلِهَذَا عَمِلَ التَّصْدِيقُ هُنَاكَ بَعْدَ الرَّدِّ، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ أَوْ لَا يَكُونَ فِي يَدِهِ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ الصَّحِيحُ مَا قُلْنَا.
وَلَوْ قَالَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ هُوَ عَبْدُكَ يَا فُلَانُ، فَقَالَ فُلَانٌ بَلْ هُوَ عَبْدُكَ، ثُمَّ قَالَ بَلَى هُوَ عَبْدِي وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَلْ هُوَ عَبْدُكَ رَدٌّ لِإِقْرَارِهِ وَإِقْرَارٌ بِمِلْكِ الْعَبْدِ لَهُ، فَإِنْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُنَاقِضًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ، ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ لِلتَّنَاقُضِ.
وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا، فَقَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِي إلَّا هَذَا الْبَيْتَ وَجَحَدَهُ ذُو الْيَدِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ لَهُ، فَإِنْ قَالَ كَانَ الْبَيْتُ لِي فَبِعْتُهُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الشُّهُودَ، وَإِنْ شَهِدُوا لَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ إلَّا أَنَّهُ وَفَّقَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ بِتَوْقِيفٍ مُحْتَمَلٍ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُكَذِّبًا لِشُهُودِهِ، وَإِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ الْبَيْتُ لِي قَطُّ فَهَذَا إكْذَابٌ مِنْهُ لِشُهُودِهِ إذَا شَهِدُوا لَهُ بِجَمِيعِ الدَّارِ وَالْمُدَّعِي إذَا أَكْذَبَ شُهُودَهُ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سَأَلَهُ الْقَاضِي عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ بِبَيَانِهِ مِنْ سُؤَالِهِ، فَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ مُكَذِّبٌ شُهُودَهُ فَإِنَّهُمْ شَهِدُوا لَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ إلَّا أَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ التَّوْقِيفِ، فَإِذَا أَبَى أَنْ يُوقِفَ نَفَى ظَاهِرَ الْإِكْذَابِ أَرَأَيْتَ لَوْ قُضِيَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ، ثُمَّ قَالَ الْمُدَّعِي مَا كَانَ الْبَيْتُ لِي قَطُّ لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ عَلَيْهِ إبْطَالُ قَضَائِهِ فَكَذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يُقْضَى إذَا لَمْ يُبَيِّنْ، وَعَلَى هَذَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِالْأَلْفِ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ بِأَلْفَيْنِ، فَإِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْهِ إلَّا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهَذَا إكْذَابٌ مِنْهُ لِشُهُودِهِ.
وَإِنْ قَالَ كَانَ لِي عَلَيْهِ أَلْفَانِ فَأَبْرَأْتُهُ مِنْ أَلْفٍ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُبَيِّنَ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَفِي الْقِيَاسِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ حُجَجٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا مَا أَمْكَنَ وَمَا دَامَ التَّوْقِيفُ مُمْكِنًا فَالْمَانِعُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ وَلَكِنْ اُسْتُحْسِنَ لِلْإِكْذَابِ الظَّاهِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَإِذَا أَقَرَّتْ الْأَمَةُ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ فَبَاعَهَا الْمُقَرُّ لَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا بِإِقْرَارِهَا وَالْمِلْكُ مُطْلَقٌ لِلتَّصَرُّفِ، فَإِذَا ادَّعَتْ عِتْقًا بَعْدَ الْبَيْعِ وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى عِتْقٍ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ مِنْ الْأَصْلِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهَا اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا انْقَادَتْ لِلْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ، وَذَلِكَ إقْرَارٌ مِنْهَا بِأَنَّهَا لَمْ يَجْرِ فِيهَا مِنْ الْبَائِعِ عِتْقٌ قَبْلَ هَذَا فَتَكُونُ مُنَاقَضَةً فِي دَعْوَى الْعِتْقِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا ادَّعَتْ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ فَالتَّنَاقُضُ ظَاهِرٌ لِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ مِنْهَا بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهَا وَمَعَ التَّنَاقُضِ فِي الدَّعْوَى لَا تَكُونُ الْبَيِّنَةُ مَقْبُولَةً، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ التَّنَاقُضُ بِعَدَمِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ يُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ الدَّعْوَى فَكَذَلِكَ مَعَ التَّنَاقُضِ، وَفِي الْكِتَابِ عَلَّلَ، فَقَالَ: لِأَنَّ هَذَا فَرْجٌ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَخْرُجَ الْفَرْجُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَقْبُولَةً حِسْبَةً، وَلَكِنْ هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ، فَأَمَّا التَّنَاقُضُ مِنْ الْعَبْدِ فَيَمْنَعُ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ عَلَى حُرِّيَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُنَا؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَحُرِّيَّةُ الْأَصْلِ بَعْدَ تَأَكُّدِهَا لَا تَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ.
وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَكُونُ التَّنَاقُضُ فِيهِ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ كَالنَّسَبِ فَإِنَّ التَّنَاقُضَ فِي دَعْوَى النَّسَبِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ حَتَّى أَكْذَبَ الْمُلَاعَنُ نَفْسَهُ لَثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ عَبْدًا وَدَفَعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَقَبَضَ ثَمَنَهُ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَذَهَبَ بِهِ إلَى مَنْزِلِهِ وَالْعَبْدُ سَاكِتٌ، وَهُوَ مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ إنْقَادٌ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ شَرْعًا إلَّا فِي الرَّقِيقِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالرِّقِّ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي بَعْضِ مَا تَمَّ بِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ أَوْ دَفَعَهُ بِجِنَايَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ فِي الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِقِّهِ فَانْقِيَادُهُ لِذَلِكَ إقْرَارٌ بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَهُ، ثُمَّ قَالَ أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَصَرُّفٌ فِي مَنَافِعِهِ لَا فِي عَيْنِهِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ رِقُّ الْمَحَلِّ فَإِنَّ مَنَافِعَ الْحُرِّ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ عِنْدَ إيجَابِهِ أَوْ إيجَابِ الْغَيْرِ بِبَيَانِهِ وَتَكُونُ مَنْفَعَتُهُ حَقًّا لَهُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَخْدُمُهُ، ثُمَّ قَالَ أَنَا حُرٌّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ إذَا خَدَمَ الْمُسْتَأْجِرَ بِإِجَارَتِهِ، قَالَ: وَالْإِجَارَةُ لَيْسَتْ بِإِقْرَارٍ مِنْ الْخَادِمِ بِالرِّقِّ وَهِيَ إقْرَارٌ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ مَا اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تُمْلَكُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فَمُبَاشَرَتُهُ سَبَبَ الْمِلْكِ فِي الْمَنْفَعَةِ مَقْصُودًا يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَأَمَّا إيجَابُ الْمَنْفَعَةِ لِلْغَيْرِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ بِالْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ لِأَحَدٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَعِرْنِي هَذَا يَخْدُمْنِي كَانَ هَذَا إقْرَارًا مِنْ الْمُسْتَعِيرِ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ كَمَا أَنَّهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى يَدِنَا.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ بَلَدٍ وَمَعَهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ يَخْدُمُونَهُ فَادَّعَى أَنَّهُمْ رَقِيقُهُ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ كَانُوا أَحْرَارًا؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَقْوَى عَلَى مَنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا أَغِلْمَةً عُجْمًا أَوْ سُودًا أَوْ حَبَشًا فَهَذِهِ الصِّفَاتُ لَا تُنَافِي حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ.
وَكَذَلِكَ إنْ عُلِمَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَقْوَى فَمَا لَمْ يُقِرَّ بِالْمِلْكِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ فِي الْحُرِّيَّةِ.
وَلَوْ عَرَضَ جَارِيَةً عَلَى الْبَيْعِ وَهِيَ سَاكِتَةٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا إقْرَارًا بِالرِّقِّ مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ الْغُلَامُ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُحْتَمَلٌ فَقَدْ يَكُونُ لِلتَّعْجِيبِ أَنَّهُ كَيْفَ تَعْرِضُنِي وَأَنَا حُرَّةٌ، وَقَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِخْفَافِ فَعَلَيْهِ لَا الْتِفَاتَ إلَى كَلَامِهِ لِكَوْنِهِ لَاعِبًا فَلِهَذَا يُجْعَلُ إقْرَارًا بِالرِّقِّ.
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ آخَرَ فَأَقَرَّتْ بِذَلِكَ، ثُمَّ ادَّعَى الَّذِي زَوَّجَهَا أَنَّهَا أَمَتُهُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ انْقِيَادَهَا بِالنِّكَاحِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهَا بِالرِّقِّ كَانْقِيَادِهَا لِلْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْحُرَّةَ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ.
وَلَوْ كَاتَبَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا عَلَى مَالٍ أَوْ قَالَتْ كَاتِبْنِي أَوْ أَعْتِقْنِي أَوْ بِعْنِي نَفْسِي أَوْ بِعْنِي مِنْ فُلَانٍ أَوْ ارْهَنِّي مِنْ فُلَانٍ أَوْ تَزَوَّجْ فُلَانَةَ عَلَى رَقَبَتِي أَوْ قَالَتْ لِامْرَأَةٍ اخْتَلِعِي مِنْ زَوْجِكَ عَلَى رَقَبَتِي فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ مِنْهَا بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّ مَا صَرَّحَتْ بِهِ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُ فِيهَا إلَّا بِرَقَبَتِهَا فَتَصْرِيحُهَا بِذَلِكَ إقْرَارٌ مِنْهَا بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ أَجِّرْنِي مِنْ فُلَانٍ فَهَذَا لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالرِّقِّ لِمَا قُلْنَا.
وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ أَعْتِقْنِي كَانَ هَذَا إقْرَارًا بِالرِّقِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَصِحُّ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الرِّقِّ مِمَّنْ هُوَ يَمْلِكُهُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَلَمْ تَعْتِقْنِي أَمْسِ أَوَ لَيْسَ قَدْ أَعْتَقْتَنِي أَمْسِ أَوْ مَا أَعْتَقْتَنِي أَمْسِ كَانَ هَذَا إقْرَارًا بِالرِّقِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.