فصل: بَابُ الْقِسْمَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ مَتَاعِ الْبَيْتِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ كَالدِّرْعِ وَالْخِمَارِ وَالْمَغَازِلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَمَا كَانَ لِلرِّجَالِ كَالسِّلَاحِ وَالْقَبَاءِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالطَّيْلَسَانِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْفَرَسِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَمَا كَانَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَالْخَادِمِ وَالْعَبْدِ وَالشَّاةِ وَالْفُرُشِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَا حَيَّيْنِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْحَيِّ مِنْهَا وَوَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا أَيِّهِمَا كَانَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ إنْ كَانَ حَيًّا وَلِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُعْطَى الْمَرْأَةُ جِهَازَ مِثْلِهَا وَالْبَاقِي لِلرَّجُلِ، اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلزَّوْجِ إنْ كَانَ حَيًّا وَلِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا وَإِنَّمَا لَهَا مَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً.
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ الْمَتَاعُ كُلُّهُ لِلرَّجُلِ إلَّا مَا عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهَا.
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَتَاعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ إذَا لَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحَدُ أَقَاوِيلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَفِي قَوْلٍ آخَرَ الْمُشْكِلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إنْ كَانَ الْبَيْتُ بَيْتَ الْمَرْأَةِ فَالْمَتَاعُ كُلُّهُ لَهَا إلَّا مَا عَلَى الزَّوْجِ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ بَيْتَ الزَّوْجِ فَالْمَتَاعُ كُلُّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ يَدَ صَاحِبِ الْبَيْتِ عَلَى مَا فِي الْبَيْتِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ سَاكِنَةُ الْبَيْتِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُسَمَّى قَعِيدَةً فَإِذَا كَانَ الْبَيْتُ لَهَا فَالْبَيْتُ مَعَ مَا فِيهِ فِي يَدِهَا وَعِنْدَ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ الْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ وَمَنْ يَقُولُ الْمَتَاعُ كُلُّهُ لِلزَّوْجِ قَالَ: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَمَا فِي بَيْتِهَا يَكُونُ فِي يَدِ الزَّوْجِ أَيْضًا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ وَأَنَّ الْمَنْزِلَ يُضَافُ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي امْرَأَةٍ وَهِيَ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْلَى، وَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْحَانُوتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ إلَّا مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ، فَهَذَا مِثْلُهُ، وَمَنْ يَقُولُ: الْكُلُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ يَقُولُ: اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُمَا سَاكِنَانِ فِي الْبَيْتِ فَالْبَيْتُ مَعَ مَا فِيهِ يَكُونُ فِي يَدِهِمَا وَلَا مُعْتَبَرَ فِي الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ بِالشَّبَهِ أَلَا تَرَى أَنَّ إسْكَافًا وَعَطَّارًا لَوْ تَنَازَعَا فِي آلَاتِ الْأَسَاكِفَةِ، أَوْ آلَاتِ الْعَطَّارِينَ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا قُضِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا يَصْلُحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَّخِذُ الشَّيْءَ لِاسْتِعْمَالِهِ وَقَدْ يَتَّخِذُهُ لِيَتَّجِرَ فِيهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا وَمَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمُشْكِلَ بَيْنَهُمَا، يَقُولُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ نَوْعُ تَرْجِيحٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي اتَّخَذَهُ لِاسْتِعْمَالِهِ فَيَتَرَجَّحُ بِهِ، كَمَا لَوْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الدَّارِ مَعَ سُكَّانِهَا فِي لَوْحٍ مَوْضُوعٍ فِي الدَّارِ وَنَقْشُهُ يُشْبِهُ نَقْشَ الْأَلْوَاحِ الَّتِي فِي السَّقْفِ وَمَوْضِعُهُ مِنْ السَّقْفِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ صَاحِبِ الدَّارِ لِأَجْلِ شَهَادَةِ الظَّاهِرِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّاكِنِ كَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ فَأَمَّا فِي الْمُشْكِلِ لَا تَرْجِيحَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَعَ مَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تُزَفُّ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا مَعَ جِهَازِ مِثْلِهَا فَفِي مِقْدَارِ جِهَازِ مِثْلِهَا يُتْرَكُ الْقِيَاسُ لِلْعُرْفِ الظَّاهِرِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ لَهَا وَفِيمَا زَادَ عَلَى الْقَوْلِ قَوْلُ الزَّوْجِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ الَّذِي قُلْنَا.
وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ الرَّجُلِ وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا وَالِاسْتِعْمَالُ يَدٌ حَتَّى لَوْ تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِذَيْلِهِ، أَوْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَأَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا يُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعْمِلِ فَكَانَتْ يَدُ الْمُسْتَعْمِلِ هُنَا أَقْوَى فِيمَا هُوَ صَالِحٌ لِأَحَدِهِمَا فَأَمَّا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ الرَّجُلِ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ فَقَدْ كَانَتْ هِيَ مَعَ الْمَتَاعِ فِي يَدِهِ فَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَثَةُ الزَّوْجِ يَقُومُونَ مَقَامَ الزَّوْجِ فَكَمَا أَنَّ فِي الْمُشْكِلِ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَدُ الْبَاقِي مِنْهُمَا إلَى الْمَتَاعِ أَسْبَقُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يُثْبِتُ يَدَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَكَمَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ هُنَا بِقُوَّةِ الْيَدِ لِصَلَاحِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ فَكَذَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِسَبْقِ الْيَدِ وَلِأَنَّ يَدَ الْبَاقِي مِنْهُمَا يَدُ نَفْسِهِ وَيَدُ الْوَارِثِ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِ مُوَرِّثِهِ فَلِهَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّرْجِيحِ كَانَ الْمُشْكِلُ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا أَيِّهِمَا كَانَ.
وَمَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ التِّجَارَةِ وَالرَّجُلُ مَعْرُوفٌ بِتِلْكَ التِّجَارَةِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ،
وَالْجُبَّةُ الْمَحْشُوَّةُ وَجُبَّةُ الْقَزِّ وَالْخَزِّ وَالْبُرْدِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ إذَا كَانَتْ ذَاتَ لَبَّةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَسْتَعْمِلُهُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ.
وَالْمُسْتُقَةُ وَالْبُرُّ كَانَ الْمَعْلَمُ مِمَّا يَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ حُرًّا وَالْآخَرُ مَمْلُوكًا، أَوْ مُكَاتَبًا فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ مِنْهُمَا أَيِّهِمَا كَانَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى هَذَا وَمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ سَوَاءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَمْلُوكَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا مُعْتَبَرَةً.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ حُرٌّ وَمَمْلُوكٌ فِي مَتَاعٍ فِي يَدِهِمَا كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا تَتَرَجَّحُ يَدُ الْحُرِّ بِحُرِّيَّتِهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا.
وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ يَدُ الْحُرِّ أَقْوَى فَإِنَّهَا يَدُ مِلْكٍ وَيَدُ الْعَبْدِ لَيْسَتْ بِيَدِ مِلْكٍ فَكَمَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ هُنَا بِقُوَّةِ الْيَدِ يَقَعُ بِالْقُرْبِ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ، فَكَذَلِكَ يَقَعُ التَّرْجِيحُ هُنَا بِقُوَّةِ الْيَدِ بِالْحُرِّيَّةِ، تَوْضِيحُهُ أَنَّ يَدَ الْحُرِّ يَدُ نَفْسِهِ وَيَدَ الْعَبْدِ مِنْ وَجْهٍ كَأَنَّهَا يَدُ مَوْلَاهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّرْجِيحَ هُنَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ يَدَهُ يَدُ نَفْسِهِ كَمَا بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا وَالْآخَرُ مُسْلِمًا فَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا فِي قُوَّةِ الْيَدِ يَسْتَوِيَانِ فَإِنَّ يَدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدُ نَفْسِهِ وَهِيَ يَدُ مِلْكٍ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَيَسْتَوِي إنْ وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ، أَوْ بَعْدَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَأُعْتِقَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَمَا عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ فَهُوَ لِلرَّجُلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ عِتْقِهَا وَمَا أَحْدَثَا بَعْدَ الْعِتْقِ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ يَدَهَا بِالْعِتْقِ تَتَقَوَّى فَتَسْتَوِي بِيَدِ الرَّجُلِ فِيمَا أَحْدَثَ بَعْدَ الْعِتْقِ (قَالَ:) فَإِنْ كَانَ لَهُ نِسْوَةٌ فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ، فَإِنْ كُنَّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَمَتَاعُ النِّسْوَةِ بَيْنَهُنَّ سَوَاءٌ لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُنَّ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الْقُرْبُ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ وَقُوَّةُ الْيَدِ بِسَبَبِهِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَمَا فِي بَيْتِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا عَلَى مَا وَصَفْنَا وَلَا يُشَارِكُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِيمَا فِي بَيْتِ ضَرَّتِهَا فَلَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ.
(قَالَ:) وَإِذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِمَتَاعٍ أَنَّ الرَّجُلَ اشْتَرَاهُ فَهُوَ لِلرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلْمِلْكِ وَقَدْ أَقَرَّتْ لَهُ بِمُبَاشَرَةِ هَذَا السَّبَبِ؛ وَلِأَنَّ مَا أَقَرَّتْ بِهِ كَالْمُعَايَنِ، وَلَوْ عَايَنَاهُ اشْتَرَى شَيْئًا كَانَ ذَلِكَ مَمْلُوكًا لَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّتْ هِيَ بِشِرَائِهِ.
(قَالَ:) وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ لِلْمَرْأَةِ قَدْ كَانَ طَلَّقَك فِي حَيَاتِهِ ثَلَاثًا وَأَرَادُوا أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهَا الْمُشْكِلَ لَمْ يُصَدَّقُوا عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا التَّفْرِيعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقُولُ: إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالطَّلَاقِ فَفِي الْمُشْكِلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَإِذَا وَقَعَتْ بِالْمَوْتِ فَفِي الْمُشْكِلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَاقِي مِنْهُمَا، ثُمَّ هُنَا الْوَرَثَةُ يَدَّعُونَ طَلَاقًا لَمْ يَظْهَرْ سَبَبُهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوا مَنْعَ مِيرَاثِهَا بِهَذِهِ الدَّعْوَى لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا بَعْدَ مَا تَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّهَا مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِالطَّلَاقِ لَزِمَهَا فَإِذَا أَنْكَرَتْ حَلَفَتْ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الِاسْتِحْلَافَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَاتَ، أَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَفِي الْمُشْكِلِ الْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً بِهَذَا الطَّلَاقِ وَلَوْ وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُشْكِلِ بَعْدَ الطَّلَاقِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الزَّوْجِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ وَرَثَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْمَرَضِ لَا يَجْعَلُهَا أَجْنَبِيَّةً مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَرِثُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ إذَا مَاتَ فَكَانَ هَذَا وَمَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِالْمَوْتِ سَوَاءٌ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ فِي الْمُشْكِلِ قَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَوْ مُكَاتَبَيْنِ، أَوْ كَافِرَيْنِ فَالْقَوْلُ فِي الْمَتَاعِ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ.
وَالْكُفَّارُ وَالْمَمَالِيكُ فِي ذَلِكَ يَسْتَوُونَ بِالْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي سَائِرِ الْخُصُومَاتِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

.بَابُ الْقِسْمَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ:

اعْلَمْ بِأَنَّ الزَّوْجَ مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ فِي الْقِسْمَةِ فِيمَا بَيْنَ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} إلَى قَوْلِهِ {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا تَعُولُوا} مَعْنَاهُ: أَنْ لَا تَجُورُوا، وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْ لَا تَكْثُرَ عِيَالُكُمْ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ السَّلَفِ فَالْمَنْقُولُ عَنْهُمْ أَنْ لَا تَمِيلُوا، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ كَثْرَةَ الْعِيَالِ لَكَانَ يَقُولُ: أَنْ لَا تُعِيلُوا.
يُقَالُ: عَالَ إذَا مَالَ، وَأَعَالَ إذَا صَارَ مُعِيلًا، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَذَلِكَ أَيْضًا غَلَطٌ، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدَةِ وَاِتِّخَاذِ مَا بَيَّنَّا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ عِنْدَ هَذَا الْجَوْرِ، وَمَعْنَى كَثْرَةِ الْعِيَالِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ يَحْصُلُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ، كَمَا يَحْصُلُ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ اسْتِحْقَاقُ التَّسْوِيَةِ فِي الْقِسْمَةِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْدِلُ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ» يَعْنِي: مِنْ زِيَادَةِ الْمَحَبَّةِ لِبَعْضِهِنَّ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا فِي الْقَسْمِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ»؛ وَلِأَنَّ النِّسَاءَ رَعَايَاهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْفَظُهُنَّ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ وَكُلُّ رَاعٍ مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ فِي رَعِيَّتِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ} إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ الْحُرِّ، أَوْ الْمَمْلُوكِ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَعَلَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ، فَأَمَّا فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ فَالِاخْتِيَارُ إلَيْهِ، وَهَذِهِ التَّسْوِيَةُ فِي الْبَيْتُوتَةِ عِنْدَهَا لِلصُّحْبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى النَّشَاطِ وَلَا يُقْدَرُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ، فَهُوَ نَظِيرُ الْمَحَبَّةِ فِي الْقَلْبِ.
وَرُوِيَ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ الْحَكَمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ دَخَلَ بِهَا: إنْ شِئْت سَبَّعْتُ لَك وَسَبَّعْتُ لَهُنَّ»، زَادَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «إنْ شِئْت ثَلَّثْتُ لَك وَثَلَّثْتُ لَهُنَّ»، وَفِي رِوَايَةٍ «وَإِنْ شِئْت ثَلَّثْتُ لَك، ثُمَّ دُرْت»، وَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا فَقَالُوا: الْجَدِيدَةُ وَالْقَدِيمَةُ فِي حُكْمِ الْقَسْمِ سَوَاءٌ بِكْرًا كَانَتْ الْجَدِيدَةُ، أَوْ ثَيِّبًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إنْ كَانَتْ بِكْرًا يُفَضِّلُهَا بِسَبْعِ لَيَالٍ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَثَلَاثُ لَيَالٍ، ثُمَّ التَّسْوِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُفَضَّلُ الْبِكْرُ بِسَبْعٍ وَالثَّيِّبُ بِثَلَاثٍ»، وَلِأَنَّ الْقَدِيمَةَ قَدْ أَلِفَتْ صُحْبَتَهُ وَأَنِسَتْ بِهِ وَالْجَدِيدَةُ مَا أَلِفَتْ ذَلِكَ بَلْ فِيهَا نَوْعُ نَفْرَةٍ وَوَحْشَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزِيلَ ذَلِكَ عَنْهَا بِبَعْضِ الصُّحْبَةِ لِتَسْتَوِيَ بِالْقَدِيمَةِ فِي الْإِلْفِ، ثُمَّ الْمُسَاوَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَتْ بِكْرًا فَفِيهَا زِيَادَةُ نَفْرَةٍ عَنْ الرِّجَالِ فَيُفَضِّلُهَا بِسَبْعِ لَيَالٍ، وَإِذَا كَانَتْ ثَيِّبًا فَهِيَ قَدْ صَحِبَتْ الرِّجَالَ وَإِنَّمَا لَمْ تَصْحَبْهُ خَاصَّةً فَيَكْفِيهَا ثَلَاثُ لَيَالٍ؛
لِتَأْنَسَ بِصُحْبَتِهِ.
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ؛ اجْتِمَاعُهَا فِي نِكَاحِهِ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَوْ وَجَبَ تَفْضِيلُ إحْدَاهُمَا كَانَتْ الْقَدِيمَةُ أَوْلَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَحْشَةَ فِي جَانِبِهَا أَكْثَرُ حَيْثُ أَدْخَلَ غَيْرَهَا عَلَيْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَغِيظُهَا عَادَةً، وَلِأَنَّ لِلْقَدِيمَةِ زِيَادَةَ حُرْمَةٍ بِسَبَبِ الْخِدْمَةِ، كَمَا يُقَالُ لِكُلِّ جَدِيدٍ لَذَّةٌ وَلِكُلِّ قَدِيمٍ حُرْمَةٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَالْمُرَادُ التَّفْضِيلُ بِالْبِدَايَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ، كَمَا ذُكِرَ فِي «حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا إنْ شِئْت سَبَّعْت لَك وَسَبَّعْت لَهُنَّ» وَقَوْلُهُ: «إنْ شِئْت ثَلَّثْت لَك، ثُمَّ دُرْت» أَيْ أَخْبَرْت بِمِثْلِ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَدِيدَةِ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ اللَّذَّةِ وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا.
(قَالَ:) وَالْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ وَالْمُرَاهِقَةُ وَالْمَجْنُونَةُ وَالْبَالِغَةُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَسْمِ سَوَاءٌ لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُنَّ فِي سَبَبِ هَذَا الْحَقِّ وَهُوَ الْحِلُّ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ أَكْثَرَ مِمَّا يُقِيمُ عِنْدَ الْأُخْرَى، إلَّا أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فِيهِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ فِي مَرَضِهِ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فَأَذِنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ فَكَانَ فِي بَيْتِهَا حَتَّى قُبِضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ وَالْمَرِيضَ فِي الْقَسْمِ سَوَاءٌ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ مَرَضِهِ كَانَ يَكُونُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، ثُمَّ لَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ اسْتَأْذَنَهُنَّ فِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ وَالْمَرِيضَ سَوَاءٌ وَأَنَّ عِنْدَ الْإِذْنِ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ.
فَأَمَّا الْأَمَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ تَكُونُ زَوْجَةَ الرَّجُلِ فَيَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا حُرَّةً فَلِلْحُرَّةِ يَوْمَانِ وَلِلْأَمَةِ يَوْمٌ وَاحِدٌ؛ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى مَا رَوَيْنَا قَالَ: وَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ، وَلِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْقَسْمِ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ، وَالرِّقُّ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ قَائِمٌ.
(قَالَ:)، وَإِنْ سَافَرَ الرَّجُلُ مَعَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ لِحَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَلَمَّا قَدِمَ طَالَبَتْهُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا مِثْلَ الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا مَعَ الْأُخْرَى فِي السَّفَرِ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ وَلَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ بِأَيَّامِ سَفَرِهِ مَعَ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ وَلَكِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِأَيَّتِهِمَا مِنْ غَيْرِ إقْرَاعٍ بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَصَابَتْنِي الْقُرْعَةُ فِي السَّفْرَةِ الَّتِي أَصَابَنِي فِيهَا مَا أَصَابَنِي».
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَرْأَةِ فِي الْقَسْمِ عِنْدَ سَفَرِ الزَّوْجِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ وَلَا يَسْتَصْحِبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي حَالَةِ السَّفَرِ وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْبِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ وَنَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ، وَبِهِ نَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لِلزَّوْجِ، ثُمَّ إذَا سَافَرَ بِبَعْضِهِنَّ لَيْسَ لِلْبَاقِينَ بَعْدَ الرُّجُوعِ الِاحْتِسَابُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْمُدَّةِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ سَافَرَ بِبَعْضِهِنَّ بِغَيْرِ اقْتِرَاعٍ فَذَلِكَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْأُخْرَى بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْإِقْرَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَتْ مُدَّةُ سَفَرِهِ نَوْبَةَ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْأُخْرَى مِثْلُ ذَلِكَ لِيَتَحَقَّقَ الْعَدْلُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ وُجُوبُ التَّسْوِيَةِ فِي وَقْتِ اسْتِحْقَاقِ الْقَسْمِ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَرْأَةِ فِي الْقَسْمِ فِي حَالِ سَفَرِ الزَّوْجِ فَلَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّسْوِيَةِ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْمُدَّةِ كَمَا إذَا سَافَرَ بِهَا بِالْقُرْعَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِي حَالَةِ الْحَضَرِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبِدَايَةُ بِإِقْرَاعٍ، أَوْ بِغَيْرِ إقْرَاعٍ، فَكَذَلِكَ فِي السَّفَرِ.
(قَالَ:) وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَ إحْدَاهُمَا شَهْرًا، ثُمَّ خَاصَمَتْهُ الْأُخْرَى فِي ذَلِكَ قُضِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْعَدْلَ بَيْنَهُمَا وَمَا مَضَى فَهُوَ هَدَرٌ، غَيْرَ أَنَّهُ هُوَ فِيهِ آثِمٌ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ بَعْدَ الطَّلَبِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَمَا مَضَى قَبْلَ الطَّلَبِ لَيْسَ مِنْ الْقِسْمَةِ فِي شَيْءٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فِي الْقِسْمَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَا مَضَى قَبْلَ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الَّتِي جَدَّدَ نِكَاحَهَا، فَكَذَلِكَ مَا مَضَى قَبْلَ طَلَبِهَا.
(قَالَ:) فَإِنْ عَادَ إلَى الْجَوْرِ بَعْدَ مَا نَهَاهُ الْقَاضِي أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً وَأَمَرَهُ بِالْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ أَسَاءَ الْأَدَبَ فِيمَا صَنَعَ وَارْتَكَبَ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الْجَوْرُ فَيُعَزَّرُ فِي ذَلِكَ وَيُؤْمَرُ بِالْعَدْلِ.
(قَالَ:) وَلَوْ كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَةٌ فَدَخَلَتْ فِي سِنِّهَا أَيْ كَبِرَتْ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهَا شَابَّةً فَطَلَبَتْ أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى وَيُقِيمَ عِنْدَ الَّتِي تَزَوَّجَ أَيَّامًا وَيُقِيمَ عِنْدَهَا يَوْمًا فَتَزَوَّجَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ كَانَ جَائِزًا لَا بَأْسَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي هَذَا.
وَبَلَغَنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمْعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ طَعَنَتْ فِي السِّنِّ: اعْتَدِّي فَسَأَلَتْهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُرَاجِعَهَا وَيَجْعَلَ يَوْمَ نَوْبَتِهَا لِعَائِشَةَ؛ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِكَيْ تُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُنَّ فَفَعَلَ» (قَالَ:) وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ عِنْد إحْدَى امْرَأَتَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُقِيمُ عِنْدَ الْأُخْرَى إذَا أَذِنَتْ لَهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ فِي مَقَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِإِذْنِهِنَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} قَالَ: هَذَا فِي الْحُبِّ فَأَمَّا فِي الْقَسْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ وَلَا يُفَضِّلَ إحْدَاهُمَا، إلَّا بِإِذْنِ الْأُخْرَى وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} مِثْلُ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الَّتِي رَضِيَتْ أَسْقَطَتْ حَقَّ نَفْسِهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِ أَنْ تُسْقِطَ حَقَّهَا، إلَّا أَنَّ هَذَا الرِّضَا لَيْسَ يُلْزِمُهَا شَيْئًا حَتَّى إذَا أَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ وَتُطَالِبَ بِالْعَدْلِ فِي الْقَسْمِ فَلَهَا ذَلِكَ.
(قَالَ:) وَاذَا أَقَامَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ يَوْمًا، ثُمَّ أُعْتِقَتْ لَمْ يُقِمْ عِنْدَ الْحُرَّةِ الْأُخْرَى، إلَّا يَوْمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقَةَ اسْتَوَتْ بِالْحُرَّةِ فِي السَّبَبِ فَعَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْم وَتُجْعَلُ حُرِّيَّتُهَا عِنْدَ انْتِهَاءِ النَّوْبَةِ إلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ حُرِّيَّتِهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ النَّوْبَةِ وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْحُرَّةِ يَوْمًا، ثُمَّ أَعْتَقَتْ تَحَوَّلَ عَنْهَا إلَى الْمُعْتَقَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَوَتْ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَضِّلَ الْحُرَّةَ بِشَيْءٍ بَعْدَ مَا اسْتَوَتْ الْمُعْتَقَةُ بِهَا.
(قَالَ:) وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ النَّهَارَ فَاسْتَعْدَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَبِيتَ مَعَهَا وَيُفْطِرَ لَهَا.
وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبِ بْنَ سَوْرٍ اقْضِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: أَرَاهَا إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ لَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَلَهَا يَوْمُ وَلَيْلَةٌ.
وَقِصَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَتْ: إنَّ زَوْجِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ، فَقَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ زَوْجُك، فَأَعَادَتْ كَلَامَهَا مِرَارًا، فِي كُلِّ ذَلِكَ يُجِيبُهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَذَا، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ سَوْرٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهَا تَشْكُو مِنْ زَوْجِهَا فِي أَنَّهُ هَجَرَ مِنْ صُحْبَتِهَا فَتَعَجَّبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ فِطْنَتِهِ وَقَالَ اقْضِ بَيْنَهُمَا، فَقَضَى كَعْبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَا ذُكِرَ فَوَلَّاهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ، ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهَا فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ وَلَكِنْ يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِأَنْ يُرَاعِيَ قَلْبَهَا وَيَبِيتَ مَعَهَا أَحْيَانًا.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَاشْتَغَلَ عَنْهَا بِالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، أَوْ بِصُحْبَةِ الْإِمَاءِ فَخَاصَمَتْهُ فِي ذَلِكَ قَضَى الْقَاضِي لَهَا بِلَيْلَةٍ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ سَوْرٍ، وَلِأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهَا عَنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ ثَلَاثًا سِوَاهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْقِسْمَةَ وَالْعَدْلَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ هُنَا حِينَ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ، إلَّا وَاحِدَةٌ، أَرَأَيْت لَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَكَانَ يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَلَا يَشْتَغِلُ بِالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ أَبَدًا، حَتَّى لَا يَصُومَ لَا رَمَضَانَ وَلَا غَيْرَهُ، هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُؤْنِسَهَا بِصُحْبَتِهِ أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ تَلْحَقُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْمُغَايَظَةُ لِمَقَامِهِ عِنْدَ الْأُخْرَى، فَيُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ.
(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ عَلَى أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ إحْدَاهُمَا يَوْمًا وَالْأُخْرَى يَوْمَيْنِ، ثُمَّ طَلَبَتْ الَّتِي لَهَا الْيَوْمُ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فَلَهَا ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا رَضِيَتْ بِتَرْكِ الْعَدْلِ فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ فَلَا يُلْزِمُهَا ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ شَيْئًا، وَلِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ»
(قَالَ:) وَالْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ فِي الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ بَيْنَ النِّسَاءِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ وُجُوبَ الْقَسْمِ وَالْعَدْلِ لِلصُّحْبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ دُونَ الْمُجَامَعَةِ وَحَالُ هَؤُلَاءِ فِي هَذَا كَحَالِ الْفَحْلِ، وَكَذَلِكَ الْغُلَامُ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ إذَا دَخَلَ بِامْرَأَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ لِحَقِّ النِّسَاءِ، وَحُقُوقُ الْعِبَادِ تَتَوَجَّهُ عَلَى الصِّبْيَانِ عِنْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ كَمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْبَالِغِينَ.
(قَالَ:) وَإِذَا جَعَلَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ يَزِيدَهَا فِي الْقَسْمِ يَوْمًا فَفَعَلَ لَمْ يَجُزْ، وَتَرْجِعُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهَا رَشَتْهُ عَلَى أَنْ يَجُورَ وَالرِّشْوَةُ حَرَامٌ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الرِّشْوَةِ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ مِنْ السُّحْتِ؛ فَلِهَذَا تَسْتَرِدُّ مَا أَعْطَتْ وَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ فِي الْقَسْمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَطَّتْ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، أَوْ زَادَهَا الزَّوْجُ فِي مَهْرِهَا، أَوْ جَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ نَوْبَتَهَا لِفُلَانَةَ فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا بِهَذَا لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ شَيْئًا فَلَا تَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ الْمَالَ بِمُقَابِلَتِهِ وَلِأَنَّهَا أَخَذَتْ الرِّشْوَةَ عَلَى أَنْ تَرْضَى بِالْجَوْرِ وَذَلِكَ حَرَامٌ، فَكَانَ الْجُعْلُ مَرْدُودًا.
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.