فصل: بَابُ الْوَصِيَّةِ إذَا لَمْ يَقْبَلْهَا الْمُوصَى لَهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب الوصية بالعتق على مال أو خدمة:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ كَذَا، وَكَذَا وَيُعْتَقُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا قَالَ إنْ كَانَ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ مِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا بِمِقْدَارِ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ عَنْ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ حَطَّ عَنْهُ ثُلُثَ الْمَالِ وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ اعْتِبَارًا لِمَا أَوْصَى بِهِ بِمَالٍ نَقَدَهُ فِي مَرَضِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِبَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِبَيْعِهِ مِنْ مَعْلُومٍ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَجَبَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فَإِنْ حَطَّ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ فِي قِيمَتِهِ يَجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مَنْفَعَةُ الْمُوصِي أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْوَلَاءُ، إنَّمَا جَعَلْنَا هَذَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ أَدَاءَ مَا يَقُومُ مَقَامَ مَالِيَّةِ رَقَبَةٍ فِي تَوَفُّرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ فَإِنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَالِيَّةِ، وَذَلِكَ يَسْلَمْ لَهُمْ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَإِنْ أَعْتَقَ مَعَ هَذَا عَبْدًا عَلَى غَيْرِ جُعْلٍ بُدِئَ بِالْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ، ثُمَّ أَعْتَقْنَا هَذَا الْآخَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّ مَا نَفَذَ مِنْ الْعِتْقِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مُقَدَّمُ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِتْقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنَّ مَا بَعْدَهُ صَارَ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّنْفِيذِ وَمَا أَوْصَى بِهِ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ فَلِهَذَا قَدَّمْنَا الْعِتْقَ الْمُنَفَّذَ فِي ثُلُثِهِ، وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يَخْدُمَ عَبْدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَرَثَتَهُ سَنَةً، ثُمَّ يُعْتَقُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ، ثُمَّ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ لِلْعَبْدِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهَا، فَإِذَا بَطَلَتْ الْأُولَى لِعَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ تَبْطُلُ الثَّانِيَةُ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا.
فَإِذَا صَحَّتْ الْأُولَى بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُمْ كِبَارٌ يَجِبُ تَنْفِيذُ الْأُخْرَى جَزْمًا عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ سَنَةً كَمَا أَوْصَى بِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَخْدُمَ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ سَنَةً، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ إيثَارُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، وَلَكِنَّهُ إيفَاءُ مَا كَانَ مِنْ اسْتِخْدَامِ الْوَرَثَةِ إيَّاهُ سَنَةً بَعْدَ مَوْتِهِ، ثُمَّ أَوْصَى بِعِتْقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجِبُ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ خِدْمَتِهِ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لَا بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَالْإِرْثُ لَا يُرَدُّ لِكَرَاهَةِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ قِيلَ الْخِدْمَةُ لَا تُوَرَّثُ قُلْنَا نَعَمْ مَقْصُودًا وَلَكِنَّهَا تُوَرَّثُ تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَمَّا لَمْ يَجِبْ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ فِي الْحَالِ صَارَتْ الرَّقَبَةُ مَعَ الْخِدْمَةِ مَمْلُوكَةً لَهُمْ إرْثًا عَلَى أَنْ يُعَادَ إلَى الْمَيِّتِ حُكْمًا عِنْدَ الْإِعْتَاقِ، وَهُوَ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ لِتَسْلِيمِ الْوَلَاءِ لَهُ، ثُمَّ مَقْصُودُ مَنْ كَرِهَ مِنْهُمْ إبْطَالَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، وَالْوَارِثُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ الثُّلُثُ فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَخْدُمَ فُلَانًا سَنَةً، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ وَفُلَانٌ غَيْرُ وَارِثٌ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ وَصِيَّتَيْنِ تَصِحُّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً فَيَصِحُّ تَرَتُّبُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى أَيْضًا، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَقْبَلَ الْخِدْمَةَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ هَهُنَا تُسَلَّمُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْوَصِيَّةِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ حَقُّ الرَّدِّ فِي الْمُوصَى بِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ بَعْدَ هَذَا.
وَإِذَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ الْأُولَى بِرَدِّهِ بَطَلَتْ الثَّانِيَةُ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا مُرَتَّبَةً عَلَى الْأُولَى، وَقَدْ فَاتَ شَرْطُهَا حِينَ رَدِّ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قُتِلَ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ فَإِنَّ الْإِرْثَ لَا يَجْرِي فِي مُجَرَّدِ الْمَنْفَعَةِ فَوَارِثُ الْمُوصَى لَهُ لَا يَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إذَا خَدَمَ فُلَانًا سَنَةً أَوْ إنْ خَدَمَ سَنَةً فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّ الشَّرْطَ يَفُوتُ بِمَوْتِ فُلَانٍ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ غَائِبًا فَقَدِمَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ فَالْخِدْمَةُ تَكُونُ لَهُ مِنْ يَوْمِ قَدِمَ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى ذَكَرَ سَنَةً مُنَكَّرَةً، وَلَا حَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ السَّنَةِ الَّتِي تَعْقُبُ مَوْتَهُ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُوصَى بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ: يَخْدُمُ فُلَانًا هَذِهِ السَّنَةَ، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَلَمْ يَقْدُمْ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْخِدْمَةِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا فَإِنَّهُ عَيَّنَ الْوَصِيَّةَ لِلْمَنَافِعِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي السَّنَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا، وَذَلِكَ يَفُوتُ بِمُضِيِّهَا، وَيَبْطُلُ الْعِتْقُ أَيْضًا لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَلَوْ قَالَ: يَخْدُمُ فُلَانًا سَنَةً، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَخْدُمُ فُلَانًا يَوْمًا وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثُ سِنِينَ عَتَقَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي تَسْلِيمِ الْعَبْدِ إلَى الْمُوصَى لَهُ لِيَخْدُمَهُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ قَصْرُ يَدِ الْوَارِثِ عَنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ لِمَكَانِ الْوَصِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ ضِعْفُ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَقُلْنَا يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا، وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ حَتَّى يَمْضِيَ ثَلَاثُ سِنِينَ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا كَمَالَ حَقِّهِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَيُتِمُّ بِهِ شَرْطَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، فَيُعْتَقُ ثُلُثَهُ وَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَخْدُمَ وَرَثَتَهُ سَنَةً، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَصَالَحُوهُ مِنْ الْخِدْمَةِ عَلَى دَرَاهِمَ وَعَجَّلُوا عِتْقَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُمْ بِالْمِيرَاثِ فَيَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِالْمَالِ، وَيُجْعَلُ وُصُولُ الْبَدَلِ إلَيْهِمْ كَوُصُولِ الْمُبْدَلِ بِأَنَّهُ يَخْدُمُهُمْ سَنَةً فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثُهُ، ثُمَّ هُمْ أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ عَنْ الْخِدْمَةِ بِعِوَضٍ، وَلَوْ أَسْقَطُوهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَعَجَّلُوا الْعِتْقَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ صَارَ رَاضِيًا بِالْتِزَامِ وَلَائِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا أَسْقَطُوهُ بِعِوَضٍ.
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا، وَأَغَلَّتْ عَلَيْهِ قَبْلَ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ، وَتُعْتَقُ هِيَ مِنْ الثُّلُثِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ لَا تَسْرِي إلَى الْوَلَدِ، وَلَا إلَى الْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ، وَالْوَرَثَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ لَهُمَا فِيمَا هُوَ فَارِغٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ لَهُمْ فِيهَا قَدْ تَقَرَّرَ، وَالْبَاقِي لِمِلْكِ الْمَيِّتِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّا نَجْعَلُهَا كَالْبَاقِيَةِ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حُكْمًا لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهَا، وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْوَرَثَةِ، إنْ جَنَتْ جِنَايَةً فَذَلِكَ إلَى الْوَارِث إنْ شَاءَ دَفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ، وَأَبْطَلَ الْعِتْقَ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهَا بِالْأَرْشِ، وَأَعْتَقَهَا عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ لَهَا فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ اخْتَارَ دَفْعَهَا دَفَعَ بِهِ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، وَهُوَ مِلْكُ الْمَيِّتِ، إنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَقَدْ طَهُرَتْ عَنْ الْجِنَايَةِ وَبَقِيَتْ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا كَانَتْ، وَالْوَارِثُ مُتَبَرِّعٌ فِي الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا أَعْتَقَهَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَهُوَ حُرٌّ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَنْفِيذِ عِتْقِهِ، ثُمَّ عِتْقُهَا مُسْتَحَقٌّ عَنْ الْمَيِّتِ، وَمَا اُسْتُحِقَّ فِي عَيْنٍ بِجِهَةٍ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أُتِيَ بِهِ يَقَعُ عَنْ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ حِصَّةُ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْوَرَثَةِ مِنْ قِيمَةِ الْخِدْمَةِ لِاحْتِبَاسِ ذَلِكَ عِنْدَهُ حَتَّى نَفَذَ الْعِتْقُ فِيهِ مِنْ بَعْضِ الْوَرَثَةِ.
وَذَلِكَ مُتَقَوِّمٌ فِيمَا هُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِذَا كَانَ أَعْتَقَهُ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَحَدٍ إذَا كَانَ يُخْرِجُ قِيمَتَهَا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَنْفِيذٌ لِلْوَصِيَّةِ، وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ بِمَنْزِلَةِ جَمَاعَتِهِمْ فِي تَنْفِيذِ جَمِيعِ وَصِيَّةِ الْمُوصِي فِي الْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِهِ، إنْ دَبَّرَهَا وَارِثٌ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْ الْمَيِّتِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهَا بِشَرْطٍ آخَرَ، وَقَدْ يُوجَدُ الشَّرْطُ، إنْ لَمْ يَمُتْ فَتَدْبِيرُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إعْتَاقَهَا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَدْبِيرَهَا عَنْ نَفْسِهِ أَيْضًا وَلَيْسَ فِي التَّدْبِيرِ تَنْفِيذُ وَصِيَّةِ الْمَيِّتِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْوَصِيُّ لِإِنْسَانٍ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ: اعْتِقْهَا عَنْ الْمَيِّتِ فَأَعْتَقَهَا أَوْ اُحْتُضِرَ الْوَصِيُّ فَأَوْصَى إلَى آخَرَ أَنْ يُعْتِقَهَا عَنْ الْمَيِّتِ جَازَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْعِتْقِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ نَائِبٌ مَحْضٌ، وَالْآمِرُ مَا أَنَابَهُ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الْوَصِيَّةِ إلَى الْغَيْرِ وَلِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِنَفْسِهِ، وَفِي أَمْرِهِ غَيْرَهُ بِذَلِكَ وَإِيصَائِهِ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ تَحْصِيلُ مَقْصُودِ الْمُوصِي فَيَصِحُّ ذَلِكَ مِنْ الْوَصِيِّ.
وَإِذَا أَوْصَى بِعِتْقِ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ كَالْمُنْفَصِلِ فِي حُكْمِ مَقْصُودِ الْمُعْتِقِ فِيهِ فَإِنْ أَعْتَقَ الْأُمَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْهُ، وَمَا فِي بَطْنِهَا حُرٌّ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي الْعِتْقِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْمُعْتِقُ فِيهَا.
وَلَوْ أَعْتَقَ الْجَنِينَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ عَنْ الْمَيِّتِ فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ الْأُمَّ أَحَدُهُمْ، وَقَدْ صَارَتْ الْأُمُّ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا فَارِغَةٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ، فَإِذَا أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمْ يُخَيَّرُ شُرَكَاؤُهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عِتْقِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ الْمَمْلُوكَ الْمُشْتَرَكَ، إنْ دَبَّرَهَا قَبْلَ أَنْ تَلِدَ فَتَدْبِيرُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَهُ مِنْهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ نُفُوذِ التَّدْبِيرِ مِنْهُ فِي نَصِيبِهِ مِنْهَا نُفُوذُهُ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهَا فِي حُكْمِ التَّدْبِيرِ كَمَا لَا يَنْفَصِلُ فِي حُكْمِ الْعِتْقِ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنْهَا وَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ الْمَيِّتِ فِي الْجَنِينِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَمْلُوكُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي حُكْمًا لِيُعْتَقَ عَنْهُ فَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ، وَيَنْفُذُ التَّدْبِيرُ مِنْ الَّذِي دَبَّرَ فِي بَعْضِ الْجَنِينِ عَنْ نَفْسِهِ بِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ، وَيَسْتَحِقُّ وَلَاءَهُ ضَرُورَةً فَيَفُوتُ بِهِ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ.
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ جَارِيَتَهُ فُلَانَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ، وَهِيَ الثُّلُثُ فَبَاعَهَا الْوَرَثَةُ فَبَيْعُهُمْ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حُكْمًا مَشْغُولَةٌ بِحَاجَتِهِ فَبَيْعُهُمْ إيَّاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَبَيْعِهِمْ إيَّاهَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ كَبَيْعِ الْوَرَثَةِ التَّرِكَةَ الْمُسْتَغْرَقَةَ بِالدَّيْنِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَهَذَا أَيْضًا كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إبْطَالَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ أَصْلًا فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَالْوَلَدُ وَلَدُهُ، وَالْمُشْتَرِي مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْوَرَثَةِ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ حِينَ اشْتَرَاهَا وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ إلَّا أَنَّ هَهُنَا لَا قِيمَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ لِلْوَرَثَةِ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ الْغُرُورِ فَلَا فَائِدَةَ فِي إيجَابِهَا، وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَإِيجَابُ الْعُقْرِ مُقَيَّدٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَغْرَمُ مِنْ الْعُقْرِ عَلَى الْبَائِع بِسَبَبِ الْغُرُورِ، وَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ، وَتُؤْخَذُ الْجَارِيَةُ وَتُعْتَقُ عَنْ الْمَيِّتِ بَعْدَ سَنَةٍ كَمَا أَوْصَى.
وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ جَارِيَتِهِ، وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ، وَلَهُ أَلْفَانِ فَهَلَكَتْ الْأَلْفَانِ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهَا الْوَصِيُّ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ يُعْتَقُ ثُلُثُهَا وَتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ مَا هَلَكَ مِنْ الْمَالِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْوَرَثَةِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ وَالْهَالِكُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي سَوَاءٌ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْجَارِيَةُ فَلَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُث فَيُعْتَقُ ثُلُثُهَا وَتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ الْوَصِيَّةِ إذَا لَمْ يَقْبَلْهَا الْمُوصَى لَهُ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ وَرَدِّهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ أَوَانَ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ مَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقَبُولِ وَالرَّدِّ قَبْلَ أَوَانِهِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُوصِي فَإِنْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ فَالْمِلْكُ لَهُ فِي الْمُوصَى بِهِ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ يَلْزَمُ الْعَقْدُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إبْطَالَهُ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ، وَهُوَ الْمِلْكُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ، إنْ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ بَطَلَتْ بِرَدِّهِ عِنْدَنَا وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْوَصِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ بِالْإِرْثِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ عَقِبَ الْمَوْتِ، ثُمَّ الْإِرْثُ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْوَارِثِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هَاهُنَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ صَارَ خَلَفًا عَنْ الْمُوصِي فِي مِلْكِ الْمُوصَى بِهِ كَالْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ وَجْهُ قَوْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ الْمَالِ بِالْعَقْدِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبُولِ أَوْ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالتَّمْلِيكِ لِسَائِرِ الْعُقُودِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُوصَى لَهُ ابْتِدَاءً؛ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوصِي، وَالْمِلْكُ الْمُتَجَدِّدُ يَسْتَدْعِي شَيْئًا مُبْتَدَأً، وَأَحَدٌ لَا يَمْلِكُ تَتْمِيمَ سَبَبِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى لِلْوَارِثِ الْمِلْكُ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوَرِّثِ حَتَّى يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوَرِّثُ، وَالْبَقَاءُ لَا يَسْتَدْعِي سَبَبًا مُبْتَدَأً أَوْ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إدْخَالُ الشَّيْءِ فِي مِلْكِهِ قَصْدًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَفِي الْمِيرَاثِ الْمِلْكُ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ الْمُوَرِّثِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِلشَّرْعِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ، فَأَمَّا مَا هُنَا فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِإِيجَابِ الْمُوصِي بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبُولِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ لِانْعِدَامِ وِلَايَةِ الْمُوصِي عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ لِمَنْفَعَةِ الْمُوصَى لَهُ.
وَلَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ لَهُ قَبْلَ قَبُولِهِ تَضَرَّرَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ أَعْمَى تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إذَا أَثْبَتَ الْمِلْكَ لَهُ.
وَلَوْ أَوْصَى بِدِنَانٍ مُسْكِرَةٍ أَوْ بِزِبْلٍ اجْتَمَعَتْ فِي دَارِهِ.
وَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ بِغَيْرِ قَبُولِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ نَقْلُهَا شَاءَ أَوْ أَبَى، وَفِي هَذِهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ مَا لَا يَخْفَى، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِآنِيَةٍ أَوْ بِمَمْلُوكٍ لَهُ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ مَمْلُوكٍ قَدْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ مَلَكَهُ، لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ لَكَانَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ، وَلَاؤُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَهُ الْوَلَاءَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِزَوْجَتِهِ أَوْ مِلْكِهَا بِدُونِ قَبُولِهِ نَفَذَ نِكَاحُهُ وَلَيْسَ لِلْمُوصِي وِلَايَةُ إفْسَادِ نِكَاحِهِ؛ فَلِهَذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ مَا لَمْ يَقْبَلْ، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى بِأُمِّ وَلَدِهِ فَمَا لَمْ يَقْبَلْهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُوصَى لَهُ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي حَتَّى مَاتَ فَفِي الْقِيَاسِ وَرَثَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى الْقَبُولِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ إنَّمَا يَخْلُفُونَهُ بِالْقِيَامِ فِي الْمِلْكِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَهَا هُنَا الْمِلْكُ مَا كَانَ ثَابِتًا لَهُ فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ، إنَّمَا كَانَ الثَّابِتُ لَهُ حَقُّ الْقَبُولِ، وَهُوَ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لَا يَمْلِكُ غَيْرُهُ إبْطَالَهُ فَيَقُومُ وَارِثُهُ فِيهِ مَقَامَهُ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ مَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَارِثُ وَهَذَا لِأَنَّ مَوْتَ الْمُوصَى لَهُ مُنَافٍ لِلْوَصِيَّةِ لَا مُتَمِّمٌ لَهَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَهَا هُنَا الْوَصِيَّةُ مَا كَانَتْ تَامَّةً قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ الَّذِي هُوَ الْمُنَافِي مُتَمِّمًا لِلْوَصِيَّةِ وَلَكِنَّا نَدَعُ الْقِيَاسَ فِي هَذَا، وَنَجْعَلُهَا مِنْ مَالِ الْمُوصَى لَهُ اسْتِحْسَانًا حَتَّى إذَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ تُعْتَقُ، وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ أُمِّ وَلَدِهِ تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ قَدِيمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَكَّنُ هُوَ، وَلَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ إبْطَالِهِ، إنَّمَا بَقِيَ حَقُّ الرَّدِّ لِلْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَالْمُشْتَرِي إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ مَاتَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ تَمَّ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ، وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَتِمُّ الْمِلْكُ، فَهَذَا مِثْلُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ إنَّمَا كَانَ ثَابِتًا لَهُ لِحَاجَتِهِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ انْتَهَتْ حَاجَتُهُ بِمَوْتِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا لَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ، وَكَانَ يَطَؤُهَا بِالنِّكَاحِ حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، ثُمَّ عَلِمَ بِالْوَصِيَّةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى وَطْئِهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَصِيَّةِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الْقَبُولِ وَالرِّضَا مِنْهُ بِالْوَصِيَّةِ، وَالنِّكَاحُ كَانَ قَائِمًا بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقَبُولِ وَحِلُّ الْوَطْءِ ثَابِتٌ لَهُ بِحُكْمِ النِّكَاحِ؛ فَلِهَذَا نَفَى خِيَارَهُ فِي الْقَبُولِ إذَا عَلِمَ بِالْوَصِيَّةِ، فَإِنْ قَبِلَهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا، وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ، وَأَوْلَادُهُ أَحْرَارٌ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُمْ حَدَثُوا بَعْدَ تَمَامِ الْوَصِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي، وَبَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْمِلْكِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الْحَادِثِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا تَمَّ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي، إنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ فَهِيَ وَأَوْلَادُهَا لِلْوَرَثَةِ وَالنِّكَاحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَائِمٌ، وَنَسَبُ الْأَوْلَادِ مِنْهُ ثَابِتٌ.
وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ بِثُلُثِهِ فَرَدَّ أَحَدُهُمَا الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ لِلْآخَرِ حِصَّتُهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ إذَا قَبِلَ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ الرَّادِّ مِنْهُمَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِرَدِّهِ وَلَوْ بَطَلَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ بِأَنْ كَانَ وَارِثًا جَازَ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ فَكَذَلِكَ إذَا بَطَلَتْ بِرَدِّهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ مَشْرُوطَةٌ فِي الْهِبَةِ لِيَتِمَّ الْقَبْضُ، وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُقُوعِ الْمِلْكِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِوَصِيَّةٍ فَقَبِلَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْوَرَثَةِ فَرَدُّهُ جَائِزٌ إذَا قَبِلُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ فَسْخٌ لِلْوَصِيَّةِ، وَهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ، وَلَوْ تُصُوِّرَ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَى الْمَيِّتِ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا إذَا قَبِلَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا رَدَّهَا عَلَى الْوَرَثَةِ الَّذِينَ يَقُومُونَ مَقَامَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ مُعْتَبَرٌ بِالْعَقْدِ فَإِذَا كَانَ أَصْلُ هَذَا الْعَقْدِ يَتِمُّ بِالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولُ كَذَلِكَ يَجُوزُ فَسْخُهُ بِالتَّرَاضِي وَبِهَذَا فَارَقَ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ ابْتِدَاءُ التَّمْلِيكِ وَالشُّيُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مَعَ صِحَّتِهِ، وَهَذَا فَسَخَ الْوَصِيَّةَ وَالشُّيُوعُ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسْخِ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي أَصْلِ الْوَصِيَّةِ، إنْ رَدَّهَا عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ دُونَ الْبَعْضِ فَفِي الْقِيَاسِ هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ مِنْهُ لِمَنْ رَدَّهَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّمَلُّكُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالْإِعْطَاءِ، وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ فَنَجْعَلُ ذَلِكَ كَالرَّدِّ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوصِي، وَالرَّدُّ فَسْخٌ لِذَلِكَ الْعَقْدِ فَيَجُوزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوصِي أَيْضًا، وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ يَقُومُ مَقَامَ الْوَرَثَةِ فِي حُقُوقِهِمْ كَجَمَاعَتِهِمْ، فَكَانَ الرَّدُّ عَلَى أَحَدِهِمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ أَوْ هَذَا فَسْخٌ لِقَبُولِهِ، وَهُوَ يَنْفَرِدُ بِفَسْخِ الْقَبُولِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، إنَّمَا كَانَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ إذَا أَبَوْا ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ، وَعَنْ مُوَرِّثِهِمْ فَإِذَا رَضُوا بِذَلِكَ أَوْ رَضِيَ بِهِ أَحَدُهُمْ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُمْ فِي فَسْخِ الْقَبُولِ مِنْهُمْ، وَصَارَ كَأَنَّهُ رَدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ فَيَكُونُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَوَهَبَهُ الطَّالِبُ لِلْوَرَثَةِ أَوْ لِبَعْضِهِمْ فَهُوَ هِبَةٌ لَهُمْ كُلِّهِمْ كَأَنَّهُ وَهَبَهُ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَنْفَعَةِ بِهَذِهِ الْهِبَةِ لِلْمَيِّتِ، وَأَنَّهُ يُبَرِّئُ ذِمَّتَهُ لَهَا، وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّهِ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِخَادِمٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَوَهَبَ إنْسَانٌ لِلْخَادِمِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَالْخَادِمُ هِيَ الثُّلُثُ، ثُمَّ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ فَلَهُ الْخَادِمُ وَثُلُثُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي قَدِيمٌ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ لِانْعِدَامِ الْقَبُولِ مِنْهُ، وَالْكَسْبُ الْحَادِثُ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ السَّبَبِ فَإِذَا قَبِلَ فَلَهُ الْخَادِمُ وَثُلُثُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ جَمِيعُ الْأَلْفِ مِنْ الثُّلُثِ سُلِّمَتْ لَهُ فَكَذَلِكَ يُسَلَّمُ لَهُ ثُلُثُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَإِنْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَالِ فَلَهُ الْخَادِمُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ فَلَهُ ذَلِكَ مِنْ الْوَلَدِ، وَالْهِبَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الثُّلُثُ مِنْ الْخَادِمِ وَوَلَدِهَا، وَمَا وُهِبَ لَهَا بِالْحِصَّةِ لَا يُقَدَّمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ، وَقَبْلَ تَمَامِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ الْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ السَّبَبِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا وَلَدَتْ جُعِلَ الْوَلَدُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فِي اقْتِسَامِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَلَوْ كَانَ جَمِيعُ ذَلِكَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَأَوْصَى بِالْكُلِّ كَأَنْ يُسَلِّمَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ الْكُلِّ بِالْحِصَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّرِكَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى حُكْمِ الْمَيِّتِ وَكَذَلِكَ الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ ثُبُوتُ حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فِي الْوَلَدِ وَالْكَسْبِ لَيْسَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّبَعِيَّةِ لَا يَبْقَى بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَلَا تُعْتَبَرُ السِّرَايَةُ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إلَى غَيْرِ مُتَوَلِّدٍ مِنْ الْأَصْلِ لَا تَكُونُ، وَالْكَسْبُ غَيْرُ مُتَوَلِّدٍ مِنْ الْأَصْلِ فَعَرَفْنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْوَلَدِ، وَالْكَسْبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنَاوَلَتْهُ قَصْدًا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْجَارِيَةُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالْوَصِيَّةِ وَالْكَسْبُ وَالْوَلَدُ تَبَعٌ فَإِنَّمَا يَبْدَأُ مِنْ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ اسْتِقْرَارَ الْحُكْمِ يَكُونُ فِي مَحَلِّهِ فَيَكُونُ هُوَ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ الْمَوْجُودُ أُمٌّ فَقَطْ، وَالْمُوجِبُ إنَّمَا أَوْجَبَ الْوَصِيَّةَ فِيهَا، ثُمَّ يَثْبُتُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ الْكَسْبِ، وَالْوَلَدُ بَعْدَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَالِانْفِصَالُ لَا يُنَافِي التَّبَعِيَّةَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ وَلَدَ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ مَمْلُوكًا تَبَعًا وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ رَدَّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ لَا يَثْبُتُ فِي الْكَسْبِ، وَالْوَلَدُ الْحَادِثُ قَبْلَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْوَصِيَّةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَضْعَفُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ وَمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِيهِ تَبَعًا يَكُونُ أَضْعَفُ مِمَّا يَثْبُتُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِيهِ مَقْصُودًا فَيَتَعَيَّنُ لِلْقَوِيِّ مَحَلٌّ أَقْوَى وَلِلضَّعِيفِ مَحَلٌّ يَلِيقُ بِهِ.
يُوَضِّحُهُ: أَنَّا لَوْ أَخَذْنَا بِمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَدَّى إلَى أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ فِي الْأَصْلِ لِمَكَانِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الثُّلُثُ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَلِدَ يَجِبُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِي جَمِيعِهَا، ثُمَّ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَتِهَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي نِصْفِ الْأُمِّ وَنِصْفِ الْوَلَدِ أَوْ فِي ثُلُثَيْ الْأُمِّ وَثُلُثَيْ الْوَلَدِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ فِي بَعْضِ الْأَصْلِ لِأَجْلِ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فِي التَّبَعِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّبَعُ مُبْطِلًا لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ فِي الْأَصْلِ بِحَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.