فصل: كِتَابُ الصَّرْفِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.كِتَابُ الصَّرْفِ:

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ إمْلَاءً: الصَّرْفُ اسْمٌ لِنَوْعِ بَيْعٍ؛ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَالْأَمْوَالُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: نَوْعٌ مِنْهَا فِي الْعَقْدِ ثَمَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ، صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ أَوْ لَمْ يَصْحَبْهَا سَوَاءٌ كَانَ مَا يُقَابِلُهَا مِنْ جِنْسِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، وَنَوْعٌ مِنْهَا مَا هُوَ مَبِيعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ مَا لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مِنْ الْعُرُوضِ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ، وَالْمَمَالِيكِ، وَنَوْعٌ هُوَ ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ، مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ؛ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً فِي الْعَقْدِ تَكُونُ مَبِيعَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً فَإِنْ صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ وَقَابَلَهَا مَبِيعٌ فَهُوَ ثَمَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا حَرْفُ الْبَاءِ، وَقَابَلَهَا ثَمَنٌ فَهِيَ مَبِيعَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا يُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} قَالَ الْفَرَّاءُ فِي مَعْنَاهُ: الثَّمَنُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَا يُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَالنُّقُودُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ، وَكَانَ ثَمَنُهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْعُرُوضُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا عَيْنًا فَكَانَتْ مَبِيعَةً، وَالسَّلَمُ فِي بَعْضِهَا رُخْصَةٌ شَرْعِيَّةٌ لَا تَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَبِيعَةً، وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يَسْتَحِقُّ عَيْنًا بِالْعَقْدِ تَارَةً، وَدَيْنًا أُخْرَى فَيَكُونُ ثَمَنًا فِي حَالٍ مَبِيعًا فِي حَالٍ، وَالثَّمَنُ فِي الْعُرْفِ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ بِهِ، وَهُوَ مَا يَصْحَبُهُ حَرْفُ الْبَاءِ فَإِذَا صَحِبَهُ حَرْفُ الْبَاءِ، وَكَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَقَابَلَهُ مَبِيعٌ عَرَفْنَا أَنَّهُ ثَمَنٌ، وَإِذَا كَانَ عَيْنًا قَابَلَهُ ثَمَنٌ كَانَ مَبِيعًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا يُحَالُ بِخِلَافِ مَا هُوَ ثَمَنٌ بِكُلِّ حَالٍ.
وَمِنْ حُكْمِ الثَّمَنِ أَنَّ وُجُودَهُ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْمَبِيعِ، وَكَذَلِكَ فَوَاتُ التَّسْلِيمِ فِيمَا هُوَ ثَمَنٌ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، وَالِاسْتِبْدَالُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَرُبَّمَا أَبِيعُهُ بِالدَّنَانِيرِ، وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّرَاهِمَ، أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بَأْسَ إذَا افْتَرَقْتُمَا، وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا عَمَلٌ»، وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ بِالثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ أَنَّ فَوَاتَ التَّسْلِيمِ فِيهِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِبْدَالِ تَفْوِيتَ التَّسْلِيمِ فِيمَا اُسْتُحِقَّ بِالْعَقْدِ، وَبِهَذَا ثَبَتَ أَنَّ مِلْكَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ عِنْدَ الْعَقْدِ إمَّا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَالثَّمَنُ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَا أَثَرَ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فِي الْعَقْدِ، وَالْحُكْمُ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الصَّرْفُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْبُيُوعِ وُجُوبُ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ شَرْطُ خِيَارٍ، أَوْ أَجَلٍ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فَإِنَّهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا بَأْسَ إذَا افْتَرَقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا عَمَلٌ» أَيْ مُطَالَبَةٌ بِالتَّسْلِيمِ؛ لِوُجُودِ الْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ اُخْتُصَّ بِاسْمٍ فَيُخْتَصُّ بِحُكْمٍ يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الِاسْمُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ صَرْفَ مَا فِي مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمِلْكِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَجِبُ ابْتِدَاءً بِهَذَا الْعَقْدِ لَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ عَرَفْنَا أَنَّهُ يُسَمَّى صَرْفًا لِمَا فِيهِ مِنْ صَرْفِ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى يَدِ صَاحِبِهِ، وَلَمْ يُسَمَّ بِهِ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ مُطْلَقًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ عَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِاسْتِحْقَاقِ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مُبَادَلَةُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ، وَالثَّمَنُ يُثْبِتُ بِالْعَقْدِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ فِي الشَّرْعِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْيِينُ، وَهُوَ الْقَبْضُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ مَقْرُونًا بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ تُقَامُ مَقَامَ حَالَةِ الْعَقْدِ شَرْعًا لِلتَّيْسِيرِ.
وَإِذَا وُجِدَ التَّعْيِينُ بِالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ يُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَشَرَطْنَا الْقَبْضَ فِيهِمَا لِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَسْنَا نَعْنِي بِالْمَجْلِسِ مَوْضِعَ جُلُوسِهِمَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْقَبْضِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى لَوْ قَامَا أَوْ مَشَيَا فَرْسَخًا، ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَيْ يُفَارِقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ حَالَ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ.
رَوَى ذَلِكَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ أَكْثَرَ تَأْثِيرًا مِنْ عَدَمِ الْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ.
وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ يَمْتَنِعُ اسْتِحْقَاقُ مَا بِهِ يَحْصُلُ التَّعْيِينُ، وَهُوَ الْقَبْضُ مَا بَقِيَ الْخِيَارُ، وَكَذَلِكَ شَرْطُ الْأَجَلِ يَنْعَدِمُ اسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ التَّعْيِينُ فَلِهَذَا كَانَ مُبْطِلًا لِهَذَا الْعَقْدِ، وَقَدْ دَلَّ مَا قُلْنَا عَلَى الْأَخْبَارِ الَّتِي بُدِئَ الْكِتَابُ بِهَا، فَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَزْنٌ بِوَزْنٍ يَدٌ بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا» إلَى آخِرِهِ، وَقَدْ بَدَأَ بِهَذَا الْحَدِيثِ كِتَابُ الْبُيُوعِ، وَبَيَّنَّا تَمَامَ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِنَاءٍ خُسْرَوَانِيٍّ قَدْ أُحْكِمَتْ صَنْعَتُهُ فَبَعَثَنِي بِهِ لِأَبِيعَهُ فَأُعْطِيت بِهِ وَزْنَهُ وَزِيَادَةً، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَمَّا الزِّيَادَةُ، فَلَا.
وَهَذَا الْإِنَاءُ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا، وَمَا كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا شَرْعًا فَالِاعْتِيَاضُ عَنْهُ جَائِزٌ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُجَوِّزْ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ شَرْعًا كَمَا لَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ فِي الْمَعَازِفِ، وَالْمَلَاهِي شَرْعًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ بِالصَّنْعَةِ لَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَزْنِيَّةً، وَإِنْ اعْتَادَ النَّاسُ بَيْعَهَا بِغَيْرِ وَزْنٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ؛ لِأَنَّ صَنْعَةَ الْوَزْنِ فِيهَا ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ، فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالْعُرْفِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ ابْنُ سِيرِينَ حِينَ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ إنَاءٍ مِنْ حَدِيدٍ بِإِنَاءَيْنِ فَقَالَ قَدْ كَانُوا يَبِيعُونَ الدِّرْعَ بِالْأَدْرُعِ يَعْنِي أَنَّ مَا لَا يَعْتَادُ النَّاسُ وَزْنَهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَا يَكُونُ مَوْزُونًا، ثُمَّ ذَلِكَ الْإِنَاءُ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِبَيْعِهِ أَنْ يَصْرِفَ الثَّمَنَ إلَى حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ وَكَّلَ بِهِ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالصَّرْفِ.
وَعَنْ أَبِي جَبَلَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقُلْت: إنَّا نَقْدَمُ أَرْضَ الشَّامِ وَمَعَنَا الْوَرِقُ الثِّقَالُ النَّافِقَةُ، وَعِنْدَهُمْ الْوَرِقُ الْخِفَافُ الْكَاسِدَةُ أَفَنَبْتَاعُ وَرِقَهُمْ الْعَشَرَةَ بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ؟ فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ بِعْ، وَرِقَك بِذَهَبٍ، وَاشْتَرِ وَرِقَهُمْ بِالذَّهَبِ، وَلَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ، وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ، وَفِيهِ دَلِيلُ رُجُوعِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ فِي النُّقُودِ، وَأَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا تَبَيَّنَ جَوَابَ مَا سُئِلَ عَنْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلسَّائِلِ الطَّرِيقَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهُ مَعَ التَّحَرُّزِ عَنْ الْحَرَامِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا مِمَّا هُوَ مَذْمُومٌ مِنْ تَعْلِيمِ الْحِيَلِ بَلْ هُوَ اقْتِدَاءٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ لِعَامِلِ خَيْبَرَ: «هَلَّا بِعْت تَمْرَك بِسِلْعَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَيْت بِسِلْعَتِك هَذَا التَّمْرَ»، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْفَضْلِ، وَالْكَثِيرَ فِي كَوْنِهِ رِبًا سَوَاءٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالْفَضْلُ رِبًا، وَأَنَّ التَّقَابُضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي الصَّرْفِ مُسْتَحَقٌّ، وَأَنَّ الْقِيَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ مِنْ غَيْرِ افْتِرَاقٍ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ؛ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ مُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَعَلَيْهِ دَلَّ حَدِيثُ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ: مِنْ هَذِهِ إلَى هَذِهِ يَعْنِي مِنْ يَدِك إلَى يَدِهِ، وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى خَلْفِ هَذِهِ السَّارِيَةِ فَلَا تَفْعَلْ، وَإِنَّمَا كَنَّى بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ مُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ بِالْمُفَارَقَةِ يَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ، وَبِالِاسْتِتَارِ بِالسَّارِيَةِ يَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ أَيْضًا فَذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْكِتَابَةِ عَنْ الْمُفَارَقَةِ لَا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةُ السَّارِيَةِ بَيْنَهُمَا مُوجِبًا لِلِافْتِرَاقِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا صَحِيحٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَكَوْنُ السَّارِيَةِ بَيْنَهُمَا لَا يُعَدُّ افْتِرَاقًا عُرْفًا وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُبَاعَ السَّيْفُ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ بِالنُّقْرَةِ مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ الَّتِي أَعْطَى أَقَلَّ مِمَّا فِيهِ، وَيَكْرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِالنَّسِيئَةِ، وَلَا يَرَى بَأْسًا بِأَنْ يَبِيعَهُ بِالذَّهَبِ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ: بَيْعُهُ بِالذَّهَبِ جَائِزٌ بِالنَّقْدِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا اخْتَلَفَتْ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالنَّسِيئَةِ سَوَاءٌ بَاعَهُ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حِصَّةِ الْحِلْيَةِ صَرْفٌ فَاشْتِرَاطُ الْأَجَلِ فِيهِ مُفْسِدٌ، وَلَا يَنْزِعُ الْحِلْيَةَ مِنْ السَّيْفِ إلَّا بِضَرَرٍ فَفَسَادُ الْعَقْدِ فِيهَا يُفْسِدُ فِي الْكُلِّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، أَمَّا بَيْعُهَا بِالْفِضَّةِ فَعَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ فِضَّةَ الْحِلْيَةِ أَكْثَرُ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ مِثْلَ النَّقْدِ فِي الْوَزْنِ لِأَنَّ الْجَفْنَ وَالْحَمَائِلَ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ فَإِنَّ مُقَابَلَةَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ فِي الْبَيْعِ تَكُونُ بِالْإِجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْفِضَّةَ فِي الْحِلْيَةِ أَقَلُّ جَازَ الْعَقْدُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الْمِثْلَ بِالْمِثْلِ، وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ الْجَفْنِ وَالْحَمَائِلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أَقَلُّ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا؛ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَتَوَهُّمِ الْفَضْلِ وَعِنْدَ زُفَرَ هَذَا يَجُوزُ فَإِنَّ الْأَصْلَ الْجَوَازُ، وَالْمُفْسِدُ هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فَمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ يَكُونُ الْعَقْدُ مَمْلُوكًا بِجَوَازِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْبُيُوعِ عَنْ أَبِي بَصْرَةَ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الصَّرْفِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ، وَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَعَدْت فِي حَلْقَةٍ فِيهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَمَرَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: سَلْهُ عَنْ الصَّرْفِ، فَقُلْت: إنَّ هَذَا يَأْمُرُنِي أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ الصَّرْفِ، فَقَالَ لِي: الْفَضْلُ رِبًا، فَقَالَ: سَلْهُ أَمِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ يَقُولُ، أَوْ شَيْءٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ رَجُلٌ يَكُونُ فِي نَخْلِهِ بِرُطَبٍ طَيِّبٍ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ فَقَالَ: أَعْطَيْت صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ رَدِيءٍ وَأَخَذْت هَذَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْبَيْتَ، فَقَالَ: إنَّ سِعْرَ هَذَا فِي السُّوقِ كَذَا، وَسِعْرُ هَذَا كَذَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: هَلَّا بِعْتَهُ بِسِلْعَةٍ ثُمَّ ابْتَعْتَ بِسِلْعَتِكَ تَمْرًا» فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْفَضْلُ فِي التَّمْرِ رِبًا وَالدَّرَاهِمُ مِثْلُهُ، فَقَالَ أَبُو بَصْرَةَ فَلَقِيت بَعْدَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ، وَأَمَرْت أَبَا الصَّهْبَاءِ فَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ، وَفِي هَذَا دَلِيلُ رُجُوعِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ فَتْوَاهُمَا بِجَوَازِ التَّفَاضُلِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا سَمِعَ هَذِهِ الْفَتْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: إنَّك رَجُلٌ تَائِهٌ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي بِضْعَةَ عَشَرَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْخَبَرَ فَالْخَبَرُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ فَتْوَاهُ فَقَالَ:
الْفَضْلُ حَرَامٌ، وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا خَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي الصَّرْفِ وَالْمُتْعَةِ فَعُلِمَ أَنَّ حُرْمَةَ التَّفَاضُلِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِخِلَافِهِ بَاطِلٌ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ حُكْمًا فِي حَادِثَةٍ فَيُلْحِقُونَ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا فَإِنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَوَى الْحَدِيثَ فِي التَّمْرِ وَبَيَّنَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مِثْلُهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّصَّ فِي شَيْءٍ يَكُونُ نَصًّا فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا قِيَاسًا فَالْقِيَاسُ اسْتِنْبَاطٌ بِالرَّأْيِ، وَمَا كَانَ يَقُولُ بَلْ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يُطَالِبَ الْمُفْتِيَ بِالدَّلِيلِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالِاسْتِفْتَاءِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ كَمَا فَعَلَهُ هَذَا الرَّجُلُ، وَإِنْ كَانَ احْتَشَمَ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَسْأَلْهُ بِنَفْسِهِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرَ، وَكَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يَدْخُلَ أَعْرَابِيٌّ لِيَسْأَلَهُ لِيَسْتَفِيدُوا بِسُؤَالِهِ، أَوْ عَلِمَ هَذَا الرَّجُلُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَلَمْ يُعْجِبْهُ أَنْ يُظْهِرَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ حَتَّى سَأَلَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيُطَالِبُهُ بِالدَّلِيلِ لِيَتَبَيَّنَ مَا هُوَ الصَّوَابُ فَيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوْحِشَ أَحَدٌ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى حُسْنِ الْعِشْرَةِ.
، وَعَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ طَوْقَ ذَهَبٍ مُفَضَّضٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَاخْتَصَمَا إلَى شُرَيْحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَفْسَدَ الْبَيْعَ، وَهَذَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَدْرِي مِقْدَارَ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الطَّوْقِ، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مِائَةُ مِثْقَالٍ أَوْ أَكْثَرُ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ دُونَ مِائَةِ مِثْقَالٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ عَلَى أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ بِمُقَابَلَةِ الْفِضَّةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ تَمْوِيهًا فِيهِ بِحَيْثُ لَا يُسْتَخْلَصُ فَحِينَئِذٍ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ، وَلَا يَحْصُلُ بِمُقَابَلَتِهَا شَيْءٌ فَيَكُونُ بِمُقَابَلَةِ الصَّنْعَةِ، وَلَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ يَوْمَ خَيْبَرَ سَعْدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ وَسَعْدًا آخَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِيَبِيعَا غَنَائِمَ بِذَهَبٍ فَبَاعَاهَا كُلُّ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ تِبْرًا بِثَلَاثِ مَثَاقِيلَ عَيْنًا فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا»، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ بَيْعِ الْغَنَائِمِ، وَقِسْمَةِ الثَّمَنِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ إذَا رَأَى النَّظَرَ فِيهِ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ التَّفَاضُلَ حَرَامٌ فِي بَيْعِ الْغَنَائِمِ، وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ كَغَيْرِهَا، وَأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ يُسْتَحَقُّ فَسْخُهُ وَرَدُّهُ لِأَنَّ مُبَاشَرَتَهُ مَعْصِيَةٌ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ فَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا، وَلَمْ يُعَاتِبْهُمَا عَلَى مَا صَنَعَا؛ لِأَنَّ نُزُولَ تَحْرِيمِ الرِّبَا كَانَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَكُنْ اشْتَهَرَ بَعْدُ فَعَذَرَهُمَا بِالْجَهْلِ بِهِ.
، وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: أَتَانِي الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ فَصَرَفْت لَهُ الدَّرَاهِمَ وَافِيَةً بِدَنَانِيرَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِيمَا أَظُنُّ، ثُمَّ جَاءَنِي فَقَالَ: اشْتَرِ بِهَا غَلَّةً فَجَعَلْت أَطْلُبُ الرَّجُلَ الَّذِي صَرَفْت عِنْدَهُ فَقَالَ لَا عَلَيْك أَنْ لَا تَجِدَهُ، وَإِنْ وَجَدْته فَلَا أُبَالِي، وَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالصَّرْفِ، وَأَنَّ التَّفَاضُلَ حَرَامٌ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ كَانَ مَقْصُودُ الْأَسْوَدِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّرَاهِمِ الْجِيَادِ الْغَلَّةَ، وَعَلِمَ أَنَّ الْفَضْلَ حَرَامٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا دَنَانِيرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّنَانِيرِ الْغَلَّةَ، وَكَانَ هَذَا الْوَكِيلُ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ ذَلِكَ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عِنْدَهُ أَمَانَتُهُ، وَمُسَامَحَتُهُ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَبَيَّنَ لَهُ الْأَسْوَدُ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ فِيمَا هُوَ مَقْصُودٌ فَلَا يَتَكَلَّفُ فِي طَلَبِهِ.
وَعَنْ أَبَانَ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بِعْت جَامَ فِضَّةٍ بِوَرِقٍ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ قُلْت الْحَاجَةُ قَالَ: رُدَّ الْوَرِقَ إلَى أَهْلِهَا، وَخُذْ إنَاءَكَ وَعَارِضْ بِهِ، فَفِيهِ دَلِيلُ حُرْمَةِ الْفَضْلِ، وَوُجُوبُ الرَّدِّ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ، وَأَنَّ بِسَبَبِ الْحَاجَةِ لَا يَحِلُّ الرِّبَا لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَرْتَفِعُ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ كَمَا هَدَاهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَخُذْ إنَاءَك وَعَارِضْ بِهِ، وَلَكِنَّهُ عَذَرَهُ لِلْحَاجَةِ، وَلَمْ يُؤَدِّبْهُ، وَكَانَ قَصْدُهُ بِالسُّؤَالِ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يَعْلَمَ سَبَبَ إقْدَامِهِ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ حَتَّى إذَا بَاشَرَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ أَدَّبَهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ مُؤَدِّبًا يُؤَدِّبُ عَلَى مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ.
وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: سَأَلْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الصَّوْغِ أَصُوغُهُ فَأَبِيعُهُ قَالَ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَقُلْت: إنِّي أَبِيعُهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَلَكِنْ آخُذُ فِيهِ أَجْرَ عَمَلٍ فَقَالَ: إنَّمَا عَمَلُك لِنَفْسِك، وَلَا تَرْدُدْ شَيْئًا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَانَا أَنْ نَبِيعَ الْفِضَّةَ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ»، ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا رَافِعٍ إنَّ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ وَالشَّاهِدَ وَالْكَاتِبَ شُرَكَاءُ، وَفِيهِ دَلِيلُ حُرْمَةِ الْفَضْلِ، وَأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ فِيمَا هُوَ مَالُ الرِّبَا فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ عَمِلَ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ مَا يَأْخُذُ مِنْ الزِّيَادَةِ عِوَضًا عَنْ الصَّنْعَةِ وَلَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ فِي الْبَيْعِ، ثُمَّ بَيَّنَ شِدَّةَ الْحُرْمَةِ فِي الرِّبَا بِقَوْلِهِ: الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ وَالْكَاتِبَ وَالشَّاهِدَ فِيهِ سَوَاءٌ أَيْ فِي الْمَأْثَمِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَنَ اللَّهُ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً»، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي وَالرَّايِشُ فِي النَّارِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَعَانَ الظَّلَمَةَ، أَوْ كَتَبَ لَهُمْ» وَالْأَصْلُ فِي الْكُلِّ قَوْلُهُ {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وَعَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، الْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، الْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ، وَلَا خَيْرَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَقُلْت إنِّي سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: لَيْسَ فِي يَدٍ بِيَدٍ رِبًا فَمَشَى إلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَا مَعَهُ فَقَالَ لَهُ: أَسْمَعْت مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ نَسْمَعْ؟ فَقَالَ: لَا، فَحَدَّثَهُ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا أُفْتِي بِهِ أَبَدًا»، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِجِنْسِهِمَا إذَا اعْتَدَلَ الْبَدَلَانِ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِتَيَقُّنِنَا بِالْمُمَاثَلَةِ وَزْنًا، وَالْمُمَاثَلَةُ إذَا وُزِنَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ أَظْهَرُ مِنْهُ إذَا وُزِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالصَّنَجَاتِ، وَفِيهِ دَلِيلُ رُجُوعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ فَتْوَاهُ فِي إبَاحَةِ التَّفَاضُلِ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ انْقَادَ لَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهَذَا لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ بِالْعَدَالَةِ وَالْوَرَعِ، وَإِنَّمَا مَشَى إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِطَرِيقِ الْخَشْيَةِ لِإِظْهَارِ الشَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ دَعَاهُ إلَى نَفْسِهِ لَأَتَاهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَحْسَنُ لِلْكَبِيرِ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّبَا، وَقَدْ نُقِلَ هَذَا اللَّفْظُ بِعَيْنِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الْإِرْبَاءَ.
، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ بَقَايَا بَيْتِ الْمَالِ يَدًا بِيَدٍ بِفَضْلٍ فَخَرَّجَ خُرْجَةً إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هُوَ رِبًا، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَخْلَفَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَخْبَرَةَ الْأَسَدِيَّ فَلَمَّا قَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَهَاهُ عَنْ بَيْعِ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَامِلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْكُوفَةِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ اخْتِلَافَ الصَّنْعَةِ كَاخْتِلَافِ النَّوْعِ، وَكَانَ يَجْعَلُ الْبِقَايَةَ مَعَ الْجَيِّدِ نَوْعَيْنِ فَيُجَوِّزُ التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ»، ثُمَّ سَأَلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْكُلَّ نَوْعٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ الْكُلَّ فِضَّةٌ وَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ لَهُ الْحَقَّ فِي مَقَالَتِهِ، وَمِنْ هَذَا يُقَالُ: عَالِمُ الْكُوفَةِ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى عَالِمِ الْمَدِينَةِ يُرَادُ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
، وَقَدْ نُقِلَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ يَقُولُ سَأَلْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الدَّرَاهِمِ تَكُونُ مَعِي لَا تُنْفَقُ فِي حَاجَتِي فَأَشْتَرِي بِهَا دَرَاهِمَ تُنْفَقُ فِي حَاجَتِي، وَأَهْضِمُ مِنْهَا قَالَ: لَا، وَلَكِنْ بِعْ دَرَاهِمَك بِدَنَانِيرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ تُنْفَقُ فِي حَاجَتِك، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِيَادَ وَالزُّيُوفَ نَوْعٌ وَاحِدٌ فَحَرُمَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ هُنَا مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ»، فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا.
وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ أَكْرَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إبِلًا بِدَنَانِيرَ فَأَتَيْته أَتَقَاضَاهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ دَرَاهِمُ فَقَالَ لِمَوْلًى لَهُ: انْطَلِقْ مَعَهُ إلَى السُّوقِ فَإِذَا قَامَتْ عَلَى سِعْرٍ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ، وَإِلَّا فَاشْتَرِ لَهُ دَنَانِيرَ فَأَعْطِهَا إيَّاهُ فَقُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيَصْلُحُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِهَذَا، إنَّكَ وُلِدْت وَأَنْتَ صَغِيرٌ، وَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ اسْتِبْدَالِ الْأَجْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ الْآخَرِ كَالثَّمَنِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اسْتِبْدَالِ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَجَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ فَلِهَذَا جَوَّزَ ابْنُ عُمَرَ الِاسْتِبْدَالَ بِالْأَجْرِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَرْضَى بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَلَكِنْ لَمَّا أَشْكَلَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ سَأَلَهُ بِقَوْلِهِ: أَيَصْلُحُ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ إنَّك وُلِدْت وَأَنْتَ صَغِيرٌ؛ أَيْ جَاهِلٌ لَا تَعْلَمُ حَتَّى تُعَلَّمَ.
وَهَكَذَا حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَتَّى يُعَلَّمَ فَكَأَنَّهُ مَازَحَهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَكَنَّى بِالصِّغَرِ عَنْ الْجَهْلِ، ثُمَّ ذَلِكَ حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرِّبَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ «إذَا اشْتَرَيْتُمْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَاشْتَرُوهُ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» يَعْنِي بِذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ لَمْ نَسْمَعْهَا فَقَالَ عُبَادَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَشْهَدُ إنِّي سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَعَادَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ: لَأُحَدِّثَنَّ بِهِ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّنْ يُجَوِّزُ التَّفَاضُلَ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْحَدِيثِ؛ فَلِهَذَا قَالَ مَا قَالَ، وَقِيلَ: إنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَثْبِتَهُ فِي رِوَايَتِهِ، وَمُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ رُوَاةِ حَدِيثِ الرِّبَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: أَحَادِيثَ لَمْ نَسْمَعْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي آخَرِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ اشْتَرَيْتُمْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَأَكَّدَ عُبَادَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَتَهُ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ بِمَعْنَى أَحْلِفُ، قَالَ: لَأُحَدِّثَنَّ بِهِ؛ لِأَنِّي أَتَيَقَّنُ بِسَمَاعِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّبْلِيغِ فَلَا أَدَعُهُ بِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ أُحَدِّثُ بِهِ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ مُعَاوِيَةَ.
وَعَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالشَّامِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ بُيُوعًا لَا يُدْرَى مَا هِيَ، أَلَا وَإِنَّ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَزْنًا بِوَزْنٍ تِبْرَهُ وَعَيْنَهُ، أَلَا وَإِنَّ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ تِبْرَهَا وَعَيْنَهَا سَوَاءٌ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفِضَّةُ أَكْثَرُ، وَلَا يَصْلُحُ نَسِيئَةً، أَلَا وَإِنَّ الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ، أَلَا وَإِنَّ الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ بِالْحِنْطَةِ يَدًا بِيَدٍ، وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا، وَلَا يَصْلُحُ نَسِيئَةً، ثُمَّ ذَكَرَ فِي التَّمْرِ وَالْمِلْحِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْفَاسِدَ بَيْعٌ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ بُيُوعًا، وَمُرَادُهُ مَا كَانُوا يُبَاشِرُونَهُ مِنْ عُقُودِ الرِّبَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَكِيلَةِ نِصْفُ صَاعٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ عِبَارَةٌ عَنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ أَخْذَ الرِّبَا يَحْرُمُ إعْطَاؤُهُ فَالْمُسْتَزِيدُ آخِذٌ، وَالزَّائِدُ مُعْطِي، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْوَعِيدِ.
وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ، وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ لَا تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ لَا يُبَاعُ مِنْهَا غَائِبٌ بِنَاجِزٍ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّمَا، وَالرِّمَا هُوَ الرِّبَا، وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ تَدْخُلَ بَيْتَهُ، فَلَا تَنْتَظِرْهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «لَا يُبَاعُ غَائِبٌ بِنَاجِزٍ» أَيْ نَسِيئَةٌ بِنَقْدٍ، وَفِيهِ دَلِيلُ الرِّبَا كَمَا يَثْبُتُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْبَدَلَيْنِ فِي الْقَدْرِ يَثْبُتُ بِتَفَاوُتِهِمَا بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، وَأَنَّ الْقَبْضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ وَكَنَّى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ.
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمَائِلَهُ وَجَفْنَهُ وَنَصْلَهُ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ وَزْنُ الْحِلْيَةِ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِ الدَّرَاهِمِ لِيَكُونَ الْفَضْلُ بِإِزَاءِ الْجَفْنِ وَالْحَمَائِلِ.
وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِي اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ السَّيْفَ الْمُحَلَّى، وَالْمِنْطَقَةَ الْمُفَضَّضَةَ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ: يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ بِالْعُرُوضِ وَبِالنَّقْدِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ بِشَرْطِ قَبْضِ حِصَّةِ الْحِلْيَةِ فِي الْمَجْلِسِ، وَبِالنَّقْدِ مِنْ جِنْسِ الْحِلْيَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِ الْحِلْيَةِ.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الْإِقَالَةُ بَيْعٌ، وَهَكَذَا عَنْ شُرَيْحٍ؛ مَعْنَاهُ كَالْبَيْعِ فِي الْحُكْمِ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ: الْإِقَالَةُ فِي الصَّرْفِ كَالْبَيْعِ يَعْنِي: يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَمَا فِي عَقْدِ الصَّرْفِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُلَمَائِنَا- رَحِمَهُمُ اللَّهُ- إنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَوُجُوبُ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ حَقِّ الشَّرْعِ؛ فَالْإِقَالَةُ فِيهِ كَالْبَيْعِ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ رِبَا الْعَجْلَانِ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ سَحْقُ دِرْهَمٍ فَلْيَخْرُجْ بِهِ إلَى السُّوقِ وَلْيَقُلْ: مَنْ يَبْتَاعُ سَحْقَ هَذَا الدِّرْهَمِ فَلْيَبْتَعْ بِهِ مَا شَاءَ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «فَإِنَّ ذَلِكَ رِبَا الْعَجْلَانِ» أَيْ رِبَا النَّقْدِ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرِّبَا نَوْعَانِ فِي النَّقْدِ، وَالنَّسِيئَةِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: سَحْقُ دِرْهَمٍ الْبِقَايَةُ الَّتِي لَا تُنْفَقُ فِي حَاجَةٍ، يُقَالُ: ثَوْبٌ سَحْقٌ أَيْ خَلَقٌ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ بِالزُّيُوفِ، وَلَكِنْ بَعْدَ بَيَانِ عَيْنِهَا لِيَنْتَفِيَ الْغَرَرُ وَالتَّدْلِيسُ كَمَا ذَكَرَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا بِاقْتِضَاءِ الْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ، وَالذَّهَبِ مِنْ الْوَرِقِ بَيْعًا كَانَ أَوْ قَرْضًا، أَوْ كَانَ بِسِعْرِ يَوْمِهِ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَفِي بَدَلِ الْقَرْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ الْأَجَلُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَبِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ لَا يَقْبَلُ الْأَجَلَ كَبَدَلِ الصَّرْفِ، وَهُوَ وَهَمٌ مِنْهُ فَإِنَّ الْقَرْضَ إنَّمَا لَا يَقْبَلُ الْأَجَلَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَمَا يُسْتَرَدُّ فِي حُكْمِ عَيْنِ الْمَقْبُوضِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِهِ.
وَالِاسْتِبْدَالُ بِالْمُسْتَعَارِ قَبْلَ الِاسْتِرْدَادِ جَائِزٌ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمٍ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ إنَّمَا يُسْتَثْنَى مِنْ الدِّينَارِ بِالْقِيمَةِ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ الْحَزْرُ وَالظَّنُّ فَكَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا، وَبِجَهَالَتِهِ يَصِيرُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَجْهُولًا أَيْضًا، وَالْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الدَّرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَجْوَدَ مِنْهَا، وَلَا يَصْلُحُ لَهُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا، وَمَصُوغُهَا وَتِبْرُهَا، وَأَبْيَضُهَا وَأَسْوَدُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا؛ فَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَابَلَةَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَاسْمُ الْفِضَّةِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ جَيِّدُهُ وَرَدِيئُهُ، وَتِبْرُهُ وَمَصُوغُهُ نَافِقُهُ وَغَيْرُ نَافِقِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجُودَةِ وَالصَّنْعَةِ فِيهَا عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِجِنْسِهَا، فَوُجُودُ ذَلِكَ كَعَدَمِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَجَلِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّقَابُضَ وَاجِبٌ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَتَرْكُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ فَالتَّأْجِيلُ مُنَافٍ لِمَا هُوَ مُقْتَضَى هَذَا الْعَقْدِ، وَاشْتِرَاطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ مُبْطِلٌ لَهُ.
، وَإِذَا اشْتَرَى فِضَّةً بَيْضَاءَ جَيِّدَةً بِفِضَّةٍ سَوْدَاءَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَمَعَ الْبَيْضَاءِ ذَهَبٌ أَوْ فُلُوسٌ أَوْ عُرُوضٌ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الِانْقِسَامَ عَلَى مَذْهَبِهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَيُصِيبُ الْبَيْضَاءَ أَكْثَرُ مِنْ وَزْنِهَا مِنْ الْفِضَّةِ السَّوْدَاءِ، وَعِنْدَنَا يَجْعَلُ مِنْ السَّوْدَاءِ بِإِزَاءِ الْبَيْضَاءِ مِثْلَ وَزْنِهَا، وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ مَا زَادَ تَرْجِيحًا لِجِهَةِ الْجَوَازِ عَلَى جِهَةِ الْفَسَادِ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْفَصْلَ فِي الْبُيُوعِ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْطَقَةً، أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَزْنًا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتَدَلَّ فِيهِ بِحَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: «أَصَبْت قِلَادَةً يَوْمَ خَيْبَرَ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ فَبِعْتهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا، ثُمَّ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا حَتَّى يَفْصِلَ» وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عِنْدَنَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ وَزْنًا، أَوْ يَعْلَمُ أَنَّ وَزْنَ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ أَكْثَرُ أَوْ مِثْلُ الْمُنْفَصِلِ، وَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ.
وَإِذَا اشْتَرَى لِجَامًا مُمَوَّهًا بِفِضَّةٍ بِدَرَاهِمَ بِأَقَلَّ مِمَّا فِيهِ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ التَّمْوِيهَ لَوْنُ الْفِضَّةِ وَلَيْسَ بِعَيْنِ الْفِضَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا يَجْرِي الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا مُمَوَّهَةً بِالذَّهَبِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِسُقُوفِهَا مِنْ التَّمْوِيهِ بِالذَّهَبِ أَكْثَرُ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الرِّبَا، وَلَا فِي وُجُوبِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ مِنْ رَجُلٍ فَانْتَقَدَ أَحَدُهُمَا وَأَخَذَ الْآخَرُ رَهْنًا بِحَقِّهِ فِيهِ فَهَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يُثْبِتُ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَيَتِمُّ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مِنْ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَتْ الْعَيْنُ هَالِكَةً عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ فَيُجْعَلُ اسْتِيفَاؤُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي السَّلَمِ الِاخْتِلَافَ فِي الرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ بِرَأْسِ الْمَالِ فَهُوَ كَذَلِكَ يُبَدَّلُ فِي الصَّرْفِ.
وَإِذَا كَانَ عَلَى ذَهَبٍ فِيهِ لُؤْلُؤٌ، وَجَوْهَرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ بِدِينَارٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الدِّينَارَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ.
وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا أَكْثَرَ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ أَيْضًا، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي السَّيْفِ الْمُحَلَّى فَإِنْ بَاعَهُ بِدِينَارٍ نَسِيئَةً لَمْ يَجُزْ فَإِنَّ فِي حِصَّةِ الْحِلْيَةِ الْعَقْدَ صَرْفٌ فَيَفْسُدُ شَرْطُ الْأَجَلِ، وَاللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ لَا يُمْكِنُ تَخْلِيصُهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ، فَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي بَعْضِهِ فَسَدَ فِي كُلِّهِ.
وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً لَا يُعْرَفُ وَزْنُهَا أَوْ وَزْنُ أَحَدِهِمَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ» وَالْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْوَزْنِ؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ عِنْدَ اللَّهِ، أَوْ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِمُرَادٍ فَالْأَحْكَامُ لَا تُبْنَى عَلَى مَا لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِ عَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَصَارَ هَذَا شَرْطَ جَوَازِ الْعَقْدِ، وَمَا هُوَ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْعَقْدِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ فَإِنْ وُزِنَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَكَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَإِنْ كَانَا بَعْدُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَجَوَازُ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْعَقْدِ جُعِلَ كَحَالَةِ الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ انْعِدَامَ الدَّيْنِيَّةِ فِي الْبَدَلَيْنِ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ، ثُمَّ إذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ بِالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ، وَإِنْ وُزِنَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ إنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ شَرْطَ الْجَوَازِ- وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ- كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْوَزْنِ فِي إحْدَاثِ الْمُمَاثَلَةِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِهِ مُمَاثَلَةٌ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَعِلْمُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِوُجُودِ شَرْطِ جَوَازِ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَحْضَرٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ، وَلَا يَعْلَمُ بِهِمَا الْمُتَعَاقِدَانِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُمَاثَلَةِ شَرْطُ الْجَوَازِ هُنَا، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوَزْنِ فَيَصِيرُ الْوَزْنُ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْعَقْدِ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ، فَكَمَا يُفْصَلُ هُنَاكَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَمَا بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ يُفْصَلُ هُنَا، ثُمَّ الْفَصْلُ مَوْهُومٌ، وَالْمَوْهُومُ فِيمَا يُبْنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ كَالْمُتَحَقِّقِ، وَتَأْثِيرُ الْفَضْلِ فِي إفْسَادِ الْعَقْدِ كَتَأْثِيرِ عَدَمِ الْقَبْضِ وَأَقْوَى، فَكَمَا أَنَّ تَرْكَ الْقَبْضِ حَتَّى افْتَرَقَا مُفْسِدٌ لِهَذَا الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ تَوَهُّمُ الْفَضْلِ بِتَرْكِ الْوَزْنِ حَتَّى افْتَرَقَا يَكُونُ مُفْسِدًا.
وَإِنْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلَّى بِفِضَّةٍ بِدَرَاهِمَ بِأَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ ثُمَّ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ فَسَدَ الْبَيْعُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَتَبَعَّضُ، مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَقْدَ فَسَدَ فِي حِصَّةِ الْحِلْيَةِ بِتَرْكِ التَّقَابُضِ، وَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ صَحِيحًا فِي حِصَّةِ الْجَفْنِ وَالْحَمَائِلِ كَمَا لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْبَيْعِ فِي الْجَفْنِ وَالْحَمَائِلِ وَالنَّصْلِ دُونَ الْفِضَّةِ فَإِنْ قَبَضَ السَّيْفَ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةَ الْحِلْيَةِ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ؛ لِأَنَّ قَبْضَ حِصَّةِ الْحِلْيَةِ فِي الْمَجْلِسِ مُسْتَحَقٌّ، وَقَبْضُ حِصَّةِ الْجَفْنِ وَالْحَمَائِلِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فَيُصْرَفُ الْمَقْبُوضُ إلَى مَا كَانَ الْقَبْضُ فِيهِ مُسْتَحَقًّا؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ لَا يُعَارِضُ الْمُسْتَحَقَّ، وَإِذَا انْصَرَفَ إلَيْهِ فَإِنَّمَا وُجِدَ الِافْتِرَاقُ بَعْدَ التَّقَابُضِ فِيمَا هُوَ صَرْفٌ، وَكَذَلِكَ إنْ أَجَّلَ الْبَقِيَّةَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَبِيعٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ التَّأْجِيلُ فِيهِ.
وَإِذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ فَتَقَابَضَا ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا سُتُّوقًا، أَوْ رَصَاصًا فَإِنْ كَانَا لَمْ يَتَفَرَّقَا اسْتَبْدَلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ أَصْلًا، وَتَأْخِيرُ الْقَبْضِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ لَا يَصِيرُ، وَإِنْ كَانَا قَدْ افْتَرَقَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِهِ؛ لِأَنَّ السَّتُّوقَ وَالرَّصَاصَ لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ فَيَكُونُ مُسْتَبْدَلًا بِهِ لَا مُسْتَوْفِيًا وَلَكِنْ يَرُدُّهُ، وَكَانَ شَرِيكًا فِي الدِّينَارِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَقْبِضْ دِرْهَمًا حَتَّى افْتَرَقَا، طَعَنَ عِيسَى فِي هَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ قَوْلُهُ: كَانَ شَرِيكًا فِي الدِّينَارِ بِحِصَّتِهِ غَلَطٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ شَرِيكٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الدِّينَارِ بِالْعَشْرِ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ عِنْدَنَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا بَعْدَ التَّقَابُضِ لَوْ تَفَاسَخَا الْعَقْدَ لَمْ يَجِبْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدُّ الْمَقْبُوضِ مِنْ النَّقْدِ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ إنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مِثْلَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي عَيْنِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَهُ عُشْرُ الدِّينَارِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ عُشْرَ ذَلِكَ الدِّينَارِ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ لِوُجُودِ شَرْطِ الْفَسَادِ، وَهُوَ الدَّيْنِيَّةُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ، وَلَكِنْ إذَا وُجِدَ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا مِنْ أَصْلِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّينَارِ مَقْبُوضَةٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ مِنْ حُكْمِ الْقَبْضِ هُنَا لَا مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ، وَالنُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ كَمَا فِي الْقَبْضِ بِحُكْمِ الْهِبَةِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَيْسَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ مَا سَمَّى وَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْتَزِمُ الْمُسَمَّى فِي ذِمَّتِهِ بِالْعَقْدِ، وَذِمَّتُهُ صَالِحَةٌ لِلِالْتِزَامِ فَصَحَّ الْعَقْدُ، ثُمَّ الشَّرْطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَقَدْ وَجَدَهُ، قَالَ: وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْعُرُوضَ وَالْحَيَوَانَ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ أَنَّ السِّلَعَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْعَقْدِ مَبِيعًا، وَحُكْمُ الْبَيْعِ فِي الْمَبِيعِ وُجُوبُ الْمِلْكِ وَالتَّسْلِيمِ فَمَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ حُكْمِ الْبَيْعِ فِيهِ، وَإِضَافَةُ السَّبَبِ إلَى مَحَلٍّ لَا يُفِيدُ حُكْمُهُ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا النُّقُودُ فَمُسْتَحَقَّةٌ بِالْعَقْدِ، وَحُكْمُ الْعَقْدِ فِي الثَّمَنِ وُجُوبُهُ وَوُجُودُهُ بِهِ مَعًا، وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ بِالذِّمَّةِ الصَّالِحَةِ لِلِالْتِزَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ عَيْنًا فَلِهَذَا كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ بَيْعِ الرَّجُلِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ ثَمَنٌ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا بَيَّنَّا، وَفِيهِ بَيَانٌ أَيْضًا أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ فَالْبَيْعُ مَحَلُّهُ الْمَبِيعُ، وَذَلِكَ فِي السِّلَعِ دُونَ الْأَثْمَانِ؛ فَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا الشِّرَاءَ بِثَمَنٍ لَيْسَ عِنْدَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
وَكَذَلِكَ شِرَاءُ تِبْرِ الذَّهَبِ بِتِبْرِ الْفِضَّةِ، أَوْ تِبْرِ الْفِضَّةِ بِتِبْرِ الذَّهَبِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ اسْتَقْرَضَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ثَمَنٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، فَالتِّبْرُ وَالْمَضْرُوبُ فِي كَوْنِهِ ثَمَنًا سَوَاءٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ التِّبْرُ يَرُوجُ بَيْنَ النَّاسِ رَوَاجَ النُّقُودِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْكَلَامَ فِي الشَّرِكَةِ بِالتِّبْرِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ.
وَلَوْ اشْتَرَى إنَاءً مَصُوغًا، أَوْ قَلْبَ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ، أَوْ بِفِضَّةٍ تِبْرٍ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْإِنَاءُ أَوْ الْقَلْبُ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَا فِي الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ قَبْلَ الْفُرْقَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ مُشْتَرِيَهَا مِثْلَهَا، وَلَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا تَتَعَيَّنُ فَبِاسْتِحْقَاقِ الْمَقْبُوضِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يَنْعَدِمُ الْقَبْضُ، وَتَرْكُ الْقَبْضِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ لَا يَضُرُّ، أَمَّا اسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ فَيَنْعَدِمُ بِتَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ فِي الْقَلْبِ وُجُوبُ الْمِلْكِ؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ فَبِاسْتِحْقَاقِهِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِخِلَافِ النُّقُودِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ الْعَقْدَ أَمَّا إذَا أَجَازَهُ جَازَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: إنْ قَالَ الْمُسْتَحِقُّ أُثْبِتُ مِلْكِي لِأُجِيزَ الْعَقْدَ فَلَهُ أَنْ يُجِيزَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَاسْتِحْقَاقُهُ إبْطَالٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِمِلْكٍ مُتَقَرِّرٍ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِسَبَبِ الْإِزَالَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ الْعَقْدَ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَالنُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَنَا، وَيَتَعَيَّنُ عِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ فَحَبَسَهَا وَأَعْطَى الْبَائِعُ مِثْلَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَلَوْ هَلَكَتْ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ، أَوْ اُسْتُحِقَّتْ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ عِنْدَنَا، وَيَبْطُلُ عِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَيَصِحُّ بِهِ التَّعَيُّنُ كَمَا فِي السِّلَعِ، وَهَذَا بَدَلٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ كَالْمَبِيعِ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ النُّقُودَ تُمْلَكُ أَعْيَانُهَا، وَمُوجِبُ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمِلْكُ فِيمَا يُمْلَكُ عَيْنُهُ مِنْ الْمَالِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَكَانَ هَذَا التَّعْيِينُ مُصَادِفًا مَحَلَّهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ حَتَّى إنَّ الْغَاصِبَ لَوْ أَرَادَ حَبْسَ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ، وَرَدَّ مِثْلِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ تَتَعَيَّنُ حَتَّى يَكُونَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهَا، وَفِي الصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي التَّعْيِينِ فَائِدَةً لَهُمَا أَمَّا لِلْبَائِعِ فَلِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْعَيْنَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ غُرَمَاءِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي إبْطَالَ حَقِّهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَرُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ كَسْبٍ حَلَالٍ فَيَرْغَبُ فِيهِ مَا لَا يَرْغَبُ فِي غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَنْفَعَةُ الْمُشْتَرِي فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ آخَرَ إذَا هَلَكَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ، وَأَنْ تَكُونَ ذِمَّتُهُ خَالِيَةً عَنْ الدَّيْنِ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ تَتَعَيَّنُ الدَّرَاهِمُ فِي الْوَكَالَةِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ لِيَشْتَرِيَ بِهَا شَيْئًا فَهَلَكَتْ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، وَيَتَعَيَّنُ فِي النَّذْرِ أَيْضًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ بِعَيْنِهَا طَعَامًا، وَنَقَدَهَا لَا يُبَاحُ لَهُ تَنَاوُلُهَا، وَلَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ لَحَلَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ ثُمَّ نَقَدَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ: إذَا قَالَ إنْ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ بِهَذَا الْأَلْفِ، وَبِهَذَا الْكُرِّ فِيهِمَا صَدَقَةٌ فَبَاعَهُ بِهِمَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُرِّ فَلَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ لَمَا لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ وَبِذَلِكَ الْكُرِّ وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ جَوَازًا لَا اسْتِحْقَاقًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ عَيْنَهَا بِالْعَقْدِ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالدَّرَاهِمِ، وَتُعْتَبَرُ بِعَيْنِهَا حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِالْكُرِّ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ بِالنُّقُودِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ وَإِنْ عُيِّنَتْ، وَلَوْ تَعَيَّنَتْ حَتَّى مَلَكَ عَيْنَهَا لَصَارَ قَبْضُهَا مُسْتَحَقًّا، وَفِي الِاسْتِبْدَالِ تَفْوِيتُ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا فِي السِّلَعِ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ يَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا بَعْدَ التَّعْيِينِ لَمْ يَجُزْ الصَّرْفُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِبَقَاءِ الْغَرَرِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي السِّلَعِ فَإِنْ مَنَعَ الشَّافِعِيُّ هَذَا الْفَصْلَ يُسْتَدَلُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَيْثُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّا نَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَرُبَّمَا نَبِيعُهَا بِالدَّرَاهِمِ وَنَأْخُذُ مَكَانَهَا دَنَانِيرَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا بَأْسَ إذَا افْتَرَقْتُمَا، وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا عَمَلٌ» وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُ أَنَّهُمْ يَبِيعُونَ بِالدَّرَاهِمِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ، وَفِيهِ طَرِيقَتَانِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَحَدُهُمَا أَنَّ تَعْيِينَ النَّقْدِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ لَغْوًا كَتَعْيِينِ الصَّنَجَاتِ وَالْمِكْيَالِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَاعِي فِي الْعَقْدِ مَا يَكُونُ مُفِيدًا، أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا لَا يُعْتَبَرُ فَكَذَلِكَ الشَّرْطُ فِي الْعَقْدِ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ التَّعْيِينَ لَا يُفِيدُ جَوَازَ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ بِتَسْمِيَةِ الدَّرَاهِمِ الْمُطْلَقَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَالْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ الرِّبْحُ، وَذَلِكَ بِقَدْرِ الدَّرَاهِمِ لَا بِعَيْنِهَا، وَلَيْسَ فِي غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مَقْصُودٌ، إنَّمَا الْمَقْصُودُ الْمَالِيَّةُ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ هِيَ وَالْأَحْجَارُ سَوَاءٌ، وَالْمَالِيَّةُ بِاعْتِبَارِ الرَّوَاجِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَمِثْلُهَا وَعَيْنُهَا لَا يَخْتَلِفُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَعَرَفْنَا أَنَّ التَّعْيِينَ غَيْرُ مُفِيدٍ فِيمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ بِالْعَقْدِ، وَبِهِ فَارَقَ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ فَالتَّعْيِينُ هُنَاكَ مُفِيدٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ بِدُونِ التَّعْيِينِ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ إلَّا بِذِكْرِ الْوَصْفِ، وَرُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ إعْلَامِ الْوَصْفِ فَيُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِالتَّعْيِينِ، وَلِأَنَّ أَعْيَانَهَا مَقْصُودَةٌ، وَهِيَ تَتَفَاوَتُ فِي الرِّبْحِ فَكَانَ تَعْيِينُهَا مُفِيدًا فِي الْجُمْلَةِ أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَوَائِدِ فَلَيْسَ مِنْ مَقَاصِدِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ فَائِدَةَ التَّعْيِينِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ، وَفِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ؛ وَهُوَ مِلْكُ الْمَالِ، الدَّيْنُ أَكْمَلُ مِنْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ بِدُونِ التَّعْيِينِ لَا يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ، وَبِالتَّعْيِينِ يَنْتَقِضُ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَعْنَى أَوْ هَلَكَ بَطَلَ مِلْكُهُ فِيهِ، وَإِذَا ثَبَتَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ هَلَاكُهُ، وَلَا بُطْلَانُ الْمِلْكِ فِيهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ، وَهُوَ أَنَّ التَّعْيِينَ لَوْ اُعْتُبِرَ فِي النَّقْدِ يَبْطُلُ بِهِ الْعَقْدُ، وَبِالْإِجْمَاعِ الْعَقْدُ صَحِيحٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ التَّعْيِينَ لَغْوٌ، وَبَيَانُ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ أَنَّ النُّقُودَ لَا تُسْتَحَقُّ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ إلَّا ثَمَنًا، وَالثَّمَنُ مَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ فَإِذَا اُعْتُبِرَ ثُبُوتُ التَّعْيِينِ امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْمُسَمَّى فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا، وَذَلِكَ يُنَافِي مُوجَبَ الْعَقْدِ فَيَكُونُ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ، وَالثَّانِي: هُوَ أَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ فِي الثَّمَنِ وُجُوبُهُ وَوُجُودُهُ مَعًا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ السِّلَعِ فَحُكْمُ الْعَقْدِ فِيهَا وُجُوبُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِيمَا كَانَ مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ لِلْعَقْدِ عَلَى السِّلَعِ قِيَامُهَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ إلَّا فِي مَوْضِعِ الرُّخْصَةِ؛ وَهُوَ السَّلَمُ، فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ حَتَّى يَجُوزَ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا فِي مَوْضِعِ الرُّخْصَةِ؛ وَهُوَ السَّلَمُ، فَهُنَاكَ يَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ دُونَ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ افْتَرَقَا بَعْدَ تَعْيِينِ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَنْجَبِرُ ذَلِكَ النَّقْصُ بِقَبْضِ مَا يُقَابِلُهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ تَعْيِينَ الدَّرَاهِمِ هُنَاكَ بِالْقَبْضِ بِاعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِالتَّعْيِينِ فَكَذَلِكَ فِي بَابِ الصَّرْفِ بَعْدَ التَّعْيِينِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَظْهَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا فَكَانَ التَّعْيِينُ فِي الثَّمَنِ إبْطَالًا لِحُكْمِهِ، وَجَعْلًا لِمَا هُوَ الْحُكْمُ شَرْطًا، وَهَذَا تَغْيِيرٌ مَحْضٌ فَيَكُونُ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ، وَبِالْإِجْمَاعِ الْعَقْدُ صَحِيحٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ التَّعْيِينَ لَغْوٌ، وَبِهَذَا ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: إنَّ التَّعْيِينَ يُصْرَفُ فِي مَحَلِّهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالسِّلْعَةِ، وَاعْتِبَارُ الْعَقْدِ بِالْقَبْضِ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى الْعَيْنِ فَكَانَ التَّعْيِينُ رُكْنًا فِيهِ، وَالْعَقْدُ لَا يَرِدُ عَلَى الثَّمَنِ إنَّمَا يَجِبُ الثَّمَنُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَفِي الْوَكَالَةِ عِنْدَنَا لَا يَتَعَيَّنُ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ بِمِثْلِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ فِي ذِمَّتِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِلْمُوَكِّلِ، وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ رَجَعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمِثْلِهَا أَمَّا قَبْلَ الشِّرَاءِ إذَا هَلَكَتْ فَإِنَّمَا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ فِي نَفْسِهَا، وَالْمُوَكِّلُ لَمْ يَرْضَ بِكَوْنِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ عِنْدَ الشِّرَاءِ فَلَوْ بَقِيَتْ الْوَكَالَةُ لَاسْتَوْجَبَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ، وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ لَا تَتَعَيَّنُ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ حَتَّى لَوْ أَخَذَهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ كَانَ عَلَى الْغَاصِبِ مِثْلُهَا دَيْنًا، وَلَكِنَّهُ اسْتَعَانَ فِي الْعَقْدِ وَالنَّقْدِ بِمَا هُوَ حَرَامٌ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ الْخُبْثُ فَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ لَمْ تَتَعَيَّنْ الدَّرَاهِمُ أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهَا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا أَضَافَ النَّذْرَ إلَيْهِمَا مَعَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ صَارَ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ سَمَّيْتَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ، وَهَذَا الْكُرَّ فِي بَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ فَهُمَا صَدَقَةٌ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، وَمِلْكُ الْكُرِّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالشُّرُوطُ فِي الْأَثْمَانِ تُعْتَبَرُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَالدَّرَاهِمُ بِيضٌ فَأَعْطَاهُ مَكَانَهَا سُودًا، وَرَضِيَ بِهَا الْبَائِعُ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِاسْتِبْدَالٍ، وَالسُّودُ وَالْبِيضُ مِنْ الدَّرَاهِمِ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا أَبْرَأَهُ عَنْ الصِّفَةِ حَتَّى يَجُوزَ بِالسُّودِ فَكَانَ مُسْتَوْفِيًا بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا مُسْتَبْدِلًا، وَمُرَادُهُ مِنْ السُّودِ: الْمَضْرُوبُ مِنْ النُّقْرَةِ السَّوْدَاءِ إلَّا الدَّرَاهِمَ التِّجَارِيَّةَ حَتَّى إنَّهُ لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ بِيضٍ، وَقَبَضَ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ الْبِيضِ التِّجَارِيَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ ضَرْبًا آخَرَ مِنْ الدَّنَانِيرِ سِوَى مَا عَيَّنَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ كَانَ مُسْتَوْفِيًا لَا مُسْتَبْدِلًا لِكَوْنِ الْجِنْسِ وَاحِدًا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا عَيَّنَهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَإِنَّمَا اسْتَوْجَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ مِثْلَ الْمُسَمَّى، وَقِيلَ هَذَا إذَا أَعْطَاهُ ضَرْبًا هُوَ دُونَ الْمُسَمَّى فَإِنْ أَعْطَاهُ ضَرْبًا هُوَ فَوْقَ الْمُسَمَّى فَلَا حَاجَةَ إلَى رِضَا مُشْتَرِي الدَّنَانِيرِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَاهُ حَقَّهُ، وَزِيَادَةً إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ هُوَ مُتَبَرِّعٌ عَلَيْهِ بِزِيَادَةِ صِفَةٍ فَلَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ تَبَرُّعَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي السَّلَمِ.
وَلَوْ اشْتَرَى أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَمْ يُسَمِّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا شَيْئًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْدُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ هِيَ الْمُعَامَلَةُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ، وَإِلَيْهِ يَنْصَرِفُ مُطْلَقُ التَّسْمِيَةِ، وَالتَّعْيِينُ بِالْعُرْفِ كَالتَّعْيِينِ بِالنَّصِّ يَقُولُ: وَإِذَا كَانَ بِالْكُوفَةِ فَهُوَ عَلَى دَنَانِيرَ كُوفِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي الْبُلْدَانِ تَخْتَلِفُ وَتَتَفَاوَتُ فِي الْعِيَارِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ الْإِنْسَانُ بِمَا هُوَ النَّقْدُ الْمَعْرُوفُ فِيهَا فَإِذَا كَانَ بِبَلَدٍ نَقْدٌ مُخْتَلِفٌ مُتَفَاضِلٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ ضَرْبًا مِنْ ذَلِكَ مَعْلُومًا، وَالضَّرْبُ الْمَعْلُومُ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ الدِّينَارِ نَيْسَابُورِيًّا، أَوْ كُوفِيًّا وَنَحْوَهُ، وَمِنْ الدَّرَاهِمِ عِطْرَبَعْثِيًّا، أَوْ مُؤَيَّدِيًّا، وَنَحْوَهُ إذَا كَانَتْ النُّقُودُ فِي الرَّوَاجِ سَوَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَرْجِيحُ بَعْضِهِ عِنْدَ إطْلَاقِ التَّسْمِيَةِ فَيَبْقَى الْمُسَمَّى مَجْهُولًا، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَالْمُطَالِبُ يُطَالِبُ بِأَعْلَى النُّقُودِ، وَالْمَطْلُوبُ بِأَدْنَى النُّقُودِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْتَجُّ بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ فَلِهَذَا فَسَدَ الْعَقْدُ إذَا لَمْ يُسَمِّيَا ضَرْبًا مَعْلُومًا، وَإِنْ كَانَ نَقْدًا مِنْ ذَلِكَ مَعْرُوفًا، وَشَرَطَا فِي الْعَقْدِ نَقْدًا آخَرَ فَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ عَلَى النَّقْدِ الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ النَّقْدِ الْغَالِبُ بِالْعُرْفِ، وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ عِنْدَ التَّنْصِيصِ بِخِلَافِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَائِدَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْإِنْسَانِ إذْنٌ بِالتَّنَاوُلِ لِلْعُرْفِ، ثُمَّ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ إذَا قَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: شَرَطْتَ لِي كَذَا؛ لِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ النَّقْدِ الْمَعْرُوفِ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ أَشْتَرِطْ لَك ذَلِكَ فَعَلَيْهِمَا الثَّمَنُ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي صِفَةِ الثَّمَنِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ، وَالدَّيْنُ يُعْرَفُ بِصِفَتِهِ، وَالْجَيِّدُ مِنْهُ غَيْرُ الرَّدِيءِ حَتَّى إذَا حَضَرَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ الْآخَرِ، وَاخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الثَّمَنِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ بِالنَّصِّ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ كَإِقْرَارِهِ، وَإِنْ تَحَالَفَا تَرَادَّا، وَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا الْبَيِّنَةُ أُخِذَتْ بَيِّنَةُ الَّذِي يَدَّعِي الْفَضْلَ مِنْهُمَا لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ فِيهَا.
قَالَ: وَإِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ سَيْفًا مُحَلَّى بِفِضَّةٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَقَبَضَ السَّيْفَ وَلَمْ يَنْقُدْ الدَّنَانِيرَ لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى بَاعَ الْمُشْتَرِي السَّيْفَ مِنْ آخَرَ، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ، وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى افْتَرَقُوا فَإِنَّهُ يَرُدُّ السَّيْفَ إلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ صَرْفٌ فَيَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ الثَّانِي رَجَعَ السَّيْفُ إلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ عَلَى الْمِلْكِ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَقَدْ فَسَدَ شِرَاؤُهُ أَيْضًا فَلَزِمَهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ إلَى الْبَائِعِ، وَلَوْ لَمْ يُفَارِقْ الْآخِرُ الْأَوْسَطَ حَتَّى فَارَقَ الْأَوَّلَ نَقَدَهُ الْآخِرُ جَازَ بَيْعُ الْأَوْسَطِ فِي السَّيْفِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِعَدَمِ تَمَامِ مِلْكِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ الثَّانِي بِالتَّقَابُضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَفَسَدَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ فَوَجَبَ عَلَى الْأَوْسَطِ رَدُّ السَّيْفِ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ فَارَقَهُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ إنَّ الْأَوْسَطَ بَاعَ السَّيْفَ مِنْ الْآخِرِ جَازَ بَيْعُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَإِنْ فَسَدَ بِالِافْتِرَاقِ فَقَدْ بَقِيَ مِلْكُهُ بِبَقَاءِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ السَّبَبِ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ عِنْدَ الْقَبْضِ فَلَا يُمْنَعُ بَقَاؤُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، ثُمَّ بِتَقَرُّرِ بَيْعِهِ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا قِيمَةَ السَّيْفِ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ بَاعَ الْأَوْسَطُ نِصْفَ السَّيْفِ ثُمَّ فَارَقَهُ الْأَوَّلُ ثُمَّ قَبَضَ مِنْ الْآخِرِ الثَّمَنَ، وَدَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ السَّيْفِ، أَوْ لَمْ يَدْفَعْ حَتَّى جَاءَ الْأَوَّلُ وَخَاصَمَهُمْ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَى الْأَوَّلِ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِي نِصْفِ السَّيْفِ، وَقَدْ فَسَدَ السَّبَبُ فِيهِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ، وَقَدْ جَازَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهِ فَيَضْمَنُ الْأَوْسَطُ نِصْفَ قِيمَةِ السَّيْفِ لِلْأَوَّلِ مِنْ الذَّهَبِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا إذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَنَقَدَ الدَّنَانِيرَ وَقَالَ الْآخِرُ: اجْعَلْ الدَّرَاهِمَ قِصَاصًا بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لِي عَلَيْك فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ قِصَاصًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُقَاصَّةَ بَدَلَ الصَّرْفِ بِدَيْنٍ سَبَقَ وُجُوبُهُ عَلَى عَقْدِ الصَّرْفِ يَجُوزُ عِنْدَنَا- اسْتِحْسَانًا- إذَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ بِالْعَقْدِ الْمُطْلَقِ يَصِيرُ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ مُسْتَحَقًّا، وَفِي الْمُقَاصَّةِ تَفْوِيتُ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، فَلَا يَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا كَمَا لَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ، وَالِاسْتِبْدَالُ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْمُقَاصَّةِ يَكُونُ آخِرُ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءً عَنْ أَوَّلِهِمَا، وَلَا يَكُونُ أَوَّلُهُمَا قَضَاءً عَنْ آخِرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتْلُو الْوُجُوبَ وَلَا يَسْبِقُهُ فَلَوْ جَوَّزْنَا هَذِهِ الْمُقَاصَّةَ صَارَ قَاضِيًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا، وَبَدَلُ الصَّرْفِ يَجِبُ قَبْضُهُ وَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ دَيْنٍ آخَرَ بِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ فَإِنَّهُمَا لَوْ جَعَلَاهُ قِصَاصًا بِدَيْنٍ سَبَقَ وُجُوبُهُ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ بَدَلُ الصَّرْفِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ مُسْتَحَقٌّ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا فَقَدْ حَوَّلَا عَقْدَ الصَّرْفِ إلَى ذَلِكَ الدَّيْنِ، وَلَوْ أَضَافَا الْعَقْدَ إلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ جَازَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ دِينَارًا وَيَقْبِضَ الدِّينَارَ فِي الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ إذَا حَوَّلَا الْعَقْدَ إلَيْهِ فِي الِانْتِهَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا تَصْحِيحَ هَذِهِ الْمُقَاصَّةِ، فَلَا طَرِيقَ لَهُ سِوَى هَذَا، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ يَكُونُ مَقْصُودُ الْكُلِّ وَاحِدًا، وَلِهَذَا شَرَطْنَا تَرَاضِيهِمَا عَلَى الْمُقَاصَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ الْمُقَاصَّةُ تَقَعُ بِدُونِ التَّرَاضِي؛ لِأَنَّ هَذَا تَحْوِيلُ الْعَقْدِ إلَى ذَلِكَ الدَّيْنِ، وَالْعَقْدُ قَدْ تَمَّ بِهِمَا فَالتَّصَرُّفُ بِهِ بِالتَّحْوِيلِ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا، وَعِنْدَ التَّرَاضِي الْعَقْدُ الْقَائِمُ بَيْنَهُمَا حَقُّهُمَا، وَيَمْلِكَانِ اسْتِدَامَتَهُ وَرَفْعَهُ فَيَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِالتَّحْوِيلِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ وَهَذَا خَيْرٌ مِمَّا يَقُولُهُ الْعِرَاقِيُّونَ- رَحِمَهُمُ اللَّهُ- إنَّ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْمُقَاصَّةِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا فَسَخَا الْعَقْدَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ جَدَّدَاهُ مُضَافًا إلَى ذَلِكَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ هَذَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِقَالَةِ يَصِيرُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ مُسْتَحَقًّا فِي الْمَجْلِسِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا لَوْ جَعَلَا بَدَلَ الصَّرْفِ قِصَاصًا بِدَيْنٍ تَأَخَّرَ وُجُوبُهُ عَنْ عَقْدِ الصَّرْفِ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَوْ كَانَ التَّصْحِيحُ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَجَازَ، وَالدَّيْنُ الْمُتَقَدِّمُ وَالْمُتَأَخِّرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ تَحْوِيلَ الْعَقْدِ إلَى مَا كَانَ يَصْلُحُ مِنْهُمَا إضَافَةُ الْعَقْدِ إلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ الَّذِي سَبَقَ وُجُوبُهُ عَلَى عَقْدِ الصَّرْفِ دُونَ مَا تَأَخَّرَ وُجُوبُهُ عَنْهُ.
وَأَشَارَ فِي الزِّيَادَاتِ إلَى أَنَّ الْمُقَاصَّةَ أَيْضًا تَقَعُ بِالدَّيْنِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ عَقْدِ الصَّرْفِ، وَذَكَرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ مِثْلَ مَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَبِهَذَا فَارَقَ رَأْسُ الْمَالِ السَّلَمَ فَإِنَّهُمَا لَوْ أَضَافَا عَقْدَ السَّلَمِ إلَى رَأْسِ مَالٍ هُوَ دَيْنٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إذَا افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فَكَذَلِكَ إذَا حَوَّلَا الْعَقْدَ إلَيْهِ فِي الِانْتِهَاءِ بِخِلَافِ عَقْدِ الصَّرْفِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ رَأْسَ الْمَالِ هُنَاكَ دَيْنٌ، وَبِالْمُقَاصَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ رَأْسُ الْمَالِ فَيَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَهُنَا مَا يُقَابِلُ الدَّيْنَ غَيْرُ مَقْبُوضٍ فِي الْمَجْلِسِ، وَالِافْتِرَاقُ عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ جَائِزٌ فَإِنْ أَدَّى بَعْضَ الدَّرَاهِمِ، ثُمَّ فَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْبَقِيَّةَ انْتَقَصَ مِنْ الصَّرْفِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَالْفَسَادُ لِمَعْنًى طَارِئٍ فِي بَعْضِ الْعَقْدِ لَا يَتَعَدَّى إلَى مَا بَقِيَ، وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا وَكِيلًا بِالدَّفْعِ وَالْقَبْضِ جَازَ بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَ الْوَكِيلُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَ الْمُتَعَاقِدَانِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِذَهَابِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَاقِدِينَ، وَفِعْلُ وَكِيلِ أَحَدِهِمَا لَهُ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا بِثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ لِمَا فِي الِاسْتِبْدَالِ مِنْ تَفْوِيتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلِأَنَّ الْقَبْضَ مُعْتَبَرُ التَّعْيِينِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الصَّرْفِ بِطَرِيقِ الِاسْتِبْدَالِ وَكَذَلِكَ لَا يَشْتَرِي بِهِ مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الدَّيْنِ مَعَ مَنْ عَلَيْهِ أَقْرَبُ إلَى النُّقُودِ مِنْهُ مَعَ غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِبْدَالُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ مَعَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَمَعَ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ وَإِذَا اشْتَرَى إبْرِيقَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَنَقَدَ خَمْسَمِائَةٍ وَقَبَضَ الْإِبْرِيقَ ثُمَّ افْتَرَقَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ نِصْفُ الْإِبْرِيقِ، وَيَبْطُلُ نِصْفُهُ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَلَا يَتَخَيَّرُ فِي الرَّدِّ بِسَبَبِ عَيْبِ التَّبْعِيضِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِ حِينَ لَمْ يَنْقُدْ بَعْضَ الْبَدَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْإِبْرِيقِ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُجْتَمَعَةِ عَيْبٌ فَإِنْ تَقَاصَّا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ ثُمَّ وَجَدَ بِالْإِبْرِيقِ عَيْبًا كَثِيرًا أَوْ هَشِيمًا غَيْرَ نَافِذٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ اسْتَحَقَّ صِفَةَ السَّلَامَةِ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِوُجُودِ الْعَيْبِ.
وَالْقَلْبُ وَالطَّوْقُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالسَّيْفُ الْمُحَلَّى بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرِيقِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ حِينَ وَجَدَ الْعَيْبَ بِالْإِبْرِيقِ لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى انْكَسَرَ عِنْدَهُ لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ بِالرَّدِّ يَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْحِقَ الضَّرَرَ بِالْبَائِعِ، وَفِي الرَّدِّ بَعْدَ حُدُوثِ الْعَيْبِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ، وَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا رَجَعَ بِهِ يَصِيرُ الْعَقْدُ رِبًا؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى بِمُقَابَلَةِ الْإِبْرِيقِ أَقَلُّ مِنْ وَزْنِهِ مِنْ الْفِضَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ دَنَانِيرَ فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا رِبَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِهِ عَيْبًا وَلَكِنَّهُ اسْتَحَقَّ نِصْفَهُ وَلَمْ يَرُدَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى انْكَسَرَ الْإِبْرِيقُ لَزِمَهُ النِّصْفُ الْبَاقِي بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ فِيهِ، وَرَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي النِّصْفِ الْمُسْتَحَقِّ قَدْ بَطَلَ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ، وَنَقَدَهُ الدِّينَارَ، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ قِصَاصًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ تَأَخَّرَ وُجُوبُهُ عَنْ عَقْدِ الصَّرْفِ، وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِبْدَالِ.
وَإِنْ اسْتَقْرَضَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ بَائِعِ الدِّينَارِ، ثُمَّ قَضَاهَا إيَّاهُ بَعْدَ مَا قَبَضَهَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُقْرَضَ صَارَ مَمْلُوكًا لَهُ بِالْقَبْضِ، وَصَارَ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ عَنْ مَجْلِسِ عَقْدِ الصَّرْفِ قَدْ حَصَلَ بَعْدَ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ، وَإِنَّمَا الْبَاقِي لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ بَدَلُ الْقَرْضِ.
وَإِذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ وَتَقَابَضَا إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا بَقِيَ مِنْ الْعَشَرَةِ فَأَرَادَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الدَّرَاهِمَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ عُشْرَ الدِّينَارِ حِينَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْآخَرِ الدِّرْهَمُ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَسَدَ فِي عُشْرِ الدِّينَارِ بِالِافْتِرَاقِ قَبْل قَبْضِ الدِّرْهَمِ، وَهَذِهِ مَطْعُونَةُ عِيسَى وَقَدْ بَيَّنَّاهَا، فَإِنْ اشْتَرَى مِنْهُ بِعُشْرِ الدِّينَارِ فُلُوسًا أَوْ عَرَضًا مُسَمًّى جَازَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الصَّرْفِ لَمَّا فَسَدَ فِيهِ بَقِيَ مِلْكًا لَهُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ أَوْ دَيْنًا لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَاجِبًا بِسَبَبِ الْقَبْضِ دُونَ عَقْدِ الصَّرْفِ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ كَبَدَلِ الْقَرْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَالدَّرَاهِمُ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ، وَالِاسْتِبْدَالُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَبَاعَ دَيْنَهُ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَبَضَ الدَّنَانِيرَ لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الدَّنَانِيرَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُرَدُّ إلَّا عَلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَمَا فِي ذِمَّةِ زَيْدٍ لَا يَكُونُ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّ عَمْرٍو فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ، وَلَا يَدْرِي مَتَى يَسْتَوْفِي، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ النَّقْدُ الْمُضَافُ إلَيْهِ يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَالشِّرَاءُ بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ سَوَاءٌ كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ الشِّرَاءُ بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ صَحِيحٌ كَمَا يَصِحُّ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّيْنِ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ الْمَظْنُونِ شَيْئًا ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ كَانَ الشِّرَاءُ صَحِيحًا بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى عَيْنٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ لِتَتْمِيمِ الْمِلْكِ فِيهِ، وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ عِنْدَ إضَافَةِ الشِّرَاءِ إلَى الدَّيْنِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مِلْكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِالْبَدَلِ، وَإِذَا مَلَكَ بِغَيْرِ بَدَلٍ لَمْ يَجُزْ فَإِذَا مَلَكَهُ بِبَدَلٍ أَوْلَى ثُمَّ لِلْفَسَادِ هُنَا طَرِيقَتَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِإِضَافَةِ الشِّرَاءِ إلَى ذَلِكَ الدَّيْنِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ الْأَجَلَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ ذَلِكَ الدَّيْنُ فَيَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ، وَلَا يَدْرِي مَتَى يَخْرُجُ، وَشَرْطُ الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْمُشْتَرِي فِي ذِمَّةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي مُسْتَحَقًّا بِالشِّرَاءِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ فَارَقَ مَا إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ أَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ الْمَظْنُونِ شَيْئًا.
وَإِذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ فَبَاعَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ، أَوْ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ، وَتَقَابَضَا فَجَاءَ صَاحِبُهَا فَأَخَذَهَا مِنْ الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَا لَمْ يَتَفَرَّقَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ اُسْتُحِقَّ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَتَقَابَضَا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ بِمِثْلِ مَا عَيَّنَهُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَا قَدْ افْتَرَقَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ إذَا أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ لِانْتِقَاضِ الْقَبْضِ بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُسْتَحِقُّ وَلَكِنَّهُ أَجَازَ الْبَيْعَ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَكَانَ لَهُ مِثْلُهَا عَلَى الْمُودَعِ، وَقَالَ زُفَرُ: الصَّرْفُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ حَصَلَ قَبْلَ الْمِلْكِ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَا يَمْلِكُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ لَا يَكُونُ تَامًّا، فَلَا يَنْفُذُ الْعَقْدُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِجَازَةِ، كَمَا لَوْ افْتَرَقَا وَلِأَحَدِهِمَا شَرْطُ خِيَارٍ، ثُمَّ أُسْقِطَ الْخِيَارُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: افْتَرَقَا بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ وَبَعْدَ تَمَامِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ سَبَبُ مِلْكٍ تَامٍّ فَالْقَبْضُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ يَكُونُ تَامًّا أَيْضًا، وَإِنَّمَا فِيهِ خِيَارٌ حُكْمِيٌّ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فَإِذَا أُسْقِطَ هَذَا الْخِيَارُ بِالْإِجَازَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الِافْتِرَاقَ حَصَلَ عَنْ قَبْضٍ تَامٍّ فَالْإِجَازَةُ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ شَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْعَقْدَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِالشَّرْطِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ إبْرِيقَ فِضَّةٍ فَبَاعَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَتَقَابَضَا فَأَجَازَ صَاحِبُهُ الْبَيْعَ كَانَ الثَّمَنُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ هُنَا بَائِعُ الْإِبْرِيقِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ، وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَ صَاحِبُهُ كَانَ الثَّمَنُ لَهُ، وَفِي الْأَوَّلِ الْمُودِعُ مُشْتَرِي الدَّنَانِيرِ لِنَفْسِهِ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ نَقَدَ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ دَيْنًا عَلَيْهِ فَكَانَ مُسْتَقْرِضًا فَإِذَا أَجَازَهُ صَاحِبُهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُ دَرَاهِمِهِ.
وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَدِينَارًا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ، وَالْفَضْلُ بِالدِّينَارِ.
وَلَوْ اشْتَرَى دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا بِدِينَارَيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا- اسْتِحْسَانًا- عَلَى أَنْ يُصْرَفَ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي السَّلَمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.