سورة البقرة / الآية رقم 102 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلاَ المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ

البقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


قلت: {عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} على حذف مضاف، أي: على عهد ملك سليمان، أو {عَلَى} بمعنى {في}، وقوله: {وَمَا أُنزِل} عطفٌ على السحر، عَطْفَ تفسير، والفتنة في الأصل: الاختبار، تقول: فتنت الذهب والفضة إذا أدخلتهما النار لتعلم جودتهما من رداءتهما، وقوله: {لَمَثُوبَةٌ} جواب {لَّوْ}، والأصل: لأثِيبوا، ثم عَدَلَ إلى الجملة الاسمية لتدل على الثبوت.
يقول الحقّ جلّ جلاله: في شأن اليهود: ولما جاءهم كتاب من عند الله نبذوه {وَاتَّبَعُوا} ما تقرأ {الشَّيَاطِينُ} على الناس من السحر {عَلَى} عهد {مُلْكِ سُلَيْمَانَ}، وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ويضمون إلى ما سمعوا أكاذيب، ويلقونها إلى الكهنة، وهم يدونونها ويعلمونها الناس، وفَشَا ذلك في عهد سليمان حتى قيل: إن الجن يعلم الغيب، وإن ملك سليما إنما قام بهذا، وأنه به سخر الجن والإنس والريح، فجمع سليمان ما دُوِّن منه ودفنه، فاستخرجته الشياطين بعد موته، فردَّ الله تعالى قولهم بقوله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} باستعمال السحر؛ لأنه تعظيم غير الله بالتقرب للشيطان، والنبيّ معصوم {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ} هم الذين {كَفَرُوا} باستعماله {يُعلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} إغواء وإضلالاً، ويعلمون {مَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَينِ} في بلد بابل من سواد الكوفة، وهما {هَارُوتَ وَمَارُوتَ}.
كانا ملكين من أعبد الملائكة، ولما رأت الملائكة ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة في زمن إدريس عليه السلام عيروهم بذلك، وقالوا: يا ربنا هؤلاء الذين جعلهم خليفة في الأرض يعصونك؟ فقال الله تعالى: لو أنزلتكم إلى الأرض، وركَّبْتُ فيكم ما ركبت ُ فيهم لارتكبتم ما ارتكبوا، قالوا: سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نعصيك. فقال الله تعالى: فاختاروا ملكين من خِياركم أُهبطهما إلى الأرض. فاختاروا هاروت وماروت، وكانا من أعبد الملائكة، فركّب الله تعالى فيهما الشهوة، وأمرهما أن يحكما في الأرض بين الناس بالحق، في الأرض بين الناس بالحق، ونهاهما في الشرك والقتل بغير الحق، والزنا وشرب الخمر، فكانا يقضيان بين الناس يومهما، فإذا أمسيا ذكرا اسم الله الأعظم وصعدا إلى السماء، فاختصمت إليهما ذات يوم امرأة يقال لها الزهرة: وكانت من أجمل النساء من أهل فارس، فأخذت بقلبيهما، فراوداها عن نفسها، فأبت ثم عاودت في اليوم الثاني، ففعلا مثل ذلك فأبت، وقالت: إلا أن تعبدا ما أعبد، وتصليا لهذا الصنم، وتقتلا النفس وتشربا الخمر، فأبيا هذه الأشياء، وقالا: إن الله نهاهنا عنها، فانصرفت، ثم عادت في اليوم الثالث، فراداها، فعرضت عليهما ما قالت بالأمس، فقالا: الصلاة لغير الله ذنب عظيم، وأهونُ الثلاث شرب الخمر، فشربا، وانتشيا، ووقعا بالمرأة، فلما فرغا رآهما إنسان فخاف أن يظهر عليهما فقتلاه.
وفي رواية عن سيّدنا عليّ- كرّم الله وجهه- أنه قال: (قالت لهما: لن تدركاني حتى تخبراني بالذي تصعدان به إلى السماء، فقالا: باسم الله الأعظم، فعلماها ذلك، فتكلمت به، وصعدت إلى السماء فمسخها الله كوكباً).
ولذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا رأى سهيلاً قال: «لَعَنَ اللّهُ سُهيلاً؛ كَانَ عَشَّاراً بِاليمن، ولَعَنَ اللّهُ الزهْرةَ، وقال: إِنَها فتنت مَلَكَين».
قلت: قصة هارون وماروت ذكرها المنذري في شرب الخمر، وقال في حديثها: رواه أحمد وابن حبان في صحيحه من طريق زهير بن محمد، وقد قيل: إن الصحيح وقفه على كعب. اهـ. وقال ابن حجر: قصة هاروت وماروت جاءت بسند حسن، خلافاً لمن زعم بطلانها كعياض ومن تبعه.
وتمام قصتهما: أنهما لما قارفا الذنب وجاء المساء همّا بالصعود، فلم تطاوعهما أجنحتهما، فعلما ما حلّ بهما، فقصدا إدريس عليه السلام، فأخبراه، وسألاه الشفاعة إلى الله تعالى فشفع فيهما، فخيّرهما الله تعالى بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا لانقطاعه، فهما يعذبان في بئر ببابل، منكسان معلقان بالسلاسل من أجر لهما، مزرقة أعينهما، ليس بينهما وبين الماء إلا قدر أربعة أصابع، وهما يعذبان بالعطش. اهـ. فإن قلت: الملائكة معصومون فكيف يصح هذا من هاروت وماروت؟ قلنا: لما ركب الله فيهما الشهوة النسلخا من حكم المَلَكيَّة إلى حكم البشرية ابتلاء من الله تعالى لهما، فلم يبق لهما حكم الملائكة من العصمة. {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدِ} السحر حتى ينصحاه ويقولا: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} لكم، واختبار من الله تعالى لعباده، ليظهر من يصبر عنه ومن لا يصبر، وكان تعلمه في ذلك الوقت كفراً، فيقولان له: {فَلا تَكْفُرْ} بتعلُّمه، فكانوا يتعلمون {مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ} وقدرته، فلا تأثير لشيء إلا بإذن الله، ويتعلمون منهما {مَا يَضُرُّهُمْ} يوم القيامة {وَلا يَنفَعُهُمْ}، ولقد علم بنو إسرائيل أن من اشتراه واستبدله بكتاب الله والعلم بما فيه {مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ} نصيب، {وَلَبِئْسَ} ما باعوا به حظ أنفسهم من النعيم {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، ولكن لما لم يعملوا بعلمهم كانوا كمن لا علم عنده. {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمنُوا} بالله ورسوله {وَاتَّقَوْا} الكفر والسحر، لأثيبوا ثواباً كبيراً، وكان ذلك خيراً لهم ما استوجبوه من العقاب {لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.
الإشارة: كل من أكَبُّ على دنياه وتتبع حظوظه وهواه، وترك العمل بما جاء من عند الله، يصدق عليه أنه نبذ كتاب الله، واشتغل بما سواه من حب الدنيا والرئاسة والجاه، فالدنيا سحارة غرارة، تسحر القلوب وتغيبها عن حضرة علام الغيوب وفي الحديث: «اتَقُوا الدُّنْيَا فإنْهَا أسْحَرُ مِنْ هَارُوتَ وَمَارُوتَ»، ولا شك أنها تفرق بين الأحباب وبين العشائر والأصحاب، ولقد علم من أخذ الدنيا ونعيمها، وأكب عليها ما له في الآخرة من نصيب، فبقدر ما يأخذ من نعيم الدنيا وشهواتها ينقص له من نعيم الآخرة.
ولبئس ما شروا به أنفسهم- حيث آثروا الحياة الدنيا على الآخرة- لو كانوا يعلمون. ولو أنهم آمنوا بالله، واتقوا كل ما يشغل عن الله لكانوا من أولياء الله، وتلك المثوبة- التي صاروا إليها- خير لو كان يعلمون.
قال عبد الواحد بن زيد: سمعت أن جارية مجنونة في خراب الأُبُلَّةِ تنطق بالحِكَم، فطلبتها حتى وجدتها، وهي محلوقة الرأس، وعليها جبة صوف، فلما رأتني قال: مَرحباً بك يا عبد الواحد، ثم قالت: يا عبد الواحد ما جاء بك؟ فقلت: تعظينني، فقالت: واعجباً لواعظ، يوعظ، يا عبد الواحد... اعلم أن العبد إذا كان في كفاية، ومال إلى شيء من الدنيا، سلبه الله حلاوة الزهد، وظل حيراناً وَلِهاً، فإن كان له عند الله نصيب عاتبه وَحْياً في سره، فيقول له: عبدي أردت رفع قدرك عند ملائكتي، وأجعلك دليلاً لأوليائي، ومرشداً لأهل طاعتي، فملت إلى عرض الدنيا وتركتني، فأورثك ذلك الوحشة بعد الأنس، والذل بعد العز، والفقر بعد الغنى، ارْجَعْ إلى ما كنت عليه أُرجع إليك ما كنت تعرفه من نفسك. ثم انصرفت عني وتركتني وبقيت حسرتها في قلبي. اهـ.
ولما كان المسلمون يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم: راعنا يا رسول الله وأرْعِنا سَمْعَكَ، يَعْنُون من المراعاة والأنتظار، وهي عند اليهود سب من الرعونة، ففرحت اليهود، وقالوا: كنا نسب محمداً سرّاً، فأعلنوا له بالشتم، فكانوا يقولون: يا محمد راعنا ويضحكون، نهى الله تعالى المسلمين عن هذه اللفظة.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال