سورة الأعراف / الآية رقم 171 / تفسير تفسير أبي حيان / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَإِذْ نَتَقْنَا الجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المُبْطِلُونَ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ سَاءَ مَثَلاً القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ المُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ

الأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعراف




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


النّتق الجذب بشدة وفسّره بعضهم بغايته وهو القلع وتقول العرب نتقت الزبدة من فم القربة والناتق الرّحم التي تقلع الولد من الرجل. وقال النابغة:
لم يحرموا حسن الفداء وأمّهم *** طفحت عليك بناتق مذكار
وفي الحديث «عليكم بزواج الأبكار فإنهن انتق أرحاماً وأطيب أفواهاً وأرضى باليسير» الانسلاخ: التعري من الشيء حتى لا يعلق به منه شيء ومنه شيء ومنه انسلخت الحية من جلدها. الكلب حيوان معروف ويجمع في القلة على أكلب وفي الكثرة على كلام وشذوا في هذا الجمع فجمعوه بالألف والتاء فقالوا كلابات، وتقدّمت هذه المادة في {مكلبين} وكرّرناها لزيادة فائدة، لهث الكلب يلهث بفتح الهاءين ماضياً ومضارعاً والمصدر لهثاً ولهثاً بالضم أخرج لسانه وهي حالة له في التعب والراحة والعطش والريّ بخلاف غيره من الحيوان فإنه لا يلهث إلا من إعياء وعطش، لحد وألحد لغتان قيل بمعنى واحد هو العدول عن الحقّ والإدخال فيه ما ليس منه قاله ابن السكيت، وقال غيره: العدول عن الاستقامة والرّباعي أشهر في الاستعمال من الثلاثي وقال الشاعر:
ليس الأمير بالشحيح الملحد ***
ومنه لحد القبر وهو الميل إلى أحد شقيه ومن كلامهم ما فعل الواحد قالوا: لحده اللاحد، وقيل ألحد بمعنى مال وانحرف ولحد بمعنى ركن وانضوى قاله الكسائي، متن متانة اشتدّ وقوي، أيان ظرف زمان مبني لا يتصرف وأكثر استعماله في الاستفهام ويليه الاسم مرفوعاً بالابتداء والفعل المضارع لا الماضي بخلاف متى فإنهما يليانه قال تعالى: {أيان يبعثون} و{أيان مرساها} قال الشاعر:
أيان تقضي حاجتي أيانا *** أما ترى لفعلها إبانا
وتستعمل في الجزاء فتجزم المضارعين وذلك قيل فيها ولم يحفظ سيبويه لكن حفظه غيره وأنشدوا قوله الشاعر:
إذا النعجة العجفاء باتت بقفرة *** فأيّان ما تعدل بها الريح تنزل
وقال غيره:
أيان نؤمنك تأمن غيرنا وإذا *** لم تدرك الأمن منا لم تزل حذرا
وقال ابن السّكيت: يقال هذا خلف صدق وهذا خلف سوء ويجوز هؤلاء خلف صدق وهؤلاء خلف سوء واحدة وجمعه سواء، وقال الشاعر:
إنا وحدنا خلفاً بئس الخلف *** عبداً إذا ما ناء بالحمل وقف
انتهى. وقد جمع في الردى بين اللغتين في هذا البيت، وقال النضر بن شميل: التحريك والإسكان معاً في القرآن الردى وأما الصالح فبالتحريك لا غير وأكثر أهل اللغة على هذا إلا الفرّاء وأبا عبيدة فإنهما أجازا الإسكان في الصالح والخلف أما مصدر خلف ولذلك لا يثنّي ولا يجمع ولا يؤنث وإن ثنى وجمع وأنّث ما قبله وإما جمع خالف كراكب وركب وشارب وشرب قاله ابن الأنباري، وليس بشيء لجريانه على المفرد واسم الجمع لا يجري على المفرد، قال ابن عباس وابن زيد: هنا هم اليهود، قال الزمخشري: وهم الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ورثوا الكتاب} التوراة بقيت في أيديهم بعد سلفهم يقرأونها ويقفون على ما فيها من الأوامر والنواهي والتحريم والتحليل ولا يعملون بها، وقال الطبري هم أبناء اليهود وعن مجاهد أنهم النصار وعنه أنهم هؤلاء الأمة، وقرأ الحسن: {ورثوا} بضم الواو وتشديد الراء وعلى الأقوال يتخرّج {الكتاب} أهو التوراة أو الإنجيل والقرآن و{عرض هذا الأدنى} هو ما يأخذونه من الرِّشا والمكاسب الخبيثة والعرض ما يعرض ولا يثبت وفي قوله: عرض هذا الأدنى تخسيس لما يأخذونه وتحقير له وأنهم مع علمهم بما في كتابهم من الوعيد على المعاصي يقدّمون لأجل العامة على تبديل الكتاب وتحريفه كما قال تعالى: {ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً} والأدنى من الدنو وهو القرب لأن ذلك قريب منقضٍ زائل، قال الزمخشري: وإما من دنو الحال وسقوطها وقلّتها، ويقولون {سيغفر لنا} قطع على الله بغفران معاصيهم أي لا يؤاخدنا الله بذلك والمناسب إذ ورثوا الكتاب أن يعملوا بما فيه وأنه إن قضي عليهم بالمعصية أن لا يجزموا بالمغفرة وهم مصرون على ارتكابها، و{لنا} في موضع المفعول الذي لم يسمّ فاعله، وقيل ضمير مصدر يأخذون أي {سيغفر} هو أي الأخذ {لنا}.
{وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه}. الظاهر أن هذا استئناف إخبار عنهم بانهماكهم في المعاصي وإن أمكنهم الرّشا والمكاسب الخبيثة لم يتوقفوا عن أخذها ثانية، ودائماً فهم مصرُّون على المعاصي غير مكترثين بالوعيد كما جاء والفاجر من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله والعرض بفتح الراء متاع الدنيا قاله أبو عبيدة، يقال: إن الدنيا عرض حاضر يأخذ منها البرّ والفاجر، والعرض بسكون الراء الدراهم والدنانير التي هي رؤوس الأموال وقيم المتلفات، قال السدّي: كانوا يعيرون القاضي فإذا ولّى المعير ارتشى، وقيل كانوا لو أتاهم من الخصم الأجر رشوة أخذوها ونقضوا بالرشوة الثانية ما قضوا بالرشوة الأولى. وقال الشاعر:
إذا ما صبّ في القنديل زيت *** تحوّلت القضية للمقندل
وقال آخر:
لم يفتح الناس أبواباً ولا عرفوا *** أجدى وأنجح في الحاجات من طبق
إذا تعمم بالمنديل في طبق *** لم يخش نبوة بواب ولا غلق
ولهذه الأمة من هذه الآية نصيب وافر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتسلكنّ سنن من قبلكم» ومن اختبر حال علمائها وقضاتها ومفتيها شاهد بالعيان ما أخبر به الصادق، وقال الزمخشري: الواو للحال يعني في وإن يأتهم أي يرجون المغفرة وهم مصرّون عائدون إلى مثل قولهم غير ناسين وغفران الذنوب لا يصحّ إلا بالتوبة والمصرّ لا غفران له انتهى، وجمله على جعل الواو للحال لا للعطف مذهب الاعتزال والظاهر ما قدّمناه ولا يردّ عليه بأن جملة الشرط لا تقع حالاً لأنّ ذلك جائز.
{ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يِقولوا على الله إلا الحقّ ودرسوا ما فيه}. هذا توبيخ وتقرير لما تضمنه الكتاب من أخذ الميثاق لا يكذبون على الله. قال ابن زيد: كان يأتيهم المحقّ برشوة فيخرجون له كتاب الله ويحكمون له به فإذا جاء المبطل أخذوا منه الرشوة وأخرجوا كتابهم الذي كتبوه بأيديهم وحكموا له وأضيف الميثاق إلى الكتاب لأنه ذكر فيه {أن لا يقولوا على الله إلا الحقّ}، وقال بعضهم: هو قولهم {سيغفر لنا} ولا يتعين ذلك بل هو أعم من هذا القول وغيره فيندرج فيه الجزم بالغفران وغيره و{أن لا يقولوا} في موضع رفع على البدل من ميثاق الكتاب، وقال الزمخشري: هو عطف بيان لميثاق الكتاب ومعناه الميثاق المذكور في الكتاب وفيه إنّ إثبات المغفرة بغير توبة خروج عن ميثاق الكتاب وافتراء على الله تعالى وتقول ما ليس بحق عليه وإن فسّر {ميثاق الكتاب} بما تقدم ذكره كان {أن لا يقولوا} مفعولاً له ومعناه لئلا يقولوا ويجوز أن تكون مفسّرة ولا يقولوا نهياً، كأنه قيل ألم يقل لكم لا تقولوا على الله إلا الحق، وقال أيضاً: قبل ذلك {ميثاق الكتاب} يعني قوله في التوراة من ارتكب ذنباً عظيماً فإنه لا يغفر له إلا بالتوبة وكسر فتحة همزتها لغة سليم وهي عندي حرف بسيط لا مركب وجامد لا مشتق وذكر صاحب كتاب اللوامح أن أيّان في الأصل كان أيّ أوان فلما كثر دوره حذفت الهمزة على غير قياس ولا عوض وقلبت الواو ياء فاجتمعت ثلاث ياءات فحذفت إحداها فصارت على ما رأيت انتهى، وزعم أبو الفتح أنه فعلان وفعلال مشتق من أي ومعناه أي وقت وأي فعل من أويت إليه لأنّ البعض آو إلى الكل متساند إليه وامتنع أن يكون فعالاً وفعالاً من أين لأن أيّان ظرف زمان وأين ظرف مكان فأوجب ذلك أن يكون من لفظ أي لزيادة النون ولأن أيان استفهام كما أن أياً كذلك والأصل عدم التركيب وفي أسماء الاستفهام والشرط الجمود كمتى وحيثما وأنى وإذا، رسا يرسو ثبت. الحفي المستقصي للشيء المحتفل به المعتني، وفلان حفي بي بارّ معتن. وقال الشاعر:
فلما التقينا بين السيف بيننا *** لسائلة عنا حفيّ سؤالها
وقال آخر:
سؤال حفي عن أخيه كأنه *** بذكرته وسنان أو متواسن
والإحفاء الاستقصاء ومنه احفاء الشارب والحافي أي حفيت قدميه للاستقصاء في السّير والحفاوة البر واللطف.
{وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم} أي جذبنا الجبل بشدة و{فوقهم} حال مقدرة والعامل فيها محذوف تقديره كائناً فوقهم إذ كانت حالة النتق لم تقارن الفوقية لكنه صار فوقهم، وقال الحوفي وأبو البقاء: {فوقهم} ظرف لنتقنا ولا يمكن ذلك إلا أن ضمن {نتقنا} معنى فعل يمكن أن يعمل في {فوقهم} أي رفعنا بالنتق الجبل فوقهم فيكون كقوله
{ورفعنا فوقهم الطور} والجملة من قوله {كأنه ظلة} في موضع الحال والمعنى كأنه عليهم ظلّة والظلّة ما أظلّ من سقيفة أو سحاب وينبغي أن يحمل التشبيه على أنه بظلة مخصوصة لأنه إذا كان كلّ ما أظل يسمى ظلة فالجبل فوقهم صار ظلة وإذا صار ظلّة فكيف يشبه بظلة فالمعنى والله أعلم كأنه حالة ارتفاعه عليهم ظلة من الغمام وهي الظلة التي ليست تحتها عمد بل إمساكها بالقدرة الإلهية وإن كانت أجراماً بخلاف الظلّة الأرضية فإنها لا تكون إلا على عمد فلما دانت هذه الظلمة الأرضية فوقهم بلا عمد شبهت بظلة الغمام التي ليست بلا عمد، وقيل: اعتاد البشر هذه الأجرام الأرضية ظللاً إذ كانت على عمد فلما كان الجبل مرتفعاً على غير عمد قيل: {كأنه ظلة} أي كأنه على عمد وقرئ طلة بالطاء من أطل عليه إذ أشرف {وظنوا} هنا باقية على بابها من ترجيح أحد الجائزين، وقال المفسّرون: معناه أيقنوا، وقال الزمخشري: علموا وليس كذلك بل هو غلبة ظن مع بقاء الرّجاء إلا أن قيد ذلك بقيد أن لا يعقلوا التوراة، فإنه يكون بمعنى الإتقان، وتقدّم ذكر سبب رفع الجبل فوقهم في تفسير قوله {ورفعنا فوقكم الطور} في البقرة فأغنى عن إعادته وقد كرره المفسرون هنا الزمخشري وابن عطية وغيرهما وذكر الزمخشري: هنا عند ذكر السبب أنه لما نشر موسى عليه السلام الألواح وفيها كتاب الله تعالى لم يبقَ شجر ولا جبل ولا حجر إلا اهتز فلذلك لا ترى يهوديّاً يقرأ التوراة إلاّ اهتز وأنغض لها رأسه انتهى، وقد سرت هذه النزعة إلى أولاد المسلمين فيما رأيت بديار مصر تراهم في المكتب إذا قرأوا القرآن يهتزون ويحركون رؤوسهم وأما في بلادنا بالأندلس والغرب فلو تحرّك صغير عند قراءة القرآن أدبه مؤدّب المكتب وقال له لا تتحرك فتشبه اليهود في الدراسة.
{خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون}. قرأ الأعمش {واذكروا} بالتشديد من الإذكار، وقرأ ابن مسعود وتذكروا وقرئ وتذكروا بالتشديد بمعنى وتذكّروا وتقدّم تفسير هذه الجمل في البقرة.
{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} روي في الحديث من طرق أخذ من ظهر آدم ذرّيته وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم وأن لا إله غيره فأقروا بذلك والتزموه واختلفوا في كيفية الإخراج وهيئة المخرج والمكان والزمان وتقرير هذه الأشياء محلها ذلك الحديث والكلام عليه وظاهر هذه الآية ينافي ظاهر ذلك الحديث ولا تلتئم ألفاظه مع لفظ الآية وقد رام الجمع بين الآية والحديث جماعة بما هو متكلف في التأويل وأحسن ما تكلم به على هذه الآية ما فسره به الزمخشري قال من باب التمثيل والتخييل ومعنى ذلك أنه تعالى نصب لهم الأدلة على ربوبيته وواحدانيته وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى فكأنه سبحانه {أشهدهم على أنفسهم} وقررهم وقال {ألست بربكم} وكأنهم {قالوا بلى} أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا لوحدانيتك وباب التمثيل واسع في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفي كلام العرب ونظيره قول الله عز وجل
{إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيَكون} {فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قَالتا آتينا طائعين} وقول الشاعر:
إذا قالت الانساع للبطن الحقي *** تقول له ريح الصّبا قرقار
ومعلوم أنه لا قول ثم وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى وأن تقولوا مفعول له أي فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشاهدة على صحتها العقول كراهة أن تقولوا يوم القيامة وتقديره إنا كنا عن هذا غافلين لم ننبه عليه أو كراهة أن تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فاقتدينا بهم لأنّ نصب الأدلة على التوحيد وما نبهوا عليه قائم معهم فلا عذر لهم في الإعراض عنه والإقبال على التقليد والاقتداء بالآباء كما لا عذر لآبائهم في الشرك وأدلة التوحيد منصوبة لهم، (فإن قلت): بنو آدم وذرياتهم من هم، قلت: عني ببني آدم أسلاف اليهود الذين أشركوا بالله تعالى حيث قالوا: {عزير ابن الله} وبذرياتهم الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخلافهم المقتدين بآبائهم والدليل على أنها في المشركين وأولادهم قوله تعالى: {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل} والدليل على أنها في اليهود الآيات التي عطفت عليها هي والتي عطفت عليها وهي على نمطها وأسلوبها وذلك على قوله {واسألهم عن القرية} {وإذ قالت أمة منهم} {وإذ تأذن ربّك} {وإذ نتقنا الجبل فوقهم} {واتلُ عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا} انتهى كلام الزمخشري وهو بسط كلام من تقدمه، قال ابن عطية: قال قوم الآية مشيرة إلى هذا التأويل الذي في الدنيا وأخذ بمعنى أوجد وأن الاشهادين عند بلوغ المكلّف وهو قد أعطى الفهم ونصبت له الصفة الدالة على الصانع ونحالها الزجاج وهو معنى تحتمله الألفاظ انتهى، والقول بظاهر الحديث يطرق إلى القول بالتناسخ فيجب تأويله ومفعول {أخذ} ذرياتهم قاله الحوفي ويحتمل في قراءة الجميع أن يكون مفعول أخذ محذوفاً لفهم المعنى و{ذرّياتهم} بدل من ضمير {ظهورهم} كما أنّ {من ظهورهم} بدل من قوله {بني آدم} والمفعول المحذوف هو الميثاق كما قال: {وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً} {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله} وتقدير الكلام: وإذ أخذ ربك من ظهور ذرّيات بني آدم ميثاق التوحيد لله وإفراده بالعبادة واستعار أن يكون أخذ الميثاق من الظهر كان الميثاق لصعوبته وللارتباط به والوقوف عنده شيء ثقيل يحمل على الظهر وهذا من تمثيل المعنى بالجزم {وأشهدهم على أنفسهم} بما نصب لهم من الأدلة قائلاً {ألست بربكم قالوا بلى}، وقرأ العربيان ونافع: {ذرياتهم} بالجمع وتقدّم إعرابه، وقرأ باقي السبعة ذرّيتهم مفرداً بفتح التاء ويتعيّن أن يكون مفعولاً بأخذ وهو على حذف مضاف أي ميثاق ذرياتهم وإنما كان أخذ الميثاق من ذرية بني آدم لأنّ بني آدم لصلبه لم يكن فيهم مشرك وإنما حدث الإشراك في ذريتهم.
{شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين}. أي قال الله شهدنا عليكم أو قال الله والملائكة قاله السدّي، أو قالت الملائكة أو شهد بعضهم على بعض أقوال ومعنى عن هذا عن هذا الميثاق والإقرار بالربوبيّة.
{أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم}. المعنى أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ولا جاءهم رسول مذكر بما تضمنه العهد من توحيد الله وعبادته لكانت لهم حجتان إحداهما: كنا غافلين والأخرى: كنا أتباعاً لأسلافنا فكيف نهلك والذنب إنما هو لمن طرّق لنا وأضلّنا فوقعت الشهادة لتنقطع عنهم الحجج، وقرأ أبو عمرو إن يقولوا بالياء على الغيبة وباقي السبعة بالتاء على الخطاب.
{أفتهلكنا بما فعل المبطلون}. هذا من تمام القول الثاني أي كانوا السبب في شركنا لتأسيسهم الشرك وتقدمهم فيه وتركه سنة لنا والمعنى أنه تعالى أزال عنهم الاحتجاج بتركيب العقول فيهم وتذكيرهم ببعثة الرسل إليهم فقطع بذلك أعذارهم. {وكذلك نفصل الآيات} أي مثل هذا التفصيل الذي فصّلنا فيه الآيات السابقة نفصل الآيات اللاحقة فالكل على نمط واحد في التفصيل والتوضيح لأدلّة التوحيد وبراهينه. {ولعلهم يرجعون} عن شركهم وعبادة غير الله إلى توحيده وعبادته بذلك التفصيل والتوضيح وقرأت فرقة يفصل بالياء أي يفصل هو أي الله تعالى.
{واتلُ عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين} أي {واتلُ} على من كان حاضراً من كفار اليهود وغيرهم ولما كان تعالى قد ذكر أخذ الميثاق على توحيده تعالى وتقرير ربوبيته وذكر إقرارهم بذلك وإشهادهم على أنفسهم ذكر حال من آمن به، ثم بعد ذلك كفر كحال اليهود كانوا مقرين منتظرين بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أطلعوا عليه من كتب الله المنزلة وتبشيرها به، وذكر صفاته فلما بعث كفروا به فذكروا أن ما صدر منهم هو طريقة لأسلافهم اتبعوها واختلف المفسرون في هذا الذي آتاه الله آياته {فانسلخ منه




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال